تفريد التعليم
ممانعات ، حداد و متناقضات
فيليب بيرنـو
إن كل وضعية ديداكتيكية تقدم للتلاميذ او تفرض عليهم بشكل تواطئ فهي بلا شك فاقدة للدقة و الانسجام عند جزء من التلاميذ . من الممكن أن تتسم هذه الوضعية بالسهولة عند البعض بحيث تخلق لديهم تحديا و تعلما . فحين أن التلاميذ الباقين لا يستطيعون استيعاب المهمة ولا ينخرطون فيها . في بعض الاحيان على الرغم من ملاءمة الوضعية للنمو و القدرات المعرفية للتلاميذ ، فإن تلك الوضعية تبدو لهم بلا معنى وخالية من الرهانات و لا تحدث أي نشاط ذهني ملموس و لا أي بناء للمعارف الجديدة : إذن غياب كل دعم للمكتسبات .
من هنا تلوح إمكانية تعريف الفارقية la différenciation في التعليم : وهي تعني تنظيم التفاعلات و الانشطة بطريقة تجعل كل تلميذ يصبح دائما، او على الأقل في أغلب الاحيان ، يواجه الوضعيات الديداكتيكية الاكثر خصوبة بالنسبة إليه .
كيف يمكن تحقيق هذا الحلم ؟ لنفرق في البدء بين إشكاليتين حسب ما نروم إليه من نفس الاستعمالات او من عدمها لدى جميع التلاميذ :
- فإذا كنا نريد تحقيق نفس التحكمات ، فإن التلاميذ سيتابعون إن لم يكن منهاجا وحيدا ، فعلى الاقل توجد هنالك طرق مؤدية إلى نفس الكفايات : سأتحدث حينئذ عن الفارقية الضيقة .
- في حالة ما إذا كنا لا نستهدف نفس التحكمات ، سنعمل على توزيع التلاميذ إلى شعب بصفة عامة ، او إلى مجموعات المستوى او الدروس الاختيارية ؛ ثم بعد ذلك نرفق كل واحد بمنهاج خاص . سأتحدث فورا عن الفارقية الموسعة .
لقد استعرضت في مكان آخر ( بيرنو 1999 ) حدود التباينات لأنواع التميز . سألزم نفسي بها هنا في طرح إشكالية الفارقية الضيقة في إطار الاهـداف المشتركة – مشيرا رغم ذلك بسرعة إلى :
- أنها لا تضع موضع الشك التشابه في المتحويات ؛ من الممكن بلوغ نفس التحكمات عبر مسارات متعددة . إذن تنصب الفارقية الضيقة حول المنهاج كمثل متابعة التجارب الكوينية .
- أنها تنحو قليلا منحى التشابه في إيقاعات البرنامج ، و في الطرائق ، و في التعاقدات الدياكتيكية .
- أنها لا تريد التعبير بمقتضى « فلنعمل كأنما » . فهي لا تقف عند حدود الدعم او التصحيحات الكلاسيكية ؛
- أنها ليست إضافة إلى ذلك مرادفة لفرادنية التعليم ، بالطبع ، لا توجد فارقية بدون تدبير أكثر فردانية لسيرورة التعلم ، لا يفهم من هذا أن التلاميذ يعملون فرادى او أمام معلم فقط ، و إنما التعديلات و المسارات تكون فردانية .
- و في الأخير ، لا يمكن أن تكون حبيسة أية منهجية ، او فئة عمرية ، و لا تحت حكم أية مقولة لمحتويات او لتحكمات .
يجب أن تظل الفارقية في التعليم كبراديغم عام ، غارقة في التجريد و متحررة من كل صفات التحقق في النهاية . لو كان من الضروري تخصيص الفارقية بصفة عامة ، أمكن القول على أنها تعني القطع مع اللامبالاة لفائدة التباينات كما بين ذلك ( بورديو 1966 ) ، الفارقية هي القضاء على أحد ميكانيزمات الفشل المدرسي ( بيرنو 89 ) .
لقد اقترح بلوم ( 79 – 72 ) نموذجا فريدا للبيداغوجية التفريدية ، بيداغوجية التحكم ( انظر هيبرمان 88 ) . من الممكن مناقشة نظريات التعلم و التقويم و التعليم و جميع الأعمال الأولى لبلوم و علال ( 88 ) . من جهتي فأنا أدافع عن بيداغوجية التحكم الموسعة رفقة ريبان ( 88) في اتجاه مقاربة أكثر بنائية للتعلم. إن هذه الاختلافات النظرية لا تعمل على رفض او إلغاء البراديغم العام بغية تعديل السيرورات و المسارات التعلمية .
من الممكن محاولة تحقيق الفارقية على أرض الواقع بشتى الطرق ، حسب ما نملك من الوسائل و مستوى المنهاج المطبق و مستويات الحرية الممنوحة من طرف المدرسة و المكان الذي نعمل فيه ( القسم ، الفريق ، المؤسسة ، النظام ) و العقيدة البيداغوجية و النظريات التي نؤمن بها . لقد عشنا المحاولات الأكثر « تقانية » ( أهداف ، شبكات محكية ، تصويبات دقيقة ) و أخرى قريبة من المدرسة النشطة ( تقايم ، استقلالية ، بيداغوجية المشروع ) ؛ فهي محاولات تنتمي إلى بيداغوجية التحكم او بيداغوجيات بواسطة الأهداف . هناك أخريات مختلفات عنهن . محاولات هامشية و محاولات أخر فرضت بشكل موسع تحت الوصاية و الكفالة من طرف المؤسسة .
إن جزء من المقاومات و المتناقضات التي تفرزها البيداغوجيات الفارقية ليس سببه هو البراديغم العام لكن الحدث متمثل و مجسد في الآلية و في الديداكتيك و في المواد التعلمية التخصصية . فحينما نريد « تفريد » الشعر او الفلسفة او التعبير الشفهي ، فإننا نصطدم بالقانون النبيل و الملائم للتوصيف او التشخيص لهذه التعلمات التي تجعل « عقلنتها » غير شرعية جزئيا في حين تبدو المواد التعلمية الأكثر علمية مهيأة جدا للمناولة بحكم قوانين التحكم . إذن فإننا لا نفرد بنفس الطريقة في حالة ما إذا كنا نستهدف تعلما قصير المدى ( تحكم في بعض الصوتيات و كتابتها ) او في حالة مسار طويل الآمد ( تعلم القراءة ، كتابة النصوص ، على سبيل المثال ) . إن تعلم شروط التغيير في السلك الجامعي الاول يقتضي اتباع استراتيجيات مغايرة عما هو عليه لما ندرس عملية الطرح لأطفال عمرهم ست سنوات .
و مع ذلك ، توجد مقاومات مشتركة بين الجميع يمكن دراستها و تحليلها دون الدخول في التفاصيل الملموسة . إذن سوف لن أتحدث هنا عن رواية مختلفة أحادية الجانب للبيداغوجية الفارقية . على الرغم من أن ميداني المفضل للملاحظة ، فضلا عن ذلك ، يظل دائما هو التعليم الابتدائي . و بالتالي عدد من الافكار التي سوف تظهر تبدو لي متطابقة إلى حد بعيد .
سأميز بين نوعين من المقاومات ( او الممانعات ) : الحداد و المتناقضات . هناك مقاومة في الحالة الاولى لأن شخصا يجب ( اويعتقد من الواجب ) ان يرفض شيئا عزيزا عليه فيجعل منه حدادا . في الحالة الثانية ، نصطدم بالمتناقضات الأساسية للفعل البيداغوجي ذاته ، بتعبير آخر إن حقيقة السيرورات التعلمية هي التي تمانع بدل الفاعلين المعروفين .
1. ارتياد ثوب الحداد
أتموضع هنا في إطار المدرسة العمومية بتركيبتها و بمناهجها . هذا هو الرهان الاكبر للفارقية . فلتكن مدرسة خصوصية او مدرسة قيادية او مدرسة تشاركية تستثمر في الفارقية التعليمية ، فإن هذا لشيء رائع و ممتاز . لكن المقصود هو محاربة الفشل المدرسي على أوسع نطاق . بما أن المدراس و الاقسام الاعتيادية هي المقصودة فمن اللازم التحدث عنها . غالبا ما يبدي المخترعون نية الاعتقاد أن ما يشكل عائقا أمامهم يكمن في صلابة باثولوجية او في الارتباط اللاشعوري بالموروث . في الواقع ، تكون المقاومات ظاهرة للعيان بصورة كبيرة في أغلب الحالات لو حاولنا استيضاح رأي الفاعلين المعنيين .
هنا لن أتطرق في حديثي سوى عن المدرسين . ليس من باب إيحاء ان الاداريين و الآباء و التلاميذ لا يبدون اي ممانعات – لكن تلك التي توجد لدى المهنيين تشكل خطورة كبيرة و ذات أهمية . فإذا لم نسع لفهمها فلا فائدة في ذكر الممانعات الأخرى و القضاء عليها : لن تعرف الفارقية النجاح و الازدهار وهي تعمل في ضدية المعلمين الذين هم من سيكونون في الواجهة من أجل إقناع الآباء و التلاميذ او الزملاء المحافظين على التغيير المنشود .
إن الفارقية في التعليم تعني التنكيس و الحداد لجملة من التصورات و الممارسات المريحة جدا . يقول الاصلاحيون أن هذا هو من أجل مصلحة التلاميذ ، أمر كهذا لا أحد يشك فيه . على خلاف ما تدعو إليه البيداغوجية الملائكية ! فلنعترف أن مصلحة التلاميذ تصطدم بمصلحة الأساتذة في أغلب الاحيان . لا يكفي حينئذ مطالبتهم باسم الواجب او نكران الذات ، و إنما هي دعوة موجهة للمدرسين برفض « من أجل مصلحة التلاميذ « لفائدة تصورات و ممارسات حيوية تخدم توازناتهم الخاصة او احترافيتهم المهنية . من الواجب مساعدتهم لإعادة بناء اهتماماتهم المهنية في مستوى من التحكم مختلف . و ذلك لا يتم في يوم واحد و لا في عزلة تامة . إذن تحدث استراتيجيات التغيير عبر دينامية الفرق البيداغوجية و المؤسساتية ، او من خلال الشبكات التي تساعد كل واحد على التطور و على النماء في عدة مستويات .
إن تحليل مختلف صور الحداد الذي هو بمثابة لائحة مفتوحة أقدمها هنا لا يفهم منها لوحدها الوسائل حتى ينطلق الدرس و ندعم سيرورة التغيير . سيكون من العبث ان نلقي بهذه اللائحة في وجه المعلمين متوخين منها أنها سوف تسهل المأمورية . في مقابل ذلك ، يمكن لهذا الجرد أن يقدم المساعدة للمنشطين و رجال التغيير في تنظيم الأفكار و الحدوسات و التصورات التي تظهر بشكل طبيعي في كل نهج إبداعي او تكويني فقط في حالة ما إذا خلقنا الظروف المواتية حتى يتسنى لكل واحد منا الجرأة عن الكلام وعما يخفيه حقيقة و عما يخسره حقا.
الحداد و حتمية الفشل
اعتدنا أن نفكر بوجود هنالك أطفال موهوبين و أطفال غير موهوبين . فلكي تعتقد في ذلك ، فأنت لا تحتاج لكي تكون محافظا ، او فطريا ، او نخبويا ، او عنصريا . حتى أن هؤلاء الذين يحاربون الفشل المدرسي فهم يعيشون أوقاتا عصيبة ومريبة . من الصعب جدا ان تدرس و تربي رغبة و تخلق ظروفا للنمو و تمنح للذات وللنشاط الاعتبار المستحق .
ومع ذلك ، فالفارقية في التعليم تعني القيام بالحداد للتصورات الحتمية مخيبة للآمال و مريحة البال في ذات الوقت سواء أكانت من طبيعة فلسفية او علمية او بيداغوجية أو تطبيقية . الفارقية هو القبول بأن الكل لم يكن لعبة في « الميـلاد » او « قبل ست سنوات » . هو الاعلان مع كريصاص(1978) أن « الفشل المدرسي ليس حتمية » ؛ وهو الاعتقاد مع بلوم ( 1978) ان 80% من التلاميذ باستطاعتهم التحكم في 80% من البرنامج إذا ما تم وضعهم في ظروف ملائمة للتعلم . و هو القبول بالمسؤولية . وأحيانا بذنب ثقيـــل جدا .
2.1 الحداد و الاقصاء و البحث عن كبش الفداء
لا توجد حتمية واحدة بل عدة حتميات . فنحن لا نحارب الحتمية الوراثية بنفس الطريقة ( كيفما فعلنا فالنتيجة دائما لا تتغير .. ) و الحتمية السوسيولوجية ( " أعجز فعل أي شيء " ) . في الحالة الاولى ، تحدث الأشياء في سجل تصورات الفطرة و المكتسب ، و طبيعة الذكاء و التعلم و التحفيز ؛ أما في الحالة الثانية فإنه ليس من الضروري أن نجعل حتمية الفشل المدرسي شكلا من أشكال الاعتقاد المذهبي للهبة و العطاء . قد يكون إحساسا بالضعف المنهجي حيال المدرسة و المجتمع كيفما كان هذا المجتمع أو قد يكون ذلك ثمن النتائج الضعيفة إزاء الجهد المبذول مثلما أن كل مدرس ليس إلا حلقة من عدة حلقات تنطلق من الآباء و تمر عبر معلمين كثر بفضل تقسيم العمل التربوي .
إنها تجاذبات حقيقية ، لكن من المؤكد ايضا أن المدرسين يمهرون في « إبداء الإعجاب » للغير : تلاميذ ، و آباء ، و إدارة ، و سياسات ، و " النظام " . جماعة من المدرسين تقول : «غيروا المجتمع ، غيروا المدرسة ، خففوا المقررات ، انقصوا من المتطلبات . هـدموا الحواجز ، لطفوا ، انقصوا من الاكتظاظ . و الباقي ، نحن من سيتكلف به » سيكون عبثا نكران ثقل العوامل البنيوية ( بيرنو 1986 ) لكن مع « اثنا عشر تلميذ مجتهد ثلاث ساعات في اليوم » ( بيرنو 1989 ) فإنني لست متيقنا بأننا ندرك جيدا معنى الفارقية . كونك تقيم الحداد على هذه الصور من سواد و بياض معناه هو القبول بأننا نستطيع بصورة ما تفعيل الفارقية فورا ( بيرنو 1986 ) دون الاحتماء دائما وراء تبريرات المقررات و البنيات و ظروف العمل. هناك عدة حواجز تقف أمام مساءلتنا ، عدة طرق ترفض النظر في أنه توجد متغيرات مستجدة قابلة للتغير و الاستبدال ( بلوم 80 ) على مستوى القسم و على مستوى الفريق البيداغوجي ، و على مستوى المؤسسة بدون انتظار « حفلة المســاء » .
3.1 الحـداد و المتعة و الرضى
بعض الممارسات البيداغوجية وظيفتها الوحيدة هو إدخال البهجة والسرور على المعلم : كمناقشة المواضع التي نحبها كثيرا ( لكنها تحمل أهمية قليلة ) ، كإقامة أنشطة جماعية ممتعة ( لكنها عقيمة و غير منصفة ) ، كالارتجال حسب المزاج ، و قضاء معظم الاوقات في تحضير الوسائل التي سوف تستعمل في دقائق وجيزة ، و الاحساس بالاطمئنان اثناء عملية التصحيح و المراقبة عن بعد ، و محاولة الاكتشاف و الوقوف عند أول عائق ، و التذبذب و المراوحة بين عدة أهداف او تعاقدات ديداكتيكية دون التقدم إلى الأمام و الحسم في الاختيارات و المبادرات .
لن أنتهي من عرض هذه اللائحة الخاصة بالسلوكيات المهنية العجيبة بما أنها عديمة الفائدة ؛ فهي لحظات تفاعلية رائعة لكنها لا تقدم أية نتيجة ؛ تربصات تبعث على الضحك و غير متبثة ؛ عوائد مريحة للمعلم لكنها مملة للتلاميذ . يمكن القول أن هذا الأمر ينطبق على جميع المهن: بالفعل لا بد من الصمود و الالتصاق بالحياة ، أن نلعب قليلا و نتغير للتغلب على الرتابة و السأم و الضجر . فلا نتغير و نتشبث ( بالروتين ) مخافة استهلاك الجهد و الطاقة الشيء الكثير .
إن المتعة بالمعنى الواسع لا تعد تحفيزا غير مصرح به . كيف نأمل من المدرسين تحفيز متعة التهم إذا كانوا يشعرون بالقلق و الخيبة في قرارة أنفسهم ؟ تظل ان الفارقية معناها هي الدقة و الصرامة في التخطيط قبل كل شيء ، و في تحديد الاهداف ، و في التعاقد ، و في التعديلات ، و في استعمال الزمن . حتى عندما تكون ظروف العمل مناسبة ، فإن الوقت لا يكفي دائما . إن الفارقية هي أن ترضى بالضغط القوي في تدبير الموارد النفيسة : مثل الافكار ، و التفاعلات التكوينية ، و المناسبات ، و الزمن ، و الطاقة ، و الأخطاء البناءة ، و التآزرات ، و الطموحات ، و المشروعات المربحة ، الخ. من خلال هذا الضغط ، باستطاعة المدرسين الحصول على المتعة المهنية القوية مع احساس بالتحكم و ذلك بفعل التحدي و قوة العمل و بالالتزام الدائم نحو فكرة استراتيجية ، و في صلب القرارات المختلفة و المتنوعة .
لأجل هذا الغرض لا شك فيه – مهننة قوية ( هوبرنان 91 ) – من الممكن التخلي عن المتعة الزائدة و الأقل ضرورية . لن يحدث هذا بسهولة و الأسوأ ، في استراتيجية الابداع و الخلق ، على الاقل سيكون من الواجب في بعض الوقت التخلي عن راحة البال ، و عن بعض فنون العيش بلا مشقة و بلا عناء ، او التخلي عن بعض الأحلام و التخيلات .
4.1 الحداد و الحرية و العلاقة البيداغوجية
معنى الفارقية هو أن تقبل في معظم الاوقات بالعمل على مواجهة التلاميذ الضعاف بقوة و عزم مصحوبا بمنهجية في غاية الصواب والدقة : إن هؤلاء المعارضون « لا ينخرطون في اللعبة » ، لا يريدون مساعدتنا و يبالغون أحيانا في الثقة التي منحناها إياهم . هؤلاء يظهرون مقدارا من النقائص و من التوقفات و من العوائق ، فلا ندري من أي جهة نؤسس ( نعيد التأسيس ) أقل ما يمكن من أجل هوية إيجابية و من أجل تعلم مرغوب فيه و لا على أي قاعدة نبني التعلمات ( نعيد البناء ) . هؤلاء هم ايضا مستنكرون ، و عصاة ، و عدوانيون ، و مهزومون ، و كسالى ، و شواذ ، و مهملون ، و موسخون ..
في التعليم العمومي ، يقبل المعلم بطبيعة الحال الاقسام المسندة له لكنه يحتفظ بهامش مهم من إدارة الامور و التحرك و التفاعلات الأكثر فردانية . معنى الفارقية هواستغلال هذا الهامش و وضعه كاملا في خدمة التلاميذ المحرومين كثيرا . الفارقية هو التصدي للفروقات بشتى أنواعها و مظاهرها الأكثر تجريدية، التباينات الثقافية منها و الشخصية و كذا الصراعات و التهميش و الاقصاء . إذا هو القبول بالاشتغال على الذات ، أحكامنا المسبقة و تصوراتنا بصدد التلميذ النموذج ( بيرنو 91 ) .
5.1 الحداد و الرتابة المريحة
في بعض الدراسات التي تهتم بتطور الحياة ( هوبرمان 89 ) ، من بين بعض أسئلة المدرسين : " هل سأموت و أنا أحمل الطباشير في يدي ؟ " . و المقصود هنا هو الحياة . إنك تجد نفسك تفعل أي شيء من أجل أن تصمد أيضا لبعض عشرات السنين بداخل وضعيات متكررة مع الآسف و متقلبة دائما في أدق تجلياتها و تفاصيلها في ذات الوقت . من هنا انبثقت المحاولة لتأسيس القواعد الاعتيادية الرتيبة في جميع الحرف و المهن و التي تعمل بقليل من الطاقة و الجهد و الابداع . إذا الفارقية تعني المساءلة من جديد لقضايا تنظيم القسم و الانشطة في استمرار قصد التغلب على إكراهات عامل الزمن و المكان و استخلاص النصاب الحسن من الامكانيات المتاحة لدى الجماعات و التفاعلات . إن المعلمين المطبقين لبيداغوجية الفارقية ينهلون من معين الخطط و االتصاميم القاعدية غير أن انشغالهم الأكبر في عملية التوفيق و النجاح يدفعهم لمعاودة تنظيم عمل المجموعة – القسم و ذلك بشكل دوري .
6.1 الحداد و اليقينيات الديداكتيكية
ما دامت البرامج لم يلحقها تغيير في الحال ، فإن البيداغوجيات المتلائمة مع الفشل المدرسي من الممكن أن تؤدي في كل عام إلى الاستبدال و التقطيعات الديداكتيكية التي أبانت عن قوتها مع التلاميذ الأقوياء و المتوسطين . أما التلاميذ الضعاف ، فلا يوجد هنالك منهاج جيد و خال من الشطط. لا بد من إعادة النظر في العلاقة إزاء المعرفة و تقطيعات المحتوى و بناء الكل من جديد في ارتباط مع وضعية معروفة و مشخصة كما هو الحال حينما نشتغل في إطار العمل المستوحى من الطريقة السريرية ( الاكلينيكية ) .
وأيضا فإن الفارقية تقتضي المجازفة بما هو أساسي . في الغالب يبدو من الصواب الكف عن بذل المزيد من الجهد لإتمام المقرر بأكمله . و الحال ، لا بد من تحديد ما ينفع أكثر و ما يحتاجه كل تلميذ طبعا بموازاة انتظارات المدرسين الذين سوف يستقبلون هذا التلميذ في برنامجهم ، لكن أيضا و إمكانيات اللحظة الراهنة . على المعلم إعادة ترتيب البرنامج و كذلك الأهداف التي تتغير حسب الحالات ، إذن هناك طرح أسئلة أساسية قد تم البث فيها سابقا من طرف مستوى أخر من النظام كما جرت العادة ؛ غير أنه لوحظ مع مرور الأيام أن خطط الدراسات و المراجع و الأساليب الميتودولوجية المقترحة على التلاميذ من طرف المدرسة لا تنسجم و لا تتوافق إلا مع التلاميذ الأقوياء . بينما الآخرون ، لقد استوجب إعادة بناء الكل .
7.1 الحداد و العزلة الرائعة
من الصعب أن تحقق الفارقية بوحدك . لا بد من التفاوض في حده الادنى مع الرفقاء و الادارة لكي تستطيع توسيع مدار الحرية في اتصال مع البرامج ، و مع التقويم ، و مع استعمال الزمن و المكان : كل فارقية تقتضي نوعا من الغش والتلاعب بمعايير المؤسسة قل ذلك أم كثر . من الأفضل يجب التعامل مع الآباء قصد ضمهم في التعاقد المبرم او على الأقل لاجتناب التصرفات غير اللائقة ، كالعقاب مثلا او عنف أسري في الوقت الذي يحاول فيه المعلم منح الثقة للتلميذ ( انظر موتادون و بيرنو 87 ) .
يجب أن تكون الفارقية بالأخص قضية الفريق البياغوجي و ذلك لعدة اسباب واضحة منها : تقسيم العمل ، و الدعم المتبادل ، و التكاملية طيلة البرنامج ، و كسر الحواجز ، و رؤى متعددة بصدد التلاميذ ، و الاستراتيجيات التدخلية ، و التراكم ، و مقاسمة التجربة ، الخ .
لكن العمل عبر الفريق يحتم عليك القيام بالحداد عن جزء من استقلاليتك من جهة ، و من جهة أخرى عن حماقتك الشخصية . معنى ذلك هو أن تترك للآخرين حق التدخل في ممارستك و النظر فيها من أجل قضية نبيلة و بدون ميكانيزمات دفاعية مستندة على أفضليات . حق التدخل في شؤون قسمي الذي أشتغل فيه . حق القطع مع « قانون الوسط » بين المدرسين : فبمجرد إغلاق بابي ، فأنا أصبحت سيدا في داري ، و شريطة التعامل بالمثل ، فلن أتدخل في شؤون زملائي » . معنى ذلك هو مواجهة الاختلاف و الصراع و مشاكل التواصل و السلطة بين الكبار . و الحال أن الفارقية الناجحة لا يمكن تحقيقها سوى بهذا الثمن . إن جميع هؤلاء الذين يتوفرون على تجربة العمل عبر الفريق البيداغوجي يعرفون بأنهم قد أقاموا الحداد على نوع من الحرية . بالفعل ، لقد تخلوا أيضا عن الاحساس بالضعف و الانعزال اللذان رافقهما في أحسن الحالات . هنا أيضا ، لسنا في حاجة لنكران الحداد او التنكر له . من الأفضل أن نعمل على ما يبرره نزولا عند رغبة التلاميذ أولا لكن أيضا لليافعين !
8.1 الحداد و سلطة الاستاذية
لا ريب فيه فهو الحداد الأكثر فداحة بالنسبة لكل من اختار منهة التدريس جريا وراء تقديم فرجة مستمرة لجماعة ما و البقاء ملتصقا على الدوام بالأحداث : رئيس الجوقة ، و الزعيم الكاريزماتي ، و مركز التوزيع ( راجع رنجار 1984 ) . ربما هو الحداد الأكثر سهولة بالنسبة لمن اختبر المواجهة مع جماعة ما كتهديد او كصراع لا نهاية له ، شك متواصل من جهة و البحث عن من له الغلبة في موازين القوى من جهة اخرى . و حيث أن التعاقد البيداغوجي في هذا المقام كونه أكثر انحطاطا ، فمن المرجح أن نقبل جيدا بتغيير الدور و نصبح مدبرين / موارد – بشرية ، و أستاذ الدعم ، و منهدس الوسائل و التقطيعات الديداكتيكية جزء منها قد تم إعداده في غياب المعلم ، و مانح التغذية الراجعة ، و مفاوض التعاقد ، و ملهم الارادات و المشاريع ، و الوسيط بين التلاميذ و مصادر أخرى من المعلومات او التأطير ؛ في محل أستاذية المالك الوحيد للمعرفة و السلطة في القسم .
إن القائمة مفتوحة : فالفارقية هو القيام بنبذ ممارسة عتيقة و لن يحدث هذا الامرأيضا بدون خوف و تردد ، فهناك تناقضات سيكولوجية ، و عودة للمكبوت . الابداع بهذا المعنى هو أن تتخذ لنفسك قانونا للحداد ، تستنطقه ، و تستخدمه ، و تبوح بالممانعات المشروعة ( انظر كاتر تولير 91 ) عوض التشبت بالعقلانية فحسب و الضمير المهني للمدرسين .
لقد بينا في مكان آخر ( بيرنو 1988 ) الفكرة على أن بيداغوجية التحكم ما هي إلا طوباوية عقلانية . من الممكن أن ينطبق القول كذلك على أية بيداغوجية فارقيــة . و لكن الحل الوحيد – الباب الضيق ، الخط الذري – هو أنه لا بد أن نعترف بهذا التناقض و نسعى جميعا من أجل استثماره مختصين و مدرسين على حد سواء .
2. التناقضــات
لا تعني التناقضات الممانعة التي تنسب للفاعلين ، ولكنها تعد ضريبة للتعقيد الحاصل في السيرورات التعليمية – التعلمية .
1.2 تناقضات البيداغوجية الحديثة
إن التعلم نشاط يمتاز بأدواره المتقلبة بشكل كبير . يفترض التعلم تدخلا قويا من طرف المهتم و يستوجب إذا امتلاك المعنى بعيدا قدر الامكان من المقتضيات البسيطة و الأمل في الأخذ بعين الاعتبار منتظرات الآخر . فكلما كانت التعلمات تنهل من مستوى صنافي عال ، كلما عبرت الزمن و أصبحت قوية من خلال بناءات و تمرينات غير مرئية و غير متوقعة جزئيا . و هذا ما يؤكده البراديغم البنائي و التفاعلي : إن التلميذ هو الذي يتعلم حسب إيقاعه مقتفيا آثار تفكيره الخاصة . فلا يستطيع المدرسون فعل أي شيء ماعدا تهييء الوضعيات الديداكتيكية آملين بأن تكون خصبة و تقدم في الوقت المناسب . لا شك أن التلميذ سوف يرغب و بمقدروه الاستثمار فيها . و هذا ما تحاول فعله البيداغوجيات الحديثة و كذا تيارات المدرسة الفعالة منذ القرن الماضي .
لقد أحرزت هذه الحركات مكاسب عديدة من الفارقية البيداغوجية بصفة عامة على المستوى المبادئ . المشكل الحقيقي هو أن البيداغوجيات الأكثر عطاء هي أيضا الأكثر صعوبة في ميدان التدبير بشكل فارقي . يكمن السبب ببساطة في أن المدرسة الفعالة لا تتكيف فحسب ، و إنما تستخدم بعض القلاقل : بيداغوجية تعاونية ، بيداغوجية المشروع ، بيداغوجية الاكتشاف : عدد هائل من المؤسسات المشبوهة تنظم فضاءا مهما من التفاوض ، و من الارتجال ، و من الشخصانية ، و من مبادرات الفاعلين . كيف يمكن أن نضمن التعلمات المبرمجة في ذات الوقت ؟ إننا نعرف أن المدراس النشطة الأكثر اقتناعا هي تلك المدارس التي لا تتضايق من البرنامج الملزم مستهدفة في ذلك التعلمات الدالة و الأساسية لنمو التلاميذ بصفة عامة و على المدى البعيد و لا تفكر كثيرا في تزامنية الاحداث او الانتقال عبر إلزامية المراحل المحددة في الزمان . و بإمكان هذا الشرط ان يجلب الفائدة المرجوة في مناسبات عدة مع أهداف موسعة و بعيدة الآمد ، و دينامية المشروعات . الصمود في المدرسة العمومية حتى و لو استبدلنا المقررات السنوية بالأسلاك ، حتى و لو رفضنا خططا و تصاميم مفصلة لفائدة التحكمات الأساسية العامة ؛ فعلى المدرسين دائما الأخذ بعين الاعتبار الموعد القادم و المرحلة القادمة من الاقصائيات ، توجيه أم إشهاد اللذان من شأنهما تهييء جميع التلاميذ مناصفة لهم . نستنتج من ذلك أن الفارقية في التعليم كإرادة في تدبير العمليات المتناسقة غالبا ما تدخل في صراع مع دينامية الأشخاص و المجموعات . في « المدرسة – كيفية الاستعمال» ، يحاول ميريو جاهدا لكي يوفق بين المناهج النشطة و البيداغوجية الفارقية . أعتقد أن التناقض تم القضاء عليه بسبب وفرة الشروحات و التحليل الصارم المنصب عليه . سيكون كل الخطر في الاعتقاد أن الترابط المنطقي في النوايا قد يكون كافيا لضمان الترابط المنطقي في الممارسات .
إضافة إلى ذلك ، فالانشطة الأكثر عطاء تتواجد في الغالب بداخل المشروع الجماعي الذي لا نقدر على تنشطيه و تطويره و شغلنا الوحيد منصب حول التلاميذ الذين يعانون من الصعوبات . من الممكن أن تكون البيداغوجيات الحديثة نخبوية ( بيرنشتاين 75 ) ؛ ( بيرنو 85 ) تفضيل المفضلين ربما أكثر بكثير من البيداغوجيات التقليدية . سوى اللهم إذا تأملنا في هذا المنحى و تسلحنا بالوسائل لاجتنابه بشكل آخر ، و ذلك ليس عن طريق الفكر السحري.
2.2 تناقض التمدرس بلا حد
الفارقية هو إعطاء للتلاميذ الاكثر احتياجا المزيد من مناسبات التعلم ، إذن من الفعل و التفاعل . ليس من الضروري التكفل بهم كل واحد باسمه و لا وضعهم في علاقة المساعدة الفنية او الدعم البيداغوجي ، لكن المراد هو الاهتمام بهم عن قرب و ملاحقتهم بصورة دائمة و مستمرة سواء أكان ذلك مساعدة صادرة من رقابة المعلم ام من ذلك الأب الحنون .
و الحال ، جزء من قضية الفشل المدرسي يعود إلى « المدرسة اكثر مما ينبغي » ، هو وصل الغيث الزبى ، هو الرفض الدائم للرجوع مرة ثانية للتعلم يكون الشغل والهم الوحيد من وراء ذلك هو تجاوز جهلنا ( من أجل مستقبل زاخر ينتظر التلميذ فهو بقدر ما هو مزهو بالورود ، يجب أن نجتهد أكثر ) يبين ( إليتش 70 ) كم هي مدارسنا متمدرسة إلى أبعد حد . لقد حاولت دراسة النتائج الوخيمة لـ « هوس تعليم الشباب من أجل مصلحتهم » (بيرنو 85) أو موحيا أن التقويم التكويني كان مصيبة الايديولوجية المشتملة panoptique ( فوكولت 1991 ) او استيهام الشفافية البيداغوجية Glasnost ( بيرنو 91 ) . لا يمكن ان نتجاهل ان الفارقية او تفريد التعليم يعني ممارسة الضغظ على التلاميذ بتضييق عيون الشبكة ، مقاومة استراتيجيات التواصل ( سيروطا 88 ) او استراتيجيات الهروب او المشتبه فيهم التي تسمح لكل التلاميذ بالأخص لمن يشعر أقل بالسعادة في المدرسة بأن يحتموا بانفسهم قليلا ( انظر بيرنو 88 ) . إن الفارقية البيداغوجية تخاطر بتقوية المؤسسة الشاملة و بالخصوص ( كوفمان 88 ) المدرسة عن طريق التقنين و المراقبة – من أجل قضية نبيلة ( ؟ ) – للسيرورات الذهنية و المصائب و الرغبات و الارادة السلطوية و الديناميكية العلائقية ..
إن البيداغوجية الفارقية تدخل ببداهة في صراع مع رغبة التلاميذ أي القيام بما يجب فعله في أمان و سلام و التقدم في أفضل الأوقات إلى الامام بدون مفاجآت طيلة البرنامج . إن عبارة « بإمكانك أن تعمل أحسن » المسطرة في البيانات المدرسية لاتؤدي إلى أية فائدة و نحن نشتغل عليها . شيء آخر كونك تبحث عن الطريقة الأكثر واقعية و معقولة و أشد إلحاحا في سلب او اغتصاب المجهوذات الاضافية للتلاميذ الراغبين في تحقيق شيء ما او عدم تحقيه ، على الرغم من كون ذلك يمثل استراتيجية قصيرة المدى و ذات النفس المحدود .
3.2 تناقض بيداغوجيات التحكم
لا يمكن أن يحدث التعلم في غياب انطباع مقبول و ايجابي للذات . من الضروري أن نقنع التلاميذ المتواجدين في حالة الفشل أن باستطاعتهم التعلم و عليه و لأجل هذا الغرض ، نعمل لتثمين مجهوذاتهم المتواضعة . عكس ذلك فإننا نجد بيداغوجية المواجهة frontale تتكابر و تتعاظم في صلابة الرتبنات و هي تشيدها لتجعلها معروفة لدى الجميع . لا بد للبيداغوجية الفارقية الإبحار دوما بين عقبتين : التصريح بحقيقة التباينات و الصعوبات و من تم نثبط العزم ؛ أو نشجع ، فنحافظ على الوهم الخاطئ بأن كل شيء على أحسن ما يرام .
وأيضا تكون الصعوبة كبيرة حينما يجب التوفيق بين تقويم تكويني يكون في خدمة الفارقية حسب منطق براكماتي ( بيرنو 91) و بين تقويم إشهادي / إنتقائي يكون في خدمة النظام الذي يقتضي عدالة شكلانية و شفافية للأفضليات .
يمكن أن نجد تناقضات أخرى ؛ هنا أيضا قليلا ما تود اللائحة المعروضة دمج البعد المتناقض و التفكير بصدد الفارقية . لا بد من إحداث و تطوير فكرة في هذا المنحى في جميع الاتجاهات . سنصطدم ليس فقط مع الأفراد المحافظين أو المؤسسين لكن كذلك مع تعقيد الواقع . إن التعلم و ممارسة التعلم يتطلب التوفيق ما لا يتفق ، أي الحرية و اللالتزام . فلا نستغرب أن ذلك يلزم شروطا مازالت بعيدة المنال ..
3. استراتيجيات التغيير
ليس هناك و لا استراتيجية واحدة تكون هي الضامنة للنجاح . بلا ريب لدى ميلان نحو أن أمنح امتيازا لديناميكية الفرق و المؤسسات ( راجع Hutmcher 90 / Gathler Thurler 91) ، و في هذا الاطار ، لعل الاشتغال على التمثلات ، و التوجه نحو بيداغوجية فارقية يعني اللاتعلم ، يعني « الهـدم » ، و أيضا تجاوز الممارسات العتيقة . فلنعمل بطريقة مغايرة . لا يكون ذلك في منطقة اللاشعور ، في الرفض أو في النسيان وكفى و إنما عبر إدماج الماضي و الآفاق المستقبلية الجديدة . معنى ذلك هو تقديم تحليل للممانعات و صور الحداد الضرورية و كشف التناقضات الحتمية : بعيدا من أن يكون هذا الخطاب يتناول المدرسين ، لا بد من أن يكون مسلك أمان مشترك من شأنه السماح لكل واحد منا التموضع و كشف منغلقاته الخاصة و تناقضاته ينظر إليها كأنما هي حواجز طبيعية يمكن التغلب عليها و تجاوزها بنكرانها .
ممانعات ، حداد و متناقضات
فيليب بيرنـو
إن كل وضعية ديداكتيكية تقدم للتلاميذ او تفرض عليهم بشكل تواطئ فهي بلا شك فاقدة للدقة و الانسجام عند جزء من التلاميذ . من الممكن أن تتسم هذه الوضعية بالسهولة عند البعض بحيث تخلق لديهم تحديا و تعلما . فحين أن التلاميذ الباقين لا يستطيعون استيعاب المهمة ولا ينخرطون فيها . في بعض الاحيان على الرغم من ملاءمة الوضعية للنمو و القدرات المعرفية للتلاميذ ، فإن تلك الوضعية تبدو لهم بلا معنى وخالية من الرهانات و لا تحدث أي نشاط ذهني ملموس و لا أي بناء للمعارف الجديدة : إذن غياب كل دعم للمكتسبات .
من هنا تلوح إمكانية تعريف الفارقية la différenciation في التعليم : وهي تعني تنظيم التفاعلات و الانشطة بطريقة تجعل كل تلميذ يصبح دائما، او على الأقل في أغلب الاحيان ، يواجه الوضعيات الديداكتيكية الاكثر خصوبة بالنسبة إليه .
كيف يمكن تحقيق هذا الحلم ؟ لنفرق في البدء بين إشكاليتين حسب ما نروم إليه من نفس الاستعمالات او من عدمها لدى جميع التلاميذ :
- فإذا كنا نريد تحقيق نفس التحكمات ، فإن التلاميذ سيتابعون إن لم يكن منهاجا وحيدا ، فعلى الاقل توجد هنالك طرق مؤدية إلى نفس الكفايات : سأتحدث حينئذ عن الفارقية الضيقة .
- في حالة ما إذا كنا لا نستهدف نفس التحكمات ، سنعمل على توزيع التلاميذ إلى شعب بصفة عامة ، او إلى مجموعات المستوى او الدروس الاختيارية ؛ ثم بعد ذلك نرفق كل واحد بمنهاج خاص . سأتحدث فورا عن الفارقية الموسعة .
لقد استعرضت في مكان آخر ( بيرنو 1999 ) حدود التباينات لأنواع التميز . سألزم نفسي بها هنا في طرح إشكالية الفارقية الضيقة في إطار الاهـداف المشتركة – مشيرا رغم ذلك بسرعة إلى :
- أنها لا تضع موضع الشك التشابه في المتحويات ؛ من الممكن بلوغ نفس التحكمات عبر مسارات متعددة . إذن تنصب الفارقية الضيقة حول المنهاج كمثل متابعة التجارب الكوينية .
- أنها تنحو قليلا منحى التشابه في إيقاعات البرنامج ، و في الطرائق ، و في التعاقدات الدياكتيكية .
- أنها لا تريد التعبير بمقتضى « فلنعمل كأنما » . فهي لا تقف عند حدود الدعم او التصحيحات الكلاسيكية ؛
- أنها ليست إضافة إلى ذلك مرادفة لفرادنية التعليم ، بالطبع ، لا توجد فارقية بدون تدبير أكثر فردانية لسيرورة التعلم ، لا يفهم من هذا أن التلاميذ يعملون فرادى او أمام معلم فقط ، و إنما التعديلات و المسارات تكون فردانية .
- و في الأخير ، لا يمكن أن تكون حبيسة أية منهجية ، او فئة عمرية ، و لا تحت حكم أية مقولة لمحتويات او لتحكمات .
يجب أن تظل الفارقية في التعليم كبراديغم عام ، غارقة في التجريد و متحررة من كل صفات التحقق في النهاية . لو كان من الضروري تخصيص الفارقية بصفة عامة ، أمكن القول على أنها تعني القطع مع اللامبالاة لفائدة التباينات كما بين ذلك ( بورديو 1966 ) ، الفارقية هي القضاء على أحد ميكانيزمات الفشل المدرسي ( بيرنو 89 ) .
لقد اقترح بلوم ( 79 – 72 ) نموذجا فريدا للبيداغوجية التفريدية ، بيداغوجية التحكم ( انظر هيبرمان 88 ) . من الممكن مناقشة نظريات التعلم و التقويم و التعليم و جميع الأعمال الأولى لبلوم و علال ( 88 ) . من جهتي فأنا أدافع عن بيداغوجية التحكم الموسعة رفقة ريبان ( 88) في اتجاه مقاربة أكثر بنائية للتعلم. إن هذه الاختلافات النظرية لا تعمل على رفض او إلغاء البراديغم العام بغية تعديل السيرورات و المسارات التعلمية .
من الممكن محاولة تحقيق الفارقية على أرض الواقع بشتى الطرق ، حسب ما نملك من الوسائل و مستوى المنهاج المطبق و مستويات الحرية الممنوحة من طرف المدرسة و المكان الذي نعمل فيه ( القسم ، الفريق ، المؤسسة ، النظام ) و العقيدة البيداغوجية و النظريات التي نؤمن بها . لقد عشنا المحاولات الأكثر « تقانية » ( أهداف ، شبكات محكية ، تصويبات دقيقة ) و أخرى قريبة من المدرسة النشطة ( تقايم ، استقلالية ، بيداغوجية المشروع ) ؛ فهي محاولات تنتمي إلى بيداغوجية التحكم او بيداغوجيات بواسطة الأهداف . هناك أخريات مختلفات عنهن . محاولات هامشية و محاولات أخر فرضت بشكل موسع تحت الوصاية و الكفالة من طرف المؤسسة .
إن جزء من المقاومات و المتناقضات التي تفرزها البيداغوجيات الفارقية ليس سببه هو البراديغم العام لكن الحدث متمثل و مجسد في الآلية و في الديداكتيك و في المواد التعلمية التخصصية . فحينما نريد « تفريد » الشعر او الفلسفة او التعبير الشفهي ، فإننا نصطدم بالقانون النبيل و الملائم للتوصيف او التشخيص لهذه التعلمات التي تجعل « عقلنتها » غير شرعية جزئيا في حين تبدو المواد التعلمية الأكثر علمية مهيأة جدا للمناولة بحكم قوانين التحكم . إذن فإننا لا نفرد بنفس الطريقة في حالة ما إذا كنا نستهدف تعلما قصير المدى ( تحكم في بعض الصوتيات و كتابتها ) او في حالة مسار طويل الآمد ( تعلم القراءة ، كتابة النصوص ، على سبيل المثال ) . إن تعلم شروط التغيير في السلك الجامعي الاول يقتضي اتباع استراتيجيات مغايرة عما هو عليه لما ندرس عملية الطرح لأطفال عمرهم ست سنوات .
و مع ذلك ، توجد مقاومات مشتركة بين الجميع يمكن دراستها و تحليلها دون الدخول في التفاصيل الملموسة . إذن سوف لن أتحدث هنا عن رواية مختلفة أحادية الجانب للبيداغوجية الفارقية . على الرغم من أن ميداني المفضل للملاحظة ، فضلا عن ذلك ، يظل دائما هو التعليم الابتدائي . و بالتالي عدد من الافكار التي سوف تظهر تبدو لي متطابقة إلى حد بعيد .
سأميز بين نوعين من المقاومات ( او الممانعات ) : الحداد و المتناقضات . هناك مقاومة في الحالة الاولى لأن شخصا يجب ( اويعتقد من الواجب ) ان يرفض شيئا عزيزا عليه فيجعل منه حدادا . في الحالة الثانية ، نصطدم بالمتناقضات الأساسية للفعل البيداغوجي ذاته ، بتعبير آخر إن حقيقة السيرورات التعلمية هي التي تمانع بدل الفاعلين المعروفين .
1. ارتياد ثوب الحداد
أتموضع هنا في إطار المدرسة العمومية بتركيبتها و بمناهجها . هذا هو الرهان الاكبر للفارقية . فلتكن مدرسة خصوصية او مدرسة قيادية او مدرسة تشاركية تستثمر في الفارقية التعليمية ، فإن هذا لشيء رائع و ممتاز . لكن المقصود هو محاربة الفشل المدرسي على أوسع نطاق . بما أن المدراس و الاقسام الاعتيادية هي المقصودة فمن اللازم التحدث عنها . غالبا ما يبدي المخترعون نية الاعتقاد أن ما يشكل عائقا أمامهم يكمن في صلابة باثولوجية او في الارتباط اللاشعوري بالموروث . في الواقع ، تكون المقاومات ظاهرة للعيان بصورة كبيرة في أغلب الحالات لو حاولنا استيضاح رأي الفاعلين المعنيين .
هنا لن أتطرق في حديثي سوى عن المدرسين . ليس من باب إيحاء ان الاداريين و الآباء و التلاميذ لا يبدون اي ممانعات – لكن تلك التي توجد لدى المهنيين تشكل خطورة كبيرة و ذات أهمية . فإذا لم نسع لفهمها فلا فائدة في ذكر الممانعات الأخرى و القضاء عليها : لن تعرف الفارقية النجاح و الازدهار وهي تعمل في ضدية المعلمين الذين هم من سيكونون في الواجهة من أجل إقناع الآباء و التلاميذ او الزملاء المحافظين على التغيير المنشود .
إن الفارقية في التعليم تعني التنكيس و الحداد لجملة من التصورات و الممارسات المريحة جدا . يقول الاصلاحيون أن هذا هو من أجل مصلحة التلاميذ ، أمر كهذا لا أحد يشك فيه . على خلاف ما تدعو إليه البيداغوجية الملائكية ! فلنعترف أن مصلحة التلاميذ تصطدم بمصلحة الأساتذة في أغلب الاحيان . لا يكفي حينئذ مطالبتهم باسم الواجب او نكران الذات ، و إنما هي دعوة موجهة للمدرسين برفض « من أجل مصلحة التلاميذ « لفائدة تصورات و ممارسات حيوية تخدم توازناتهم الخاصة او احترافيتهم المهنية . من الواجب مساعدتهم لإعادة بناء اهتماماتهم المهنية في مستوى من التحكم مختلف . و ذلك لا يتم في يوم واحد و لا في عزلة تامة . إذن تحدث استراتيجيات التغيير عبر دينامية الفرق البيداغوجية و المؤسساتية ، او من خلال الشبكات التي تساعد كل واحد على التطور و على النماء في عدة مستويات .
إن تحليل مختلف صور الحداد الذي هو بمثابة لائحة مفتوحة أقدمها هنا لا يفهم منها لوحدها الوسائل حتى ينطلق الدرس و ندعم سيرورة التغيير . سيكون من العبث ان نلقي بهذه اللائحة في وجه المعلمين متوخين منها أنها سوف تسهل المأمورية . في مقابل ذلك ، يمكن لهذا الجرد أن يقدم المساعدة للمنشطين و رجال التغيير في تنظيم الأفكار و الحدوسات و التصورات التي تظهر بشكل طبيعي في كل نهج إبداعي او تكويني فقط في حالة ما إذا خلقنا الظروف المواتية حتى يتسنى لكل واحد منا الجرأة عن الكلام وعما يخفيه حقيقة و عما يخسره حقا.
الحداد و حتمية الفشل
اعتدنا أن نفكر بوجود هنالك أطفال موهوبين و أطفال غير موهوبين . فلكي تعتقد في ذلك ، فأنت لا تحتاج لكي تكون محافظا ، او فطريا ، او نخبويا ، او عنصريا . حتى أن هؤلاء الذين يحاربون الفشل المدرسي فهم يعيشون أوقاتا عصيبة ومريبة . من الصعب جدا ان تدرس و تربي رغبة و تخلق ظروفا للنمو و تمنح للذات وللنشاط الاعتبار المستحق .
ومع ذلك ، فالفارقية في التعليم تعني القيام بالحداد للتصورات الحتمية مخيبة للآمال و مريحة البال في ذات الوقت سواء أكانت من طبيعة فلسفية او علمية او بيداغوجية أو تطبيقية . الفارقية هو القبول بأن الكل لم يكن لعبة في « الميـلاد » او « قبل ست سنوات » . هو الاعلان مع كريصاص(1978) أن « الفشل المدرسي ليس حتمية » ؛ وهو الاعتقاد مع بلوم ( 1978) ان 80% من التلاميذ باستطاعتهم التحكم في 80% من البرنامج إذا ما تم وضعهم في ظروف ملائمة للتعلم . و هو القبول بالمسؤولية . وأحيانا بذنب ثقيـــل جدا .
2.1 الحداد و الاقصاء و البحث عن كبش الفداء
لا توجد حتمية واحدة بل عدة حتميات . فنحن لا نحارب الحتمية الوراثية بنفس الطريقة ( كيفما فعلنا فالنتيجة دائما لا تتغير .. ) و الحتمية السوسيولوجية ( " أعجز فعل أي شيء " ) . في الحالة الاولى ، تحدث الأشياء في سجل تصورات الفطرة و المكتسب ، و طبيعة الذكاء و التعلم و التحفيز ؛ أما في الحالة الثانية فإنه ليس من الضروري أن نجعل حتمية الفشل المدرسي شكلا من أشكال الاعتقاد المذهبي للهبة و العطاء . قد يكون إحساسا بالضعف المنهجي حيال المدرسة و المجتمع كيفما كان هذا المجتمع أو قد يكون ذلك ثمن النتائج الضعيفة إزاء الجهد المبذول مثلما أن كل مدرس ليس إلا حلقة من عدة حلقات تنطلق من الآباء و تمر عبر معلمين كثر بفضل تقسيم العمل التربوي .
إنها تجاذبات حقيقية ، لكن من المؤكد ايضا أن المدرسين يمهرون في « إبداء الإعجاب » للغير : تلاميذ ، و آباء ، و إدارة ، و سياسات ، و " النظام " . جماعة من المدرسين تقول : «غيروا المجتمع ، غيروا المدرسة ، خففوا المقررات ، انقصوا من المتطلبات . هـدموا الحواجز ، لطفوا ، انقصوا من الاكتظاظ . و الباقي ، نحن من سيتكلف به » سيكون عبثا نكران ثقل العوامل البنيوية ( بيرنو 1986 ) لكن مع « اثنا عشر تلميذ مجتهد ثلاث ساعات في اليوم » ( بيرنو 1989 ) فإنني لست متيقنا بأننا ندرك جيدا معنى الفارقية . كونك تقيم الحداد على هذه الصور من سواد و بياض معناه هو القبول بأننا نستطيع بصورة ما تفعيل الفارقية فورا ( بيرنو 1986 ) دون الاحتماء دائما وراء تبريرات المقررات و البنيات و ظروف العمل. هناك عدة حواجز تقف أمام مساءلتنا ، عدة طرق ترفض النظر في أنه توجد متغيرات مستجدة قابلة للتغير و الاستبدال ( بلوم 80 ) على مستوى القسم و على مستوى الفريق البيداغوجي ، و على مستوى المؤسسة بدون انتظار « حفلة المســاء » .
3.1 الحـداد و المتعة و الرضى
بعض الممارسات البيداغوجية وظيفتها الوحيدة هو إدخال البهجة والسرور على المعلم : كمناقشة المواضع التي نحبها كثيرا ( لكنها تحمل أهمية قليلة ) ، كإقامة أنشطة جماعية ممتعة ( لكنها عقيمة و غير منصفة ) ، كالارتجال حسب المزاج ، و قضاء معظم الاوقات في تحضير الوسائل التي سوف تستعمل في دقائق وجيزة ، و الاحساس بالاطمئنان اثناء عملية التصحيح و المراقبة عن بعد ، و محاولة الاكتشاف و الوقوف عند أول عائق ، و التذبذب و المراوحة بين عدة أهداف او تعاقدات ديداكتيكية دون التقدم إلى الأمام و الحسم في الاختيارات و المبادرات .
لن أنتهي من عرض هذه اللائحة الخاصة بالسلوكيات المهنية العجيبة بما أنها عديمة الفائدة ؛ فهي لحظات تفاعلية رائعة لكنها لا تقدم أية نتيجة ؛ تربصات تبعث على الضحك و غير متبثة ؛ عوائد مريحة للمعلم لكنها مملة للتلاميذ . يمكن القول أن هذا الأمر ينطبق على جميع المهن: بالفعل لا بد من الصمود و الالتصاق بالحياة ، أن نلعب قليلا و نتغير للتغلب على الرتابة و السأم و الضجر . فلا نتغير و نتشبث ( بالروتين ) مخافة استهلاك الجهد و الطاقة الشيء الكثير .
إن المتعة بالمعنى الواسع لا تعد تحفيزا غير مصرح به . كيف نأمل من المدرسين تحفيز متعة التهم إذا كانوا يشعرون بالقلق و الخيبة في قرارة أنفسهم ؟ تظل ان الفارقية معناها هي الدقة و الصرامة في التخطيط قبل كل شيء ، و في تحديد الاهداف ، و في التعاقد ، و في التعديلات ، و في استعمال الزمن . حتى عندما تكون ظروف العمل مناسبة ، فإن الوقت لا يكفي دائما . إن الفارقية هي أن ترضى بالضغط القوي في تدبير الموارد النفيسة : مثل الافكار ، و التفاعلات التكوينية ، و المناسبات ، و الزمن ، و الطاقة ، و الأخطاء البناءة ، و التآزرات ، و الطموحات ، و المشروعات المربحة ، الخ. من خلال هذا الضغط ، باستطاعة المدرسين الحصول على المتعة المهنية القوية مع احساس بالتحكم و ذلك بفعل التحدي و قوة العمل و بالالتزام الدائم نحو فكرة استراتيجية ، و في صلب القرارات المختلفة و المتنوعة .
لأجل هذا الغرض لا شك فيه – مهننة قوية ( هوبرنان 91 ) – من الممكن التخلي عن المتعة الزائدة و الأقل ضرورية . لن يحدث هذا بسهولة و الأسوأ ، في استراتيجية الابداع و الخلق ، على الاقل سيكون من الواجب في بعض الوقت التخلي عن راحة البال ، و عن بعض فنون العيش بلا مشقة و بلا عناء ، او التخلي عن بعض الأحلام و التخيلات .
4.1 الحداد و الحرية و العلاقة البيداغوجية
معنى الفارقية هو أن تقبل في معظم الاوقات بالعمل على مواجهة التلاميذ الضعاف بقوة و عزم مصحوبا بمنهجية في غاية الصواب والدقة : إن هؤلاء المعارضون « لا ينخرطون في اللعبة » ، لا يريدون مساعدتنا و يبالغون أحيانا في الثقة التي منحناها إياهم . هؤلاء يظهرون مقدارا من النقائص و من التوقفات و من العوائق ، فلا ندري من أي جهة نؤسس ( نعيد التأسيس ) أقل ما يمكن من أجل هوية إيجابية و من أجل تعلم مرغوب فيه و لا على أي قاعدة نبني التعلمات ( نعيد البناء ) . هؤلاء هم ايضا مستنكرون ، و عصاة ، و عدوانيون ، و مهزومون ، و كسالى ، و شواذ ، و مهملون ، و موسخون ..
في التعليم العمومي ، يقبل المعلم بطبيعة الحال الاقسام المسندة له لكنه يحتفظ بهامش مهم من إدارة الامور و التحرك و التفاعلات الأكثر فردانية . معنى الفارقية هواستغلال هذا الهامش و وضعه كاملا في خدمة التلاميذ المحرومين كثيرا . الفارقية هو التصدي للفروقات بشتى أنواعها و مظاهرها الأكثر تجريدية، التباينات الثقافية منها و الشخصية و كذا الصراعات و التهميش و الاقصاء . إذا هو القبول بالاشتغال على الذات ، أحكامنا المسبقة و تصوراتنا بصدد التلميذ النموذج ( بيرنو 91 ) .
5.1 الحداد و الرتابة المريحة
في بعض الدراسات التي تهتم بتطور الحياة ( هوبرمان 89 ) ، من بين بعض أسئلة المدرسين : " هل سأموت و أنا أحمل الطباشير في يدي ؟ " . و المقصود هنا هو الحياة . إنك تجد نفسك تفعل أي شيء من أجل أن تصمد أيضا لبعض عشرات السنين بداخل وضعيات متكررة مع الآسف و متقلبة دائما في أدق تجلياتها و تفاصيلها في ذات الوقت . من هنا انبثقت المحاولة لتأسيس القواعد الاعتيادية الرتيبة في جميع الحرف و المهن و التي تعمل بقليل من الطاقة و الجهد و الابداع . إذا الفارقية تعني المساءلة من جديد لقضايا تنظيم القسم و الانشطة في استمرار قصد التغلب على إكراهات عامل الزمن و المكان و استخلاص النصاب الحسن من الامكانيات المتاحة لدى الجماعات و التفاعلات . إن المعلمين المطبقين لبيداغوجية الفارقية ينهلون من معين الخطط و االتصاميم القاعدية غير أن انشغالهم الأكبر في عملية التوفيق و النجاح يدفعهم لمعاودة تنظيم عمل المجموعة – القسم و ذلك بشكل دوري .
6.1 الحداد و اليقينيات الديداكتيكية
ما دامت البرامج لم يلحقها تغيير في الحال ، فإن البيداغوجيات المتلائمة مع الفشل المدرسي من الممكن أن تؤدي في كل عام إلى الاستبدال و التقطيعات الديداكتيكية التي أبانت عن قوتها مع التلاميذ الأقوياء و المتوسطين . أما التلاميذ الضعاف ، فلا يوجد هنالك منهاج جيد و خال من الشطط. لا بد من إعادة النظر في العلاقة إزاء المعرفة و تقطيعات المحتوى و بناء الكل من جديد في ارتباط مع وضعية معروفة و مشخصة كما هو الحال حينما نشتغل في إطار العمل المستوحى من الطريقة السريرية ( الاكلينيكية ) .
وأيضا فإن الفارقية تقتضي المجازفة بما هو أساسي . في الغالب يبدو من الصواب الكف عن بذل المزيد من الجهد لإتمام المقرر بأكمله . و الحال ، لا بد من تحديد ما ينفع أكثر و ما يحتاجه كل تلميذ طبعا بموازاة انتظارات المدرسين الذين سوف يستقبلون هذا التلميذ في برنامجهم ، لكن أيضا و إمكانيات اللحظة الراهنة . على المعلم إعادة ترتيب البرنامج و كذلك الأهداف التي تتغير حسب الحالات ، إذن هناك طرح أسئلة أساسية قد تم البث فيها سابقا من طرف مستوى أخر من النظام كما جرت العادة ؛ غير أنه لوحظ مع مرور الأيام أن خطط الدراسات و المراجع و الأساليب الميتودولوجية المقترحة على التلاميذ من طرف المدرسة لا تنسجم و لا تتوافق إلا مع التلاميذ الأقوياء . بينما الآخرون ، لقد استوجب إعادة بناء الكل .
7.1 الحداد و العزلة الرائعة
من الصعب أن تحقق الفارقية بوحدك . لا بد من التفاوض في حده الادنى مع الرفقاء و الادارة لكي تستطيع توسيع مدار الحرية في اتصال مع البرامج ، و مع التقويم ، و مع استعمال الزمن و المكان : كل فارقية تقتضي نوعا من الغش والتلاعب بمعايير المؤسسة قل ذلك أم كثر . من الأفضل يجب التعامل مع الآباء قصد ضمهم في التعاقد المبرم او على الأقل لاجتناب التصرفات غير اللائقة ، كالعقاب مثلا او عنف أسري في الوقت الذي يحاول فيه المعلم منح الثقة للتلميذ ( انظر موتادون و بيرنو 87 ) .
يجب أن تكون الفارقية بالأخص قضية الفريق البياغوجي و ذلك لعدة اسباب واضحة منها : تقسيم العمل ، و الدعم المتبادل ، و التكاملية طيلة البرنامج ، و كسر الحواجز ، و رؤى متعددة بصدد التلاميذ ، و الاستراتيجيات التدخلية ، و التراكم ، و مقاسمة التجربة ، الخ .
لكن العمل عبر الفريق يحتم عليك القيام بالحداد عن جزء من استقلاليتك من جهة ، و من جهة أخرى عن حماقتك الشخصية . معنى ذلك هو أن تترك للآخرين حق التدخل في ممارستك و النظر فيها من أجل قضية نبيلة و بدون ميكانيزمات دفاعية مستندة على أفضليات . حق التدخل في شؤون قسمي الذي أشتغل فيه . حق القطع مع « قانون الوسط » بين المدرسين : فبمجرد إغلاق بابي ، فأنا أصبحت سيدا في داري ، و شريطة التعامل بالمثل ، فلن أتدخل في شؤون زملائي » . معنى ذلك هو مواجهة الاختلاف و الصراع و مشاكل التواصل و السلطة بين الكبار . و الحال أن الفارقية الناجحة لا يمكن تحقيقها سوى بهذا الثمن . إن جميع هؤلاء الذين يتوفرون على تجربة العمل عبر الفريق البيداغوجي يعرفون بأنهم قد أقاموا الحداد على نوع من الحرية . بالفعل ، لقد تخلوا أيضا عن الاحساس بالضعف و الانعزال اللذان رافقهما في أحسن الحالات . هنا أيضا ، لسنا في حاجة لنكران الحداد او التنكر له . من الأفضل أن نعمل على ما يبرره نزولا عند رغبة التلاميذ أولا لكن أيضا لليافعين !
8.1 الحداد و سلطة الاستاذية
لا ريب فيه فهو الحداد الأكثر فداحة بالنسبة لكل من اختار منهة التدريس جريا وراء تقديم فرجة مستمرة لجماعة ما و البقاء ملتصقا على الدوام بالأحداث : رئيس الجوقة ، و الزعيم الكاريزماتي ، و مركز التوزيع ( راجع رنجار 1984 ) . ربما هو الحداد الأكثر سهولة بالنسبة لمن اختبر المواجهة مع جماعة ما كتهديد او كصراع لا نهاية له ، شك متواصل من جهة و البحث عن من له الغلبة في موازين القوى من جهة اخرى . و حيث أن التعاقد البيداغوجي في هذا المقام كونه أكثر انحطاطا ، فمن المرجح أن نقبل جيدا بتغيير الدور و نصبح مدبرين / موارد – بشرية ، و أستاذ الدعم ، و منهدس الوسائل و التقطيعات الديداكتيكية جزء منها قد تم إعداده في غياب المعلم ، و مانح التغذية الراجعة ، و مفاوض التعاقد ، و ملهم الارادات و المشاريع ، و الوسيط بين التلاميذ و مصادر أخرى من المعلومات او التأطير ؛ في محل أستاذية المالك الوحيد للمعرفة و السلطة في القسم .
إن القائمة مفتوحة : فالفارقية هو القيام بنبذ ممارسة عتيقة و لن يحدث هذا الامرأيضا بدون خوف و تردد ، فهناك تناقضات سيكولوجية ، و عودة للمكبوت . الابداع بهذا المعنى هو أن تتخذ لنفسك قانونا للحداد ، تستنطقه ، و تستخدمه ، و تبوح بالممانعات المشروعة ( انظر كاتر تولير 91 ) عوض التشبت بالعقلانية فحسب و الضمير المهني للمدرسين .
لقد بينا في مكان آخر ( بيرنو 1988 ) الفكرة على أن بيداغوجية التحكم ما هي إلا طوباوية عقلانية . من الممكن أن ينطبق القول كذلك على أية بيداغوجية فارقيــة . و لكن الحل الوحيد – الباب الضيق ، الخط الذري – هو أنه لا بد أن نعترف بهذا التناقض و نسعى جميعا من أجل استثماره مختصين و مدرسين على حد سواء .
2. التناقضــات
لا تعني التناقضات الممانعة التي تنسب للفاعلين ، ولكنها تعد ضريبة للتعقيد الحاصل في السيرورات التعليمية – التعلمية .
1.2 تناقضات البيداغوجية الحديثة
إن التعلم نشاط يمتاز بأدواره المتقلبة بشكل كبير . يفترض التعلم تدخلا قويا من طرف المهتم و يستوجب إذا امتلاك المعنى بعيدا قدر الامكان من المقتضيات البسيطة و الأمل في الأخذ بعين الاعتبار منتظرات الآخر . فكلما كانت التعلمات تنهل من مستوى صنافي عال ، كلما عبرت الزمن و أصبحت قوية من خلال بناءات و تمرينات غير مرئية و غير متوقعة جزئيا . و هذا ما يؤكده البراديغم البنائي و التفاعلي : إن التلميذ هو الذي يتعلم حسب إيقاعه مقتفيا آثار تفكيره الخاصة . فلا يستطيع المدرسون فعل أي شيء ماعدا تهييء الوضعيات الديداكتيكية آملين بأن تكون خصبة و تقدم في الوقت المناسب . لا شك أن التلميذ سوف يرغب و بمقدروه الاستثمار فيها . و هذا ما تحاول فعله البيداغوجيات الحديثة و كذا تيارات المدرسة الفعالة منذ القرن الماضي .
لقد أحرزت هذه الحركات مكاسب عديدة من الفارقية البيداغوجية بصفة عامة على المستوى المبادئ . المشكل الحقيقي هو أن البيداغوجيات الأكثر عطاء هي أيضا الأكثر صعوبة في ميدان التدبير بشكل فارقي . يكمن السبب ببساطة في أن المدرسة الفعالة لا تتكيف فحسب ، و إنما تستخدم بعض القلاقل : بيداغوجية تعاونية ، بيداغوجية المشروع ، بيداغوجية الاكتشاف : عدد هائل من المؤسسات المشبوهة تنظم فضاءا مهما من التفاوض ، و من الارتجال ، و من الشخصانية ، و من مبادرات الفاعلين . كيف يمكن أن نضمن التعلمات المبرمجة في ذات الوقت ؟ إننا نعرف أن المدراس النشطة الأكثر اقتناعا هي تلك المدارس التي لا تتضايق من البرنامج الملزم مستهدفة في ذلك التعلمات الدالة و الأساسية لنمو التلاميذ بصفة عامة و على المدى البعيد و لا تفكر كثيرا في تزامنية الاحداث او الانتقال عبر إلزامية المراحل المحددة في الزمان . و بإمكان هذا الشرط ان يجلب الفائدة المرجوة في مناسبات عدة مع أهداف موسعة و بعيدة الآمد ، و دينامية المشروعات . الصمود في المدرسة العمومية حتى و لو استبدلنا المقررات السنوية بالأسلاك ، حتى و لو رفضنا خططا و تصاميم مفصلة لفائدة التحكمات الأساسية العامة ؛ فعلى المدرسين دائما الأخذ بعين الاعتبار الموعد القادم و المرحلة القادمة من الاقصائيات ، توجيه أم إشهاد اللذان من شأنهما تهييء جميع التلاميذ مناصفة لهم . نستنتج من ذلك أن الفارقية في التعليم كإرادة في تدبير العمليات المتناسقة غالبا ما تدخل في صراع مع دينامية الأشخاص و المجموعات . في « المدرسة – كيفية الاستعمال» ، يحاول ميريو جاهدا لكي يوفق بين المناهج النشطة و البيداغوجية الفارقية . أعتقد أن التناقض تم القضاء عليه بسبب وفرة الشروحات و التحليل الصارم المنصب عليه . سيكون كل الخطر في الاعتقاد أن الترابط المنطقي في النوايا قد يكون كافيا لضمان الترابط المنطقي في الممارسات .
إضافة إلى ذلك ، فالانشطة الأكثر عطاء تتواجد في الغالب بداخل المشروع الجماعي الذي لا نقدر على تنشطيه و تطويره و شغلنا الوحيد منصب حول التلاميذ الذين يعانون من الصعوبات . من الممكن أن تكون البيداغوجيات الحديثة نخبوية ( بيرنشتاين 75 ) ؛ ( بيرنو 85 ) تفضيل المفضلين ربما أكثر بكثير من البيداغوجيات التقليدية . سوى اللهم إذا تأملنا في هذا المنحى و تسلحنا بالوسائل لاجتنابه بشكل آخر ، و ذلك ليس عن طريق الفكر السحري.
2.2 تناقض التمدرس بلا حد
الفارقية هو إعطاء للتلاميذ الاكثر احتياجا المزيد من مناسبات التعلم ، إذن من الفعل و التفاعل . ليس من الضروري التكفل بهم كل واحد باسمه و لا وضعهم في علاقة المساعدة الفنية او الدعم البيداغوجي ، لكن المراد هو الاهتمام بهم عن قرب و ملاحقتهم بصورة دائمة و مستمرة سواء أكان ذلك مساعدة صادرة من رقابة المعلم ام من ذلك الأب الحنون .
و الحال ، جزء من قضية الفشل المدرسي يعود إلى « المدرسة اكثر مما ينبغي » ، هو وصل الغيث الزبى ، هو الرفض الدائم للرجوع مرة ثانية للتعلم يكون الشغل والهم الوحيد من وراء ذلك هو تجاوز جهلنا ( من أجل مستقبل زاخر ينتظر التلميذ فهو بقدر ما هو مزهو بالورود ، يجب أن نجتهد أكثر ) يبين ( إليتش 70 ) كم هي مدارسنا متمدرسة إلى أبعد حد . لقد حاولت دراسة النتائج الوخيمة لـ « هوس تعليم الشباب من أجل مصلحتهم » (بيرنو 85) أو موحيا أن التقويم التكويني كان مصيبة الايديولوجية المشتملة panoptique ( فوكولت 1991 ) او استيهام الشفافية البيداغوجية Glasnost ( بيرنو 91 ) . لا يمكن ان نتجاهل ان الفارقية او تفريد التعليم يعني ممارسة الضغظ على التلاميذ بتضييق عيون الشبكة ، مقاومة استراتيجيات التواصل ( سيروطا 88 ) او استراتيجيات الهروب او المشتبه فيهم التي تسمح لكل التلاميذ بالأخص لمن يشعر أقل بالسعادة في المدرسة بأن يحتموا بانفسهم قليلا ( انظر بيرنو 88 ) . إن الفارقية البيداغوجية تخاطر بتقوية المؤسسة الشاملة و بالخصوص ( كوفمان 88 ) المدرسة عن طريق التقنين و المراقبة – من أجل قضية نبيلة ( ؟ ) – للسيرورات الذهنية و المصائب و الرغبات و الارادة السلطوية و الديناميكية العلائقية ..
إن البيداغوجية الفارقية تدخل ببداهة في صراع مع رغبة التلاميذ أي القيام بما يجب فعله في أمان و سلام و التقدم في أفضل الأوقات إلى الامام بدون مفاجآت طيلة البرنامج . إن عبارة « بإمكانك أن تعمل أحسن » المسطرة في البيانات المدرسية لاتؤدي إلى أية فائدة و نحن نشتغل عليها . شيء آخر كونك تبحث عن الطريقة الأكثر واقعية و معقولة و أشد إلحاحا في سلب او اغتصاب المجهوذات الاضافية للتلاميذ الراغبين في تحقيق شيء ما او عدم تحقيه ، على الرغم من كون ذلك يمثل استراتيجية قصيرة المدى و ذات النفس المحدود .
3.2 تناقض بيداغوجيات التحكم
لا يمكن أن يحدث التعلم في غياب انطباع مقبول و ايجابي للذات . من الضروري أن نقنع التلاميذ المتواجدين في حالة الفشل أن باستطاعتهم التعلم و عليه و لأجل هذا الغرض ، نعمل لتثمين مجهوذاتهم المتواضعة . عكس ذلك فإننا نجد بيداغوجية المواجهة frontale تتكابر و تتعاظم في صلابة الرتبنات و هي تشيدها لتجعلها معروفة لدى الجميع . لا بد للبيداغوجية الفارقية الإبحار دوما بين عقبتين : التصريح بحقيقة التباينات و الصعوبات و من تم نثبط العزم ؛ أو نشجع ، فنحافظ على الوهم الخاطئ بأن كل شيء على أحسن ما يرام .
وأيضا تكون الصعوبة كبيرة حينما يجب التوفيق بين تقويم تكويني يكون في خدمة الفارقية حسب منطق براكماتي ( بيرنو 91) و بين تقويم إشهادي / إنتقائي يكون في خدمة النظام الذي يقتضي عدالة شكلانية و شفافية للأفضليات .
يمكن أن نجد تناقضات أخرى ؛ هنا أيضا قليلا ما تود اللائحة المعروضة دمج البعد المتناقض و التفكير بصدد الفارقية . لا بد من إحداث و تطوير فكرة في هذا المنحى في جميع الاتجاهات . سنصطدم ليس فقط مع الأفراد المحافظين أو المؤسسين لكن كذلك مع تعقيد الواقع . إن التعلم و ممارسة التعلم يتطلب التوفيق ما لا يتفق ، أي الحرية و اللالتزام . فلا نستغرب أن ذلك يلزم شروطا مازالت بعيدة المنال ..
3. استراتيجيات التغيير
ليس هناك و لا استراتيجية واحدة تكون هي الضامنة للنجاح . بلا ريب لدى ميلان نحو أن أمنح امتيازا لديناميكية الفرق و المؤسسات ( راجع Hutmcher 90 / Gathler Thurler 91) ، و في هذا الاطار ، لعل الاشتغال على التمثلات ، و التوجه نحو بيداغوجية فارقية يعني اللاتعلم ، يعني « الهـدم » ، و أيضا تجاوز الممارسات العتيقة . فلنعمل بطريقة مغايرة . لا يكون ذلك في منطقة اللاشعور ، في الرفض أو في النسيان وكفى و إنما عبر إدماج الماضي و الآفاق المستقبلية الجديدة . معنى ذلك هو تقديم تحليل للممانعات و صور الحداد الضرورية و كشف التناقضات الحتمية : بعيدا من أن يكون هذا الخطاب يتناول المدرسين ، لا بد من أن يكون مسلك أمان مشترك من شأنه السماح لكل واحد منا التموضع و كشف منغلقاته الخاصة و تناقضاته ينظر إليها كأنما هي حواجز طبيعية يمكن التغلب عليها و تجاوزها بنكرانها .