الفارقية ممكنة و قد تجلب الكثير
فيليب ميريو
شكرا لهذا الاستقبال و شكرا لهذه الدعوة في هذه الأمسية . أؤكد لكم انني جد مسرور بهذا اللقاء الذي أقيم من أجلي لأنني أجد المشروع الذي احتضنتموه بين ظهرانيكم هو بالأخص مشروع مليئ بالأمل على ما يبدو لي و مشروع يبرهن على أهداف واضحة ...( ردود فعل الحاضرين ) ؛ و خاصة أنه مشروع يستحق الوجود .
سنتحدث قليلا لو أردتم بالفعل عن محور هذا المشروع الذي أتشبت به كثيرا ؛ إنه تفريد مسارات التكوين individualiser des parcours de formation . أقترح عليكم في البداية التفكير انطلاقا من تصميم منظم في سبع نقط . و أيضا بعض وثائق العمل ( نسخ هذه الوثائق العملية ادمجت في كتابة النص ) سأعلق عليها مباشرة في هذه الأمسية إلا أنه جرى بسهولة أن هذه الوثائق في حد ذاتها تفقد غايتها فهي أدوات ، ميتا – ادوات ، أدوات لبناء أدوات ، وثائق تستطيعون بموجبها العمل و كذلك التضليل بالقدر الكافي و تفعلون بها ما تشاؤون من المنفعة و الفائدة لحياتكم الشخصية . و الآن أعرض عليكم الفصول :
1- الفارقية البيداغوجية ... قصة قديمة .
2- الاتجاهان للفارقية البيداغوجية .
3- الفارقية المعدلة : ما هي المرتكزات ؟
4- الفارقية المعدلة : ما هي المسالك الممكنة لتغيير المناهج ؟
5- الفارقية بلا تجزيء و التفريد بلا تعميق الهوة .
6- شروط الفارقية : التعاقد الديداكتيكي و التعاقد الاجتماعي .
7- الفارقية : قضية أخلاقية .
1)- البياغوجية الفارقية ... قصة قديمة :
سأمر بسرعة على النقطة الأولى حتى أتمكن من أخذ الوقت الكافي بالنسبة للنقط الاخرى لما لها من اهمية كبيرة في الشرح و التفسير . لقد قال فيليب بيرنو أن فكرة الفارقية قد ظهرت كما هي في السبعينات (70 ) . لكنني أريد بصراحة أن أقول فقط ، من واجبي احترام العمل المنجز في هذا الميدان ، أن الأمر لهو سابق . إن عبارة الفارقية la différenciation قد تشكلت بدون شك على يد لويس لوكران ... و مع ذلك نجد اندري بيريتي ينازعه الأبوة من حين لآخر . لقد بنيت هذه اللفظة انطلاقا من عبارة « السيكولوجيا الفارقية » ، مما يفرض علينا مسبقا حسب اعتقادي الحيطة و الحذر إزاء بعض عدد من الإلتباسات ، و سأعود إلى هذا الأمر بعد قليل . لكن حتى قبل تشكل فكرة البيداغوجية الفارقية و يتم التعبيرعنها في مؤلفات كالتي ذكرها فيليب بيرنو ، فإننا كيفما كان الحال نمتلك عددا من الاعمال بصدد فكرة تفريد مسارات التكوين .
لا أريد العودة بكم إلى وظيفة المدرس التهذيبية و أشرح لكم أن هذه الوظيفة سبقت الممارسة الصفية و التدريس الجماعي بشكل ما ؛ بهذا المعنى ، فالتفريد قد سبق التدريس الذي نعرفه حاليا . و لكن سأذكركم أن في الولايات المتحدة منذ 1905 ، نظمت السيدة باركوست مدرسة نظامية تسمى في ذلك العهد بخطة دالتون و هو نظام مبرمج للتدريس يتكون من البطاقات الفردية المتتابعة الواحدة تلو الاخرى مستعملة ما يدعى اليوم ببطارية الأهداف . و هكذا ، في سنة 1907 ، تقريبا بعد قرن ، قامت السيدة باركوست بأول تلخيص و أشارت فيه بدقة إلى الايجابيات و المعيقات الخاص بنظامها التفريدي لمسارات التكوين . بالنسبة للايجابيات ، تكلمت عن العقلانية ، و تطور معنى التنظيم ، و إمكانية الدعم القوي و الشخصي ، و إنتاجية خصبة و مثمرة في العمل المدرسي مع قليل من ضياع الوقت . اما المعيقات ، فلقد أشارت باركوست أن احترام برنامج البطاقات يشوه او يكاد الفكرة الأولية للتفريد بسبب أن النظام أصبح متمركزا بقوة على ما سبق تعلمه و ليس على المتعلم نفسه . كما أكدت السيدة باركورست على ان الاشتغال بالبطاقات و التعاقد القبلي ، يؤدي إلى الزيادة الكبيرة في المهام و قد يروم إلى العمل الميكانيكي في نهاية المطاف . من جانب آخر ، إشارة إلى التفريد المتفاقم على أنه يخلق نوعا من النقص في التواصل بين التلاميذ فيما بينهم و بين المدرسين و يحمل امتيازا ملحوظا للكتابة .
نحن الآن في سنة 1907 ، سنتان اثنتان من تصميم دالتون ، و في هذه الأثناء ، في مدة سنتين نستخرج النتائج و نتدبرها اليوم و نستنطقها بطريقة ما . فالنتائج تعتبر دوما مهمة جدا لمعرفة و تحديد المشاكل المتعلقة بتفريد مسارات التكوين .
تعلمون بوجود تجارب كثيرة ، حديثة نسبيا ، لكن ما أكثرها كمدرسة ونتكا في انجلترا و عمل فريني الذي وضع نظاما بالبطاقات مصحوبة بألية التصحيح الذاتي الذي هو نوع من الحاسوب التقريبي . تعلمون كذلك أن في سنة 1927 ، هنا في هذا المكان بجينيف ، شيد دوترنس مدرسة الميل mail أسست على مبدإ التفريد المطلق لمسارات التكوين للعمل الفردي الممنهج . كان لديه بعض التصورات فيما يخص التعلم المنطلق من رؤية أكثر ميكانيكية . لا أريد المزيد من الجرد لأنه سيكون طويلا و مملا ، فقط أريد ان أذكركم اننا اليوم بصدد ميدان قد تم فعلا استكشافه من طرف الباحثين ، و بشكل آخر ، توجد لدينا حظوظ في ربح عدة عناصر منذ التسعينات (90 ) و تصميم دالتون يسمح لنا بأن لا نرتكب مجددا بعض الأخطاء و قيادة الفارقية ، التفريدية ، كما سميت في ذلك الزمان مع أوفر حظ من النجاح .
2)- الاتجاهان للفارقية :
المستهدف إذا هو « قدم » الحكاية لكن هذا الحكي سرعان ما أصبح محط نزاع ، و في صلب هذا التيار الذي يبحث عن التفريد ، إذ جُعل مما نسميه « المدرسة على المقاس » و العبارة لكلاباريد الشيء الذي نتج عنه ظهور نزعتان من الضروري على ما يبدو لي التذكير بهما لأنه يوجد هنالك رهان نظري و تطبيقي في آن واحد . بالفعل ، هاتان النزعتان تعايشتا و لا زالت تتعايش اليوم أيضا و نجدها حاضرة في الاعمال المنصبة على الفارقية البيداغوجية . سميتهم هنا ، لكن بشكل مقنن جدا و سيبدو لكم الشكل ربما مبالغ فيه ، الاتجاه التطبيقي و فرضية التشخيص القبلي و الاتجاه التصحيحي و فرضية النسبية الخصبة .
هذه العبارات قد تبدو لكم غامضة بعض الشيء أو مطلمسة غير أنني سأحاول توضيحها .
في العمق ، أول هذه التيارات يكمن في القول حسب ما يلي ؛ و سأكون مختصرا جدا . لكن سترون أن هذا الاختصار يشمل ممارسات – محاولات حقيقية وضعت حيز التطبيق . لا يمكن إعطاء تحديد لـ ( Différencier ) / الفارقية . بدون معرفة قبلية لعدد من المعلومات حول التلاميذ الذين سوف نقابلهم . بمعنى آخر ، هدف الفارقية حسب هذا المنظور هو إمكانية التمرير في الأساس جملة من الروائز التي من شأنها السماح بتعيين نمو المستوى المعرفي لتلميذ ما و علاقته بالاجتماعي و طبيعة استراتيجيته الشخصية في التعلم و علاقته مع الكبار ؛ هل يحصل التفاهم مع رجل أو امرة ، هل يعمل جيدا مع شاب أو شيخ و مجموعة من الأسئلة الساعية لتطويق نوع من البروفيل السيكوبيداغوجي . انطلاقا من تلك الروائز ، نستخلص مجموعة من الأدوات و الوسائل البيداعوجية التي سوف تتلاءم بشكل دقيق وفق حاجيات و معطيات الفرد تماما مثل ما تم تقويمه مؤخرا بواسطة هذه الروائز في السابق . إن هذا التيار هو الغالب في البيداغوجية الفارقية و له حضور قوي بداية عند أناس مثل كلاباريد حيث ، في " المدرسة على المقاس " ، يدافع بقوة و حماس شديدين عن وجهة نظره و عن نظريته . عودة هذا التيار سيلاحظ عند بعض الناس المنخرطين في حركة سكينر و التعليم المبرمج هو ايضا حاضر اليوم في بعض الاعمال التي تركزت حول مفاهيم بيداغوجية التحكم de maitrise .
بالنسبة لي ، إن هذا التصور للفارقية أعتبره مستحيلا و خطيرا ، مستحيل بسبب افتراضه أن المعرفة هي قبلية . لكن بالضبط ما يميز البيداغوجية هو عدم الوجود بالمطلق معرفة سابقة عن التلميذ . لا نعرف التلميذ إلا بعدما نتعامل معه . " كيف يمكنني أن أعرف هل هو موسيقي ، يقول آلان Alain ، مادمت لم أحاول تعليمه اللعب بالبيانو . كيف يتسنى لي أن أعرفه إذا لم أتوفر و أستجمع كل الطرق و الأساليب المساعدة و المسهلة لتعليمه البيانو ؟ " . بعبارة أخرى ، إن احدى الخصائص المهمة في البيداغوجية هو ان جل المعارف التي نستقيها من التلميذ تصدر انطلاقا من مبادرتنا و نابعة من وحي فعلنا . تمتاز البيداغوجية بهذ الخاصية أن معرفة التلميذ تنبع من خلال و عبر التفاعل المبرم معه: لا أعرف فيما إذا كان التلميذ المتعامل معه سوف يتصرف بمثل هذه الطريقة أو أخرى لما أنا مقدم عليه طالما أنني لم أقدم له أي شيء و لم أتعرف عليه لأن ما سوف أقدمه له لا يمكنه الاستنباط ميكانيكيا من تحليل حاجياته ، و السبب في ذلك هو أن هذا العطاء صادر من إبداعي الديداكتيكي .
أعرض عليكم نكثة لشرح كلامي . احدى طالباتي منذ سنتين او ثلاث كانت تعمل كمدرسة في احد الأقسام التحضيرية يعني قسم الاطفال الصغار الذين يتعلمون القراءة ، و كانت المدرسة جد قلقة و مفجعة أيضا لأن فتاة صغيرة تأتي إلى قسمها و هي باكية ، و ترفض الدخول إلى القسم . وجب جرها من دراعيها لإدخالها إلى الفصل و يلزم نصف ساعة لإسكاتها ، و تتعود ، و تجد راحتها في القسم ، و تبدأ في العمل قليلا . في ذلك الوقت ، كان لدينا مجموعة صغيرة من الأولاد و البنات أشتغل معهم و يتبادلون معي ممارستهم المهنية . و هذه المعلمة كانت تقول لنا دائما : « دائما نفس الشيء ، أنا منزعجة ، لا أدري لماذا هذه الفتاة لا تريد الدخول إلى القسم ؟ » . أمر فظيع و مروع بالنسبة لها و كانت تعيش الحدث كإحباط أو فشل شخصي : لديك فتاة صغيرة كانت ، في كل صباح ، تبكي لكي تدخل إلى القسم ! ثم بعد ذلك في احد الأيام ، بعد حديثنا مع أعضاء الفريق قررت المعلمة محاولة فعل شيء ما كالعمل الجماعي : تكوين مجلة او جريدة القسم و إحداث مجموعات صغيرة من التلاميذ من اجل تدوين مقالات . إذن يحدث أمر لم يكن في الحسبان : في مساء ذلك النهار ذاته حينما همت بالأمر ، توقفت الفتاة عن البكاء ، بل جاءت قائلة : « معلمتي ، هل سنقوم أيضا بعمل المجموعات في الغذ ؟ مثلما فعلنا من قبل ؟ »هل هذا معناه أن الفتاة الصغيرة كانت تبكي لأننا كنا نشتغل بالعمل بالمجموعات ؟ . طبعا كلا ! سيكون من العبث التفكير في مثل الشيء. بنفس الطريقة سيكون من السذاجة التفكير قائلين بوجود هناك نوع من الاستنباط الميكانيكي الذي يجيز تصور أن ذكاء الصدمة السيكولوجية التي أصيبت بها الطفلة في ماضيها هو ناتج بشكل ما عن ألية العمل بالمجموعات و تدوين المقالات جماعيا " .
فلأن المعلمة أبدعت ، أسست شيئا ما ، استطاعت إيجاد كيف تساعد هذه الفتاة الصغيرة المفجعة من جراء تجربة شخصية صعبة بدون شك حيث تظافرت هناك علاقات أسرية مع الأصدقاء و مع أساتذة آخرين قدماء . لا تملك المعلمة أية سلطة إزاء هذه الأشياء . أحداث مضت لكنها تشكل مناسبة لتأسيس عمل جماعي تدرك المعلمة من خلاله أن الفتاة الصغيرة بإمكانها تجاوز مشقتها لو نحن قدمنا لها نوعا من النشاط البيداغوجي المتميز . لكن ، مرة أخرى ، إن هذا النوع من النشاط البيداغوجي ليس عملا ميكانيكيا مستنبطا من تحليل ماقبلي لحاجيات الفتاة الصغيرة . بتقديمنا إياها هذا النشاط ، استطعنا كشف لدى هذه الفتاة الصغيرة و لفائدتها الموارد و الامكانات و الانفتاحات الممكنة ؛ لو سمحت قليلا لنفسي إذن بهذه النزهة فلأنني أظن اننا قد وضعنا اليد على نقطة مهمة و حساسة : نقطة باقية و لن تنمحي في تاريخ البيداغوجية . نريد الحصول على نوع ما من التيقن الذي يجيز لنا البناء الماقبلي لقضايانا البيداغوجية المتعلقة بمعرفة الطفل . أعتقد أن هذا التيقن و اليقين يشكل خطرا كبيرا و أنه فخ و خديعة . تتحدث سيفالي عن « الطفل المتصف بالصفات » و عن « الولع بمعرفتة لكي نربيه ، و إحداث طريق مسدود من اجل المغامرة التربوية معه ». اعتقد أن هناك شيئا يشبه قليلا ما هذا الصنف من الرغبة في التحديد المطلق ، و في إلصاق عناوين و صفات للطفل و من ثمة نستنبط منه ما يمكن أن نقدمه من فارقية له . نحن هنا أمام امر مضاد حتى لطبيعة الفكر البيداغوجي على ما أعتقد ؛ مضاد و كذلك خطير لأننا ما انتهينا من التعريف و بالأخص ندرك جيدا أن هؤلاء الذين يجعلون من المعرفة شرطا قبليا من أجل العمل فهم لا يعملون أبدا .
من اجل هذه الحقيقة ، عكس هذا التصور الذي سميته المطبق applicationiste ، الميكانيكي ، السيكوبيداغوجي أي بمعنى السيكوبيداغوجيا التي تعتقد استنباط البيداغوجيا من السيكولوجيا . فإنه بفضل هذا التعارض و التقابل من حيث التصور أصبح بعض الاشخاص يقترحون فكرة الفارقية لا من رحم المنظور إطلاقا بحيث يتم وضع الصفات و النعوت و الحاجيات القبلية المحددة للتلاميذ بشكل مضبوط ، ولكن كوسيلة من الوسائل تتغيى اكتشاف بمعيتهم الامكانات التي سوف يحصلون عليها و الانعكاسات المرتقبة للتعديل الفعلي للتقاربات الخاصة باتخاذ القرار .
إننا نأخذ دوما قرارات تقريبية و لا ندعي نشدان الكمال او التحقق التام للحدث كما يحلو لأي أحد و في أية لحظة ... هذا حلم مستحيل . و بالمقابل ، باستطاعتنا ان نقدم مقترحات ، ملاحظة ، تجميع المعلومات . و اثناء هذه الحركية التقريبية في أخذ القرار ، نغتنم الفرصة لممارسة التصويب و التعديل و حتى التفكير مع التلميذ مساعدين إياه ليستوعب ما قدم له ، هل هو مناسب أم لا لاحتياجاته هل يتلاءم مع طريقته . الأمر جعلني أقول في اغلب الأحيان أن أفضل بيداغوجية ليست هي البيداغوجية المثالية فحسب تماما كما أن البيداغوجية الناجحة ليست هي البيداغوجية المثالية . وهم البيداغوجية المثالية مما لا شك فيه يتسم بالخطورة الكبيرة ربما حتى بالإرهاب بعض الشيء ، ربما بالتلاعب شيئا ما . أفضل بيداغوجية هي البيداغوجية التي تتحكم في نقائصها قدر المستطاع و تحسن إلى أبعد حد ما يمكن تحسينه كما يقول أهل التدبير اليوم . النقائص و العيوب الحتمية لنجعل منها مناسبات للتفكير الذكي مع التلاميذ و الأطفال .
إن التصور الثاني للمقاربة البيداغوجية هو الذي أود الدفاع عنه اليوم امامكم . وجدته أكثر انفتاحا ، اكثر أهمية و إثارة ، أكثر قوة لنا . وجدته يترك للممارس مبادرة لابأس بها أيضا و لا يضعه خاضعا لتبعية و منقادا لنوع ما من التشخيص الماقبلي سابق للفعل ، و كذلك أجده مطابقا للفكرة التي يمكن تصورها عن البيداغوجية حيث التعلم فيها يتم بالفعل en action . استعملت كلمة التعديل la régulation التي تفيد أننا نعكس الملاحظات بداخل الفعل . ليس المقصود من الفعل هو التلمسات .إنما القصد من ذلك هو معرفة ما انا بصدد تقديمه بالضبط و في الوقت المحدد للتلاميذ . هو ليس بالضرورة ما يحتاجون إليه . المراد هو أنني أجمعهم حسب معايير ليست بالضرورة جيدة . سوف أستخدم طرقا ليست بالضرورة ملائمة غير ان كل هذه الأشياء لا تحظى بأهمية انطلاقا من اللحظة التي سوف أقحم فيها الديناميكية الكامنة أساسا في ملاحظة ما نفعله مع التلاميذ يدا في يد و دراسة هل هذا ناجع ام لا ، و السماح لهم بالمساءلة حول الطريقة التي بموجبها ينكشفون و ينبثقون كذوات متعلمة أثناء هذه العملية و من هنا تكون البداية و المنطلق نحو بناء جماعة متعلمة .
هذه هي النقطة الثانية التي تمنيت عرضها عليكم و كان بودي أن أكون موجزا . فقط قبل الانتقال إلى النقطة الثالثة ، أردت تحذيركم من الانبهار العظيم الذي أقامته في تاريخ البيداغوجية ما يمكن نعته بـتصنيفية علم الطباع les typologies caractérologiques . عندما كنت في الليسي كان هنالك علم الطباع لـ لوسين حيث يوجد موضوع " العاطفيين " les affectifs " الأولي " و " الثاني " ، الخ ، كما وجدت علوم طبائع أخرى . لعبت بدراسة الطبائع ، تصنيفية علم الطباع في ألمانيا في الثلاثينات و الاربعينات حيث ازدهرت بطريقة عجيبة و حيث كان ذلك أمرا قويا مرتبطا بشكل الوجه و أمور اخرى . المسمى ألبرت هوت الذي كان آنذاك احد كبار المفكرين في البيداغوجية الألمانية يصرح بأن التلاميذ « الغلاظ » يميزون جيدا الأشكال و التلاميذ « الضعاف » الألوان ؛ و التلاميذ « النحاف » بالعكس كانوا هم العقلاء الذين ...الخ. هذه الصنافات – لا تزال موجودة هنا بكثرة في السوق . سوف لن أفسرها لكم و يكفيكم مشاهدة في رواق مكتبة من الذي يتكلم عن البيداغوجية و سوف تجدون ذلك .
يتبع ..
فيليب ميريو
شكرا لهذا الاستقبال و شكرا لهذه الدعوة في هذه الأمسية . أؤكد لكم انني جد مسرور بهذا اللقاء الذي أقيم من أجلي لأنني أجد المشروع الذي احتضنتموه بين ظهرانيكم هو بالأخص مشروع مليئ بالأمل على ما يبدو لي و مشروع يبرهن على أهداف واضحة ...( ردود فعل الحاضرين ) ؛ و خاصة أنه مشروع يستحق الوجود .
سنتحدث قليلا لو أردتم بالفعل عن محور هذا المشروع الذي أتشبت به كثيرا ؛ إنه تفريد مسارات التكوين individualiser des parcours de formation . أقترح عليكم في البداية التفكير انطلاقا من تصميم منظم في سبع نقط . و أيضا بعض وثائق العمل ( نسخ هذه الوثائق العملية ادمجت في كتابة النص ) سأعلق عليها مباشرة في هذه الأمسية إلا أنه جرى بسهولة أن هذه الوثائق في حد ذاتها تفقد غايتها فهي أدوات ، ميتا – ادوات ، أدوات لبناء أدوات ، وثائق تستطيعون بموجبها العمل و كذلك التضليل بالقدر الكافي و تفعلون بها ما تشاؤون من المنفعة و الفائدة لحياتكم الشخصية . و الآن أعرض عليكم الفصول :
1- الفارقية البيداغوجية ... قصة قديمة .
2- الاتجاهان للفارقية البيداغوجية .
3- الفارقية المعدلة : ما هي المرتكزات ؟
4- الفارقية المعدلة : ما هي المسالك الممكنة لتغيير المناهج ؟
5- الفارقية بلا تجزيء و التفريد بلا تعميق الهوة .
6- شروط الفارقية : التعاقد الديداكتيكي و التعاقد الاجتماعي .
7- الفارقية : قضية أخلاقية .
1)- البياغوجية الفارقية ... قصة قديمة :
سأمر بسرعة على النقطة الأولى حتى أتمكن من أخذ الوقت الكافي بالنسبة للنقط الاخرى لما لها من اهمية كبيرة في الشرح و التفسير . لقد قال فيليب بيرنو أن فكرة الفارقية قد ظهرت كما هي في السبعينات (70 ) . لكنني أريد بصراحة أن أقول فقط ، من واجبي احترام العمل المنجز في هذا الميدان ، أن الأمر لهو سابق . إن عبارة الفارقية la différenciation قد تشكلت بدون شك على يد لويس لوكران ... و مع ذلك نجد اندري بيريتي ينازعه الأبوة من حين لآخر . لقد بنيت هذه اللفظة انطلاقا من عبارة « السيكولوجيا الفارقية » ، مما يفرض علينا مسبقا حسب اعتقادي الحيطة و الحذر إزاء بعض عدد من الإلتباسات ، و سأعود إلى هذا الأمر بعد قليل . لكن حتى قبل تشكل فكرة البيداغوجية الفارقية و يتم التعبيرعنها في مؤلفات كالتي ذكرها فيليب بيرنو ، فإننا كيفما كان الحال نمتلك عددا من الاعمال بصدد فكرة تفريد مسارات التكوين .
لا أريد العودة بكم إلى وظيفة المدرس التهذيبية و أشرح لكم أن هذه الوظيفة سبقت الممارسة الصفية و التدريس الجماعي بشكل ما ؛ بهذا المعنى ، فالتفريد قد سبق التدريس الذي نعرفه حاليا . و لكن سأذكركم أن في الولايات المتحدة منذ 1905 ، نظمت السيدة باركوست مدرسة نظامية تسمى في ذلك العهد بخطة دالتون و هو نظام مبرمج للتدريس يتكون من البطاقات الفردية المتتابعة الواحدة تلو الاخرى مستعملة ما يدعى اليوم ببطارية الأهداف . و هكذا ، في سنة 1907 ، تقريبا بعد قرن ، قامت السيدة باركوست بأول تلخيص و أشارت فيه بدقة إلى الايجابيات و المعيقات الخاص بنظامها التفريدي لمسارات التكوين . بالنسبة للايجابيات ، تكلمت عن العقلانية ، و تطور معنى التنظيم ، و إمكانية الدعم القوي و الشخصي ، و إنتاجية خصبة و مثمرة في العمل المدرسي مع قليل من ضياع الوقت . اما المعيقات ، فلقد أشارت باركوست أن احترام برنامج البطاقات يشوه او يكاد الفكرة الأولية للتفريد بسبب أن النظام أصبح متمركزا بقوة على ما سبق تعلمه و ليس على المتعلم نفسه . كما أكدت السيدة باركورست على ان الاشتغال بالبطاقات و التعاقد القبلي ، يؤدي إلى الزيادة الكبيرة في المهام و قد يروم إلى العمل الميكانيكي في نهاية المطاف . من جانب آخر ، إشارة إلى التفريد المتفاقم على أنه يخلق نوعا من النقص في التواصل بين التلاميذ فيما بينهم و بين المدرسين و يحمل امتيازا ملحوظا للكتابة .
نحن الآن في سنة 1907 ، سنتان اثنتان من تصميم دالتون ، و في هذه الأثناء ، في مدة سنتين نستخرج النتائج و نتدبرها اليوم و نستنطقها بطريقة ما . فالنتائج تعتبر دوما مهمة جدا لمعرفة و تحديد المشاكل المتعلقة بتفريد مسارات التكوين .
تعلمون بوجود تجارب كثيرة ، حديثة نسبيا ، لكن ما أكثرها كمدرسة ونتكا في انجلترا و عمل فريني الذي وضع نظاما بالبطاقات مصحوبة بألية التصحيح الذاتي الذي هو نوع من الحاسوب التقريبي . تعلمون كذلك أن في سنة 1927 ، هنا في هذا المكان بجينيف ، شيد دوترنس مدرسة الميل mail أسست على مبدإ التفريد المطلق لمسارات التكوين للعمل الفردي الممنهج . كان لديه بعض التصورات فيما يخص التعلم المنطلق من رؤية أكثر ميكانيكية . لا أريد المزيد من الجرد لأنه سيكون طويلا و مملا ، فقط أريد ان أذكركم اننا اليوم بصدد ميدان قد تم فعلا استكشافه من طرف الباحثين ، و بشكل آخر ، توجد لدينا حظوظ في ربح عدة عناصر منذ التسعينات (90 ) و تصميم دالتون يسمح لنا بأن لا نرتكب مجددا بعض الأخطاء و قيادة الفارقية ، التفريدية ، كما سميت في ذلك الزمان مع أوفر حظ من النجاح .
2)- الاتجاهان للفارقية :
المستهدف إذا هو « قدم » الحكاية لكن هذا الحكي سرعان ما أصبح محط نزاع ، و في صلب هذا التيار الذي يبحث عن التفريد ، إذ جُعل مما نسميه « المدرسة على المقاس » و العبارة لكلاباريد الشيء الذي نتج عنه ظهور نزعتان من الضروري على ما يبدو لي التذكير بهما لأنه يوجد هنالك رهان نظري و تطبيقي في آن واحد . بالفعل ، هاتان النزعتان تعايشتا و لا زالت تتعايش اليوم أيضا و نجدها حاضرة في الاعمال المنصبة على الفارقية البيداغوجية . سميتهم هنا ، لكن بشكل مقنن جدا و سيبدو لكم الشكل ربما مبالغ فيه ، الاتجاه التطبيقي و فرضية التشخيص القبلي و الاتجاه التصحيحي و فرضية النسبية الخصبة .
هذه العبارات قد تبدو لكم غامضة بعض الشيء أو مطلمسة غير أنني سأحاول توضيحها .
في العمق ، أول هذه التيارات يكمن في القول حسب ما يلي ؛ و سأكون مختصرا جدا . لكن سترون أن هذا الاختصار يشمل ممارسات – محاولات حقيقية وضعت حيز التطبيق . لا يمكن إعطاء تحديد لـ ( Différencier ) / الفارقية . بدون معرفة قبلية لعدد من المعلومات حول التلاميذ الذين سوف نقابلهم . بمعنى آخر ، هدف الفارقية حسب هذا المنظور هو إمكانية التمرير في الأساس جملة من الروائز التي من شأنها السماح بتعيين نمو المستوى المعرفي لتلميذ ما و علاقته بالاجتماعي و طبيعة استراتيجيته الشخصية في التعلم و علاقته مع الكبار ؛ هل يحصل التفاهم مع رجل أو امرة ، هل يعمل جيدا مع شاب أو شيخ و مجموعة من الأسئلة الساعية لتطويق نوع من البروفيل السيكوبيداغوجي . انطلاقا من تلك الروائز ، نستخلص مجموعة من الأدوات و الوسائل البيداعوجية التي سوف تتلاءم بشكل دقيق وفق حاجيات و معطيات الفرد تماما مثل ما تم تقويمه مؤخرا بواسطة هذه الروائز في السابق . إن هذا التيار هو الغالب في البيداغوجية الفارقية و له حضور قوي بداية عند أناس مثل كلاباريد حيث ، في " المدرسة على المقاس " ، يدافع بقوة و حماس شديدين عن وجهة نظره و عن نظريته . عودة هذا التيار سيلاحظ عند بعض الناس المنخرطين في حركة سكينر و التعليم المبرمج هو ايضا حاضر اليوم في بعض الاعمال التي تركزت حول مفاهيم بيداغوجية التحكم de maitrise .
بالنسبة لي ، إن هذا التصور للفارقية أعتبره مستحيلا و خطيرا ، مستحيل بسبب افتراضه أن المعرفة هي قبلية . لكن بالضبط ما يميز البيداغوجية هو عدم الوجود بالمطلق معرفة سابقة عن التلميذ . لا نعرف التلميذ إلا بعدما نتعامل معه . " كيف يمكنني أن أعرف هل هو موسيقي ، يقول آلان Alain ، مادمت لم أحاول تعليمه اللعب بالبيانو . كيف يتسنى لي أن أعرفه إذا لم أتوفر و أستجمع كل الطرق و الأساليب المساعدة و المسهلة لتعليمه البيانو ؟ " . بعبارة أخرى ، إن احدى الخصائص المهمة في البيداغوجية هو ان جل المعارف التي نستقيها من التلميذ تصدر انطلاقا من مبادرتنا و نابعة من وحي فعلنا . تمتاز البيداغوجية بهذ الخاصية أن معرفة التلميذ تنبع من خلال و عبر التفاعل المبرم معه: لا أعرف فيما إذا كان التلميذ المتعامل معه سوف يتصرف بمثل هذه الطريقة أو أخرى لما أنا مقدم عليه طالما أنني لم أقدم له أي شيء و لم أتعرف عليه لأن ما سوف أقدمه له لا يمكنه الاستنباط ميكانيكيا من تحليل حاجياته ، و السبب في ذلك هو أن هذا العطاء صادر من إبداعي الديداكتيكي .
أعرض عليكم نكثة لشرح كلامي . احدى طالباتي منذ سنتين او ثلاث كانت تعمل كمدرسة في احد الأقسام التحضيرية يعني قسم الاطفال الصغار الذين يتعلمون القراءة ، و كانت المدرسة جد قلقة و مفجعة أيضا لأن فتاة صغيرة تأتي إلى قسمها و هي باكية ، و ترفض الدخول إلى القسم . وجب جرها من دراعيها لإدخالها إلى الفصل و يلزم نصف ساعة لإسكاتها ، و تتعود ، و تجد راحتها في القسم ، و تبدأ في العمل قليلا . في ذلك الوقت ، كان لدينا مجموعة صغيرة من الأولاد و البنات أشتغل معهم و يتبادلون معي ممارستهم المهنية . و هذه المعلمة كانت تقول لنا دائما : « دائما نفس الشيء ، أنا منزعجة ، لا أدري لماذا هذه الفتاة لا تريد الدخول إلى القسم ؟ » . أمر فظيع و مروع بالنسبة لها و كانت تعيش الحدث كإحباط أو فشل شخصي : لديك فتاة صغيرة كانت ، في كل صباح ، تبكي لكي تدخل إلى القسم ! ثم بعد ذلك في احد الأيام ، بعد حديثنا مع أعضاء الفريق قررت المعلمة محاولة فعل شيء ما كالعمل الجماعي : تكوين مجلة او جريدة القسم و إحداث مجموعات صغيرة من التلاميذ من اجل تدوين مقالات . إذن يحدث أمر لم يكن في الحسبان : في مساء ذلك النهار ذاته حينما همت بالأمر ، توقفت الفتاة عن البكاء ، بل جاءت قائلة : « معلمتي ، هل سنقوم أيضا بعمل المجموعات في الغذ ؟ مثلما فعلنا من قبل ؟ »هل هذا معناه أن الفتاة الصغيرة كانت تبكي لأننا كنا نشتغل بالعمل بالمجموعات ؟ . طبعا كلا ! سيكون من العبث التفكير في مثل الشيء. بنفس الطريقة سيكون من السذاجة التفكير قائلين بوجود هناك نوع من الاستنباط الميكانيكي الذي يجيز تصور أن ذكاء الصدمة السيكولوجية التي أصيبت بها الطفلة في ماضيها هو ناتج بشكل ما عن ألية العمل بالمجموعات و تدوين المقالات جماعيا " .
فلأن المعلمة أبدعت ، أسست شيئا ما ، استطاعت إيجاد كيف تساعد هذه الفتاة الصغيرة المفجعة من جراء تجربة شخصية صعبة بدون شك حيث تظافرت هناك علاقات أسرية مع الأصدقاء و مع أساتذة آخرين قدماء . لا تملك المعلمة أية سلطة إزاء هذه الأشياء . أحداث مضت لكنها تشكل مناسبة لتأسيس عمل جماعي تدرك المعلمة من خلاله أن الفتاة الصغيرة بإمكانها تجاوز مشقتها لو نحن قدمنا لها نوعا من النشاط البيداغوجي المتميز . لكن ، مرة أخرى ، إن هذا النوع من النشاط البيداغوجي ليس عملا ميكانيكيا مستنبطا من تحليل ماقبلي لحاجيات الفتاة الصغيرة . بتقديمنا إياها هذا النشاط ، استطعنا كشف لدى هذه الفتاة الصغيرة و لفائدتها الموارد و الامكانات و الانفتاحات الممكنة ؛ لو سمحت قليلا لنفسي إذن بهذه النزهة فلأنني أظن اننا قد وضعنا اليد على نقطة مهمة و حساسة : نقطة باقية و لن تنمحي في تاريخ البيداغوجية . نريد الحصول على نوع ما من التيقن الذي يجيز لنا البناء الماقبلي لقضايانا البيداغوجية المتعلقة بمعرفة الطفل . أعتقد أن هذا التيقن و اليقين يشكل خطرا كبيرا و أنه فخ و خديعة . تتحدث سيفالي عن « الطفل المتصف بالصفات » و عن « الولع بمعرفتة لكي نربيه ، و إحداث طريق مسدود من اجل المغامرة التربوية معه ». اعتقد أن هناك شيئا يشبه قليلا ما هذا الصنف من الرغبة في التحديد المطلق ، و في إلصاق عناوين و صفات للطفل و من ثمة نستنبط منه ما يمكن أن نقدمه من فارقية له . نحن هنا أمام امر مضاد حتى لطبيعة الفكر البيداغوجي على ما أعتقد ؛ مضاد و كذلك خطير لأننا ما انتهينا من التعريف و بالأخص ندرك جيدا أن هؤلاء الذين يجعلون من المعرفة شرطا قبليا من أجل العمل فهم لا يعملون أبدا .
من اجل هذه الحقيقة ، عكس هذا التصور الذي سميته المطبق applicationiste ، الميكانيكي ، السيكوبيداغوجي أي بمعنى السيكوبيداغوجيا التي تعتقد استنباط البيداغوجيا من السيكولوجيا . فإنه بفضل هذا التعارض و التقابل من حيث التصور أصبح بعض الاشخاص يقترحون فكرة الفارقية لا من رحم المنظور إطلاقا بحيث يتم وضع الصفات و النعوت و الحاجيات القبلية المحددة للتلاميذ بشكل مضبوط ، ولكن كوسيلة من الوسائل تتغيى اكتشاف بمعيتهم الامكانات التي سوف يحصلون عليها و الانعكاسات المرتقبة للتعديل الفعلي للتقاربات الخاصة باتخاذ القرار .
إننا نأخذ دوما قرارات تقريبية و لا ندعي نشدان الكمال او التحقق التام للحدث كما يحلو لأي أحد و في أية لحظة ... هذا حلم مستحيل . و بالمقابل ، باستطاعتنا ان نقدم مقترحات ، ملاحظة ، تجميع المعلومات . و اثناء هذه الحركية التقريبية في أخذ القرار ، نغتنم الفرصة لممارسة التصويب و التعديل و حتى التفكير مع التلميذ مساعدين إياه ليستوعب ما قدم له ، هل هو مناسب أم لا لاحتياجاته هل يتلاءم مع طريقته . الأمر جعلني أقول في اغلب الأحيان أن أفضل بيداغوجية ليست هي البيداغوجية المثالية فحسب تماما كما أن البيداغوجية الناجحة ليست هي البيداغوجية المثالية . وهم البيداغوجية المثالية مما لا شك فيه يتسم بالخطورة الكبيرة ربما حتى بالإرهاب بعض الشيء ، ربما بالتلاعب شيئا ما . أفضل بيداغوجية هي البيداغوجية التي تتحكم في نقائصها قدر المستطاع و تحسن إلى أبعد حد ما يمكن تحسينه كما يقول أهل التدبير اليوم . النقائص و العيوب الحتمية لنجعل منها مناسبات للتفكير الذكي مع التلاميذ و الأطفال .
إن التصور الثاني للمقاربة البيداغوجية هو الذي أود الدفاع عنه اليوم امامكم . وجدته أكثر انفتاحا ، اكثر أهمية و إثارة ، أكثر قوة لنا . وجدته يترك للممارس مبادرة لابأس بها أيضا و لا يضعه خاضعا لتبعية و منقادا لنوع ما من التشخيص الماقبلي سابق للفعل ، و كذلك أجده مطابقا للفكرة التي يمكن تصورها عن البيداغوجية حيث التعلم فيها يتم بالفعل en action . استعملت كلمة التعديل la régulation التي تفيد أننا نعكس الملاحظات بداخل الفعل . ليس المقصود من الفعل هو التلمسات .إنما القصد من ذلك هو معرفة ما انا بصدد تقديمه بالضبط و في الوقت المحدد للتلاميذ . هو ليس بالضرورة ما يحتاجون إليه . المراد هو أنني أجمعهم حسب معايير ليست بالضرورة جيدة . سوف أستخدم طرقا ليست بالضرورة ملائمة غير ان كل هذه الأشياء لا تحظى بأهمية انطلاقا من اللحظة التي سوف أقحم فيها الديناميكية الكامنة أساسا في ملاحظة ما نفعله مع التلاميذ يدا في يد و دراسة هل هذا ناجع ام لا ، و السماح لهم بالمساءلة حول الطريقة التي بموجبها ينكشفون و ينبثقون كذوات متعلمة أثناء هذه العملية و من هنا تكون البداية و المنطلق نحو بناء جماعة متعلمة .
هذه هي النقطة الثانية التي تمنيت عرضها عليكم و كان بودي أن أكون موجزا . فقط قبل الانتقال إلى النقطة الثالثة ، أردت تحذيركم من الانبهار العظيم الذي أقامته في تاريخ البيداغوجية ما يمكن نعته بـتصنيفية علم الطباع les typologies caractérologiques . عندما كنت في الليسي كان هنالك علم الطباع لـ لوسين حيث يوجد موضوع " العاطفيين " les affectifs " الأولي " و " الثاني " ، الخ ، كما وجدت علوم طبائع أخرى . لعبت بدراسة الطبائع ، تصنيفية علم الطباع في ألمانيا في الثلاثينات و الاربعينات حيث ازدهرت بطريقة عجيبة و حيث كان ذلك أمرا قويا مرتبطا بشكل الوجه و أمور اخرى . المسمى ألبرت هوت الذي كان آنذاك احد كبار المفكرين في البيداغوجية الألمانية يصرح بأن التلاميذ « الغلاظ » يميزون جيدا الأشكال و التلاميذ « الضعاف » الألوان ؛ و التلاميذ « النحاف » بالعكس كانوا هم العقلاء الذين ...الخ. هذه الصنافات – لا تزال موجودة هنا بكثرة في السوق . سوف لن أفسرها لكم و يكفيكم مشاهدة في رواق مكتبة من الذي يتكلم عن البيداغوجية و سوف تجدون ذلك .
يتبع ..
عدل سابقا من قبل مبشور في 14/4/2011, 13:18 عدل 1 مرات (السبب : تغيير العنوان)