ورقــة في مهـب .. الريــح
إنني لأجد نفسي في عز هذا الشهر المبارك حرا و عطشا عاجزا تماما عن قول أي شيء عن التعليم و التعلم و ما آلت إليه الامور أولا و ثانيا في ظل شعار ينادي بالتغيير و تنزيل مقتضيات الميثاق و الدستور . فلم نعد في الحقيقة نعرف ماذا جرى بعد الذي كنا نصدقه و نعمل سويا على إنجازه فرادى و جماعات من ذي قبل رغم الظروف الصعبة و المشاكل المتتالية . و اليوم ، لقد طال الانتظار ، و توجس القوم خيفة من مستجدات الأحداث السياسية الجديدة في بلادنا بحثا عن مخرج يعيد للفلسفة التربوية وللمؤسسة معا هيبتها و وقارها ، نجاعتها و مصداقيتها . ليس بودي الآن و لا أنا قادر فعل ذلك سوى اللهم القيام ، هنا و الآن ، بترتيب بيتي الذي أعمل فيه قدر الامكان و حسب القناعات و المعطيات التي أمتلكها .
فلا يهم إن ضاعت البيداغوجية .. او ما شابه ذلك . لكل واحد منا بيداغوجيته ، يمتلك أسلوبه في التعامل مع الحقائق و الوقائع المفروضة عليه من كل الجهات . كل واحد منا يتخندق في معتركه يناشد السلم الاجتماعي و تحقيق المصلحة العليا للبلاد و تأدية الرسالة النبيلة الملقاة على عاتقه . و إن في نظري ، لهذا هو أسمى و أنبل هدف من جميع الأهداف الاخرى المتبقية و التي ما تحقق منها إلا جزء ضئيل . حقا لقد كنا نطمح إلى تحقيق أكثر من هذا جرأة و إقداما لتدليل الصعاب و قهر الحواجز و تقوية المناعة للجسم التربوي المنهوك . لكن شاءت الاقدار أن تشق ربما طرقا أخرى جريا وراء مصلحة آنية و درء مفسدة مبيتة .. و من يدريك لعل الساعة آتية ! و هناك من الاخبار السارة و غير السارة التي لم نسمعها بعد وكذا الأدوار و المناصب الجديدة التي لم تر النور وخاصة مع مجيئ معالي الوزير الجديد و تصريحاته المخيفة و المضحكة في فنون « المغامرة » في هذا القطاع بالذات و القطع مع زبانية « المال العام » و التلاعب بمصير و مستقبل أولاد المغاربة على حد قوله . إن السياسة هي فن الممكن . ترى هل يمكن للسياسة أن تصلح ما أفسده الدهر ؟ و هل من الحكمة و السياسة إيقاف ؟ مسلسل إصلاح منظومة التربية و التكوين بعد مضي أكثر من عشر سنوات فقط تحقق من خلالها بعض من التراكمات اليسيرة و بعض من الاستحقاقات المتواضعة على كل حال لكنها تظل مع ذلك مطلبا ملحا و أمرا ضروريا كأرضية للانطلاق و الخوض في « مغامرة » أخرى جديدة و ليس القطع مع « تجربة » سابقة مهما كانت الحجج والتبريرات المقدمة .
لما خرج الفتية عندنا إلى الشارع و هم ينادون بإسقاط « الفساد » تيمنا بإخوانهم العرب الآخرين بإسقاط « الحكومات » ، فإنه لم يتبادر قط إلى ذهننا أن رئيس حكومتنا الحالية ( أمد الله في عمره ) سوف يعلن جهارا في الجزيرة قوله : « عفا الله عما سلف » . الأمر الذي أثار حفيظة بعض الشباب الثائرين خاصة و المتتبعين للشأن المغربي عامة . من المؤكد أن « الغش » في الامتحانات هو من جنس الفساد . و كم كنا نتمنى أن يقطع دابر الغش أولا من جذوره الأولى هنا عندنا في التعليم الابتدائي حيث إنك لتجد أقرب الناس إليك في الادارة يشجعون على الغش أو لا ينهون عنه . و يحدث هذا رغم أنفك و يقال لك : أخوك مكره و لا بطل . تالله كيف ندفع بهؤلاء التلاميذ الصغار الضعاف إلى الهلاك المحقق و الانقطاع المبكر عن التعليم و نحن ندعي الاستقامة و النهج القويم ؟ ألم يكن من الأجدر لنا البحث و التفكير عن « تدخلات» مناسبة و معقولة في المكان و الزمان الضرورين لتلافي مثل هذا الهدر الذي لا يقره لا قانون و لا شريعة في الأرض و هو مع ذلك أمر يسهل تنفيده ؟ لماذا نخفي إذن رؤوسنا هكذا في الرمل كما تفعله النعامة .. لنخرجه مكرهين في النهاية و قد ساهمنا في تكريس التخلف على مدار السنين ..
إن مسألة ما هو إدراي صرف من جهة ، و ما هو بيداغوجي تام من جهة أخرى يعد أحد الأسباب الحقيقية لهذا الشرخ القائم في بنيان المؤسسة التربوية . قد تتعقد و تصطدم المصالح فيما بينها و تنشأ الازمات بين مؤيد و معارض ، بين من بيده الحل و العقد و بين من يمتلك أسباب و مسببات التنزيل و التفعيل لمقتضيات التعليم و التعلم . و لعل « مشروع المؤسسة » خير دليل على ذلك ، حيث أن مضمون المشروع يشكل نسبة كبيرة من الاجراءات التقنية و الادارية خالية من روح « المشاركة » الجماعية و البناءة لرجال التعليم ، أي كل ما له علاقة مباشرة او غير مباشرة بهموم و مشاكل الدراسة و التحصيل : مستوى التلاميذ الفعلي ، برامج الدعم و التصحيح ، المراقبة و التقويم ،الخ . و الحق يقال ، عندما تغيب البيداغوجية ، أية بيداغوجية ، فإن « الادارة » تكشر عن أنيابها و تكشف عن ضعفها المعرفي الكبير في هذا المجال الحساس و الخطير ، لذلك فهي لا تود فتح أي نقاش مثمر و بناء و مسؤول في هذا الباب . كما أن ما يسمى بـ « المجالس » التعليمية المتعددة و المشار إليها في العديد من المذكرات و الدوريات و الوثائق لا تقوم بدورها ما عدا في الخطابات و الحفلات : هذا حق بيداغوجي تم تصريفه إداريا لأنه مخيف ومثير للقلاقل و الفوضى حسب ظن أهل زمن التدبير البائد . لا يمكن أن يخطئ المشرع المدرسي حينما نادى كم من مرة بتفعيل هذه « المجالس » لأنه يعتبرها الحجر الأساس لكل « ديمقراطية » تربوية حقة تتغيا مصلحة التلميذ و هي فوق كل اعتبار. ماذا نقول عن هذه المجالس : أرض بوار ؟ مشروع غير مربح ؟ أم كما قيل بعد حين : ( عفا الله عما سلف ) : كيف ؟
بعد هذا و ذاك ، لقد كنا في السنوات الماضية نلقي باللائمة على بيداغوجية « الاهداف » التي أصابتنا بالضجر و السأم و بالتحجر و التقوقع أحيانا و نحن نلهث بلا وعي وراء استكمال آخر ورقة من المقرر الدراسي لكي نطويه طيا لكأنما نحن في استباق مع الزمن . إنما الذي كان يغيب في العملية التربوية في الحقيقة هو العمق الاستراتيجي للعملية برمتها ، نوع من الاستيلاب الفكري حسب التعبير الماركسي أو فقدان ما يصطلح عليه بـ « معنى التعلمات ». و هذا صحيح في جزء منه وارد جدا يشعر به كل من اشتغل وفق هذه البيداغوجية في بداية الثمانينات . كان التلاميذ يتقنون تمام الاتقان جميع « التمارين » المقدمة إليهم بدون مشقة او تريث . كانوا ينجزون أدق التفاصيل و كان يغيب عنهم « المهم .. » أي القصد ؟! مثلا في اللغة العربية ، تظل مادة « الانشاء » مادة مستعصية على الجميع إلا من أتى « قدرة » أو خبر شيئا من أهله و كان مؤهلا و يحمل من محيطه السوسيو ثقافي المتميز ثقافة النخبة . نفس الشيء في مادة « الحساب » ، حيث من الصعب « حل المسائل » بكل جدارة و استحقاق . لا أحد منا ينكر هذه الحقائق ، ثم إذا حضرت « المفاجأة » او الطامة الكبرى فهذا مرده لروح « خبيثة » لم تنجز الوعد و كان « غشا » في الخفاء و حتما مقضيا . و لعمري كل من شارك في تصحيح اوراق الامتحانات يشعر بمعنوياته تهتز اشد الاهتزاز لما يراه من ضعف في المستوى لا يشهده مثيل ، وبالأخص حينما تتشابه الاجوبة عند الجميع بلا منازع .
هذه قضيتنا / أطروحتنا الاولى في مسيرة التعليم بعد الخطوات الكبرى à grands pas في الثمانينات ؛ و قبل الخطوات ، أتى بوكماخ الذي ولى زمانه و ظلت أبجدياته المصورة لحد الساعة عالقة في أذهاننا و ماثلة بين أيدنا تارة تسحرنا و تارة تجذبنا نحو الماضي البعيد . إن بيداغوجية الأهداف ليست كلها سلبية و ضد طبيعة مسار التعلم : بإمكاننا تعويض كلمة « هدف » بالتعليم « الهادف » كما فعل من قبل الاستاذ محمد الدريج في محاولة منه لاستباق الأحداث ( الجيل الثاني من الأهداف ) الذي لم يكن عضوا مشاركا في بلورة ميثاق التربية و التكوين. لقد كان لديه تصور واضح و محدد لمفهوم « الكفاية » قبل صدور الكتاب الأبيض المملوء بالأخطاء الاستراتيجية القاتلة : تعريفات مبهمة و فضفاضة لا تستند إلى أية قاعدة علمية معترف بها . فمفهوم « أسيسة الكفايات » مثلا كان غائبا منذ البداية مما جعل ميثاق التربية و التكوين يترنح و يتخبط في التيه منذ سبع سنين تقريبا حتى جاء برنامج « الاستعجال » لانقاده . و هل « فشل » برنامج الاستعجال في محاولة إنقاد ما يمكن إنقاده ؟ نعم الحديث عن الفشل ، هنا ، هو فشل « سياسي » . و الأطروحة ما زالت تبحث عن نقيضها بالمعنى الديالكتيكي للكلمة .
تلقينا الامرين نحن معشر المعلمين و المعلمات حينما طلب منا – تجازوا – تطبيق « نهج » جديد في كيفية تصريف تعلمات التلاميذ وفق أحدث البيداغوجيات . لم نكن أنذاك قد استوعبنا جيدا الظرفية و لا الرهان لهذا العمل الجبار . من جهة ، تم السكوت عن أهم نقطة محورية في التكوين ألا و هي مدى ارتباط مفهوم « الكفاية » بـ « الادماج » . و هل كل « إدماج » كيفما حل و ارتحل يؤدي حتما إلى تحقيق الكفاية ؟ مثل هذه الأسئلة التنظيرية ما كان لها أن تثار أثناء فترة التكوين الذي كان يشق طريقه بالسيف كالمحارب . جملة من التعليمات هنا و هناك و الويل لمن سولت له نفسه تجاوز الحدود المعرفية او الخطوط الحمراء حسب مكتب التعليمات . و باختصار شديد ، لقد تم إفراغ التكوين – و أي تكوين ؟؟ – من أهم ما فيه و اكتفى رجال و نساء التعليم ببعض الجداول و الترسيمات على الحائط و إلتقاط بعض الصور التذكارية .
و الامر الآخر الاكثر شدة حدث و لا يزال يحدث الآن مع الأسف الشديد : صعوبة الملاءمة بل استحالة التوفيق بين منظور الادماج كإطار ميتودولوجي جذاب و متطور من جانب ، و المادة التعلمية التي لم يطرأ عليها أي تغيير او مراجعة من جانب آخر . ثمة هناك سوء نية وفهم أو تأويل بين الديداكتيك و الوضعيات الادماجية النهائية ؛ علما أن هذه الأخيرة تعد بمثابة « التتويج » لمسار التلميذ في آخر السنة . و في هذا الباب ، لا أحد منا نسي ما حملته « مذكرات » التقويم من مصاعب و أزمات و نذير شؤم على التعليم كله . فكان لزاما علينا تصحيح الوضع قبل فوات الآوان . فإما نلتزم بمفهوم استمرارية الدولة و نطبق شعار التغيير الذي تبنته وزارة التربية منذ انطلاق عملية الاصلاح : « النجاح للجميع » . ما معنى النجاح للجميع ؟! هذا الزائر الجديد قد يبدو غير مرحب به لاول وهلة لأنه لا يتماشى و منطق قضيتنا التعليمية على مدار السنين و التقاليد المتبعة منذ ظهور المدرسة المغربية على أقل تقدير . لا بد من توضيح الامر لكل من ساهم و يساهم في استقبال هؤلاء التلاميذ الناجحين بلا معدل لكن تحت قيود .. و إلا ستحل « الكارثة » . و هذا بالضبط ما وقع في جل المدارس بجميع مستوياتها و أسلاكها . فهل من مذكر ؟!
و في المقابل ، في حالة عدم الاخذ بهذا المعنى أي النجاح لكل التلاميذ دون إبقاء أي أحد كما يتبادر عكس ذلك إلى ذهن بعض المديرين ( مبدأ الاستحقاق .. أو الاستحياء ) ، أي الرجوع مرة أخرى لمبدأ « الكوطا » او الخريطة المدرسية « اللعينة » او « البنية » ؛ فإننا جميعا نؤكد على متابعة نهجنا غير السوي في إلحاق الضرر لعدد مهم من التلاميذ غير القادرين على متابعة دراستهم آجلا او عاجلا . فكلنا متفقون على هذه النتيجة النهائية بلا حرج ؟ فهل سنظل نعاود التجربة تلو التجربة .. هذه هي « المغامرة » التي تحدث عنها السيد الوزير ..و من معه.. مع كامل الاحترامات .
لا أعتقد أن مفهوم « الكفاية » la compétence سينقطع يوما عن دائرة الاحداث و المستجدات في عالم التربية و ما سوى ذلك . إنه مفهوم ملتبس و قوي جدا و متجذر في الكائن و في ما وراء الكائن . يتحدى جميع الاجزاء و التفاصيل الدقيقة ليصب في بوتقة التوحد الأكبر الذي هو « النسق » مصحوبا في ذلك بميكانيزمات : التطور ، و الانسجام ، والاكتمالية ، والارتهان ، و الاستقطاب ، و الحدس ، و الاشراق ، و الخبرة اليومية ، و التمرن ، الخ . مفهوم مثل هذا لا يمكنه حصريا التعايش في القسم مع « القلم / الورقة » كما وضح ذلك فيليب برينو في كتاباته مرارا و تكرارا . لا يكفي اجترار التعلم و اللعب به أو العمل على غلق المنافد في أحسن الحالات . إذن ، لا بد من حضور بعد ثان ذي أهمية قصوى يكون « الوضعية » التي سوف تخدم أغراض الكفاية و تحقق « قيمة مضافة » : أهداف بيداغوجية و تربوية و معايير محددة و معروفة . و الحال ، بما أن الكفاية لا تقترن – عندنا – بفلسفة المشروع و السيناريوهات و لعب الادوار كابتغاء المناهج الحديثة الباهضة والمكلفة في الثمن و الوقت ، فإن تصريف أي وضعية بالشكل غير المطلوب أي على مستوى « التصور و الاحتمال » يتطلب من المدرسات و المدرسين عملا سيكولوجيا جبارا و فوق العادة ( جونارييت / كندا ) . أما فيما يخص المعايير و هي ثلاثة معايير : الانتباه ، و التطبيق ، و عدم التناقض . كان الاولى التعامل معها وفق مفهوم « الأسلاك » الذي هو مفهوم مستحدث نادى به الميثاق . نخصص سنتين لكل معيار على حدة مع تحديد « دفتر التحملات » و المراقبة و التتبع و التغيير في المناصب حسب الضرورة . إن معيار الانتباه ، مثلا ، يتناسب جيدا مع تلاميذ القسم 1 و 2 ؛ في حين تم استبعاد معيار عدم التناقض من القسم 4 . هل تم استخراج المغزى من هذا الحصر؟ في الحقيقة ، فهو إن دل هذا على شيء فإنما يدل على وجوب أهمية التخطيط الاسترتيجي و المحكم لجميع مكونات العملية التعليمية / التعلمية و التشاور و المشاورة مع من يهمهم الامر و في مقدمتهم نساء و رجال التعليم – بلا فخر – المناضلين الأوفياء الذين لهم كلمتهم على أرض الميدان .
فاما الادماج Intégration ، فإنه لم يأت في الحقيقة إلا ليحل مشكلة شخصية يعاني منها التلميذ و المعلم على حد سواء و ليجعل أي الادماج من التفاصيل « نقطة واحدة » ، و من الجسم المتهالك « كيان » واحد حر ينبض بالحياة المبدعة و الخلاقة ، و من ضيق في الأفق سعة كبيرة في المتعة و النشاط و من التلقي و التنفيد الأعمى روح المبادرة و السعي الجاد لارتياد الآفاق والمجهول . فهل نجح الادماج عندنا و هو في عنفوان شبابه بهذه الكيفية المرجوة ؟ في جميع المشاريع الكبرى لا نستطيع الحكم على هذه « التجربة / المغامرة » و ننعتها بالفشل و هي في بداياتها الجنينية نظرا لانعدام مقومات البحث العلمي و الموضوعية و النقص الحاصل في تقصي الحقائق على أرض الواقع . ثم ماذا يعني النطق بالحكم حول « فعالية » الادماج كأسلوب تقني متميز و الكل يعلم أن « البرامج و المقررات » الدراسية لم تعرف أية مراجعة او تغيير تكون بمثابة السند و الحجة الدامغة لأي حكم آت يؤكد مصداقية الادماج أو يلغيه . أليس « الفساد » أولا يكمن في محاربة مثل هذه « الاحكام الفاسدة » تحت أية ذريعة . و الهدم ليس كالبناء .
طبعا ، هناك بعض المآخذ من حيث التخطيط لمراحل الادماج لا يمكن قبولها إلا بالقوة و الحجة و سداد الرأي – و هذه الأشياء غائبة مع الآسف – لا يمكن ان نترك المعلم (ة) يفعل ما يشاء بيداغوجيا و ديداكتيكيا مدة ستة أسابيع كلها ، ثم نقدفه قدفا هكذا في بركان الدمج ، بل في « تعليم الادماج » و تقويمه ..!؟ على سبيل المثال لا الحصر : التدبير الامثل للفضاء والعمل بواسطة المجموعات ينجم عنه مشاكل لوجيستيكية حقيقية بسبب الاكتظاظ و التناوب على القسم ، التقويم الذاتي الذي يعتبر أحد الأهداف النبيلة والمهمة في عملية الادماج لا يتحقق في بعض دقائق ، إرجاء إنجاز التعلميات الواردة في دفتر الوضعيات إلى الغد لا يخدم المصلحة أبدا إذ يشجع التلاميذ على الاتكالية و الغش ، بيداغوجية التلقين و التشحين لا يمكنها ان تجد ذاتها و تقطف الثمار المرجوة وخاصة أن الادماج إنما يقتضي في الأصل او ينبني أساسا على بيداغوجية متفتحة ، بنائية و سوسيوبنائية . ثم لا بد من تظافر الجهود : التحكم المطلق في منهجية التدريس و توحيدها ، التصحيح الآني للمسار و التدخلات المناسبة ، بناء قنوات التواصل لتمرير نتائج التجربة و المصادقة عليها ، الخ .
و على الرغم من كل هذه الثغرات المرصودة لا في منهجية تصريف الادماج ككل – ( بين الوضعية الديداكتيكية و الوضعية الادماجية هناك بون شاسع يجب ملؤه – كذلك تضارب بين مكونات الكفاية / شفوي و كتابي – أهمية تعليم الادماج / و تقويم الادماج ) – ولا فيما يخص الافتقار إلى برنامج دراسي صحيح يليق بآداب الادماج و مسوغاته ؛ فإنني أقف و أعترف أمام من ( حضر ) أثناء حصة في الادماج في العربية أن التلاميذ كانوا مع ذلك يحبون هذا النوع من التعلم الجديد بصورة لا تكاد تصدق . اما في باقي المواد الأخرى ، فالصورة لا ترقى أبدا إلى المستوى المطلوب و ذلك للأسباب السالفة الذكر . لا أريد من هذا الكشف الوجيز تقديم تحليل واف لمجريات الادماج و تشعباته المخيفة و شطحاته المغرية و صعوباته الظاهرة للعيان ، و إنما لا بد من القول أن المهم من كل هذا هو « بناء الكفايات ». هذا يعني المراوحة الدائمة و المستمرة بلا انفطاع بين « الجزء » الذي هو الدرس لا يغني و لا يسمن من جوع ، وبين « الكل » الذي يشكل الخلفية الايديولوجية و التاريخية و العلمية للمادة المدروسة . هذا يعني أيضا إقامة نوع من « الجدل » القوي و البناء بين الديداكتيك و الحداثة البيداغوجية . هذه نقطة أخيرة تهم الممارس و الممارسة على وجه التحديد ، أما الباقون فلهم الارادة « السياسية » الحقيقية في حال ثبوتها و تصديقها بالعمل الجاد و المتواصل . و الله الموفق و السلام .
ملاحظة : مع تحياتي الخالصة – عيد مبارك سعيد – لكل أعضاء منتدى السماعلة . لكل المشاركات و المشاركين . إلى اللقاء في ساعة مباركة .
إنني لأجد نفسي في عز هذا الشهر المبارك حرا و عطشا عاجزا تماما عن قول أي شيء عن التعليم و التعلم و ما آلت إليه الامور أولا و ثانيا في ظل شعار ينادي بالتغيير و تنزيل مقتضيات الميثاق و الدستور . فلم نعد في الحقيقة نعرف ماذا جرى بعد الذي كنا نصدقه و نعمل سويا على إنجازه فرادى و جماعات من ذي قبل رغم الظروف الصعبة و المشاكل المتتالية . و اليوم ، لقد طال الانتظار ، و توجس القوم خيفة من مستجدات الأحداث السياسية الجديدة في بلادنا بحثا عن مخرج يعيد للفلسفة التربوية وللمؤسسة معا هيبتها و وقارها ، نجاعتها و مصداقيتها . ليس بودي الآن و لا أنا قادر فعل ذلك سوى اللهم القيام ، هنا و الآن ، بترتيب بيتي الذي أعمل فيه قدر الامكان و حسب القناعات و المعطيات التي أمتلكها .
فلا يهم إن ضاعت البيداغوجية .. او ما شابه ذلك . لكل واحد منا بيداغوجيته ، يمتلك أسلوبه في التعامل مع الحقائق و الوقائع المفروضة عليه من كل الجهات . كل واحد منا يتخندق في معتركه يناشد السلم الاجتماعي و تحقيق المصلحة العليا للبلاد و تأدية الرسالة النبيلة الملقاة على عاتقه . و إن في نظري ، لهذا هو أسمى و أنبل هدف من جميع الأهداف الاخرى المتبقية و التي ما تحقق منها إلا جزء ضئيل . حقا لقد كنا نطمح إلى تحقيق أكثر من هذا جرأة و إقداما لتدليل الصعاب و قهر الحواجز و تقوية المناعة للجسم التربوي المنهوك . لكن شاءت الاقدار أن تشق ربما طرقا أخرى جريا وراء مصلحة آنية و درء مفسدة مبيتة .. و من يدريك لعل الساعة آتية ! و هناك من الاخبار السارة و غير السارة التي لم نسمعها بعد وكذا الأدوار و المناصب الجديدة التي لم تر النور وخاصة مع مجيئ معالي الوزير الجديد و تصريحاته المخيفة و المضحكة في فنون « المغامرة » في هذا القطاع بالذات و القطع مع زبانية « المال العام » و التلاعب بمصير و مستقبل أولاد المغاربة على حد قوله . إن السياسة هي فن الممكن . ترى هل يمكن للسياسة أن تصلح ما أفسده الدهر ؟ و هل من الحكمة و السياسة إيقاف ؟ مسلسل إصلاح منظومة التربية و التكوين بعد مضي أكثر من عشر سنوات فقط تحقق من خلالها بعض من التراكمات اليسيرة و بعض من الاستحقاقات المتواضعة على كل حال لكنها تظل مع ذلك مطلبا ملحا و أمرا ضروريا كأرضية للانطلاق و الخوض في « مغامرة » أخرى جديدة و ليس القطع مع « تجربة » سابقة مهما كانت الحجج والتبريرات المقدمة .
لما خرج الفتية عندنا إلى الشارع و هم ينادون بإسقاط « الفساد » تيمنا بإخوانهم العرب الآخرين بإسقاط « الحكومات » ، فإنه لم يتبادر قط إلى ذهننا أن رئيس حكومتنا الحالية ( أمد الله في عمره ) سوف يعلن جهارا في الجزيرة قوله : « عفا الله عما سلف » . الأمر الذي أثار حفيظة بعض الشباب الثائرين خاصة و المتتبعين للشأن المغربي عامة . من المؤكد أن « الغش » في الامتحانات هو من جنس الفساد . و كم كنا نتمنى أن يقطع دابر الغش أولا من جذوره الأولى هنا عندنا في التعليم الابتدائي حيث إنك لتجد أقرب الناس إليك في الادارة يشجعون على الغش أو لا ينهون عنه . و يحدث هذا رغم أنفك و يقال لك : أخوك مكره و لا بطل . تالله كيف ندفع بهؤلاء التلاميذ الصغار الضعاف إلى الهلاك المحقق و الانقطاع المبكر عن التعليم و نحن ندعي الاستقامة و النهج القويم ؟ ألم يكن من الأجدر لنا البحث و التفكير عن « تدخلات» مناسبة و معقولة في المكان و الزمان الضرورين لتلافي مثل هذا الهدر الذي لا يقره لا قانون و لا شريعة في الأرض و هو مع ذلك أمر يسهل تنفيده ؟ لماذا نخفي إذن رؤوسنا هكذا في الرمل كما تفعله النعامة .. لنخرجه مكرهين في النهاية و قد ساهمنا في تكريس التخلف على مدار السنين ..
إن مسألة ما هو إدراي صرف من جهة ، و ما هو بيداغوجي تام من جهة أخرى يعد أحد الأسباب الحقيقية لهذا الشرخ القائم في بنيان المؤسسة التربوية . قد تتعقد و تصطدم المصالح فيما بينها و تنشأ الازمات بين مؤيد و معارض ، بين من بيده الحل و العقد و بين من يمتلك أسباب و مسببات التنزيل و التفعيل لمقتضيات التعليم و التعلم . و لعل « مشروع المؤسسة » خير دليل على ذلك ، حيث أن مضمون المشروع يشكل نسبة كبيرة من الاجراءات التقنية و الادارية خالية من روح « المشاركة » الجماعية و البناءة لرجال التعليم ، أي كل ما له علاقة مباشرة او غير مباشرة بهموم و مشاكل الدراسة و التحصيل : مستوى التلاميذ الفعلي ، برامج الدعم و التصحيح ، المراقبة و التقويم ،الخ . و الحق يقال ، عندما تغيب البيداغوجية ، أية بيداغوجية ، فإن « الادارة » تكشر عن أنيابها و تكشف عن ضعفها المعرفي الكبير في هذا المجال الحساس و الخطير ، لذلك فهي لا تود فتح أي نقاش مثمر و بناء و مسؤول في هذا الباب . كما أن ما يسمى بـ « المجالس » التعليمية المتعددة و المشار إليها في العديد من المذكرات و الدوريات و الوثائق لا تقوم بدورها ما عدا في الخطابات و الحفلات : هذا حق بيداغوجي تم تصريفه إداريا لأنه مخيف ومثير للقلاقل و الفوضى حسب ظن أهل زمن التدبير البائد . لا يمكن أن يخطئ المشرع المدرسي حينما نادى كم من مرة بتفعيل هذه « المجالس » لأنه يعتبرها الحجر الأساس لكل « ديمقراطية » تربوية حقة تتغيا مصلحة التلميذ و هي فوق كل اعتبار. ماذا نقول عن هذه المجالس : أرض بوار ؟ مشروع غير مربح ؟ أم كما قيل بعد حين : ( عفا الله عما سلف ) : كيف ؟
بعد هذا و ذاك ، لقد كنا في السنوات الماضية نلقي باللائمة على بيداغوجية « الاهداف » التي أصابتنا بالضجر و السأم و بالتحجر و التقوقع أحيانا و نحن نلهث بلا وعي وراء استكمال آخر ورقة من المقرر الدراسي لكي نطويه طيا لكأنما نحن في استباق مع الزمن . إنما الذي كان يغيب في العملية التربوية في الحقيقة هو العمق الاستراتيجي للعملية برمتها ، نوع من الاستيلاب الفكري حسب التعبير الماركسي أو فقدان ما يصطلح عليه بـ « معنى التعلمات ». و هذا صحيح في جزء منه وارد جدا يشعر به كل من اشتغل وفق هذه البيداغوجية في بداية الثمانينات . كان التلاميذ يتقنون تمام الاتقان جميع « التمارين » المقدمة إليهم بدون مشقة او تريث . كانوا ينجزون أدق التفاصيل و كان يغيب عنهم « المهم .. » أي القصد ؟! مثلا في اللغة العربية ، تظل مادة « الانشاء » مادة مستعصية على الجميع إلا من أتى « قدرة » أو خبر شيئا من أهله و كان مؤهلا و يحمل من محيطه السوسيو ثقافي المتميز ثقافة النخبة . نفس الشيء في مادة « الحساب » ، حيث من الصعب « حل المسائل » بكل جدارة و استحقاق . لا أحد منا ينكر هذه الحقائق ، ثم إذا حضرت « المفاجأة » او الطامة الكبرى فهذا مرده لروح « خبيثة » لم تنجز الوعد و كان « غشا » في الخفاء و حتما مقضيا . و لعمري كل من شارك في تصحيح اوراق الامتحانات يشعر بمعنوياته تهتز اشد الاهتزاز لما يراه من ضعف في المستوى لا يشهده مثيل ، وبالأخص حينما تتشابه الاجوبة عند الجميع بلا منازع .
هذه قضيتنا / أطروحتنا الاولى في مسيرة التعليم بعد الخطوات الكبرى à grands pas في الثمانينات ؛ و قبل الخطوات ، أتى بوكماخ الذي ولى زمانه و ظلت أبجدياته المصورة لحد الساعة عالقة في أذهاننا و ماثلة بين أيدنا تارة تسحرنا و تارة تجذبنا نحو الماضي البعيد . إن بيداغوجية الأهداف ليست كلها سلبية و ضد طبيعة مسار التعلم : بإمكاننا تعويض كلمة « هدف » بالتعليم « الهادف » كما فعل من قبل الاستاذ محمد الدريج في محاولة منه لاستباق الأحداث ( الجيل الثاني من الأهداف ) الذي لم يكن عضوا مشاركا في بلورة ميثاق التربية و التكوين. لقد كان لديه تصور واضح و محدد لمفهوم « الكفاية » قبل صدور الكتاب الأبيض المملوء بالأخطاء الاستراتيجية القاتلة : تعريفات مبهمة و فضفاضة لا تستند إلى أية قاعدة علمية معترف بها . فمفهوم « أسيسة الكفايات » مثلا كان غائبا منذ البداية مما جعل ميثاق التربية و التكوين يترنح و يتخبط في التيه منذ سبع سنين تقريبا حتى جاء برنامج « الاستعجال » لانقاده . و هل « فشل » برنامج الاستعجال في محاولة إنقاد ما يمكن إنقاده ؟ نعم الحديث عن الفشل ، هنا ، هو فشل « سياسي » . و الأطروحة ما زالت تبحث عن نقيضها بالمعنى الديالكتيكي للكلمة .
تلقينا الامرين نحن معشر المعلمين و المعلمات حينما طلب منا – تجازوا – تطبيق « نهج » جديد في كيفية تصريف تعلمات التلاميذ وفق أحدث البيداغوجيات . لم نكن أنذاك قد استوعبنا جيدا الظرفية و لا الرهان لهذا العمل الجبار . من جهة ، تم السكوت عن أهم نقطة محورية في التكوين ألا و هي مدى ارتباط مفهوم « الكفاية » بـ « الادماج » . و هل كل « إدماج » كيفما حل و ارتحل يؤدي حتما إلى تحقيق الكفاية ؟ مثل هذه الأسئلة التنظيرية ما كان لها أن تثار أثناء فترة التكوين الذي كان يشق طريقه بالسيف كالمحارب . جملة من التعليمات هنا و هناك و الويل لمن سولت له نفسه تجاوز الحدود المعرفية او الخطوط الحمراء حسب مكتب التعليمات . و باختصار شديد ، لقد تم إفراغ التكوين – و أي تكوين ؟؟ – من أهم ما فيه و اكتفى رجال و نساء التعليم ببعض الجداول و الترسيمات على الحائط و إلتقاط بعض الصور التذكارية .
و الامر الآخر الاكثر شدة حدث و لا يزال يحدث الآن مع الأسف الشديد : صعوبة الملاءمة بل استحالة التوفيق بين منظور الادماج كإطار ميتودولوجي جذاب و متطور من جانب ، و المادة التعلمية التي لم يطرأ عليها أي تغيير او مراجعة من جانب آخر . ثمة هناك سوء نية وفهم أو تأويل بين الديداكتيك و الوضعيات الادماجية النهائية ؛ علما أن هذه الأخيرة تعد بمثابة « التتويج » لمسار التلميذ في آخر السنة . و في هذا الباب ، لا أحد منا نسي ما حملته « مذكرات » التقويم من مصاعب و أزمات و نذير شؤم على التعليم كله . فكان لزاما علينا تصحيح الوضع قبل فوات الآوان . فإما نلتزم بمفهوم استمرارية الدولة و نطبق شعار التغيير الذي تبنته وزارة التربية منذ انطلاق عملية الاصلاح : « النجاح للجميع » . ما معنى النجاح للجميع ؟! هذا الزائر الجديد قد يبدو غير مرحب به لاول وهلة لأنه لا يتماشى و منطق قضيتنا التعليمية على مدار السنين و التقاليد المتبعة منذ ظهور المدرسة المغربية على أقل تقدير . لا بد من توضيح الامر لكل من ساهم و يساهم في استقبال هؤلاء التلاميذ الناجحين بلا معدل لكن تحت قيود .. و إلا ستحل « الكارثة » . و هذا بالضبط ما وقع في جل المدارس بجميع مستوياتها و أسلاكها . فهل من مذكر ؟!
و في المقابل ، في حالة عدم الاخذ بهذا المعنى أي النجاح لكل التلاميذ دون إبقاء أي أحد كما يتبادر عكس ذلك إلى ذهن بعض المديرين ( مبدأ الاستحقاق .. أو الاستحياء ) ، أي الرجوع مرة أخرى لمبدأ « الكوطا » او الخريطة المدرسية « اللعينة » او « البنية » ؛ فإننا جميعا نؤكد على متابعة نهجنا غير السوي في إلحاق الضرر لعدد مهم من التلاميذ غير القادرين على متابعة دراستهم آجلا او عاجلا . فكلنا متفقون على هذه النتيجة النهائية بلا حرج ؟ فهل سنظل نعاود التجربة تلو التجربة .. هذه هي « المغامرة » التي تحدث عنها السيد الوزير ..و من معه.. مع كامل الاحترامات .
لا أعتقد أن مفهوم « الكفاية » la compétence سينقطع يوما عن دائرة الاحداث و المستجدات في عالم التربية و ما سوى ذلك . إنه مفهوم ملتبس و قوي جدا و متجذر في الكائن و في ما وراء الكائن . يتحدى جميع الاجزاء و التفاصيل الدقيقة ليصب في بوتقة التوحد الأكبر الذي هو « النسق » مصحوبا في ذلك بميكانيزمات : التطور ، و الانسجام ، والاكتمالية ، والارتهان ، و الاستقطاب ، و الحدس ، و الاشراق ، و الخبرة اليومية ، و التمرن ، الخ . مفهوم مثل هذا لا يمكنه حصريا التعايش في القسم مع « القلم / الورقة » كما وضح ذلك فيليب برينو في كتاباته مرارا و تكرارا . لا يكفي اجترار التعلم و اللعب به أو العمل على غلق المنافد في أحسن الحالات . إذن ، لا بد من حضور بعد ثان ذي أهمية قصوى يكون « الوضعية » التي سوف تخدم أغراض الكفاية و تحقق « قيمة مضافة » : أهداف بيداغوجية و تربوية و معايير محددة و معروفة . و الحال ، بما أن الكفاية لا تقترن – عندنا – بفلسفة المشروع و السيناريوهات و لعب الادوار كابتغاء المناهج الحديثة الباهضة والمكلفة في الثمن و الوقت ، فإن تصريف أي وضعية بالشكل غير المطلوب أي على مستوى « التصور و الاحتمال » يتطلب من المدرسات و المدرسين عملا سيكولوجيا جبارا و فوق العادة ( جونارييت / كندا ) . أما فيما يخص المعايير و هي ثلاثة معايير : الانتباه ، و التطبيق ، و عدم التناقض . كان الاولى التعامل معها وفق مفهوم « الأسلاك » الذي هو مفهوم مستحدث نادى به الميثاق . نخصص سنتين لكل معيار على حدة مع تحديد « دفتر التحملات » و المراقبة و التتبع و التغيير في المناصب حسب الضرورة . إن معيار الانتباه ، مثلا ، يتناسب جيدا مع تلاميذ القسم 1 و 2 ؛ في حين تم استبعاد معيار عدم التناقض من القسم 4 . هل تم استخراج المغزى من هذا الحصر؟ في الحقيقة ، فهو إن دل هذا على شيء فإنما يدل على وجوب أهمية التخطيط الاسترتيجي و المحكم لجميع مكونات العملية التعليمية / التعلمية و التشاور و المشاورة مع من يهمهم الامر و في مقدمتهم نساء و رجال التعليم – بلا فخر – المناضلين الأوفياء الذين لهم كلمتهم على أرض الميدان .
فاما الادماج Intégration ، فإنه لم يأت في الحقيقة إلا ليحل مشكلة شخصية يعاني منها التلميذ و المعلم على حد سواء و ليجعل أي الادماج من التفاصيل « نقطة واحدة » ، و من الجسم المتهالك « كيان » واحد حر ينبض بالحياة المبدعة و الخلاقة ، و من ضيق في الأفق سعة كبيرة في المتعة و النشاط و من التلقي و التنفيد الأعمى روح المبادرة و السعي الجاد لارتياد الآفاق والمجهول . فهل نجح الادماج عندنا و هو في عنفوان شبابه بهذه الكيفية المرجوة ؟ في جميع المشاريع الكبرى لا نستطيع الحكم على هذه « التجربة / المغامرة » و ننعتها بالفشل و هي في بداياتها الجنينية نظرا لانعدام مقومات البحث العلمي و الموضوعية و النقص الحاصل في تقصي الحقائق على أرض الواقع . ثم ماذا يعني النطق بالحكم حول « فعالية » الادماج كأسلوب تقني متميز و الكل يعلم أن « البرامج و المقررات » الدراسية لم تعرف أية مراجعة او تغيير تكون بمثابة السند و الحجة الدامغة لأي حكم آت يؤكد مصداقية الادماج أو يلغيه . أليس « الفساد » أولا يكمن في محاربة مثل هذه « الاحكام الفاسدة » تحت أية ذريعة . و الهدم ليس كالبناء .
طبعا ، هناك بعض المآخذ من حيث التخطيط لمراحل الادماج لا يمكن قبولها إلا بالقوة و الحجة و سداد الرأي – و هذه الأشياء غائبة مع الآسف – لا يمكن ان نترك المعلم (ة) يفعل ما يشاء بيداغوجيا و ديداكتيكيا مدة ستة أسابيع كلها ، ثم نقدفه قدفا هكذا في بركان الدمج ، بل في « تعليم الادماج » و تقويمه ..!؟ على سبيل المثال لا الحصر : التدبير الامثل للفضاء والعمل بواسطة المجموعات ينجم عنه مشاكل لوجيستيكية حقيقية بسبب الاكتظاظ و التناوب على القسم ، التقويم الذاتي الذي يعتبر أحد الأهداف النبيلة والمهمة في عملية الادماج لا يتحقق في بعض دقائق ، إرجاء إنجاز التعلميات الواردة في دفتر الوضعيات إلى الغد لا يخدم المصلحة أبدا إذ يشجع التلاميذ على الاتكالية و الغش ، بيداغوجية التلقين و التشحين لا يمكنها ان تجد ذاتها و تقطف الثمار المرجوة وخاصة أن الادماج إنما يقتضي في الأصل او ينبني أساسا على بيداغوجية متفتحة ، بنائية و سوسيوبنائية . ثم لا بد من تظافر الجهود : التحكم المطلق في منهجية التدريس و توحيدها ، التصحيح الآني للمسار و التدخلات المناسبة ، بناء قنوات التواصل لتمرير نتائج التجربة و المصادقة عليها ، الخ .
و على الرغم من كل هذه الثغرات المرصودة لا في منهجية تصريف الادماج ككل – ( بين الوضعية الديداكتيكية و الوضعية الادماجية هناك بون شاسع يجب ملؤه – كذلك تضارب بين مكونات الكفاية / شفوي و كتابي – أهمية تعليم الادماج / و تقويم الادماج ) – ولا فيما يخص الافتقار إلى برنامج دراسي صحيح يليق بآداب الادماج و مسوغاته ؛ فإنني أقف و أعترف أمام من ( حضر ) أثناء حصة في الادماج في العربية أن التلاميذ كانوا مع ذلك يحبون هذا النوع من التعلم الجديد بصورة لا تكاد تصدق . اما في باقي المواد الأخرى ، فالصورة لا ترقى أبدا إلى المستوى المطلوب و ذلك للأسباب السالفة الذكر . لا أريد من هذا الكشف الوجيز تقديم تحليل واف لمجريات الادماج و تشعباته المخيفة و شطحاته المغرية و صعوباته الظاهرة للعيان ، و إنما لا بد من القول أن المهم من كل هذا هو « بناء الكفايات ». هذا يعني المراوحة الدائمة و المستمرة بلا انفطاع بين « الجزء » الذي هو الدرس لا يغني و لا يسمن من جوع ، وبين « الكل » الذي يشكل الخلفية الايديولوجية و التاريخية و العلمية للمادة المدروسة . هذا يعني أيضا إقامة نوع من « الجدل » القوي و البناء بين الديداكتيك و الحداثة البيداغوجية . هذه نقطة أخيرة تهم الممارس و الممارسة على وجه التحديد ، أما الباقون فلهم الارادة « السياسية » الحقيقية في حال ثبوتها و تصديقها بالعمل الجاد و المتواصل . و الله الموفق و السلام .
ملاحظة : مع تحياتي الخالصة – عيد مبارك سعيد – لكل أعضاء منتدى السماعلة . لكل المشاركات و المشاركين . إلى اللقاء في ساعة مباركة .
عدل سابقا من قبل مبشور في 4/11/2012, 13:26 عدل 2 مرات (السبب : تصويبات)