ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/
ملتقى السماعلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ننهي إلى علم الجميع أن الإشهار خارج عن سيطرة الإدارة
اسالكم الله أن تدعوا بالنصر لأهلنا في غزة

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

فــن جديــد للتعلـــم . فيليب ميريو Philippe Meireiu

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مبشور

مبشور
كبير مشرفي القسم التربوي
كبير مشرفي القسم التربوي

فن جديد للتعلم

فيليب ميريو Meirieu أستاذ في العلوم التربوية جامعة lumière  . ليون


تعلم "أقدم مهنة في العالم"

عشقي للاستفزاز يحملني لكي أبدأ بمعاكسة ، بطريقة ما، ما يوحي إليه العنوان الذي اقترح علي في هذه  الندوة : "طريقة جديدة في فن التعلم؟ ". في الواقع ، أود أن أذكر أنه على الرغم من أن العالم قد تغير كثيرا منذ ظهور الإنسان، حتى لو كان يتغير أمام أعيننا بسرعة فائقة اليوم ، وعلى الرغم من أن التعلم قد يبدو نتيجة لعدة حالات جديدا و غريبا ، " فنا جديدا " فهو أيضا ، بطبيعة الحال ، " أقدم مهنة في العالم" كذلك .

على سبيل المثال، ما يميز الإنسان عن النحل هو كونه لا يحمل نظامه السياسي في كروموسومات . النحلة ، نعم ! لا أحد على الاطلاق رأى نحلة جمهورية . النحلة هي ملكية  بالوراثة . لا يوجد إنسان ملكي و جمهوري بالوراثة .  فنحن نعد " إمكانية في الوجود" ولا نكشف عن هذه الامكانية إلا عن طريق التعلم ثم بواسطة الاختيارات الواعية التي ننجزها .

ولكن ، التعلم ، أقدم مهنة في العالم ، هو أيضا الأكثر صعوبة . السؤال القديم لأرسطو، في الأخلاق النيقوماخية ، لا يزال قائما : " كيف نتعلم العزف على القثارة و ذلك سوى باللعب على القيثارة ؟ وإذا كنا نتقن آلة القثارة ، فلماذا إذن نتعلم العزف على القيثارة ؟ " سؤال فلسفي قديم  يبدو قليلا عفا عليها الزمن إزاء التكنولوجيات الحديثة ، ولكنه في الحقيقة لا يزال ساري المفعول . لأن التعلم هو على الدوام القيام بشيء لا نعرفه لكي نتعلم كيفية إنجازه .

وهذا صحيح بالنسبة لجميع أنشطتنا : لقد تعلمنا عدة أشياء كثيرة و نحن لا نحسن معرفتها و قمنا بها رغم ذلك .. من أجل التعلم . هكذا تعلمنا المشي ، و الكلام ، والقراءة ، و إجراء عمليات حسابية معقدة ، و عملنا في الحدائق العامة أو في الطبخ ... وحتى الأنشطة الأساسية المتعلقة بالإنسان ، كالقيام بأعمال الحب ، على سبيل المثال . لا أحد يتوقع أن ينتظر معرفة الحب لكي يحب ، وإلا فإن الجنس البشري سيفنى بسرعة كبيرة . يجب علينا أن نبدأ في القيام بذلك من دون تعلم ، وتحديدا لكي نتعلم كيف نقوم به . في كل تعلم ، توجد هناك خطوة يجب تجاوزها ، قفزة نحو المجهول . كما أوضح ذلك فلاديمير جانكلفتش  " عند البدء ، بكل بساطة لا بد من البداية . إننا لا نتعلم البداية . في البداية ، يجب فقط التوفر على الشجاعة  ". و هذه الشجاعة، يجب علينا أن نسأل أنفسنا عن كيفية الحصول عليها ، و كيف ، أيضا ، يمكننا أن نستخدمها في التعليم .



دروس العصامي

للاستماع عن حديث التعلم ، أعتقد أحيانا أننا لا ننتهي من معاودة اختراع أفلاطون . وهكذا ، سقراط ، الذي جعل الحقيقة تظهرعند الآخر، لا يدعي أن يكون صاحب هذا التحول ؛ ويوضح أنه كان مُولِّدا accoucheur ، أبدا منجبا .  و في الأساس ، هذا التقليد الأفلاطوني ، الذي يضع الفرد أمام ذاته ، الذي يجعل من المربي شخصا مصاحبا ، الذي يساعد في إبراز الأشياء ، مازال يعد اليوم  تقليدا جد خصب للغاية .

أريد لإثبات نجاح صيغة مشروع ديوي التي تنص على أن " أي درس يجب أن يكون جوابا. "  إنه مبدأ كل "الطرق الفعالة " و " التربية الجديدة " ، و ما يسمى بـ التناوب ، و ما يتطور تحت اسم اليد في العجين . وهذا ما صرح به  بياجيه ، مؤكدا : " كل متعلم هو بان .constructeur  " .

المفارقة هي أن جميع هؤلاء الكتاب الذين يثمنون العصامية أو التعليم الذاتي ، لا يكفون على مواصلة "إعطاءنا دروس" .  وهذه خاصية ثابتة و مسلية إلى حد ما للبيداغوجية عوض الاستمرار في الدروس لشرح أنه لا يجب القيام بأي شيء . و مع ذلك ، يجب سماع درس مينون أفلاطون : لا بد لنا من أن " ندرس" (من المستحيل الهروب : لن ينجح التلميذ من دوننا) و لكننا أيضا نظل في " التبعية " للحظة ذاتها التي نقوم فيها بالتلقين ، لمسؤولية التعلم ... حتى يتمكن الآخر استثمار هذا التعلم ويصبح ذات واعية في العملية التعلمية .  في نفس اللحظة التي أفعل كل شيء (وأعتقد أنني فعلت كل شيء )، أقبل بأن لا أتعاظم فيما قمت به . على الرغم من أنني قد نظمت كل شيء و حتى لو أن حدثا ما قد وقع بسبب تدخلي ، علي ان أقبل بأنني لا أساوي أي شيء في هذا كله !

"لا للمطالبة إطلاقا بالأبوة كسببية "، كما يفسر إيمانويل ليفيناس . الشك ، عندما نربي و عندما ندرس ، والشعور بأن شيئا ما يحدث هو من طبيعة المعجزة ، يعطي للأبوة وللتدريس، هذه الهشاشة التي تجعلهما محتملين : إننا لسنا في سجل التلقين الميكانيكي ، ولكن في سجل البناء الهش للإنسان .

يجب علينا أن نأخذ على محمل الجد دروس العصاميين : إنها تحيلنا إلى فكرة أن ، بالفعل ، دائما الآخر هو الذي يتعلم . لا أستطيع أن أتعلم السباحة في مكان شخص آخر. يمكنني أن أساعده فقط بأن يتعلم السباحة بنفسه . وما  يصح بالنسبة للسباحة ، فهو يصح كذلك بالنسبة لمادة الرياضيات كما للجغرافيا والأدب .  ولا يجب أن انتظر من شخص ما معرفة السباحة ، أو القراءة أو التحدث ، لكي أسمح له بالسباحة ، بالقراءة أو بالكلام .



مفارقة المرامق

والسؤال الذي يعذب المربي باستمرار هو إعطاء الآخر المكان المناسب بالنسبة له لبناء معرفتة بنفسه . و لهذا، فالبيداغوجي مضطر للترميق bricolage . حسب معنى كلود ليفي ستروس في كتابه التفكير الهمجي ، المرامق ليس مهندسا ؛  ومع ذلك ، نشاطه بعيد عن السخرية و الازدراء .  الفرق بين المهندس والمرامق أو الباني ، هو أن الباني يعمل بأدوات و مواد تحمل إكراهات مسبقة : يراكم في قبو له عدد من الأشياء يلتقطها مع مرور الزمن . و في يوم السبت ، ينحدر إلى قبوه ؛ يعثر على عجلة قديمة ، و خشبة قديمة ، قطعة قديمة من المطاط و بهذا ، مواد  كانت موجودة قبل مشروعه ، يصنع  شيئا لم يكن يخطرعلى البال أنه سيكون على هذا المنوال . في حين ان المهندس، يصنع المواد لمشروعه : مشروعه لهو سابق و يخلق المواد لاحقا .

في هذا الصدد، إن نموذج المرامق او البارع هو نموذج لرجل أكثر ثقافة من نموذج المهندس، لأن المرامق يعمل انطلاقا من عناصر موجودة قبليا . فهو أقرب إلى رجل الثقافة في النطاق حيث أنه يحتاج إلى حشد ما هو موجود بالفعل لخلق شيء جديد.

بعض أمثلة سريعة من كبار المرامقين : عندما كان يجلب بيكاسو سرج و مقود دراجة وقام بتقديم لنا ثورعظيم ، فهو يرامق .  وهناك عدد من الكتاب الكبار أيضا في الأدب مرامقون . نظرت قليلا عن قرب في الآونة الأخيرة كيف بنيت بعض روايات جول فيرن ، وخاصة نص غير معروف ، أبو الهول من الجليد . وهذا هو في الواقع نوع من تتمة ، مشوهة على نطاق واسع ، لمغامرات الروائي آرثر غوردن بيم ، إدغار بوا . إننا نرى كيف يبدع جول فيرن و هو يعيد الاعمار و البناء . يأخذ العناصر الموجودة بالفعل ، ولكن يجمعها سوية ، و يربطها بالآخرين ، مستخدما سلسلة من عمليات التشويه التي تحرك نقطة الاستهراب ، ويعيد تنظيم البنية السردية . وهنا حيث يستخدم إدغار بوا السحر نموذجا تفسيريا ، فإن جول فيرن يجند العلوم .

مثل جول فيرن ، يعتبر « المعلم » مرامق بمعنى حيث ، بشكل دائم ، سوف يبحث عن قطعة من الرياضيات ، وقطعة من التاريخ ، وقليلا من الفرنسية ، و بعض الشيء من الدرس كان متواجدا هناك منذ أسبوعين ، شيء ما قد اكتشفه ، حدث عثر عليه في قراءاته ، أمر شاهده على شاشة التلفزيون أو في السينما .  ويربط كل ذلك بطريقة تكون ، في أغلب الاحيان ، غير متوقعة ، عشوائية ، منتجة شيئا جديدا و شخصيا بلا رجعة .

واحد من النماذج للمرامقين الأكثر إثارة للاهتمام ، هو ساعي البريد الفرس . رجل ، للوهلة الاولى ، هو عصامي بالكامل  الذي عثر على قطعة من الحجر في يوم واحد من أبريل سنة 1879 ، وقرر أن يبني قصرا رائعا . هذا القصر سيكون ، حسب النقش الموجود على المدخل ، "مشروع رجل واحد " .  لكن هذا القصر الرائع ليس في حد ذاته سوى كولاج متفردا تماما الذي لم يكن ممكنا حدوثه من دون الكثير من البطاقات البريدية التي تم جمعها بدقة من قبل الرجل البالغ في العمر .  في المحصلة ، ليس هذا سوى نماذج  لا نهايه  وغير متجانسة و مركبة : معابد هندوسية ، و قصور سويسرية ، و قلاع القرون الوسطى ، و مقابر مصرية و تماثيل  رومانية و مآذن  تركية .  كل هذا انتج  "مشروع رجل واحد."

تلميذ ، هذا لا يعني شيء آخر : مجموعة من التعلمات و التجارب ... و كل هذا ، في المجموع ، هو "مشروع رجل واحد"، بمعنى رجل ليس " في حالة عزلة "، ولكن رجل هو حقا الوحيد فقط من نوعه الذي يحمل هذه الهيئة و التمظهر للمعارف ، بطريقة محددة و خاصة جدا .



متطلبات البنوة

ولكن المرامق ، بالضبط لأنه يعمل على " ما يوجد هنا ـ فعلا " لا يمكن أن يتواجد من دون بنوة . إن مسألة البنوة أو النسب أمر ضروري لأنه يتعلق بالتقيد في الثقافة وفي التاريخ . مفارقة التعليم ، تكمن في أنه يتوجب علينا في الآن نفسه أن نساعد كل فرد على التكوين وأن يكون لديه ، كما قال Pestalozzi ، "مشروعا لنفسه " ... ولكن لا يستطيع الفرد أن ينتهج مشروعا للعمل بنفسه إلا إذا كان منخرطا في التاريخ الجماعي حيث يستمد من خلاله مواد  تاريخه الشخصي الفريد . ولهذا السبب يلزمنا أن " نقدم " العالم للطفل، و تنظيم هذا العالم تحت عينيه حتى يتمكن من فهمه و الحصول على المعارف . على هذا النحو، علينا أن نضطلع بالمثال الموسوعاتي للقرن الثامن عشر .

لقد قيل الكثيرعلى الموسوعاتية بصفة كاريكاتورية : كان ينظر إليها على أنها نوع من التدجين dressage ، بل من التخمة ، عامة . المثل الموسوعاتي ، يعني شيء آخر . هو هذا الجهد من طرف رجال لكي يصير العالم الذي سبقهم يبدو لمن أتوا من بعدهم مخالفا لما هو فوضى . هو نوع من التنظيم ، هنا و في المكان للمعارف المبعثرة ، مجزأة ومتداخلة ، ترتيبات التي سوف يطلق عليها " المواد المدرسية "، "حقول المعرفة".  وماذا يعني  المتحف إن لم يكن هو هذا الجهد ؟ و ليس المتحف تقدما إلا لأنه يسمح للمعارف الفنية ، والممتلكات الثقافية لتكون في متناول الجميع ، و سهلة المنال ، لن تبقى في صالون أي أحد . هو فضاء تقديم الأبوة و النسب ،  لهذا التقيد الضروري في العالم : نقدم فيه أشياء بالكيفية التي تكون معروفة ، و مستوعبة ، و مفهومة من قبل أكبر عدد . هذا لا يعد شيء آخر ، في العمق، سوى مشروع كومينيوس المقترح في كتابه الديداكتيك الكبرى 1657 الذي لا يزال بشكل خاص يتمتع بحضورية .



التناقض في قلب العملية التعلمية

يجب علينا إذن تحمل المسؤولية إزاء تناقض جوهري : " لا نتعلم جيدا إلا إذا تعلمنا بأنفسنا  " ، كما يقول كارل روجرز ... ولكن لا نتعلم بأنفسنا إلا ما قد يأتي من الآخرين !  فعل التعلم هو، في الواقع، القدرة على الحفاظ على هذين المطلبين . لأن التعلم ، و لا واحد يمكن القيام به في مكاننا  ... والتعلم من الآخرين هو ضروري لأننا لا نستطيع إعادة صنع العالم من جديد كل واحد بدوره : ما يميزنا نحن  كبشر، هو هذه العلاقة مع الميراث .

هذا التناقض ، الذي يوجد في قلب العملية التعلمية ، غالبا ما يضع البيداغوجيون في وضعية  صعبة : إذن ، في محاولة كاريكاتورية . يقول البعض : " يجب علينا أن نتعلم كل شيء و ليسقط التلقين ! " وبالنسبة للآخرين : " يجب التلقين ؛ لا نستمع لأولئك الذين يقولون لنا أن الشخص ينبغي له أن يبني معارفه. ! فلندرس ! فلندرس ! "

البيداغوجي هو من يبحث عن طريق المرور الممكن لكي ، في نفس الوقت ، يتعلم بنفسه ويتعلم من الآخرين ، لكي يتعلم بنفسه من الآخرين . واحد من هذه الطرق الممكنة هي طريقة  روسو : إنها " الحيلة " او الخدعة التي يعرفها البيداغوجي  و يستكشفها باستمرار . " المعلم الصغير، يقول روسو، سألقنك وعظا من الفن الصعب هو أن تحكم بدون مبادئ وتفعل كل شيء دونما فعل أي شيء (...) لا يجب على تلميذك أن يفعل إلا ما يريد .  ولكن لا يبغي له ان يريد إلا ما تريد أن تفعله أنت . لا ينبغي له أن يتخذ خطوة بدون علمك  . لا ينبغي له أن يفتح فمه بدون معرفة ما سوف يقوله فيما بعد "  . في درس الفلك الشهير لـ اميل ، يفقد المعلم الطفل في الغابة في المساء ويجعله يشق طريقه ، بينما هو في ذهول رهيب ، وذلك بفضل النجوم ؛ نجد هناك المصفوفة الأساسية لجميع حالات التعلم التي تم بناؤها منذ  : " الوضعية مشكلة " ، وبيداغوجيا المشروع ، و بيداغوجية التناوب  ... كل ما يمكننا ان نتصوره هو لا شيء سوى درس الفلك لـ روسو مصاغ بألف طريقة . نقرر انطلاقا من وضعية ثم ، من خلال هذه الوضعية المبنية بشكل محكم و دقيق ، نعمل بالشكل الذي يمارس فيه الطفل  ذكاءه بحرية ... ليكتشف بنفسه المعارف ، ومع ذلك ، لقد تقرر لدينا أنه يجب أن يكتشف و أنه لا يقدر على أن يعرف أنه مطالب باكتشافها ، لأن المربي هو الوحيد الذي يعرف ما يتوجب على المتعلم معرفته ! فإذا كان هذا الاخير يعرف ذلك ، فهذا معناه أنه بالفعل سيكون قد تربى !

ومن الواضح أن هنا ، كما هو الحال في أي بيداغوجية ، خط  المرور بين التلاعب والاستسلام هو خط ضيق . التلاعب manipulation  هو الاجبار والاستسلام abdication هو افعل ما تريد . التلاعب هو الارادة المطلقة بأن التعلم سيتم بكافة الطرق و الوسائل ، حتى لو أدى ذلك بوصل الأقطاب ، كما تنبئ به الرسومات الكاريكاتورية في الخيال العلمي الفظيعة. الاستسلام ، هو على العكس : " بعد كل شيء ، الآخر هو من يتعلم وحده . لا يمكنني التعلم  في مكانه. دعونا نتركه يعمل . فليتحمل مسؤولياته ! "

هذا هو السبب الذي يجعل البيداغوجية قضية صعبة : تكون قادرا على عدم الفرض و الاجبار مع التقديم و الاقتراح ، وتنظيم وضعيات  مع إبراز و إنماء الحرية ، و خلق الظروف المساعدة ، دونما ، التموقع في مكان الآخر لكي يتعلم ، لأنه ، كما قال لاكان بحق : " لو أنني وضعت نفسي في مكان الآخر، فالآخر، أين سيكون؟ "



محاولة إغراء رجل الدين

لذا يجب علينا أن نقبل بـ "خفة التعلم التي لا تطاق"، أن نقبل بأن التدريس ، و التكوين ، لا ينخرطان في رغبة التحكم في البعض . التكوين ، كما يوضح ذلك فرانسيس إمبير في المهمة المستحيلة للبيداغوجي ، يندرج في قانون الممارسة العملية praxis  و ليس في البراعة السياسية poiesis، في تناول للفئات الأرسطية .  البراعة السياسية Poiesis ، هو ما يحدث عندما يصنع الحرفي  وعاء : تحت شكله النهائي ، في مرحلة ما قبل الوجود ، على الأقل جزئيا ، لفعل صنع هذا الوعاء . أما الممارسة العملية او التطبيق العملي هو عندما يكون وجود النتيجة لا يسبق الفعل الذي أوجده . والتربية هي من هذا الصنف من أجل التطبيق العملي . فنحن لا نعرف ماذا سوف أطفالنا يقررون بمصيرهم ؛ و هذا لا يعني مع ذلك أننا نتخلى عن تربيتهم و تثقيفهم . نحن لا نعرف ماذا سوف يستفيدون من الدرس ؛ الامر الذي لا يعني أننا نتخلى عن التدريس . نحن لا نعرف ماذا سوف يحصلون عند زيارتهم للمتحف ؛ و هذا ليس بالقدر الذي نبخل عن تنظيمه.

ولكن كل هذا من الصعب قبوله : إلى درجة أنه يوجد من لا يحب ، لا على الاطلاق، أننا « نصدر فتاوى في التعلم » . وهكذا نرى عودة متكررة ، منذ قرنين من الزمان ، لخطاب سيكون بمقتضاه كافيا لـ " الاعلان عن التلميذ " من أجل فرض التعلم . هذا مفهوم ديني للتربية . رجال الدين يبشرون بالمعرفة ، وبالثقافة والتعليم ويحصدون الحساسية بالنسبة لجميع أولئك الذين يمتازون بالانتباه و إلى ما هو في عداد البناء ، و بروز الذات ، و حرية التعلم . وبالتالي فهم يعيدوننا  إلى عالم كافكا ، بالمعنى الذي يحدده بشكل ملحوظ  ميلان كونديرا عندما يوضح أن العالم الكفكاوي هو عالم حيث فيه " يتم استبدال التسميات بالأشخاص " .  وفقا لكونديرا ، الملف ، عند كافكا ، يمثل ، كما هو الحال في الفكرة الأفلاطونية ، الواقع الحقيقي ، بينما وجود الرجل الملموس الشخصي ما هو إلا وهم . عند رجال الدين ، نجد نفس الشيء . التسمية أو الملف - التلميذ المجرد ، تم إقراره كتلميذ ، بغض النظر عن أي مرجعية او إشارة إلى تاريخ كل أحد  - كل هذا حل في محل الشخص . يوجد هناك إنكار للفرد الملموس ، في نهجه الفريد و المتفرد ، في مساره الأصلي، في الطريقة التي يتم فيه البناء مخريبين تراثه الخاص ...

لذلك فإن كل بيداغوجي يجب أن يقاوم - وأنا الأول - إغراء رجال الدين : إغراء تنصير الجموع ، والاعتقاد بأن الخطاب يسبب ، بأعجوبة ، التعلم  عند الآخر . جميعنا حاول في تصور أن كلمتنا تشغل تلقائيا التعلم ، و أن ختم الشمع على دماغ الآخر يبصم آثره الباقي دائما . سيكون ذلك أكثر بكثير عملا إجرائيا !

هذا هو ألبرت تييري ، في ظل الجمهورية الثالثة ، وهو مدرس غير عادي ، دريفوس، فوضوي، الذي وقع في خنادق فردان ، الذي يشرح في مذكرته الانسان ضحية الأطفال كيف بدأ يلقي دروسه  لتلقين المعارف الضرورية التي يتشبت بها كثيرا . وفي بعض الأحيان ، في أقسامه غير المتجانسة جدا ، قام  يتساءل : " ولكن أنا مع من أتكلم ؟ لستم أنتم مع من أتكلم . أمر لا وزن له لو استجوبتكم . و لا ابتسامة في العيون ، و لا إثارة في الكلام . أنا لا أخاطبك أنت ، يا مارسيل ، و لا أنت ، يا ليوبلد ، ولا ليون ، ولا هنري . أنا أتوجه إلى كائن مجرد ، كائن معقول أو مجنون ، إلى شبح خيالي خفي و عارف ، إلى القسم  باعتباره فردانية ، إلى الحشد ... " رجل الدين هو من يلقن الجماعة  و ينسى ان لديه أمامه ، أشخاص متفردين ، ساعاة بريد الفرس الذين يبنون كل واحد بمفرده  قصرا شخصيا ، يمتلكون معارف و يركبونها ، واضعين أمامهم مشروعا ، ممفصلين ما يتلقونه مع ما يريدون صنعه  .

هل نحن ربما ما زلنا نتواجد في مدرسة رجال الدين ؟ ولقد قيل لنا علينا أن ننتقل إلى "عصر المعلوماتية ". لست متأكدا تماما ، من جهتي ، بما أننا أدمجنا بشكل أفضل غوتنبرغ في التربية الوطنية . كم من الدروس الشفوية ليست سوى نسخا باهتة و ضعيفة في المراجع التي من الأفضل إعادتها مباشرة إلى التلاميذ ؟ كيف يمكن أن يكون قدرا كبيرا من المعلومات التي يمكن تلقينها عبر الكتابة ، بطريقة أكثر فردانية ، أكثر تخصيصا، تستمر في أن تكون موضوعا للخطابة الجماعية و التي ، في بعض الاحيان ، لا تفعل سوى إثارة العنف من طرف اولئك الذين يرفضون .

مدرستنا ، ليست فقط  تظل مدرسة رجال الدين ، ولكنها لا تزال مدرسة رجال الدين الكاثوليك . بما أنني جديد   CEVENNES، وأتذكر من جهتي أنني قمت بزيارة ، عندما كنت طفلا ، بيوت البروتستانت وشهدت أماكن الاختباء حيث يضعون الكتاب المقدس . ليس لدى الكاثوليك الحق في قراءة الكتاب المقدس ؛ لم يكن لديهم الحق في الوصول مباشرة إلى النص . فقط رجل الدين هو من كان  يختار، يقرأ ويعلق على النص المقدس . وكل من كان يقرأ الكتاب المقدس بنفسه كان يعتبر زنديقا . نحن لا نزال ، بطريقة أو بأخرى، في إحدى الكنائس لرجال الدين الكاثوليك ، أي في مؤسسة حيث رجل الدين كان يختار النص ، و يقرأه ، و يفسره و يقدم ترجمته في إحالة نادرة للوثيقة الأصلية .  كيف يمكن أن يكون هناك و لا يزال  فصولا حيث جميع التلاميذ يمتلكون نفس المرجع في نفس مادة التخصص؟ في حين أنه سيكون أكثر إهتماما و أكثر فعالية لو اشترينا عشرين كتابا الموجودة في السوق و نعلم التلاميذ المقارنة فيما بينها.

ما يعزز صعوباتنا اليوم ، هو أن رجال الدين الغاضبين ، الذين يضربون الأرض بأرجلهم باستمرار لأن التلاميذ يقاومون كلامهم ، لا يقومون إلا بتفاقم عنف " الهمجية ". الهمج هم أولئك الذين لا يستطيعون ، الذين لم يعد بمقدورهم سماع كلمة من رجال الدين ، الكلمة السحرية من أولئك الذين بيدهم الحق والذين يريدون فرضه  بدون المرور عبر مسار الذي يتعلم . صراع الثقافات الذي نشهده اليوم - في عدد من الضواحي ولكن أيضا في مراكز مدننا -  يرتبط ارتباطا مباشرا بالنموذج الديني للمعلم وللمعرفة .



سلام الشجعان

يجب أن نصل أخيرا إلى السؤال الجوهري : ماذا يوجد في قلب التعلم عندما يكون الامر "على أحسن حال" ؟ ربما يمكننا رسم فرضية : يكون التعلم  في أحسن حال عندما " نعلن السلام " . إعلان السلام ، ليس معناه هو التخلي عن القيم الأخرى في نوع من النسبية حيث كل شيء يتساوى ، ولكن النظر إلى هذا السلام ، على غرار إيمانويل ليفيناس ، كقيمة  القيم .  وإذا كنت عنونت هذا الفصل الأخير، على طريقة الفكاهية ، "سلام الشجعان"، و ذلك لأبين أنه ليس "سلام الضعفاء" ، سلام التنازل و التخلي ، أو السلام الذي سيؤدي الى "هزيمة الفكر". وإنما هو سلام  فرسان المائدة المستديرة ، سلام أؤلئك الذين يقبلون وضع الرماح  جانبا للحوار و " بناء المجتمع " .

ولكن لا سلام ولا تعلم ممكنين إلا إذا قدمنا أشياء للبناء المشترك . كم عدد الأطفال اليوم ، و الراشدون ، الذين يحتاجون لاعادة البناء المستمر لمصفوفة التواصل ، يعني علاقة الحامل و المحمول sujet ـ prédicat ؟ عماذا أتكلم وماذا أعنيه بكلامي ؟ أتكلم عن " الأرض "، وأعني بكلامي " أنها تدور حول الشمس " . فإذا كنت لا أعرف ما أقصد بكلامي، فإننا لا نستطيع مناقشة حول ما نتحدث عنه . إذا لم يكن هناك أي موضوع مشترك الذي نقترحه خارجا عن ذواتنا ، فإننا لا نستطيع إقامة التواصل فيما بيننا البعض و الآخر . للمشاركة في الحوار الذي من شأنه أن يبعدنا من صراع الإرادات وقانون الأقوى ، لا بد لنا من أن نصوغ موجودات الأشياء و ان نستطيع الاحالة إليها قصد الاستشارة و التحكيم ، بشكل او بآخر ، في الآراء والأفكار ووجهات النظر والحجج ...  في المتحف ، و في تجارب " البيداغوجية النشطة " ، وفي دراسة النصوص الأدبية أو التاريخية ، و في قراءة الخريطة ، و تنظيم تجربة علمية ، اذا كنا لا نريد التسرع على بعضنا البعض في فوضى عارمة تمنع  كل تواصل و اتصال ، من اللازم أن نقوم  ببذل هذا الجهد الذي يسمح بأن يكون الشيء أو الموضوع حكما بيننا : الشيء او الموضوع يجب أن ينبثق من دواخلنا ، و يبنى من طرفنا ، وفي الوقت نفسه ، يسمح لنا بالتعبير عنه . هذا و ذاك يكتسبان معا في نفس الحركة .

إن مشكلة التعلم ، لكثير من التلاميذ " المتعثرين " اليوم ، تتجلى في كونهم لا يتوفرن على أشياء و موضوعات بمثابة مرجعية مشتركة ؛ فهم يسبحون دائما في خيال شخصي شرس . الكائن الموجود في المتحف ، في الفصل الدراسي ، في المكتبة ، الموضوع العلمي ، والموضوع  الفني ، و الموضوع الثقافي ، إنه الموضوع هو الذي يفصل بين الذوات والذي يتيح لها التحدث فيما بينها . لكن الذوات اليوم لم تكن أبدا جد قوية ، و جد متعالية أيضا، بل مدعوة للتعبير من دون حدود ، في حين أن المواضيع ، لديها ميل لتختفي من المواقف التربوية . يوجد هنا مشروع حقيقي مفتوح أمامنا : إحداث حقيقي لـ "بيداغوجية الموضوعات " قادرة على تأسيس "بيداغوجية العالم المشترك" .



استنتاج

ويبقى ، بالطبع ، أن جميع الأشياء و الموضوعات ليست متساوية بنفس القدر. هناك الموضوعات التي تجمع الرجال ، و أخرى تنشر الحقد و الكراهية و تنتج الانقسام . هناك موضوعات يتم من خلالها التعرف معا ، اكتشاف القضايا و الأسئلة الأساسية من طرف الاولاد والبنات. جميع الأشياء و الموضوعات من كل نوع : موضوعات المدينة ، والفصل الدراسي ، والمكتبة و المختبر، وأوراش العمل ، و المتحف ... الأشياء و والموضوعات التي تتحدى ذكاء الانسان و ترسم الخطوط العريضة لعالم ممكن .

عماذا نبحث عنه ، في الأخير ، إن لم يكن رسم بعض العوالم ، وربما عن عالم ، ولكن عالم كوني مطبوع بالتواضع و بالحياء ؟ العالم الكوني الذي يعرف كيف يقطع مع تعنت و قسوة رجال الدين ، في اعتماد او لا مع المستعمرين و هرواتهم . العالمي الكوني الذي يعرف كيف يبتعد ، أيضا ، عن قانون السوق للثقافة المعولمة . العالم الكوني الذي يعرف كيف ينأى بنفسه عن جماعات الضغط  الإعلامية ، بما في ذلك أولئك الذين ينددون بالسوق لكي يبيعوا فيه هيمنتهم الخاصة بهم . عالم كوني غير متعجرف ، لا يفرض على أي احد لكن يقدم بغية الانخراط  العقلاني فيه للانسان . العالم الكوني الذي يعرف عن وعي مدرجا ، على حد تعبير فلاديمير جانكلفتش، " في مكان غير مكتمل ".








الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى