) – الفارقية المعدلة : ماهي المرتكزات ؟
الأسس العلمية .
إن من خلال هذه الرؤية التي أود منها توضيح النقطة الثالثة ، أي الفارقية المعدلة ، و شرح أن هذه الفارقية المعدلة لا تكمن في إلصاق الأوصاف و النعوت بالتلاميذ فحسب و افتراض معرفة قبلية شاملة و تامة تجيز ادعاء الفارقية ، و إنما هي محاولة القيام بشيء مع هؤلاء التلاميذ . أساس هذه الفارقية المعدلة تنبني على عدد مهم من الأعمال إن على المستوى العملي أو على المستوى البيداغوجي . سأنتقل بسرعة و من ثمة لا أريد إمطاركم بالمعطيات و خاصة أني أطلب منكم السماح بالدخول في القضايا الأكثر صلابة في اسرع وقت ممكن . لكن من الممكن ان يكون هذا الأمر ممتعا حينما ندرك بوجود أناس قد اشتغلوا و وبينوا أمورا . نعود بعجالة لكلمة قانون أصبي La loi d’Ashby : « عندما يكون جزء من نظام غير متجانس مع النظام الذي أود تعديله ، فإنه لا يعدل سوى الجزء من النظام المتجانس مع نفسه ».
لنفترض مدرسة ، أو قسما ، و ليكن منظومة un système . يوجد في النظام « جزء من نظام معدل » . الجزء / النظام المعدل في القسم يكون هو المدرس . في المدرسة هو هيئة التدريس . لديكم في كل مرة جزء من نظام معدل و في الخلية – لا أتحدث عن الخلية السياسية – لكن الامر يتعلق بالخلية البيولوجية ؛ يوجد جزء من النظام الذي ينظم و يقود الخلية .
« عندما يكون جزء من النظام غير المتجانس مع النظام الذي يريد تعديله فإنه لا يعدل سوى جزء من النظام المتجانس مع نفسه . أرأيتم الآن ما معنى هذا الكلام . هذا القانون – كلمة قانون إضافة إلى ذلك ربما مصابة بإفراط بعض الشيء ، من الأحسن التحدث عن مبدإ أصبي principe d’Ashby – و سمي كذلك بمبدأ الاختلاف اللازم . و نجده متحققا دوما في القسم ، في مؤسسة مدرسية ، في كل مجتمع ؛ كما أنه يتحقق في تدبير المنظمات ، في الوظائف البيولوجية أو الفيزيائية . فيما يخص أهمية الفارقية سترون التضمينات و النتائج المرتبة عن ذلك .
عندما يكون جزء من نظام معدل – أنا كمدرس – لست مختلفا و متغايرا أو متباينا بالقدر الكافي في طريقة عملي إزاء النظام الذي أود تعديله وهم جماعة تلامذتي ، فإنني لا أعدل غير الجزء المنتمي للنظام أي جزء المنظومة المتجانسة معي . الأمر يعني ببداهة أنني لا أشتغل سوى مع التلاميذ الذين يشبهونني و الذين هم مثلي . ستقولون لي إذا هذه تخطيطات معقدة تريد قول أشياء بسيطة . و مع ذلك من حين إلى آخر من الأفضل أن ندرك ان ما نقوم به حدسيا يشبه الحقيقة العلمية و ان الأمر تم الاشتغال عليه بالمناقشة و الدراسة من طرف علماء موهوبين .
بإمكاننا الاشارة إلى أسس علمية أخرى مماثلة . يمكننا ان نوضح عن طريق العلماء البيولوجيين بالخصوص إلى أي مدى نعتبر نمو الشخصية نموا حافلا بالإمكانات و الترابطات العصبية ؛ و هذه الإمكانات او الطاقات اللامتناهية لا تستقر إلا بالتدريج . فالشخصية ذاتها لا تبنى إلا بالاستقرار التدريجي أثناء تعلماتها . من الممكن توضيح أن هذه الاستقرارية هي لولبية spiralaire و أننا نتعلم و نكتسب شيئا ما في كل مرة ، مما يعطينا نقطة ارتكاز لكسب أشياء إضافية جديدة . و في هذا المعنى ، ليس ما هو أقبح من سجن الذات بداخل تعريف لها ، أن تصبح الذات محكومة بالتكرارية و بالنسخ بصورة ما .
بإمكاننا أيضا التذكير بالأعمال الأكثر قربا منا في المجال التربوي أي ما نسميه بالصراع المعرفي le conflit socio-cognitif ، أعمال آن – نيلي بيرت كليرمون و كل هؤلاء المنتمين للمدرسة النيو – بياجيتية في السيكولوجيا الاجتماعية المعرفية . تشير معظم هذه الأعمال إلى أن الأفراد يبنون ذواتهم من خلال تفاعلاتهم و يكبرون فيما بينهم بشكل مختلف . من الممكن تفسير مفهوم استراتيجية التعلم . لقد عملنا خاصة مع الرفاق الليونيين Lyon حول هذا المفهوم ( انظر الشكل 3.1 أسفله ) . إنه مفهوم معقد بعض الشيء حسب الطريقة المستخدمة لكن ، بالرغم من ذلك ، فهو يسمح لنا بفهم الأمور التي نعيشها يوميا في القسم . استراتيجية التعلم la stratégie d’appretissage هو ذلك الشيء الذي يستخدمه الفرد لكي يفهم و يمتلك أمرا ما . إن استراتيجية التعلم ليست مستقرة تماما ، إنها تتطور على الدوام لأن ما يميزها بالضبط هو لما يتعلم الفرد فإنه يثري كل ما يمتلكه و من ثم فهو ينمي و يطور استراتيجيته .
النمودج المستعمل ، الذي ليس إلا نمودجا من بين نمادج أخرى – يستخدم عدة أنواع من المفاهيم ، يشير إلى أن الفرد قد حصل لديه بسرعة الاستقرار بالنظر للعناصر المكونة لشخصيته الدائمة أي تلك التي ندعوها بالتبعية و بالاستقلالية نسبة للحقل . إن هذه المفاهيم شييخة بعض الشيء اليوم ، لكنها تظل مهمة أكثر و تسمح لنا بتصور العلاقة المتبناة من طرف الفرد إزاء محيطه . أعتقد أن الجميع بدأ يستأنس لهذه التصورات الخاصة بالتبعية و بالاستقلالية بالنظر إلى الحقل ، المقصود هنا هو التجارب القديمة – و تنكين بأمريكا بعد عشرات السنين – التي تظل مع ذلك سارية المفعول دائما . بالفعل إحالة إلى التجارب اليومية ، يكون بعض منا في راحة تامة لكي يشتغل داخل مقهى مملوءة بالصخب و الضجيج و السبب في ذلك بشكل ما هو أن عدوان المحيط يجيز له التركيز الأفضل و تشغيل الذكاء . بينما يحتاج بعض الناس لوسط منظم و منتظم بالكامل بحيث يتم الاستحكام في كل دقائق الأمور بغية تحقيق أنشطتهم الخاصة . نقول أن بعض الأفراد هم في استقلالية عن الحقل أي بمعنى لديهم القدرة على التكيف في أية وضعية تقريبا حسب طرق خاصة بسبب استدخالهم قوانين اللعب ؛ يوجد لديهم نوعا من الذاكرة للوضعيات العملية المستقلة عن الوضعيات الملموسة التي يحيون بداخلها . على سبيل المثال ، الافراد المستقلون عن الحقل ، يعد الأمر غير ذي أهمية كبيرة فيما إذا تم استبدال معلم او معلمة ، أو كون القسم مزين أو لا و المكتب مرتب أم غير مرتب . بالمقابل ، هناك أفراد تابعين للحقل هم الذين يعجزون عن العمل إلا بداخل شروط مستقرة نسبيا و مسترجعة و مفسرة من جانبهم . كنا نظن منذ فترة بعيدة أنهم ليسوا أقل استقلالية . يعملون بشكل مختلف و مغاير فقط . خذ مثلا حالة تلميذ يريد اجتياز امتحان : هذا الشخص المتحرر من الحقل يعتبر « مستقلا » . يتقدم إذن أمام أول مسؤول في الشفوي و يتسلم موضوعه . يردد التلميذ المستقل من الحقل كل ما عرفه و فهمه بعد تهييء العرض . و أثناء هذا الوقت هنا ، يقرأ الأستاذ المسؤول جريدته . كونه مستقلا من الحقل ( أي التلميذ ) لن يكون أبدا عرضة للتشويش . باستطاعته معاودة إنتاجه و ما أعده دونما اختلال او عرقلة . ثم بعد ذلك ، ينتقل إلى الاستاذ الثاني الذي يقدم له موضوعا آخر . و يبدأ في عرضه لكن هنا يلوح الأستاذ الثاني بيده و بإشارات يائسة معلنا إياه أنه قد ابتعد تماما عن الموضوع . بما أنه مستقل من الحقل ، فماذا بوسعه أن يفعل ؟ لقد تابع موضوعه ... إذن كل ما ربحه في استقلاليته ضاع منه في وقت أخذ التغذية الراجعة بعين الحسبان ! بدون شك ، لا يجب أن نفهم من هذه المقولات على أنها فئات بحيث من جانب نعثر على التابعين للحقل ، و من جانب آخر ، المستقلين من الحقل . كلا ، إنما المقصود هو الاستقطاب / القطبية و نحن أكثر أقل تبعية و استقلالا من الحقل . إن أعمال وتكين و هوتو في فرنسا اليوم توضح أننا لسنا مستقرين تقريبا إزاء المحيط ... بين 7 أو 10/ 12 سنة فعلاقتنا بالمحيط عموما قد تم بناؤها و تشكلها تقريبا في هذا السن . هذا لا يعني غياب التغييرات بالمناسبة المتدخلة في الأحداث الأساسية لحياة الفرد الشخصية . لكن هي أحداث ستكون بالضبط استثنائية . و هو كذلك ، يوجد لدينا ما يسميه السيكولوجيون المعرفيون و بالأخص أصحاب الفارقية ، الأسلوب المعرفي le style cognitif الذي يشكل القاعدة الأساس المستقرة عند الشخص و بالمقابل نحرز على استراتيجية التعلم المتوفرة على عناصر أقل استقرارية .
3 .1 . استراتيجيات التعلم
يوجد هنالك ما يسمى بالحمولات العاطفية المتعلقة بالتجارب الماضية « لقد ألمني الأمر في هذه المرة الأخيرة . أديت ثمنا مكلفا . نجحت في حل المسألة في الرياضيات لكن بعد جهد جهيد ، آه.. ليس العرق فقط لكن أضررت بنفسي .. منذ وقت طويل كان لدي إحساس بأنني غبي ، لم أتمكن .. الثمن كان باهضا و كم حز الامر في قلبي » . هناك ثمن عاطفي للعمليات المعرفية و هناك أشياء نؤديها بأثمان عاطفية رخيصة و أشياء اخرى غالية الثمن و تبقى عالقة في ذاكرتنا . هذه الأمور ترتسم و تترك آثارا في تاريخنا . و في كل مرة نجد أنفسنا أمام تمارين و مواد تعلمية ، او أمام مدرسين يذكروننا هنا بهذه الآثار تتداخل هذه الأخيرة و تتلاقى في بناء الاستراتيجية التي نود استخدامها . يوجد أيضا كل ما يتصل بالعلاقات الاجتماعية إزاء المعرفة . منذ فترة بعيدة نعلم أن التلاميذ لا يمتلكون نفس نوع العلاقة الاجتماعية إزاء المعرفة و هذا بسبب إنتمائهم للوسط في حالة ما إذا كان يستعملون فيه لغة واقعية حية كثيرة التدوال أو في وسط حيث الاستعمال المبكر هو للغة المجردة لغة أكثر مفهومية ( أعمال برنشتين ) . لكن منذ ذلك الحين وجدت أعمال أخرى كثيرة – تفسر أن الطفل الذي يأتي إلى المدرسة يمتلك نوعا ما من العلاقة إزاء المعرفة . فالتلميذ المسمى بالتلميذ الجيد هو ذاك التلميذ الذي يدرك أن الأهيمة لا تتحدد في المعرفة و إنما في إظهار خاصة أننا نعرف حينما نجهل كل شيء . إن العلاقة بالنظر إلى المعرفة المتواجدة لدى التلاميذ المنحدرين من الوسط الشعبي هي معرفة أداتية أكثر ، يتفق برنار شو على هذا الأمر و معه السوسولوجيون . سيدرس التلميذ الرياضيات ليس من اجل التميز بجانب الذي يتقن الرياضيات و لكن سيتعلم الرياضيات إذا علم أن الأمر ستكون له أهمية في إيجاد حلول للمشاكل الحقيقة التي تعترض طريقه بكل واقعية . و منذ ذلك الوقت ، و لازمة بورديو سارية المفعول . ندرك تماما ما هو الشيء الذي تفضله المدرسة في الابتداء ، جزء من العلاقات إزاء المعرفة يسميه بورديو « الجحود الاستطيقي للتمدرس » أي هذا الصنف الممنوع الاقتراب منه . هذه السلبية في الجهد و التحصيل للحصول على معجزات الفعل و العمل . هذه الطريقة الواهمة الحالمة بالتفوق و النجاح دونما إبراز حقيقة عملنا حقا و حقيقة . إنه العيش على الاحتياط و الدخيرة لكي نستطيع متبابعة العمل الدراسي في السنة الموالية . الامر الذي يوضح فضلا عن ذلك تساوي النتائج : البنات هن محرومات دوما في التوجيه بسبب افتراض كونهن يعملن أكثر ، لذلك فهن أقل ذكاء . نفترضه و لم أقل هذا حقيقي !
إذن توجد هناك روابط و صلات مع المعرفة . لو أردنا دراسة مشاكل العلاقات أولاد – بنات فلأن الموضوع يحمل أحد الخصائص الأساسية المراد معالجتها . يتحتم علينا مراقبة كيف لعلاقة أولاد – بنات تتطور من وسط اجتماعي إلى وسط آخر . لا يبدو الأمر سهلا . أعمال مهمة و ممتعة في هذا الموضوع قد انجزت توضح أن العلاقة أولاد – بنات لا تمثل نفس النتيجة في أوساط اجتماعية غنية و أخرى أكثر شعبية . هنا تحدث أشياء و تتفاعل فيما بينها و يعتبر هذا جزء من العناصر التي تساهم في بناء العلاقة إزاء المعرفة عند الاشخاص .
و في الأخير ، يوجد العنصر الثالث : العمليات المعرفية المستقرة و المثبتة من جراء التجارب السالفة . هو نوع من الذاكرة العملية التي تجعلك تتذكر أن « عندما نكون في مثل هذه الحالة ، فالأمر قد نجح » . في واقع الأمر ، عندما نجد أنفسنا في مشكل جديد فإننا نطور استراتيجية تضع الكل في اهتزاز و ارتجاج . في محاولة منا الوصول إلى منتهى الصعوبة الموضوعة أمامنا قصد المواجهة . إضافة إلى ذلك ، لا بد من الأخذ المحيط بعين الاعتبار أي جميع الموارد و كل العقبات الموجوة أمامنا . من جانب آخر خاصة باستعمال كلمة استراتيجية فإنني أتحمل المسؤولية كاملة بصدد المفهوم العسكري الحربي للكلمة . أعتقد أن التلميذ و هو يواجه تمرين يشبه الجينرال في ميدان المعركة . إلا أن في عهد نابليون يعني أنه هنا سوف يتساءل أين يتواجد العدو . و هل هو في هذه الجهة – البعيدة أو الجهة القرييبة ، هل يختبئ وراء هذه الربوة ؟ يرسل المبعوثين قصد الاستطلاع . ثم لا بد من معرفة ما هي قوته الحقيقية و على ماذا تستند إمكانياته . هل يمتلك فرسان شداد و هل لديه مدفعية ضعيفة . هل يتسم بالفعالية القصوى حينما يضرب مباغتا أم حينما يضرب رويدا و على مهل ؟ . من اللازم عليه تحديد قوته الخاصة به لكن أيضا لا بد من تكوين فكرة عن قوة عدوه . فالموضوع الذي أنا مثابر عليه ، ذا الواجب في الرياضيات أو التمرين في الفرنسية ما هي خصائصه الحقيقية ؟ من الضروري تقويم قدراتي الخاصة ، تقويم الموضوع و العمل بالشكل الذي يجعلني أنا و الموضوع معا ندخل مع الآخر في علاقة متكافئة . يجب علي أيضا أن أتساءل مثل الجينرال في ميدان المعركة في حالة ما إذا كنت قادرا على تكوين حلف من تلك الربوة ، إذا ما كنت سأستعمل ذاك الجدع في النهر لتسهيل عملية العبور لفائدة جزء من خيالتي . و الحال هذه ، بالنظر للتلميذ سيكون : « هل الوقت هو محدد ام لا ؟ هل باستطاعتي الاطلاع على الوثائق أم لا ؟ » . يجب تدبير كل هذا المحيط و المحيط لن يكون إطلاقا ذاته نظرا لتغيره من حين إلى آخر . في العمق ندرك جيدا مع مفهوم استراتيجية التعلم أن ما يجعل الاستقرارية أمرا حقيقيا و واقعيا هو ليس كونك حرا أم غير حر نسبة إلى الحقل le champ . و إنما هو مقدرتك على العمل بالوعي الأكثر صفاء ممكنا ؛ نتحدث عن التعقل ( الميتا – معرفية ) la métacognition ؛ تلك الصلة و القرابة التي ننشئها و نربيها مع الاشياء التي نشتغل عليها .
سوف تقولون لي : هذا مبهم و مجرد بعض الشيء .. نحن لدينا أطفال من ثلاث سنوات و لا نرى جيدا كيف يمكن العمل بمقتضى هذا الامر . حسنا كلا ، انا أراه جيدا . أرى العمل الخاص بالمدرسات و المدرسين الذين يستقبلون الأطفال من سنتين يعلمونهم كيفية وضع معاطفهم ، و أرى أطفالا من سنتين يضعون معاطفم و هم يجلسون على الأرض و أدرعهم من ورائهم .. و آخرون لا يريدون الجلوس على الأرض لأن هذا سوف يوسخ تنورتهم و سراويلهم . ثم أرى أطفالا يتلقون مساعدة من صديق و آخرون يرفضون مساعدتنا لأن هذا يزعجهم و لأنهم يحبون كثيرا حل المشاكل لوحدهم و سيقعون في فخ معاطفهم غير أنهم يواصلون بوحدهم حتى نهاية التمرين . أرى المدرسات اللواتي يغتنمن الفرصة للعمل مع التلاميذ هنا في هذه الساعة مع هذه الاشياء البسيطة كما هي من اجل إبراز الذكاء و التفكير في هذه المناسبة ، و من اجل أن نجعلها تعبيرا و صياغة لما يقومون به . من أجل جعلها تفسيرا و تبيانا لاستراتيجياتهم . نجعلها فهما و كيف أصبحت حالة التلاميذ و هم يشتغلون : لا نقول لهم : « هذا هو الجواب الصحيح ! » ولكن نقول : « ماذا تفعل ؟ لماذا فعلت هذا ؟ فكر كيف تفعل ؟ ضع نفسك في وضعية تساعدك في تحسين تجربتك ! ما تفعله اليوم فلينفعك غدا و تستخرج منه دروسا و نتائج . لا تجعل نفسك مضطرا دوما لاختراع نفس الشيء ! بالطبع ، ستتغير المشاكل . غدا لن تكون كذلك لأنه استوجب عليك أن تتعلم كيفية ملاءمة استراتيجيتك اتجاه الموضوع او المشكل . استوجب عليك العمل باستمرار في علاقة بينك و بين العالم و هذه العلاقة بينك و بين العالم هي التي تجعلك ذكيا . بخصوص هذه النقطة ، أحكي في بعض الاحيان هذه المذكرة التي تم تدوينها من طرف طالب في كاليدونيا الجديدة حول تعلم صيد السمك حيث يعطي الدليل على أن تعلم صيد السمك هو ، في آن واحد ، تعلم معرفة البئية و مواطن السمك و مواطن لا سمك فيها . هو تعلم معرفة الذات و معرفة فيما إذا سيكون لدينا صبرا أم لا . هل سأستعمل هذه التقنية أو تلك لأنها تتناسب جيدا و احتياجاتنا الظرفية في هذا الوقت بالذات . و أيضا قدرتنا في التعلم عن طريق السمك أي بمعنى نترك ذواتنا تنقاد لمزاج السمك الذي نود اصطياده بغية التكيف وفق السمك وحسب الطريقة المستعملة من اجل إرهاقه و الانقضاض عليه .
إن بناء الاستراتيجيات التعلمية هو دراسة الذات و الموضوع معا في آن واحد . هو دراسة التفاعل بين الذات و الموضوع باستمرار . أعتقد أننا وصلنا إلى هنا إلى أمر بالغ الأهمية يتعلق بنمو و تطوير الذكاء . نضع الأفراد في كل مرة في وضعية تحثهم على التفكير حول استراتيجياتهم التعلمية لكي نجعل منهم أذكياء .. بهذا المعنى جميعنا قبل ان نكون معلمين أو أساتذة أو أساتذة التاريخ ، فنحن أساتذة الذكاء ..أستاذ الذكاء بمعنى أن أي واحد لا يكون لديه كهدف أول ملء الخانات و إتمام البرنامج كله لكن بجعل الناس الذين نتعامل معهم أذكياء . لا توجد أمثلة كثيرة لأناس جعلت منهم المدرسة أغبياء ، لكن مع الآسف هناك من الأمثلة لأناس لم يثيرهم كثيرا وسطهم الاجتماعي او الأسري بما فيه الكفاية و لم يجدوا أيضا الحوافز الضرورية في المدرسة لتنمية ذكائهم .
أعتقد أننا حصلنا هنا على نقطة جوهرية و في غاية من الأهمية : البيداغوجية الفارقية ربما قبل كل شيء و بكل بساطة هي السماح للناس و للتلاميذ و للأشخاص التفكير في الطرق التي يتعلمون بها . لقد سبق لي أن قلت هذا بعد الظهيرة أثناء الاجتماع المصغر المنعقد مع المجموعة التي تسير العمل الذي تبنيتموه : توجد أشياء سهلة للغاية نقوم بها في هذا الباب و التي لا تتطلب أية رخصة من أحد . على سبيل المثال لو قررتم و تستطيعون فعل ذلك هنا بسرعة ، في هذا المساء . ابتداء من الآن في كل مرة تريدون إعطاء تمرين لتلميذ لا تقولوا : « أعطيك التمرين رقم 12 الصفحة 32 » لكن بقولكم : « أمنحكم اختيارا بين التمرين 12 و 13 من الصفحة 32 » ، سوف تخلقون وضعية جديدة تماما ! هذا سيغير كل شيء ! تضعون التلميذ في وضعية القول : « لقد أعطاني تمرينين . عندي اختيار بين الاثنين ، ما هو التمرين الأكثر سهولة ؟ » . و هكذا.. النتيجة نفس ردود الفعل ، طبعا..
« هل تعتقد أن هذا التمرين هو الأكثر سهولة ؟ أنا أعتقد العكس ، من الذي يمتلك الصواب إذن ؟
« هل هذا هو الذي يمثل أكثر سهولة بالنسبة إليك ؟ لماذا ؟
« ما العمل ؟
« آه ! لو عملت وفق هذا الشكل ، سيكون الأمر سهلا .. بالفعل و إذا تصرفت بهذه الطريقة سيكون الأمر صعبا »
نغير تماما العلاقة الموجودة بين المعرفة و القدرة و نصبح فاعلين في تعلمنا الخاص ، و يحدث هذا بالصورة التي لا تلحق أي تغيير ما في نظام المؤسسة ظاهريا . في واقع الأمر ، يظل الاطار كما هو لكن نستدخل فيه فضاءات التعديل و نقتحم اماكن بحيث يستطيع الشخص أن يفكر فيما يصنع أو يعمل أي يتكون لديه الذكاء بصدد ما يقوم به يتبع..
الأسس العلمية .
إن من خلال هذه الرؤية التي أود منها توضيح النقطة الثالثة ، أي الفارقية المعدلة ، و شرح أن هذه الفارقية المعدلة لا تكمن في إلصاق الأوصاف و النعوت بالتلاميذ فحسب و افتراض معرفة قبلية شاملة و تامة تجيز ادعاء الفارقية ، و إنما هي محاولة القيام بشيء مع هؤلاء التلاميذ . أساس هذه الفارقية المعدلة تنبني على عدد مهم من الأعمال إن على المستوى العملي أو على المستوى البيداغوجي . سأنتقل بسرعة و من ثمة لا أريد إمطاركم بالمعطيات و خاصة أني أطلب منكم السماح بالدخول في القضايا الأكثر صلابة في اسرع وقت ممكن . لكن من الممكن ان يكون هذا الأمر ممتعا حينما ندرك بوجود أناس قد اشتغلوا و وبينوا أمورا . نعود بعجالة لكلمة قانون أصبي La loi d’Ashby : « عندما يكون جزء من نظام غير متجانس مع النظام الذي أود تعديله ، فإنه لا يعدل سوى الجزء من النظام المتجانس مع نفسه ».
لنفترض مدرسة ، أو قسما ، و ليكن منظومة un système . يوجد في النظام « جزء من نظام معدل » . الجزء / النظام المعدل في القسم يكون هو المدرس . في المدرسة هو هيئة التدريس . لديكم في كل مرة جزء من نظام معدل و في الخلية – لا أتحدث عن الخلية السياسية – لكن الامر يتعلق بالخلية البيولوجية ؛ يوجد جزء من النظام الذي ينظم و يقود الخلية .
« عندما يكون جزء من النظام غير المتجانس مع النظام الذي يريد تعديله فإنه لا يعدل سوى جزء من النظام المتجانس مع نفسه . أرأيتم الآن ما معنى هذا الكلام . هذا القانون – كلمة قانون إضافة إلى ذلك ربما مصابة بإفراط بعض الشيء ، من الأحسن التحدث عن مبدإ أصبي principe d’Ashby – و سمي كذلك بمبدأ الاختلاف اللازم . و نجده متحققا دوما في القسم ، في مؤسسة مدرسية ، في كل مجتمع ؛ كما أنه يتحقق في تدبير المنظمات ، في الوظائف البيولوجية أو الفيزيائية . فيما يخص أهمية الفارقية سترون التضمينات و النتائج المرتبة عن ذلك .
عندما يكون جزء من نظام معدل – أنا كمدرس – لست مختلفا و متغايرا أو متباينا بالقدر الكافي في طريقة عملي إزاء النظام الذي أود تعديله وهم جماعة تلامذتي ، فإنني لا أعدل غير الجزء المنتمي للنظام أي جزء المنظومة المتجانسة معي . الأمر يعني ببداهة أنني لا أشتغل سوى مع التلاميذ الذين يشبهونني و الذين هم مثلي . ستقولون لي إذا هذه تخطيطات معقدة تريد قول أشياء بسيطة . و مع ذلك من حين إلى آخر من الأفضل أن ندرك ان ما نقوم به حدسيا يشبه الحقيقة العلمية و ان الأمر تم الاشتغال عليه بالمناقشة و الدراسة من طرف علماء موهوبين .
بإمكاننا الاشارة إلى أسس علمية أخرى مماثلة . يمكننا ان نوضح عن طريق العلماء البيولوجيين بالخصوص إلى أي مدى نعتبر نمو الشخصية نموا حافلا بالإمكانات و الترابطات العصبية ؛ و هذه الإمكانات او الطاقات اللامتناهية لا تستقر إلا بالتدريج . فالشخصية ذاتها لا تبنى إلا بالاستقرار التدريجي أثناء تعلماتها . من الممكن توضيح أن هذه الاستقرارية هي لولبية spiralaire و أننا نتعلم و نكتسب شيئا ما في كل مرة ، مما يعطينا نقطة ارتكاز لكسب أشياء إضافية جديدة . و في هذا المعنى ، ليس ما هو أقبح من سجن الذات بداخل تعريف لها ، أن تصبح الذات محكومة بالتكرارية و بالنسخ بصورة ما .
بإمكاننا أيضا التذكير بالأعمال الأكثر قربا منا في المجال التربوي أي ما نسميه بالصراع المعرفي le conflit socio-cognitif ، أعمال آن – نيلي بيرت كليرمون و كل هؤلاء المنتمين للمدرسة النيو – بياجيتية في السيكولوجيا الاجتماعية المعرفية . تشير معظم هذه الأعمال إلى أن الأفراد يبنون ذواتهم من خلال تفاعلاتهم و يكبرون فيما بينهم بشكل مختلف . من الممكن تفسير مفهوم استراتيجية التعلم . لقد عملنا خاصة مع الرفاق الليونيين Lyon حول هذا المفهوم ( انظر الشكل 3.1 أسفله ) . إنه مفهوم معقد بعض الشيء حسب الطريقة المستخدمة لكن ، بالرغم من ذلك ، فهو يسمح لنا بفهم الأمور التي نعيشها يوميا في القسم . استراتيجية التعلم la stratégie d’appretissage هو ذلك الشيء الذي يستخدمه الفرد لكي يفهم و يمتلك أمرا ما . إن استراتيجية التعلم ليست مستقرة تماما ، إنها تتطور على الدوام لأن ما يميزها بالضبط هو لما يتعلم الفرد فإنه يثري كل ما يمتلكه و من ثم فهو ينمي و يطور استراتيجيته .
النمودج المستعمل ، الذي ليس إلا نمودجا من بين نمادج أخرى – يستخدم عدة أنواع من المفاهيم ، يشير إلى أن الفرد قد حصل لديه بسرعة الاستقرار بالنظر للعناصر المكونة لشخصيته الدائمة أي تلك التي ندعوها بالتبعية و بالاستقلالية نسبة للحقل . إن هذه المفاهيم شييخة بعض الشيء اليوم ، لكنها تظل مهمة أكثر و تسمح لنا بتصور العلاقة المتبناة من طرف الفرد إزاء محيطه . أعتقد أن الجميع بدأ يستأنس لهذه التصورات الخاصة بالتبعية و بالاستقلالية بالنظر إلى الحقل ، المقصود هنا هو التجارب القديمة – و تنكين بأمريكا بعد عشرات السنين – التي تظل مع ذلك سارية المفعول دائما . بالفعل إحالة إلى التجارب اليومية ، يكون بعض منا في راحة تامة لكي يشتغل داخل مقهى مملوءة بالصخب و الضجيج و السبب في ذلك بشكل ما هو أن عدوان المحيط يجيز له التركيز الأفضل و تشغيل الذكاء . بينما يحتاج بعض الناس لوسط منظم و منتظم بالكامل بحيث يتم الاستحكام في كل دقائق الأمور بغية تحقيق أنشطتهم الخاصة . نقول أن بعض الأفراد هم في استقلالية عن الحقل أي بمعنى لديهم القدرة على التكيف في أية وضعية تقريبا حسب طرق خاصة بسبب استدخالهم قوانين اللعب ؛ يوجد لديهم نوعا من الذاكرة للوضعيات العملية المستقلة عن الوضعيات الملموسة التي يحيون بداخلها . على سبيل المثال ، الافراد المستقلون عن الحقل ، يعد الأمر غير ذي أهمية كبيرة فيما إذا تم استبدال معلم او معلمة ، أو كون القسم مزين أو لا و المكتب مرتب أم غير مرتب . بالمقابل ، هناك أفراد تابعين للحقل هم الذين يعجزون عن العمل إلا بداخل شروط مستقرة نسبيا و مسترجعة و مفسرة من جانبهم . كنا نظن منذ فترة بعيدة أنهم ليسوا أقل استقلالية . يعملون بشكل مختلف و مغاير فقط . خذ مثلا حالة تلميذ يريد اجتياز امتحان : هذا الشخص المتحرر من الحقل يعتبر « مستقلا » . يتقدم إذن أمام أول مسؤول في الشفوي و يتسلم موضوعه . يردد التلميذ المستقل من الحقل كل ما عرفه و فهمه بعد تهييء العرض . و أثناء هذا الوقت هنا ، يقرأ الأستاذ المسؤول جريدته . كونه مستقلا من الحقل ( أي التلميذ ) لن يكون أبدا عرضة للتشويش . باستطاعته معاودة إنتاجه و ما أعده دونما اختلال او عرقلة . ثم بعد ذلك ، ينتقل إلى الاستاذ الثاني الذي يقدم له موضوعا آخر . و يبدأ في عرضه لكن هنا يلوح الأستاذ الثاني بيده و بإشارات يائسة معلنا إياه أنه قد ابتعد تماما عن الموضوع . بما أنه مستقل من الحقل ، فماذا بوسعه أن يفعل ؟ لقد تابع موضوعه ... إذن كل ما ربحه في استقلاليته ضاع منه في وقت أخذ التغذية الراجعة بعين الحسبان ! بدون شك ، لا يجب أن نفهم من هذه المقولات على أنها فئات بحيث من جانب نعثر على التابعين للحقل ، و من جانب آخر ، المستقلين من الحقل . كلا ، إنما المقصود هو الاستقطاب / القطبية و نحن أكثر أقل تبعية و استقلالا من الحقل . إن أعمال وتكين و هوتو في فرنسا اليوم توضح أننا لسنا مستقرين تقريبا إزاء المحيط ... بين 7 أو 10/ 12 سنة فعلاقتنا بالمحيط عموما قد تم بناؤها و تشكلها تقريبا في هذا السن . هذا لا يعني غياب التغييرات بالمناسبة المتدخلة في الأحداث الأساسية لحياة الفرد الشخصية . لكن هي أحداث ستكون بالضبط استثنائية . و هو كذلك ، يوجد لدينا ما يسميه السيكولوجيون المعرفيون و بالأخص أصحاب الفارقية ، الأسلوب المعرفي le style cognitif الذي يشكل القاعدة الأساس المستقرة عند الشخص و بالمقابل نحرز على استراتيجية التعلم المتوفرة على عناصر أقل استقرارية .
3 .1 . استراتيجيات التعلم
يوجد هنالك ما يسمى بالحمولات العاطفية المتعلقة بالتجارب الماضية « لقد ألمني الأمر في هذه المرة الأخيرة . أديت ثمنا مكلفا . نجحت في حل المسألة في الرياضيات لكن بعد جهد جهيد ، آه.. ليس العرق فقط لكن أضررت بنفسي .. منذ وقت طويل كان لدي إحساس بأنني غبي ، لم أتمكن .. الثمن كان باهضا و كم حز الامر في قلبي » . هناك ثمن عاطفي للعمليات المعرفية و هناك أشياء نؤديها بأثمان عاطفية رخيصة و أشياء اخرى غالية الثمن و تبقى عالقة في ذاكرتنا . هذه الأمور ترتسم و تترك آثارا في تاريخنا . و في كل مرة نجد أنفسنا أمام تمارين و مواد تعلمية ، او أمام مدرسين يذكروننا هنا بهذه الآثار تتداخل هذه الأخيرة و تتلاقى في بناء الاستراتيجية التي نود استخدامها . يوجد أيضا كل ما يتصل بالعلاقات الاجتماعية إزاء المعرفة . منذ فترة بعيدة نعلم أن التلاميذ لا يمتلكون نفس نوع العلاقة الاجتماعية إزاء المعرفة و هذا بسبب إنتمائهم للوسط في حالة ما إذا كان يستعملون فيه لغة واقعية حية كثيرة التدوال أو في وسط حيث الاستعمال المبكر هو للغة المجردة لغة أكثر مفهومية ( أعمال برنشتين ) . لكن منذ ذلك الحين وجدت أعمال أخرى كثيرة – تفسر أن الطفل الذي يأتي إلى المدرسة يمتلك نوعا ما من العلاقة إزاء المعرفة . فالتلميذ المسمى بالتلميذ الجيد هو ذاك التلميذ الذي يدرك أن الأهيمة لا تتحدد في المعرفة و إنما في إظهار خاصة أننا نعرف حينما نجهل كل شيء . إن العلاقة بالنظر إلى المعرفة المتواجدة لدى التلاميذ المنحدرين من الوسط الشعبي هي معرفة أداتية أكثر ، يتفق برنار شو على هذا الأمر و معه السوسولوجيون . سيدرس التلميذ الرياضيات ليس من اجل التميز بجانب الذي يتقن الرياضيات و لكن سيتعلم الرياضيات إذا علم أن الأمر ستكون له أهمية في إيجاد حلول للمشاكل الحقيقة التي تعترض طريقه بكل واقعية . و منذ ذلك الوقت ، و لازمة بورديو سارية المفعول . ندرك تماما ما هو الشيء الذي تفضله المدرسة في الابتداء ، جزء من العلاقات إزاء المعرفة يسميه بورديو « الجحود الاستطيقي للتمدرس » أي هذا الصنف الممنوع الاقتراب منه . هذه السلبية في الجهد و التحصيل للحصول على معجزات الفعل و العمل . هذه الطريقة الواهمة الحالمة بالتفوق و النجاح دونما إبراز حقيقة عملنا حقا و حقيقة . إنه العيش على الاحتياط و الدخيرة لكي نستطيع متبابعة العمل الدراسي في السنة الموالية . الامر الذي يوضح فضلا عن ذلك تساوي النتائج : البنات هن محرومات دوما في التوجيه بسبب افتراض كونهن يعملن أكثر ، لذلك فهن أقل ذكاء . نفترضه و لم أقل هذا حقيقي !
إذن توجد هناك روابط و صلات مع المعرفة . لو أردنا دراسة مشاكل العلاقات أولاد – بنات فلأن الموضوع يحمل أحد الخصائص الأساسية المراد معالجتها . يتحتم علينا مراقبة كيف لعلاقة أولاد – بنات تتطور من وسط اجتماعي إلى وسط آخر . لا يبدو الأمر سهلا . أعمال مهمة و ممتعة في هذا الموضوع قد انجزت توضح أن العلاقة أولاد – بنات لا تمثل نفس النتيجة في أوساط اجتماعية غنية و أخرى أكثر شعبية . هنا تحدث أشياء و تتفاعل فيما بينها و يعتبر هذا جزء من العناصر التي تساهم في بناء العلاقة إزاء المعرفة عند الاشخاص .
و في الأخير ، يوجد العنصر الثالث : العمليات المعرفية المستقرة و المثبتة من جراء التجارب السالفة . هو نوع من الذاكرة العملية التي تجعلك تتذكر أن « عندما نكون في مثل هذه الحالة ، فالأمر قد نجح » . في واقع الأمر ، عندما نجد أنفسنا في مشكل جديد فإننا نطور استراتيجية تضع الكل في اهتزاز و ارتجاج . في محاولة منا الوصول إلى منتهى الصعوبة الموضوعة أمامنا قصد المواجهة . إضافة إلى ذلك ، لا بد من الأخذ المحيط بعين الاعتبار أي جميع الموارد و كل العقبات الموجوة أمامنا . من جانب آخر خاصة باستعمال كلمة استراتيجية فإنني أتحمل المسؤولية كاملة بصدد المفهوم العسكري الحربي للكلمة . أعتقد أن التلميذ و هو يواجه تمرين يشبه الجينرال في ميدان المعركة . إلا أن في عهد نابليون يعني أنه هنا سوف يتساءل أين يتواجد العدو . و هل هو في هذه الجهة – البعيدة أو الجهة القرييبة ، هل يختبئ وراء هذه الربوة ؟ يرسل المبعوثين قصد الاستطلاع . ثم لا بد من معرفة ما هي قوته الحقيقية و على ماذا تستند إمكانياته . هل يمتلك فرسان شداد و هل لديه مدفعية ضعيفة . هل يتسم بالفعالية القصوى حينما يضرب مباغتا أم حينما يضرب رويدا و على مهل ؟ . من اللازم عليه تحديد قوته الخاصة به لكن أيضا لا بد من تكوين فكرة عن قوة عدوه . فالموضوع الذي أنا مثابر عليه ، ذا الواجب في الرياضيات أو التمرين في الفرنسية ما هي خصائصه الحقيقية ؟ من الضروري تقويم قدراتي الخاصة ، تقويم الموضوع و العمل بالشكل الذي يجعلني أنا و الموضوع معا ندخل مع الآخر في علاقة متكافئة . يجب علي أيضا أن أتساءل مثل الجينرال في ميدان المعركة في حالة ما إذا كنت قادرا على تكوين حلف من تلك الربوة ، إذا ما كنت سأستعمل ذاك الجدع في النهر لتسهيل عملية العبور لفائدة جزء من خيالتي . و الحال هذه ، بالنظر للتلميذ سيكون : « هل الوقت هو محدد ام لا ؟ هل باستطاعتي الاطلاع على الوثائق أم لا ؟ » . يجب تدبير كل هذا المحيط و المحيط لن يكون إطلاقا ذاته نظرا لتغيره من حين إلى آخر . في العمق ندرك جيدا مع مفهوم استراتيجية التعلم أن ما يجعل الاستقرارية أمرا حقيقيا و واقعيا هو ليس كونك حرا أم غير حر نسبة إلى الحقل le champ . و إنما هو مقدرتك على العمل بالوعي الأكثر صفاء ممكنا ؛ نتحدث عن التعقل ( الميتا – معرفية ) la métacognition ؛ تلك الصلة و القرابة التي ننشئها و نربيها مع الاشياء التي نشتغل عليها .
سوف تقولون لي : هذا مبهم و مجرد بعض الشيء .. نحن لدينا أطفال من ثلاث سنوات و لا نرى جيدا كيف يمكن العمل بمقتضى هذا الامر . حسنا كلا ، انا أراه جيدا . أرى العمل الخاص بالمدرسات و المدرسين الذين يستقبلون الأطفال من سنتين يعلمونهم كيفية وضع معاطفهم ، و أرى أطفالا من سنتين يضعون معاطفم و هم يجلسون على الأرض و أدرعهم من ورائهم .. و آخرون لا يريدون الجلوس على الأرض لأن هذا سوف يوسخ تنورتهم و سراويلهم . ثم أرى أطفالا يتلقون مساعدة من صديق و آخرون يرفضون مساعدتنا لأن هذا يزعجهم و لأنهم يحبون كثيرا حل المشاكل لوحدهم و سيقعون في فخ معاطفهم غير أنهم يواصلون بوحدهم حتى نهاية التمرين . أرى المدرسات اللواتي يغتنمن الفرصة للعمل مع التلاميذ هنا في هذه الساعة مع هذه الاشياء البسيطة كما هي من اجل إبراز الذكاء و التفكير في هذه المناسبة ، و من اجل أن نجعلها تعبيرا و صياغة لما يقومون به . من أجل جعلها تفسيرا و تبيانا لاستراتيجياتهم . نجعلها فهما و كيف أصبحت حالة التلاميذ و هم يشتغلون : لا نقول لهم : « هذا هو الجواب الصحيح ! » ولكن نقول : « ماذا تفعل ؟ لماذا فعلت هذا ؟ فكر كيف تفعل ؟ ضع نفسك في وضعية تساعدك في تحسين تجربتك ! ما تفعله اليوم فلينفعك غدا و تستخرج منه دروسا و نتائج . لا تجعل نفسك مضطرا دوما لاختراع نفس الشيء ! بالطبع ، ستتغير المشاكل . غدا لن تكون كذلك لأنه استوجب عليك أن تتعلم كيفية ملاءمة استراتيجيتك اتجاه الموضوع او المشكل . استوجب عليك العمل باستمرار في علاقة بينك و بين العالم و هذه العلاقة بينك و بين العالم هي التي تجعلك ذكيا . بخصوص هذه النقطة ، أحكي في بعض الاحيان هذه المذكرة التي تم تدوينها من طرف طالب في كاليدونيا الجديدة حول تعلم صيد السمك حيث يعطي الدليل على أن تعلم صيد السمك هو ، في آن واحد ، تعلم معرفة البئية و مواطن السمك و مواطن لا سمك فيها . هو تعلم معرفة الذات و معرفة فيما إذا سيكون لدينا صبرا أم لا . هل سأستعمل هذه التقنية أو تلك لأنها تتناسب جيدا و احتياجاتنا الظرفية في هذا الوقت بالذات . و أيضا قدرتنا في التعلم عن طريق السمك أي بمعنى نترك ذواتنا تنقاد لمزاج السمك الذي نود اصطياده بغية التكيف وفق السمك وحسب الطريقة المستعملة من اجل إرهاقه و الانقضاض عليه .
إن بناء الاستراتيجيات التعلمية هو دراسة الذات و الموضوع معا في آن واحد . هو دراسة التفاعل بين الذات و الموضوع باستمرار . أعتقد أننا وصلنا إلى هنا إلى أمر بالغ الأهمية يتعلق بنمو و تطوير الذكاء . نضع الأفراد في كل مرة في وضعية تحثهم على التفكير حول استراتيجياتهم التعلمية لكي نجعل منهم أذكياء .. بهذا المعنى جميعنا قبل ان نكون معلمين أو أساتذة أو أساتذة التاريخ ، فنحن أساتذة الذكاء ..أستاذ الذكاء بمعنى أن أي واحد لا يكون لديه كهدف أول ملء الخانات و إتمام البرنامج كله لكن بجعل الناس الذين نتعامل معهم أذكياء . لا توجد أمثلة كثيرة لأناس جعلت منهم المدرسة أغبياء ، لكن مع الآسف هناك من الأمثلة لأناس لم يثيرهم كثيرا وسطهم الاجتماعي او الأسري بما فيه الكفاية و لم يجدوا أيضا الحوافز الضرورية في المدرسة لتنمية ذكائهم .
أعتقد أننا حصلنا هنا على نقطة جوهرية و في غاية من الأهمية : البيداغوجية الفارقية ربما قبل كل شيء و بكل بساطة هي السماح للناس و للتلاميذ و للأشخاص التفكير في الطرق التي يتعلمون بها . لقد سبق لي أن قلت هذا بعد الظهيرة أثناء الاجتماع المصغر المنعقد مع المجموعة التي تسير العمل الذي تبنيتموه : توجد أشياء سهلة للغاية نقوم بها في هذا الباب و التي لا تتطلب أية رخصة من أحد . على سبيل المثال لو قررتم و تستطيعون فعل ذلك هنا بسرعة ، في هذا المساء . ابتداء من الآن في كل مرة تريدون إعطاء تمرين لتلميذ لا تقولوا : « أعطيك التمرين رقم 12 الصفحة 32 » لكن بقولكم : « أمنحكم اختيارا بين التمرين 12 و 13 من الصفحة 32 » ، سوف تخلقون وضعية جديدة تماما ! هذا سيغير كل شيء ! تضعون التلميذ في وضعية القول : « لقد أعطاني تمرينين . عندي اختيار بين الاثنين ، ما هو التمرين الأكثر سهولة ؟ » . و هكذا.. النتيجة نفس ردود الفعل ، طبعا..
« هل تعتقد أن هذا التمرين هو الأكثر سهولة ؟ أنا أعتقد العكس ، من الذي يمتلك الصواب إذن ؟
« هل هذا هو الذي يمثل أكثر سهولة بالنسبة إليك ؟ لماذا ؟
« ما العمل ؟
« آه ! لو عملت وفق هذا الشكل ، سيكون الأمر سهلا .. بالفعل و إذا تصرفت بهذه الطريقة سيكون الأمر صعبا »
نغير تماما العلاقة الموجودة بين المعرفة و القدرة و نصبح فاعلين في تعلمنا الخاص ، و يحدث هذا بالصورة التي لا تلحق أي تغيير ما في نظام المؤسسة ظاهريا . في واقع الأمر ، يظل الاطار كما هو لكن نستدخل فيه فضاءات التعديل و نقتحم اماكن بحيث يستطيع الشخص أن يفكر فيما يصنع أو يعمل أي يتكون لديه الذكاء بصدد ما يقوم به يتبع..
عدل سابقا من قبل مبشور في 14/4/2011, 13:21 عدل 1 مرات (السبب : تغيير العنوان)