خلق شروط ملائمة للتلاميذ و للمدرس قصد التعلم و التعليم
من طرف جيرفي سيروا
par Gervais Sirois
ما هي الشروط التي يجب وضعها لكي يتمكن كل التلاميذ من التعلم في المدرسة ؟ ما هي الاستراتيجيات التي يجب تدريسها لكي نجعل من التلميذ كائنا مستقلا في تعلماته ؟ ما هي المعارف و الدرايات التي يتوجب على المدرس امتلاكها لكي يكون قادرا على تدريسها ؟ ها هنا مجموعة من الأسئلة المعقدة تماما من الصعب جدا الاجابة عنها . و رغم ذلك ، لقد انكب عدة أشخاص على الموضوع طوال السنين الأخيرة ، سواء على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي ، و أغنوا مرات عديدة المعارف و الخبرة في الميدان . بعيدا من أي إدعاء ، أريد مقاسمة معكم بعض الأفكار في هذا الموضوع .
يلخص عنوان المقال الحالي جيدا حالتين من الواقع موجودتين على الدوام بداخل كل قسم من اقسامنا . في آن واحد نعثر على الشريكين الرئيسيين و النشاطين المهمين لكل نظام تربوي ، التلميذ و المدرس أو المدرسة ، التعلم و التعليم . كتب ميشال سانت – أونج أنا أدرس ، لكن الآخرين ، هل يتعلمون ؟ . ها هو بدون شك سؤال قد طرحه كل واحد منا في أحد الأيام . هل يعد التعليم مهمة صعبة جدا و ميؤوسة إن لم يتواجد هنالك تعلم في نهاية المطاف ؟
حسب ميريو ، إن فعل « درس » لا يتضمن معنى إلا إذا كان متبوعا بمفعولين . تماما ، لا ندرس في الحقيقة إلا إذا درسنا شيئا ما لأحد . تتضمن هذه الحقيقة لوحدها فقط على الأهم و العناصر الأساسية لوظيفة المدرس أو المدرسة . أقترح عليكم أن نفكر معا حول المكونات و حول العلاقات الدائمة الحضور في القسم . سأكتشف ستة مكونات متفاعلة دائما في القسم و حيث أن استحكامها تجعل من التعليم فنا . لتوضيح كلامي ، سأقتفي أثر المثلث الديداكتيكي المصوغ من طرف ميريو . أيضا سينصب تفكيري حول الشروط التي ينبغي إقامتها حتى ينشأ في كل قسم مناخ و ديناميكية ملائمتين من اجل تحقيق المأمورية و العلة من وجود المدرسة ، أي تعلم التلاميذ .
في هذا المضمار ، حتى ولو كانت الرهانات الأساسية تحدث بداخل القسم ، فإنني أعتقد أن جودة المناخ و حياة المدرسة تؤسسان عاملا مهما في النجاح المدرسي. على ممر تفكيري ، سأحاول إذا إبراز الأهمية و الفائدة من التحضير لمشروع المدرسة ( مشروع تربوي ) الذي يسمح بتخطيط و توجيه إرادات و أفعال كل مشارك و مشاركة . غالبا ما تتبخر الطاقة و تنعدم القوى المسخرة نظرا لفقدان الانسجام و التشاور . في حين ، عندما يحضر النقاش و التفاوض ، يبرز كالعادة تآزر بفضله ، حسب مبدإ معروف ، يصبح النجاح الكلي يفوق بكثير مجموع النجاحات الفردية . ستكون النتيجة هي محصلة التقاربات بدل أن تكون نتيجة الفوارق و التباينات . ستكون مهمة كل شخص سهلة و الطاقة الكلية الضرورية مقلصة . إيتوبيا ؟ لا . بعض الاوساط تنجح في ذلك . كيف يفعلون ؟ ما هي الشروط المطلوبة ؟ من هو المسؤول عن تحقيق مثل هذا المشروع ؟
التعليم : ضرب من ضروب الفن
التعليم هو ضرب شمولي و حدسي لا يبتعد كثيرا عن الحركات المقامة من طرف الفنان . لا يكتسب الرسام نضجه كرسام إلا بمشيئة الحركات الدقيقة ، المقبولة و لا رجعة فيها . يجب عليه أن يتموضع في حالة استكشافية حدسية حيث التعابير ، التقنيات و المعارف تجيز له بأن يتعرى تدريجييا داخل سيرورته الخاصة به أثناء العمل . إن من خلال هذه السيرورة هو ما يجعل الرسام يعبر عن نفسه . بفضل حدسه ، أي المعرفة الداخلية المتأسسة على تجربته السابقة ، هو التي تجعل من الفنان يمزج المعارف و التقنيات داخل منتوج وحيد و شخصي ، حاملا مضمونا وجدانيا خاصا بكل فنان و فنانة .
يستدعي فعل التدريس أو التعليم بدوره المعرفة الداخلية التي نسميها الحدس l’intuition . يستدعي جميع موارد الشخص ، مواقفه ، أسلوبه المعرفي المفضل ، تجاربه الماضية ، مهاراته ، معارفه و تقنياته . نادرا ما يصوغ المدرسات و المدرسون تفكيرهم البيداغوجي : إنهم يتصرفون . تماما ، ليس من السهل تحليل ممارسته ، التحدث عن خبرته . فهذا لا ينقص من قيمته كمختص . نفس الشيء ، أسلوب المدرسة أو المدرس ، كما هو الشأن عند الفنان ، هو متجذر في بنية داخلية قوية جدا . فإذا كانت البنية غير مصاغة فهذا لا يمنعه من التواجد . غير أن ، حتى و لو كان تمرينا صعبا ، من المهم أن نتخذ من وقت لآخر الفسحة و الرجوع إلى الوراء الضرورين لمراقبة ممارستنا في شموليتها بشيء من التجرد و الموضوعية . يسمح لنا التمرين بإلقاء نظرة معقولة بعض الشيء على تعقد الواقع المهني في ميدان التعليم و ، عند الاقتضاء ، أيضا يسمح بوضع بشكل أفضل مختلف التيارات و الانماط التي نخضع لها باستمرار . لا أفكر أبدا في استبعاد هذه الاسهامات ، على العكس . فكل إسهام يحمل معه توضيحا جديدا من شأنه مساعدتنا على الذهاب بعيدا في هذا الباب . إنما خوفي ، هو حينما يعرضونها علينا كترياق ، علاج سحري ، الحل لجميع مشاكلنا و فقرنا . أعتقد أنه يحق لكل واحدة و واحد منا أن ينهل من العناصر التي بمقدورها مساعدته في خطوة جديدة . كما لا يجب أيضا طرح كل شيء ، مثلما يفعل بعض الأشخاص ، بحجة أنه لا وجود لوصفة سحرية . إننا محترفون و ، بهذه الصفة ، يجب علينا تحمل نمونا الشخصي و تطورنا الذاتي ، نكون دائما مستعدين لما يخدم تعميق معارفنا و تجديد ممارساتنا . فقط إن هذا لهو الشرط الذي يجعلنا قادرين على البقاء في قمة فننا .
أعترف أولا كوني كممارس ، إذن يشق علي كثيرا تنظيم و من تم تبليغ فكري من خلال نص مثل هذا بدون أن أكون عرضة للسطحية أو أنسى أبعادا مهمة . فضلا عن ذلك ، فالموضوع يعجبني ..
المثلث البيـداغـوجـي
« إقامة توزان لا قار ، و لا غير قار ، لكن « متحول métastable » من بين العناصر الثلاث للمثلث البيداغوجي ، المتعلم ، المدرس ، موضوع التعلم أو التدريس .. تماما إن إخفاق الممارسات البيداغوجية الماضية متحققة في كونها منحت الأسبقية لاثنين من هذه العناصر [..] على حساب الثالث الذي ، باشتغاله دور الأحمق ، يرجع لا محالة لإثارة الفوضى في اللعبة حيث تم استبعاده بلا تريث » ( د. هاملين ).
يمكن للمثلث البيداغوجي أن يصير في آن واحد تقعيدا نافعا لفهم و تلخيص العناصر الأساسية للقسم كما أيضا للعلاقات التي تقام بين هذه الأخيرة . يجيز أيضا استدخال بعض الصلابة في تحليل ما يحدث بين العناصر الثلاث للتعلم . فلننظر كيف يبنى المثلث البيداغوجي .
المثلث البيداغوجي [ غير مثبت هنا ] يتميز بثلاثة رؤوس حيث تتموقع بالتوالي التلميذ ، المدرس و المعرفة . تؤسس أضلاع المثلث العلاقة المبنية بين كل عنصر على حدة .
ما هو الشيء المهم و الرئيسي في وظيفية القسم ؟ هل هو العلاقة التي يبرمها المدرس مع المعرفة ؟ أم العلاقة التي يبرمها التلميذ مع المعرفة ؟ أم أيضا العلاقة التي يقيمها المدرس مع التلميذ ؟ نلاحظ أن ، حسب الحالات و العصور ، وقع التركيز بشكل كبير على هذا أو ذاك من الأنماط . هكذا ، في بداية السبعينات 70 ، أخذت علاقة « استاذ – تلميذ » مكانة كبيرة جدا ، على الأقل في الابتدائي . ثم بعد ذلك ، مع ظهور التخطيط عبر الأهداف ، منذ سنوات عديدة انتقل الاهتمام صوب برمجة و تخطيط التعليم و التقويم ، يعني نحو العلاقة « أستاذ – معرفة » التي يمكننا نعتها بالطريقة الديداكتيكية أو سيرورة التعليم.
في النهاية ، منذ آواخر الثمانينات ، علاقة « تلميذ – معرفة » تم الأخذ بها و تثمينها . كل عصر من العصور قد حقق نجاحه لكن كذلك خيبة امل و إخفاقات كثيرة . مرت المدرسات و المدرسون من عصر إلى آخر ، من تيار إلى آخر بدون معرفة أكبر لماذا ما كان يؤسس في الماضي و لا يزال رأس الحربة يجب الآن تنحيته و استبداله بحقيقة جديدة تجلب معها الحل لجميع معضلاتنا . سوف تستمر الحالة إذا لم نستطع تقديم إطار تحليلي شامل قدر الامكان حتى يتسنى لنا الدراسة و التقويم الامثل للمساهمة و التكاملية لكل تيار من التيارات المعلنة . في هذا الصدد ، إن المثلث البيداغوجي يجلي تماما المكانة لا رجعة فيها لكل بعد من الأبعاد الثلاث . أعتقد أن فعالية و « سحر » الفنان – المدرس تكمن في التوازن و الانسجام و هو يعمل على إنجاحهما و التوفيق بين الأقطاب الثلاث .
دون إنكار أهمية الوحدات المؤسسة لرؤوس المثلث ، يبدو لي من الفائدة المؤكدة ملاحظة الأضلاع بدل الزوايا . يمثل كل ضلع من هذه الأضلاع محورا أساسيا للوضعية التعلمية ، لكن لا يكون لوحده الضامن الوحيد لنجاح المؤسسة التربوية . لذا سيكون لدينا الطريقة البيداغوجية pédagogique، والطريقة الديداكتيكية didactique ، و الطريقة التعلمية d’apprentissage . كما تبينه لنا ملاحظة الماضي ، المشكل الاساس سيكون هو استدخال ( لا يجب نسيانه ) الحقيقة الثالثة ، القطب المقابل . إن تنحية قطب واحد من الأقطاب الثلاث يعرض التوازن للخطر و يعرج بالفعل نحو أشكال من المنطق الوظيفي المبني على المحتوى فقط أو على العلاقات الانسانية خالية من المعنى و بعيدة من المأمورية . تكون الحقائق الثلاثة كلا غير قابل للانقسام و السر الأكبر في ممارسة تعليمية فعالة تكمن في التحكم في العناصر و المعايرة أو التجويد الذي نستخدمه . كل شخص مسؤول عن اختياراته الحرة ، لكن طريقته ستكون أكثر سلامة و أمنا مع ذاتها و حاملة لتحسينات احترافية لو ارتكزت على فهم لا بأس ( تخطيط تنظيمي ) لجميع العناصر و الرهانات .
العلاقـة البيداغوجية
ما يجعل الفرق حاضرا في النشاط البيداغوجي يبدو منفلتا من كل قيد و تعريف . و رغم ذلك ، من المؤكد أن ، كما يحدث بداخل أي تنظيم ، المناخ و الجو العام اللذان يحملان الفعل أو النشاط إنما يؤسسان عاملا حيويا للنجاح و للجودة . لا يمكننا أن نتخذ قرارا بتغييب البعد الوجداني ، هكذا بسهولة او بتعجرف . كوفي ، في مؤلفه العجيب المعنون العادات السبعة تلك التي تحقق جميع ما تشتغل عليه ، يجعلنا نكتشف أهمية إيلاء المزيد من المجهودات لتنمية قدرة الانتاج ( CP ) عوض الانتاج (P) . حسب هذه القاعدة ، من الضروري الحفاظ على التوازن بين CP و P . تبعا لأسلوب التدبير التقليدي ، عادة ما نشدد بقوة و نركز أكثر على تنشيط الانتاج بدل تنمية و رعاية قدرة الانتاج . حتى و لو ، عندما يسيء الأمر ، يكون لدينا ميل في نسيانه تماما و القضاء عليه . و من ثمة ، نتفاجأ بالنتيجة و نتهم الآخرين بعدم التعاون و الالتزام . إن مبدأ CP يساعدنا في ان نتعلم أنه من الواجب معاملة المستخدمين كما نتعامل مع أحسن الزبائن . الأ يمكننا القول أن تلامذتنا يلعبون في ذات الوقت الدورين ؟
حسب مبدإ آخر ، هذا الانتباه الذي نوليه للمستخدم هو الذي يحدث كل الفرق في إلتزامه لكي يحقق عملا ذا جودة . مما لا شك فيه إن تدبير الموارد الانسانية هو الوظيفة التي من أجلها لم يكن المدرسات و المدرسون مستعدين لها بما فيه الكفاية . لحد الساعة ، لا نعثر تقريبا على أي شيء بخصوص هذا الموضوع في برامج التكوين المقدمة ، سواء في التكوين الأولي او في التكوين المستمر . فضلا عن ذلك ، لدى رجل التربية ( الأستاذ ) ميلا في اعتبار أنه لا يدبر الموارد الانسانية و مع ذلك .. سأقول حتى أن جزءا مهما من مجهوداته تسثمر في هذه الوظيفة و أن العديد من المشاكل و الأتعاب سببها هو غياب الاستعداد و التهيؤ لتحمل بفعالية دوره في هذا المعنى . أظن أن عملا متقنا في القيادة و إقامة علاقة الثقة سوف يجعل من الطاقة الكبيرة المبذولة أكثر فعالية قصد البرمجة و التخطيط و تقديم الدروس كما أيضا فيما يتعلق بتدبير القسم . من المؤكذ إذا تخصيص حيز هام من انتباهنا لهذا البعد مع عدم نسيان أن العلاقة مدرس – تلميذ لديها كهدف تحصيل المعارف .
لا يجب مع ذلك ترك العلاقة البيداغوجية عرضة لمصادفات الأحداث و الوضعيات . إنها تعتبر المكان المفضل للوساطة الضرورية la médiation . و ، كما يقول ميريو ، فاحدى الوسائط الأكثر قدما في الزمن هو بلا شك الطقسي le rituel . كتاب الطقوس يساعدنا في تنظيم معا تدبير القسم ، و الزمن ، و السلوكات و أيضا الأنشطة . بحماية أنفسنا من الصرعات الوجدانية ، فإن الطقسي يضمن لكل واحد إمكانية الانخراط الشخصي و استدراك القول . من شأن تنظيم الفضاء أن يضمن لكل شخص بأن يتوفر على منطقته الخاصة به التي يجعلها ملكا له ، حيث بإمكانه أن يضع فيها أشياءه و حيث يصبح سيد بيته . بدون مرجعية المكان ، ينتابنا القلق بسرعة . كلنا نحتاج للتثبيت في مكان ما و السعي لضمان ذلك لتلامذتنا لمن شأنه إبعادنا بلا شك من العديد من الاضطرابات .
بفضل الطقوس ، يصبح من الممكن إقامة هنالك مناخا مناسبا و مساعدا يقيم أحيانا الفرق بين قسم ما من الأقسام و قسم آخر حيث التلاميذ يتسارعون للالتقاء فيما بينهم لأن لديهم إحساس بتعلم أشياء كثيرة في الفصل و يكونون فيه سعداء . ما الذي أحدث المناخ المطلوب ؟ يشير بويير و كلاسير ، حسب نظرية المراقبة ، أننا كلنا ، صغارا و كبارا ، مسكونين من طرف نفس الحاجيات الأساسية التي هي البقاء من اجل الحياة ، الانتماء ، السلطة ، المتعة و الحرية . حسب تفسيراتهم للحافزية المتعددة و السلوكات الانسانية ، نبحث في كل لحظة من حياتنا لسد هذه الحاجيات . كل سلوك ، حتى ذلك الذي يبدو لنا أكثر حماقة ، هو أفضل ما يعتقده الفرد القيام به في لحظة معينة لتلبية حاجة او عدة احتياجات . التأويل الذي نقيمه إزاء وضعية تصادمية هو في الغالب الأعم بعيد من الفهم الداخلي الذي يقميه الآخرون . كم من السيناريوهات المظلمة لم نعمل على تغذيتها معتقدين أن بعض التلاميذ يريدون شرا بنا أو يكرهوننا بيد أن طريقتهم في البحث ، خرقاء بالتأكيد ، لم تكن تحمل سوى تلبية حاجاتهم في السلطة ، الانتماء او الحرية .
المدرسة او المدرس الذي لا يعمل على تشغيل تلامذته ضمن الفريق مخافة ضياع التحكم في المجموعة و التلميذ الذي يرفض الخروج من القسم حينما نأمره بذلك يلبون نفس الحاجة للسلطة ( يبقى سيد الموقف ) . جميع السلوكات هي استجابة للحاجيات الداخلية ثم ، كلما اتسع جدول السلوكات المكتسبة ، كلما تمكن الفرد في التصرف بطريقة ملائمة استجابة لمطالب المحيط مع احترام ذاتيه . كل فرد في القسم ، من ضمنهم المدرسة و المدرس ، يجب أن يلبي حاجياته الخاصة مع السماح للآخرين بفعل ذلك . لا يمكن أن يتم هذا عن طريق مرسوم . تماما بإمكان الضغط الخارجي ، التهديد و الاكراه إخضاع التلاميذ لوقت قصير ، لكنهم يظلون بدون فعالية فيما يرجع للتربية على المسؤولية .
تنظيم الطقوس ، في بداية السنة او فيما بعد ، يعد المكان و الوقت بامتياز لغرض التكهن بتهئية حياة القسم التي تسمح للتلاميذ بالعثور على اجوبة لاحتياجاتهم الأساسية وفق أليات محسوبة . تعمل الطقوس على توفير الأمن الجسدي و العاطفي الضرورين في القسم حتى يتسنى للتلاميذ القيام بالتعلمات .
إقامة نظام تدبيري للقسم الذي بداخله نقحم و نفضل تقديم المساعدة و التعاون سوف يسمح للتلاميذ بإشباع حاجياتهم في الانتماء و السلطة ( الانتماء و السلطة ، على ما يبدو ، هما العنصران الأكثر إهمالا في نموذجنا بالمدرسة ) و يسهل التعلمات المعرفية ، الاجتماعية و الوجدانية على السواء . فلأن الكلام يمفصل الفكر ، لذلك فإن أوقات المناقشة تساعد التلاميذ على تنسيب أفكارهم ، ملاءمتها و تنظيمها . وضعيات العمل مع التلاميذ الآخرين تؤمن التفعيل المشترك لكثير من طرق التعلم ، و التنوع في المعارف القبلية و مختلف المهارات الشخصية . في الوقت الراهن ، إن التنافسية و العمل المنفرد يمثلان على الأقل 90 في المائة ، بل 95 في المائة من العمل في المدرسة .
التنافسية تعني أن شخصا يعمل لتحقيق أهدافه بالصورة التي تمنع الآخرين تحقيق أهدافهم أيضا ، بينما العمل المنفرد يتوخى أن نشتغل بدون أن نهتم بالآخرين . الموقفان معا يقتلان الابداعية ، يخلقان توترات و يزيدان في مستوى الشك و الارتياب و الخداع . و من هناك ، فالتلاميذ المتواجدون في حالة استحالة تخمد همتهم و يصابون بالاحباط . من الأكيد أنه توجد مكانة صغيرة في مدارسنا لكثير من التعاونية و العمل في الفرق . ها هو تيار يستحق منا كل الاهتمام لأنه يتضمن مسلكيات لحل نوعين مهمين من معضلات مجتمعنا ، أي الفردانية و اللامبالاة اتجاه الآخر . المساعدة المقدمة من طرف تلاميذ آخرين يمكن ان تساهم بشكل ملفت على تسهيل بعض التعلمات جاعلة من المدرسة فضاءا أكثر استمتاعا ، لأن التلاميذ سوف يجدون فيها إذا تنظيما مستجيبا أفضل لاحتياجاتهم الأساسية .
أيضا يمكن للوساطة عبر المشروع أن تؤسس نهجا رائعا . تساعد على تجنيد la mobilisation القسم أو مجموعة من التلاميذ من خلال منتوجات جماعية. إن المشاريع تقدم فرصة للتلاميذ لكي يستعملوا معارفهم لأغراض منفعية و ليست مدرسية . فعلا ، قبل تقديم مجهود عال أثناء عملهم ، يجب على معظم الشباب أن يكونوا مقتنعين بأن ما يطلب منهم تعلمه هو صائب و نافع في حياتهم الحاضرة و المستقبلية . بالنسبة للبعض ، يكفي معرفة أن هذا الأمر يجب أن يكون مدروسا من أجل الفوز في الامتحان ، للحصول على ترتيب مهم داخل المجموعة أو للحصول على ملف جيد يسمح له بالتسجيل في برنامج الدراسات الاعدادية او في مؤسسة تعليمية إعدادية من اختياره . بالنسبة للكثيرين على الرغم من ذلك ، يجب على المحتوى أن يكون ذا نفع قوي و تطبيقي في الحال ، أو تنعدم الفائدة إذن . هذا هو التحدي امام المدرسة او المدرس و المدرسة في تبيان أهمية و نفعية التعلمات المقترحة . المشروع هو مسلك ، ليس المسلك الوحيد ، وفق هذا المعنى . لا نريد السقوط في المنفعية ، من الأفضل أحيانا ملاحظة أن ما نتعلمه في المدرسة يمكن أن يخدم أغراض أخرى غير أغراض النجاح المدرسي . لذا ، فأوقات « الانتاجية » تسهل عملية تحديد التعلمات المنجزة و يمكنها ، إلى حدود بعض النقط ، تساعد على هدم السياق ، ثم إذن التحويل le transfert .
أيضا بإمكان الممارسات التربوية أن تصبح فضاءا للوساطة الاكثر غنى . لسوء الحظ ، لا يمثل التقويم في كثير من الأحيان إلا مرحلة تسمح بالتأكد و الاقرار على مقدرة استنساخ خطاب المدرس بكل صدق . لعل مفهوم التقويم التكويني يستحق إدراجه في جدول الاعمال ، و السبب ، حسب هذه الروح ، نقدم إمكانية للمدرس و للتلميذ لرد الاعتبار للخطأ في سيرورة التعلم . التقويم « الذي يكوِّن » ، بما أننا نخصص له جزءا مهما من الحضور الزمني في القسم ، كان من اللازم أن يكون حاضرا في كل لحظة في عملية التدريس . أن ندرس للتلاميذ كيفية تقويم أعمالهم الخاصة يمكن أن يغذو مصدرا قويا للحافزية و تقليد المسؤولية . لا أتحدث هنا عن النموذج للتقايم autoévaluation الذي كان يطبق في بعض الجامعات منذ 15 سنة ( كان الطلبة يعطون نقطة من عند أنفسهم) . أفكر بالأحرى في نهج حيث نطلب دائما من التلميذ تثمين عمله ، أن يعبر عن افتخاره في هذا الصدد ، أن يعطي حكمه الخاص المتعلق بالقيمة و أن يبحث عن مسلكيات التصويب و التحسين . ثم بعد ذلك ، يمكن للمدرسة و المدرس أن يبلغه تقويمه الخاص ، إمداده ببعض التعليقات التفسيرية ، يقترح عليه خططا للتجويد ، يدعو التلميذ مراجعة عمله إذا كان الامر يناسبه و يمنحه النقط المستحقة . ستقولون لي أن هذا العمل يتطلب الكثير . هذا صحيح ، لكن لا ننمي ابدا معنى الجهد و المسؤوليات ، حيث أن التلاميذ محرومون منها كلية على ما يبدو ، مستندين على احكام معيارية ، ممارسين إكراها و مستعملين التهديد . أعتقد بالأولى أن بواسطة هذا النوع من التقويم ، أكثر لزومية و شدة وأنا أعترف بذلك ، هو ما يجعلنا نحقق ما نصبو إليه .
ها هي بعض الأفكار حول العلاقة البيداغوجية . تعتبرهذه الاخيرة بعدا لا مناص منه في النشاط التعليمي . عدة أنشطة استكمالية مرافقة لهذا الموضوع موجودة ، مثل تدبير الفصل ، تدبير السلوكات ، التداوي بالواقع ، الخ . سيجد المدرسات و المدرسون بلا شك ، داخل هذه الفئة من الأنشطة الاصلاحية ، إلهاما يستطيعون بفضله تقويم ممارساتهم مجددا . إلا أن ، من المهم التذكير أن معظم هذا الميدان لا معنى له حسب مأمورية المدرسة إذا لم نقرنه بـ « الحقيقة الثالثة » ، أي المعرفة le savoir . بالفعل ، كل الآليات و الممارسات لا تحمل سوى هدفا و لا تبرر إلإ عبرها و من خلالها ، تعلم المعارف .
العلاقة الديداكتيكية
العنصر الثاني لمثلثنا البيداغوجي ينتج من العلاقة الحاصلة بين الشخص الذي يدرس و المعرفة الموضوعة للتلقين . ما هو منطق هذه المعرفة ؟ كيف تنظم حتى يتمكن التلميذ من استيعابها ؟ ما هي المقاطع التي يجب اتباعها ؟ ها هي أسئلة كثيرة تستوجب على كل مدرسة و مدرس مواجهتها يوميا . و يمكننا إضافة العديد منها في نفس السياق . أيضا يتطلب هذا الميدان الوقوف بعض الوقت حتى نستوعب العناصر و الرهانات .
« الذي يستهدف التعليم instruire » هذا هو تعريف المعجم الصغير روبير لكلمة ديداكتيك . إذن أي عمل يجب أن يقوم به كل من يدرس جاعلا من المعرفة سهلة المنال و في متناول التلميذ ، يعني تهذيبه و ثتقيفه ؟
جزء مهم من العمل المقصود يروم تخطيط البرنامج . كم من الساعات المقضية في إعداد التدرجات الدقيقة للأهداف و الأهداف الصغرى بشكل يسهل الوصول إليها و استيعابها . في هذا الصدد ، المقاربة عبر الأهداف ، المصاغة من طرف ماجير و المنتشرة منذ السبعينات ، قد ساهمت بشكل كبير في إضفاء الدقة و الصرامة في منهج يتراءى أحيانا معقدا و منفرا . تقريبا جل المدرسات و المدرسين حصل على تكوين في الموضوع و أغنوا ممارساتهم . أتذكر كل الآمال التي كانت تطرح في ذاك العصر و الفرق العديدة التي كانت منهمكة في تحضير التدريس لمقرراتهم . لكن أيضا ، كم هي الخيبات التي تلت أمام صعوبة الحفاظ على الايقاع لمثل هذا النوع من التخطيط و امام النتائج المحصلة . كثيرون هم من لديهم الانطباع بعدم الحصول على الآثار التي كانوا يعتقدون فيها و مع ذلك كانت مستحقة .
و بالتالي ، لقد اختصر المنهج . لقد عشنا عصر تخطيط التعليم و التقويم . و موازاة مع ذلك ، برز على السطح مفهوم الاشراف البيداغوجي la supervision . كل هذه المجهودات كان هدفها هو شكلنة تنظيم التعليم بالصورة التي تجعل تؤمن الصدقية للبرامج و ، في نهاية الامر ، ضمان تعلم المحتويات من طرف التلاميذ . هل الميدان كله هنا هو الذي يجب أن يكون محاطا بالطريقة الديداكتيكية ؟ ألم نغفل بعد مرة أخرى ، بتمركزنا هكذا حول « الاعداد – للبرنامج » ، عن القطب المقابل ، ألا و هو التلميذ . بالفعل ، حينما نتوقف أقل عند ذلك ، نتوصل بسرعة إلى الملاحظة أن منطق الموضوع ، منطق المادة التعلمية أو البرنامج و منطق التعلم l’apprentissage ( ما يحدث في رأس التلميذ ) لا يخضع أبدا لنفس القواعد و أن بتجاهلنا لهذا الشيء لمن شأنه تعقيم أجمل و أدق البرامج ذات الأهداف السلوكية .
من الضروري إذا تجاوز معرفة البرنامج و تنظيم الأهداف . لا بد من اعتبارهما من زاوية النشاط الذهني الملزم للتلميذ . يصرح ميريو : « تكمن الطريقة الديداكتيكية في الاعلان ليس فقط على ما نريد أن يعرفه التلميذ لكن التساؤل حول ماذا يحدث في رأس التلميذ حتى يتمكن منه و البحث عن آلية فعالة للوصول إلى الغرض المطلوب » . منظورا إليه من هذه الزاوية و بهذا الاتساع ، يقتضي النهج اليداكتيكي بأن نحلل أهداف البرامج في اعتبار المهارات الذهنية التي ستكون محط تفعيل في وضعيات التعلم المقترحة . ليس أبدا المقصود هو إخضاع التلاميذ للتمارين التي تتوالى في المقرر أو في دفتر التمارين ( نحتاج إليها بلا شك ، لكن لا بد أيضا من أشياء أخرى ) ، إنما التفكير جيدا و إعداد وضعيات تعلمية من شأنها مطالبة قدرة التحليل ، و التقويم ، إقامة الفرضيات ، و الاستنباط ، و الاستقراء ، الخ . الخطاب ليس جديدا ، لكن المهمة في غاية من الدقة و اللزومية . وبالرغم من هذا الاكراه ، أعرف عدة مدرسات و مدرسين الذين تحصلت لديهم هذه المقدرة . إن عمل الفريق سوف يسهل مهمة كل واحدة و واحد منا بكل تأكيد .
مما لا شك فيه لقد تمرس معظمنا على الصنافات الاكثر شهرة ، مثل صنافة كويلفورد ، بلوم ، دينو و آخرون . غير أنها صنافات سهلة التطبيق إلى حد ما و لربما لا يوجد أي منها تشعرون إزاءاها حقا بالارتياح . اسمحوا لي هنا أن أقدم لكم أحد التيبولوجيات للعمليات الذهنية ، المقدمة من طرف ميريو في التعلم ، نعم .. لكن كيف . يشير الكاتب بدقة أنه كان من اللازم على التيبولوجية المبحوث عنها من قبل فريق عمله أن تكون « قابلة للأجرأة » ، يعني قادرة بأن تترجم إلى أفعال ( آليات ديداكتيكية ) . ثلاثة شروط كانت إذا ضرورية : البساطة في الاستعمال ، المطابقة مع الاسهامات النظرية ، الخصوبة في التطبيق . لا يظن الباحث و فريقه في ان تصبح عالمية و نهائية . بل يقترحها آملا منها بأن تصير مستعملة من طرف أكبر عدد ، مع احتمال أن يغيرها أي أحد حسب احتياجاته الخاصة .
ها هي إذا أنواع العمليات الذهنية المقترحة :
أ) الاستنباط la déduction : يجب على التلميذ أن يستخرج نتيجة من حدث . المقصود إذا هو التموضع من وجهة النتيجة : « في حالة ما إذا.. ، إذن .. » ؛
ب) الاستقراء l’induction : نطلب من التلميذ الانتقال من الأمثلة إلى الأفكار ، من الاحداث إلى القوانين ، من الملاحظة إلى المفاهيم . إنها العملية التي تساعد في ولوج التجريد : « ما هي النقط المشتركة ؟ »
ت) الجدلية la dialectique : المراد هو الاشتغال حول الأفكار المساعدة في ولوج النظمة un système و بناء النماذج . على التلميذ أن يحتل المكان .. الوضعية الاعتيادية الاكثر قربا من هذا المقتضى هو اللعب : لعب الأدوار في التاريخ ، لعب المهمات في الفرنسية ، لعب البنيات في الرياضيات ، لعب في الاقتصاد ، الخ ؛
ث) الاختلافات la divergence : نشتعل حول إنتاجية الأفكار . يجب ربط العلاقة بين العناصر عادة ما تعتبر متفرقة و متباعدة . الامر الذي يسمح بتفسيرات جديدة ، حلول متفردة .
في أول نظرة ، تتضح تيبولوجية ميريو على أنها ممتعة ، لا تحمل تعقيدا كبيرا و من ثم فهي سهلة التطبيق مقارنة مع بعض التيبولوجيات الاخريات . إنني على وعي بما عملت يداي من قطع و بتر لجزء من غناه بسبب تقديمي المغرق في التبسيط . إنما ، لو أعجبكم الموضوع ، سأدعوكم للاطلاع على مؤلفه المذكور اعلاه حتى يحصل لديكم وصف دقيق و مفصل .
الشق الثاني من المثلث البيداغوجي ( العلاقة الديداكتيكية ) تؤسس بدورها أيضا حقلا من المعارف قيد الامتلاك و المهارت قيد التحصيل و التطوير . لنصب المعالم في ميدان الديداكتيك ، معرفة برنامجه أو برامجه ، تنظيم الأهداف بطريقة صحيحة و معقولة ، تحديد العمليات الذهنية التي تلزم التلميذ بتفعيلها ، إعداد تفعيل وضعيات مناسبة ، اختيار استراتيجيات من شأنها تحقيق النتائج المرجوة ، ها هنا كم من الدرايات و مجالات الكفاية تستوجب الأخذ بعين الاعتبار في الاعداد للتعليم . نلحظ جيدا مدى تعقيد مثل هذا المشروع ، و خصوصا لو حسبنا أن هذا البعد يجب أن يكون منسجما مع مجموع المكونات و العناصر الاخرى . المهم ليس هو معرفة الكل و لا التحكم في الكل ، لكن أولى يجب أن نكون قادرين على ضبط مكامن القوة و النقط التي تستدعي التجويد .
العلاقة التعلمية
في الوقت الراهن ، إن علاقة تلميذ – معرفة هي التي تبدو مثيرة للاهتمام البالغ . منذ بضع سنوات ، قام المختصون في مختلف الميادين ( علوم الاعصاب ، الذكاء الاصطناعي ، اللسنيات ، الخ .) بعمل مشترك لتنظيم البحث حول كيفية اشتغال الدماغ . في السيكولوجيا المعرفية ، نقترح نماذج تفسيرية في عدة مجالات ، و خاصة الادراك ، الذاكرة ، التمثلات ، حل المسائل . نجد إذا كما هائلا من المعطيات الجديدة تساعد في الفهم الجيد في كيفية تعلم الكائن البشري . ها هو الحقل الثالث الذي يفتح أمامنا لغرض استكشافه . ماذا سنستفيذ منه ؟ ما الامر الذي سيقدم لنا المساعدة لتسهيل تعلم التلاميذ ؟
كل شخص يقوم بالتدرس يبني فكرة عن الكيفية التي يتعلم بها التلاميذ ؛ تؤثر هذه الفكرة كثيرا على ما هو ملقن في القسم و كيف تم ذلك بالفعل . ملمين بقوة ببراديكماتنا ( الطريقة التي نعتقد بها تسيير الأمور ) ، يجب علينا ، كمحترفين مسؤولين ، العمل على ضمان تأهيل معارفنا فيما يختص بماهية التعلم إذا لم نرغب في البقاء مسجونين بداخل شيماتنا القديمة ، و بداخل معتقداتنا البالية . نحن متفقون على أن كل من يحترم نفسه على المستوى المهني لا بد له من مسايرة العلوم الملحقة و أن الشخص ، إن لم يكن قد حدث ذلك ، سيصبح بسرعة متجاوزا ، مهجورا ، لا كفاءة له . البحث يتقدم بخطى سريعة . فلنتابع الخطى ..
التعلم ، هو التأهب نحو تحقيق الهدف : حتى يتمكن التلاميذ الانخراط في التعلم ، من الواجب عليهم امتلاك إحساس أن ما نقدمه إليهم من تعلم سيكون نافعا لهم في حياتهم الحالية او المستقبلية . إن من خلال التوضيح لمشروعه الشخصي هو ما يجعل كل تلميذ منخرط في وضعية تعلمية يجد معنى للحياة المدرسية . الاعداد للحياة المنتظرة لا يكفي البتة لعدد مهم من التلاميذ . لا بد أن نطلعهم على منفعية معارفهم المدرسية . لقد بين طارديف تماما إمكانية تحفيز التلميذ عن طريق وساطة المهام les tâches . نزولا عن ذلك ، لا بد لنا أن نتصور أنشطة مهيمنة و شاملة حيث تكون الأهداف فيها بادية للعيان ، حيث المعنى لا غبار عليه و حيث معايير النجاح تكون معروفة . من السخف الاعتقاد أن كل التلاميذ سيتعرفون على هذه المعايير بدون مساعدة . المدرس مسؤول عن التوضيح بدقة للمنفعة ، للضرورة و لملاءمة الطرائق المقترحة على التلاميذ .
لا يمكن لهذا الأمر ان يحدث إلا من خلال حوار حقيقي يستلزم أخذ بعين الحسبان الحقيقة المعرفية و العاطفية للتلميذ الذي يتعلم . فكلما سعينا في بروز المعنى بداخله ، كلما أحدثنا إلتزامه ، مشاركته و مثابرته . يريد التلميذ أيضا أن يعرف بأنه يقدرعلى النجاح و يجب أن يتكئ على معارفه و على الثقة التي نضعها في إمكانياته و مؤهلاته حتى يتم له الانخراط مع حد أدنى من الأمان في مهمة جديدة . ما هو الشيء الضروري للقيام بهذا العمل ؟ هل سبق للتلميذ أن قام بهذه المهمة المشابهة أم التي تشبهه ؟ ما هي الاستراتيجيات النافعة ؟ هل نعرف نموذجا مماثلا ؟ ما نوع المساعدة التي يمكن أن يتلقاها التلميذ ؟ هل المجازفة مقبولة و الخطأ مسموح ؟ كيف يتعرف التلميذ على أن مهمته قد انتهت و موفقة ؟ المعايير المنتظرة هل هي معروفة من قبل التلميذ و هل من الممكن تسليط الضوء على منتوجه النهائي ؟ هل ندعو التلميذ من أجل التقويم الذاتي لمنتوجه ؟ هل يمكن له تحسينه و التحسين المقدم والنهائي هل سيترجم إلى نقطة نهائية ؟ هذه كلها سبل كثيرة تعطي الدلالة و الأهمية للمهمة . بكل تأكيد إنكم على علم بسبل كثيرة أخرى ..
التعلم هو نتاج بناء شخصي : قبل متابعة الدرس ، عقل التلميذ ليس صفحة بيضاء يمكن للمدرس من خلالها إدراج و بعث المعارف الحقة . في الحقيقة ، يمتلك التلميذ مسبقا على فكرة ما سيلقن له و تصوره الأصلي لن يتغيير إلا إذا كان ما يقدم له يمكن أن يندمج مع هذا الأخير . فالتلاميذ يفسرون المعلومة الجديدة حسب تمثلاتهم ، حسب بنياتهم الذهنية الموجودة . تأويلاتهم بلا شك ليست تلك التي يريد المدرس التوصل إليها بمعيتهم . يركن دوره بالضبط في التفاعل مع التلميذ لمساعدته من اجل إعادة تنظيم معارفه . منذ زمان ونحن نعتقد أن المعنى الذي كنا نستخرجه من مختلف حقول المعرفة كان يلقن أوتوماتيكيا للتلاميذ . ليس بهذه الشاكلة تتم الأمور . من اجل التعلم ، يجب على التلميذ ربط معطاياته الجديدة بمعارفه السابقة ، بنظام مستمر و تام لمعارفه السابقة و ليس الأمر هو مجرد تكديس هذه المعارف . لذا فالتلاميذ الذين ينجحون و مثلهم من الخبراء هكذا يفعلون . إن استخدام الرسوم في القسم ، و الجداول ، و الخرائط ، و المخطوطات ، و الشبكات الدلالية تسمح لمن لا يعرف كيفية التصرف الحصول على نماذج . القياسي و الاستعاري هما أيضا استراتيجيتان فعالتان جدا لمساعدتهم في إقامة العلاقات بين المعلومة الجديدة و تجاربهم .
التعلم ، هو تطوير استراتيجيات des stratégies : منذ بضع سنوات ، عدة كتاب ( من بينهم بيربوم ، فيورشتاين ، لاكرندوري ، تروكمي – فابر ) قدموا لنا فهما فيما يختص بأهمية الميتامعرفية في التعلم la métacognition . من جهة ، من المؤكد أن ، لو درسنا للتلميذ ميكانيزمات تشغيل ذاكرته و دماغه ، سنسهل لديه طريقة في التعلم تكون أكثر استقلالية و فعالية ؛ و من جهة اخرى ، من الواضح جدا أنه لا يوجد أي تكوين باستطاعته الاستجابة بشكل صريح و نهائي للحاجيات المستقبلية للتلاميذ ؛ امام هذين المطلبين الملحين ، فإن ضرورة تعليم التلاميذ لكيفية التعلم لا يساورها أدنى شك . لقد ساعدتنا التجربة في تبيان أننا نقدر على تغيير سلوك التلاميذ بصورة مؤكدة ، من ضمنهم هؤلاء الذين يتواجدون في الصعوبة ، بفضل تدريس من شأنه السماح بتملك استراتيجيات داخل محيط حيث نقدم فرصا لمزاولتها . الوعي بالدرايات و الاستراتيجيات التي نستخدمها و مراقبة مجهوداتنا أثناء التفعيل الجيد كلها أفعال مرتبطة أشد الأرتباط بالنجاح في تعلمنا . ليس القصد هو الاطلاع و معرفة الاستراتيجيات المعرفية فحسب ، بل لا بد أيضا معرفة متى و كيف نستخدمها . في هذا المضمار ، الكتاب بعنوان من اجل تدريس استراتيجي ، لـ طارديف ، هو أحد مصادري المفضلة . يقدم الكاتب في مؤلفه عدة أفكار ملموسة و يدعم توصياته ببحث موثق جدا . أعمال فيكوتسكي و برونير يقدمان أيضا أرضية جيدة لمفهوم التربية المعرفاتية . نجد بالاضافة إلى ذلك العديد من النصوص الرائعة حول الموضوع في مجلة العلوم الانسانية رقم شهر فبراير – مارس 1996 حيث نلخص ما آل إليه البحث في الميدان .
التعلم ، هو تشغيل ذاكرتنا بفعالية : للزيادة في فعالة التعلم ، يحتاج التلميذ أيضا لفهم آلية ما يسميه لاكروندري بـ « الحركات الذهنية ». بالرغم من أن هذا الكاتب هو موضع مساءلة حول بعض الأنماط للنموذج الذي بناه ، من الواجب مع ذلك الاعتراف له بالاحقية كونه قد ساهم بشكل كبير في تفتح المعلمين في إمكانية إتجاه التلاميذ كي يدبروا ذكاءهم عن طريق الصور الذهنية و الاستبطان l’introspection . من جهته ، قدم ليوري توثيقا غزيرا ، انطلاقا من ابحاثه ، حول مختلف انماط اشتغال الذاكرة . جل عمله يرتكز على الاستخدام الفعال للذاكرة في الوسط المدرسي . في النهاية ، عدة إيحاءات جد ملموسة تظهر في اكتشفوا طريقتكم في العمل ، لـ كيي سونوا ، كما أيضا إنماء قدرة التعلم ، لـ جان بيربوم . المصادر كثيرة و متنوعة ..
كما نلحظ في هذا التحليق المختصر جدا في اقتفاء أثر الممكنات لممارستنا البيداغوجية ، فإن العلاقة تلميذ – معرفة تؤسس ، بدورها ، ميدانا شاسعا من المعارف التي تطلع على سرها و الكفايات امتلاكها .
لحد الساعة أردت طوعا شد انتباهكم حول أضلاع المثلث البيداغوجي ، لأنها تؤسس الجزء الديناميكي للنشاط التعليمي . إنما ، سأسطر مع ذلك بعض الخطوط لأتحدث معكم عن رؤوس المسمى بالمثلث . ليس بسبب اعتقادي أن الأشخاص و المضامين ليست مهمة ، لكن بالحري لأنه يوجد لدي الاعتقاد الراسخ بأن بداخل تفاعلاتهم ما يحدث الأهم في التعلم .
المعارف
هناك تماما قضايا و أسئلة تتدفق بشأن المعارف . هل هي مناسبة ؟ هل تنشد الاستمرارية ؟ هل هي مندمجة بعضها البعض ؟ هل تحمل منفعة في نظر التلاميذ ؟ هل تمتاز بالدقة ؟ كيف يجب أن تكون المعارف في بداية سنة 2000 ؟ ما هو منطق البرامج الحالية و هل نحن قادرون على تفسير و تبليغ هذا المنطق للتلاميذ ( لربما سوف يفهمون أحسن ملاءمته و منفعيته ) ؟
رغم الحفاظ على الجوانب العامة للتربية ، فإن الحوار لا يزال مفتوحا . لا يهم القرارات التي سوف تتخذ ، من الواضح أنه يوجد عمل ضخم يجب القيام به حتى نتمكن من أن ندمج المواد التعلمية و المعارف ، حتى يتمكن التلاميذ من أن يحصلوا على فرصة ضئيلة من فهم التلاؤم و التكاملية لما نقدمه لهم . من يجرؤ القيام بذلك ؟ من يفعل ذلك ؟
التلميذ
من هو التلميذ ؟ ما هي قدراته ؟ ما هو تاريخه الشخصي على المستوى العائلي ، على المستوى المدرسي ، على المستوى الاجتماعي ؟ ما هو أسلوبه التعلمي المفضل ؟ ما هي اختياراته الدماغية ؟ ما هو نوع ذكائه ؟ ( مفهوم حاصل الذكاء QI هو متجاوز الآن ، بل نتحدث عن الذكاءات المتعددة من ستة او سبعة أبعاد ) ؟ ها هنا العديد من الأسئلة التي يمكنها تغذية الفكر و تؤثر في الممارسات و الاستراتيجيات . لا يمكن التغافل عنها . إذا لم يتعلم التلاميذ بالشكل الذي ندرسه لهم ، آن الأوان بأن نتساءل و أن نتكيف لكي ندرس لهم بالشكل الذي يتعلمون به . لا أريد أن أوبخ أي أحد ، لم أقصد سوى تحسيس القراء بالاعتبارات المهنية التي ينبغي أخذها بعين الحسبان و بجميع الوسائل و الأدوات و المصادر التحويلية الممكنة .
المدرس
كما نفعل ذلك نسبة للتلميذ ، من الممكن أن نتساءل حول الخصائص الشخصية للمدرس أو المدرسة . كل واحد من الواجب عليه أخذ ذلك بعين الاعتبار أثناء اختياراته الاستراتيجية الخاصة به .
من أجل التدريس ، من الضروري التعرف على الذات الشخصية ، لأنه لا بد من التعامل دوما مع شخصيتك الطبيعية ، مع مزاجك ، مع حماستك ، مع رغباتك ، الخ .
أريد أيضا إثارة انتباهك إلى شيء ذي خصوصية متعلق بهذا العنصر ، لكن دعني أولا أحكي قصة قصيرة .
لنفترض أنك تريد القيام بأعمال التجديد والتحديث لبيتك. فأنت تحتاج لنجار الأثاث ماهر و قررت أن تجلب أكثر من واحد حتى يمكنك القيام بأحسن اختيار . الأول الذي قابلت يبدو أكثر أقل اعتزازا بعمله . عربته كلها منحطة . لوازمه و أدواته مبعثرة بداخل قاع « الصندوق » . بلغ الصدأ مبلغه و العناية بهذه اللوازم و الأدوات يبدو في غاية من الاهمال . أما فيما يخص الزائر الثاني ، فالعكس هو الحاصل . كل شيء مرتب . اللوازم و الادوات موضوعة في احسن حالة و مصونة بطريقة مثالية . الاستعمال وحده هو الذي يبدو قد ترك آثارا و علامات تعكس أنوارها في الضوء . أليس لديك بعد الآن فكرة صغيرة عن من الذي سوف تأخذه لمباشرة الأشغال حتى و لو أنك لا تعرفهما الواحد تلو الأخر ؟
التماسك ، هذا يعني الانتباه إلى شخصيتك . أيضا هذا فحواه البحث عن التوازن و الانسجام في مختلف الأبعاد الحياتية . ما هي ؟ لكي أكون أداة حسنة في العمل ، أعتقد أنه لا بد لي أن أضمن بنفسي البحث عن جواب مقنع لاحتياجاتي الأساسية ( انظر أعلاه ) . لا بد أن أهتم شخصيا بتوازني و انسجامي على المستوى الفردي في كل الجوانب : الفزيائية ( تغذية ، تمارين ، الخ .) ، الثقافية ( قراءة ، دروس ، مناقشات ، الخ .) ، الروحية ( فكر ، استبطان ، ممارسة دينية ، الخ .) . على المستوى العلائقي ، يجب اعتبار الجوانب الشخصية ، العائلية ، المهنية و الاجتماعية .
فأنت مؤلف من عملك الذي يحسب عليك و يجب التعويل عليه كثيرا . ما هي الأولوية التي تضعها ؟ لا أريد أن أقول من هنا أنه لا بد من أن تسقط في المبالغة الزائدة و النرجسية . في حين ، لقد رأيت كم من الزملاء في العمل يسقطون مرضى ، يفقدون كل اهتمام إزاء عملهم ، بسبب عدم أخذهم بهذه القاعدة البسيطة بعين الحسبان . اسمحوا لي بأن أنقل هذه الكلمة لصديقي جيل فاشون : « لو أن كل نمط من هذه الأنماط يعتبر خزانا و أنكم تحرقون في كل يوم أكثر الطاقة التي لا تضعونها في الاحتياط ، فإنكم سوف تخسرون في هذا اليوم أو ذاك الحساب » .
من طرف جيرفي سيروا
par Gervais Sirois
ما هي الشروط التي يجب وضعها لكي يتمكن كل التلاميذ من التعلم في المدرسة ؟ ما هي الاستراتيجيات التي يجب تدريسها لكي نجعل من التلميذ كائنا مستقلا في تعلماته ؟ ما هي المعارف و الدرايات التي يتوجب على المدرس امتلاكها لكي يكون قادرا على تدريسها ؟ ها هنا مجموعة من الأسئلة المعقدة تماما من الصعب جدا الاجابة عنها . و رغم ذلك ، لقد انكب عدة أشخاص على الموضوع طوال السنين الأخيرة ، سواء على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي ، و أغنوا مرات عديدة المعارف و الخبرة في الميدان . بعيدا من أي إدعاء ، أريد مقاسمة معكم بعض الأفكار في هذا الموضوع .
يلخص عنوان المقال الحالي جيدا حالتين من الواقع موجودتين على الدوام بداخل كل قسم من اقسامنا . في آن واحد نعثر على الشريكين الرئيسيين و النشاطين المهمين لكل نظام تربوي ، التلميذ و المدرس أو المدرسة ، التعلم و التعليم . كتب ميشال سانت – أونج أنا أدرس ، لكن الآخرين ، هل يتعلمون ؟ . ها هو بدون شك سؤال قد طرحه كل واحد منا في أحد الأيام . هل يعد التعليم مهمة صعبة جدا و ميؤوسة إن لم يتواجد هنالك تعلم في نهاية المطاف ؟
حسب ميريو ، إن فعل « درس » لا يتضمن معنى إلا إذا كان متبوعا بمفعولين . تماما ، لا ندرس في الحقيقة إلا إذا درسنا شيئا ما لأحد . تتضمن هذه الحقيقة لوحدها فقط على الأهم و العناصر الأساسية لوظيفة المدرس أو المدرسة . أقترح عليكم أن نفكر معا حول المكونات و حول العلاقات الدائمة الحضور في القسم . سأكتشف ستة مكونات متفاعلة دائما في القسم و حيث أن استحكامها تجعل من التعليم فنا . لتوضيح كلامي ، سأقتفي أثر المثلث الديداكتيكي المصوغ من طرف ميريو . أيضا سينصب تفكيري حول الشروط التي ينبغي إقامتها حتى ينشأ في كل قسم مناخ و ديناميكية ملائمتين من اجل تحقيق المأمورية و العلة من وجود المدرسة ، أي تعلم التلاميذ .
في هذا المضمار ، حتى ولو كانت الرهانات الأساسية تحدث بداخل القسم ، فإنني أعتقد أن جودة المناخ و حياة المدرسة تؤسسان عاملا مهما في النجاح المدرسي. على ممر تفكيري ، سأحاول إذا إبراز الأهمية و الفائدة من التحضير لمشروع المدرسة ( مشروع تربوي ) الذي يسمح بتخطيط و توجيه إرادات و أفعال كل مشارك و مشاركة . غالبا ما تتبخر الطاقة و تنعدم القوى المسخرة نظرا لفقدان الانسجام و التشاور . في حين ، عندما يحضر النقاش و التفاوض ، يبرز كالعادة تآزر بفضله ، حسب مبدإ معروف ، يصبح النجاح الكلي يفوق بكثير مجموع النجاحات الفردية . ستكون النتيجة هي محصلة التقاربات بدل أن تكون نتيجة الفوارق و التباينات . ستكون مهمة كل شخص سهلة و الطاقة الكلية الضرورية مقلصة . إيتوبيا ؟ لا . بعض الاوساط تنجح في ذلك . كيف يفعلون ؟ ما هي الشروط المطلوبة ؟ من هو المسؤول عن تحقيق مثل هذا المشروع ؟
التعليم : ضرب من ضروب الفن
التعليم هو ضرب شمولي و حدسي لا يبتعد كثيرا عن الحركات المقامة من طرف الفنان . لا يكتسب الرسام نضجه كرسام إلا بمشيئة الحركات الدقيقة ، المقبولة و لا رجعة فيها . يجب عليه أن يتموضع في حالة استكشافية حدسية حيث التعابير ، التقنيات و المعارف تجيز له بأن يتعرى تدريجييا داخل سيرورته الخاصة به أثناء العمل . إن من خلال هذه السيرورة هو ما يجعل الرسام يعبر عن نفسه . بفضل حدسه ، أي المعرفة الداخلية المتأسسة على تجربته السابقة ، هو التي تجعل من الفنان يمزج المعارف و التقنيات داخل منتوج وحيد و شخصي ، حاملا مضمونا وجدانيا خاصا بكل فنان و فنانة .
يستدعي فعل التدريس أو التعليم بدوره المعرفة الداخلية التي نسميها الحدس l’intuition . يستدعي جميع موارد الشخص ، مواقفه ، أسلوبه المعرفي المفضل ، تجاربه الماضية ، مهاراته ، معارفه و تقنياته . نادرا ما يصوغ المدرسات و المدرسون تفكيرهم البيداغوجي : إنهم يتصرفون . تماما ، ليس من السهل تحليل ممارسته ، التحدث عن خبرته . فهذا لا ينقص من قيمته كمختص . نفس الشيء ، أسلوب المدرسة أو المدرس ، كما هو الشأن عند الفنان ، هو متجذر في بنية داخلية قوية جدا . فإذا كانت البنية غير مصاغة فهذا لا يمنعه من التواجد . غير أن ، حتى و لو كان تمرينا صعبا ، من المهم أن نتخذ من وقت لآخر الفسحة و الرجوع إلى الوراء الضرورين لمراقبة ممارستنا في شموليتها بشيء من التجرد و الموضوعية . يسمح لنا التمرين بإلقاء نظرة معقولة بعض الشيء على تعقد الواقع المهني في ميدان التعليم و ، عند الاقتضاء ، أيضا يسمح بوضع بشكل أفضل مختلف التيارات و الانماط التي نخضع لها باستمرار . لا أفكر أبدا في استبعاد هذه الاسهامات ، على العكس . فكل إسهام يحمل معه توضيحا جديدا من شأنه مساعدتنا على الذهاب بعيدا في هذا الباب . إنما خوفي ، هو حينما يعرضونها علينا كترياق ، علاج سحري ، الحل لجميع مشاكلنا و فقرنا . أعتقد أنه يحق لكل واحدة و واحد منا أن ينهل من العناصر التي بمقدورها مساعدته في خطوة جديدة . كما لا يجب أيضا طرح كل شيء ، مثلما يفعل بعض الأشخاص ، بحجة أنه لا وجود لوصفة سحرية . إننا محترفون و ، بهذه الصفة ، يجب علينا تحمل نمونا الشخصي و تطورنا الذاتي ، نكون دائما مستعدين لما يخدم تعميق معارفنا و تجديد ممارساتنا . فقط إن هذا لهو الشرط الذي يجعلنا قادرين على البقاء في قمة فننا .
أعترف أولا كوني كممارس ، إذن يشق علي كثيرا تنظيم و من تم تبليغ فكري من خلال نص مثل هذا بدون أن أكون عرضة للسطحية أو أنسى أبعادا مهمة . فضلا عن ذلك ، فالموضوع يعجبني ..
المثلث البيـداغـوجـي
« إقامة توزان لا قار ، و لا غير قار ، لكن « متحول métastable » من بين العناصر الثلاث للمثلث البيداغوجي ، المتعلم ، المدرس ، موضوع التعلم أو التدريس .. تماما إن إخفاق الممارسات البيداغوجية الماضية متحققة في كونها منحت الأسبقية لاثنين من هذه العناصر [..] على حساب الثالث الذي ، باشتغاله دور الأحمق ، يرجع لا محالة لإثارة الفوضى في اللعبة حيث تم استبعاده بلا تريث » ( د. هاملين ).
يمكن للمثلث البيداغوجي أن يصير في آن واحد تقعيدا نافعا لفهم و تلخيص العناصر الأساسية للقسم كما أيضا للعلاقات التي تقام بين هذه الأخيرة . يجيز أيضا استدخال بعض الصلابة في تحليل ما يحدث بين العناصر الثلاث للتعلم . فلننظر كيف يبنى المثلث البيداغوجي .
المثلث البيداغوجي [ غير مثبت هنا ] يتميز بثلاثة رؤوس حيث تتموقع بالتوالي التلميذ ، المدرس و المعرفة . تؤسس أضلاع المثلث العلاقة المبنية بين كل عنصر على حدة .
ما هو الشيء المهم و الرئيسي في وظيفية القسم ؟ هل هو العلاقة التي يبرمها المدرس مع المعرفة ؟ أم العلاقة التي يبرمها التلميذ مع المعرفة ؟ أم أيضا العلاقة التي يقيمها المدرس مع التلميذ ؟ نلاحظ أن ، حسب الحالات و العصور ، وقع التركيز بشكل كبير على هذا أو ذاك من الأنماط . هكذا ، في بداية السبعينات 70 ، أخذت علاقة « استاذ – تلميذ » مكانة كبيرة جدا ، على الأقل في الابتدائي . ثم بعد ذلك ، مع ظهور التخطيط عبر الأهداف ، منذ سنوات عديدة انتقل الاهتمام صوب برمجة و تخطيط التعليم و التقويم ، يعني نحو العلاقة « أستاذ – معرفة » التي يمكننا نعتها بالطريقة الديداكتيكية أو سيرورة التعليم.
في النهاية ، منذ آواخر الثمانينات ، علاقة « تلميذ – معرفة » تم الأخذ بها و تثمينها . كل عصر من العصور قد حقق نجاحه لكن كذلك خيبة امل و إخفاقات كثيرة . مرت المدرسات و المدرسون من عصر إلى آخر ، من تيار إلى آخر بدون معرفة أكبر لماذا ما كان يؤسس في الماضي و لا يزال رأس الحربة يجب الآن تنحيته و استبداله بحقيقة جديدة تجلب معها الحل لجميع معضلاتنا . سوف تستمر الحالة إذا لم نستطع تقديم إطار تحليلي شامل قدر الامكان حتى يتسنى لنا الدراسة و التقويم الامثل للمساهمة و التكاملية لكل تيار من التيارات المعلنة . في هذا الصدد ، إن المثلث البيداغوجي يجلي تماما المكانة لا رجعة فيها لكل بعد من الأبعاد الثلاث . أعتقد أن فعالية و « سحر » الفنان – المدرس تكمن في التوازن و الانسجام و هو يعمل على إنجاحهما و التوفيق بين الأقطاب الثلاث .
دون إنكار أهمية الوحدات المؤسسة لرؤوس المثلث ، يبدو لي من الفائدة المؤكدة ملاحظة الأضلاع بدل الزوايا . يمثل كل ضلع من هذه الأضلاع محورا أساسيا للوضعية التعلمية ، لكن لا يكون لوحده الضامن الوحيد لنجاح المؤسسة التربوية . لذا سيكون لدينا الطريقة البيداغوجية pédagogique، والطريقة الديداكتيكية didactique ، و الطريقة التعلمية d’apprentissage . كما تبينه لنا ملاحظة الماضي ، المشكل الاساس سيكون هو استدخال ( لا يجب نسيانه ) الحقيقة الثالثة ، القطب المقابل . إن تنحية قطب واحد من الأقطاب الثلاث يعرض التوازن للخطر و يعرج بالفعل نحو أشكال من المنطق الوظيفي المبني على المحتوى فقط أو على العلاقات الانسانية خالية من المعنى و بعيدة من المأمورية . تكون الحقائق الثلاثة كلا غير قابل للانقسام و السر الأكبر في ممارسة تعليمية فعالة تكمن في التحكم في العناصر و المعايرة أو التجويد الذي نستخدمه . كل شخص مسؤول عن اختياراته الحرة ، لكن طريقته ستكون أكثر سلامة و أمنا مع ذاتها و حاملة لتحسينات احترافية لو ارتكزت على فهم لا بأس ( تخطيط تنظيمي ) لجميع العناصر و الرهانات .
العلاقـة البيداغوجية
ما يجعل الفرق حاضرا في النشاط البيداغوجي يبدو منفلتا من كل قيد و تعريف . و رغم ذلك ، من المؤكد أن ، كما يحدث بداخل أي تنظيم ، المناخ و الجو العام اللذان يحملان الفعل أو النشاط إنما يؤسسان عاملا حيويا للنجاح و للجودة . لا يمكننا أن نتخذ قرارا بتغييب البعد الوجداني ، هكذا بسهولة او بتعجرف . كوفي ، في مؤلفه العجيب المعنون العادات السبعة تلك التي تحقق جميع ما تشتغل عليه ، يجعلنا نكتشف أهمية إيلاء المزيد من المجهودات لتنمية قدرة الانتاج ( CP ) عوض الانتاج (P) . حسب هذه القاعدة ، من الضروري الحفاظ على التوازن بين CP و P . تبعا لأسلوب التدبير التقليدي ، عادة ما نشدد بقوة و نركز أكثر على تنشيط الانتاج بدل تنمية و رعاية قدرة الانتاج . حتى و لو ، عندما يسيء الأمر ، يكون لدينا ميل في نسيانه تماما و القضاء عليه . و من ثمة ، نتفاجأ بالنتيجة و نتهم الآخرين بعدم التعاون و الالتزام . إن مبدأ CP يساعدنا في ان نتعلم أنه من الواجب معاملة المستخدمين كما نتعامل مع أحسن الزبائن . الأ يمكننا القول أن تلامذتنا يلعبون في ذات الوقت الدورين ؟
حسب مبدإ آخر ، هذا الانتباه الذي نوليه للمستخدم هو الذي يحدث كل الفرق في إلتزامه لكي يحقق عملا ذا جودة . مما لا شك فيه إن تدبير الموارد الانسانية هو الوظيفة التي من أجلها لم يكن المدرسات و المدرسون مستعدين لها بما فيه الكفاية . لحد الساعة ، لا نعثر تقريبا على أي شيء بخصوص هذا الموضوع في برامج التكوين المقدمة ، سواء في التكوين الأولي او في التكوين المستمر . فضلا عن ذلك ، لدى رجل التربية ( الأستاذ ) ميلا في اعتبار أنه لا يدبر الموارد الانسانية و مع ذلك .. سأقول حتى أن جزءا مهما من مجهوداته تسثمر في هذه الوظيفة و أن العديد من المشاكل و الأتعاب سببها هو غياب الاستعداد و التهيؤ لتحمل بفعالية دوره في هذا المعنى . أظن أن عملا متقنا في القيادة و إقامة علاقة الثقة سوف يجعل من الطاقة الكبيرة المبذولة أكثر فعالية قصد البرمجة و التخطيط و تقديم الدروس كما أيضا فيما يتعلق بتدبير القسم . من المؤكذ إذا تخصيص حيز هام من انتباهنا لهذا البعد مع عدم نسيان أن العلاقة مدرس – تلميذ لديها كهدف تحصيل المعارف .
لا يجب مع ذلك ترك العلاقة البيداغوجية عرضة لمصادفات الأحداث و الوضعيات . إنها تعتبر المكان المفضل للوساطة الضرورية la médiation . و ، كما يقول ميريو ، فاحدى الوسائط الأكثر قدما في الزمن هو بلا شك الطقسي le rituel . كتاب الطقوس يساعدنا في تنظيم معا تدبير القسم ، و الزمن ، و السلوكات و أيضا الأنشطة . بحماية أنفسنا من الصرعات الوجدانية ، فإن الطقسي يضمن لكل واحد إمكانية الانخراط الشخصي و استدراك القول . من شأن تنظيم الفضاء أن يضمن لكل شخص بأن يتوفر على منطقته الخاصة به التي يجعلها ملكا له ، حيث بإمكانه أن يضع فيها أشياءه و حيث يصبح سيد بيته . بدون مرجعية المكان ، ينتابنا القلق بسرعة . كلنا نحتاج للتثبيت في مكان ما و السعي لضمان ذلك لتلامذتنا لمن شأنه إبعادنا بلا شك من العديد من الاضطرابات .
بفضل الطقوس ، يصبح من الممكن إقامة هنالك مناخا مناسبا و مساعدا يقيم أحيانا الفرق بين قسم ما من الأقسام و قسم آخر حيث التلاميذ يتسارعون للالتقاء فيما بينهم لأن لديهم إحساس بتعلم أشياء كثيرة في الفصل و يكونون فيه سعداء . ما الذي أحدث المناخ المطلوب ؟ يشير بويير و كلاسير ، حسب نظرية المراقبة ، أننا كلنا ، صغارا و كبارا ، مسكونين من طرف نفس الحاجيات الأساسية التي هي البقاء من اجل الحياة ، الانتماء ، السلطة ، المتعة و الحرية . حسب تفسيراتهم للحافزية المتعددة و السلوكات الانسانية ، نبحث في كل لحظة من حياتنا لسد هذه الحاجيات . كل سلوك ، حتى ذلك الذي يبدو لنا أكثر حماقة ، هو أفضل ما يعتقده الفرد القيام به في لحظة معينة لتلبية حاجة او عدة احتياجات . التأويل الذي نقيمه إزاء وضعية تصادمية هو في الغالب الأعم بعيد من الفهم الداخلي الذي يقميه الآخرون . كم من السيناريوهات المظلمة لم نعمل على تغذيتها معتقدين أن بعض التلاميذ يريدون شرا بنا أو يكرهوننا بيد أن طريقتهم في البحث ، خرقاء بالتأكيد ، لم تكن تحمل سوى تلبية حاجاتهم في السلطة ، الانتماء او الحرية .
المدرسة او المدرس الذي لا يعمل على تشغيل تلامذته ضمن الفريق مخافة ضياع التحكم في المجموعة و التلميذ الذي يرفض الخروج من القسم حينما نأمره بذلك يلبون نفس الحاجة للسلطة ( يبقى سيد الموقف ) . جميع السلوكات هي استجابة للحاجيات الداخلية ثم ، كلما اتسع جدول السلوكات المكتسبة ، كلما تمكن الفرد في التصرف بطريقة ملائمة استجابة لمطالب المحيط مع احترام ذاتيه . كل فرد في القسم ، من ضمنهم المدرسة و المدرس ، يجب أن يلبي حاجياته الخاصة مع السماح للآخرين بفعل ذلك . لا يمكن أن يتم هذا عن طريق مرسوم . تماما بإمكان الضغط الخارجي ، التهديد و الاكراه إخضاع التلاميذ لوقت قصير ، لكنهم يظلون بدون فعالية فيما يرجع للتربية على المسؤولية .
تنظيم الطقوس ، في بداية السنة او فيما بعد ، يعد المكان و الوقت بامتياز لغرض التكهن بتهئية حياة القسم التي تسمح للتلاميذ بالعثور على اجوبة لاحتياجاتهم الأساسية وفق أليات محسوبة . تعمل الطقوس على توفير الأمن الجسدي و العاطفي الضرورين في القسم حتى يتسنى للتلاميذ القيام بالتعلمات .
إقامة نظام تدبيري للقسم الذي بداخله نقحم و نفضل تقديم المساعدة و التعاون سوف يسمح للتلاميذ بإشباع حاجياتهم في الانتماء و السلطة ( الانتماء و السلطة ، على ما يبدو ، هما العنصران الأكثر إهمالا في نموذجنا بالمدرسة ) و يسهل التعلمات المعرفية ، الاجتماعية و الوجدانية على السواء . فلأن الكلام يمفصل الفكر ، لذلك فإن أوقات المناقشة تساعد التلاميذ على تنسيب أفكارهم ، ملاءمتها و تنظيمها . وضعيات العمل مع التلاميذ الآخرين تؤمن التفعيل المشترك لكثير من طرق التعلم ، و التنوع في المعارف القبلية و مختلف المهارات الشخصية . في الوقت الراهن ، إن التنافسية و العمل المنفرد يمثلان على الأقل 90 في المائة ، بل 95 في المائة من العمل في المدرسة .
التنافسية تعني أن شخصا يعمل لتحقيق أهدافه بالصورة التي تمنع الآخرين تحقيق أهدافهم أيضا ، بينما العمل المنفرد يتوخى أن نشتغل بدون أن نهتم بالآخرين . الموقفان معا يقتلان الابداعية ، يخلقان توترات و يزيدان في مستوى الشك و الارتياب و الخداع . و من هناك ، فالتلاميذ المتواجدون في حالة استحالة تخمد همتهم و يصابون بالاحباط . من الأكيد أنه توجد مكانة صغيرة في مدارسنا لكثير من التعاونية و العمل في الفرق . ها هو تيار يستحق منا كل الاهتمام لأنه يتضمن مسلكيات لحل نوعين مهمين من معضلات مجتمعنا ، أي الفردانية و اللامبالاة اتجاه الآخر . المساعدة المقدمة من طرف تلاميذ آخرين يمكن ان تساهم بشكل ملفت على تسهيل بعض التعلمات جاعلة من المدرسة فضاءا أكثر استمتاعا ، لأن التلاميذ سوف يجدون فيها إذا تنظيما مستجيبا أفضل لاحتياجاتهم الأساسية .
أيضا يمكن للوساطة عبر المشروع أن تؤسس نهجا رائعا . تساعد على تجنيد la mobilisation القسم أو مجموعة من التلاميذ من خلال منتوجات جماعية. إن المشاريع تقدم فرصة للتلاميذ لكي يستعملوا معارفهم لأغراض منفعية و ليست مدرسية . فعلا ، قبل تقديم مجهود عال أثناء عملهم ، يجب على معظم الشباب أن يكونوا مقتنعين بأن ما يطلب منهم تعلمه هو صائب و نافع في حياتهم الحاضرة و المستقبلية . بالنسبة للبعض ، يكفي معرفة أن هذا الأمر يجب أن يكون مدروسا من أجل الفوز في الامتحان ، للحصول على ترتيب مهم داخل المجموعة أو للحصول على ملف جيد يسمح له بالتسجيل في برنامج الدراسات الاعدادية او في مؤسسة تعليمية إعدادية من اختياره . بالنسبة للكثيرين على الرغم من ذلك ، يجب على المحتوى أن يكون ذا نفع قوي و تطبيقي في الحال ، أو تنعدم الفائدة إذن . هذا هو التحدي امام المدرسة او المدرس و المدرسة في تبيان أهمية و نفعية التعلمات المقترحة . المشروع هو مسلك ، ليس المسلك الوحيد ، وفق هذا المعنى . لا نريد السقوط في المنفعية ، من الأفضل أحيانا ملاحظة أن ما نتعلمه في المدرسة يمكن أن يخدم أغراض أخرى غير أغراض النجاح المدرسي . لذا ، فأوقات « الانتاجية » تسهل عملية تحديد التعلمات المنجزة و يمكنها ، إلى حدود بعض النقط ، تساعد على هدم السياق ، ثم إذن التحويل le transfert .
أيضا بإمكان الممارسات التربوية أن تصبح فضاءا للوساطة الاكثر غنى . لسوء الحظ ، لا يمثل التقويم في كثير من الأحيان إلا مرحلة تسمح بالتأكد و الاقرار على مقدرة استنساخ خطاب المدرس بكل صدق . لعل مفهوم التقويم التكويني يستحق إدراجه في جدول الاعمال ، و السبب ، حسب هذه الروح ، نقدم إمكانية للمدرس و للتلميذ لرد الاعتبار للخطأ في سيرورة التعلم . التقويم « الذي يكوِّن » ، بما أننا نخصص له جزءا مهما من الحضور الزمني في القسم ، كان من اللازم أن يكون حاضرا في كل لحظة في عملية التدريس . أن ندرس للتلاميذ كيفية تقويم أعمالهم الخاصة يمكن أن يغذو مصدرا قويا للحافزية و تقليد المسؤولية . لا أتحدث هنا عن النموذج للتقايم autoévaluation الذي كان يطبق في بعض الجامعات منذ 15 سنة ( كان الطلبة يعطون نقطة من عند أنفسهم) . أفكر بالأحرى في نهج حيث نطلب دائما من التلميذ تثمين عمله ، أن يعبر عن افتخاره في هذا الصدد ، أن يعطي حكمه الخاص المتعلق بالقيمة و أن يبحث عن مسلكيات التصويب و التحسين . ثم بعد ذلك ، يمكن للمدرسة و المدرس أن يبلغه تقويمه الخاص ، إمداده ببعض التعليقات التفسيرية ، يقترح عليه خططا للتجويد ، يدعو التلميذ مراجعة عمله إذا كان الامر يناسبه و يمنحه النقط المستحقة . ستقولون لي أن هذا العمل يتطلب الكثير . هذا صحيح ، لكن لا ننمي ابدا معنى الجهد و المسؤوليات ، حيث أن التلاميذ محرومون منها كلية على ما يبدو ، مستندين على احكام معيارية ، ممارسين إكراها و مستعملين التهديد . أعتقد بالأولى أن بواسطة هذا النوع من التقويم ، أكثر لزومية و شدة وأنا أعترف بذلك ، هو ما يجعلنا نحقق ما نصبو إليه .
ها هي بعض الأفكار حول العلاقة البيداغوجية . تعتبرهذه الاخيرة بعدا لا مناص منه في النشاط التعليمي . عدة أنشطة استكمالية مرافقة لهذا الموضوع موجودة ، مثل تدبير الفصل ، تدبير السلوكات ، التداوي بالواقع ، الخ . سيجد المدرسات و المدرسون بلا شك ، داخل هذه الفئة من الأنشطة الاصلاحية ، إلهاما يستطيعون بفضله تقويم ممارساتهم مجددا . إلا أن ، من المهم التذكير أن معظم هذا الميدان لا معنى له حسب مأمورية المدرسة إذا لم نقرنه بـ « الحقيقة الثالثة » ، أي المعرفة le savoir . بالفعل ، كل الآليات و الممارسات لا تحمل سوى هدفا و لا تبرر إلإ عبرها و من خلالها ، تعلم المعارف .
العلاقة الديداكتيكية
العنصر الثاني لمثلثنا البيداغوجي ينتج من العلاقة الحاصلة بين الشخص الذي يدرس و المعرفة الموضوعة للتلقين . ما هو منطق هذه المعرفة ؟ كيف تنظم حتى يتمكن التلميذ من استيعابها ؟ ما هي المقاطع التي يجب اتباعها ؟ ها هي أسئلة كثيرة تستوجب على كل مدرسة و مدرس مواجهتها يوميا . و يمكننا إضافة العديد منها في نفس السياق . أيضا يتطلب هذا الميدان الوقوف بعض الوقت حتى نستوعب العناصر و الرهانات .
« الذي يستهدف التعليم instruire » هذا هو تعريف المعجم الصغير روبير لكلمة ديداكتيك . إذن أي عمل يجب أن يقوم به كل من يدرس جاعلا من المعرفة سهلة المنال و في متناول التلميذ ، يعني تهذيبه و ثتقيفه ؟
جزء مهم من العمل المقصود يروم تخطيط البرنامج . كم من الساعات المقضية في إعداد التدرجات الدقيقة للأهداف و الأهداف الصغرى بشكل يسهل الوصول إليها و استيعابها . في هذا الصدد ، المقاربة عبر الأهداف ، المصاغة من طرف ماجير و المنتشرة منذ السبعينات ، قد ساهمت بشكل كبير في إضفاء الدقة و الصرامة في منهج يتراءى أحيانا معقدا و منفرا . تقريبا جل المدرسات و المدرسين حصل على تكوين في الموضوع و أغنوا ممارساتهم . أتذكر كل الآمال التي كانت تطرح في ذاك العصر و الفرق العديدة التي كانت منهمكة في تحضير التدريس لمقرراتهم . لكن أيضا ، كم هي الخيبات التي تلت أمام صعوبة الحفاظ على الايقاع لمثل هذا النوع من التخطيط و امام النتائج المحصلة . كثيرون هم من لديهم الانطباع بعدم الحصول على الآثار التي كانوا يعتقدون فيها و مع ذلك كانت مستحقة .
و بالتالي ، لقد اختصر المنهج . لقد عشنا عصر تخطيط التعليم و التقويم . و موازاة مع ذلك ، برز على السطح مفهوم الاشراف البيداغوجي la supervision . كل هذه المجهودات كان هدفها هو شكلنة تنظيم التعليم بالصورة التي تجعل تؤمن الصدقية للبرامج و ، في نهاية الامر ، ضمان تعلم المحتويات من طرف التلاميذ . هل الميدان كله هنا هو الذي يجب أن يكون محاطا بالطريقة الديداكتيكية ؟ ألم نغفل بعد مرة أخرى ، بتمركزنا هكذا حول « الاعداد – للبرنامج » ، عن القطب المقابل ، ألا و هو التلميذ . بالفعل ، حينما نتوقف أقل عند ذلك ، نتوصل بسرعة إلى الملاحظة أن منطق الموضوع ، منطق المادة التعلمية أو البرنامج و منطق التعلم l’apprentissage ( ما يحدث في رأس التلميذ ) لا يخضع أبدا لنفس القواعد و أن بتجاهلنا لهذا الشيء لمن شأنه تعقيم أجمل و أدق البرامج ذات الأهداف السلوكية .
من الضروري إذا تجاوز معرفة البرنامج و تنظيم الأهداف . لا بد من اعتبارهما من زاوية النشاط الذهني الملزم للتلميذ . يصرح ميريو : « تكمن الطريقة الديداكتيكية في الاعلان ليس فقط على ما نريد أن يعرفه التلميذ لكن التساؤل حول ماذا يحدث في رأس التلميذ حتى يتمكن منه و البحث عن آلية فعالة للوصول إلى الغرض المطلوب » . منظورا إليه من هذه الزاوية و بهذا الاتساع ، يقتضي النهج اليداكتيكي بأن نحلل أهداف البرامج في اعتبار المهارات الذهنية التي ستكون محط تفعيل في وضعيات التعلم المقترحة . ليس أبدا المقصود هو إخضاع التلاميذ للتمارين التي تتوالى في المقرر أو في دفتر التمارين ( نحتاج إليها بلا شك ، لكن لا بد أيضا من أشياء أخرى ) ، إنما التفكير جيدا و إعداد وضعيات تعلمية من شأنها مطالبة قدرة التحليل ، و التقويم ، إقامة الفرضيات ، و الاستنباط ، و الاستقراء ، الخ . الخطاب ليس جديدا ، لكن المهمة في غاية من الدقة و اللزومية . وبالرغم من هذا الاكراه ، أعرف عدة مدرسات و مدرسين الذين تحصلت لديهم هذه المقدرة . إن عمل الفريق سوف يسهل مهمة كل واحدة و واحد منا بكل تأكيد .
مما لا شك فيه لقد تمرس معظمنا على الصنافات الاكثر شهرة ، مثل صنافة كويلفورد ، بلوم ، دينو و آخرون . غير أنها صنافات سهلة التطبيق إلى حد ما و لربما لا يوجد أي منها تشعرون إزاءاها حقا بالارتياح . اسمحوا لي هنا أن أقدم لكم أحد التيبولوجيات للعمليات الذهنية ، المقدمة من طرف ميريو في التعلم ، نعم .. لكن كيف . يشير الكاتب بدقة أنه كان من اللازم على التيبولوجية المبحوث عنها من قبل فريق عمله أن تكون « قابلة للأجرأة » ، يعني قادرة بأن تترجم إلى أفعال ( آليات ديداكتيكية ) . ثلاثة شروط كانت إذا ضرورية : البساطة في الاستعمال ، المطابقة مع الاسهامات النظرية ، الخصوبة في التطبيق . لا يظن الباحث و فريقه في ان تصبح عالمية و نهائية . بل يقترحها آملا منها بأن تصير مستعملة من طرف أكبر عدد ، مع احتمال أن يغيرها أي أحد حسب احتياجاته الخاصة .
ها هي إذا أنواع العمليات الذهنية المقترحة :
أ) الاستنباط la déduction : يجب على التلميذ أن يستخرج نتيجة من حدث . المقصود إذا هو التموضع من وجهة النتيجة : « في حالة ما إذا.. ، إذن .. » ؛
ب) الاستقراء l’induction : نطلب من التلميذ الانتقال من الأمثلة إلى الأفكار ، من الاحداث إلى القوانين ، من الملاحظة إلى المفاهيم . إنها العملية التي تساعد في ولوج التجريد : « ما هي النقط المشتركة ؟ »
ت) الجدلية la dialectique : المراد هو الاشتغال حول الأفكار المساعدة في ولوج النظمة un système و بناء النماذج . على التلميذ أن يحتل المكان .. الوضعية الاعتيادية الاكثر قربا من هذا المقتضى هو اللعب : لعب الأدوار في التاريخ ، لعب المهمات في الفرنسية ، لعب البنيات في الرياضيات ، لعب في الاقتصاد ، الخ ؛
ث) الاختلافات la divergence : نشتعل حول إنتاجية الأفكار . يجب ربط العلاقة بين العناصر عادة ما تعتبر متفرقة و متباعدة . الامر الذي يسمح بتفسيرات جديدة ، حلول متفردة .
في أول نظرة ، تتضح تيبولوجية ميريو على أنها ممتعة ، لا تحمل تعقيدا كبيرا و من ثم فهي سهلة التطبيق مقارنة مع بعض التيبولوجيات الاخريات . إنني على وعي بما عملت يداي من قطع و بتر لجزء من غناه بسبب تقديمي المغرق في التبسيط . إنما ، لو أعجبكم الموضوع ، سأدعوكم للاطلاع على مؤلفه المذكور اعلاه حتى يحصل لديكم وصف دقيق و مفصل .
الشق الثاني من المثلث البيداغوجي ( العلاقة الديداكتيكية ) تؤسس بدورها أيضا حقلا من المعارف قيد الامتلاك و المهارت قيد التحصيل و التطوير . لنصب المعالم في ميدان الديداكتيك ، معرفة برنامجه أو برامجه ، تنظيم الأهداف بطريقة صحيحة و معقولة ، تحديد العمليات الذهنية التي تلزم التلميذ بتفعيلها ، إعداد تفعيل وضعيات مناسبة ، اختيار استراتيجيات من شأنها تحقيق النتائج المرجوة ، ها هنا كم من الدرايات و مجالات الكفاية تستوجب الأخذ بعين الاعتبار في الاعداد للتعليم . نلحظ جيدا مدى تعقيد مثل هذا المشروع ، و خصوصا لو حسبنا أن هذا البعد يجب أن يكون منسجما مع مجموع المكونات و العناصر الاخرى . المهم ليس هو معرفة الكل و لا التحكم في الكل ، لكن أولى يجب أن نكون قادرين على ضبط مكامن القوة و النقط التي تستدعي التجويد .
العلاقة التعلمية
في الوقت الراهن ، إن علاقة تلميذ – معرفة هي التي تبدو مثيرة للاهتمام البالغ . منذ بضع سنوات ، قام المختصون في مختلف الميادين ( علوم الاعصاب ، الذكاء الاصطناعي ، اللسنيات ، الخ .) بعمل مشترك لتنظيم البحث حول كيفية اشتغال الدماغ . في السيكولوجيا المعرفية ، نقترح نماذج تفسيرية في عدة مجالات ، و خاصة الادراك ، الذاكرة ، التمثلات ، حل المسائل . نجد إذا كما هائلا من المعطيات الجديدة تساعد في الفهم الجيد في كيفية تعلم الكائن البشري . ها هو الحقل الثالث الذي يفتح أمامنا لغرض استكشافه . ماذا سنستفيذ منه ؟ ما الامر الذي سيقدم لنا المساعدة لتسهيل تعلم التلاميذ ؟
كل شخص يقوم بالتدرس يبني فكرة عن الكيفية التي يتعلم بها التلاميذ ؛ تؤثر هذه الفكرة كثيرا على ما هو ملقن في القسم و كيف تم ذلك بالفعل . ملمين بقوة ببراديكماتنا ( الطريقة التي نعتقد بها تسيير الأمور ) ، يجب علينا ، كمحترفين مسؤولين ، العمل على ضمان تأهيل معارفنا فيما يختص بماهية التعلم إذا لم نرغب في البقاء مسجونين بداخل شيماتنا القديمة ، و بداخل معتقداتنا البالية . نحن متفقون على أن كل من يحترم نفسه على المستوى المهني لا بد له من مسايرة العلوم الملحقة و أن الشخص ، إن لم يكن قد حدث ذلك ، سيصبح بسرعة متجاوزا ، مهجورا ، لا كفاءة له . البحث يتقدم بخطى سريعة . فلنتابع الخطى ..
التعلم ، هو التأهب نحو تحقيق الهدف : حتى يتمكن التلاميذ الانخراط في التعلم ، من الواجب عليهم امتلاك إحساس أن ما نقدمه إليهم من تعلم سيكون نافعا لهم في حياتهم الحالية او المستقبلية . إن من خلال التوضيح لمشروعه الشخصي هو ما يجعل كل تلميذ منخرط في وضعية تعلمية يجد معنى للحياة المدرسية . الاعداد للحياة المنتظرة لا يكفي البتة لعدد مهم من التلاميذ . لا بد أن نطلعهم على منفعية معارفهم المدرسية . لقد بين طارديف تماما إمكانية تحفيز التلميذ عن طريق وساطة المهام les tâches . نزولا عن ذلك ، لا بد لنا أن نتصور أنشطة مهيمنة و شاملة حيث تكون الأهداف فيها بادية للعيان ، حيث المعنى لا غبار عليه و حيث معايير النجاح تكون معروفة . من السخف الاعتقاد أن كل التلاميذ سيتعرفون على هذه المعايير بدون مساعدة . المدرس مسؤول عن التوضيح بدقة للمنفعة ، للضرورة و لملاءمة الطرائق المقترحة على التلاميذ .
لا يمكن لهذا الأمر ان يحدث إلا من خلال حوار حقيقي يستلزم أخذ بعين الحسبان الحقيقة المعرفية و العاطفية للتلميذ الذي يتعلم . فكلما سعينا في بروز المعنى بداخله ، كلما أحدثنا إلتزامه ، مشاركته و مثابرته . يريد التلميذ أيضا أن يعرف بأنه يقدرعلى النجاح و يجب أن يتكئ على معارفه و على الثقة التي نضعها في إمكانياته و مؤهلاته حتى يتم له الانخراط مع حد أدنى من الأمان في مهمة جديدة . ما هو الشيء الضروري للقيام بهذا العمل ؟ هل سبق للتلميذ أن قام بهذه المهمة المشابهة أم التي تشبهه ؟ ما هي الاستراتيجيات النافعة ؟ هل نعرف نموذجا مماثلا ؟ ما نوع المساعدة التي يمكن أن يتلقاها التلميذ ؟ هل المجازفة مقبولة و الخطأ مسموح ؟ كيف يتعرف التلميذ على أن مهمته قد انتهت و موفقة ؟ المعايير المنتظرة هل هي معروفة من قبل التلميذ و هل من الممكن تسليط الضوء على منتوجه النهائي ؟ هل ندعو التلميذ من أجل التقويم الذاتي لمنتوجه ؟ هل يمكن له تحسينه و التحسين المقدم والنهائي هل سيترجم إلى نقطة نهائية ؟ هذه كلها سبل كثيرة تعطي الدلالة و الأهمية للمهمة . بكل تأكيد إنكم على علم بسبل كثيرة أخرى ..
التعلم هو نتاج بناء شخصي : قبل متابعة الدرس ، عقل التلميذ ليس صفحة بيضاء يمكن للمدرس من خلالها إدراج و بعث المعارف الحقة . في الحقيقة ، يمتلك التلميذ مسبقا على فكرة ما سيلقن له و تصوره الأصلي لن يتغيير إلا إذا كان ما يقدم له يمكن أن يندمج مع هذا الأخير . فالتلاميذ يفسرون المعلومة الجديدة حسب تمثلاتهم ، حسب بنياتهم الذهنية الموجودة . تأويلاتهم بلا شك ليست تلك التي يريد المدرس التوصل إليها بمعيتهم . يركن دوره بالضبط في التفاعل مع التلميذ لمساعدته من اجل إعادة تنظيم معارفه . منذ زمان ونحن نعتقد أن المعنى الذي كنا نستخرجه من مختلف حقول المعرفة كان يلقن أوتوماتيكيا للتلاميذ . ليس بهذه الشاكلة تتم الأمور . من اجل التعلم ، يجب على التلميذ ربط معطاياته الجديدة بمعارفه السابقة ، بنظام مستمر و تام لمعارفه السابقة و ليس الأمر هو مجرد تكديس هذه المعارف . لذا فالتلاميذ الذين ينجحون و مثلهم من الخبراء هكذا يفعلون . إن استخدام الرسوم في القسم ، و الجداول ، و الخرائط ، و المخطوطات ، و الشبكات الدلالية تسمح لمن لا يعرف كيفية التصرف الحصول على نماذج . القياسي و الاستعاري هما أيضا استراتيجيتان فعالتان جدا لمساعدتهم في إقامة العلاقات بين المعلومة الجديدة و تجاربهم .
التعلم ، هو تطوير استراتيجيات des stratégies : منذ بضع سنوات ، عدة كتاب ( من بينهم بيربوم ، فيورشتاين ، لاكرندوري ، تروكمي – فابر ) قدموا لنا فهما فيما يختص بأهمية الميتامعرفية في التعلم la métacognition . من جهة ، من المؤكد أن ، لو درسنا للتلميذ ميكانيزمات تشغيل ذاكرته و دماغه ، سنسهل لديه طريقة في التعلم تكون أكثر استقلالية و فعالية ؛ و من جهة اخرى ، من الواضح جدا أنه لا يوجد أي تكوين باستطاعته الاستجابة بشكل صريح و نهائي للحاجيات المستقبلية للتلاميذ ؛ امام هذين المطلبين الملحين ، فإن ضرورة تعليم التلاميذ لكيفية التعلم لا يساورها أدنى شك . لقد ساعدتنا التجربة في تبيان أننا نقدر على تغيير سلوك التلاميذ بصورة مؤكدة ، من ضمنهم هؤلاء الذين يتواجدون في الصعوبة ، بفضل تدريس من شأنه السماح بتملك استراتيجيات داخل محيط حيث نقدم فرصا لمزاولتها . الوعي بالدرايات و الاستراتيجيات التي نستخدمها و مراقبة مجهوداتنا أثناء التفعيل الجيد كلها أفعال مرتبطة أشد الأرتباط بالنجاح في تعلمنا . ليس القصد هو الاطلاع و معرفة الاستراتيجيات المعرفية فحسب ، بل لا بد أيضا معرفة متى و كيف نستخدمها . في هذا المضمار ، الكتاب بعنوان من اجل تدريس استراتيجي ، لـ طارديف ، هو أحد مصادري المفضلة . يقدم الكاتب في مؤلفه عدة أفكار ملموسة و يدعم توصياته ببحث موثق جدا . أعمال فيكوتسكي و برونير يقدمان أيضا أرضية جيدة لمفهوم التربية المعرفاتية . نجد بالاضافة إلى ذلك العديد من النصوص الرائعة حول الموضوع في مجلة العلوم الانسانية رقم شهر فبراير – مارس 1996 حيث نلخص ما آل إليه البحث في الميدان .
التعلم ، هو تشغيل ذاكرتنا بفعالية : للزيادة في فعالة التعلم ، يحتاج التلميذ أيضا لفهم آلية ما يسميه لاكروندري بـ « الحركات الذهنية ». بالرغم من أن هذا الكاتب هو موضع مساءلة حول بعض الأنماط للنموذج الذي بناه ، من الواجب مع ذلك الاعتراف له بالاحقية كونه قد ساهم بشكل كبير في تفتح المعلمين في إمكانية إتجاه التلاميذ كي يدبروا ذكاءهم عن طريق الصور الذهنية و الاستبطان l’introspection . من جهته ، قدم ليوري توثيقا غزيرا ، انطلاقا من ابحاثه ، حول مختلف انماط اشتغال الذاكرة . جل عمله يرتكز على الاستخدام الفعال للذاكرة في الوسط المدرسي . في النهاية ، عدة إيحاءات جد ملموسة تظهر في اكتشفوا طريقتكم في العمل ، لـ كيي سونوا ، كما أيضا إنماء قدرة التعلم ، لـ جان بيربوم . المصادر كثيرة و متنوعة ..
كما نلحظ في هذا التحليق المختصر جدا في اقتفاء أثر الممكنات لممارستنا البيداغوجية ، فإن العلاقة تلميذ – معرفة تؤسس ، بدورها ، ميدانا شاسعا من المعارف التي تطلع على سرها و الكفايات امتلاكها .
لحد الساعة أردت طوعا شد انتباهكم حول أضلاع المثلث البيداغوجي ، لأنها تؤسس الجزء الديناميكي للنشاط التعليمي . إنما ، سأسطر مع ذلك بعض الخطوط لأتحدث معكم عن رؤوس المسمى بالمثلث . ليس بسبب اعتقادي أن الأشخاص و المضامين ليست مهمة ، لكن بالحري لأنه يوجد لدي الاعتقاد الراسخ بأن بداخل تفاعلاتهم ما يحدث الأهم في التعلم .
المعارف
هناك تماما قضايا و أسئلة تتدفق بشأن المعارف . هل هي مناسبة ؟ هل تنشد الاستمرارية ؟ هل هي مندمجة بعضها البعض ؟ هل تحمل منفعة في نظر التلاميذ ؟ هل تمتاز بالدقة ؟ كيف يجب أن تكون المعارف في بداية سنة 2000 ؟ ما هو منطق البرامج الحالية و هل نحن قادرون على تفسير و تبليغ هذا المنطق للتلاميذ ( لربما سوف يفهمون أحسن ملاءمته و منفعيته ) ؟
رغم الحفاظ على الجوانب العامة للتربية ، فإن الحوار لا يزال مفتوحا . لا يهم القرارات التي سوف تتخذ ، من الواضح أنه يوجد عمل ضخم يجب القيام به حتى نتمكن من أن ندمج المواد التعلمية و المعارف ، حتى يتمكن التلاميذ من أن يحصلوا على فرصة ضئيلة من فهم التلاؤم و التكاملية لما نقدمه لهم . من يجرؤ القيام بذلك ؟ من يفعل ذلك ؟
التلميذ
من هو التلميذ ؟ ما هي قدراته ؟ ما هو تاريخه الشخصي على المستوى العائلي ، على المستوى المدرسي ، على المستوى الاجتماعي ؟ ما هو أسلوبه التعلمي المفضل ؟ ما هي اختياراته الدماغية ؟ ما هو نوع ذكائه ؟ ( مفهوم حاصل الذكاء QI هو متجاوز الآن ، بل نتحدث عن الذكاءات المتعددة من ستة او سبعة أبعاد ) ؟ ها هنا العديد من الأسئلة التي يمكنها تغذية الفكر و تؤثر في الممارسات و الاستراتيجيات . لا يمكن التغافل عنها . إذا لم يتعلم التلاميذ بالشكل الذي ندرسه لهم ، آن الأوان بأن نتساءل و أن نتكيف لكي ندرس لهم بالشكل الذي يتعلمون به . لا أريد أن أوبخ أي أحد ، لم أقصد سوى تحسيس القراء بالاعتبارات المهنية التي ينبغي أخذها بعين الحسبان و بجميع الوسائل و الأدوات و المصادر التحويلية الممكنة .
المدرس
كما نفعل ذلك نسبة للتلميذ ، من الممكن أن نتساءل حول الخصائص الشخصية للمدرس أو المدرسة . كل واحد من الواجب عليه أخذ ذلك بعين الاعتبار أثناء اختياراته الاستراتيجية الخاصة به .
من أجل التدريس ، من الضروري التعرف على الذات الشخصية ، لأنه لا بد من التعامل دوما مع شخصيتك الطبيعية ، مع مزاجك ، مع حماستك ، مع رغباتك ، الخ .
أريد أيضا إثارة انتباهك إلى شيء ذي خصوصية متعلق بهذا العنصر ، لكن دعني أولا أحكي قصة قصيرة .
لنفترض أنك تريد القيام بأعمال التجديد والتحديث لبيتك. فأنت تحتاج لنجار الأثاث ماهر و قررت أن تجلب أكثر من واحد حتى يمكنك القيام بأحسن اختيار . الأول الذي قابلت يبدو أكثر أقل اعتزازا بعمله . عربته كلها منحطة . لوازمه و أدواته مبعثرة بداخل قاع « الصندوق » . بلغ الصدأ مبلغه و العناية بهذه اللوازم و الأدوات يبدو في غاية من الاهمال . أما فيما يخص الزائر الثاني ، فالعكس هو الحاصل . كل شيء مرتب . اللوازم و الادوات موضوعة في احسن حالة و مصونة بطريقة مثالية . الاستعمال وحده هو الذي يبدو قد ترك آثارا و علامات تعكس أنوارها في الضوء . أليس لديك بعد الآن فكرة صغيرة عن من الذي سوف تأخذه لمباشرة الأشغال حتى و لو أنك لا تعرفهما الواحد تلو الأخر ؟
التماسك ، هذا يعني الانتباه إلى شخصيتك . أيضا هذا فحواه البحث عن التوازن و الانسجام في مختلف الأبعاد الحياتية . ما هي ؟ لكي أكون أداة حسنة في العمل ، أعتقد أنه لا بد لي أن أضمن بنفسي البحث عن جواب مقنع لاحتياجاتي الأساسية ( انظر أعلاه ) . لا بد أن أهتم شخصيا بتوازني و انسجامي على المستوى الفردي في كل الجوانب : الفزيائية ( تغذية ، تمارين ، الخ .) ، الثقافية ( قراءة ، دروس ، مناقشات ، الخ .) ، الروحية ( فكر ، استبطان ، ممارسة دينية ، الخ .) . على المستوى العلائقي ، يجب اعتبار الجوانب الشخصية ، العائلية ، المهنية و الاجتماعية .
فأنت مؤلف من عملك الذي يحسب عليك و يجب التعويل عليه كثيرا . ما هي الأولوية التي تضعها ؟ لا أريد أن أقول من هنا أنه لا بد من أن تسقط في المبالغة الزائدة و النرجسية . في حين ، لقد رأيت كم من الزملاء في العمل يسقطون مرضى ، يفقدون كل اهتمام إزاء عملهم ، بسبب عدم أخذهم بهذه القاعدة البسيطة بعين الحسبان . اسمحوا لي بأن أنقل هذه الكلمة لصديقي جيل فاشون : « لو أن كل نمط من هذه الأنماط يعتبر خزانا و أنكم تحرقون في كل يوم أكثر الطاقة التي لا تضعونها في الاحتياط ، فإنكم سوف تخسرون في هذا اليوم أو ذاك الحساب » .