المدرسة في مواجهة التعقيد [color=red]الفصل 2
فليب بيرينو philippe Perrenoud
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف – سويسرا
1993
2[size=18] . ما يقوي التعقيد حاليا
إن التعقيد مقيد ، و لقد ذكرنا هذا بعد قليل ، في الطبيعة ذاتها للعلاقة التربوية و لنظم التعليم . هل يعد هذا مع ذلك مثبتا ؟ أين تتجلى خطورته اليوم ، هل يتحدد في الوقائع ام في العقول ؟ سأحاول تبيان أن بعض العوامل تساهم سواء في نمو التناقضات في حد ذاتها ، او في الاحساس بالتعقيد المتخذ من جانبنا بداخل النظام المدرسي .
1.2)- تاثيرات احتمالية أكثر فأكثر
ربما لم يسبق لنا أبدا أفضل من اليوم قياس جهلنا فيما يرجع للمفاعيل الحقيقية للتعليم . منذ السنين ، عاشت المدرسة نسبيا حياة هادئة و في احسن صورة ، في جزء منه بلا شك لأن النمو المتزايد كانت له الغلبة في الانشغال بالمراقبة لفعالية الممارسات التربوية . في البداية انصب العمل على تمدرس الجميع ، ثم توسع التمدرس الاجباري ، ثم نما التأطير الماقبل المدرسي و التكوينات المابعد المدرسية ، و انتشرت تربية الكبار...
في نفس الوقت الذي وصل هذا الاندفاع والهروب نحو الأمام إلى حدوده القصوى ، فإذا بنا نكتشف وجود ، في المجتمعات المتمدرسة في أبعد الحدود ، 10 في المائة و 25 في المائة من الأمية الوظيفية ، و أن حتى الرجال الاكثر تعلما بصفة عامة هم غير مسلحين أمام السيدا ، وأمام التغييرات التكنولوجية ، و البطالة و التحولات الصناعية ، و تدفق المهاجرين و التطور في اتجاه المجتمعات ذات التقانية المتعددة ، و امام إعادة التركيب للدول و الأمم ( توحد المانيا ، البناء الأوروبي ، انهيار الامبراطورية السوفياتية ) ،وعمليات النقد و المضاربة التي تتحدى الحكومات ، و امام انغلاقات العالم الثالث ، و مخاطر العلم ( التطبيقات الوراثية ، النووية ) ، و الأضرار الملحقة بالمحيط .
هل توجد المدرسة في مستوى طموحاتها المعلنة ؟ هل من المعقول استثمار المزيد و المزيد في التربية بدون تطويق بشكل أدق أكثر العلاقة بين المصاريف و النواتج ؟ هل هكذا من قبيل الصدفة أن تضاعفت و نمت الأعمال اليوم حول مؤشرات نواتج التربية ، و حول نجاعة و فعالية النظم التعليمية ؟
لم يعد من الممكن أبدا الاعتقاد ، و اليد على القلب ، أن الزيادة في المدرسة تعني بالضرورة الزيادة في الكفاءة و الحكمة للجميع . إن الشك أصبح متمركزا بعد الآن في قلب النقاش ، و أن الإجراءات الدقيقة لفعالية و لنجاعة نظم التربية لم تعد كافية للقضاء على هذه الريبة ، و السبب هو نمادج التمدرس المتمركزة حول هذه النظم و المتضامنة معها هي التي توجد في أزمة : نمادج التقدم الاقتصادي ، نمادج المعرفة العلمية ، نمادج الفعل العقلاني ، نمادج القرار السياسي . فهذه الإلتباسات و الشكوك تزيد من خطورة الاحساس بالتعقيد . إن المدرسة تشعر بعدم الاطمئنان واليقين اكثر من أي وقت مضى ، و لا إصلاح مدرسي يمكنه اليوم إعطاء الضمانة على أنه سيحقق التقدم المؤكد . إنه رهان ، وعلى المحافظين كما يحلو لهم اللعب به وافتضاح امره باسم سياسة التقشف في الميزانية او الملل و التقزز من طرف الجميع أمام التغيير . كأنما الوضع الراهن يعتبر في حد ذاته عربونا للنجاعة ...
2.2)- افتقاد العدالة
إن الاحساس بعدالة نسبية هو شرط للتعايش السلمي في حظيرة تجمع ما . إذا كان بعض الفاعلين لديهم دائما انطباعا بأنهم مستغلون ، مهمشون ، منحطون ، مبعدون في هويتهم و في حقوقهم ، سيفعلون ما بوسعهم لكي يسيطروا على السلطة او يغيروا قواعد اللعبة لتصبح في خدمتهم على الأقل .
و الحال أن العدالة هي بناء إنساني حيث يستمد هذا البناء قوته من بعض التوافق . مادام ان أغلبية التلاميذ و الآباء يظنون أن الدبلوم ينظر إليه كاستحقاق و انه من الانصاف الحصول عليه من طرف هؤلاء الذين عملوا و أظهروا كفاءاتهم ، فإن الانتقاء سيعاش كتجربة قاسية لهؤلاء الذين تم استبعادهم ، لكنه سيظل قائما على أساس المشروعية .عندما يختلط مفهوم العدالة او ينشطر إلى أجزاء ، نلاحظ على سبيل المثال بعض الطلبة يحتجون و يطالبون بحق الدبلوم و يمتنعون عن أي انتقاء في الجامعة . إذن ليس هناك أبدا أي تعاقد اجتماعي ممكن ، عدالة البعض هي ليست إنصافا للآخرين .
جزئيا نفس المشكلة تواجهها المدرسة الاجبارية . ما معنى الانصاف ؟ هل هو إعطاء للجميع مناسبة لإجراء الامتحانات ؟ او ضمان للجميع نفس المكتسبات ؟ هل يعد إنصافا و عدلا السماح لتلميذ بالتكرار ليكون في أحسن حالة أمام الانتقاء حينما يلج القسم الأعلى ؟ أم السماح مباشرة لتلميذ ما بالاستمرار في دراسته إلى ما وراء التمدرس الاجباري في حالة عدم احترامه للتعاقد الديداكتيكي ؟ أو هو التمسك و الالزام المباشر بالتوجيه المدرسي للأسر ؟ او نوافق بشكل مباشر و صريح فقط على مخالفة القوانين ؟ أو نعمل مباشرة على تغيير معايير النجاح حسب الأقاليم و الجنس و الإثنيات ؟
بشكل عام : من هو المتستفيد من المدرسة ؟ و من الذي ينفق عليها ؟ فيما يتعلق بالصحة العمومية ، الحوار مفتوح : هل يعقل ، مثلا ، أن ملايين من الناس « عقلاء » يغطون مصاريف الصحة لهؤلاء الذين يتناولون المخدرات و شرب الدخان والكحول أو يعرضون أنفسهم للمخاطر القاتلة في الطريق ؟ و عندما لا نقدر البتة على تغطية الكل ، هل يعد إنصافا إعطاء الأولوية لهؤلاء ام لهؤلاء ، للشباب ام للعجزة ؟ إن التربية تقوم و لا تزال دائما تسائل عن مثل هذه المناقشات على مستوى المجتمعات الوطنية او الجهوية .
إن موضوع العدالة يحضر تماما أثناء التعايش و تقسيم العمل بداخل المؤسسات المدرسية : هل يعتبر من العدل ان الأساتذة الأكثر خبرة و تجربة باستطاعتهم ، بفضل أقدميتهم ، اختيار المدارس الأكثر عصرية و حداثة ؟ عند حدوث أزمة مالية ، هل يحق الاستحفاظ بمناصب الناس المتواجدين في عين المكان مع إقفال باب التوظيف في وجه الشباب المتمرس ؟هل فقط هو مجرد المطالبة من المستخدمين أن يقدموا المزيد من التضحيات ؟ مجرد فقط تسريح هؤلاء الذين يتشتكون من هشاشة وضعيتهم ، في تجاهل تام لكفايتهم ؟
بداخل المؤسسات ، هل من المعقول منح الأقسام الأكثر صعوبة للوافدين الجدد ؟ هل يمكن تغيير أماكن التلاميذ او الأساتذة من أجل عقلنة تنظيم الأقسام ؟ هل يمكن تخصيص المعدات الأكثر تكلفة لفائدة الشعب الأكثر إلحاحا و طلبية ؟ هل نهمش المواد الفنية على حساب الاعلاميات ؟ هل نعوض ما يمكن اعتباره جزءا من عمل ، مثلا التفكير ، و الاشتغال مع الزملاء ؟ حول كل هذه الأسئلة ، و أسئلة أخرى أيضا ، إن أشكال العدالة تختلط و لا تتوضح ؛ لا نستطيع أبدا الانتماء إلى البديهيات المشتركة ؛ في كل مناسبة يتخذ فيها القرار ، يجب معاودة بناء المعايير المشروعة للعدالة او هو استحمال شك الاعتباطية ( دوريت ، Derouet 1992 ).
3.2) - حركات تضامنية تتهاوى
» أنا أولا » ، « كلا حسبه » ، « و من بعدي الطوفان » : هذه التعابير ليست جديدة و توحي ، في كل المجتمعات ، و في جميع مراحل التاريخ ، أن الأفراد يتأرجون بين الأنانية و التضامن . إن الأعمال السوسيولوجية تشير مع ذلك إلى ميل كبير نحو تفقير الروابط المجتمعية ، إلى تعاظم الفردانية كمرجعية مثلى ، إلى التقوقع و الالتفاف حول الحياة الخاصة ، إلى ترك السياسة لأقلية من المحترفين ، إلى الفتور و التراخي في أنماط التشارك إزاء التدبير .
إن« إتقان اللعبة » أصبحت القاعدة الذهبية . أصبح الآباء و التلاميذ ينظر إليهم كمستهلكي المدرسة ( بايون Ballion ، 1982 ) ، مستخدمين موارد الخريطة المدرسية بشكل أفضل لضمان أحسن الدبلوم ، لا يساورهم أدنى شك فيما إذا كانت استراتيجياتهم قد ألحقت الضرر بالمساواة الاجتماعية و التباعدات الاقليمية . معظم المدرسين يهتمون قبل كل شيء بالبحث عن منصب قار و مريح ، و الابتعاد عن التلاميذ ذوي المصاعب و القلاقل ، و عن الآباء المتشددين ، و عن المدراء الاقوياء ، وعن الاصلاحات الطموحة ..
كل هذا يغير من طبيعة التنظيمات : لقد أصبحت « أسواقا » حيث تنتشر فيها الاستراتيجيات الفردية . من أجل تجنيد مستخدميها ، وجب على الموجهين بعد الآن التعويل على التحريض الشخصي – تخفيف او تدبير أوقات العمل، منح ، إجازة - تكوين ، ترقية – عوض الانخراط في القيم المشتركة . فالتعقيد يزداد على إثر ذلك . لذلك ، نجد رئيس المؤسسة الذي يأمل في طرح مبادرة وجب عليه اليوم العمل مثل القائد السياسي : جس نبض الرأي العام حتى لا يجد نفسه في عزلة ، يعدل مقتراحاته من أجل أن تكتب لها النجاح و التوفيق .
4.2) -السلطة المرفوضة
إن السلطة التقليدية مرفوضة ، لا يرضى التلاميذ و لا الأساتذة بالخضوع و الطاعة لها لأنها صادرة من الأعلى .إنما يريدون بأن يستشاروا و يقتنعوا . هؤلاء الذين خبروا الظاهرة يقترحون التوجه نحو السلطة المتفاوضة ( بيران Perrin / ، 1991 ) ، في ربط كل أحد بالقرار . الأمر الذي يزيد في التعقيد على أية حال ، لأن في إطار التدبير التشاركي ( دومايي / Demailly ، 1990 ) ، فالاجراءات تتخذ بشكل بطيئ ، لا بد من دمج للرؤى و البحث عن التوافقات و السهر على جعل بصفة ممنهجة بعض الشركاء خاسرين .
أن التعقيد قوي جدا و خاصة أننا نعيش في مرحلة انتقالية ، حيث من خلالها لا يزال الفاعلون لا يمتلكون الوسائل التي تكون في مستوى طموحاتهم : عدد من المسؤولين يخافون من الحوار و يفضلون الموت في أرواحهم ، عندما يعجزون فعل شيء ما ؛ فإننا نراهم يتسابقون في عجلة من أمرهم ، كلما سنحت لهم الفرصة ، و هم بذلك ينقضون على السلطة الممنوحة . و عدد من المأجورين يلعبون دائما فوق طاولة مزدوجة : يتقلدون و يرفضون المسؤوليات بشكل انتهازي ، لا يقبلون التقيد في تعاقد طويل الآمد تفرضه عليهم سلطة متفاوضة ، بحيث أن كل واحد يفقد جزءا من حريته أثناء ذلك .
5.2)- بعض الضعف في الثقافة المشتركة
الدمقرطة النسبية للدراسات ونمو و تقدم المدارس المندمجة في المدارس و المؤسسات أديا إلى طلاب غير متجانسين hétérogènes . مع الازدياد كذلك في اللاستقرار القوي الذي احدتثه الحركات الديموغرافية و الهجرة : في اغلبية المدارس ، وجدنا أنفسنا في مواجهة عدد هائل من التلاميذ الذين يأتون و الذين يرتحلون ، و يلتحقون أثناء شبابهم بعدة مؤسسات ، في مختلف الانظمة المدرسية . من هنا برزت ، في غياب تعلم مستمر ، الصعوبة في اقتسام نفس الدلالات والرموز ، إذن التواصل .
إن هذا التنوع أصاب المدرسين أيضا : الأصول الاجتماعية الواضحة ، التجوال و الاطارات القانونية ، الانخراطات السياسية المتناقضة ، التمثلات المتباعدة للثقافة ، للتربية ، للحرفة ، للمدرسة . تقام وحدة الهيئة التدريسية بالفعل على أساس الرابطة الحرفية corporatistes ، هذا لا يكفي لتأسيس ثقافة مشتركة . الشيء الذي يعتبر في الآن نفسه ربحا و إعاقة . ربحا لأن المدرسة تتعايش مع الاختلافات ، بين الأطفال ، بين المراهقين ، بين عالم الكبار . إعاقة لأن ، امام التعقيد ، بناء جواب ملائم و متساوق يصبح عملا جبارا .
6.2)- فاعلون بدون بدائل
نسبة إلى هؤلاء المهنيين تعتبر المدرسة فضاء مغلقا . لا احد يودع في سجنها بالكامل ، لكن للخروج من هذا السجن ، لا بد من تحول مهني حقيقي . إذن محكوم على الناس العيش و التقادم بداخل الجماعة لما يكبرون ، و خاصة أن أنماط التدبير للمستخدمين ، في الوظيفة العمومية ، لا يسهل لا تكوين الفرق المنسجمة ، و لا تنظيم الصراعات بواسطة نقل جزء من الفاعلين .
نسبة إلى تنظيمات اخرى و مهن أخرى ، فإن المدرسة لديها حرية أقل في مواجهة التعقيد ، لأن الفاعلين لا يتوفرون بأنفسهم أبدأ على هامش التحرك . مما لا شك فيه يعتبر هذا شكلا أيضا من الحماية في حق الأشخاص و الأعمال ، غير انه يساهم في الجمود في ذات الوقت : بشكل عام لدينا نفس الأشخاص ، إذن هي نفس الأفكار المسبقة ، نفس الصراعات ، والتحالفات نفسها ، و الإعاقات نفسها ، والإمكانات نفسها، التي نستخدمها امام المشاكل الجديدة .
7.2)- ضرورة الواجهة و الخطاب المزدوج
ليست المدرسة منظمة كمثل المنظمات الاخرى : فهي تعمل تحت أنظار الآباء و الرأي أكثر من أية مقاولة او اكثر من الادارات . مما يلزمها العمل الدائم على جبهتين : تحاول ، في الداخل ، مواجهة المشاكل الحقيقة ، مع التحكم في واجهة محترمة . لا تقدر المدرسة ، لا تجرؤ أن تصرح على أنها لا تعرف ، تشك ، مخطئة . في أقل حركة و تردد ، تراها تسلم الاسلحة لمشنعيها ومنتقصيها . لذا ، فالتساؤل فيما إذا كان الاصلاح المهم قد حقق أهدافه من الممكن أن يبدو سليما و منطقيا . وعلى الرغم من ذلك ، لو فتح مسؤولو النظام التربوي الموضوع و تساءلوا بكل وضوح ، فإن الاصلاح ينقلب مباشرة إلى نقد ذاتي أو إلى اعتراف مشبوه . « كيف ، ألست متيقنا بأن هذا الاصلاح القائم ذي التكاليف الباهضة لم يعط نتائجه ؟ » لا يقدر أصحاب المدرسة قول « بالطبع لا ، لسنا متيقنين ! » من الضروري الحصول على ضمانة البحث في الفضاء أو الطب حتى نستطيع قول ان الامر استوجب عددا من المحاولات الخاطئة للحصول على نتائج حقيقية ...
لقد اندثر في الاخير النظام السوفياتي ، من بين عدة أسباب ، لأنه كان يمنع قول الأشياء كما هي ، يعني مواجهته للتعقيد بكل صراحة . إذا كان المستقبل دائما مشرقا ، إذا كان الحزب دائما بجانبه الحق ، إذا كان التصميم دائما يتصف بالاكتمال ، إذا كان الخطأ دائما مبعدا في النهاية ، سيكون من المستحيل مقاسمة تحليل ما و تحديد برنامج عمل . مع كل التناسبات المسجلة ، إن المدرسة تعاني من ذات المشكلة . كل احد يعرف أن البرامج لا توصف بالكمال ، و أن بعض الاوقات تنعت بالعبثية ، و ان المعينات البيداغوجية يمكنها ان تصبح فعالة ، و أن استعمال الزمن ليس متوازنا ، وان ... كم يجب من الوقت ، كم من الازمات المقنعة حتى نقدر على البوح بذلك و نتصرف ؟ هل المدرسة مجبرة بأن تتأخر على الدوام عن التعقيد ؟ التصرف الملائكي و لغة الصم البكم تتعاونان فيما بينهما لمنع الجلاء و الوضوح . لا يكفي أبدا أن كل احد ، منزويا في ركن ، يغترب و يضيع في أوهامه و تخيلاته . بالعكس ، إن هذا ليساعد في التشتت و انفصام العروة بين التخلي المكشوف للأشخاص و الانتصار و تحقيق الفوز للمنظمات . إنما فقط الشفافية و الوضوح المتقاسم هو ما يسمح بمواجهة التعقيد و التغلب عليه .
8.2)- الأزمة و الشك حول قواعد اللعبة
عندما نتواجد في قلب أزمة ، يحدث لنا ميل أولا في بداية الأمر في التقليل من شأن الأزمة ، ثم ، عندما نزن قيمتها و نخبرها ، نجد التهويل و نعتقد أن « لا شيء مثل هذا إطلاقا سوف يحدث في المستقبل » . سيكون من اللائق بلا شك أن نقول أن الازمات تعمل كمؤشرات موحية للتناقضات القديمة ، و أنه من اللازم أخذها بعين الاعتبار و التمحيص .
من ضمن اليقينيات التي زعزعتها الازمات المالية العمومية و الركود الاقتصادي ، بعض منها يبدو لي له مستقبل :
هل مازلنا نعتقد في التربية على مستوى الاوطان ؟ ألسنا سائرين نحو مدرسة حيث أن كمال الاشكالية للثقافة المشتركة ، واللامساواة امام التعليم ، والحق في الاختلاف سيعاد التفكير فيه على المستوى الأوروبي ؟ هل مازلنا نحلم بتربية تتحكم فيها الدولة في محتوياتها و مقاصدها ؟ إلى أي حد يجب تمويل التعليم بواسطة الاعتمادات العمومية ؟ و في آخر الامر من يعبر عن المقاصد و الاحتياجات ؟ هل حرفة المدرس من المفروض عليها ان تنبثق دوما من الوظيفة العمومية ؟ وضعية هذه الأخيرة هل هي إلى الأبد ؟
كيف تجد المدرسة مكانتها بجانب الميديا و مناهج الاعلاميات المبنية على تكنولوجية المعلوماتية ؟
هذه اللإلتباسات و الشكوك ، التي تظل بعيدة و بلا زوال ، تزيد في التعقيد و تنميه ، لأن الغايات ذاتها موضوعة للمساءلة . إذن هناك قواعد اللعبة المجتمعية . إنه من الصعب مسبقا أن نتوافق حول تأويل القواعد و إيجاد الطريق الأفضل و الانسب لتحقيق الأهداف الطموحة . لو ، في كل خطوة ، يطرح سؤال حول معنى التعليم العمومي و أهدافه ، فإن النقط المعيارية الاكثر بساطة لا توجد ، فالكل دائما هو محط مساءلة ، لا أحد بقادر على تأسيس حجته حول مشروعية قد حدتث و يحدث بشأنها الرفض و الاحتجاج .
فليب بيرينو philippe Perrenoud
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف – سويسرا
1993
2[size=18] . ما يقوي التعقيد حاليا
إن التعقيد مقيد ، و لقد ذكرنا هذا بعد قليل ، في الطبيعة ذاتها للعلاقة التربوية و لنظم التعليم . هل يعد هذا مع ذلك مثبتا ؟ أين تتجلى خطورته اليوم ، هل يتحدد في الوقائع ام في العقول ؟ سأحاول تبيان أن بعض العوامل تساهم سواء في نمو التناقضات في حد ذاتها ، او في الاحساس بالتعقيد المتخذ من جانبنا بداخل النظام المدرسي .
1.2)- تاثيرات احتمالية أكثر فأكثر
ربما لم يسبق لنا أبدا أفضل من اليوم قياس جهلنا فيما يرجع للمفاعيل الحقيقية للتعليم . منذ السنين ، عاشت المدرسة نسبيا حياة هادئة و في احسن صورة ، في جزء منه بلا شك لأن النمو المتزايد كانت له الغلبة في الانشغال بالمراقبة لفعالية الممارسات التربوية . في البداية انصب العمل على تمدرس الجميع ، ثم توسع التمدرس الاجباري ، ثم نما التأطير الماقبل المدرسي و التكوينات المابعد المدرسية ، و انتشرت تربية الكبار...
في نفس الوقت الذي وصل هذا الاندفاع والهروب نحو الأمام إلى حدوده القصوى ، فإذا بنا نكتشف وجود ، في المجتمعات المتمدرسة في أبعد الحدود ، 10 في المائة و 25 في المائة من الأمية الوظيفية ، و أن حتى الرجال الاكثر تعلما بصفة عامة هم غير مسلحين أمام السيدا ، وأمام التغييرات التكنولوجية ، و البطالة و التحولات الصناعية ، و تدفق المهاجرين و التطور في اتجاه المجتمعات ذات التقانية المتعددة ، و امام إعادة التركيب للدول و الأمم ( توحد المانيا ، البناء الأوروبي ، انهيار الامبراطورية السوفياتية ) ،وعمليات النقد و المضاربة التي تتحدى الحكومات ، و امام انغلاقات العالم الثالث ، و مخاطر العلم ( التطبيقات الوراثية ، النووية ) ، و الأضرار الملحقة بالمحيط .
هل توجد المدرسة في مستوى طموحاتها المعلنة ؟ هل من المعقول استثمار المزيد و المزيد في التربية بدون تطويق بشكل أدق أكثر العلاقة بين المصاريف و النواتج ؟ هل هكذا من قبيل الصدفة أن تضاعفت و نمت الأعمال اليوم حول مؤشرات نواتج التربية ، و حول نجاعة و فعالية النظم التعليمية ؟
لم يعد من الممكن أبدا الاعتقاد ، و اليد على القلب ، أن الزيادة في المدرسة تعني بالضرورة الزيادة في الكفاءة و الحكمة للجميع . إن الشك أصبح متمركزا بعد الآن في قلب النقاش ، و أن الإجراءات الدقيقة لفعالية و لنجاعة نظم التربية لم تعد كافية للقضاء على هذه الريبة ، و السبب هو نمادج التمدرس المتمركزة حول هذه النظم و المتضامنة معها هي التي توجد في أزمة : نمادج التقدم الاقتصادي ، نمادج المعرفة العلمية ، نمادج الفعل العقلاني ، نمادج القرار السياسي . فهذه الإلتباسات و الشكوك تزيد من خطورة الاحساس بالتعقيد . إن المدرسة تشعر بعدم الاطمئنان واليقين اكثر من أي وقت مضى ، و لا إصلاح مدرسي يمكنه اليوم إعطاء الضمانة على أنه سيحقق التقدم المؤكد . إنه رهان ، وعلى المحافظين كما يحلو لهم اللعب به وافتضاح امره باسم سياسة التقشف في الميزانية او الملل و التقزز من طرف الجميع أمام التغيير . كأنما الوضع الراهن يعتبر في حد ذاته عربونا للنجاعة ...
2.2)- افتقاد العدالة
إن الاحساس بعدالة نسبية هو شرط للتعايش السلمي في حظيرة تجمع ما . إذا كان بعض الفاعلين لديهم دائما انطباعا بأنهم مستغلون ، مهمشون ، منحطون ، مبعدون في هويتهم و في حقوقهم ، سيفعلون ما بوسعهم لكي يسيطروا على السلطة او يغيروا قواعد اللعبة لتصبح في خدمتهم على الأقل .
و الحال أن العدالة هي بناء إنساني حيث يستمد هذا البناء قوته من بعض التوافق . مادام ان أغلبية التلاميذ و الآباء يظنون أن الدبلوم ينظر إليه كاستحقاق و انه من الانصاف الحصول عليه من طرف هؤلاء الذين عملوا و أظهروا كفاءاتهم ، فإن الانتقاء سيعاش كتجربة قاسية لهؤلاء الذين تم استبعادهم ، لكنه سيظل قائما على أساس المشروعية .عندما يختلط مفهوم العدالة او ينشطر إلى أجزاء ، نلاحظ على سبيل المثال بعض الطلبة يحتجون و يطالبون بحق الدبلوم و يمتنعون عن أي انتقاء في الجامعة . إذن ليس هناك أبدا أي تعاقد اجتماعي ممكن ، عدالة البعض هي ليست إنصافا للآخرين .
جزئيا نفس المشكلة تواجهها المدرسة الاجبارية . ما معنى الانصاف ؟ هل هو إعطاء للجميع مناسبة لإجراء الامتحانات ؟ او ضمان للجميع نفس المكتسبات ؟ هل يعد إنصافا و عدلا السماح لتلميذ بالتكرار ليكون في أحسن حالة أمام الانتقاء حينما يلج القسم الأعلى ؟ أم السماح مباشرة لتلميذ ما بالاستمرار في دراسته إلى ما وراء التمدرس الاجباري في حالة عدم احترامه للتعاقد الديداكتيكي ؟ أو هو التمسك و الالزام المباشر بالتوجيه المدرسي للأسر ؟ او نوافق بشكل مباشر و صريح فقط على مخالفة القوانين ؟ أو نعمل مباشرة على تغيير معايير النجاح حسب الأقاليم و الجنس و الإثنيات ؟
بشكل عام : من هو المتستفيد من المدرسة ؟ و من الذي ينفق عليها ؟ فيما يتعلق بالصحة العمومية ، الحوار مفتوح : هل يعقل ، مثلا ، أن ملايين من الناس « عقلاء » يغطون مصاريف الصحة لهؤلاء الذين يتناولون المخدرات و شرب الدخان والكحول أو يعرضون أنفسهم للمخاطر القاتلة في الطريق ؟ و عندما لا نقدر البتة على تغطية الكل ، هل يعد إنصافا إعطاء الأولوية لهؤلاء ام لهؤلاء ، للشباب ام للعجزة ؟ إن التربية تقوم و لا تزال دائما تسائل عن مثل هذه المناقشات على مستوى المجتمعات الوطنية او الجهوية .
إن موضوع العدالة يحضر تماما أثناء التعايش و تقسيم العمل بداخل المؤسسات المدرسية : هل يعتبر من العدل ان الأساتذة الأكثر خبرة و تجربة باستطاعتهم ، بفضل أقدميتهم ، اختيار المدارس الأكثر عصرية و حداثة ؟ عند حدوث أزمة مالية ، هل يحق الاستحفاظ بمناصب الناس المتواجدين في عين المكان مع إقفال باب التوظيف في وجه الشباب المتمرس ؟هل فقط هو مجرد المطالبة من المستخدمين أن يقدموا المزيد من التضحيات ؟ مجرد فقط تسريح هؤلاء الذين يتشتكون من هشاشة وضعيتهم ، في تجاهل تام لكفايتهم ؟
بداخل المؤسسات ، هل من المعقول منح الأقسام الأكثر صعوبة للوافدين الجدد ؟ هل يمكن تغيير أماكن التلاميذ او الأساتذة من أجل عقلنة تنظيم الأقسام ؟ هل يمكن تخصيص المعدات الأكثر تكلفة لفائدة الشعب الأكثر إلحاحا و طلبية ؟ هل نهمش المواد الفنية على حساب الاعلاميات ؟ هل نعوض ما يمكن اعتباره جزءا من عمل ، مثلا التفكير ، و الاشتغال مع الزملاء ؟ حول كل هذه الأسئلة ، و أسئلة أخرى أيضا ، إن أشكال العدالة تختلط و لا تتوضح ؛ لا نستطيع أبدا الانتماء إلى البديهيات المشتركة ؛ في كل مناسبة يتخذ فيها القرار ، يجب معاودة بناء المعايير المشروعة للعدالة او هو استحمال شك الاعتباطية ( دوريت ، Derouet 1992 ).
3.2) - حركات تضامنية تتهاوى
» أنا أولا » ، « كلا حسبه » ، « و من بعدي الطوفان » : هذه التعابير ليست جديدة و توحي ، في كل المجتمعات ، و في جميع مراحل التاريخ ، أن الأفراد يتأرجون بين الأنانية و التضامن . إن الأعمال السوسيولوجية تشير مع ذلك إلى ميل كبير نحو تفقير الروابط المجتمعية ، إلى تعاظم الفردانية كمرجعية مثلى ، إلى التقوقع و الالتفاف حول الحياة الخاصة ، إلى ترك السياسة لأقلية من المحترفين ، إلى الفتور و التراخي في أنماط التشارك إزاء التدبير .
إن« إتقان اللعبة » أصبحت القاعدة الذهبية . أصبح الآباء و التلاميذ ينظر إليهم كمستهلكي المدرسة ( بايون Ballion ، 1982 ) ، مستخدمين موارد الخريطة المدرسية بشكل أفضل لضمان أحسن الدبلوم ، لا يساورهم أدنى شك فيما إذا كانت استراتيجياتهم قد ألحقت الضرر بالمساواة الاجتماعية و التباعدات الاقليمية . معظم المدرسين يهتمون قبل كل شيء بالبحث عن منصب قار و مريح ، و الابتعاد عن التلاميذ ذوي المصاعب و القلاقل ، و عن الآباء المتشددين ، و عن المدراء الاقوياء ، وعن الاصلاحات الطموحة ..
كل هذا يغير من طبيعة التنظيمات : لقد أصبحت « أسواقا » حيث تنتشر فيها الاستراتيجيات الفردية . من أجل تجنيد مستخدميها ، وجب على الموجهين بعد الآن التعويل على التحريض الشخصي – تخفيف او تدبير أوقات العمل، منح ، إجازة - تكوين ، ترقية – عوض الانخراط في القيم المشتركة . فالتعقيد يزداد على إثر ذلك . لذلك ، نجد رئيس المؤسسة الذي يأمل في طرح مبادرة وجب عليه اليوم العمل مثل القائد السياسي : جس نبض الرأي العام حتى لا يجد نفسه في عزلة ، يعدل مقتراحاته من أجل أن تكتب لها النجاح و التوفيق .
4.2) -السلطة المرفوضة
إن السلطة التقليدية مرفوضة ، لا يرضى التلاميذ و لا الأساتذة بالخضوع و الطاعة لها لأنها صادرة من الأعلى .إنما يريدون بأن يستشاروا و يقتنعوا . هؤلاء الذين خبروا الظاهرة يقترحون التوجه نحو السلطة المتفاوضة ( بيران Perrin / ، 1991 ) ، في ربط كل أحد بالقرار . الأمر الذي يزيد في التعقيد على أية حال ، لأن في إطار التدبير التشاركي ( دومايي / Demailly ، 1990 ) ، فالاجراءات تتخذ بشكل بطيئ ، لا بد من دمج للرؤى و البحث عن التوافقات و السهر على جعل بصفة ممنهجة بعض الشركاء خاسرين .
أن التعقيد قوي جدا و خاصة أننا نعيش في مرحلة انتقالية ، حيث من خلالها لا يزال الفاعلون لا يمتلكون الوسائل التي تكون في مستوى طموحاتهم : عدد من المسؤولين يخافون من الحوار و يفضلون الموت في أرواحهم ، عندما يعجزون فعل شيء ما ؛ فإننا نراهم يتسابقون في عجلة من أمرهم ، كلما سنحت لهم الفرصة ، و هم بذلك ينقضون على السلطة الممنوحة . و عدد من المأجورين يلعبون دائما فوق طاولة مزدوجة : يتقلدون و يرفضون المسؤوليات بشكل انتهازي ، لا يقبلون التقيد في تعاقد طويل الآمد تفرضه عليهم سلطة متفاوضة ، بحيث أن كل واحد يفقد جزءا من حريته أثناء ذلك .
5.2)- بعض الضعف في الثقافة المشتركة
الدمقرطة النسبية للدراسات ونمو و تقدم المدارس المندمجة في المدارس و المؤسسات أديا إلى طلاب غير متجانسين hétérogènes . مع الازدياد كذلك في اللاستقرار القوي الذي احدتثه الحركات الديموغرافية و الهجرة : في اغلبية المدارس ، وجدنا أنفسنا في مواجهة عدد هائل من التلاميذ الذين يأتون و الذين يرتحلون ، و يلتحقون أثناء شبابهم بعدة مؤسسات ، في مختلف الانظمة المدرسية . من هنا برزت ، في غياب تعلم مستمر ، الصعوبة في اقتسام نفس الدلالات والرموز ، إذن التواصل .
إن هذا التنوع أصاب المدرسين أيضا : الأصول الاجتماعية الواضحة ، التجوال و الاطارات القانونية ، الانخراطات السياسية المتناقضة ، التمثلات المتباعدة للثقافة ، للتربية ، للحرفة ، للمدرسة . تقام وحدة الهيئة التدريسية بالفعل على أساس الرابطة الحرفية corporatistes ، هذا لا يكفي لتأسيس ثقافة مشتركة . الشيء الذي يعتبر في الآن نفسه ربحا و إعاقة . ربحا لأن المدرسة تتعايش مع الاختلافات ، بين الأطفال ، بين المراهقين ، بين عالم الكبار . إعاقة لأن ، امام التعقيد ، بناء جواب ملائم و متساوق يصبح عملا جبارا .
6.2)- فاعلون بدون بدائل
نسبة إلى هؤلاء المهنيين تعتبر المدرسة فضاء مغلقا . لا احد يودع في سجنها بالكامل ، لكن للخروج من هذا السجن ، لا بد من تحول مهني حقيقي . إذن محكوم على الناس العيش و التقادم بداخل الجماعة لما يكبرون ، و خاصة أن أنماط التدبير للمستخدمين ، في الوظيفة العمومية ، لا يسهل لا تكوين الفرق المنسجمة ، و لا تنظيم الصراعات بواسطة نقل جزء من الفاعلين .
نسبة إلى تنظيمات اخرى و مهن أخرى ، فإن المدرسة لديها حرية أقل في مواجهة التعقيد ، لأن الفاعلين لا يتوفرون بأنفسهم أبدأ على هامش التحرك . مما لا شك فيه يعتبر هذا شكلا أيضا من الحماية في حق الأشخاص و الأعمال ، غير انه يساهم في الجمود في ذات الوقت : بشكل عام لدينا نفس الأشخاص ، إذن هي نفس الأفكار المسبقة ، نفس الصراعات ، والتحالفات نفسها ، و الإعاقات نفسها ، والإمكانات نفسها، التي نستخدمها امام المشاكل الجديدة .
7.2)- ضرورة الواجهة و الخطاب المزدوج
ليست المدرسة منظمة كمثل المنظمات الاخرى : فهي تعمل تحت أنظار الآباء و الرأي أكثر من أية مقاولة او اكثر من الادارات . مما يلزمها العمل الدائم على جبهتين : تحاول ، في الداخل ، مواجهة المشاكل الحقيقة ، مع التحكم في واجهة محترمة . لا تقدر المدرسة ، لا تجرؤ أن تصرح على أنها لا تعرف ، تشك ، مخطئة . في أقل حركة و تردد ، تراها تسلم الاسلحة لمشنعيها ومنتقصيها . لذا ، فالتساؤل فيما إذا كان الاصلاح المهم قد حقق أهدافه من الممكن أن يبدو سليما و منطقيا . وعلى الرغم من ذلك ، لو فتح مسؤولو النظام التربوي الموضوع و تساءلوا بكل وضوح ، فإن الاصلاح ينقلب مباشرة إلى نقد ذاتي أو إلى اعتراف مشبوه . « كيف ، ألست متيقنا بأن هذا الاصلاح القائم ذي التكاليف الباهضة لم يعط نتائجه ؟ » لا يقدر أصحاب المدرسة قول « بالطبع لا ، لسنا متيقنين ! » من الضروري الحصول على ضمانة البحث في الفضاء أو الطب حتى نستطيع قول ان الامر استوجب عددا من المحاولات الخاطئة للحصول على نتائج حقيقية ...
لقد اندثر في الاخير النظام السوفياتي ، من بين عدة أسباب ، لأنه كان يمنع قول الأشياء كما هي ، يعني مواجهته للتعقيد بكل صراحة . إذا كان المستقبل دائما مشرقا ، إذا كان الحزب دائما بجانبه الحق ، إذا كان التصميم دائما يتصف بالاكتمال ، إذا كان الخطأ دائما مبعدا في النهاية ، سيكون من المستحيل مقاسمة تحليل ما و تحديد برنامج عمل . مع كل التناسبات المسجلة ، إن المدرسة تعاني من ذات المشكلة . كل احد يعرف أن البرامج لا توصف بالكمال ، و أن بعض الاوقات تنعت بالعبثية ، و ان المعينات البيداغوجية يمكنها ان تصبح فعالة ، و أن استعمال الزمن ليس متوازنا ، وان ... كم يجب من الوقت ، كم من الازمات المقنعة حتى نقدر على البوح بذلك و نتصرف ؟ هل المدرسة مجبرة بأن تتأخر على الدوام عن التعقيد ؟ التصرف الملائكي و لغة الصم البكم تتعاونان فيما بينهما لمنع الجلاء و الوضوح . لا يكفي أبدا أن كل احد ، منزويا في ركن ، يغترب و يضيع في أوهامه و تخيلاته . بالعكس ، إن هذا ليساعد في التشتت و انفصام العروة بين التخلي المكشوف للأشخاص و الانتصار و تحقيق الفوز للمنظمات . إنما فقط الشفافية و الوضوح المتقاسم هو ما يسمح بمواجهة التعقيد و التغلب عليه .
8.2)- الأزمة و الشك حول قواعد اللعبة
عندما نتواجد في قلب أزمة ، يحدث لنا ميل أولا في بداية الأمر في التقليل من شأن الأزمة ، ثم ، عندما نزن قيمتها و نخبرها ، نجد التهويل و نعتقد أن « لا شيء مثل هذا إطلاقا سوف يحدث في المستقبل » . سيكون من اللائق بلا شك أن نقول أن الازمات تعمل كمؤشرات موحية للتناقضات القديمة ، و أنه من اللازم أخذها بعين الاعتبار و التمحيص .
من ضمن اليقينيات التي زعزعتها الازمات المالية العمومية و الركود الاقتصادي ، بعض منها يبدو لي له مستقبل :
هل مازلنا نعتقد في التربية على مستوى الاوطان ؟ ألسنا سائرين نحو مدرسة حيث أن كمال الاشكالية للثقافة المشتركة ، واللامساواة امام التعليم ، والحق في الاختلاف سيعاد التفكير فيه على المستوى الأوروبي ؟ هل مازلنا نحلم بتربية تتحكم فيها الدولة في محتوياتها و مقاصدها ؟ إلى أي حد يجب تمويل التعليم بواسطة الاعتمادات العمومية ؟ و في آخر الامر من يعبر عن المقاصد و الاحتياجات ؟ هل حرفة المدرس من المفروض عليها ان تنبثق دوما من الوظيفة العمومية ؟ وضعية هذه الأخيرة هل هي إلى الأبد ؟
كيف تجد المدرسة مكانتها بجانب الميديا و مناهج الاعلاميات المبنية على تكنولوجية المعلوماتية ؟
هذه اللإلتباسات و الشكوك ، التي تظل بعيدة و بلا زوال ، تزيد في التعقيد و تنميه ، لأن الغايات ذاتها موضوعة للمساءلة . إذن هناك قواعد اللعبة المجتمعية . إنه من الصعب مسبقا أن نتوافق حول تأويل القواعد و إيجاد الطريق الأفضل و الانسب لتحقيق الأهداف الطموحة . لو ، في كل خطوة ، يطرح سؤال حول معنى التعليم العمومي و أهدافه ، فإن النقط المعيارية الاكثر بساطة لا توجد ، فالكل دائما هو محط مساءلة ، لا أحد بقادر على تأسيس حجته حول مشروعية قد حدتث و يحدث بشأنها الرفض و الاحتجاج .