ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/
ملتقى السماعلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ننهي إلى علم الجميع أن الإشهار خارج عن سيطرة الإدارة
اسالكم الله أن تدعوا بالنصر لأهلنا في غزة

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

التقـويـم فـي البراديـكـم البنــائـي . لـ JACQUES TARDIF

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مبشور

مبشور
كبير مشرفي القسم التربوي
كبير مشرفي القسم التربوي

التقويم في البراديغم البنائي
بقلم :جاك طارديفJACQUE TARDIF
أستاذ بكلية علوم التربية – جامعة شيربوك



مـدخـل

إن ممارسات التقويم تثير العديد من القضايا و التساؤلات و ذلك بالرغم من أي نوع من التدريس المقام بالأقسام و المؤسسات المدرسية . هل هذه الممارسات التقويمية تسلط الضوء على التحولات المعرفية الحاصلة لدى التلاميذ و المدرسين بشكل خاص و المجتمع بشكل عام ؟ هل يهتم التقويم التكويني و كذا التقويم الاشهادي بالمعرفة دون تجاهل للفهم ؟ هل يتكون المضمون من المعارف القبلية حينما نريد تفعيل البرامج و استخدام أدوات التقويم ؟ ما هي الصلات التي يبرمها المحتوى مع المعارف الأساسية الخاصة بالتلميذ ؟ هل البنية الأداتية للتقويم ذاتها مساعدة في بناء المعرفة ؟ هل تروم هذه البنية استهداف المهارات الدنيا و العليا في الآن نفسه ؟ هل يقوم سياق التقويم باستدخال المتغيرات الوجدانية المؤثرة سلبا على مردودية التلميذ؟ هل الأدوات و الوسائل تسمحان بالأخذ بعين الاعتبار قوة و ضعف التلميذ ؟ هل تحترم معايير التصحيح قيمة كل جواب اتجاه كل بناء معرفي خاص ؟ ألا تتأثر هذه المعايير التصحيحية بمقتضيات الموضوعية أكثر بكثير من القيمة المعرفية إزاء الاجوبة ؟

أسئلة كثيرة – ويمكن إضافة أسئلة أخرى – تشير إلى التعقيد و أهمية إشكالية التقويم في الوسط المدرسي و في خضم السيرورة المعرفية للتلميذ في ذات الوقت . بما أنها تهتم بالأسئلة المطروحة بشأن أدوات التقويم أنواعها و أهدافها و سياقاتها ، فإن ذات الاشكالية أيضا تهتم بمعايير التصحيح . غير انها تظل مستعصية عن التحديد في حالة عدم الاحالة إلى مرجعية تفسر معنى التعلم و دلالته مؤسسة في ذلك الأرضية للعديد من الأدوات تكون في خدمة أغراض التقويم . إن الممارسات التقويمية تشهد دوما على نوع خاص من التصور لطبيعة التعلم و إنماء الخبرة المعرفية بالرغم من ان هذا التصور يبقى في نطاق التضمين .

و تجدر الاشارة إلى أن مفهوم التعلم يمارس عدة تأثيرات و ضغوطات ليس فقط على التقويم و ممارساته بل أيضا على فعل التدريس نفسه . هناك انسجام و توافق كبيرين بين مفهوم التعلم الذي يحمله المدرس و ما سوف يقوم به المدرس أثناء التدريس و التقويم . و هذا ينطبق على كل الفاعلين الآخرين المتواجدين في الوسط المدرسي أيضا .[...]
انطلاقا من هذه الأرضية التأسيسية ، يكون هدفي هو تحليل الفكرة التي مفادها أن فقط المهام التامة ، المعقدة و الدالة نسبة إلى التلميذ هي التي تؤسس الوضعية المقبولة للتقويم على مستوى المعرفة . هذه الفكرة تتطابق و الأهداف الختامية للجميع . بل إنها تشمل الناس جميعا لأنها أصبحت في عداد الكفايات . فمهما تكن هذه الكفايات فلا يمكن حصرها في زمن محدود و ضيق ، لا يمكن اختزالها في بعض عدد من الأسئلة المعروفة ، فضلا عن التعرف و الاطلاع عليها من خلال شكل واحد أو من عدة أشكال اخرى . و اخيرا ، يصعب ملاحقة الكفايات و ملاحظتها انطلاقا من الاسئلة التي تهتم حصريا ببعض مكونات كفاية ما . بالاحالة إلى هذه المهام التامة ، المعقدة و الدالة ، غالبا ما يؤكد الباحثون في الأدبيات الانجلوساكسونية على الجانب « الأصيل » للتقويم بكل قوة و حزم وفق هذا البراديغم ، فالتقويم « الأصيل » هو مفهوم حديث .

الهدف الأول يقتضي منا تقديم تعريف للتقويم و تبيان حدوده و خصائصه حتى نستطيع التفريق بينه و بين القياس او الرائز testing . ثم بعد ذلك ، لا بد من التطرق لمبادئ التعلم حسب مختلف البراديغمات و مناقشة نتائج التعلم التي تدور في فلك الممارسات التعليمية و التقويمية . أثناء ذلك ، تغذو النتائج و الخلاصات المتعلقة بمبادئ البنائية constructivisme مادة و موضوعا خصبا للنقاش معمق .
بملاحقة الهدف المسطر في هذه الفقرة ، سنولي اهتماما ببعض خصائص التقويم الأصيل لغرض الوصف . في النهاية سنناقش بسرعة مطابقة معايير صلاحية التقويم وفق التصور البنائي للتعلم .



تعريف التقويم

في معجمه الحالي للتربية ، يقدم لوجندر (1980 ) تعريفا لتقويم التعلمات وفق الشكل التالي : « تثمين المعارف ، المهارات أو مواقف التلميذ ، موضوعه هو التيقن من كيفية انجاز و تحقيق الاهداف التربوية » ( ص : 259 ) . و رغم أهمية هذا التعريف الخاص بالمؤسسات المدرسية ، فإنه يظل متمركزا حصريا على تحقيق الاهداف التربوية و يلغي السيرورة المعرفية للتلميذ و تبدلاته المعرفية و الميتامعرفية [...]
إن تعريف لوجندر السابق غير مقنع لأنه لا يولي اهتماما قويا للتغييرات و التبدلات المعرفية و الميتامعرفية للتلميذ . لا يعمل سوى على تحقيق الاهداف التربوية دونما الاحالة إلى السيرورة المعرفية للتلميذ بشكل واضح . و أيضا نسبة للمدرس و التلميذ و المؤسسات المدرسية ، فإن الوقوف على تبدلات التلميذ و تغيراته les métamorphoses تعتبر بالغة الاهمية مقارنة مع عدد الاهداف المتحققة و درجات التحقق في آخر مرحلة من المراحل ، أثناء سنة دراسية ما ، أو نظام مدرسي ما
[...]

يعرف كاردن ( 1992 ) التقويم على أنه نظام تجميع للمعلومات بشأن المعارف ( المهارات skills ) و القدرات ( الامكانات potentiels ) المرتبطة بالفرد و يضيف في نفس العبارة ، أن هذا النظام الجامع للمعلومات هدفه هو إعطاء تغذية راجعة تحمل الدلالة و المعنى لفائدة الفرد المقوم و تزود المجموعة التي ينتمي إليها ذاك الفرد بمعطيات نافعة و مهمة . هذا التصور للتقويم هو المنهج الذي نسلكه في مقالنا الحالي و ذلك لعدة أسباب و اعتبارات .

للحصول على المعلومات « بشأن المعارف و قدرات الفرد » يتجاوز كاردنير ( 1992 ) أكثر بكثير فعل تثمين المعارف ، المهارات أو المواقف « بغية معرفة درجة تحقيق الاهداف التربوية » لوجندر ( 1980 ). فالاهتمام منصب بالدرجة الأولى في الحالة الاخيرة على إنجازية الأهداف الخاصة بينما في الحالة السابقة ، إنما القصد هو تقديم وصفي و إبراز للمعلومات تتعلق بالتبدلات الواقعة و الحاصلة لدى التلميذ . من خلال هذه التمايزات لا يوجد هناك مجرد ألفاظ او كلمات . فنحن أمام تصور للتقويم . من الواجب على التقويم ، حسب تعريف كاردنير القوي ( 1992 ) ، أن يهتم بالمعارف التي طورها التلميذ إبان هذه المراحل للتطورات و كذلك قدرات التلميذ . إن التقويم يفضل أساسا و بامتياز المعارف التي أدمجها التلميذ في ذاكرته الطويلة الأمد عوض التمركز و ملاحقة النقائص و الثغرات ، أو أيضا معرفة ما إذا تحققت الاهداف أم لم تتحقق .

[ من خلال هذا المنظور ] يتموضع التقويم في بداية و نهاية كل مسار تعلمي : في البداية ، لتحديد المعارف القبلية للتلميذ ؛ و في النهاية ، لمعرفة ما هي مكتسيات التلميذ . إذن فالتقويم هو نشاط يتمركز في الأساس حول مناهج و طرق التعلم و تعريف كاردنير ( 1992 ) ينسجم في هذا المقام مع هذا الطرح . فلأن التقويم يأخذ بعين الاعتبار المعارف القبلية و المعارف المكتسبة في إطار سيرورة تعلمية محددة و دقيقة ، لذلك من الممكن أن يصف تبدلاته و تغيراته المعرفية و الميتامعرفية .

تعريف كاردنير [...] يرجع له الفضل في تحديد الفرق بين التقويم و الرائز . القياس هو نشاط يستهدف أساسا « الوصف الكمي للمعارف ، للقدرات أو المواقف المتواجدة عند التلميذ » ( لوجندر 366 ، 1988 ) . من الممكن للتقويم أن يكون موضوع استنتاجات حسابية لكن البتة ليس هذا هو هدفه الأول . لا توجد أية ضغوطات او إكراهات على المستوى المفاهيمي تجعل عملية إسقاطات التقويم لا تدخل في نطاق العدد الكمي . التقويم هو تثمين و تقدير و يؤسس مرجعية اتجاه المعلومات و بهذا المعنى ، يمكن للمعطيات أن تصبح كمية و كيفية على حد سواء .

في خضم النقاشات الدائرة حول الممارسات التقويمية ، فإن مفهوم الرائز testing غالبا ما يوضع ضد مفهوم التقويم évaluation . حسب لوجندر ( 1988 ، 609 ) ، الرائز هو « عملية قياس أو تقويم يأتي قبل أو بعد وضعية بيداغوجية [...]. ويضيف أيضا : هو إجراء اختبار . الاختبار examen هو نوع من انواع التقويم أو القياس و التقويم مثله مثل القياس لا يمكنهما التوحد و الاختزال في الروائز [...] إن هذا الغموض سيكون مأساويا لأن حسب بيرون ( 1991 ) ، الاختبار هو النوع الأكثر ضعفا و إلتباسا بالنظر إلى المعارف و القدرات المتواجدة لدى التلميذ .
بعض مبادئ التعلم

من المعروف أن هناك ثلاثة براديغمات سيكولوجية لها تأثيرات مهمة جدا في ميدان التعليم و التعلم : الترابطية ، الانسانية و البنائية . و نظرا للوضع الراهن للمعارف و للأبحاث المقامة في التعلم ، فإن المبادئ المنبثقة من البراديغم البنائي هي المبادئ الأكثر قابلية لخلق اكتساب معرفي يحظى بالمعنى توظيفا و تحويلا مستعادا مرة ثانية . إن التعلم ، وفق البراديغم البنائي أساسا ، هو نشاط يعالج المعلومات و المبادئ التي لها صلة بمعالجة هاته المعلومات أي تلك التي تماثل طبيعة التعلم في بداية الأمر . أثناء معالجة المعلومات لأغراض تعلمية ، نجد التلميذ ، أو أي شخص آخر ، لا يستطيع إلتقاط صورة فوطوغرافية لكل المعلومات المقدمة إليه . لا بد من ان يختار منها ما يشكل أهمية قصوى بغية استخراج المعرفة ، و بناء العلم . إن هذه الرؤية هي التي تجعلنا نتحدث عن قضية البراديغم البنائي على وجه التحديد . إنها قضية البراديغم البنائي منظورا إليه من زاوية التلميذ حيث هو الذي يبني من خلالها القوانين و القواعد و المبادئ أثناء معالجة المعلومات و بالتالي يمنحها خاصية الديمومة و الاستقرارية بسرعة كبيرة بداخل قاعدة معارف الذاكرة الطويلة الأمد .
قبل أن نصف مبادي التعلم حسب البراديغم البنائي ، نشير إلى أن السيكولوجيا المعرفية تنخرط في هذا البراديغم و انه على ضوء معطيات السيكولوجيا المعرفية إذ سوف تناقش هذه المبادئ . كما نشير أيضا إلى ان البراديغم البنائي في التعليم و التعلم قد تطور آخذا بعين الاعتبار التأثيرات و الاسقاطات المعرفية الخالية من كل فائدة و التي نتجت عن الطرائق و السيناريوهات المقيدة بداخل البراديغمات الانسانية و الترابطية
[...]

تبعا للبراديغم الترابطي ، جميع العناصر و المكونات تتجمع بشكل ترابطي و آلي . لقد طبق هذا المبدأ بأكمله في التعليم و التعلم و كذلك جميع المعارف مهما تكن نوعيتها و طبيعتها ، اعتبرت على أساس نمو يحدث بطريقة ميكانيكية . هذا المبدأ الترابطي أدى إلى رتبنة في المعارف و إلى تحديد المقدمات القبلية . بعض المعارف تتقدم في الصف الاول عن غيرها بصورة قبلية و بالضرورة و بعض المعارف السلوكية الاحتياطية تكون في مقدمة معارف اخرى . سيرا في هذا التوجه ، فإن المحتوى المقدم للتلميذ تم تقطيعه و تفتيته مما يجعل مكونات و عناصر المجموعة الشاملة و الواسعة تتأثر على الدوام . التقطيع و التجزيء هو نتيجة رئيسية للبراديغم الترابطي في الممارسات التعليمية و التقويمية .
أهم نتيجة لهذا البراديغم في التعلم و التعليم و في التقويم ، تنتهي بالمدرس فوق ذلك كله بأن لا يعير أي اهتمام إلا بإنجازات التلميذ أي حاصل عملياته . حصيلة ما هو ملاحظ مباشرة و يمكن قياسه حسب السلوكيين les béhavioristes و هذا يشكل المعطى الوحيد الموثوق به أثناء التدخلات الانسانية . نزولا عند تطبيق هذا المبدأ في التعليم و التعلم و في التقويم ، يركز المدرس اهتماماته أكثر على الانجاز la performance و يهمل ، بل يجهل ، العمليات التي تضمن تحقيق هذه المحصلة أو تلك النتيجة. في البراديغم الترابطي ، أخذت النتيجة و أهلمت العملية .

يمتاز التعلم عن طريق الاكتشاف و عن طريق البحث حسب البراديغم البنائي بمفعول قليل في إطار التعليم و التعلم مقارنة مع نظيره الترابطي . باستطاعة المدرس أن يتابع خصوصية كيفية عمل التلميذ لكن ليس بمقدوره التدخل مباشرة في الدوافع أو الحوافز الشخصية لهذا الأخير و كذا احتياجاته النمائية . إن الدور الرئيسي للمدرس يكمن في خلق بيئة ملائمة و مساعدة في نمو التلميذ. فهو يعتبر منشط animateur في المقام الاول يهيئ وسطا من المهام التامة و الدالة في عين المكان . هذا الجانب المتعلق بدلالة و معنى الأنشطة هو مركزي . لا بد من أن نسجل هنا أن البراديغم الانساني على وجه الدقة يتعارض بقوة مع التقويم الصوري و الاشهادي . الملاحظة المباشرة للتلميذ أثناء إنجازية المهمة لمن شأنه السماح بتثمين تعلماته بشكل إيجابي أكثر و نموه الشخصي و مساره .
[...]

لقد سبقت الاشارة إلى أن البراديغم البنائي في التعليم و التعلم نما وترعرع آخذا بعين الاعتبار الاسقاطات المعرفية الخالية من الفائدة و الناجمة عن الطرائق و السيناريوهات المقيدة بداخل البراديغمات الانسانية و الترابطية . و خصوصا أن هذا البراديغم يتعارض مع الرتبنات و التقطيع والتجزيء لمحتوى نمودج البراديغم الترابطي و ينظر إلى العلم كونه يبنى في القسم بفضل التدخلات المباشرة التي تقدم دوما تفسيرات على خلاف ما يجري في البراديغم الانساني
[...]

المبدأ الأول [ للبراديغم البنائي ] يهتم بفعل التعلم Apprentissage على أنه سيرورة بناءة و عملية نشطة . أثناء الوضعية التعليمة ، يتصرف التلميذ مباشرة في المعلومات المقدمة إليه . يختار منها بعض المعلومات و هذه العملية الانتقائية تحتم استخدام الاستراتيجيات التي لا تجيز التفاعل الخصب و البناء مع هذه المعلومات فحسب ، لكن أيضا طرح واستبعاد تلك المعلومات التي تبدو ثانوية أو عديمة الفائدة . فالمعلومات لا ترتبط فيما بينها بشكل أوتوماتكيكي . من الواجب على التلميذ أن يقوم بتفعيل عملية الانتقاء la sélection ، و في هذا الصدد ، فإن مبدأ ترابطية المعلومات من اجل خلق معارف قد فشل في تفسير حقيقة التعلم . أبحاث عدة و خاصة المتعلقة بالابحاث الدائرة حول التمثلات المعرفية لدى التلميذ ( جيوردان و فيتشي 1987 ) قد ساهمت بقوة في توضيح الجانب البنائي للتعلم . في هذه الأبحاث ، إن مفهوم ميدان صلاحية التمثلات المعرفية تعتبر نقطة مركزية فضلا عن ذلك .

اعتبارا لكون التعلم يؤسس الصلات بين المعلومات الجديدة و المعارف القبلية إنما يؤكد المبدأ الثاني لبراديغم البنائية . و مع ذلك ليس هذا المبدأ حديث العهد لأنه قد تم مناولته من طرف أوزبيل سنة 1968 . و استرجع في هذه السنوات الأخيرة [...] ينضاف إلى هذا المبدأ ، كنتيجة طبيعية ، فكرة أن التعلم في أساسه يشكل عملية تراكمية أي معارف جديدة ترتبط بمعارف قبلية . حسب هذا المبدأ ، من اللازم على التلميذ التوفرعلى المعارف في ذاكرته الطويلة الأمد حتى يستطيع إقامة الصلات مع المعارف الجديدة التي قدمت إليه ، و إلا سوف لن يعالجها معالجة صحيحة . بخصوص هذا المبدأ ، تجدر الاشارة إلى أن المعارف القبلية تلعب هنا دورا حاسما و مؤثرا في التعلم حيث أن غالبا ما تقاوم المعلومات التي يعمل المدرس في استدخالها حينما تصطدم هذه المعلومات الاخيرة بالمعارف القبلية .

المبدأ الثالث للبراديغم البنائي بشأن التعلم ينظر إلى التعلم كونه يتطلب التنظيم الدائم و المستمر للمعارف . في ذاكرة الخبير الطويلة الامـد ، نجد المعلومات و هي منتظمة و منظمة في تراتبية ، و هذان العنصران للتنظيم و التراتبية كلاهما مهمان للخبرة المعرفية المتطورة . في البراديغم البنائي ، يمثل تنظيم المعارف في الذاكرة الطويلة الامد اعترافا بالجانب المتميز للخبرة . إن كون المعارف تصبح منتظمة و مرتبة أو منظمة في الذاكرة الطويلة الامد يزيد من قوة احتمال الفرد بان يدمج المعلومات الجديدة بصورة ذكية و ذات دلالة ساطعة و يستطيع معاودة استخدام معارفه .[...]

المبدأ الرابع المؤسس للبراديغم البنائي لديه خاصية كون التعلم يهتم بالاستراتيجيات المعرفية / الميتامعرفية و المعارف النظرية على حد سواء . وفق هذه الرؤية تحديدا نجد عددا من الكتاب و المؤلفين يميزون بين المعرفة و الفهم . لا يحتوي النظام المعرفي للفرد فقط على المعارف الخيالية المفبركة أو الراكدة statiques ، بل هنالك أيضا معارف « تطبيقية » او ديناميكية . اشتهرت المعارف النظرية بصورتها الستاتيكية . فهي تسمح بتسمية الواقع و تموضعه ، لكنها لا تسمح بالتأثير عليه او التصرف فيه . فعن طريق المعارف الديناميكية ، وبالأخص الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية ، يمكن للفرد أن يتصرف في الواقع المحيط به . من جانب أول ، تقدم الاستراتيجيات المعرفية الوسائل للتلميذ ليستخدم معارفه وظيفيا ، ليقوم بالاعمال المناسبة في مختلف المهام المراد تحقيقها . و من جانب آخر ، تسمح له المعارف الميتامعرفية بتدبير الاستراتيجيات المستعملة لغرض تحقيق هذه المهام بصورة فعالة .
المبدأ الخامس للبراديغم البنائي يشير إلى أن التعلم كما يولي اهتماما بالمعارف التصريحية déclaratives فهو يهتم أيضا بالمعارف الشرطية conditionnelles و بالمعارف الاجرائية procédurales
[...]

المعارف التصريحية هي معارف نظرية بالأساس . إنها تعني [...] معرفة الأحداث ، و القواعد ، والمبادئ . و نقصد بالمعارف الاجرائية كيفية الفعل ، ما هي المراحل المتبعة لتحقيق الفعل ؛ او مقاطع الأفعال و التصرفات . المعارف الشرطية تهتم بـ " متى و لماذا " لهذه الافعال . المعارف الشرطية و الاجرائية لها أهميتها في المنظومة المعرفية للفرد مثلما للمعارف التصريحية و التعليم من الواجب عليه تفعيل كل هذه الفئات من المعارف حتى يتسنى للتلميذ إمكانية التعلم و التصرف بطريقة بناءة .

[...]

المحصلات او إسقاطات البراديغم البنائي على الممارسة في التقويم هي كثيرة و متعددة . الحصيلة الأولى الأكثر أهمية تخص الوسائل ذاتها للتقويم . في البراديغم البنائي ، خلافا لتوصيات البراديغم الترابطي ، لا بد للتعلمات من أن تنجز انطلاقا من المهام التامة ، المعقدة و الدالة . انسجاما مع الممارسات التعليمية ، يجب على التقويم ان ينصب على المهام التامة ، المعقدة و الدالة . فمن خلال و عبر هذا المنظور الارشادي خاصة بامكاننا القول بأن فهم التلميذ و ليست معارفه هو الذي يستوجب تفضيله أثناء عملية التقويم . في هذا المقام بالرغم من ذلك ، استوعبت المعارف بالمعنى الحصري على أساس أنها معارف تصريحية . بهذا المعنى ، و بإحالتنا إلى الاختبارات المستعملة في الوقت الحاضر في الوسط المدرسي ، صرح فيدجين (1992) بأن تلك المعارف تنقص من قيمة تقويم الفهم عند التلميذ و تبالغ في تقييم معارفه النطرية .

حصيلة أخرى للبراديغم البنائي في ممارسة التقويم [...] تكمن في الأخذ بعين الحسبان الاستراتيجيات المعرفية المستعملة من طرف التلميذ ، مباشرة و بشكل واضح . هذه الاستراتجيات لا يمكن تقويمها بأسئلة بسيطة تنحصر في عناصر كفاية ما . إن الوضعيات التي من الممكن أن تقدم كشفا جديدا اتجاه الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية للتلاميذ هي أساسا وضعيات ذات مهام تامة ، معقدة و دالة . هذه المهام تسمح بتحديد دقيق كيف يمكن للتلميذ بأن يستخدم معارفه التصريحية ، الشرطية و الاجرائية و كذلك درجة تحويل كل هذه المعارف . هذه النتيجة مرة أخرى تؤكد على ضرورة التقويم من أجل تجاوز المعرفة للالتحاق بالفهم .
[...]

لقد تحدثنا عن الفرد و عدم قدرته عن معالجة المعلومات بطريقة صحيحة ماعدا تلك التي لها ارتباط بمعارفه القبلية ، أي معارفه القابعة بالذاكرة الطويلة الأمد . إن هذا المبدأ الأساسي في التعلم له إسقاطات مهمة جدا في ممارسة التقويم . بكل تأكيد ، فالمحتوى الذي نحن بصدده حين القيام بإجراءات التقويم يجب أن يكون اكثر ألفة و استئناسا مع التلميذ بحيث يستطيع هذا الأخير إقامة الروابط و الصلات بين هذا المحتوى و معارفه المتواجدة بالذاكرة الطويلة الامد . كل تقويم لا يحافظ على هذا الصنف من الروابط لا يسمح للتلميذ بإبراز المعارف التصريحية ، الاجرائية و الشرطية التي عمل على كسبها و تطويرها .
[...]

إن النظام المعرفي للفرد يتضمن المعارف التصريحية و المعارف الشرطية و المعارف الاجرائية و المدرسة تريد من خلال أهدافها الختامية تطوير هذه الأصناف المختلفة من المعارف بكل طموح . انسجاما مع هذه الأهداف ، كل تقويم يقتضي اللجوء من قبل التلميذ إلى المعارف التصريحية ، الشرطية و الاجرائية . هذان الصنفان الاخيران من المعارف يسمحان بالتصرف إزاء الواقع و لا بد من أن يصبحا مستدخلين في جميع المناهج التقويمية . حسب المعطيات الآتية من السيكولجيا المعرفية ، تمتاز المعارف الشرطية بأهمية كبيرة لأنها تؤسس القاعدة الأساس لتحويل التعلمات ذاتها transfert des apprentissages . في الوسط المدرسي ، فلأن التقويم يجب أن يهتم ببناء و تشكل المنظومة المعرفية للتلميذ و مسار تطوره ، بات من اللازم و الضروري على جميع أصناف المعارف كل صنف على حدة بأن يصبح موضوع إجراء تقويمي .

المبدأ الثالث من البراديغم البنائي المختص بالتعلم يتطلب التنظيم الدائم للمعارف . التنظيم و رتبنات المعارف ، كما جاء التذكير بهما سابقا ، يعتبر هذا الأمر أحد الجوانب المتميزة للخبرة المعرفية . تساوقا مع هذا المبدأ ، إن الممارسات التعليمية وفق البراديغم البنائي تعمل بالصيغة التي تجعل المدرس يتدخل مباشرة في شؤون التنظيم و تراتبيات المعارف . و بالأخص هذا ما يجعله يساهم في بناء المعرفة عن قرب و بمعية التلميذ . يعمل التقويم على الكشف الدائم و الممنهج لأحوال التنظيم و رتبنات المعارف للتلميذ . كل ممارسة تقويمية يجب ان تستخرج النتائج بدقة ، حول سير التلميذ في بناء المعرفة و هذا السير و التقدم يتميز ضرورة بالتنظيم و التنسيق و ترتيب المعارف .

إن المعرفة ، في البراديغم البنائي ، هو بناء تدرجي . من جهة ، يخلق المدرس هذا البناء التدرجي و يراقبه . و من جهة أخرى، يكشف التقويم عن تطور هذا البناء . حسب هذه الرؤية ، من المؤكد أن يتجاوز التقويم الحالة الستاتيكية (الركود ) معلنا « مستوى ما من المعارف » من اجل توصيف التطور المعرفي للتلميذ .[...] إن التقويم هو منهج يستهدف بالأساس وصف التغييرات و التبدلات المعرفية للتلميذ .

للاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية أهمية قصوى في التعلمات بداخل البراديغم البنائي فيما يتعلق بالتعليم و التعلم . من منظور بناء المعرفة ، هذه الاستراتيجيات الميتامعرفية تستحق مع ذلك وقفة خاصة . بفضل هذه الاستراتيجيات ، يحقق التلميذ تدبيرا فعالا و ناجحا للطرق التي يشتغل بها . فهي بقدر ما تكون حاضرة في مرحلة تخطيط نشاط من الانشطة نجدها أيضا حاضرة في مراحل الانجاز و التقويم لهذا النشاط . إنها مهارات معرفية ذات المستوى الرفيع و تختص بالوعي و مراقبة أعمال الفرد لتحقيق عمل أو أجراء . للاستراتيجات الميتامعرفية خاصية أساسية تكمن في أنها تضمن للفرد استقلالية كبيرة جدا أثناء العمل . أهميتها توضحت ، بالاخص ، من خلال العديد من النتائج البحثية التي تشير إلى أن هذه الاستراتيجات تقيم فرقا بين الخبراء و المبتدئين و بين التلاميذ الذين يتفوقون عن أقرانهم الذين يعانون من الصعوبات . إذن من الضروري على التقويم الدمج المباشرللوضعيات التي تأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجات الميتامعرفية المستعملة من طرف التلميذ . أمام هذا الأمر ، إن ضرورة المهام التامة ، المعقدة و الدالة تظل نقطة حاسمة . التقويم الأصيل هو مهم في هذا المقام .



بعض خصائص التقويم الأصيل

يشير رزنيك و رزنيك (1992 ) ، بناءا على الاختبارت المعيارية ، على وجود مسلمتان رئيسيتان . بالاضافة إلى ذلك هذه الاختبارات هي منبع كل الاختبارات التقليدية . أول هذه المسلمات تسمى بـ « التجزيئية » la décomposabilité موضوع الفكرة هو ان كل كفاية تتجزأ إلى مكونات و عناصر و ان كل مكون او عنصر ، على انفراد ، يعطي مؤشرات دالة لما يمكن ان يؤسس كفاية . المسلمة الثانية هي هدم السياق la décontextualisation . كل عنصر من الكفاية يستلزم الثبات و عدم التغيير و يتمظهر بنفس الشاكلة مهما كان السياق الذي جرت فيه الاحداث ، مهما كان المحتوى الذي أخضع العنصر للتقويم .

يصرح رزنيك و رزنيك (1992 ) أن هاتين المسلمتين وضعتا محل شك حقيقي من خلال الابحاث المسجلة في توجهات البراديغم البنائي . بالقياس حيث أن ، بالنسبة للكفايتين معا ، هنا التفعلات القوية لمكوناتها وعناصرها بدل العناصر ذاتها هي التي تعتبر المحددات لمستوى تطور كفاية ما ، فـ « التجزيئية » هي مسلمة افتراضية . هذه المسلمة تؤدي إلى منح امتياز لتقويم كل عنصر على حدة و في عزلة في حين ان التفاعلات les interactions الواقعة بين العناصر هي التي ينظر إليها كمتغيرات الاكثر وزنا و الاكثر دلالة في تطور أية كفاية .

فيما يرجع لهدم السياق ، فإن الأبحاث المنصبة على دور المعارف النوعية في الكفايات ساهمت بشكل خاص في رفض هذه المسلمة . عدد مهم من الابحاث أوضحت أن كلما ازداد الفرد كسبا و امتلاكا لمعارف نوعية بصدد موضوع ما ، كلما حقق انجازا كبيرا في ميدانه . إن هدم السياق أو نزعه يتجاهل الدور المحوري للمعارف النوعية في إبراز كفاية بشكل دقيق و ممنهج. هكذا ساهمت مسلمة هدم السياق بجعل الأدوات و الوسائل المستعملة في مراحل التقويم تحال إلى مرجعية المحتوى مع قلة في المعنى و بجعل تحويل المعارف يعالج بشكل ضيق و مختزل . بمناسبة النقص الملحوظ و الحاصل في معنى و دلالة الأدوات المستعملة ، فإن خلاصة كاردنير (1992 ) تستحق بأن تؤخذ بعين الاعتبار . فهو يؤكد على ان السطحية هي احدى الخصائص غير المقبولة في الاختبارات المعيارية .

التقويم الوحيد الذي يحترم مبادئ البراديغم البنائي هو ذلك الذي يفضل مباشرة أو يعطي اهمية للكفايات السياقية . سوف نحصل إذن على مسلمتين جديدتين انطلاقا من الممارسات التقويمية للبراديغم البنائي . الأولى تخص تفاعلية العناصر المحدثة في الكفايات . الثانية تخص سياق الكفايات .

إن التقويم الذي يحرس على سياق الكفايات و التفاعل بين عناصرها يقتضي مهام تامة ، معقدة و دالة . دلالة المهمة مركزي نظرا لأهمية المعارف النوعية حينما تتجلى الكفاية و تظهر للوجود . زيادة على ذلك ، لا بد للمهمة ان تكون تامة لأنه من الضروري أن تلعب دورا محركا و دافعا نحو اللجوء إلى التفاعلات بين عناصر الكفاية المقومة . كما تم توضيحه ، إن وفرة التفاعلات بين عناصر و مكونات الكفاية هي التي تسمح باستخلاص مضبوط و دقيق لدرجة التحكم الفعلي لكل كفاية و ليس العدد الكمي للعناصر . و في الأخير ، المهمة معقدة لأنه يجب على الوضعية التقويمية وضع التلميذ في سياق حيث أن استخدام الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية يظل أمرا مطلوبا و إلزاميا .

إن التقويم الذي يحترم هذه الميزات و الخصائص لا يشبه في شيء تلك الانشطة التي تتحقق في زمن محدود هذا لا شك فيه . لا يمكن للتقويم ، فضلا عن ذلك ، أن ينبني فقط على أسئلة مغلقة او جداول مختزلة أعدت للملء . [...]

في التعليم الأمريكي ، أقام ويجنيز تأثيرا بلغيا بشأن المناقشات بخصوص التقويم و ساهم إلى حد كبير في إقحام مفهوم التقويم الأصيل authentique . حسب مايير (1992) ، كل تقويم أصيل هو بالضرورة تقويم للكفاية . و نعني بذلك المشاكل الواقعية التي تبحث عن الحل ، مشاريع البحث ، السيناريوهات ، الانشطة المخبرية ، الخ . كل هذا يعتبر وضعيات تقويمية أصيلة و متفردة . إن وضعيات التقويم الأصيل يجب ان تستخرج النتائج من موضوع الكفايات التي ينميها التلميذ بطريقة مباشرة قدر المستطاع . هذه الوضعيات هدفها الوصف و الحكم بصدد إمكانية التلميذ و ما هو عليه كمفكر ، كقارئ ، كمؤلف ، كرياضياتي، الخ . التقويم الأصيل ، حسب أقوال رزنيك و رزنيك ، يتعامل مباشرة مع الكفايات و يأخذها محمل الجد عن طريق مؤشرات غير مباشرة .

منذ بضع سنين ، عرفت الممارسات المرتبطة بالتقويم الأصيل تقدما كبيرا . لكن بيرون (1991) لاحظ أن هذا التقويم له تاريخ طويل في الوسط المدرسي . يشير إلى ان ما كان يسمى بالوثائقي ، بتقويم الكفايات و « إبراز » التعلمات و عرضها على الواجهة ، يماثل الممارسات السائدة في المدارس التقدمية في القرن 19م ، مدارس تأثرت بجون ديوي ، ويليام كيلبتراك ، ماريطا جونسون و كارولين برات . إضافة إلى ذلك ، منذ عدة سنوات ، إلتجأت بريطانيا و زيلندة إلى تفعيل التقويم الأصيل . هذا اعتراف بأن ممارسة التقويم الأصيل ليس حدثا جديدا بداخل الأقسام و المؤسسات المدرسية ، و ان نتائج مهمة جدة من الممكن استخراجها من التجارب السابقة او في وقتنا الحالي .
بخصوص الولايات المتحدة الامريكية ، إن الملفات التعلمية portes-folios lesتؤسس الأداة الأكثر استعمالا استجابة لمتطلبات التقويم الأصيل و للوقوف على التبدلات المعرفية للتلميذ [...]

تؤسس ملفات التعلم أداة ناجحة لولوج الكفايات المستحكمة من طرف التلميذ و لتحديد مستوى تطورها و نمائها . في إطار هذه الملفات ، نلاحظ أن المسؤوليات الممنوحة للتلميذ أثناء سيرورته المعرفية تعد كثيرة و تساهم في تنمية و تدبير معارفه ، على مستوى الاستراتيجيات الميتامعرفية . بالاضافة إلى ذلك ، فاستخدام هذه الملفات التعلمية في أغراض التقويم تحث المدرسين بشكل ما على تقلد مسؤوليات جديدة تلزمهم بإنماء الكفايات المهنية الأساسية قصد معاينة بناء المعرفة . تعمل كل هذه الحجج مجتمعة و جاهدة صوب مختلف انواع التقويم المتعلق بالملفات أو ما شابه ذلك .
تنشد الملفات ، كمثل أية ممارسة تقويمة متأصلة و فريدة ، تحقيق الهدف الذي هو تقديم صورة إجمالية الاكثر اكتمالا ممكنا للقدرات و التبدلات المعرفية للتلميذ . الطريقة المتبعة في الغالب هي كالآتي : 1- في لحظة زمنية ما ( مرحلة ، سنة ، دورة ، منظومة ) ، نعلن للتلميذ أن قسطا من إنتاجاته سوف يستعمل لأغراض التقويم ؛ 2- بعد تحديد المدة الزمنية ، يختار التلميذ إنتاجاته التي توضح جيدا كفاياته و كذلك تطوراتها ؛ 3- تخضع عينة من إنتاجاته للجنة مؤلفة من افراد يتم اختيارها حسب أهداف التقويم . من مقتضات الملفات إذن هو مطالبة التلميذ ، في بداية الأمر ، بأن يقوم بنفسه بتقويم قيمة عرض إنتاجاته على أساس بناء المعرفة و يختار بعضا من هذه الانتاجات في النهاية . التلميذ هو الذي يحدد المنتوج الذي سيخضع للتقويم .
[...]

لكن تحديد مؤشرات التقويم في إطار الملفات les portes-folios يشكل تعقيدا و صعوبة ظاهرة إلى حد ان ثقافة التقويم التي هيمنت في زمن الترابطية منحت أهمية كبيرة لوسائل القياس من جهة الموضوعية l’objectivité ، و الصلاحية la validité ، و الموثوقية la fidélité . هذه الثقافة ما زالت تمارس تأثيرا قويا على الأفكار وعلى القرارت المرتطبة بالوسائل و الأدوات و شتى أنواع التقويم . مؤشر الصلاحية و مؤشر الموثوقية في البراديغم البنائي يختلفان تماما عما هو عليه في البراديغم الترابطي و تعيين هذه المؤشرات لم ينقطع مناقشته عل المستوى المفاهيمي في حين أن المدرسين يشتغلون تحت الضغط و الاكراه على المستوى الاجرائي .



موضوع الصلاحية و الموثوقية

بشأن الموثوقية la fidélité ، يعتبر شيتيندن(1991) هذا المعيار المتصل بالوسائل عنصرا مركزيا لأي تقويم حاصل في وحدة زمنية كاملة و الاسقاطات بالنسبة للفرد المقوم هي أيضا مهمة جدا . يتابع شيتيندين موضحا أن هذا المعيار له قيمة ثانوية قياسا لمحصلات و نتائج كفايات التلميذ من حيث انبثاقاتها من وضعيات عدة و انما المقصود هو عينة من منتوجات التلميذ المعني بالأمر . انطلاقا من هذه الزاوية ، فإن وثوقية الوسائل التقويمة في البرايغم البنائي إضافة إلى ذلك يعد معيارا هامشيا لا يمكن أن يكون محددا نظرا للمبادئ ذاتها للبراديغم البنائي . [...] تقويم أية كفاية بداخل البراديغم البنائي لا بد من ان يتضمن سياقا خاصا و اللجوء إلى معارف نوعية و ذات خصوصية . فقضية الموثوقية لا تتعلق إذن بهذه الأنواع من التقويم .

مثل هذه الثقافة في هذا المكان الخاص بالممارسات التقويمية تحتم مع ذلك مواجهة عدة إكراهات فيما يتعلق بصلاحية الوسائل وطرق التقويم la validité . كلما كانت الوسائل المستعملة تتسم بالسهولة و الفعالية كلما تمت هندستها من اجل عرضها لأكبر عدد من التلاميذ بصورة تزامنية ، و في وقت قصير و محدود و باللجوء إلى أقل المعدات و الوسائل ، و هكذا تزداد صلاحيتها على مستوى الشك و الارتياب . المنظور الارشادي البنائي يفرض إذن إعادة النظر في المعايير التقليدية للصلاحية و تأسيس تراتبية لهذه المعايير من جديد .

إن نوعية الصلاحية الاكثر أهمية مما لا شك فيه هو صلاحية المبنى de construit . [...] احترام صلاحية المبنى يستوجب تحديد عناصر و مكونات كل كفاية ، و بالأخص ، تفاعلاتها الضرورية لتستطيع الكفاية على التطور و النماء . أثناء مراحل التقويم ، لا بد للبراديغم البنائي من اللجوء إلى المهام التامة ، المعقدة و الدالة . بل اكثر من ذلك ، يطالب بأن أي عنصر أو مكون لا يجب نزعه من الكفاية التي تمنحه دلالته بالخبرة المعرفية . خلاصة القول ، كل تقويم للعناصر أو المكونات في حد ذاته هو امر ملغى تماما . إن هذه الأمر لمن شأنه أن يخلق حالة شادة للمبنى .

دائما فيما يعود لصلاحية المبنى ، أيضا لا بد لوسائل التقويم من ان تقدم معلومات حول تبدلات كل كفاية تخص التلميذ مفسرة و موضحة نجاحه و إخفاقه المعرفي و الميتامعرفي على حد سواء . لا بد من ان نشدد الانتباه على الواقعية المنطوية بداخل الوسائل و طرق التقويم . أيضا يجب ان نضيف ،على الرغم من أن هذا الجانب لن يتم التطرق إليه إلا لماما في هذا المقال ، أن كل سيرورة تقويمية يتحتم عليها تقديم المعلومات حول كيفية حصول الادراك و الفهم عند التلميذ و هو يواجه كفاياته و يراقبها بنفسه. دائما من وراء الهدف في استخدام الوسائل من حيث صلاحية المبنى le construit كحد أقصى ، من المؤكد و المهم أن نتوقع من هذه الصلاحية وجوبا إعطاء معلومات تراكمية بخصوص التعييرات و التبدلات المعرفية للتلميذ .

أيضا لدى صلاحية المحتوى قيمة كبرى مختصة بأدوات القياس التقويمية في البراديغم البنائي . عرف قاموس لوجندر (1985 ، 634 ) الصلاحية la validité كـ « صنف يشير إلى مستوى : أ)- كل بند من الأسئلة ينسجم مع الهدف المقاس ؛ ب)- مجموع بنود الاختبارات تكون ممثلة في وسيلة القياس إزاء ما نرغب قياسه ». أما هذا الصنف من الصلاحية الخاص بالوسائل التقويمية المدرج في البنائية ، فإنه يلزم جميع الروائز و الاختبارات بأن تكون منسجمة مع كل كفاية تخضع للتقويم . فالاختبارات و الوضعيات تتجه نحو الكفايات و ليس نحو العناصر أو المكونات . من هنا يبرز التوافق والانسجام مع هذا الهدف المقاس . بالاضافة ، نسبة لتمثيلية بنود الاختبارات ، من الواجب على وسيلة التقويم أيضا أن تقدم وصفا كاملا و مناسبا لكفاية ما و تفاعلات عناصرها . يجب على التقويم أيضا أن يستخرج النتائج بشأن تحويل الكفايات . حسب هذه الرؤية ، سيكون من الصعب جدا تخيل أن وسيلة وحيدة باستطاعتها تقويم المعلومات الضرورية حول تنمية كفاية من الكفايات .

صنف آخر من الصلاحية المطلوبة في وسائل التقويم في البراديغم البنائي و هو الصلاحية الايكولوجية écologique . لحد الساعة هذا الصنف من الصلاحية تم الأخذ به بالأحرى في سياق البحث . في هذا القطاع للبحث ، عرفت الصلاحية كالآتي : « هي صنف من الصلاحية خارجة عن البحث و التي تحدد درجة التشابه بين ظروف الأفراد وقت التجربة و أفراد آخرون » ( لوجندر 1985 ) . في ميدان التطبيق لوسائل التقويم ، سيكون تعريف الصلاحية الايكولوجية محددا كدرجة في المشابهة بين الظروف التي يتواجد بداخلها التلاميذ أثناء وضعية تقويمية و حينما يتواجدون خارج القسم أو خارج أسوار المؤسسة المدرسية . تسعى المدرسة لتحقيق هدف المساهمة في تنمية التلاميذ القادرين على « الاستدلال ، و التكيف ، وحل المسائل في وسط يتغير على الدوام » شيبار (1992). الصلاحية الايكولوجية لأصناف التقويم و وسائله تحتم الاخذ مباشرة بعين الاعتبار هذه الدرايات المعرفية ذات المستوى الرفيع .

إن الصلاحية الايكولوجية هو معيار مهم و أساسي في أدوات التقويم داخل ثقافة التقويم التي تهتم بكفايات التلميذ و تحولاتها على وجه الخصوص . احترام الصلاحية الايكولوجية تضمن ليس فقط بان تصبح مراحل التقويم حاملة إسقاطات مهمة و تحظى بدلالة و معنى للتعليم و التعلم ، لكن أيضا تضمن النتائج المحصلة عليها لتكون معرفية و اجتماعية ، بل مهنية ، دالة .

آخر صنف من الصلاحية من الواجب على وسائل التقويم في البراديغم البنائي احترامها هو الصلاحية الأدبية Déontologie ، غالبا ما تسمى صلاحية اللزوم de conséquence ، [...] هذا الصنف من الصلاحية يتم التعرف عليه كدرجة الدقة التي تتسم بها الوسيلة أو الصنف التقويمي لأجل تحديد الكفاية المنجزة . كل تلميذ له الحق في تقويم كفاياته بدقة ، تقويم أدبياتي لخبرته المعرفية و الميتامعرفية . يجب ان نتذكر خلاصات كاردنير (1992) بشأن موضوع الروائز المعيارية . حسب رأيه ، إن هذه الاختبارات و الروائز تصلح جيدا للأفراد الذين يمتلكون الدرايات اللغوية و المنطقية و الذين يحسون براحة كبيرة داخل سياق تقويمي متعال و بدون سياق . فهذه الاختبارات هي مراوغة للأفراد الذين لا يمتلكون هذه الخصائص و الميزات المعرفية و الذين لا يظهرون كفاياتهم ماعدا في المشروعات الدائمة و المستمرة و في سياقات دالة .
[...]



خـلاصـة

لقد غير البراديغم البنائي كثيرا النظرة الموجهة للتعلم و التعليم و التقويم في نهاية الامر . تماما لقد تم استيعاب التعلم كبناء للمعرفة في تدرج و هذا البناء تقام أجرأته بواسطة معالجة أنشطة المعلومات المقدمة للمتعلم . تحتوي المعرفة المبنية على معارف تصريحية ، معارف شرطية و معارف إجرائية منظمة و مرتبة أحسن الترتيب . أيضا الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية نجدها مدمجة بالذاكرة الطويلة الامد لغرض استخدامها من جديد و لغرض تحويل المعرفة . في البراديغم البنائي ، يتابع المدرس هدفه المعلن مباشرة مساهما و موضحا تنمية الخبرة المعرفية للتلميذ .
[...]

حتى يساهم في تنمية الخبرة المعرفية للتلميذ ، يقوم المدرس بالأنشطة التامة ، المعقدة و الدالة . بعدما يتم بناء السياق لا بد من الالتزام به و المشاركة الفعالة فيه من طرف التلميذ . إن التقويم متطابق مع هذه الممارسات التعليمية و فق كاردنير (1992) ، فإنها تماثل المسائل او المشروعات التي يحلم بها التلميذ و تروق له و تحفزه حتى ينخرط فيها و يجتهد . البراديغم البنائي ، سواء بالنسبة للممارسة التعليمية أو انتهاج التقويم ، يقتضي من المدرس الحرص الكبير على تحليل المهام المقترحة على التلميذ . و القدرة أيضا على دراسة تحليلية لمحتوى كل حقل من المعارف المنضوية تحت مسؤوليته ، أن يكون واعيا بالمسلك المعرفي لهذه الحقول المعرفية و ان يكون قادرا على تكهن المسائل التي من الممكن أن يصادفها التلميذ . من خلال هذا المنظور، إن مقتضيات مبادئ البراديغم البنائي هي متعددة ، متنوعة ، و بطبيعة الحال ، معقدة جدا .

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى