محاربة « الفشل المدرسي » : لماذا ؟ كيف ؟
فيليب ميريو
- الفشل المدرسي : أين هو المشكل ؟[/size]
[size=24]اجتماعيا ،لا يعتبر الفشل المدرسي مشكلة إلا بالنسبة لمجتمع يريد من جميع أطفاله الحصول ، بفضل مرحلة « التعليم الالزامي » ، على المعارف الضرورية لممارسة المواطنة . سياسيا ، إذن فالفشل المدرسي غير مستحمل في وجه مجتمع يريد أن يكون ديمقراطيا : لا يوجد مشروع ديمقراطي أصيل – ولو ، كـ « روية طوباوية مرجعية » حتى – بدون أن تكون هناك تربية ديمقراطية في الديمقراطية . بالفعل ، إن دمقرطة ولوج المعارف و التطوير الممنهج للقدرة على « التفكير الذاتي » بإمكانه ، وحده ، أن يبعث الأمل في جسم نظام ديمقراطي حتى لا يصاب بالغوغائية و يصير أوليغارشيا . اقتصاديا ، لا يعتبر الفشل المدرسي مشكلة إلا في النطاق حيث أننا نطلب بإلحاح من الاشخاص المعينين في مهام التنفيذ – الذين لا يتوفرون بالضرورة على التحكم العالي في المعارف - بأن لا يتم أقصاءهم مع ذلك من ذكاء الموجوادت و الأشياء ، رهانات مجتمعنا و عالمنا . لهذا السبب فإنه لا يوجد هنا البعد الاقتصادي للفشل المدرسي على وجه الحصر: إنما هذه قضية دائما تمس جانب الاخلاق éthique .
- الفشل المدرسي : ماذا تعني هذه العبارة بالضبط ؟
الاستعمال الاجتماعي للعبارة « الفشل المدرسي » هو موضوع للمناقشة . فعلا ، نشير من خلال هذا اللفظ إلى حقائق جد مختلفة . في أحد الأعمال التي قمت بها سابقا سنة 1985 و 1986 ، كنت قد ميزت بين « تلميذ في صعوبة difficulté» و « تلميذ في فشل échec » . مساعدتي ، إمانيويل ياني ، كانت قد تناولت هذا التمايز موضحة تماما منفعته . إن التلميذ الذي يعاني من « الصعوبة » ينهض ، في غالب الأحيان ، على إجراءات « المعالجة » remmédiation : يحتاج إلى مزيد من الوقت و إلى شروحات وافية ، أمثلة جديدة أو إلى تمرن أفضل .أما التلميذ « في الفشل » ، فهو في قطيعة مع المؤسسة ، مع العمل و المعارف المدرسية : فهو يطلب بديلا حقيقيا . إن موضوع التعرف عن وجوب هذا البديل ، هل هو ينهض على أساس « بيداغوجية عادية فارقية différenciée » ، تدخلات آنية و مختصة ، نوع من التحمل المختلف ، بل إحداث برناج تعليمي خاص ، فإن هذا الموضوع يعد عملا أساسيا لا بد من القيام به اليوم . من المهم فضلا عن ذلك أن تظل هذه القضية مفتوحة كسؤال : لا يوجد أقبح من أن تصبح تلك القضية « محسومة » نهائيا . في موضوع التربية ، كل تصنيفية typologie ، و خاصة عندما تقتضي إجراءات المعالجة المؤسساتية ، يجب دائما أن تخضع للمساءلة الدائمة كتصنيفية . هذا التساؤل المعاد هو ، رغم كل شيء ، يعد الضمانة للطابع التربوي للطريقة و النهج .. لكن هذا لا ينقص في شيء أننا نحيا اليوم في وضعية حيث أن عددا مهما من التلاميذ هم في« حالة شرود » عن المدرسة .
- الفشل المدرسي : لماذا لهذا الظهور القوي لهذا المشكل الآن ؟
لقد نجحنا ، خل و خمر ، منذ سنة 1959 و التمدرس الاجباري إلى حدود السادسة عشرة ، في دمقرطة ولوج المدرسة و ذلك تسهيلا لاستقطاب جميع الأطفال داخل نفس المدراس الابتدائية و الولوج لكل المراهقين في الاعدادي . لكن لم ننجح كثيرا في دمقرطة النجاح في المدرسة . بالطبع ، المستوى العام للتعليم قد ارتفع ، لكن ، غياب إحداث في عين المكان بيداغوجية فارقية حول الاهداف المشتركة و المصاحبة الفعالة الحقيقية للتلاميذ أصحاب وضعيات اجتماعية و شخصية صعبة جدا ، قد تركنا إنماء معدل مهم ( من % 15 إلى % 25 ، حسب الطريقة التي أنجزنا بها الحساب ) من المقصيين من الداخل . هؤلاء التلاميذ ليس لديهم أبدا « العذر » بكونهم قد أبعدوا مبكرا من النظام و يسهل من تم إسناد إليهم و إلى أسرهم المسؤولية الوحيدة لفشلهم . انطلاقا من كونهم ضحايا ، سيصبحون متهمين ، داخل تأرجح بلا مخرج – إديولوجي قوي دائما – الذي يبتعد عن المساءلة الجادة حول تعقيد الوضعيات .
- الفشل المدرسي : ما هي العوامل المسؤولة عن ذلك ؟
في الميدان التربوي ، كنا دائما نجد انفسنا أمام نفس الصعوبة الميتودولوجية : محاولة رصد العلاقات الارتباطية ذات المعامل الاحادي للتحديد الأفضل للمسؤليات و البحث عن سبل العمل l’action .. أو الدخول في التحليل الدقيق للوضعيات المتفردة التي لا تسمح لا ببناء خطاب مانوي manichéen إلى حد ما لكي يكون مجندا ، و لا وضع اليد بسهولة على الدوالب الصحيحة و الفعالة من اجل التدخل . لذلك ، فيما يخص الفشل المدرسي ، من الممكن عزل العوامل السوسيولوجية ، السيكولوجية ، بل الفيزيولوجية : هكذا نصل إلى تحديد ، إحصائيا ، عينات من « الخطر المهدد » التي حولها من الممكن تنفيذ بعض التدخلات المحددة بدقة . لكن ، بالرغم من طابعها المحلي المشترك العلموي scientiste ( مجندا ، من جهة « اليسار » ، من طرف السوسيولوجية المقدسة و ، من جهة « اليمين » ، عبر الايدولوجية الليبيرالية « للمنح » و العطاء ) ، يصطدم المنهاج دائما بالرفض و المعارضة – مشروعة – للاستثناءات : كيف أن « البعض بالرغم من ذلك يجد لنفسه حلا او مخرجا ؟ . و بالفعل ، إن المحاولة لتكاد تكون قوية جدا في خلط بين القابلية prédisposition و القدرية prédestination . التفكير البيداغوجي ، في قطيعة مع الخلط الممنهج بين العلاقات الارتباطية و العلاقات السببية ، يهتم ، فيما يعود إليه ، بكل دقة ، إلى الاستثناءات : لأن هنا حيث ، حينما نستنفد التوليفات ذات الآثار المتنوعة ، نستطيع – و يجب علينا – استدخال قضية الوضعيات القادرة على تجنيد الأفراد حول المعارف المدرسية .
- الفشل المدرسي : هل المدرسة محكومة عليها بالضعف ؟
مجمل الاعمال التي نتوفر عليها ، تلك المهتمة بـ « مفعول – الأستاذ » لـ IREDU ، تلك الخاصة بالعلاقة إزاء المعارف للفريق ESCOL ، تلك التي تخص تنوع المنهجيات لـ مارك بري و فريقه ، كما أيضا تلك التي تدور حول مفاعيل البنينة للمجموعات لـ باريس – نانتير أو تلك التي قمنا بها في ليون حول البيداغوجية الفارقية و ، حديثا ، حول آثار القرارات البيداغوجية و الديداكتيكية داخل المماراسات الصفية .. الكل يتجه حول الواقعة أنه يوجد حقا فعالية خاصة لما يحدث في المدرسة . بالنسبة للبيداغوجي ، لا يمكن لهذه الفعالية أن تكون مادة تفكير بتعابير السببية causalité : بما ان الفرد وحده هو الذي يتعلم و أن هذا الانخراط يلزم تجنيده ( لا يجب خلطه ، بكل تأكيد ، مع الحافزية الموجودة قبلا ) ، ما يوجد في الامر ، هو بناء الوضعيات التي من شأنها موبلة الاشخاص و بفضلها يستطيعون امتلاك الموارد ، تشكيلها ، امتلاكها و تحويلها .
- الفشل المدرسي : هل السبب يكمن في « المنهجيات النشطة » ؟
إن قضية تقويم « المنهجيات النشطة » معقد . من جهة ، لأنه دائما من الصعب عزل متغير « منهجية » méthode نسبة إلى متغير « شخصية » المدرس و الآثار الديناميكية الجماعية التي تقام . من جهة أخرى ، يجب أن نعرف ماذا يعني تماما بـ « الطرائق النشطة actives : المهم ، هو النشاط الثقافي للتلميذ ، طريقته التي يقيم بها الترابطات الذهنية ، ينظم و يؤسس معارفه الجديدة . و الحالة هذه ، هذا النشاط هو ممكن طبعا سواء في الوضعيات المسماة بـ « المشروع » ، المساند من قبل تصميم مؤطر ، او في وضعيات الانصات ، و القراءة ، و التفكير . المشكل عند أي مدرس هو تماما جعل كل تلميذ ينشط على مستوى الذهن ، إذن البحث عن وضعيات ملائمة – مع التعلميات و الادوات اللازمة – حتى يتسنى له التعلم . إن طبيعة « موضوع العمل » ( أكثر أقل ملموسا ) مرتهن ، في الآن نفسه ، بمستوى تطور التلميذ و طبيعة الاهداف المنشودة . في الاخير ، يجب الاشارة أن « الطرائق النشطة » لم تحرم و لم تتجاهل أبدا أوقات التقديم الممنهجة ( من ضمنها الدروس الاستعراضية ) ، و لا تمارين التدرب و المران . هدفها هو المفصلة الدقيقة بين السعي نحو الغاية ( ما يجند التلاميذ حول الرهانات ) و الاتجاه نحو التقعيد ( ما يسمح ببنينة مكتسباتهم ) .
- الفشل المدرسي : من يستطيع محاربته ؟
في الوقت الذي نقبل ، في آن واحد ، ارتهان مختلف العوامل و ضرورة تجنيد التلميذ ذاته لتحقيق نجاحه الخاص ، فإن محاربة الفشل المدرسي يتطلب عمل العديد من الفاعلين ، مختلفين و مكملين بعضهم البعض و ، مع ذلك ، كلهم أجمعين مسؤولين إلى حد بعيد . من الصعب قبول هذه المتناقضة لأننا نشتغل أحيانا و ذلك بتغيير المسؤولية في اتجاه معكوس للمعنى : مدام الآباء سيكونون مسؤولين أكثر ، سيشعر الاساتذة بالمسؤولية أقل ، و العكس صحيح . مادامت البنيات المدرسية المواكبة للفعل سوف تتشكل و ترى النور ، هذا سيعفي هؤلاء و الآخرين .. غير أن ، المهم ، على وجه التحديد ، هو خلق مظاهر و أشكال اجتماعية و ثقافية حبلى ، في آن واحد ، بالموارد و اللقاءات و الحوارات البناءة . لهذا السبب من الممكن التصرف ضد الفشل المدرسي من خلال التكوين المعد للآباء : حتى يكون السلوك الاسري أكثر إثارة و توازنا . أيضا يمكننا التصرف ضد الفشل المدرسي ، بطبيعة الحال ، من خلال عمل بيداغوجيى و ديداكتيكي مكثف و قوي . يمكننا ، و أخيرا ، التصرف ضد الفشل المدرسي باشتغالنا حول بعد المدارس و المؤسسات ، حول السياق المؤسساتي . مادام لدينا الانشغال ، في كل مرة ، على خلق وضعيات ، في آن واحد ، تكون ملائمة و متشددة بالنسبة إليهم.
- الفشل المدرسي : ماذا بوسع التربية الشعبية و آليات التربية غير النظامية أن تفعل ؟
الأسرة هي المكان لبناء الأصل – الذي لا يمت بصلة بالاكتشاف البسيط لـ « البداية » - و التقييد في التاريخ الفردي . المدرسة هي المكان للولوج المنظم للغيرية و لتلقين المعارف و استمراريتها . هذان المكانان ، تقليديا هما في تنافس داخل تاريخنا التربوي ، لا يستطيعان إقامة تمفصل بينهما إلا بفضل وجود « مكان – ثالث » . المكان – الثالث يسمح بتجمع الأقران و بالأقران السابقين . فهو فضاء حيث يجرى فيه كلام مختلف في « الوسط » . إنه عبارة عن أداة منخل بين عالم الطفولة - حيث الطفل خاضع لهؤلاء الذين يعرفون « منفعته » - و عالم الكبار – حيث أننا نواجه مسؤولية اجتماعية غير قابلة للاختزال . اجتماعيا ، المكان – الثالث هو في الغالب مكان جمعوي associatif و يجيز التلاقي بين الاطفال و الشباب البالغين الذين يلعبون دور من يقود سفينة العبور . ثقافيا ، المكان – الثالث هو إطار التعديلات اللغوية و المفاهيمية : إعادة التركيب والصياغة و التوضيح يسهلان امتلاك معايير ثقافية جديدة . سيكولوجيا ، المكان – الثالث يسمح لأي كان و هو يبني ذاته بملاقاة أشخاص آخرين الذين هم ، في آن واحد ، « من نفس الجانب » للمعرفة و للحياة مثله وأنه كذلك أيضا يتواجد « في الجانب الآخر » . بطريقة ملموسة ، التربية الشعبية ، من خلال مبادراتها بشأن المصاحبة المدرسية ، يمكنها أن تلعب دورا أساسيا في محاربة الفشل المدرسي : بدون أن تحل في محل الآباء و المدرسة ، و بدون إعفائهم من العمل ، فإنها ستساهم في مساعدة الاطفال في إيجاد مخاطب مهم أثناء نموهم و لفائدة تعلماتهم .
- الفشل المدرسي : هل نآمل القضاء عليه و بأي ثمن ؟
القضاء على الفشل المدرسي هو غاية ملتصقة أشد الالتصاق بالمدرسة الاجبارية في ظل مجتمع يسعى و يريد أن يكون ديمقراطيا . لتحقيق هذا المبتغى يفترض تغييرا جذريا في العقلية لأن ، في المخيال الجماعي ، نجاح البعض لا يستمد قيمته إلا بفضل و عن طريق وجود فشل الآخرين : كل واحد يريد من أبنائه أن ينجحوا ، لكن شريطة أن الآخرين يصلون إلى النجاح بصعوبة تذكر .. من جانب آخر ، من الخداع الظن هكذا أن زوال الفشل المدرسي سيكون بتكلفة مستقرة : بالفعل ، في كل الميادين كلما اقتربنا من الانجاز في حده الأقصى ، فإن الطاقة المطلوبة تزداد أهمية ، و التكاليف ترتفع أكثر فأكثر . ليس اكثر صعوبة من ربح عشر الثانية التي تسمح بتحطيم الرقم القياسي العالمي في سباق 100 متر . ثم ، في المجال المدرسي ، محاربة الفشل المدرسي يقتضي إجراءات في غاية من الأهمية تنصب على ظروف الحياة ، مساعدة الأسر ، التمدرس ، البيداغوجية و الديداكتيك .. كما أيضا على مصاحبة الاطفال عبر نسيج اجتماعي تعبوي من أجل تجديد و إقامة صلات التضامن بين الاجيال المتداخلة . هذه التكلفة ، رغم كل شيء ، بإمكانها بلا شك أن تلوح ، على المدى البعيد ، رخيصة جدا مقارنة مع التكاليف الاجتماعية لهذا الفشل المدرسي .
Philippe Meirieu
[b]
فيليب ميريو
- الفشل المدرسي : أين هو المشكل ؟[/size]
[size=24]اجتماعيا ،لا يعتبر الفشل المدرسي مشكلة إلا بالنسبة لمجتمع يريد من جميع أطفاله الحصول ، بفضل مرحلة « التعليم الالزامي » ، على المعارف الضرورية لممارسة المواطنة . سياسيا ، إذن فالفشل المدرسي غير مستحمل في وجه مجتمع يريد أن يكون ديمقراطيا : لا يوجد مشروع ديمقراطي أصيل – ولو ، كـ « روية طوباوية مرجعية » حتى – بدون أن تكون هناك تربية ديمقراطية في الديمقراطية . بالفعل ، إن دمقرطة ولوج المعارف و التطوير الممنهج للقدرة على « التفكير الذاتي » بإمكانه ، وحده ، أن يبعث الأمل في جسم نظام ديمقراطي حتى لا يصاب بالغوغائية و يصير أوليغارشيا . اقتصاديا ، لا يعتبر الفشل المدرسي مشكلة إلا في النطاق حيث أننا نطلب بإلحاح من الاشخاص المعينين في مهام التنفيذ – الذين لا يتوفرون بالضرورة على التحكم العالي في المعارف - بأن لا يتم أقصاءهم مع ذلك من ذكاء الموجوادت و الأشياء ، رهانات مجتمعنا و عالمنا . لهذا السبب فإنه لا يوجد هنا البعد الاقتصادي للفشل المدرسي على وجه الحصر: إنما هذه قضية دائما تمس جانب الاخلاق éthique .
- الفشل المدرسي : ماذا تعني هذه العبارة بالضبط ؟
الاستعمال الاجتماعي للعبارة « الفشل المدرسي » هو موضوع للمناقشة . فعلا ، نشير من خلال هذا اللفظ إلى حقائق جد مختلفة . في أحد الأعمال التي قمت بها سابقا سنة 1985 و 1986 ، كنت قد ميزت بين « تلميذ في صعوبة difficulté» و « تلميذ في فشل échec » . مساعدتي ، إمانيويل ياني ، كانت قد تناولت هذا التمايز موضحة تماما منفعته . إن التلميذ الذي يعاني من « الصعوبة » ينهض ، في غالب الأحيان ، على إجراءات « المعالجة » remmédiation : يحتاج إلى مزيد من الوقت و إلى شروحات وافية ، أمثلة جديدة أو إلى تمرن أفضل .أما التلميذ « في الفشل » ، فهو في قطيعة مع المؤسسة ، مع العمل و المعارف المدرسية : فهو يطلب بديلا حقيقيا . إن موضوع التعرف عن وجوب هذا البديل ، هل هو ينهض على أساس « بيداغوجية عادية فارقية différenciée » ، تدخلات آنية و مختصة ، نوع من التحمل المختلف ، بل إحداث برناج تعليمي خاص ، فإن هذا الموضوع يعد عملا أساسيا لا بد من القيام به اليوم . من المهم فضلا عن ذلك أن تظل هذه القضية مفتوحة كسؤال : لا يوجد أقبح من أن تصبح تلك القضية « محسومة » نهائيا . في موضوع التربية ، كل تصنيفية typologie ، و خاصة عندما تقتضي إجراءات المعالجة المؤسساتية ، يجب دائما أن تخضع للمساءلة الدائمة كتصنيفية . هذا التساؤل المعاد هو ، رغم كل شيء ، يعد الضمانة للطابع التربوي للطريقة و النهج .. لكن هذا لا ينقص في شيء أننا نحيا اليوم في وضعية حيث أن عددا مهما من التلاميذ هم في« حالة شرود » عن المدرسة .
- الفشل المدرسي : لماذا لهذا الظهور القوي لهذا المشكل الآن ؟
لقد نجحنا ، خل و خمر ، منذ سنة 1959 و التمدرس الاجباري إلى حدود السادسة عشرة ، في دمقرطة ولوج المدرسة و ذلك تسهيلا لاستقطاب جميع الأطفال داخل نفس المدراس الابتدائية و الولوج لكل المراهقين في الاعدادي . لكن لم ننجح كثيرا في دمقرطة النجاح في المدرسة . بالطبع ، المستوى العام للتعليم قد ارتفع ، لكن ، غياب إحداث في عين المكان بيداغوجية فارقية حول الاهداف المشتركة و المصاحبة الفعالة الحقيقية للتلاميذ أصحاب وضعيات اجتماعية و شخصية صعبة جدا ، قد تركنا إنماء معدل مهم ( من % 15 إلى % 25 ، حسب الطريقة التي أنجزنا بها الحساب ) من المقصيين من الداخل . هؤلاء التلاميذ ليس لديهم أبدا « العذر » بكونهم قد أبعدوا مبكرا من النظام و يسهل من تم إسناد إليهم و إلى أسرهم المسؤولية الوحيدة لفشلهم . انطلاقا من كونهم ضحايا ، سيصبحون متهمين ، داخل تأرجح بلا مخرج – إديولوجي قوي دائما – الذي يبتعد عن المساءلة الجادة حول تعقيد الوضعيات .
- الفشل المدرسي : ما هي العوامل المسؤولة عن ذلك ؟
في الميدان التربوي ، كنا دائما نجد انفسنا أمام نفس الصعوبة الميتودولوجية : محاولة رصد العلاقات الارتباطية ذات المعامل الاحادي للتحديد الأفضل للمسؤليات و البحث عن سبل العمل l’action .. أو الدخول في التحليل الدقيق للوضعيات المتفردة التي لا تسمح لا ببناء خطاب مانوي manichéen إلى حد ما لكي يكون مجندا ، و لا وضع اليد بسهولة على الدوالب الصحيحة و الفعالة من اجل التدخل . لذلك ، فيما يخص الفشل المدرسي ، من الممكن عزل العوامل السوسيولوجية ، السيكولوجية ، بل الفيزيولوجية : هكذا نصل إلى تحديد ، إحصائيا ، عينات من « الخطر المهدد » التي حولها من الممكن تنفيذ بعض التدخلات المحددة بدقة . لكن ، بالرغم من طابعها المحلي المشترك العلموي scientiste ( مجندا ، من جهة « اليسار » ، من طرف السوسيولوجية المقدسة و ، من جهة « اليمين » ، عبر الايدولوجية الليبيرالية « للمنح » و العطاء ) ، يصطدم المنهاج دائما بالرفض و المعارضة – مشروعة – للاستثناءات : كيف أن « البعض بالرغم من ذلك يجد لنفسه حلا او مخرجا ؟ . و بالفعل ، إن المحاولة لتكاد تكون قوية جدا في خلط بين القابلية prédisposition و القدرية prédestination . التفكير البيداغوجي ، في قطيعة مع الخلط الممنهج بين العلاقات الارتباطية و العلاقات السببية ، يهتم ، فيما يعود إليه ، بكل دقة ، إلى الاستثناءات : لأن هنا حيث ، حينما نستنفد التوليفات ذات الآثار المتنوعة ، نستطيع – و يجب علينا – استدخال قضية الوضعيات القادرة على تجنيد الأفراد حول المعارف المدرسية .
- الفشل المدرسي : هل المدرسة محكومة عليها بالضعف ؟
مجمل الاعمال التي نتوفر عليها ، تلك المهتمة بـ « مفعول – الأستاذ » لـ IREDU ، تلك الخاصة بالعلاقة إزاء المعارف للفريق ESCOL ، تلك التي تخص تنوع المنهجيات لـ مارك بري و فريقه ، كما أيضا تلك التي تدور حول مفاعيل البنينة للمجموعات لـ باريس – نانتير أو تلك التي قمنا بها في ليون حول البيداغوجية الفارقية و ، حديثا ، حول آثار القرارات البيداغوجية و الديداكتيكية داخل المماراسات الصفية .. الكل يتجه حول الواقعة أنه يوجد حقا فعالية خاصة لما يحدث في المدرسة . بالنسبة للبيداغوجي ، لا يمكن لهذه الفعالية أن تكون مادة تفكير بتعابير السببية causalité : بما ان الفرد وحده هو الذي يتعلم و أن هذا الانخراط يلزم تجنيده ( لا يجب خلطه ، بكل تأكيد ، مع الحافزية الموجودة قبلا ) ، ما يوجد في الامر ، هو بناء الوضعيات التي من شأنها موبلة الاشخاص و بفضلها يستطيعون امتلاك الموارد ، تشكيلها ، امتلاكها و تحويلها .
- الفشل المدرسي : هل السبب يكمن في « المنهجيات النشطة » ؟
إن قضية تقويم « المنهجيات النشطة » معقد . من جهة ، لأنه دائما من الصعب عزل متغير « منهجية » méthode نسبة إلى متغير « شخصية » المدرس و الآثار الديناميكية الجماعية التي تقام . من جهة أخرى ، يجب أن نعرف ماذا يعني تماما بـ « الطرائق النشطة actives : المهم ، هو النشاط الثقافي للتلميذ ، طريقته التي يقيم بها الترابطات الذهنية ، ينظم و يؤسس معارفه الجديدة . و الحالة هذه ، هذا النشاط هو ممكن طبعا سواء في الوضعيات المسماة بـ « المشروع » ، المساند من قبل تصميم مؤطر ، او في وضعيات الانصات ، و القراءة ، و التفكير . المشكل عند أي مدرس هو تماما جعل كل تلميذ ينشط على مستوى الذهن ، إذن البحث عن وضعيات ملائمة – مع التعلميات و الادوات اللازمة – حتى يتسنى له التعلم . إن طبيعة « موضوع العمل » ( أكثر أقل ملموسا ) مرتهن ، في الآن نفسه ، بمستوى تطور التلميذ و طبيعة الاهداف المنشودة . في الاخير ، يجب الاشارة أن « الطرائق النشطة » لم تحرم و لم تتجاهل أبدا أوقات التقديم الممنهجة ( من ضمنها الدروس الاستعراضية ) ، و لا تمارين التدرب و المران . هدفها هو المفصلة الدقيقة بين السعي نحو الغاية ( ما يجند التلاميذ حول الرهانات ) و الاتجاه نحو التقعيد ( ما يسمح ببنينة مكتسباتهم ) .
- الفشل المدرسي : من يستطيع محاربته ؟
في الوقت الذي نقبل ، في آن واحد ، ارتهان مختلف العوامل و ضرورة تجنيد التلميذ ذاته لتحقيق نجاحه الخاص ، فإن محاربة الفشل المدرسي يتطلب عمل العديد من الفاعلين ، مختلفين و مكملين بعضهم البعض و ، مع ذلك ، كلهم أجمعين مسؤولين إلى حد بعيد . من الصعب قبول هذه المتناقضة لأننا نشتغل أحيانا و ذلك بتغيير المسؤولية في اتجاه معكوس للمعنى : مدام الآباء سيكونون مسؤولين أكثر ، سيشعر الاساتذة بالمسؤولية أقل ، و العكس صحيح . مادامت البنيات المدرسية المواكبة للفعل سوف تتشكل و ترى النور ، هذا سيعفي هؤلاء و الآخرين .. غير أن ، المهم ، على وجه التحديد ، هو خلق مظاهر و أشكال اجتماعية و ثقافية حبلى ، في آن واحد ، بالموارد و اللقاءات و الحوارات البناءة . لهذا السبب من الممكن التصرف ضد الفشل المدرسي من خلال التكوين المعد للآباء : حتى يكون السلوك الاسري أكثر إثارة و توازنا . أيضا يمكننا التصرف ضد الفشل المدرسي ، بطبيعة الحال ، من خلال عمل بيداغوجيى و ديداكتيكي مكثف و قوي . يمكننا ، و أخيرا ، التصرف ضد الفشل المدرسي باشتغالنا حول بعد المدارس و المؤسسات ، حول السياق المؤسساتي . مادام لدينا الانشغال ، في كل مرة ، على خلق وضعيات ، في آن واحد ، تكون ملائمة و متشددة بالنسبة إليهم.
- الفشل المدرسي : ماذا بوسع التربية الشعبية و آليات التربية غير النظامية أن تفعل ؟
الأسرة هي المكان لبناء الأصل – الذي لا يمت بصلة بالاكتشاف البسيط لـ « البداية » - و التقييد في التاريخ الفردي . المدرسة هي المكان للولوج المنظم للغيرية و لتلقين المعارف و استمراريتها . هذان المكانان ، تقليديا هما في تنافس داخل تاريخنا التربوي ، لا يستطيعان إقامة تمفصل بينهما إلا بفضل وجود « مكان – ثالث » . المكان – الثالث يسمح بتجمع الأقران و بالأقران السابقين . فهو فضاء حيث يجرى فيه كلام مختلف في « الوسط » . إنه عبارة عن أداة منخل بين عالم الطفولة - حيث الطفل خاضع لهؤلاء الذين يعرفون « منفعته » - و عالم الكبار – حيث أننا نواجه مسؤولية اجتماعية غير قابلة للاختزال . اجتماعيا ، المكان – الثالث هو في الغالب مكان جمعوي associatif و يجيز التلاقي بين الاطفال و الشباب البالغين الذين يلعبون دور من يقود سفينة العبور . ثقافيا ، المكان – الثالث هو إطار التعديلات اللغوية و المفاهيمية : إعادة التركيب والصياغة و التوضيح يسهلان امتلاك معايير ثقافية جديدة . سيكولوجيا ، المكان – الثالث يسمح لأي كان و هو يبني ذاته بملاقاة أشخاص آخرين الذين هم ، في آن واحد ، « من نفس الجانب » للمعرفة و للحياة مثله وأنه كذلك أيضا يتواجد « في الجانب الآخر » . بطريقة ملموسة ، التربية الشعبية ، من خلال مبادراتها بشأن المصاحبة المدرسية ، يمكنها أن تلعب دورا أساسيا في محاربة الفشل المدرسي : بدون أن تحل في محل الآباء و المدرسة ، و بدون إعفائهم من العمل ، فإنها ستساهم في مساعدة الاطفال في إيجاد مخاطب مهم أثناء نموهم و لفائدة تعلماتهم .
- الفشل المدرسي : هل نآمل القضاء عليه و بأي ثمن ؟
القضاء على الفشل المدرسي هو غاية ملتصقة أشد الالتصاق بالمدرسة الاجبارية في ظل مجتمع يسعى و يريد أن يكون ديمقراطيا . لتحقيق هذا المبتغى يفترض تغييرا جذريا في العقلية لأن ، في المخيال الجماعي ، نجاح البعض لا يستمد قيمته إلا بفضل و عن طريق وجود فشل الآخرين : كل واحد يريد من أبنائه أن ينجحوا ، لكن شريطة أن الآخرين يصلون إلى النجاح بصعوبة تذكر .. من جانب آخر ، من الخداع الظن هكذا أن زوال الفشل المدرسي سيكون بتكلفة مستقرة : بالفعل ، في كل الميادين كلما اقتربنا من الانجاز في حده الأقصى ، فإن الطاقة المطلوبة تزداد أهمية ، و التكاليف ترتفع أكثر فأكثر . ليس اكثر صعوبة من ربح عشر الثانية التي تسمح بتحطيم الرقم القياسي العالمي في سباق 100 متر . ثم ، في المجال المدرسي ، محاربة الفشل المدرسي يقتضي إجراءات في غاية من الأهمية تنصب على ظروف الحياة ، مساعدة الأسر ، التمدرس ، البيداغوجية و الديداكتيك .. كما أيضا على مصاحبة الاطفال عبر نسيج اجتماعي تعبوي من أجل تجديد و إقامة صلات التضامن بين الاجيال المتداخلة . هذه التكلفة ، رغم كل شيء ، بإمكانها بلا شك أن تلوح ، على المدى البعيد ، رخيصة جدا مقارنة مع التكاليف الاجتماعية لهذا الفشل المدرسي .
Philippe Meirieu
[b]