الاشتغال ليس فقط حول المفاهيم الأساسية
لكن أيضا حول عقد صعوبات المادة التعلمية
حوار مع جان بيير اصطولفي . أقوال جمعت من طرف ارتير مارسولي و لويس بروسار
حوار مع استاذ جامعة رواين ، مؤلف كتاب المدرسة لأجل التعلم ، حول المنظور البنائي في البيداغوجية ، و حول أهمية الوضعيات الدالة و التحدي أمام التلميذ و أيضا البيداغوجية الفارقية .
الحياة البيداغوجية : أيها السيد اصطولفي ، إنكم تضعون خطا أحمر أمام عدم الخلط بين المعلومة ، و المعرفة ، و العلم . فلماذا ؟
جان بييراصطولفي : أظن أنه فرق مهم ، لأننا غالبا ما لا ننتبه إليه في عملية التعليم كما يجب و هذا الفرق ينصب حول الوضع القانوني الذي سيحتله العلم و المعلومة بالنسبة للتلميذ . إنه وضع قانوني متغير . المعلومة هي التي تظل خارج الشخص . فهي من طبيعة موضوعية مجردة . شيء يمكن تداوله ، و يمكن نسخه ، شيء قابل « للتخزين » .
بصورة تقابلية ، توجد لدينا معرفة متمركزة على ذاتية الفرد . حسب الاشتقاق اللغوي ، إن لفظة عرف « connaitre » تعني ولد مع ( naitre avec )اي بمعنى أن المعرفة connaissance بالنسبة للفرد ليست مبنية أساسا من عناصر خارجة عنه مثل المعلومة information . إنها تتكون بالاولى من العناصر التي بناها بنفسه شخصيا و التي بواسطتها يفكر ، و يتصرف ، و يستخدمها في التأمل . تتسم هذه المعرفة بالشمولية و الضبابية في كثير من الأوقات ؛ تمانع في التخاطب و المبادلة ، عكس المعلومة التي يمكن وضعها في أقراص او فوق رفوف مكتبة . فإن قبل أن تتعرف على شخص ، وتفهم تفكيره و سلوكه في العمق ، فنحن ندرك أن الامر يستلزم منا الكثير من الجهد و من الوقت .
اما فيما يخص العلم science ، فإنه يحتل مرتبة ثالثة لا هي بالموضوعية و لا بالذاتية . ليس العلم موضوعيا تجريديا مثل المعلومة و ليس ذاتيا مثل المعرفة. يمكننا أن نقول عنه أنه قابل للموضوعية . فهو ناتج عن سيرورة الاسقاط objectivation ، اي آت من دينامية لولوج عناصر جديدة من العلم انطلاقا من المعرفة و من تفعيل الطفرة الثقافية . علم شخص ما ، هو ما سعى إلى تأسيسه و بنائه من جديد في قطيعة مع معرفة الحس المشترك ، و سوف يخلق بناءا على هذا وسائل و أدوات جديدة تجيز له فهم و استيعاب العالم المحيط به ، العلم هو إبداع المعنى ( معنى جديدا ) للاشياء . إذن ، في المحصلة ، يوجد هنالك سريان للمفعول بين العناصر الثلاث لأن المعلومة الخارجية ، حتى يمكنها ان تفهم و تستوعب ، لا بد من ان تدمج ذاتها في مكان ما داخل المعارف الشخصية الخارجية للشخص . لكن ، لكي تصبح هذه الاخيرة عملياتية ، من الضروري أن تتحول هذه المعارف إلى علم حقيقي ، مع القطائع الايبستيمولوجية الضرورية لذلك . لكننا ندرك تماما ان بمجرد ما يصبح العلم ممكنا ، سرعان ما يتحول إلى نص ، و إلى مؤلف ، و وثائق ، و من جديد ، بالنسبة للآخرين ، يتحول العلم مرة أخرى إلى معلومة . و تقفل الدارة .
الحياة البيداغوجية : إنكم تفضلون المنظور البنائي في البيداغوجية ، و بالأخص في ديداكتيك العلوم . ما سر هذا التقابل ؟ هل هذا راجع لنوع من النسبية التقريبية بحيث تتساوى جميع الافكار ؟
جان بيير اصطولفي : اعتقد أنه من الضروري وضع ذلك في إطار مزدوج ايبستيمولوجيا و سيكولوجيا ، لأن البنائية لها دور في هذين الميدانين بشكل مختلف و متكامل . في الميدان الايبستيمولوجي ، يمكن القول أن البنائية تقف ضد الامبريقية empirisme و الوضعية positivisme ، أي ضد هذه الفكرة الشائعة الموجودة حتى لدى مدرسي العلوم بأن المعرفة في الاساس و قبل كل شيء إنما تنبثق من الملاحظة ، و أنه يكفي التعلم الجاد بالملاحظة . لكأنما تطور المعرفة عند العلماء يكمن في المشاهدة و النظر المتناهيين في الدقة و التمكين ، بفضل الوسائل التي تزيد من درجة الكفاءة ، ( مجهر او معدات اخرى ) و التي تصبح عن طريق ذلك بمثابة امتدادات للعين البشرية الطبيعية . هذا معناه ان العلم يكمن في « إزاحة الستار » لرؤية الاشياء كما هي بكل وضوح . لكن في الواقع ، جميع الايبستيمولوجيات المعاصرة قد أفرغت مضمون هذه الفكرة الموضوعية لتنتهي إلى قول صريح ان ما هو أساسي في تطور و تطوير المعرفة و تقدمها ، هي المفاهيم ، و النظريات ، و الادوات المبنية لمعاودة تجديد طريقتنا في تفهم و فهم العالم .
هناك العديد من المراجع الايبستيمولوجية الكلاسيكية التي يمكن تجنيدها في هذا الباب : بوبر ، و كوهن ، فيرابند و آخرون . كل في ميدانه الخاص ، جميعهم يؤكدون على هذه الفكرة التي مفادها ان لا وجود لحدث إلا في ارتباط مع النظرية التي تفسر هذا الحدث و تمنحه المعنى . إن النظريات هي التي تطبع، أما الاحداث و الوقائع ، في الغالب ، لا تمثل سوى محصلات و نتائج للنظريات ، بالأحرى نظريات لا تستنج من تراكم للوقائع على الاقل .
على المستوى الايبستيمولوجي ، اظن ان هذا يعد مكسبا للبنائية constructivisme : إن بناء العلوم يستنتج من الادوات التنظيرية التي نقدمها ؛ و ان بواسطة هذه المعدات التنظيرية ، يمكن رؤية الاشياء و العالم يشكل مختلف تماما عما يراه الآخرون الذين لا يمتلكون هذه المعدات .
لا يفهم من هذا نسبية مطلقة في الفعل ، كأي احد يجب أن يفكر فيما اراد و كيفما اتفق حسب تلقائية و بصورة مباشرة . هذا يعني ان هنالك تقاربات ، هنالك بعض اللعب الديالكتيكي بين النظريات و النماذج و تطابقاتها مع معطيات الواقع و الملاحظة . غير ان في معظم الاوقات ، المتحكم و من بيده الكلمة الاخيرة، هو التجديد للاطار النظري . لقد تم التفكير في بنية جزء الدنا ADN في بداية الأمر و ذلك قبل مشاهدتها من قبل . إن قابلية التفكير و إمكانيته ، أقول ، بصدد النموذج التنظيري كان في البداية هو المنطلق ، ثم أتت فيما بعد إنتاج سلسلة من الملاحظات المخبرية التأكيدية . ليس التقدم للمنظارات المجهرية أبدا و تكبيراتها الحجيمة هي التي جعلتنا نشاهد الشكل اللولبي لجزء الدنا ( la double hélice ).
على المستوى السيكولوجي ، اعتقد ، الآن ، أن البنائية تعارض السلوكية ، أي فكرة « العلبة السوداء » la boite noire التي لا نعيرها أي اهتمام من وجهة نظر العمليات الذهنية بسبب عدم قدرتنا النفاذ و الغوص في مجاهيلها و أسرارها . السلوكية تستند على الاشراط ( المثير – الاستجابة العجيب ) الذي يسمح هنا أيضا بالوقوف عند تخوم ما هو ملاحظ : « سلوكات ملاحظة في نهاية المطاف ) . فهذه معادلة سيكولوجية للبعد الامبريقي الذي أشرت إليه بعد حين إلى حد ما . في مقابل ذلك ، أقيم التجديد السيكولوجي على إثر مشروع استنباط ما يقع بداخل العلبة السوداء . بتفاعل مع معطيات الملاحظة و مشيدين النماذج النظرية من اجل فهم كيفية الاشتغال الذهني للسيرورات العقلية من تذكر و مفهمة . هنا أيضا ، لما ننتهي من بناء النماذج الذهنية و نصل إلى توضيح عدد من الامور و الاشياء ، نجد البيهافيورية ترفض ذلك بنفس الطريقة و المنهاج .
الحياة البيداغوجية : تشتغلون كثيرا أثناء عملكم حول مفهوم العائق و علاقته بسيرورة التعلم ، هذا من جهة . و من جهة اخرى ، تجعلوننا نشعر فعلا بأن التلميذ يمتلك مسبقا أشكالا من الفهم إزاء الواقع . و هذه الأشكال تمثل بصورة ما حاجزا اوعائقا أمام الاستاذ . هل يمكنكم توضيح هذا الامر و تقدمون إن شئتم بعض الامثلة ؟
جان بيير اصطولفي : أظن أن احد أنماط الوعي الكبير على المستوى الديداكتيكي في السنوات الخمسة عشر الاخيرة ، و في جميع المواد التعلمية ، الفكرة التي تشير إلى وجود العوائق التي لم يلحقها تحديث و لا تغيير طيلة البرنامج الدراسي الابتدائي و الاعدادي ، و حتى في الجامعة . هناك سلسلة من الاطروحات التي تم تقديمها في ميدان ديداكتيك العلوم و التي تبرهن بشكل ملفت للنظر على ان طلبة في الجامعة ممتازون سيصبحون اساتذة المادة ، يظلون سجناء العوائق التي لم يتم تحويلها .
لقد أسس كل هذا تيار في الابحاث يدور حول تمثلات التلاميذ ، جذور هذا التيار نجده في اعمال باشلار من جانب ، و في اعمال بياجي من جانب آخر . على سبيل المثال ، نجد نسبة عالية من الطلبة ، حينما نسألهم عن القوى التي تؤثر في كرة ملقاة في الهواء و هي تتابع مسارا دورانيا parabolique ، تراهم يستدلون أيضا بالنظرية القديمة للاندفاعية l’impétus ، اي تلك التي جرت العادة عليها في تاريخ العلوم . إنهم يمتلكون فكرة التحريك البدئي الذي يمنحونه للكرة و الذي يتواجد مخزنا بذات الكرة ، ( رأسمال من القوى ) ، يقول بعض الطلبة ، الامر الذي يسمح لها بالصعود . لكن هذا الرأسمال ينفذ تدريجيا ، من هنا حيث يحدث انعقاف المسار و تسقط الكرة . هذا النموذج ، بداهة ، هو غلط و الطلبة يعرفون ذلك جيدا « في مكان آخر » ، لكنهم يتركون انفسهم يسقطون في الفخ ، إنهم سجناء التصور .
أشغال اخرى تناولت موضوع الكهرباء . بنفس الطريقة ، توجد نسب حقيقة مدهشة من الطلبة الممتازين في الفيزياء ، حينما نضعهم أمام دارات كهربائية بسيطة ، و نسألهم ماذا سوف يحدث لو أضفنا وصلا جديدا للدارة الكهربائية مع مصباح إضافي ، فيعطون اجوبة تشبه أجوبة التلاميذ الصغار .. هنا كذلك ، يظلون سجناء لعائق لم يتم القضاء عليه : بتعبير آخر الكهرباء منظور إليه كسائل يمتاز بالسيولة الحركية . دفعتهم الاستعارة المائية إلى ارتكاب أخطاء منهجية . هناك أعمال حول الهضم ، و حول التوالد ، بصفة عملية حول جميع المفاهيم العلمية الكبرى التاريخية ، و الجغرافية ، و تصورات حول الفضاء، الخ .
الحياة البيداغوجية : هل من الممكن أن يؤدي هذا الامر إلى تخطيط و برمجة المادة التعلمية نفسها و العمل بشكل مغاير ؟
جان بيير أصطولفي : بالتأكيد . أعتقد أن الامر يعني وجود جدولة ، وذلك ليس فقط بالنسبة للمفاهيم الاساسية الموجودة في المستوى الذي نريد تدريسه بداخل مادة ، بل و ايضا فيما يتعلق بعقد الصعوبة . لو كان احيانا من الواجب العمل بجدية ، بالبناء المفاهيمي ، بتوظيف المعلومات الجديدة ، فإن هذا غير كاف . نحتاج ايضا ، في أوقات اخرى ، للعمل بشكل مختلف نبني فيه مقاطع بديلة لا تتوفر على نفس منطق الاشتغال . مقاطع تكون مبنية خصيصا لدراسة هذه العوائق في الحقيقة . يمكننا أن نقول من أجل « توريط » التلاميذ و الطلبة ، بشكل نجعل وعيهم يتفق و فكرهم يتحرر فعلا من أن ما وراء تعلماتهم ، فهم لا يزالون في قبضة هذا العائق و هم لا يشعرون .
في العمق ، إن الطلبة الذين ذكرتهم بعد حين ، لما تنبهوا لاستخدامهم النظرية الاندفاعية ، لقد كانوا أنفسهم اول المتفاجئين حينما اجابوا بهذه الطريقة بالرغم من أنهم يعرفون « كل » الفيزياء . لقد قالوا فضلا عن ذلك أنهم حصلوا على المزيد من التعلم في ربع ساعة أكثر بكثير مما تعلموه في السنوات الماضية . هذا لا يعني أننا لم نتقن تدريس المفاهيم تدريسا متقنا ، لكن يجب الاشتغال وفق وجهين لنفس العملة جانبها الايجابي و جانبها العائقي. من هنا ظهر مفهوم الهدف – العائق الذي بدأ ينمو حاليا .
الحياة البيداغوجية : من الصعب ان تطالب بجميع القدرات و تهيؤات التلاميذ و يحسب أننا تركناهم منغمسين فيما هو سهل ، دونما مطالبتهم حقا بالتقدم نحو الامام . إن بعض أفكار بياجي تشجع ذلك : ننتظر من التلميذ أن يبلغ المرحلة الصورانية formel . إنكم تشجعون بالحري مراجعة موقف فيكوتسكي فيما يلي . كيف يمكننا العمل بقوة و لا نجعل التلميذ متجاوزا كلية ؟
جان بيير اصطولفي : تمتاز أعمال بياجي بأهمية كبيرة و المكتسبات الخاصة بالعمليات الذهنية ، و الانتقالية ، و التعاكسية ، و الجانب الاجرائي في المعرفة كل هذا يعد اليوم بمثابة مكاسب نهائية . لا اريد إهمال أو نسيان بياجي . إنه واحد من هؤلاء الذين أسسوا البنائية في علم النفس ، لكننا نعتقد فعلا أن حنين العودة يشد فكرنا صوب الفكر الفيكوتسكي في السنين الأخيرة ، هذا الفكر الذي يمكننا وصفه بالسوسيوبنائي . لأن في الحقيقة لو اعتبرنا بعض المواقف الفكرية لجان بياجي ( وكان أنصاره أقل حيطة منه ) ، فإنه بإمكاننا السقوط في إغراء انتظار التلاميذ لكي يصبحوا على أتم الاستعداد و النضج . و الحال أن مشروع بياجي كان أكثر ايبستيمولوجيا منه بيداغوجيا . كان المقصود لديه هو اختبار المراحل المفاهيمية التي عبرها يمر تطور الفرد الايبستيمي و ليس الفرد الواقعي الذي يعيش وضعية تعلمية داخل القسم . إنه كان يشير دائما إلى هذا الكلام ، لكن لم نكن نستمع إليه كثيرا . لا يكفي البتة انتظار اللحظة لـ « مرحلة مناسبة » حتى يمكنها الانبثاق ، كأنما التعلم يعني سقي النباتات و انتظار التفتح ! أنا ، لا اظن ان الامر صحيح ، و زيادة على ذلك ، لا أحد يقول بأن الكل سوف يصل إلى المراحل بالسقي و الانتظار . عدد قليل من الراشدين لا يصل قطعا إلى المرحلة الصورانية ، تلك التي وصفها بياجي كماثلة و حاضرة منذ السنة الثانية او الثالثة عشرة . هذا يعادل الاطار النظري البياجيتي ، أي الفرد الايبستيمي ، و هذا الأمر لا حتمية فيه .
عكس ذلك ، لقد اكد فيكوتسكي من جهته ، بواسطة مفهوم منطقة القرب ، انه فعلا لا يجب انتظار حصول النمو لكي نبدأ التعلم المناسب . على النقيض من ذلك ، يقول فيكوتسكي ، لما نخطو خطوة واحدة في اتجاه التعلم فإننا نخطو خطوتين في النمو . بالنسبة لفيكوتسكي ، إن التعلم هو الذي يجر عربة النمو نحو الامام . لما نستثير الافراد في هذه المنطقة القريبة من النمو la zone proximale ، التي هي منطقة متقدمة عما يعرفونه اليوم ، ( ليس اكثر تقدما ، و إلا سوف يتراجعون ) ، فإن التعلم سيغذو أفضل و احسن . لقد حدد فيكوتسكي منطقة القرب من النمو de développement كحد فارق بين ما يمكن للفرد التفوق فيه وحيدا و ما يمكن ان يتفوق فيه بداخل وضعية اجتماعية و بفضل المساعدة ، بالرغم من عدم امتلاك أي شخص لجواب معد سلفا . لما تحصل المساعدة و يحصل الحوار و المناقشة ؛ لما توجد هناك مساندة متبادلة من طرف الجميع ، فإننا نذهب دائما أبعد بكثير في حالة ما إذا كنا لوحدنا . إن منطقة القرب من النمو تسمح بالتموضع بين الأثنين لحث التلاميذ ، أولا اجتماعيا ، ثم فرديا .
بالطبع ، يستشف من هذا انه سوف تكون فعالية متزايدة لو وضعنا التلاميذ في وضعيات الرهان ، و التحدي . لا نبتغي من ذلك فتح سباق في العوائق ، لأننا لو حولنا القسم إلى حلبة سباق مستمر حول العوائق سنعثر هناك على تلاميذ لا يستطيعون متابعة التنافس و المبارزة . لا يكمن الموضوع في الاقصاء ، بالعكس. إنما الحديث رغم تواجد التلاميذ في الصعوبات المدرسية ، فهم يتألمون كثيرا في قرارة أنفسهم كون المدرسة تنظيرية أكثر ، و أنها تهتم أقل بالحياة الطبيعية المعاشة ، وأنها لا تطرح القضايا التي تساعدهم في القول هكذا : « هنا ، حقا ، طالما فكرت في هذا السؤال . ها أنا ذا لم اكتب بهذه الطريقة، لكن اليوم ، أنا أفهم .» لا يمارس التلميذ عمله عادة في المدرسة وفق هذا الاسلوب كتجربة .
الحياة البيداعوجية : كالعادة لدينا سلسلة من الأجوبة لعدد من الأسئلة التي لا نطرحها .
جان بيير اصطولفي : لدينا سلسلة من الاجوبة ، لدينا فوج من الأجوبة ، لكن ما هو السؤال بالضبط ؟ هذا أمر محزن و مفسد للتلاميذ لأن قضية معنى النشاط المدرسي هو الذي يتصدر الرهان . توجد دراسة حديثة نشرت في فرنسا حول مناطق التربية ذات الأولوية ، من تأليف برنار شارلو ، التي تتحدث عن نفس الموضوع . حتى في هذه المناطق الصعبة ، ما يجعل التلاميذ في الاخير بعيدين عن الفهم و الاستعياب ، هو اننا لا نضعهم في وضعيات – مسائل ممتعة و مثيرة أكثر . ربما لو اخترنا لهم وضعيات ، سوف لن ينجحون فيها ، لكن سينغمسون في الحركة ، هي علاقة اخرى و ارتباط مع المعرفة التي ستجند طاقاتهم الثقافية . سيحاولون هنا الوصول ، بشكل مقبول مستخدمين الأشياء في تعاقبيتها و متعلقين بالحد الأدنى ، إلى نوع من الاستراتيجية في محاولة فهم ما يمكن القيام به ، و في استثمار الوضعية في حدها الأقصى . بطبيعة الحال ، إن النتائج تتعلق بهذه الاستثمارات المنسية و المهملة .
الحياة البيداغوجية : كيف يمكن لهذا المنظور الديداكتيكي المساهمة إلى حد ما في البيداغوجية الفارقية ؟
جان بيير اصطولفي : لتفعيل الفارقية ، أعتقد أولا نحن بحاجة إلى توضيح الأهداف و المفاهيم الاساسية ، يعني نواة المعارف . ليس عن طريق آلية الحدف، قائلين هكذا : إن هذا مهم و ذاك اقل أهمية ، لكن باستعمال منهاج التطوير و الإغناء . ففي كل مرة تحرز الأعمال الديداكتيكية الاختبارية تقدما في الميدان المفاهيمي ، نلاحظ أن هذا الامر يساهم في تقليص عدد من العناصر الضرورية و المهمة . بدل أن يصبح الجميع في إطار واحد ، و بدل أن نتواجد امام انسحاق لأكبر عدد من الاهداف الاجرائية جميعها من مستوى واحد ( أحيانا هذا ما تفعله بيداغوجية الأهداف PPO ) ، فإن هذا الامر يساعد في إسباغ الكثافة، و التراتبيات . سنفتقد لكل « التغطية » للمضامين المجمعة . بإمكاننا التركيز افضل على عدد محدود من الاهداف ، على عدد محدود من العوائق القابلة للتجاوز كذلك ، و نقول لأنفسنا : في إشارة لهذه النقط بالذات ، لو حصل تقدم للتلاميذ بالشكل المطلوب و المرغوب فيه ، سوف لن أضيع سنتي الدراسية و زملائي لن يضيعوا سنتهم القادمة .
يجب أن نعمل يالشكل الذي سميته في بعض الاحيان بـ « الساعة الرملية » ، مقلصين النصف الاول للساعة الرملية حتى نستطيع التوسع في النصف الاخر . اولا يجب إختزال المضامين بدون أن يؤدي ذلك إلى إفقار ، بل إغناء و ثراء . بمجرد الانتهاء من تنظيم ما هو أساسي و جوهري في المعرفة و العوائق القوية المعدة للاستعمال ، حينذاك ، في حالة ما إذا نظرنا إليها كأهداف مهمة جدا ، من اللازم البحث عن الوسائل لتحقيقها ، و تجاوزها . في الوقت الراهن ، يمكن للفارقية ان تشتغل كما يقول فيليب بيرينو كتعددية لـ « مسار التعلم » . تعددية في مسارات التعلم قصد البحث عن شيء يمكن له ان ينجح هنا حيث لحد الآن قد فشل الجميع . لو كان من الضروري الاشتغال حول حفنة من الاهداف ، سيكون الامر مستحيلا آنذاك ، لكن لو استطعنا تمركز ذلك على ما حددناه كأساس للمعرفة في الميدان ، سيبدو الامر اكثر واقعية . لكن لا بد اولا من تنقية الاجواء .
على الفور ، ستكمن الفارقية ليس في تحديد مجموعات المستوى ، و لا في البحث و التنقيب عن ملائمة صنف من التعلم خاص بكل فئة من التلاميذ ( لأن لو سرنا على هذا النهج ، سوف نسجن كل واحد بداخل نمطية عمله ، بينما الهدف المتوخى لا يروم الحبس او الحجز ) ، لكن بالاولى مساعدة كل واحد في تنويع استراتيجياته ، و في ولوج طرائق جديدة انطلاقا من النقطة التي يتواجد فيها اي تلميذ . اظن أن الفارقية يجب عليها ان تبدع أفكارا ديداكتيكية بغية تنويع سبل ولوج المفهوم . ينصب العمل الديداكتيكي إذا على التغيير ، و في الأخذ بيد التلاميذ بطرق شتى . إذا لم نعد دوما نستخدم نفس الطرائق في العمل و نفس المقدمات ، يمكن وقتها أن « نبدأ في لعبة » الوضعية . لقد قلت سابقا أن ما يحبط التلاميذ فعلا ، هو رتابة الوضعيات الديداكتيكية ، هو اننا نشتغل بنفس الطريقة .
الحياة البيداغوجية : هنا يجد المدرسون صعوبة كبيرة في هذا الباب . نطالبهم بالتنوع ، و البحث عن إيجاد مدخلات متنوعة لدراسة المفهوم ، إلا أنهم يتمسكون بالطريقة الأوحادية في العمل و ، إذا لم نزودهم بأمثلة و نماذج في طرق التنويع ، يظل الأمر مجرد كلام .
جان ببير أصطولفي : اليوم هناك بعض الامور يعرفها الجميع ، و ثائق موجودة رهن إشارة الجميع ، لكن أرى أن هذه الوثائق لن يبحث عنها المدرسون إلا إذا كانت تمتلكهم رغبة أكيدة في ذلك و تواقين إليها ، إلا إذا كانوا – و ربما يعد التكوين هنا أحد نقط العبور الضرورية اللازمة – ، كمدرسين واعين بأن لديهم أيضا طرقهم الخاصة التي يتعملون بموجبها و تلكم التي يدرسون بمقتضاها . لقد سمى الباحثون في جامعة تور هذا الشيء بـ SPPA ( النظام الشخصي لقيادة التعلم ) و SPPE ( النظام الشخصي لقيادة التعليم ) . حينما نتعلم في كل مرة ، تحدث لدينا طريقة متفردة و شخصية تقود تعلمنا و ، حينما نقوم بالتدريس ، ننقل في الغالب طريقتنا التي نقود بها تعلمنا . كأنما هذا الامر يتناغم و ينسجم مع الجميع لأنه في توافق مع ذواتنا و أمزجتنا .
في الحقيقة أعتقد أنه لا بد من وجود ضرورة ملحة في التكوين لمرحلة الاستبطان l’introspection ، لمرحلة تحليل الانماط الشخصية الموجودة لدينا في التعلم ، و الوعي بها و بتعددية أنظمة الاشتغال بداخل نفس مجموعة التكوين لأجل التحقق من أن هذا التنوع ، لدى المدرسين ، يمكن أن يكون عاملا من عوامل الاغناء لو ترجم من خلال و عبر المدخلات ، حتى يمكن تقديم نفس المفاهيم الديداكتيكية ذات « الهدف الثابت »
الحياة البيداغوجية : هل يظل تقويم التعلمات ملطخا بالسيكولوجيا البيهافيورية ( السلوكية ) في حين أنكم تقترحون ديداكتيكية تبتعـد عن هذا كل البعد ؟
جان بيير اصطولفي : إن قضية التقويم هي قضية جد حساسة لأننا اليوم نتواجد امام انماط عديدة من التقويم . و ما ينشر حول التقويم قد حقق « انفجارا » في العشرية الاخيرة . إنني أجد دائما مشقة في مقابلة التقويم رأسا لرأس ، او على أي حال ، في حالة استطلاع ، أي فحص مجموع الانتاجات الحاضرة في محاولة لفهم معنى التقويم . أعتقد أننا نرفض أكثر فاكثر الفكرة من ان التقويم ( وهذا ما يجعلنا نهمل الرؤية البيهافيورية ) هو بمثابة قياس . الله وحده يعلم بوجود أعمال في الدوسيمولوجيا ! Docimologie . و الحال أننا نلاحظ كلما تراكمت الأعمال إلا وقل الاهتمام بها . إذن ، من الممكن أن ننزعج من هذا ، و نتخذ موقفا إيجابيا إزاء المدرسين قائلين لهم : منذ العشرينيات و الأعمال مقامة في الدوسيمولوجيا ، في النهاية ، لا نلحظ أي اثر لها في أقسامكم ! لم يحدث أي شيء : نتابع الحلم أن ، لما نمنح النقطة 12 ، فهي النقطة 12 و ليس 12 و نصف او 13 ، لكننا ندرك جيدا ان الفرق لا يعني أي شيء . لا بد من البحث عن سر هذه الممانعة .
أعتقد في الحقيقة أن التقويم بالاحرى هو قياس أكثر منه تأويلا . تأويل مندمج في الفعل التربوي أكثر مما هو قياس خارجي أو تحليل لسلوك نهائي . هناك بدون شك حاجة للتقويم الحسابي و أيضا للتقويم الاشهادي . لكن ليس لأنهما في بعض الاوقات ، يعتبران محصلة كلام محدد في البرنامج ، فلا نحتاج إليهما إلا عن طريق و بفعل ارتجاعي، بل يجب أن يكتسح الأمر جميع الميادين .
إن مهنة المدرس ، بصراحة ، هي مهنة « القرار» ؛ حيث من خلالها تتخذ قرارات على الدوام ، قرارت براكماتية بعض الشيء ، على ضوئها من الواجب أن نصلح شيئا ما قدر المستطاع . أحد مكونات لمهنة التدريس هو الاصلاح . لقد قال فرويد بوجود هنالك ثلاث حرف مستحيلة : التدريس ، و الطب ، و الحكامة . هذه المهن الثلاث هي مهن تتجذر في علوم الفعل l’action ، بحيث نجد فيها حركة الارتجال . فمهما كانت النماذج الأصلية المناسبة و المنسجمة التي نبنيها ، فإنه يوجد دائما حبات رمل بداخل الآلة التي تقود الأمور بشكل مختلف . إذن ، لا بد من اللجوء إلى التقويم تحسبا و معرفة لأخذ القرارات .
التقويم هو قبل كل شيء عنصر يساعدنا على تأويل ما يحدث بداخل القسم ، لمعرفة ماذا سنعمل بعد قليل : هل سأعود إلى الوراء ، هل سأشتغل بطريقة مختلفة، هل سأقوم بتوزيع القسم إلى مجموعات ، هل من الضروري تخصيص المزيد من العناية حول نقطة معينة ام العكس ، هذا لا يخدم الظرفية لأنه من الأفضل البدء في عملية التحفيز و شحن الهمم . من أجل كل هذا لا بد من امتلاك « لوحة القيادة » tableau de bord . للحكام لوحاتهم القيادية لأخذ القرارت السياسية : لوحة القيادة في الاقتصاد ، استطلاعات الرأي ، الخ . أما المدرس ، ماذا يوجد لديه ؟ إن التقويم ، في العمق ، هو ما يغذي قراراته أثناء الوضعية . ان نجهل هذه الحقيقة ، هذا معناه الحرمان من بعد أساسي و رئيسي للتقويم .
لكن أيضا حول عقد صعوبات المادة التعلمية
حوار مع جان بيير اصطولفي . أقوال جمعت من طرف ارتير مارسولي و لويس بروسار
حوار مع استاذ جامعة رواين ، مؤلف كتاب المدرسة لأجل التعلم ، حول المنظور البنائي في البيداغوجية ، و حول أهمية الوضعيات الدالة و التحدي أمام التلميذ و أيضا البيداغوجية الفارقية .
الحياة البيداغوجية : أيها السيد اصطولفي ، إنكم تضعون خطا أحمر أمام عدم الخلط بين المعلومة ، و المعرفة ، و العلم . فلماذا ؟
جان بييراصطولفي : أظن أنه فرق مهم ، لأننا غالبا ما لا ننتبه إليه في عملية التعليم كما يجب و هذا الفرق ينصب حول الوضع القانوني الذي سيحتله العلم و المعلومة بالنسبة للتلميذ . إنه وضع قانوني متغير . المعلومة هي التي تظل خارج الشخص . فهي من طبيعة موضوعية مجردة . شيء يمكن تداوله ، و يمكن نسخه ، شيء قابل « للتخزين » .
بصورة تقابلية ، توجد لدينا معرفة متمركزة على ذاتية الفرد . حسب الاشتقاق اللغوي ، إن لفظة عرف « connaitre » تعني ولد مع ( naitre avec )اي بمعنى أن المعرفة connaissance بالنسبة للفرد ليست مبنية أساسا من عناصر خارجة عنه مثل المعلومة information . إنها تتكون بالاولى من العناصر التي بناها بنفسه شخصيا و التي بواسطتها يفكر ، و يتصرف ، و يستخدمها في التأمل . تتسم هذه المعرفة بالشمولية و الضبابية في كثير من الأوقات ؛ تمانع في التخاطب و المبادلة ، عكس المعلومة التي يمكن وضعها في أقراص او فوق رفوف مكتبة . فإن قبل أن تتعرف على شخص ، وتفهم تفكيره و سلوكه في العمق ، فنحن ندرك أن الامر يستلزم منا الكثير من الجهد و من الوقت .
اما فيما يخص العلم science ، فإنه يحتل مرتبة ثالثة لا هي بالموضوعية و لا بالذاتية . ليس العلم موضوعيا تجريديا مثل المعلومة و ليس ذاتيا مثل المعرفة. يمكننا أن نقول عنه أنه قابل للموضوعية . فهو ناتج عن سيرورة الاسقاط objectivation ، اي آت من دينامية لولوج عناصر جديدة من العلم انطلاقا من المعرفة و من تفعيل الطفرة الثقافية . علم شخص ما ، هو ما سعى إلى تأسيسه و بنائه من جديد في قطيعة مع معرفة الحس المشترك ، و سوف يخلق بناءا على هذا وسائل و أدوات جديدة تجيز له فهم و استيعاب العالم المحيط به ، العلم هو إبداع المعنى ( معنى جديدا ) للاشياء . إذن ، في المحصلة ، يوجد هنالك سريان للمفعول بين العناصر الثلاث لأن المعلومة الخارجية ، حتى يمكنها ان تفهم و تستوعب ، لا بد من ان تدمج ذاتها في مكان ما داخل المعارف الشخصية الخارجية للشخص . لكن ، لكي تصبح هذه الاخيرة عملياتية ، من الضروري أن تتحول هذه المعارف إلى علم حقيقي ، مع القطائع الايبستيمولوجية الضرورية لذلك . لكننا ندرك تماما ان بمجرد ما يصبح العلم ممكنا ، سرعان ما يتحول إلى نص ، و إلى مؤلف ، و وثائق ، و من جديد ، بالنسبة للآخرين ، يتحول العلم مرة أخرى إلى معلومة . و تقفل الدارة .
الحياة البيداغوجية : إنكم تفضلون المنظور البنائي في البيداغوجية ، و بالأخص في ديداكتيك العلوم . ما سر هذا التقابل ؟ هل هذا راجع لنوع من النسبية التقريبية بحيث تتساوى جميع الافكار ؟
جان بيير اصطولفي : اعتقد أنه من الضروري وضع ذلك في إطار مزدوج ايبستيمولوجيا و سيكولوجيا ، لأن البنائية لها دور في هذين الميدانين بشكل مختلف و متكامل . في الميدان الايبستيمولوجي ، يمكن القول أن البنائية تقف ضد الامبريقية empirisme و الوضعية positivisme ، أي ضد هذه الفكرة الشائعة الموجودة حتى لدى مدرسي العلوم بأن المعرفة في الاساس و قبل كل شيء إنما تنبثق من الملاحظة ، و أنه يكفي التعلم الجاد بالملاحظة . لكأنما تطور المعرفة عند العلماء يكمن في المشاهدة و النظر المتناهيين في الدقة و التمكين ، بفضل الوسائل التي تزيد من درجة الكفاءة ، ( مجهر او معدات اخرى ) و التي تصبح عن طريق ذلك بمثابة امتدادات للعين البشرية الطبيعية . هذا معناه ان العلم يكمن في « إزاحة الستار » لرؤية الاشياء كما هي بكل وضوح . لكن في الواقع ، جميع الايبستيمولوجيات المعاصرة قد أفرغت مضمون هذه الفكرة الموضوعية لتنتهي إلى قول صريح ان ما هو أساسي في تطور و تطوير المعرفة و تقدمها ، هي المفاهيم ، و النظريات ، و الادوات المبنية لمعاودة تجديد طريقتنا في تفهم و فهم العالم .
هناك العديد من المراجع الايبستيمولوجية الكلاسيكية التي يمكن تجنيدها في هذا الباب : بوبر ، و كوهن ، فيرابند و آخرون . كل في ميدانه الخاص ، جميعهم يؤكدون على هذه الفكرة التي مفادها ان لا وجود لحدث إلا في ارتباط مع النظرية التي تفسر هذا الحدث و تمنحه المعنى . إن النظريات هي التي تطبع، أما الاحداث و الوقائع ، في الغالب ، لا تمثل سوى محصلات و نتائج للنظريات ، بالأحرى نظريات لا تستنج من تراكم للوقائع على الاقل .
على المستوى الايبستيمولوجي ، اظن ان هذا يعد مكسبا للبنائية constructivisme : إن بناء العلوم يستنتج من الادوات التنظيرية التي نقدمها ؛ و ان بواسطة هذه المعدات التنظيرية ، يمكن رؤية الاشياء و العالم يشكل مختلف تماما عما يراه الآخرون الذين لا يمتلكون هذه المعدات .
لا يفهم من هذا نسبية مطلقة في الفعل ، كأي احد يجب أن يفكر فيما اراد و كيفما اتفق حسب تلقائية و بصورة مباشرة . هذا يعني ان هنالك تقاربات ، هنالك بعض اللعب الديالكتيكي بين النظريات و النماذج و تطابقاتها مع معطيات الواقع و الملاحظة . غير ان في معظم الاوقات ، المتحكم و من بيده الكلمة الاخيرة، هو التجديد للاطار النظري . لقد تم التفكير في بنية جزء الدنا ADN في بداية الأمر و ذلك قبل مشاهدتها من قبل . إن قابلية التفكير و إمكانيته ، أقول ، بصدد النموذج التنظيري كان في البداية هو المنطلق ، ثم أتت فيما بعد إنتاج سلسلة من الملاحظات المخبرية التأكيدية . ليس التقدم للمنظارات المجهرية أبدا و تكبيراتها الحجيمة هي التي جعلتنا نشاهد الشكل اللولبي لجزء الدنا ( la double hélice ).
على المستوى السيكولوجي ، اعتقد ، الآن ، أن البنائية تعارض السلوكية ، أي فكرة « العلبة السوداء » la boite noire التي لا نعيرها أي اهتمام من وجهة نظر العمليات الذهنية بسبب عدم قدرتنا النفاذ و الغوص في مجاهيلها و أسرارها . السلوكية تستند على الاشراط ( المثير – الاستجابة العجيب ) الذي يسمح هنا أيضا بالوقوف عند تخوم ما هو ملاحظ : « سلوكات ملاحظة في نهاية المطاف ) . فهذه معادلة سيكولوجية للبعد الامبريقي الذي أشرت إليه بعد حين إلى حد ما . في مقابل ذلك ، أقيم التجديد السيكولوجي على إثر مشروع استنباط ما يقع بداخل العلبة السوداء . بتفاعل مع معطيات الملاحظة و مشيدين النماذج النظرية من اجل فهم كيفية الاشتغال الذهني للسيرورات العقلية من تذكر و مفهمة . هنا أيضا ، لما ننتهي من بناء النماذج الذهنية و نصل إلى توضيح عدد من الامور و الاشياء ، نجد البيهافيورية ترفض ذلك بنفس الطريقة و المنهاج .
الحياة البيداغوجية : تشتغلون كثيرا أثناء عملكم حول مفهوم العائق و علاقته بسيرورة التعلم ، هذا من جهة . و من جهة اخرى ، تجعلوننا نشعر فعلا بأن التلميذ يمتلك مسبقا أشكالا من الفهم إزاء الواقع . و هذه الأشكال تمثل بصورة ما حاجزا اوعائقا أمام الاستاذ . هل يمكنكم توضيح هذا الامر و تقدمون إن شئتم بعض الامثلة ؟
جان بيير اصطولفي : أظن أن احد أنماط الوعي الكبير على المستوى الديداكتيكي في السنوات الخمسة عشر الاخيرة ، و في جميع المواد التعلمية ، الفكرة التي تشير إلى وجود العوائق التي لم يلحقها تحديث و لا تغيير طيلة البرنامج الدراسي الابتدائي و الاعدادي ، و حتى في الجامعة . هناك سلسلة من الاطروحات التي تم تقديمها في ميدان ديداكتيك العلوم و التي تبرهن بشكل ملفت للنظر على ان طلبة في الجامعة ممتازون سيصبحون اساتذة المادة ، يظلون سجناء العوائق التي لم يتم تحويلها .
لقد أسس كل هذا تيار في الابحاث يدور حول تمثلات التلاميذ ، جذور هذا التيار نجده في اعمال باشلار من جانب ، و في اعمال بياجي من جانب آخر . على سبيل المثال ، نجد نسبة عالية من الطلبة ، حينما نسألهم عن القوى التي تؤثر في كرة ملقاة في الهواء و هي تتابع مسارا دورانيا parabolique ، تراهم يستدلون أيضا بالنظرية القديمة للاندفاعية l’impétus ، اي تلك التي جرت العادة عليها في تاريخ العلوم . إنهم يمتلكون فكرة التحريك البدئي الذي يمنحونه للكرة و الذي يتواجد مخزنا بذات الكرة ، ( رأسمال من القوى ) ، يقول بعض الطلبة ، الامر الذي يسمح لها بالصعود . لكن هذا الرأسمال ينفذ تدريجيا ، من هنا حيث يحدث انعقاف المسار و تسقط الكرة . هذا النموذج ، بداهة ، هو غلط و الطلبة يعرفون ذلك جيدا « في مكان آخر » ، لكنهم يتركون انفسهم يسقطون في الفخ ، إنهم سجناء التصور .
أشغال اخرى تناولت موضوع الكهرباء . بنفس الطريقة ، توجد نسب حقيقة مدهشة من الطلبة الممتازين في الفيزياء ، حينما نضعهم أمام دارات كهربائية بسيطة ، و نسألهم ماذا سوف يحدث لو أضفنا وصلا جديدا للدارة الكهربائية مع مصباح إضافي ، فيعطون اجوبة تشبه أجوبة التلاميذ الصغار .. هنا كذلك ، يظلون سجناء لعائق لم يتم القضاء عليه : بتعبير آخر الكهرباء منظور إليه كسائل يمتاز بالسيولة الحركية . دفعتهم الاستعارة المائية إلى ارتكاب أخطاء منهجية . هناك أعمال حول الهضم ، و حول التوالد ، بصفة عملية حول جميع المفاهيم العلمية الكبرى التاريخية ، و الجغرافية ، و تصورات حول الفضاء، الخ .
الحياة البيداغوجية : هل من الممكن أن يؤدي هذا الامر إلى تخطيط و برمجة المادة التعلمية نفسها و العمل بشكل مغاير ؟
جان بيير أصطولفي : بالتأكيد . أعتقد أن الامر يعني وجود جدولة ، وذلك ليس فقط بالنسبة للمفاهيم الاساسية الموجودة في المستوى الذي نريد تدريسه بداخل مادة ، بل و ايضا فيما يتعلق بعقد الصعوبة . لو كان احيانا من الواجب العمل بجدية ، بالبناء المفاهيمي ، بتوظيف المعلومات الجديدة ، فإن هذا غير كاف . نحتاج ايضا ، في أوقات اخرى ، للعمل بشكل مختلف نبني فيه مقاطع بديلة لا تتوفر على نفس منطق الاشتغال . مقاطع تكون مبنية خصيصا لدراسة هذه العوائق في الحقيقة . يمكننا أن نقول من أجل « توريط » التلاميذ و الطلبة ، بشكل نجعل وعيهم يتفق و فكرهم يتحرر فعلا من أن ما وراء تعلماتهم ، فهم لا يزالون في قبضة هذا العائق و هم لا يشعرون .
في العمق ، إن الطلبة الذين ذكرتهم بعد حين ، لما تنبهوا لاستخدامهم النظرية الاندفاعية ، لقد كانوا أنفسهم اول المتفاجئين حينما اجابوا بهذه الطريقة بالرغم من أنهم يعرفون « كل » الفيزياء . لقد قالوا فضلا عن ذلك أنهم حصلوا على المزيد من التعلم في ربع ساعة أكثر بكثير مما تعلموه في السنوات الماضية . هذا لا يعني أننا لم نتقن تدريس المفاهيم تدريسا متقنا ، لكن يجب الاشتغال وفق وجهين لنفس العملة جانبها الايجابي و جانبها العائقي. من هنا ظهر مفهوم الهدف – العائق الذي بدأ ينمو حاليا .
الحياة البيداغوجية : من الصعب ان تطالب بجميع القدرات و تهيؤات التلاميذ و يحسب أننا تركناهم منغمسين فيما هو سهل ، دونما مطالبتهم حقا بالتقدم نحو الامام . إن بعض أفكار بياجي تشجع ذلك : ننتظر من التلميذ أن يبلغ المرحلة الصورانية formel . إنكم تشجعون بالحري مراجعة موقف فيكوتسكي فيما يلي . كيف يمكننا العمل بقوة و لا نجعل التلميذ متجاوزا كلية ؟
جان بيير اصطولفي : تمتاز أعمال بياجي بأهمية كبيرة و المكتسبات الخاصة بالعمليات الذهنية ، و الانتقالية ، و التعاكسية ، و الجانب الاجرائي في المعرفة كل هذا يعد اليوم بمثابة مكاسب نهائية . لا اريد إهمال أو نسيان بياجي . إنه واحد من هؤلاء الذين أسسوا البنائية في علم النفس ، لكننا نعتقد فعلا أن حنين العودة يشد فكرنا صوب الفكر الفيكوتسكي في السنين الأخيرة ، هذا الفكر الذي يمكننا وصفه بالسوسيوبنائي . لأن في الحقيقة لو اعتبرنا بعض المواقف الفكرية لجان بياجي ( وكان أنصاره أقل حيطة منه ) ، فإنه بإمكاننا السقوط في إغراء انتظار التلاميذ لكي يصبحوا على أتم الاستعداد و النضج . و الحال أن مشروع بياجي كان أكثر ايبستيمولوجيا منه بيداغوجيا . كان المقصود لديه هو اختبار المراحل المفاهيمية التي عبرها يمر تطور الفرد الايبستيمي و ليس الفرد الواقعي الذي يعيش وضعية تعلمية داخل القسم . إنه كان يشير دائما إلى هذا الكلام ، لكن لم نكن نستمع إليه كثيرا . لا يكفي البتة انتظار اللحظة لـ « مرحلة مناسبة » حتى يمكنها الانبثاق ، كأنما التعلم يعني سقي النباتات و انتظار التفتح ! أنا ، لا اظن ان الامر صحيح ، و زيادة على ذلك ، لا أحد يقول بأن الكل سوف يصل إلى المراحل بالسقي و الانتظار . عدد قليل من الراشدين لا يصل قطعا إلى المرحلة الصورانية ، تلك التي وصفها بياجي كماثلة و حاضرة منذ السنة الثانية او الثالثة عشرة . هذا يعادل الاطار النظري البياجيتي ، أي الفرد الايبستيمي ، و هذا الأمر لا حتمية فيه .
عكس ذلك ، لقد اكد فيكوتسكي من جهته ، بواسطة مفهوم منطقة القرب ، انه فعلا لا يجب انتظار حصول النمو لكي نبدأ التعلم المناسب . على النقيض من ذلك ، يقول فيكوتسكي ، لما نخطو خطوة واحدة في اتجاه التعلم فإننا نخطو خطوتين في النمو . بالنسبة لفيكوتسكي ، إن التعلم هو الذي يجر عربة النمو نحو الامام . لما نستثير الافراد في هذه المنطقة القريبة من النمو la zone proximale ، التي هي منطقة متقدمة عما يعرفونه اليوم ، ( ليس اكثر تقدما ، و إلا سوف يتراجعون ) ، فإن التعلم سيغذو أفضل و احسن . لقد حدد فيكوتسكي منطقة القرب من النمو de développement كحد فارق بين ما يمكن للفرد التفوق فيه وحيدا و ما يمكن ان يتفوق فيه بداخل وضعية اجتماعية و بفضل المساعدة ، بالرغم من عدم امتلاك أي شخص لجواب معد سلفا . لما تحصل المساعدة و يحصل الحوار و المناقشة ؛ لما توجد هناك مساندة متبادلة من طرف الجميع ، فإننا نذهب دائما أبعد بكثير في حالة ما إذا كنا لوحدنا . إن منطقة القرب من النمو تسمح بالتموضع بين الأثنين لحث التلاميذ ، أولا اجتماعيا ، ثم فرديا .
بالطبع ، يستشف من هذا انه سوف تكون فعالية متزايدة لو وضعنا التلاميذ في وضعيات الرهان ، و التحدي . لا نبتغي من ذلك فتح سباق في العوائق ، لأننا لو حولنا القسم إلى حلبة سباق مستمر حول العوائق سنعثر هناك على تلاميذ لا يستطيعون متابعة التنافس و المبارزة . لا يكمن الموضوع في الاقصاء ، بالعكس. إنما الحديث رغم تواجد التلاميذ في الصعوبات المدرسية ، فهم يتألمون كثيرا في قرارة أنفسهم كون المدرسة تنظيرية أكثر ، و أنها تهتم أقل بالحياة الطبيعية المعاشة ، وأنها لا تطرح القضايا التي تساعدهم في القول هكذا : « هنا ، حقا ، طالما فكرت في هذا السؤال . ها أنا ذا لم اكتب بهذه الطريقة، لكن اليوم ، أنا أفهم .» لا يمارس التلميذ عمله عادة في المدرسة وفق هذا الاسلوب كتجربة .
الحياة البيداعوجية : كالعادة لدينا سلسلة من الأجوبة لعدد من الأسئلة التي لا نطرحها .
جان بيير اصطولفي : لدينا سلسلة من الاجوبة ، لدينا فوج من الأجوبة ، لكن ما هو السؤال بالضبط ؟ هذا أمر محزن و مفسد للتلاميذ لأن قضية معنى النشاط المدرسي هو الذي يتصدر الرهان . توجد دراسة حديثة نشرت في فرنسا حول مناطق التربية ذات الأولوية ، من تأليف برنار شارلو ، التي تتحدث عن نفس الموضوع . حتى في هذه المناطق الصعبة ، ما يجعل التلاميذ في الاخير بعيدين عن الفهم و الاستعياب ، هو اننا لا نضعهم في وضعيات – مسائل ممتعة و مثيرة أكثر . ربما لو اخترنا لهم وضعيات ، سوف لن ينجحون فيها ، لكن سينغمسون في الحركة ، هي علاقة اخرى و ارتباط مع المعرفة التي ستجند طاقاتهم الثقافية . سيحاولون هنا الوصول ، بشكل مقبول مستخدمين الأشياء في تعاقبيتها و متعلقين بالحد الأدنى ، إلى نوع من الاستراتيجية في محاولة فهم ما يمكن القيام به ، و في استثمار الوضعية في حدها الأقصى . بطبيعة الحال ، إن النتائج تتعلق بهذه الاستثمارات المنسية و المهملة .
الحياة البيداغوجية : كيف يمكن لهذا المنظور الديداكتيكي المساهمة إلى حد ما في البيداغوجية الفارقية ؟
جان بيير اصطولفي : لتفعيل الفارقية ، أعتقد أولا نحن بحاجة إلى توضيح الأهداف و المفاهيم الاساسية ، يعني نواة المعارف . ليس عن طريق آلية الحدف، قائلين هكذا : إن هذا مهم و ذاك اقل أهمية ، لكن باستعمال منهاج التطوير و الإغناء . ففي كل مرة تحرز الأعمال الديداكتيكية الاختبارية تقدما في الميدان المفاهيمي ، نلاحظ أن هذا الامر يساهم في تقليص عدد من العناصر الضرورية و المهمة . بدل أن يصبح الجميع في إطار واحد ، و بدل أن نتواجد امام انسحاق لأكبر عدد من الاهداف الاجرائية جميعها من مستوى واحد ( أحيانا هذا ما تفعله بيداغوجية الأهداف PPO ) ، فإن هذا الامر يساعد في إسباغ الكثافة، و التراتبيات . سنفتقد لكل « التغطية » للمضامين المجمعة . بإمكاننا التركيز افضل على عدد محدود من الاهداف ، على عدد محدود من العوائق القابلة للتجاوز كذلك ، و نقول لأنفسنا : في إشارة لهذه النقط بالذات ، لو حصل تقدم للتلاميذ بالشكل المطلوب و المرغوب فيه ، سوف لن أضيع سنتي الدراسية و زملائي لن يضيعوا سنتهم القادمة .
يجب أن نعمل يالشكل الذي سميته في بعض الاحيان بـ « الساعة الرملية » ، مقلصين النصف الاول للساعة الرملية حتى نستطيع التوسع في النصف الاخر . اولا يجب إختزال المضامين بدون أن يؤدي ذلك إلى إفقار ، بل إغناء و ثراء . بمجرد الانتهاء من تنظيم ما هو أساسي و جوهري في المعرفة و العوائق القوية المعدة للاستعمال ، حينذاك ، في حالة ما إذا نظرنا إليها كأهداف مهمة جدا ، من اللازم البحث عن الوسائل لتحقيقها ، و تجاوزها . في الوقت الراهن ، يمكن للفارقية ان تشتغل كما يقول فيليب بيرينو كتعددية لـ « مسار التعلم » . تعددية في مسارات التعلم قصد البحث عن شيء يمكن له ان ينجح هنا حيث لحد الآن قد فشل الجميع . لو كان من الضروري الاشتغال حول حفنة من الاهداف ، سيكون الامر مستحيلا آنذاك ، لكن لو استطعنا تمركز ذلك على ما حددناه كأساس للمعرفة في الميدان ، سيبدو الامر اكثر واقعية . لكن لا بد اولا من تنقية الاجواء .
على الفور ، ستكمن الفارقية ليس في تحديد مجموعات المستوى ، و لا في البحث و التنقيب عن ملائمة صنف من التعلم خاص بكل فئة من التلاميذ ( لأن لو سرنا على هذا النهج ، سوف نسجن كل واحد بداخل نمطية عمله ، بينما الهدف المتوخى لا يروم الحبس او الحجز ) ، لكن بالاولى مساعدة كل واحد في تنويع استراتيجياته ، و في ولوج طرائق جديدة انطلاقا من النقطة التي يتواجد فيها اي تلميذ . اظن أن الفارقية يجب عليها ان تبدع أفكارا ديداكتيكية بغية تنويع سبل ولوج المفهوم . ينصب العمل الديداكتيكي إذا على التغيير ، و في الأخذ بيد التلاميذ بطرق شتى . إذا لم نعد دوما نستخدم نفس الطرائق في العمل و نفس المقدمات ، يمكن وقتها أن « نبدأ في لعبة » الوضعية . لقد قلت سابقا أن ما يحبط التلاميذ فعلا ، هو رتابة الوضعيات الديداكتيكية ، هو اننا نشتغل بنفس الطريقة .
الحياة البيداغوجية : هنا يجد المدرسون صعوبة كبيرة في هذا الباب . نطالبهم بالتنوع ، و البحث عن إيجاد مدخلات متنوعة لدراسة المفهوم ، إلا أنهم يتمسكون بالطريقة الأوحادية في العمل و ، إذا لم نزودهم بأمثلة و نماذج في طرق التنويع ، يظل الأمر مجرد كلام .
جان ببير أصطولفي : اليوم هناك بعض الامور يعرفها الجميع ، و ثائق موجودة رهن إشارة الجميع ، لكن أرى أن هذه الوثائق لن يبحث عنها المدرسون إلا إذا كانت تمتلكهم رغبة أكيدة في ذلك و تواقين إليها ، إلا إذا كانوا – و ربما يعد التكوين هنا أحد نقط العبور الضرورية اللازمة – ، كمدرسين واعين بأن لديهم أيضا طرقهم الخاصة التي يتعملون بموجبها و تلكم التي يدرسون بمقتضاها . لقد سمى الباحثون في جامعة تور هذا الشيء بـ SPPA ( النظام الشخصي لقيادة التعلم ) و SPPE ( النظام الشخصي لقيادة التعليم ) . حينما نتعلم في كل مرة ، تحدث لدينا طريقة متفردة و شخصية تقود تعلمنا و ، حينما نقوم بالتدريس ، ننقل في الغالب طريقتنا التي نقود بها تعلمنا . كأنما هذا الامر يتناغم و ينسجم مع الجميع لأنه في توافق مع ذواتنا و أمزجتنا .
في الحقيقة أعتقد أنه لا بد من وجود ضرورة ملحة في التكوين لمرحلة الاستبطان l’introspection ، لمرحلة تحليل الانماط الشخصية الموجودة لدينا في التعلم ، و الوعي بها و بتعددية أنظمة الاشتغال بداخل نفس مجموعة التكوين لأجل التحقق من أن هذا التنوع ، لدى المدرسين ، يمكن أن يكون عاملا من عوامل الاغناء لو ترجم من خلال و عبر المدخلات ، حتى يمكن تقديم نفس المفاهيم الديداكتيكية ذات « الهدف الثابت »
الحياة البيداغوجية : هل يظل تقويم التعلمات ملطخا بالسيكولوجيا البيهافيورية ( السلوكية ) في حين أنكم تقترحون ديداكتيكية تبتعـد عن هذا كل البعد ؟
جان بيير اصطولفي : إن قضية التقويم هي قضية جد حساسة لأننا اليوم نتواجد امام انماط عديدة من التقويم . و ما ينشر حول التقويم قد حقق « انفجارا » في العشرية الاخيرة . إنني أجد دائما مشقة في مقابلة التقويم رأسا لرأس ، او على أي حال ، في حالة استطلاع ، أي فحص مجموع الانتاجات الحاضرة في محاولة لفهم معنى التقويم . أعتقد أننا نرفض أكثر فاكثر الفكرة من ان التقويم ( وهذا ما يجعلنا نهمل الرؤية البيهافيورية ) هو بمثابة قياس . الله وحده يعلم بوجود أعمال في الدوسيمولوجيا ! Docimologie . و الحال أننا نلاحظ كلما تراكمت الأعمال إلا وقل الاهتمام بها . إذن ، من الممكن أن ننزعج من هذا ، و نتخذ موقفا إيجابيا إزاء المدرسين قائلين لهم : منذ العشرينيات و الأعمال مقامة في الدوسيمولوجيا ، في النهاية ، لا نلحظ أي اثر لها في أقسامكم ! لم يحدث أي شيء : نتابع الحلم أن ، لما نمنح النقطة 12 ، فهي النقطة 12 و ليس 12 و نصف او 13 ، لكننا ندرك جيدا ان الفرق لا يعني أي شيء . لا بد من البحث عن سر هذه الممانعة .
أعتقد في الحقيقة أن التقويم بالاحرى هو قياس أكثر منه تأويلا . تأويل مندمج في الفعل التربوي أكثر مما هو قياس خارجي أو تحليل لسلوك نهائي . هناك بدون شك حاجة للتقويم الحسابي و أيضا للتقويم الاشهادي . لكن ليس لأنهما في بعض الاوقات ، يعتبران محصلة كلام محدد في البرنامج ، فلا نحتاج إليهما إلا عن طريق و بفعل ارتجاعي، بل يجب أن يكتسح الأمر جميع الميادين .
إن مهنة المدرس ، بصراحة ، هي مهنة « القرار» ؛ حيث من خلالها تتخذ قرارات على الدوام ، قرارت براكماتية بعض الشيء ، على ضوئها من الواجب أن نصلح شيئا ما قدر المستطاع . أحد مكونات لمهنة التدريس هو الاصلاح . لقد قال فرويد بوجود هنالك ثلاث حرف مستحيلة : التدريس ، و الطب ، و الحكامة . هذه المهن الثلاث هي مهن تتجذر في علوم الفعل l’action ، بحيث نجد فيها حركة الارتجال . فمهما كانت النماذج الأصلية المناسبة و المنسجمة التي نبنيها ، فإنه يوجد دائما حبات رمل بداخل الآلة التي تقود الأمور بشكل مختلف . إذن ، لا بد من اللجوء إلى التقويم تحسبا و معرفة لأخذ القرارات .
التقويم هو قبل كل شيء عنصر يساعدنا على تأويل ما يحدث بداخل القسم ، لمعرفة ماذا سنعمل بعد قليل : هل سأعود إلى الوراء ، هل سأشتغل بطريقة مختلفة، هل سأقوم بتوزيع القسم إلى مجموعات ، هل من الضروري تخصيص المزيد من العناية حول نقطة معينة ام العكس ، هذا لا يخدم الظرفية لأنه من الأفضل البدء في عملية التحفيز و شحن الهمم . من أجل كل هذا لا بد من امتلاك « لوحة القيادة » tableau de bord . للحكام لوحاتهم القيادية لأخذ القرارت السياسية : لوحة القيادة في الاقتصاد ، استطلاعات الرأي ، الخ . أما المدرس ، ماذا يوجد لديه ؟ إن التقويم ، في العمق ، هو ما يغذي قراراته أثناء الوضعية . ان نجهل هذه الحقيقة ، هذا معناه الحرمان من بعد أساسي و رئيسي للتقويم .