3 ) – بعض الاستراتيجيات بلا معنى
ماذا تفعل المدرسة و أصحابها أمام التعقيد ؟ في الغالب ، يتبنون استراتيجيات فارغة ، استراتيجيات لا تخدم أي شيء و لا تعمل إلا نقل المشاكل من مكان إلى مكان آخر او استبدال في القرارات : كل هذا ليس عبثا : فمن طبيعة التعقيد نفسه أنه لا يطرح القضايا بشكل متساوق و متفق عليه ، و السبب ، بالضبط ، يرجع للتعقيد الذي يجزء كل شخص او كل تنظيم . فلا يمكننا ان نندهش ان جانبا من الاستراتيجيات التي تطمح في مواجهة التعقيد إنما تسعى في إنمائه و تقويته de facto ، و حتى لا يغيب عن أذهاننا أن الواقع يصمد في وجه الاختزال و التبسيط . يبقى أن التفكير الجماعي حول التعقيد أمر لا مفر منه لاجتناب المصائب الأكثر خطورة و فظاعة . و هاك بعض منها .
.3.1. )- سياسة النعامة
مثل أية إدارة عمومية ، تتوفر المدرسة على الوسائل لتأجيل الوعي بالمشاكل و إقصاء هذا الوعي زمنا بعيدا . يشعر الموظفون بالحماية و الأمان و يستظلون بظل قانون يضمن لهم الدخل ، والعمل ، و التقاعد . هناك نصوص أخرى تبدو أنها تؤمن الخلود النسبي للبرامج ، للبنيات ، للمؤسسات . بدون شك هذا يعطي الانطباع أننا نحيا في عالم غايتة الاستقرار . فهو لا يخلو من الصراعات و المتناقضات ، لكن ليس إلى درجة الاحساس أنه يهدد حياتنا و مشروعيتنا . يمكن أن يبدو من الصواب إذن الانتظار حتى ينتهي الوزاء ، و الاصلاحات ، و الازمات بأفاعيلها ، دونما مطارحة القضية . العاملون في المدرسة لا يعيشون في الود و الصفاء ، غير أن أكثريتهم ليست مستعدة للمساءلة و معاودة الطرح الأساسي للقضية . يفضلون التفكير في أن الكل سوف يتدبر أمره ، و أننا نحتاج دائما إلى مدرسة و معلمين .
.23)- البحث عن كبش الفذاء
شكل كلاسيكي آخر لنكران التعقيد : العمل على " وضع القبعة " على رؤوس بعض المتهمين المشار إليهم : التلاميذ ، أصحاب المستوى المتدني ، الذين لا يهتمون بأي شيء ؛ الآباء ، الذين يتدخلون في كل شيء و يمنعون المعلمين في تأدية واجباتهم ؛ السياسيون ، الذين لا يفهمون أي شيء في البيداغوجية ؛ اليسار ، الذي يضعف الانتقاء و السلطة ؛ اليمين ، الذي يضعف المدراس ؛ الادارة ، التي تبيض الدوريات متجاهلة كل الميادين ؛ المختصون ، الذين يصنعون البرامج و المناهج التي لا تقف على الأرجل ؛ « الهيراركيات » التي لا تساند زميلاتها بما فيه الكفاية ، بل مدرسون آخرون ، أكثر سماحة من اللازم او أكثر نشاطا من اللازم ...
بطبيعة الحال ، لا احد يحب أن يجد نفسه أنه ينتمي للمشكل ، يساهم في خلق المتناقضات كما يود تحليلها و العمل على تجاوزها . التعقيد ، مثل الجحيم ، دائما هم الآخرون . التفكير النظمي يقتضي و يستلزم التموضع القوي ، هو نوع من القبول بالتعقيد كخاصية لمنظومة الفعل عوض ان يكون بمثابة تلخيص للضرر او عدم كفاءة هؤلاء الفاعلين أو الآخرين .
لا تتحدد مواجهة التعقيد في القول على أن المواجهة هاته تنبعث من أصل واحد ، و انه يكفي إسكاتها او إخمادها فيقضى على المشاكل إذن أبدا . التعقيد هو خاصية المنظومة . فلا ندري كيف يمكننا تطويقها بوساطة « تشهير المحرضين » . لا يسعنا إلا استدعاء « الاظناء » المفترضين كي ننخرط في عمليات التعليل و المحاججة و تخصيص ظروف الحماية و الامن التي تزيد مرة أخرى في التعتيم و التعقيد للواقع . إن البحث عن كبش الفذاء يخلق لدى هؤلاء الذين يحسون بأنهم مستهدفين مجهودا فائق الحد من اجل توضيح فعاليتهم أو حسن نواياهم و إيمانهم ( بيرينو Perrenoud ، 1992 ) .
3 .3)- بلاد الغال
نعرف بلد أبيليكس و أستيريكس الذي قاوم الرومان، البلد الضائع في وسط الغال la Gaule المحتلة . غالبا ما تعمل المدرسة حسب هذا المنطق . من الممكن للعالم ان يتغير ، و الاقتصاد يتدهور و يتشكل من جديد ، و المجتمعات تتآلف ، و اللاجئون يتكاثرون ، و المدرسة تتابع عملها بتمهل و ثبات ، تأخذ أحيانا خمس دقائق للتحدث عن سقوط جدار برلين أو حرب الخليج ، لتعود بسرعة إلى « الامور الحقيقية » ، أي البرنامج ، كل واحد مهتم بالتقدم و إقفال السنة بدون التعرض لنقد زملائه .
نفس الانغلاق ، على مستوى آخر ، في منطق الميزانيات . إما إبقاء الموارد كما هي على حالتها او إنماؤها ، حتى لا نغير أي شيء في الممارسات ، على ما يبدو يعتبر هذا المنطق أحد الأولويات . تتحدد صورة المدرسة بشكل طوعي على انها دولة في دولة ، حصن منيع ، من اللازم عليها الانفلات من صعوبات الظرفية و دعوتها الوحيدة في ذلك هو أنها تطمح « التهيؤ للمستقبل ». عندما تعلم في النهاية انها ليست في مأمن ، فإن الوقت قد يفوت للاستحكام في المقدمات ، و قطاعات أخرى من المجتمع ، بل الدولة ، هي التي ينبغي لها قيادة اللعبة متفهمة بسرعة حقيقة الازمة .
نفس المحاولة الانعزالية توجد على مستوى المؤسسات . يأمل البعض اللإلتفاف بنطاق صحي يضعهم بمعزل عن الاصلاحات ، والصراعات ، و اضطراب العالم . و البعض الآخر يفتخر بالحكمة البالغة التي سوف تساعده في « وضع في السلة » كل الأفكار الغريبة و الشاذة الآتية من مكان بعيد . فئة أخرى ترحل معتقدة في قوة و قدرة الابتكار كالفارس في الميدان و هي تبتعد عن البرك الضحلة بغية بناء « مدرسة أخرى » حسب مستواها . في كلتا الحالتين ، هو التجاهل للتداخلات و الانتماء للنظام المفتوح . إن التنظيمات الاكثر فعالية ، بعيدة من ان تتجاهل او تنكر الوضع ، تحاول مراقبة و تدبير الوسط الذي تنتمي إليه . ليس القصد إذن هو فقط العمل بصدد صورة ما من الصور، و الاستثمار في العلاقات العامة . إنما القصد أساسا هو أن تكون حاضرا في المناقشات على مستوى النظام الذي نحن جزء منه و تعديل ثقافتنا و قراراتنا في الاتجاه الذي يخدم سياستنا المحلية .
43.)- النوم البيروقراطي
كل بيروقراطية تنهض على أساس الخيال ، حيث أنها تحدد مقاصد و غايات واضحة تكون في مصلحتها ، من أجل احترامها و احترام حدود ميزانيتها و القواعد التي وضعناها نحن لهذه البيروقراطية . بإمكاننا إذن العمل كأنما باستطاعة البيروقراطية القضاء على التعقيد هنا و الآن ، وبنفس الطريقة ذاتها التي يقضي الحقل الميغناطيسي على الجاذبية في كل مكان . نراوغ إذن في الاعتقاد أن النظام السياسي يدبر تضارب المصالح و اختيارات المجتمع و يعطي للمدرسة مأمورية طبعا مضاعفة ، لكن من حيث التعقيد ، حسب معنى موران Morin ، تظل غائبة ؛ بشكل آخر هي مأمورية خالية من المتناقضات الداخلية و الإلتباسات .
إن الواقع يتشكل من نوع آخر : في الديموقراطية – و حتى في وضع توتاليتاري – لا يمكن للنظام السياسي تجاوز متناقضات المجتمع ، حتى لا نمنح للدولة و إدارتها سوى المأموريات الواضحة و المعقولة . إن المتناقضات المتوارية خلف المساومات المؤقتة نجدها تطفو على السطح من جديد عندما يتهيأ القصد لتدبير الميزانيات ، و تأويل النصوص ، و تعديل البنيات و البرامج المدرسية ، و اتخاذ القرارات في الحالات المتفردة . التناقض يحصل في أذهان الناس : أباء ، تلاميذ ، مدرسون ، مدبرون . إنه فقط بثمن شكلانية قانونية فارغة من المحتوى هو الذي يجعلنا نفكر في المنظومة المدرسية كرجل « متنفد » بسيط لإرادة سياسية واضحة ، ثابتة و أحادية . في الحقيقة ، ميزان القوى و التجاذبات الوجدانية تجتاح المدرسة ، مثل أية مؤسسة . إن مواجهة التعقيد ، هو التوقف عن الحلم بطرح جانبا من الهموم والمعالجة حسب فاعلين آخرين او في مستوى آخر من النظام . يبقى ان النوم البيروقراطي يمتاز بالاغراء . لا أتحدث هنا عن المردوية أو الفعالية ، إنما الانغلاق في وجه المشاكل الحقيقة للعالم ، بكل وعي و حس إيجابي : « و هذا لا يتعلق بدورنا ».
5.3)- الهروب نحو الامام
عدد كبير من رجال المدرسة يمتلكون سرا عند مواجهة التعقيد : يحتمون بالايتوبيا Utopie . لا ننكر المشاكل ، نقول أنها سوف تجد حلولا في الاصلاح المقبل ، عبر و من خلال البيداغوجيات الحديثة ، و التكنولوجيات العصرية . تعيش المدرسة على بقية من الأمل تنتظر « الحفل البيداغوجي » الكبير . تظن أن الأفكار الطيبة بمقدورها لوحدها معالجة معضلة الفشل المدرسي أو الحوار الصعب بين الآباء و المدرسين . يوضح ليز دومايلي Lise Demailly ) 1990 (في الاعداديات الفرنسية أننا انتقلنا بالتوالي إلى مرحلة عصرنة العلائقي ( " التواصل ، العقد البيداغوجي ، المشروع ! ")، إلى عصرنة التكنولوجي ( " حاسوب لكل قسم ! " ) عصرنة التنظيمي ( " اللاتمركز ، مشروع المؤسسة و التدبير التشاركي ! ") . بدون حرق بالضرورة ما كنا نتعلق به و نحبه كثيرا ، نعزله في مكانه الذي يستحقه ، ولكن لنضع جيدا كل هاته الآمال في إيتوبيا جديدة . عامل ثابت لا يتغير لرفض مميزات النسقية للتربية و الاعتقاد الجازم بأننا نستطيع التقدم متجاهلين بعض ملامحها .
يتعرض التعقيد للجحود و للنكران من طرف هؤلاء الذين يسميهم بقوة ربير هاري Robert Hari بسكان نياكا(Nyaka )، البيداغوجيون المثاليون الذين يجيبون عن كل سؤال ، إن لم يكن اليوم ، على الأقل في المستقبل القريب . بينما تتمثل مواجهة التعقيد في القبول الحدث انه غير متجاوز إلى حد ما ، لأن المتناقضات و التعارضات و الصراعات موجودة في طبيعة العلاقة البيداغوجية ذاتها و مقاولة التمدرس . هذا لا يعني إطلاقا أنه لن يكون أي جديد تحت الشمس ، لكن فقط التقدم لن يمر عبر نكران التعقيد . إن تاريخ المجتمعات و تاريخ المؤسسات التربوية على حد سواء لم يتركا لنا اليوم أي لبس أو غموض في هذا الصدد : لا وجود هناك لأية ثورة ، لا وجود لأي إصلاح باستطاعة هذا و ذاك إنقادنا من الصراعات و التناقضات .
6.3) - البسيكودراما الدائمة
للهروب من التعقيد ، بإمكاننا إفراغ محتواه في قالب مأساوي ، إلى درجة أن الفاعلين وهم يحتفلون يستثمرون منه طاقة مهولة أثناء مواجهتهم الخاصة أمام المتناقضات ، و العقبات ، و التباطؤات ، و تناقضات العالم . تعتقد بعض المؤسسات في المواجهة عن طريق الحماسة الفوارة المستمرة ، و الخطاب الجامح حول التجديد و الابتكار . بعض المدرسين يجدون في الدراما موضوعا للعب بعض الادوار ، كالاستيلاء على السلطة .
يفقد رجال المدرسة جهدا لا يستهان به في نشر أو تكذيب القيل و القال .بعضهم يصف الشيطان على الجدران في انتظار أدنى صعوبة . آخرون يحسون إذن بوجوب إلقاء خطاب شيطاني مدمر . من غير المشروع أيضا قول أن الثقافة تموت عندما نحدف ساعة او ساعتين من حصة التلاميذ و بالمقابل ننكر أن ضغط مثل هذا الاجراء يمارس تأثيره في استعمال « الوقت المتبقى » ، أو الاعتقاد انه من السهل تخفيف ثقل البرامج ( بريت و بيرنو Perret et Perrenoud , 1991 ) . إن هذا التناوب بين الكوارث المعلنة و الضمانات المتعذرة لا يساعد في تطويق التعقيد ، غير أن قلة من الفاعلين تجد في ذلك قوت كسبهم . و البعض منهم ، تحديدا ، من أجل و لغرض هذه الحقيقة . سواء من جهة المنظمات النقابية الخالصة أو القوية أم من جهة السلطة التي لا ترغب في التشاور .
ماذا تفعل المدرسة و أصحابها أمام التعقيد ؟ في الغالب ، يتبنون استراتيجيات فارغة ، استراتيجيات لا تخدم أي شيء و لا تعمل إلا نقل المشاكل من مكان إلى مكان آخر او استبدال في القرارات : كل هذا ليس عبثا : فمن طبيعة التعقيد نفسه أنه لا يطرح القضايا بشكل متساوق و متفق عليه ، و السبب ، بالضبط ، يرجع للتعقيد الذي يجزء كل شخص او كل تنظيم . فلا يمكننا ان نندهش ان جانبا من الاستراتيجيات التي تطمح في مواجهة التعقيد إنما تسعى في إنمائه و تقويته de facto ، و حتى لا يغيب عن أذهاننا أن الواقع يصمد في وجه الاختزال و التبسيط . يبقى أن التفكير الجماعي حول التعقيد أمر لا مفر منه لاجتناب المصائب الأكثر خطورة و فظاعة . و هاك بعض منها .
.3.1. )- سياسة النعامة
مثل أية إدارة عمومية ، تتوفر المدرسة على الوسائل لتأجيل الوعي بالمشاكل و إقصاء هذا الوعي زمنا بعيدا . يشعر الموظفون بالحماية و الأمان و يستظلون بظل قانون يضمن لهم الدخل ، والعمل ، و التقاعد . هناك نصوص أخرى تبدو أنها تؤمن الخلود النسبي للبرامج ، للبنيات ، للمؤسسات . بدون شك هذا يعطي الانطباع أننا نحيا في عالم غايتة الاستقرار . فهو لا يخلو من الصراعات و المتناقضات ، لكن ليس إلى درجة الاحساس أنه يهدد حياتنا و مشروعيتنا . يمكن أن يبدو من الصواب إذن الانتظار حتى ينتهي الوزاء ، و الاصلاحات ، و الازمات بأفاعيلها ، دونما مطارحة القضية . العاملون في المدرسة لا يعيشون في الود و الصفاء ، غير أن أكثريتهم ليست مستعدة للمساءلة و معاودة الطرح الأساسي للقضية . يفضلون التفكير في أن الكل سوف يتدبر أمره ، و أننا نحتاج دائما إلى مدرسة و معلمين .
.23)- البحث عن كبش الفذاء
شكل كلاسيكي آخر لنكران التعقيد : العمل على " وضع القبعة " على رؤوس بعض المتهمين المشار إليهم : التلاميذ ، أصحاب المستوى المتدني ، الذين لا يهتمون بأي شيء ؛ الآباء ، الذين يتدخلون في كل شيء و يمنعون المعلمين في تأدية واجباتهم ؛ السياسيون ، الذين لا يفهمون أي شيء في البيداغوجية ؛ اليسار ، الذي يضعف الانتقاء و السلطة ؛ اليمين ، الذي يضعف المدراس ؛ الادارة ، التي تبيض الدوريات متجاهلة كل الميادين ؛ المختصون ، الذين يصنعون البرامج و المناهج التي لا تقف على الأرجل ؛ « الهيراركيات » التي لا تساند زميلاتها بما فيه الكفاية ، بل مدرسون آخرون ، أكثر سماحة من اللازم او أكثر نشاطا من اللازم ...
بطبيعة الحال ، لا احد يحب أن يجد نفسه أنه ينتمي للمشكل ، يساهم في خلق المتناقضات كما يود تحليلها و العمل على تجاوزها . التعقيد ، مثل الجحيم ، دائما هم الآخرون . التفكير النظمي يقتضي و يستلزم التموضع القوي ، هو نوع من القبول بالتعقيد كخاصية لمنظومة الفعل عوض ان يكون بمثابة تلخيص للضرر او عدم كفاءة هؤلاء الفاعلين أو الآخرين .
لا تتحدد مواجهة التعقيد في القول على أن المواجهة هاته تنبعث من أصل واحد ، و انه يكفي إسكاتها او إخمادها فيقضى على المشاكل إذن أبدا . التعقيد هو خاصية المنظومة . فلا ندري كيف يمكننا تطويقها بوساطة « تشهير المحرضين » . لا يسعنا إلا استدعاء « الاظناء » المفترضين كي ننخرط في عمليات التعليل و المحاججة و تخصيص ظروف الحماية و الامن التي تزيد مرة أخرى في التعتيم و التعقيد للواقع . إن البحث عن كبش الفذاء يخلق لدى هؤلاء الذين يحسون بأنهم مستهدفين مجهودا فائق الحد من اجل توضيح فعاليتهم أو حسن نواياهم و إيمانهم ( بيرينو Perrenoud ، 1992 ) .
3 .3)- بلاد الغال
نعرف بلد أبيليكس و أستيريكس الذي قاوم الرومان، البلد الضائع في وسط الغال la Gaule المحتلة . غالبا ما تعمل المدرسة حسب هذا المنطق . من الممكن للعالم ان يتغير ، و الاقتصاد يتدهور و يتشكل من جديد ، و المجتمعات تتآلف ، و اللاجئون يتكاثرون ، و المدرسة تتابع عملها بتمهل و ثبات ، تأخذ أحيانا خمس دقائق للتحدث عن سقوط جدار برلين أو حرب الخليج ، لتعود بسرعة إلى « الامور الحقيقية » ، أي البرنامج ، كل واحد مهتم بالتقدم و إقفال السنة بدون التعرض لنقد زملائه .
نفس الانغلاق ، على مستوى آخر ، في منطق الميزانيات . إما إبقاء الموارد كما هي على حالتها او إنماؤها ، حتى لا نغير أي شيء في الممارسات ، على ما يبدو يعتبر هذا المنطق أحد الأولويات . تتحدد صورة المدرسة بشكل طوعي على انها دولة في دولة ، حصن منيع ، من اللازم عليها الانفلات من صعوبات الظرفية و دعوتها الوحيدة في ذلك هو أنها تطمح « التهيؤ للمستقبل ». عندما تعلم في النهاية انها ليست في مأمن ، فإن الوقت قد يفوت للاستحكام في المقدمات ، و قطاعات أخرى من المجتمع ، بل الدولة ، هي التي ينبغي لها قيادة اللعبة متفهمة بسرعة حقيقة الازمة .
نفس المحاولة الانعزالية توجد على مستوى المؤسسات . يأمل البعض اللإلتفاف بنطاق صحي يضعهم بمعزل عن الاصلاحات ، والصراعات ، و اضطراب العالم . و البعض الآخر يفتخر بالحكمة البالغة التي سوف تساعده في « وضع في السلة » كل الأفكار الغريبة و الشاذة الآتية من مكان بعيد . فئة أخرى ترحل معتقدة في قوة و قدرة الابتكار كالفارس في الميدان و هي تبتعد عن البرك الضحلة بغية بناء « مدرسة أخرى » حسب مستواها . في كلتا الحالتين ، هو التجاهل للتداخلات و الانتماء للنظام المفتوح . إن التنظيمات الاكثر فعالية ، بعيدة من ان تتجاهل او تنكر الوضع ، تحاول مراقبة و تدبير الوسط الذي تنتمي إليه . ليس القصد إذن هو فقط العمل بصدد صورة ما من الصور، و الاستثمار في العلاقات العامة . إنما القصد أساسا هو أن تكون حاضرا في المناقشات على مستوى النظام الذي نحن جزء منه و تعديل ثقافتنا و قراراتنا في الاتجاه الذي يخدم سياستنا المحلية .
43.)- النوم البيروقراطي
كل بيروقراطية تنهض على أساس الخيال ، حيث أنها تحدد مقاصد و غايات واضحة تكون في مصلحتها ، من أجل احترامها و احترام حدود ميزانيتها و القواعد التي وضعناها نحن لهذه البيروقراطية . بإمكاننا إذن العمل كأنما باستطاعة البيروقراطية القضاء على التعقيد هنا و الآن ، وبنفس الطريقة ذاتها التي يقضي الحقل الميغناطيسي على الجاذبية في كل مكان . نراوغ إذن في الاعتقاد أن النظام السياسي يدبر تضارب المصالح و اختيارات المجتمع و يعطي للمدرسة مأمورية طبعا مضاعفة ، لكن من حيث التعقيد ، حسب معنى موران Morin ، تظل غائبة ؛ بشكل آخر هي مأمورية خالية من المتناقضات الداخلية و الإلتباسات .
إن الواقع يتشكل من نوع آخر : في الديموقراطية – و حتى في وضع توتاليتاري – لا يمكن للنظام السياسي تجاوز متناقضات المجتمع ، حتى لا نمنح للدولة و إدارتها سوى المأموريات الواضحة و المعقولة . إن المتناقضات المتوارية خلف المساومات المؤقتة نجدها تطفو على السطح من جديد عندما يتهيأ القصد لتدبير الميزانيات ، و تأويل النصوص ، و تعديل البنيات و البرامج المدرسية ، و اتخاذ القرارات في الحالات المتفردة . التناقض يحصل في أذهان الناس : أباء ، تلاميذ ، مدرسون ، مدبرون . إنه فقط بثمن شكلانية قانونية فارغة من المحتوى هو الذي يجعلنا نفكر في المنظومة المدرسية كرجل « متنفد » بسيط لإرادة سياسية واضحة ، ثابتة و أحادية . في الحقيقة ، ميزان القوى و التجاذبات الوجدانية تجتاح المدرسة ، مثل أية مؤسسة . إن مواجهة التعقيد ، هو التوقف عن الحلم بطرح جانبا من الهموم والمعالجة حسب فاعلين آخرين او في مستوى آخر من النظام . يبقى ان النوم البيروقراطي يمتاز بالاغراء . لا أتحدث هنا عن المردوية أو الفعالية ، إنما الانغلاق في وجه المشاكل الحقيقة للعالم ، بكل وعي و حس إيجابي : « و هذا لا يتعلق بدورنا ».
5.3)- الهروب نحو الامام
عدد كبير من رجال المدرسة يمتلكون سرا عند مواجهة التعقيد : يحتمون بالايتوبيا Utopie . لا ننكر المشاكل ، نقول أنها سوف تجد حلولا في الاصلاح المقبل ، عبر و من خلال البيداغوجيات الحديثة ، و التكنولوجيات العصرية . تعيش المدرسة على بقية من الأمل تنتظر « الحفل البيداغوجي » الكبير . تظن أن الأفكار الطيبة بمقدورها لوحدها معالجة معضلة الفشل المدرسي أو الحوار الصعب بين الآباء و المدرسين . يوضح ليز دومايلي Lise Demailly ) 1990 (في الاعداديات الفرنسية أننا انتقلنا بالتوالي إلى مرحلة عصرنة العلائقي ( " التواصل ، العقد البيداغوجي ، المشروع ! ")، إلى عصرنة التكنولوجي ( " حاسوب لكل قسم ! " ) عصرنة التنظيمي ( " اللاتمركز ، مشروع المؤسسة و التدبير التشاركي ! ") . بدون حرق بالضرورة ما كنا نتعلق به و نحبه كثيرا ، نعزله في مكانه الذي يستحقه ، ولكن لنضع جيدا كل هاته الآمال في إيتوبيا جديدة . عامل ثابت لا يتغير لرفض مميزات النسقية للتربية و الاعتقاد الجازم بأننا نستطيع التقدم متجاهلين بعض ملامحها .
يتعرض التعقيد للجحود و للنكران من طرف هؤلاء الذين يسميهم بقوة ربير هاري Robert Hari بسكان نياكا(Nyaka )، البيداغوجيون المثاليون الذين يجيبون عن كل سؤال ، إن لم يكن اليوم ، على الأقل في المستقبل القريب . بينما تتمثل مواجهة التعقيد في القبول الحدث انه غير متجاوز إلى حد ما ، لأن المتناقضات و التعارضات و الصراعات موجودة في طبيعة العلاقة البيداغوجية ذاتها و مقاولة التمدرس . هذا لا يعني إطلاقا أنه لن يكون أي جديد تحت الشمس ، لكن فقط التقدم لن يمر عبر نكران التعقيد . إن تاريخ المجتمعات و تاريخ المؤسسات التربوية على حد سواء لم يتركا لنا اليوم أي لبس أو غموض في هذا الصدد : لا وجود هناك لأية ثورة ، لا وجود لأي إصلاح باستطاعة هذا و ذاك إنقادنا من الصراعات و التناقضات .
6.3) - البسيكودراما الدائمة
للهروب من التعقيد ، بإمكاننا إفراغ محتواه في قالب مأساوي ، إلى درجة أن الفاعلين وهم يحتفلون يستثمرون منه طاقة مهولة أثناء مواجهتهم الخاصة أمام المتناقضات ، و العقبات ، و التباطؤات ، و تناقضات العالم . تعتقد بعض المؤسسات في المواجهة عن طريق الحماسة الفوارة المستمرة ، و الخطاب الجامح حول التجديد و الابتكار . بعض المدرسين يجدون في الدراما موضوعا للعب بعض الادوار ، كالاستيلاء على السلطة .
يفقد رجال المدرسة جهدا لا يستهان به في نشر أو تكذيب القيل و القال .بعضهم يصف الشيطان على الجدران في انتظار أدنى صعوبة . آخرون يحسون إذن بوجوب إلقاء خطاب شيطاني مدمر . من غير المشروع أيضا قول أن الثقافة تموت عندما نحدف ساعة او ساعتين من حصة التلاميذ و بالمقابل ننكر أن ضغط مثل هذا الاجراء يمارس تأثيره في استعمال « الوقت المتبقى » ، أو الاعتقاد انه من السهل تخفيف ثقل البرامج ( بريت و بيرنو Perret et Perrenoud , 1991 ) . إن هذا التناوب بين الكوارث المعلنة و الضمانات المتعذرة لا يساعد في تطويق التعقيد ، غير أن قلة من الفاعلين تجد في ذلك قوت كسبهم . و البعض منهم ، تحديدا ، من أجل و لغرض هذه الحقيقة . سواء من جهة المنظمات النقابية الخالصة أو القوية أم من جهة السلطة التي لا ترغب في التشاور .