التعليم و التعلم و النمو الذهني
فيكوتسكي
الموضوع الذي يجب علينا طرحه حسب هذه الرؤية يخلق صعوبتين و يتحول إلى قضيتين . أولا ، يجب معرفة نوعية العلاقة الموجودة بين النمو و التعلم بصفة عامة ؛ ثم بعد ذلك ، نحاول تحديد الخصائص و المميزات لهذه العلاقة في سن التمدرس . نتناول القضية الثانية لأنها تسمح لنا بتوضيح الأولى تباعا . للاجابة ، يتضح لنا أنه من الضروري عرض النتائج لبعض الأبحاث التي تحمل ، في رأيي ، دلالة مهمة لحل مشكلتنا و يرجع إليها الفضل تماما في استدخال مفهوم علمي جديد .
هذه ملاحظة امبيريقية تحظى في الغالب بالموافقة من طرف الجميع و لا مناقشة فيها كون التعلم يرتبط بدرجة من درجات نمو الطفل . ليس من الضروري تقديم البرهان لكي نبين أننا لا نستطيع تدريس القراءة أو الخط إلا في زمن عمري محدد . بالمثل ، لا يستطيع الطفل تعلم الجبر إلا بعد سن محدد . إذا بكل اطمئنان، من الممكن أن نتناول الواقعة الأساسية بدون مراجعة بمثابة نقطة انطلاق أنه توجود هنالك علاقة بين مستوى ما من النمو و من القدرة على التعلم .
في الآونة الاخيرة ، ركزنا انتباهنا على الحدث و لكي نجد بدقة العلاقة الموجودة بين النمو و التعلم فإنه لا يكفي فقط تحديد درجة النمو . من اللازم تحديد على الأقل مستويين من النمو . و إلا سنفشل في إيجاد تلك العلاقة بين النمو و إمكانية التعلم . سوف نطلق على أولى هذين المستويين : النمو الحالي المتحقق للطفل . الذي يماثل مستوى من النمو الفعلي بفضل الوظائف الذهنية للطفل .
فعندما نحدد العمر الذهني للطفل بواسطة الروائز نحصل على النمو الفعلي بالضبط ، غير أن هذا المستوى من النمو الفعلي لا يسمح بالتحديد الكامل لحالة الطفل في لحظة معينة كما وضحته التجربة . تخيلوا أننا أخضعنا طفلين لاختبار و ضبطنا عمرهما الذهني في سبع سنوات . هذا يعني أن الطفلين باستطاعتهما حل مهام في متناول أطفال لديهم نفس السن . لكن لو حاولنا التقدم معهما في حل روائز أخرى ، ستظهر بينهما فروقات مهمة و ممكنة . بفضل الوسائل و الأدوات من روائز و أسئلة و امثلة ؛ يستطيع احد الطفلين بكل سهولة حل الروائز المناسبة وضعت رهن إشارة أشخاص يكبرونه بسنتين . في حين أن الآخر ينجح فقط في حل الرائز الذي يتجاوزه عن هذا السن بستة شهور . سنضع أيدينا هنا على وقائع و احداث تجيز لنا تحديد مفهوم منطقة القرب من النماء Zone proximal de développement . و هو مفهوم يرتبط بدوره بموضوع المحاكاة Imitation و يعيد له الاعتبار في السيكولوجية المعاصرة .
غالبا ما ننظر إلى النشاط المستقل للطفل كأنما هو الرأي المقبول و ماعدا ذلك كالتقليد او المحاكاة فهذا شيء لا نعتبره كمؤشر محتمل لمستوى النمو الذهني . و هذا الرأي يؤسس القاعدة الاساس لجميع الأنظمة الحديثة فيما يخص القياس السيكولوجي . من أجل تقويم النمو الذهني ، فنحن لا نعتبر سوى الروائز التي يضطلع بحلها التلميذ وحده دونما اي مساعدة من طرف الآخرين أو قد يتلقى مساعدة بأسئلة خاصة و مناسبة .
لقد بينت أبحاث عدة أن المعيارية لا أساس لها من الصحة . لقد أنجزت دراسات حول الحيوانات دلت على أن الحيوان حينما يقلد أفعالا ، نرى أن هذه الأفعال قد استقرت في مخزونه الاحتياطي . إذن ، هذا يعني أن الحيوان يقدر فقط على تقليد الأفعال التي سبق محاكاتها ؛ هذا يعني أيضا أن إمكانية التقليد لدى الحيوان ، كما وضحت ذلك تجارب كوهلر ، لا تتجاوز حدود قدراته الاحتياطية للفعل . لو كان الحيوان قادرا على تقليد فعل ثقافي فهذا يعتبر دليل على أنه يقدر ، وفق بعض الشروط ، تحقيق نفس الفعل أثناء نشاطه عما قريب . إذن فالتقليد او المحاكاة يرتبط بقدرة الفهم و إمكانية حدوثه في منطقة نفوذ الافعال القابلة للفهم عند الحيوان .
إن الفرق الجوهري نسبة إلى الطفل ، يكمن في كون ان هذا الأخير يقلد العديد من الأفعال تتجاوز ببعيد و حدود قدراته . يمكن للطفل ، عن طريق التقليد و من خلال نشاط جماعي ، و تحت إمرة البالغين ، ان يحقق الكثير بدل النجاح بصورة مستقلة . إن الفرق بين مستوى حل المشاكل و الصعوبات تحت رقابة و مساعدة البالغين من جهة ، و بين ذاك المستوى الوحيد للفعل و التحقق هو الذي يحدد منطقة القرب من النماء ZPD .
لنتذكر المثال الذي سقناه بعد قليل : طفلان لهما نفس العمر الذهني من سبع سنوات لكن أحدهما ينجح في حل وضعيات لأطفال عمرهم تسع سنوات مع تقديم مساعدة أقل ، بينما الآخر لا ينجح سوى في مهام تتماشى و أطفال عمرهم سبع سنوات و نصف . هل النمو الذهني متساو لكلا الطفلين ؟ الجواب نعم فيما يخص أنشطتهم المستقلة ؛ أما فيما يخص قدراتهم الاحتياطية ، فالطفلان مختلفان تماما . إن ما يقدر الطفل على إنجازه بمساعدة البالغ هو الذي يحصر منطقة القرب من النماء . بهذا الشكل ، يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار ليس فقط سيرورة النمو المتحققة في ما مضى و كذا عملية النضج الموجودة سلفا ، و إنما أيضا تلك السيرورة التي سوف تظهر في المستقبل . إنها في طريق النمو و النضج .
أظهرت تجارب مشهورة في هذا الباب عن محدودية النتائج إذ قدمت الدليل على ان النظام التعليمي المتمركز على الوسائل البصرية على وجه الحصر ، لا يعيق التلميذ و يقدم له المساعدة للتغلب على عجزه فحسب ، بل الأدهى من ذلك فهي تثبته في حالته . مصرين على الفكر البصري ، فنحن نقتل أجنة الفكر المجرد حنقا عند هؤلاء الأطفال . لا يستطيع الطفل المعاق متروكا لوحده على اي شكل من الفكر المجرد . و لكي ننمي لديه ذات القدرة التي باتت ناقصة ، من الواجب على المدرسة مساعدة الطفل المعاق في هذا الاتجاه . في الوقت الحالي ، نلاحظ تفاؤلا و بشائر خير في المناهج التعليمية المختصة و هي تهتم اهتماما و تفرد مكانة متستخدمة فيها الوسائل البصرية التي أقيمت على أسس المناهج القديمة في جزء منها : إن الوسائل البصرية ضرورية و لازمة لتطوير الفكر المجرد . لكنها كأدوات و ليس كغايات في حد ذاتها .
باستطاعتنا مشاهدة الظاهرة و شبيهتها في النمو الطبيعي عند الطفل . فالتعليم الذي يستهدف مرحلة من المراحل قد انتهى أمرها و تم اكتسابها فهذا تعليم يخلو من الفائدة. إنه تعليم عاجزعن قيادة العملية النمائية غير أنه منقاد لها . نظرية القرب من النماء تترجم عبر و من خلال قاعدة معكوسة تماما للتوجه التقليدي : التعليم الممكن و الوحيد هو ذلك التعليم الذي يأتي قبل النمو .
نظرا لضيق المكان ، فإننا نود تقديم عدة أبحاث موجزة نفهم من خلالها أن الوظائف الذهنية الانسانية المرتبطة بالأخص بالطفل و التي تكونت عبر فترات النمو ، تمثل مسارا ذا خصوصية . لقد صغنا القانون الأساسي لنمو هذه الوظائف في مكان آخر :
« إن كل وظيفة ذهنية عليا تظهر مرتين اثناء نمو الطفل : في البداية كنشاط جماعي ، و اجتماعي أي كوظيفة عابرة للذهن ، ثم في الاخير كنشاط فردي ، و كتملك داخلي للفكر لدى الطفل ، أي كوظيفة مستقرة في الذهن »
إن تطور اللغة يليق بأن يصبح براديغما لمثل هذه القضايا . في اول الأمر ، تظهر اللغة كأداة تواصل بين الطفل و محيطه . فقط في اللحظة التالية حينما تتحول إلى لغة داخلية ( نفسية ) هو الذي يجعلها شكلا من الفكر الأساس للطفل ذاته ، فتصبح احدى وظائفه الذهنية . إن الدراسات التي أقامها بلدوين ، و رينانو ، و بياجي تبين أن الاستخدام الضروري للفكر يرى النور لأول مرة حينما نتحدث مع الاطفال و لا يغذو تفكيرا نشطا داخليا ( يحاجج الطفل و يراقب منطقه الخاص ) إلا فيما بعد . » فيما يخصنا ، في اعتقاد عن طواعية و شرف ، يقول بياجي ، فإنه لا تظهر فينا ضرورة المحاججة و توضيح أفكارنا إلا في أثناء التواصل مع الغير « .
بما ان التواصل هو منشأ التفكير و اللغة الداخلية ، فهو منبع و أصل الارادة عند الطفل و كذا الأشخاص المحيطين به . في أحد أبحاثه ، لقد وضح بياجي ان التعاون la coopération هو الحجر الأساس لكل نمو أخلاقي قيمي عند الطفل . دراسات أخرى مبكرة بدورها ألقت الضوء على مسألة مطابقة سلوك الطفل بداية مع القواعد الخارجية أثناء اللعب الجماعي ، و لا يظهر التعديل الذاتي الارادي للسلوك كوظيفة داخلية للطفل ذاته إلا فيما بعد .
فهذه بعض من الامثلة نريد بها توضيح السير العام كله لنمو الوظائف الذهنية العليا أثناء فترة الطفولة . إننا نطبق هذا القانون في سيرورة التعلم كذلك و لا نتردد في القول : إن الجانب المهم و الأساسي في التعلم يكمن في بناء منطقة القرب من النمو .
[ التعلم ، إذن ، يوقظ و ينشط مجموعة من سيرورات النمو الداخلية عند الطفل و التي ، في لحظة من اللحظات الدقيقة ، لا تكون في متناوله إلا في إطار التواصل مع البالغ و مع تظافر الجهوذ و المساعدة مع اللآخرين ، لكن بمجرد استدخال هذه السيرورات النمائية ، تصبح آنذاك ملكا خاصا للطفل ]
التعلم ، منظور إليه من هذه الزاوية ، لا يمكنه أن يتطابق مع النمو ، إلا أنه ينشط النمو الذهني للطفل و ذلك بحشد السيرورات التطورية التي لا يمكن لها التشكل بدون هذا النمو . و بهذا تصير لحظة بنائية أساسية لنمو الخصائص الانسانية ، غير الطبيعية ، اكتسبت في فترة النمو التاريخي . و لنفس السبب فالطفل الذي يولد من أبوين أصمين أبكمين ، محروم من المدخلات اللغوية ، يظل أصما مع امتلاكه جميع القبليات الطبيعية لتطوير اللغة ، و نراه عاجزا في قرارة نفسه عن إنماء كل الوظائف الذهنية العليا المرتبطة بهذه اللغة ، فكل نشاط تعليمي يؤسس النبع لنمو العمليات التي لا يمكن لها الحدوث خارجة عنه .
إن أهمية التعليم كأحد العوامل الأساسية لتحديد منطقة القرب من النمو يمكن توضيحه فعلا عن طريق مقاربة تعلم الكبار و تعلم الصغار . في البدء ، لم نهتم بالفرق الموجود بين الصنفين من التعلم ماعدا في الآونة الاخيرة . كما هو معلوم ، يوجد لدى الكبار ايضا قدرات هائلة في التعلم . و فكرة جيمس التي تقول بتعذر بل استحالة فهم أفكار جديدة بعد مضي 25 سنة ، قد تم إبطالها من طرف الأبحاث التجريبية المعاصرة . و مع ذلك ، فنحن لم نشتغل قدر الامكان لكي نفرق بين تعلم الكبار و تعلم الصغار .
بالفعل ، في حالة ما إذا اعتبرنا سيرورة التعلم مشابهة لتكوين بسيط في العوائد ، كما تقترحه نظريات تورندايك و جيميس ، فلا يمكن أن يحدث فرقا ذا شأن عظيم بين تعلم الطفل و تعلم اليافع ، و السبب ، لأن في كلتا الحالتين يوجد لدينا نفس الميكانيزمات المؤسسة للعوائد . لقد اختزل الفرق اكثر أم أقل في السرعة و السهولة أثناء عملية الاكتساب .
تطرح الأمور بشكل مختلف عندما نريد مثلا معرفة الفرق بين التعلم على الآلة الكاتبة ، و ركوب الدراجة أو لعب كرة المضرب من جهة ، و من جهة اخرى تعلم اللغة المكتوبة و الرياضيات او العلوم الطبيعية في زمن التمدرس . بالنسبة لنا ، الفرق يكمن في العلاقة المختلفة لسيرورات النمو .
التعلم على استخدام الآلة الكاتبة يقتضي فعلا بعض العوائد و مهما وجدت فهي لا تحدث أي تغيير في التركيبة الذهنية الانسانية ، لكونها تهيئ مراحل نمائية اكتملت و انتهت . و من أجل هذا السبب ذاته ما يجعل بالخصوص مثل هذا التعلم لا يمثل دلالة كبيرة أي بمعنى لا اهمية له في النمو العام .
لكن فيما يتعلق بتعلم الكتابة ، يجب أن نتخذ خطابا مختلفا . الأبحاث المقامة في هذا الباب و التي سوف نتحدث عنها في مكان آخر بينت أن هذا التطور إنما يفتح سلسلة جديدة من مراحل النمو معقدة اكثر ، و أنه يحمل تغييرات جد اساسية في إطار النمو الذهني العام للطفل الذي يمكنه مقارنته بأثر التعلم في اللغة أثناء فترة الانتقال من الطفولة المبكرة إلى الطفولة .
لقد آن الآوان بتلخيص ما قلناه و ندقق في طبيعة العلاقة التي نفهمها حول سيرورة التعليم و مراحل النمو . في استباق لبعض النتائج ، يمكننا القول أن جميع الأبحاث التجريبية بشأن طبيعة مراحل التعلم في الرياضيات ، و الكتابة ، و في العلوم و مواد أخرى في المدرسة الابتدائية توضح أن هذه السيرورات تجري في فلك المكتسبات العمرية الجديدة للمدرسة و من تم ، إذن ، تدور حول النقط المركزية لنمو الطفل في هذا السن . فالمهمة الاولى لتحليل النظام البيداغوجي يتطلب إذا ملاحقة يقظة فيما يتعلق بولادة و ترشيد هذه الخطوط النمائية الدقيقة الداخلية التي تبرز في بداية كل تعلم مدرسي .
[ بخصوص فرضيتنا ، تكمن النقطة الحاسمة في القول أن مسارات النمو لا تتطابق مع مسارات التعلم لكن تتبع هذه الاخيرة و ذلك بإحداث ما سميناه بمنطقة القرب من النمو . ]
وجهة نظرنا هذه تؤدي إلى تغيير في الرأي التقليدي السائد بشأن علاقة التعليم و النمو . وفقا لنظرية تقليدية ، فحينما استوعب الطفل معنى كلمة ( مثلا ، كلمة " ثورة " ) أو حينما اكتسب بعض العلميات ( مثلا عملية الجمع و اللغة المكتوبة ) ، فإن سيرورات نموه ، متمثلة كشيء ، قد اعتبرت نهائية . أما في نظرنا ، فهذه السيرورات انطلقت فقط .
أن نفسر كيفية اكتساب العمليات الأربع في الحساب و هي تحدث سلسة من التطورات الداخلية المعقدة جدا أثناء تطور فكر الطفل فهذا يؤسس المهمة الرئيسية لعلم البيدولوجيا Pédologie من اجل تحليل المسار البيداغوجي . فرضيتنا تفترض الوحدة ، لكن ليس التوحد لسيرورات التعليم و سيرورات النمو الداخلية ( النفسية). إنها تفترض قبليا انتقال تبادلي من لدن جميع الأفراد . يتحدد الموضوع الحقيقي للبيدولوجيا في توضيح و استجلاء للمعنى الخارجي و مهارة الطفل بأن يكونا داخليين .
التحليل البيدولوجي لا يعني التحليل السيكو – تقني للمدرسة . إن العمل المدرسي للطفل ليس حرفة . لا يشبه نشاط البالغين المهنيين . اكتشاف المسارات المتكونة لدى الطفل أثناء التعلم في الواقع ، هذا معناه إذا فتح أبواب التحليل البيدولوجي العلمي للنظام البيداغوجي .
كل بحث يتناول ميدانا خاصا من الواقع . نبحث عن أي نوع من الواقع يعبر عنه التحليل البيدولوجي . هذا الواقع يوجد في الروابط الدخلية الحقيقية لسيرورات النمو التي تظهر في حياة التعليم المدرسي . بهذا المعنى ، سيتجه التحليل البيدولوجي [ علم التربة ] نحو الداخل و يكون كمثل أبحاث أشعة Roentgen . من الواجب عليه أن يجيز للمدرس فهم السيرورات ، و استيضاحها اثناء عملية التدريس المدرسي ، و كيف تبنى هذه السيرو رات في رأس كل تلميذ على حدة . تقتضي المهمة المباشرة للتحليل البيدولوجي في اكتشاف هذه الشبكة الداخلية ، المستورة ، الوراثية ، للذوات المتعلمة .
ثاني قول أساسي يصدر من نظريتنا و هو على الرغم من أن التعلم يرتبط ارتباطا وثيقا بنمو الطفل ، فإن السيرورتان غير متوازيتين تماما . إن نمو الطفل لا يتبع النشاط الديداكتيكي الحاصل في القسم كمتابعة للظل . و لهذا السبب فالامتحانات المتعلقة بالنتائج المحصل عليها من طرف التلميذ لا تعبر أبدا عن مستواه الحقيقي لنموه. من هنا ، تتوطد علاقات ديناميكية تلازمية بين النمو و التعلم ، علاقات لا يمكن التعبير عنها بواسطة قاعدة نظرية مصطنعة ، قبلية ، معطاة كلية هكذا .
كل مادة تعلمية لها علاقة خاصة و ملموسة مع مجرى نمو الطفل . هذه العلاقة تتغير حينما يحقق الطفل انتقالا إلى مرحلة نمائية أخرى . تفضي بنا هذه الخلاصات إلى مراجعة قضية المادة التعلمية الشكلانية في كل موضوع تعليمي خاص يستهدف النمو الثقافي للطفل . إننا نجد أنفسنا امام قضية بعيدة كل البعد عن الحل بواسطة قاعدة مبسطة ، لكنها تؤسس نقطة انطلاق لأبحاث متعددة و ملموسة و متنوعة .
فيكوتسكي
الموضوع الذي يجب علينا طرحه حسب هذه الرؤية يخلق صعوبتين و يتحول إلى قضيتين . أولا ، يجب معرفة نوعية العلاقة الموجودة بين النمو و التعلم بصفة عامة ؛ ثم بعد ذلك ، نحاول تحديد الخصائص و المميزات لهذه العلاقة في سن التمدرس . نتناول القضية الثانية لأنها تسمح لنا بتوضيح الأولى تباعا . للاجابة ، يتضح لنا أنه من الضروري عرض النتائج لبعض الأبحاث التي تحمل ، في رأيي ، دلالة مهمة لحل مشكلتنا و يرجع إليها الفضل تماما في استدخال مفهوم علمي جديد .
هذه ملاحظة امبيريقية تحظى في الغالب بالموافقة من طرف الجميع و لا مناقشة فيها كون التعلم يرتبط بدرجة من درجات نمو الطفل . ليس من الضروري تقديم البرهان لكي نبين أننا لا نستطيع تدريس القراءة أو الخط إلا في زمن عمري محدد . بالمثل ، لا يستطيع الطفل تعلم الجبر إلا بعد سن محدد . إذا بكل اطمئنان، من الممكن أن نتناول الواقعة الأساسية بدون مراجعة بمثابة نقطة انطلاق أنه توجود هنالك علاقة بين مستوى ما من النمو و من القدرة على التعلم .
في الآونة الاخيرة ، ركزنا انتباهنا على الحدث و لكي نجد بدقة العلاقة الموجودة بين النمو و التعلم فإنه لا يكفي فقط تحديد درجة النمو . من اللازم تحديد على الأقل مستويين من النمو . و إلا سنفشل في إيجاد تلك العلاقة بين النمو و إمكانية التعلم . سوف نطلق على أولى هذين المستويين : النمو الحالي المتحقق للطفل . الذي يماثل مستوى من النمو الفعلي بفضل الوظائف الذهنية للطفل .
فعندما نحدد العمر الذهني للطفل بواسطة الروائز نحصل على النمو الفعلي بالضبط ، غير أن هذا المستوى من النمو الفعلي لا يسمح بالتحديد الكامل لحالة الطفل في لحظة معينة كما وضحته التجربة . تخيلوا أننا أخضعنا طفلين لاختبار و ضبطنا عمرهما الذهني في سبع سنوات . هذا يعني أن الطفلين باستطاعتهما حل مهام في متناول أطفال لديهم نفس السن . لكن لو حاولنا التقدم معهما في حل روائز أخرى ، ستظهر بينهما فروقات مهمة و ممكنة . بفضل الوسائل و الأدوات من روائز و أسئلة و امثلة ؛ يستطيع احد الطفلين بكل سهولة حل الروائز المناسبة وضعت رهن إشارة أشخاص يكبرونه بسنتين . في حين أن الآخر ينجح فقط في حل الرائز الذي يتجاوزه عن هذا السن بستة شهور . سنضع أيدينا هنا على وقائع و احداث تجيز لنا تحديد مفهوم منطقة القرب من النماء Zone proximal de développement . و هو مفهوم يرتبط بدوره بموضوع المحاكاة Imitation و يعيد له الاعتبار في السيكولوجية المعاصرة .
غالبا ما ننظر إلى النشاط المستقل للطفل كأنما هو الرأي المقبول و ماعدا ذلك كالتقليد او المحاكاة فهذا شيء لا نعتبره كمؤشر محتمل لمستوى النمو الذهني . و هذا الرأي يؤسس القاعدة الاساس لجميع الأنظمة الحديثة فيما يخص القياس السيكولوجي . من أجل تقويم النمو الذهني ، فنحن لا نعتبر سوى الروائز التي يضطلع بحلها التلميذ وحده دونما اي مساعدة من طرف الآخرين أو قد يتلقى مساعدة بأسئلة خاصة و مناسبة .
لقد بينت أبحاث عدة أن المعيارية لا أساس لها من الصحة . لقد أنجزت دراسات حول الحيوانات دلت على أن الحيوان حينما يقلد أفعالا ، نرى أن هذه الأفعال قد استقرت في مخزونه الاحتياطي . إذن ، هذا يعني أن الحيوان يقدر فقط على تقليد الأفعال التي سبق محاكاتها ؛ هذا يعني أيضا أن إمكانية التقليد لدى الحيوان ، كما وضحت ذلك تجارب كوهلر ، لا تتجاوز حدود قدراته الاحتياطية للفعل . لو كان الحيوان قادرا على تقليد فعل ثقافي فهذا يعتبر دليل على أنه يقدر ، وفق بعض الشروط ، تحقيق نفس الفعل أثناء نشاطه عما قريب . إذن فالتقليد او المحاكاة يرتبط بقدرة الفهم و إمكانية حدوثه في منطقة نفوذ الافعال القابلة للفهم عند الحيوان .
إن الفرق الجوهري نسبة إلى الطفل ، يكمن في كون ان هذا الأخير يقلد العديد من الأفعال تتجاوز ببعيد و حدود قدراته . يمكن للطفل ، عن طريق التقليد و من خلال نشاط جماعي ، و تحت إمرة البالغين ، ان يحقق الكثير بدل النجاح بصورة مستقلة . إن الفرق بين مستوى حل المشاكل و الصعوبات تحت رقابة و مساعدة البالغين من جهة ، و بين ذاك المستوى الوحيد للفعل و التحقق هو الذي يحدد منطقة القرب من النماء ZPD .
لنتذكر المثال الذي سقناه بعد قليل : طفلان لهما نفس العمر الذهني من سبع سنوات لكن أحدهما ينجح في حل وضعيات لأطفال عمرهم تسع سنوات مع تقديم مساعدة أقل ، بينما الآخر لا ينجح سوى في مهام تتماشى و أطفال عمرهم سبع سنوات و نصف . هل النمو الذهني متساو لكلا الطفلين ؟ الجواب نعم فيما يخص أنشطتهم المستقلة ؛ أما فيما يخص قدراتهم الاحتياطية ، فالطفلان مختلفان تماما . إن ما يقدر الطفل على إنجازه بمساعدة البالغ هو الذي يحصر منطقة القرب من النماء . بهذا الشكل ، يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار ليس فقط سيرورة النمو المتحققة في ما مضى و كذا عملية النضج الموجودة سلفا ، و إنما أيضا تلك السيرورة التي سوف تظهر في المستقبل . إنها في طريق النمو و النضج .
أظهرت تجارب مشهورة في هذا الباب عن محدودية النتائج إذ قدمت الدليل على ان النظام التعليمي المتمركز على الوسائل البصرية على وجه الحصر ، لا يعيق التلميذ و يقدم له المساعدة للتغلب على عجزه فحسب ، بل الأدهى من ذلك فهي تثبته في حالته . مصرين على الفكر البصري ، فنحن نقتل أجنة الفكر المجرد حنقا عند هؤلاء الأطفال . لا يستطيع الطفل المعاق متروكا لوحده على اي شكل من الفكر المجرد . و لكي ننمي لديه ذات القدرة التي باتت ناقصة ، من الواجب على المدرسة مساعدة الطفل المعاق في هذا الاتجاه . في الوقت الحالي ، نلاحظ تفاؤلا و بشائر خير في المناهج التعليمية المختصة و هي تهتم اهتماما و تفرد مكانة متستخدمة فيها الوسائل البصرية التي أقيمت على أسس المناهج القديمة في جزء منها : إن الوسائل البصرية ضرورية و لازمة لتطوير الفكر المجرد . لكنها كأدوات و ليس كغايات في حد ذاتها .
باستطاعتنا مشاهدة الظاهرة و شبيهتها في النمو الطبيعي عند الطفل . فالتعليم الذي يستهدف مرحلة من المراحل قد انتهى أمرها و تم اكتسابها فهذا تعليم يخلو من الفائدة. إنه تعليم عاجزعن قيادة العملية النمائية غير أنه منقاد لها . نظرية القرب من النماء تترجم عبر و من خلال قاعدة معكوسة تماما للتوجه التقليدي : التعليم الممكن و الوحيد هو ذلك التعليم الذي يأتي قبل النمو .
نظرا لضيق المكان ، فإننا نود تقديم عدة أبحاث موجزة نفهم من خلالها أن الوظائف الذهنية الانسانية المرتبطة بالأخص بالطفل و التي تكونت عبر فترات النمو ، تمثل مسارا ذا خصوصية . لقد صغنا القانون الأساسي لنمو هذه الوظائف في مكان آخر :
« إن كل وظيفة ذهنية عليا تظهر مرتين اثناء نمو الطفل : في البداية كنشاط جماعي ، و اجتماعي أي كوظيفة عابرة للذهن ، ثم في الاخير كنشاط فردي ، و كتملك داخلي للفكر لدى الطفل ، أي كوظيفة مستقرة في الذهن »
إن تطور اللغة يليق بأن يصبح براديغما لمثل هذه القضايا . في اول الأمر ، تظهر اللغة كأداة تواصل بين الطفل و محيطه . فقط في اللحظة التالية حينما تتحول إلى لغة داخلية ( نفسية ) هو الذي يجعلها شكلا من الفكر الأساس للطفل ذاته ، فتصبح احدى وظائفه الذهنية . إن الدراسات التي أقامها بلدوين ، و رينانو ، و بياجي تبين أن الاستخدام الضروري للفكر يرى النور لأول مرة حينما نتحدث مع الاطفال و لا يغذو تفكيرا نشطا داخليا ( يحاجج الطفل و يراقب منطقه الخاص ) إلا فيما بعد . » فيما يخصنا ، في اعتقاد عن طواعية و شرف ، يقول بياجي ، فإنه لا تظهر فينا ضرورة المحاججة و توضيح أفكارنا إلا في أثناء التواصل مع الغير « .
بما ان التواصل هو منشأ التفكير و اللغة الداخلية ، فهو منبع و أصل الارادة عند الطفل و كذا الأشخاص المحيطين به . في أحد أبحاثه ، لقد وضح بياجي ان التعاون la coopération هو الحجر الأساس لكل نمو أخلاقي قيمي عند الطفل . دراسات أخرى مبكرة بدورها ألقت الضوء على مسألة مطابقة سلوك الطفل بداية مع القواعد الخارجية أثناء اللعب الجماعي ، و لا يظهر التعديل الذاتي الارادي للسلوك كوظيفة داخلية للطفل ذاته إلا فيما بعد .
فهذه بعض من الامثلة نريد بها توضيح السير العام كله لنمو الوظائف الذهنية العليا أثناء فترة الطفولة . إننا نطبق هذا القانون في سيرورة التعلم كذلك و لا نتردد في القول : إن الجانب المهم و الأساسي في التعلم يكمن في بناء منطقة القرب من النمو .
[ التعلم ، إذن ، يوقظ و ينشط مجموعة من سيرورات النمو الداخلية عند الطفل و التي ، في لحظة من اللحظات الدقيقة ، لا تكون في متناوله إلا في إطار التواصل مع البالغ و مع تظافر الجهوذ و المساعدة مع اللآخرين ، لكن بمجرد استدخال هذه السيرورات النمائية ، تصبح آنذاك ملكا خاصا للطفل ]
التعلم ، منظور إليه من هذه الزاوية ، لا يمكنه أن يتطابق مع النمو ، إلا أنه ينشط النمو الذهني للطفل و ذلك بحشد السيرورات التطورية التي لا يمكن لها التشكل بدون هذا النمو . و بهذا تصير لحظة بنائية أساسية لنمو الخصائص الانسانية ، غير الطبيعية ، اكتسبت في فترة النمو التاريخي . و لنفس السبب فالطفل الذي يولد من أبوين أصمين أبكمين ، محروم من المدخلات اللغوية ، يظل أصما مع امتلاكه جميع القبليات الطبيعية لتطوير اللغة ، و نراه عاجزا في قرارة نفسه عن إنماء كل الوظائف الذهنية العليا المرتبطة بهذه اللغة ، فكل نشاط تعليمي يؤسس النبع لنمو العمليات التي لا يمكن لها الحدوث خارجة عنه .
إن أهمية التعليم كأحد العوامل الأساسية لتحديد منطقة القرب من النمو يمكن توضيحه فعلا عن طريق مقاربة تعلم الكبار و تعلم الصغار . في البدء ، لم نهتم بالفرق الموجود بين الصنفين من التعلم ماعدا في الآونة الاخيرة . كما هو معلوم ، يوجد لدى الكبار ايضا قدرات هائلة في التعلم . و فكرة جيمس التي تقول بتعذر بل استحالة فهم أفكار جديدة بعد مضي 25 سنة ، قد تم إبطالها من طرف الأبحاث التجريبية المعاصرة . و مع ذلك ، فنحن لم نشتغل قدر الامكان لكي نفرق بين تعلم الكبار و تعلم الصغار .
بالفعل ، في حالة ما إذا اعتبرنا سيرورة التعلم مشابهة لتكوين بسيط في العوائد ، كما تقترحه نظريات تورندايك و جيميس ، فلا يمكن أن يحدث فرقا ذا شأن عظيم بين تعلم الطفل و تعلم اليافع ، و السبب ، لأن في كلتا الحالتين يوجد لدينا نفس الميكانيزمات المؤسسة للعوائد . لقد اختزل الفرق اكثر أم أقل في السرعة و السهولة أثناء عملية الاكتساب .
تطرح الأمور بشكل مختلف عندما نريد مثلا معرفة الفرق بين التعلم على الآلة الكاتبة ، و ركوب الدراجة أو لعب كرة المضرب من جهة ، و من جهة اخرى تعلم اللغة المكتوبة و الرياضيات او العلوم الطبيعية في زمن التمدرس . بالنسبة لنا ، الفرق يكمن في العلاقة المختلفة لسيرورات النمو .
التعلم على استخدام الآلة الكاتبة يقتضي فعلا بعض العوائد و مهما وجدت فهي لا تحدث أي تغيير في التركيبة الذهنية الانسانية ، لكونها تهيئ مراحل نمائية اكتملت و انتهت . و من أجل هذا السبب ذاته ما يجعل بالخصوص مثل هذا التعلم لا يمثل دلالة كبيرة أي بمعنى لا اهمية له في النمو العام .
لكن فيما يتعلق بتعلم الكتابة ، يجب أن نتخذ خطابا مختلفا . الأبحاث المقامة في هذا الباب و التي سوف نتحدث عنها في مكان آخر بينت أن هذا التطور إنما يفتح سلسلة جديدة من مراحل النمو معقدة اكثر ، و أنه يحمل تغييرات جد اساسية في إطار النمو الذهني العام للطفل الذي يمكنه مقارنته بأثر التعلم في اللغة أثناء فترة الانتقال من الطفولة المبكرة إلى الطفولة .
لقد آن الآوان بتلخيص ما قلناه و ندقق في طبيعة العلاقة التي نفهمها حول سيرورة التعليم و مراحل النمو . في استباق لبعض النتائج ، يمكننا القول أن جميع الأبحاث التجريبية بشأن طبيعة مراحل التعلم في الرياضيات ، و الكتابة ، و في العلوم و مواد أخرى في المدرسة الابتدائية توضح أن هذه السيرورات تجري في فلك المكتسبات العمرية الجديدة للمدرسة و من تم ، إذن ، تدور حول النقط المركزية لنمو الطفل في هذا السن . فالمهمة الاولى لتحليل النظام البيداغوجي يتطلب إذا ملاحقة يقظة فيما يتعلق بولادة و ترشيد هذه الخطوط النمائية الدقيقة الداخلية التي تبرز في بداية كل تعلم مدرسي .
[ بخصوص فرضيتنا ، تكمن النقطة الحاسمة في القول أن مسارات النمو لا تتطابق مع مسارات التعلم لكن تتبع هذه الاخيرة و ذلك بإحداث ما سميناه بمنطقة القرب من النمو . ]
وجهة نظرنا هذه تؤدي إلى تغيير في الرأي التقليدي السائد بشأن علاقة التعليم و النمو . وفقا لنظرية تقليدية ، فحينما استوعب الطفل معنى كلمة ( مثلا ، كلمة " ثورة " ) أو حينما اكتسب بعض العلميات ( مثلا عملية الجمع و اللغة المكتوبة ) ، فإن سيرورات نموه ، متمثلة كشيء ، قد اعتبرت نهائية . أما في نظرنا ، فهذه السيرورات انطلقت فقط .
أن نفسر كيفية اكتساب العمليات الأربع في الحساب و هي تحدث سلسة من التطورات الداخلية المعقدة جدا أثناء تطور فكر الطفل فهذا يؤسس المهمة الرئيسية لعلم البيدولوجيا Pédologie من اجل تحليل المسار البيداغوجي . فرضيتنا تفترض الوحدة ، لكن ليس التوحد لسيرورات التعليم و سيرورات النمو الداخلية ( النفسية). إنها تفترض قبليا انتقال تبادلي من لدن جميع الأفراد . يتحدد الموضوع الحقيقي للبيدولوجيا في توضيح و استجلاء للمعنى الخارجي و مهارة الطفل بأن يكونا داخليين .
التحليل البيدولوجي لا يعني التحليل السيكو – تقني للمدرسة . إن العمل المدرسي للطفل ليس حرفة . لا يشبه نشاط البالغين المهنيين . اكتشاف المسارات المتكونة لدى الطفل أثناء التعلم في الواقع ، هذا معناه إذا فتح أبواب التحليل البيدولوجي العلمي للنظام البيداغوجي .
كل بحث يتناول ميدانا خاصا من الواقع . نبحث عن أي نوع من الواقع يعبر عنه التحليل البيدولوجي . هذا الواقع يوجد في الروابط الدخلية الحقيقية لسيرورات النمو التي تظهر في حياة التعليم المدرسي . بهذا المعنى ، سيتجه التحليل البيدولوجي [ علم التربة ] نحو الداخل و يكون كمثل أبحاث أشعة Roentgen . من الواجب عليه أن يجيز للمدرس فهم السيرورات ، و استيضاحها اثناء عملية التدريس المدرسي ، و كيف تبنى هذه السيرو رات في رأس كل تلميذ على حدة . تقتضي المهمة المباشرة للتحليل البيدولوجي في اكتشاف هذه الشبكة الداخلية ، المستورة ، الوراثية ، للذوات المتعلمة .
ثاني قول أساسي يصدر من نظريتنا و هو على الرغم من أن التعلم يرتبط ارتباطا وثيقا بنمو الطفل ، فإن السيرورتان غير متوازيتين تماما . إن نمو الطفل لا يتبع النشاط الديداكتيكي الحاصل في القسم كمتابعة للظل . و لهذا السبب فالامتحانات المتعلقة بالنتائج المحصل عليها من طرف التلميذ لا تعبر أبدا عن مستواه الحقيقي لنموه. من هنا ، تتوطد علاقات ديناميكية تلازمية بين النمو و التعلم ، علاقات لا يمكن التعبير عنها بواسطة قاعدة نظرية مصطنعة ، قبلية ، معطاة كلية هكذا .
كل مادة تعلمية لها علاقة خاصة و ملموسة مع مجرى نمو الطفل . هذه العلاقة تتغير حينما يحقق الطفل انتقالا إلى مرحلة نمائية أخرى . تفضي بنا هذه الخلاصات إلى مراجعة قضية المادة التعلمية الشكلانية في كل موضوع تعليمي خاص يستهدف النمو الثقافي للطفل . إننا نجد أنفسنا امام قضية بعيدة كل البعد عن الحل بواسطة قاعدة مبسطة ، لكنها تؤسس نقطة انطلاق لأبحاث متعددة و ملموسة و متنوعة .