بيداغوجية الادماج : خدعـة كبـرى . أستاذ مبرز
بقلم : Mustapha LAABOU
« عندما نجهل حقيقة أمر ما ، من الطبيعي أن يوجد هناك خطأ ما مشترك بين الناس يلتفون حوله ليثبت عقولهم (...) ؛ لأن المرض الرئيسي للانسان هو الفضول المقلق اتجاه الأمور التي لا يقدرعلى معرفتها ؛ و ليس من العيب أن يسقط في الخطأ ، بدل المكوث في هذا الفضول من غير جدوى » باسكال ، الأفكار .
حددت بيداغوجية الادماج من طرف رئيسها – بل مؤسسها الأوحد ، كسافيي روجيرس Xavier Roegiers ، كـ « الموبلة المزدوجة لمختلف المكتسبات المدرسية في وضعية دالة من قبل التلميذ . (..) ادماج المكتسبات ، أو إدماج وضعياتي »1 تقدم هذه المقاربة نفسها كبيداغوجية تهتم بأجراة المقاربة بالكفايات (APC ) ؛ و ذلك بالبحث عن إجراءات و قواعد تمكن للمدرس من ممارسة تعليم و للمتعلم من تنفيذ تعلم . من المؤكد ان البيداغوجية تقوم بالمراوحة الدائمة و المستمرة بين النظرية و التطبيق ، غير أن التطبيق له قيمة كبيرة مقارنة مع التنظير .
لكن لو قارنا هذا التعريف للادماج مع تعريف الكفاية ، فإننا سنلاحظ دون عناء أنه لا وجود بتاتا لأي فرق بين التعريفين : الكفاية هي : « الاستعداد لموبلة موارد متعددة ( معارف ، درايات و مواقف ) لتحقيق بعض عدد من المهام بداخل فئة من الوضعيات ، أي مجموعة من الوضعيات المتجاورة بعضها البعض »2 في كلمات واضحة ، و بدون مراوغة ، لم تحمل بيداغوجية الادماج أي شيء جديد بالنسبة للمقاربة بالكفايات ، تلك المقاربة التي تم تبنيها ، منذ عدة سنوات من طرف وزير التربية الوطنية ، قبل اللجوء إلى استدعاء كسافيي روجيرس .
يبدو لنا ، بكل تواضع ، أن « بيداغوجية الادماح » هي « بيداغوجية » ملفقة ، تم اختراعها من جميع القطع ، و اللعب بالكلمات النافذة تقوم بمهمة إقناع بعض العقول الساذجة أن الأمر لهو حقا و حقيقة بيداغوجية جديدة قادرة على حل مشاكل المدرسة ، باختصار ترياقا سحريا للتفكك و للتراجع المدرسي ، للانقطاع النظام التربوي مع واقعه السوسيو – ثقافي ، للتفاوتات الاجتماعية ، الخ .
للوهلة الأولى ، نشير ان صاحب هذه « بيداغوجية الادماج » يشتغل تقريبا بصورة حصرية في البلدان المتخلفة مثل لبنان ، النيجر ، بنين ، تونس ، بوركينا فاسو ، فيتنام ، الكاميرون و بالتأكيد المغرب . من حقنا ان نتساءل بكل مشروعية ، لماذا هذه البيداغوجية ذات الفضائل الخارقة لم تجد تطبيقا في الانظمة التربوية للبلدان المتقدمة . بالفعل ، إن مثل بلجيكا الفرنكوفونية ، و سويسرا ، و كندا ، وفرنسا ، حتى لا نذكر سوى هذه البلدان ، يبنون برامجهم الدراسية حول مفهوم الكفايات . فضلا عن ذلك ، في الادبيات البيداغوجية ، نادرا ما تتخذ مؤلفات كسافيي روجيرس كمراجع في مادة البيداغوجية .
هذه الحيطة و هذا الحذر يلوحان بوضوح تحت قلم البيداغوجي الكبير ، السيد دو فلايDevellay حتى لا نعطيه اسما الذي استعمل كلمات بلاغية حادة مشيرا في مقدمة كتاب روجيرس « وضعيات من أجل دمج المكتسبات المدرسية ». ولهذا فإن الكتاب المعني بالأمر لا يمثل سوى علامة استفهام : « المؤلف ، يكتب دوفلاي ، يتساءل »4 . و الحالة هذه ، أن من يتحدث عن المساءلة فهو يتحدث عن التربصات و التلمسات ، و مطاردة حقيقة لا تزال بعيدة المنال . و نسبة لهذا البيداغوجي الكبير ، فالكلمات المستعملة من طرف روجيرس ليست أفكارا اومفاهيم ، لكنها فقط « معجم جديد موحى من قبل كسافيي روجيرس »5 . لقد أتى البيداغوجي المتمرس في ختامه على ان تفكير روجيرس هو تفكير جد طموح ، الأمر الذي يعني أنه طوباوي : « الطموح هو جد كبير بقدر ما يحمل في أحشائه من جراء تفكير موسع كل البرامترات التي بمقدرورها قيادة التلميذ نحو معاودة استعمال ، ادماج ما اكتسبه في السابق » 6
كسافيي روجيرس نفسه يبدو انه يشعر بهذا التردد اللغوي و المفاهيمي الذي يمدنا و يخبرنا كثيرا عن التخمينات و الشكوك لهذه البيداغوجية . يقول في كتابه كأحد المنسقين ، « الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في حياة القسم الاعتيادية »7 : « تعتبر بيداغوجية الادماج في قلب OIF ليس كمقاربة مغلقة و جامدة – أي بمعنى نموذجا يمكن تطبيقه بشكل نمطي – لكن « كمقاربة » بالمعنى الاولي للكلمة ، إذن كـ « مدخـل » ، مفتوح لكل السياقات المتنوعة التي بداخلها تجد المقاربة مكانة و مستقرا لها . »8 هكذا إذا ، ليس المقصود أبدا ببيداغوجية ، محمولة من طرف جهاز مفاهيمي متناسق إذ تدافع عن مذاهب بيداغوجية و فلسفية معروفة و مفسرة من لدن الجميع ، لكنها فقط طريقة « بالمعنى الحرفي » للكلمة ، علما أن هذا المعنى ، حسب قاموس لوليتري Le Littré هو « الخطوة التي نبدأ بها عندما نريد الذهاب إلى مكان ما أو الخروج منه » .
الأفدح من ذلك ، يقدم الكاتب بيداغوجية الادماج حسب هذه التعابير : إنها « مقاربة تطورية ، في كل مرة يتم اختبارها في عدد من الدول المتزايدة ، تواصل بناءها من خلال اللقاءات ، و تقاسم التجارب ، و نجاحات و إخفاقات البعض و الآخر »9 . و الآن ، ندرك جيدا لماذا هذه « البيداغوجية » استدخلت في الأنظمة التربوية للبلدان السائرة في النمو ، و خاصة البلدان الافريقية منها : تلاميذ هذه البلدان المحرومة تمثل حقول تجارب للمقاربات البيداغوجية ذات الدرجة العالية من الخطورة ، و أن مسؤولي البلدان المتقدمة تتابع هذه التجارب بحذر و شكوك . بالفعل ، يعترف كسافيي روجيرس تماما بمجرد ما تتكشف لديه احتمالات و مخاطر بيداغوجيته : « بعض الجوانب ( لبيداغوجية الادماج ) لا تزال تتطلب مزيدا من التطوير (..) فهي منفتحة على كل الدراسات – و خاصة على صعيد الانظمة التربوية – التي تعمل على إبراز نقط قوتها و الجوانب التي يمكن أن تحسنها و تطورها .»10 . هذا معناه بكل وضوح أن بيداغوجية الادماج ليس بيداغوجية ، لكنها بيداغوجية في طور التشكل ، في مرحلة التجريب منذ اكثر من عشرين سنة . و بلدان العالم الثالث هي التي تؤدي الثمن . كم من الاموال حصل عليها كسافيي روجيرس كأجر لتنقلاته المكوكية في المغرب ؟ يتكتم المسؤولون عن القضية ، لكن الأصداء تتحدث عن بعض المليارات . كانت تنتظر المدرسة المغربية و هي مرتبكة في ركودها المستمر حلا شاملا من هذه البيداغوجية ؛ لكنها تنتظر وهما . و خاصة أن الثمن مكلف جدا لبيداغوجية وهمية . إن كلمة الوهم ، التي نستعملها هنا ، ليست من قبيل المبالغة ؛ فهي كلمة توافق بدون مناقشة « بيداغوجية الادماج » . فعلا ، إن عناوين كتب كسافيي روجيرس موحية فيما يتعلق بغياب أو فقدان البوصلة : تارة يضع عبارة « بيداغوجية الادماج » في الأعلى و كلمة « كفايات » في الأسفل ؛ تارة أخرى ، يضع كلمة « كفايات في الأعلى » و عبارة « بيداغوجية الادماج في الأسفل » . التفسير المعقول لذلك هو أن صاحب هذه البيداغوجية لم يضف .(APC)جديدا للمقاربة بالكفايات
لا تقدم بيداغوجية الادماج جوابا للمسألة الصعبة المتعلقة بالاهداف ، حسب المعنى الذي تخصصه بيداغوجية الأهداف لها (PPO) . بالنسبة لروجيرس ، من الممكن الاستمرار في المساهمة و تفعيل مفهوم « الهدف الخاص » objectif specifique : « بدل الاشتغال بالوضعيات ، يمكننا أيضا أن نشتغل حول مكونات وعناصر الكفاية ، مثلا الأهداف الخاصة »11 . وافق « دليل بيداغوجية الادماج في المدرسة المغربية » على هذا النهج الأساسي و اعتمد على PPO و على APC . غير أن ، التوفيق بين المقاربتين يبدو حالة شاذة بالنسبة للباحثين . في هذا المعنى ، نقرأ في : « العمل المنظم بواسطة الأهداف لبيداغوجية الاهداف (PPO) تختار مدخلا عن طريق المحتويات المادة التعلمية disciplinaires (..) في حين أن المقاربة في عين المكان située ، تلك التي تسمح حقا و حقيقة بإنماء الكفايات من قبل المتعلم ، تختار ، فيما يخصها ، مدخلا عن طريق الوضعيات des situations . هذه الوضعيات هي التي تجيز انبثاق كفايات فعلية من قبل المتعلمين . (..) تنظيم المحتويات عبر الأهداف لا يحمل ، فوق هذا كله ، سوى جزء صغير من الموارد المفيدة لمعالجة جديرة و خبيرة لوضعية ما ، لكن لا شيء أكثر من هذا . » 12
أن تستمر في التدريس بروح PPO و تدمج بروح APC ، هذه رياضة ذهنية و فكرية في غاية من الصعوبة إن لم تكن مستحيلة في بعض الحالات . و لهذا السبب نلاحظ أن الأساتذة و التلاميذ ، بشتى أسلاكهم ، يتخبطون في حيرة و لا يستطيعون إدراك معنى هذه البيداغوجية الشهيرة للادماج التي تربكهم . من العبث أن تطلب من متعلم إدماج معارفه و مهاراته التي اكتسبها في مدة ستة أسابيع من التعلم ، في حين أنه لم يتعلم الادماج .
الادماج ، أو بعيدا عن اللعب بالكلمات ، المقاربة بالكفايات تستلزم العمل بالوضعيات ، ليس من أجل دمج الموارد فحسب ، لكن أيضا من اجل توطيد وغرس هذه الموارد . و هذه هي الصعوبة الرئيسية التي تواجهها APC : إن لدى الباحثين و لا يزال صعوبة في تصور البرامج و المقررات حسب مقتضيات هذه المقاربة . « لا تستجيب المعارف المعزولة و غير السياقية للقضايا التي تثيرها الاصلاحات المنهاجية في ارتباط مع استدخال لمفهوم الكفاية de compétence . تتطلب الكفاية ترتيب و تنظيم أنشطة المتعلم في وضعيات .»14 الاصلاح الحقيقي للنظام التربوي ، الذي يكمن في إعادة الهيكلة و صهر مرة ثانية للبرامج و المقررات المدرسية ، ما كان قد حدث أبدا . لدينا انطباع أن المسؤولين وضعوا العربة قبل العجول . لهذا السبب نجد عددا من الأساتذة ، و خاصة في الاعدادي ، ينتابهم القلق و الضجر : الموارد المستقرة عند المتعلمين لا تجد لها صلة مع الكفاية المراد تنميتها . و هذا ما أشار إليه دمومينكو ماسيوترا و ميدزو في كتابهما ( إنماء تصرف كفء ) : نحو برنامج مدرسي مدى الحياة : « غالبا ما يتم التصريح بالكفايات في البرامج الدراسية الجديدة بدون استبدال الرؤية فيما يتعلق بتطوير المناهج و الممارسات التربوية . كمثل هذه التعديلات لا تؤسس إذا أبدا التغييرات الأساسية و لا تمثل في الحقيقة إصلاحا . »15
للقيام بإصلاح حقيقي للنظام التربوي المغربي ، لا بد من إجراء تغيير عميق في الكوريكولوم و في المقررات ، و لا نكتفي بتغيير المفردات المستعملة : نضع في مكان « هدف » كلمة « كفاية » أو نندهش امام كلمات مغرية مثل « الادماج » الذي ما هو في الحقيقة إلا المقاربة بالكفايات مع قليل من اللبس و التمويه . « التغيير [ الحقيقي ] للبراديغم ينبني في الغالب الأعم على الانتقال من وضعة ايبستيمولوجية التي تفترض أن المعرفة هي قابلة للتلقين إلى الوضعة التي ، عكس ذلك ، تسلم بأن الطريقة الوحيدة لـ « كسب » المعارف هو بناؤها داخل و من خلال الفعل en action و في وضعية situation »16
تحتاج المدرسة المغربية لبيداغوجية فعالة التي أثبتت قيمتها و إمكاناتها في أماكن اخرى ، فإن لم توجد فبيداغوجية من فعل الباحثين المغاربة ، متلائمة مع واقع بلدنا ، و نطرح جانبا بيداغوجية مازالت في طور الولادة و التشكل و التي ربما لن تر النور في النفق ، بالنظر إلى ما يسمى بـ « بيداغوجية الادماج » . نضيع كثيرا من الوقت ، نبذل جهودا كثيرة ، نبدد أمولا طائلة لنكتشف أن « بيداغوجية الادماج » ليست سوى خدعـة بيداغوجية كبـرى .
أستاذ مبرز
Vendredi 3 Juin 2011
Mustapha LAABOU
المراجع:
1. كسافيي روجيرس ، بيداغوجية الادماج ، الكفايات و إدماج المكتسبات في التعليم ، الطبعة2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2004 ، ص.ص.22-23
2. إيريك دوكاليكس و بيرناديت موريس ، بناء التعلمات الاعتيادية ، الطبعة 3 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2009
3. كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007
4. كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007 ، ص 9
5. كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007 ، ص 10
6 . كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007 ، ص 9
7 . كسافيي روجيرس و أتباعه .. الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في الحياة اليومية داخل القسم ، الطبعة 1 ، دو بيوك ، بروكسيل
، 2010
8. كسافيي روجيرس و أتباعه .. الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في الحياة اليومية داخل القسم ، الطبعة 1 ، دو بيوك ، بروكسيل
، 2010 ، ص 13
9 كسافيي روجيرس و أتباعه .. الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في الحياة اليومية داخل القسم ، الطبعة 1 ، دو بيوك ، بروكسيل
، 2010 ، ص 14
10. مكرر
11. بيداغوجية الادماج ، op . cit
12. ص 11
بقلم : Mustapha LAABOU
« عندما نجهل حقيقة أمر ما ، من الطبيعي أن يوجد هناك خطأ ما مشترك بين الناس يلتفون حوله ليثبت عقولهم (...) ؛ لأن المرض الرئيسي للانسان هو الفضول المقلق اتجاه الأمور التي لا يقدرعلى معرفتها ؛ و ليس من العيب أن يسقط في الخطأ ، بدل المكوث في هذا الفضول من غير جدوى » باسكال ، الأفكار .
حددت بيداغوجية الادماج من طرف رئيسها – بل مؤسسها الأوحد ، كسافيي روجيرس Xavier Roegiers ، كـ « الموبلة المزدوجة لمختلف المكتسبات المدرسية في وضعية دالة من قبل التلميذ . (..) ادماج المكتسبات ، أو إدماج وضعياتي »1 تقدم هذه المقاربة نفسها كبيداغوجية تهتم بأجراة المقاربة بالكفايات (APC ) ؛ و ذلك بالبحث عن إجراءات و قواعد تمكن للمدرس من ممارسة تعليم و للمتعلم من تنفيذ تعلم . من المؤكد ان البيداغوجية تقوم بالمراوحة الدائمة و المستمرة بين النظرية و التطبيق ، غير أن التطبيق له قيمة كبيرة مقارنة مع التنظير .
لكن لو قارنا هذا التعريف للادماج مع تعريف الكفاية ، فإننا سنلاحظ دون عناء أنه لا وجود بتاتا لأي فرق بين التعريفين : الكفاية هي : « الاستعداد لموبلة موارد متعددة ( معارف ، درايات و مواقف ) لتحقيق بعض عدد من المهام بداخل فئة من الوضعيات ، أي مجموعة من الوضعيات المتجاورة بعضها البعض »2 في كلمات واضحة ، و بدون مراوغة ، لم تحمل بيداغوجية الادماج أي شيء جديد بالنسبة للمقاربة بالكفايات ، تلك المقاربة التي تم تبنيها ، منذ عدة سنوات من طرف وزير التربية الوطنية ، قبل اللجوء إلى استدعاء كسافيي روجيرس .
يبدو لنا ، بكل تواضع ، أن « بيداغوجية الادماح » هي « بيداغوجية » ملفقة ، تم اختراعها من جميع القطع ، و اللعب بالكلمات النافذة تقوم بمهمة إقناع بعض العقول الساذجة أن الأمر لهو حقا و حقيقة بيداغوجية جديدة قادرة على حل مشاكل المدرسة ، باختصار ترياقا سحريا للتفكك و للتراجع المدرسي ، للانقطاع النظام التربوي مع واقعه السوسيو – ثقافي ، للتفاوتات الاجتماعية ، الخ .
للوهلة الأولى ، نشير ان صاحب هذه « بيداغوجية الادماج » يشتغل تقريبا بصورة حصرية في البلدان المتخلفة مثل لبنان ، النيجر ، بنين ، تونس ، بوركينا فاسو ، فيتنام ، الكاميرون و بالتأكيد المغرب . من حقنا ان نتساءل بكل مشروعية ، لماذا هذه البيداغوجية ذات الفضائل الخارقة لم تجد تطبيقا في الانظمة التربوية للبلدان المتقدمة . بالفعل ، إن مثل بلجيكا الفرنكوفونية ، و سويسرا ، و كندا ، وفرنسا ، حتى لا نذكر سوى هذه البلدان ، يبنون برامجهم الدراسية حول مفهوم الكفايات . فضلا عن ذلك ، في الادبيات البيداغوجية ، نادرا ما تتخذ مؤلفات كسافيي روجيرس كمراجع في مادة البيداغوجية .
هذه الحيطة و هذا الحذر يلوحان بوضوح تحت قلم البيداغوجي الكبير ، السيد دو فلايDevellay حتى لا نعطيه اسما الذي استعمل كلمات بلاغية حادة مشيرا في مقدمة كتاب روجيرس « وضعيات من أجل دمج المكتسبات المدرسية ». ولهذا فإن الكتاب المعني بالأمر لا يمثل سوى علامة استفهام : « المؤلف ، يكتب دوفلاي ، يتساءل »4 . و الحالة هذه ، أن من يتحدث عن المساءلة فهو يتحدث عن التربصات و التلمسات ، و مطاردة حقيقة لا تزال بعيدة المنال . و نسبة لهذا البيداغوجي الكبير ، فالكلمات المستعملة من طرف روجيرس ليست أفكارا اومفاهيم ، لكنها فقط « معجم جديد موحى من قبل كسافيي روجيرس »5 . لقد أتى البيداغوجي المتمرس في ختامه على ان تفكير روجيرس هو تفكير جد طموح ، الأمر الذي يعني أنه طوباوي : « الطموح هو جد كبير بقدر ما يحمل في أحشائه من جراء تفكير موسع كل البرامترات التي بمقدرورها قيادة التلميذ نحو معاودة استعمال ، ادماج ما اكتسبه في السابق » 6
كسافيي روجيرس نفسه يبدو انه يشعر بهذا التردد اللغوي و المفاهيمي الذي يمدنا و يخبرنا كثيرا عن التخمينات و الشكوك لهذه البيداغوجية . يقول في كتابه كأحد المنسقين ، « الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في حياة القسم الاعتيادية »7 : « تعتبر بيداغوجية الادماج في قلب OIF ليس كمقاربة مغلقة و جامدة – أي بمعنى نموذجا يمكن تطبيقه بشكل نمطي – لكن « كمقاربة » بالمعنى الاولي للكلمة ، إذن كـ « مدخـل » ، مفتوح لكل السياقات المتنوعة التي بداخلها تجد المقاربة مكانة و مستقرا لها . »8 هكذا إذا ، ليس المقصود أبدا ببيداغوجية ، محمولة من طرف جهاز مفاهيمي متناسق إذ تدافع عن مذاهب بيداغوجية و فلسفية معروفة و مفسرة من لدن الجميع ، لكنها فقط طريقة « بالمعنى الحرفي » للكلمة ، علما أن هذا المعنى ، حسب قاموس لوليتري Le Littré هو « الخطوة التي نبدأ بها عندما نريد الذهاب إلى مكان ما أو الخروج منه » .
الأفدح من ذلك ، يقدم الكاتب بيداغوجية الادماج حسب هذه التعابير : إنها « مقاربة تطورية ، في كل مرة يتم اختبارها في عدد من الدول المتزايدة ، تواصل بناءها من خلال اللقاءات ، و تقاسم التجارب ، و نجاحات و إخفاقات البعض و الآخر »9 . و الآن ، ندرك جيدا لماذا هذه « البيداغوجية » استدخلت في الأنظمة التربوية للبلدان السائرة في النمو ، و خاصة البلدان الافريقية منها : تلاميذ هذه البلدان المحرومة تمثل حقول تجارب للمقاربات البيداغوجية ذات الدرجة العالية من الخطورة ، و أن مسؤولي البلدان المتقدمة تتابع هذه التجارب بحذر و شكوك . بالفعل ، يعترف كسافيي روجيرس تماما بمجرد ما تتكشف لديه احتمالات و مخاطر بيداغوجيته : « بعض الجوانب ( لبيداغوجية الادماج ) لا تزال تتطلب مزيدا من التطوير (..) فهي منفتحة على كل الدراسات – و خاصة على صعيد الانظمة التربوية – التي تعمل على إبراز نقط قوتها و الجوانب التي يمكن أن تحسنها و تطورها .»10 . هذا معناه بكل وضوح أن بيداغوجية الادماج ليس بيداغوجية ، لكنها بيداغوجية في طور التشكل ، في مرحلة التجريب منذ اكثر من عشرين سنة . و بلدان العالم الثالث هي التي تؤدي الثمن . كم من الاموال حصل عليها كسافيي روجيرس كأجر لتنقلاته المكوكية في المغرب ؟ يتكتم المسؤولون عن القضية ، لكن الأصداء تتحدث عن بعض المليارات . كانت تنتظر المدرسة المغربية و هي مرتبكة في ركودها المستمر حلا شاملا من هذه البيداغوجية ؛ لكنها تنتظر وهما . و خاصة أن الثمن مكلف جدا لبيداغوجية وهمية . إن كلمة الوهم ، التي نستعملها هنا ، ليست من قبيل المبالغة ؛ فهي كلمة توافق بدون مناقشة « بيداغوجية الادماج » . فعلا ، إن عناوين كتب كسافيي روجيرس موحية فيما يتعلق بغياب أو فقدان البوصلة : تارة يضع عبارة « بيداغوجية الادماج » في الأعلى و كلمة « كفايات » في الأسفل ؛ تارة أخرى ، يضع كلمة « كفايات في الأعلى » و عبارة « بيداغوجية الادماج في الأسفل » . التفسير المعقول لذلك هو أن صاحب هذه البيداغوجية لم يضف .(APC)جديدا للمقاربة بالكفايات
لا تقدم بيداغوجية الادماج جوابا للمسألة الصعبة المتعلقة بالاهداف ، حسب المعنى الذي تخصصه بيداغوجية الأهداف لها (PPO) . بالنسبة لروجيرس ، من الممكن الاستمرار في المساهمة و تفعيل مفهوم « الهدف الخاص » objectif specifique : « بدل الاشتغال بالوضعيات ، يمكننا أيضا أن نشتغل حول مكونات وعناصر الكفاية ، مثلا الأهداف الخاصة »11 . وافق « دليل بيداغوجية الادماج في المدرسة المغربية » على هذا النهج الأساسي و اعتمد على PPO و على APC . غير أن ، التوفيق بين المقاربتين يبدو حالة شاذة بالنسبة للباحثين . في هذا المعنى ، نقرأ في : « العمل المنظم بواسطة الأهداف لبيداغوجية الاهداف (PPO) تختار مدخلا عن طريق المحتويات المادة التعلمية disciplinaires (..) في حين أن المقاربة في عين المكان située ، تلك التي تسمح حقا و حقيقة بإنماء الكفايات من قبل المتعلم ، تختار ، فيما يخصها ، مدخلا عن طريق الوضعيات des situations . هذه الوضعيات هي التي تجيز انبثاق كفايات فعلية من قبل المتعلمين . (..) تنظيم المحتويات عبر الأهداف لا يحمل ، فوق هذا كله ، سوى جزء صغير من الموارد المفيدة لمعالجة جديرة و خبيرة لوضعية ما ، لكن لا شيء أكثر من هذا . » 12
أن تستمر في التدريس بروح PPO و تدمج بروح APC ، هذه رياضة ذهنية و فكرية في غاية من الصعوبة إن لم تكن مستحيلة في بعض الحالات . و لهذا السبب نلاحظ أن الأساتذة و التلاميذ ، بشتى أسلاكهم ، يتخبطون في حيرة و لا يستطيعون إدراك معنى هذه البيداغوجية الشهيرة للادماج التي تربكهم . من العبث أن تطلب من متعلم إدماج معارفه و مهاراته التي اكتسبها في مدة ستة أسابيع من التعلم ، في حين أنه لم يتعلم الادماج .
الادماج ، أو بعيدا عن اللعب بالكلمات ، المقاربة بالكفايات تستلزم العمل بالوضعيات ، ليس من أجل دمج الموارد فحسب ، لكن أيضا من اجل توطيد وغرس هذه الموارد . و هذه هي الصعوبة الرئيسية التي تواجهها APC : إن لدى الباحثين و لا يزال صعوبة في تصور البرامج و المقررات حسب مقتضيات هذه المقاربة . « لا تستجيب المعارف المعزولة و غير السياقية للقضايا التي تثيرها الاصلاحات المنهاجية في ارتباط مع استدخال لمفهوم الكفاية de compétence . تتطلب الكفاية ترتيب و تنظيم أنشطة المتعلم في وضعيات .»14 الاصلاح الحقيقي للنظام التربوي ، الذي يكمن في إعادة الهيكلة و صهر مرة ثانية للبرامج و المقررات المدرسية ، ما كان قد حدث أبدا . لدينا انطباع أن المسؤولين وضعوا العربة قبل العجول . لهذا السبب نجد عددا من الأساتذة ، و خاصة في الاعدادي ، ينتابهم القلق و الضجر : الموارد المستقرة عند المتعلمين لا تجد لها صلة مع الكفاية المراد تنميتها . و هذا ما أشار إليه دمومينكو ماسيوترا و ميدزو في كتابهما ( إنماء تصرف كفء ) : نحو برنامج مدرسي مدى الحياة : « غالبا ما يتم التصريح بالكفايات في البرامج الدراسية الجديدة بدون استبدال الرؤية فيما يتعلق بتطوير المناهج و الممارسات التربوية . كمثل هذه التعديلات لا تؤسس إذا أبدا التغييرات الأساسية و لا تمثل في الحقيقة إصلاحا . »15
للقيام بإصلاح حقيقي للنظام التربوي المغربي ، لا بد من إجراء تغيير عميق في الكوريكولوم و في المقررات ، و لا نكتفي بتغيير المفردات المستعملة : نضع في مكان « هدف » كلمة « كفاية » أو نندهش امام كلمات مغرية مثل « الادماج » الذي ما هو في الحقيقة إلا المقاربة بالكفايات مع قليل من اللبس و التمويه . « التغيير [ الحقيقي ] للبراديغم ينبني في الغالب الأعم على الانتقال من وضعة ايبستيمولوجية التي تفترض أن المعرفة هي قابلة للتلقين إلى الوضعة التي ، عكس ذلك ، تسلم بأن الطريقة الوحيدة لـ « كسب » المعارف هو بناؤها داخل و من خلال الفعل en action و في وضعية situation »16
تحتاج المدرسة المغربية لبيداغوجية فعالة التي أثبتت قيمتها و إمكاناتها في أماكن اخرى ، فإن لم توجد فبيداغوجية من فعل الباحثين المغاربة ، متلائمة مع واقع بلدنا ، و نطرح جانبا بيداغوجية مازالت في طور الولادة و التشكل و التي ربما لن تر النور في النفق ، بالنظر إلى ما يسمى بـ « بيداغوجية الادماج » . نضيع كثيرا من الوقت ، نبذل جهودا كثيرة ، نبدد أمولا طائلة لنكتشف أن « بيداغوجية الادماج » ليست سوى خدعـة بيداغوجية كبـرى .
أستاذ مبرز
Vendredi 3 Juin 2011
Mustapha LAABOU
المراجع:
1. كسافيي روجيرس ، بيداغوجية الادماج ، الكفايات و إدماج المكتسبات في التعليم ، الطبعة2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2004 ، ص.ص.22-23
2. إيريك دوكاليكس و بيرناديت موريس ، بناء التعلمات الاعتيادية ، الطبعة 3 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2009
3. كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007
4. كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007 ، ص 9
5. كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007 ، ص 10
6 . كسافيي روجيرس ، وضعيات لدمج المكتسبات المدرسية ، الطبعة 2 ، دو بيوك ، بروكسيل ، 2007 ، ص 9
7 . كسافيي روجيرس و أتباعه .. الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في الحياة اليومية داخل القسم ، الطبعة 1 ، دو بيوك ، بروكسيل
، 2010
8. كسافيي روجيرس و أتباعه .. الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في الحياة اليومية داخل القسم ، الطبعة 1 ، دو بيوك ، بروكسيل
، 2010 ، ص 13
9 كسافيي روجيرس و أتباعه .. الممارسات الصفية في APC : بيداغوجية الادماج في الحياة اليومية داخل القسم ، الطبعة 1 ، دو بيوك ، بروكسيل
، 2010 ، ص 14
10. مكرر
11. بيداغوجية الادماج ، op . cit
12. ص 11
عدل سابقا من قبل مبشور في 1/9/2011, 08:34 عدل 3 مرات (السبب : العنوان)