التقويم في البراديغم البنائي
بقلم :جاك طارديفJACQUE TARDIF
أستاذ بكلية علوم التربية – جامعة شيربوك
مـدخـل
إن ممارسات التقويم تثير العديد من القضايا و التساؤلات و ذلك بالرغم من أي نوع من التدريس المقام بالأقسام و المؤسسات المدرسية . هل هذه الممارسات التقويمية تسلط الضوء على التحولات المعرفية الحاصلة لدى التلاميذ و المدرسين بشكل خاص و المجتمع بشكل عام ؟ هل يهتم التقويم التكويني و كذا التقويم الاشهادي بالمعرفة دون تجاهل للفهم ؟ هل يتكون المضمون من المعارف القبلية حينما نريد تفعيل البرامج و استخدام أدوات التقويم ؟ ما هي الصلات التي يبرمها المحتوى مع المعارف الأساسية الخاصة بالتلميذ ؟ هل البنية الأداتية للتقويم ذاتها مساعدة في بناء المعرفة ؟ هل تروم هذه البنية استهداف المهارات الدنيا و العليا في الآن نفسه ؟ هل يقوم سياق التقويم باستدخال المتغيرات الوجدانية المؤثرة سلبا على مردودية التلميذ؟ هل الأدوات و الوسائل تسمحان بالأخذ بعين الاعتبار قوة و ضعف التلميذ ؟ هل تحترم معايير التصحيح قيمة كل جواب اتجاه كل بناء معرفي خاص ؟ ألا تتأثر هذه المعايير التصحيحية بمقتضيات الموضوعية أكثر بكثير من القيمة المعرفية إزاء الاجوبة ؟
أسئلة كثيرة – ويمكن إضافة أسئلة أخرى – تشير إلى التعقيد و أهمية إشكالية التقويم في الوسط المدرسي و في خضم السيرورة المعرفية للتلميذ في ذات الوقت . بما أنها تهتم بالأسئلة المطروحة بشأن أدوات التقويم أنواعها و أهدافها و سياقاتها ، فإن ذات الاشكالية أيضا تهتم بمعايير التصحيح . غير انها تظل مستعصية عن التحديد في حالة عدم الاحالة إلى مرجعية تفسر معنى التعلم و دلالته مؤسسة في ذلك الأرضية للعديد من الأدوات تكون في خدمة أغراض التقويم . إن الممارسات التقويمية تشهد دوما على نوع خاص من التصور لطبيعة التعلم و إنماء الخبرة المعرفية بالرغم من ان هذا التصور يبقى في نطاق التضمين .
و تجدر الاشارة إلى أن مفهوم التعلم يمارس عدة تأثيرات و ضغوطات ليس فقط على التقويم و ممارساته بل أيضا على فعل التدريس نفسه . هناك انسجام و توافق كبيرين بين مفهوم التعلم الذي يحمله المدرس و ما سوف يقوم به المدرس أثناء التدريس و التقويم . و هذا ينطبق على كل الفاعلين الآخرين المتواجدين في الوسط المدرسي أيضا .[...]
انطلاقا من هذه الأرضية التأسيسية ، يكون هدفي هو تحليل الفكرة التي مفادها أن فقط المهام التامة ، المعقدة و الدالة نسبة إلى التلميذ هي التي تؤسس الوضعية المقبولة للتقويم على مستوى المعرفة . هذه الفكرة تتطابق و الأهداف الختامية للجميع . بل إنها تشمل الناس جميعا لأنها أصبحت في عداد الكفايات . فمهما تكن هذه الكفايات فلا يمكن حصرها في زمن محدود و ضيق ، لا يمكن اختزالها في بعض عدد من الأسئلة المعروفة ، فضلا عن التعرف و الاطلاع عليها من خلال شكل واحد أو من عدة أشكال اخرى . و اخيرا ، يصعب ملاحقة الكفايات و ملاحظتها انطلاقا من الاسئلة التي تهتم حصريا ببعض مكونات كفاية ما . بالاحالة إلى هذه المهام التامة ، المعقدة و الدالة ، غالبا ما يؤكد الباحثون في الأدبيات الانجلوساكسونية على الجانب « الأصيل » للتقويم بكل قوة و حزم وفق هذا البراديغم ، فالتقويم « الأصيل » هو مفهوم حديث .
الهدف الأول يقتضي منا تقديم تعريف للتقويم و تبيان حدوده و خصائصه حتى نستطيع التفريق بينه و بين القياس او الرائز testing . ثم بعد ذلك ، لا بد من التطرق لمبادئ التعلم حسب مختلف البراديغمات و مناقشة نتائج التعلم التي تدور في فلك الممارسات التعليمية و التقويمية . أثناء ذلك ، تغذو النتائج و الخلاصات المتعلقة بمبادئ البنائية constructivisme مادة و موضوعا خصبا للنقاش معمق .
بملاحقة الهدف المسطر في هذه الفقرة ، سنولي اهتماما ببعض خصائص التقويم الأصيل لغرض الوصف . في النهاية سنناقش بسرعة مطابقة معايير صلاحية التقويم وفق التصور البنائي للتعلم .
تعريف التقويم
في معجمه الحالي للتربية ، يقدم لوجندر (1980 ) تعريفا لتقويم التعلمات وفق الشكل التالي : « تثمين المعارف ، المهارات أو مواقف التلميذ ، موضوعه هو التيقن من كيفية انجاز و تحقيق الاهداف التربوية » ( ص : 259 ) . و رغم أهمية هذا التعريف الخاص بالمؤسسات المدرسية ، فإنه يظل متمركزا حصريا على تحقيق الاهداف التربوية و يلغي السيرورة المعرفية للتلميذ و تبدلاته المعرفية و الميتامعرفية [...]
إن تعريف لوجندر السابق غير مقنع لأنه لا يولي اهتماما قويا للتغييرات و التبدلات المعرفية و الميتامعرفية للتلميذ . لا يعمل سوى على تحقيق الاهداف التربوية دونما الاحالة إلى السيرورة المعرفية للتلميذ بشكل واضح . و أيضا نسبة للمدرس و التلميذ و المؤسسات المدرسية ، فإن الوقوف على تبدلات التلميذ و تغيراته les métamorphoses تعتبر بالغة الاهمية مقارنة مع عدد الاهداف المتحققة و درجات التحقق في آخر مرحلة من المراحل ، أثناء سنة دراسية ما ، أو نظام مدرسي ما
[...]
يعرف كاردن ( 1992 ) التقويم على أنه نظام تجميع للمعلومات بشأن المعارف ( المهارات skills ) و القدرات ( الامكانات potentiels ) المرتبطة بالفرد و يضيف في نفس العبارة ، أن هذا النظام الجامع للمعلومات هدفه هو إعطاء تغذية راجعة تحمل الدلالة و المعنى لفائدة الفرد المقوم و تزود المجموعة التي ينتمي إليها ذاك الفرد بمعطيات نافعة و مهمة . هذا التصور للتقويم هو المنهج الذي نسلكه في مقالنا الحالي و ذلك لعدة أسباب و اعتبارات .
للحصول على المعلومات « بشأن المعارف و قدرات الفرد » يتجاوز كاردنير ( 1992 ) أكثر بكثير فعل تثمين المعارف ، المهارات أو المواقف « بغية معرفة درجة تحقيق الاهداف التربوية » لوجندر ( 1980 ). فالاهتمام منصب بالدرجة الأولى في الحالة الاخيرة على إنجازية الأهداف الخاصة بينما في الحالة السابقة ، إنما القصد هو تقديم وصفي و إبراز للمعلومات تتعلق بالتبدلات الواقعة و الحاصلة لدى التلميذ . من خلال هذه التمايزات لا يوجد هناك مجرد ألفاظ او كلمات . فنحن أمام تصور للتقويم . من الواجب على التقويم ، حسب تعريف كاردنير القوي ( 1992 ) ، أن يهتم بالمعارف التي طورها التلميذ إبان هذه المراحل للتطورات و كذلك قدرات التلميذ . إن التقويم يفضل أساسا و بامتياز المعارف التي أدمجها التلميذ في ذاكرته الطويلة الأمد عوض التمركز و ملاحقة النقائص و الثغرات ، أو أيضا معرفة ما إذا تحققت الاهداف أم لم تتحقق .
[ من خلال هذا المنظور ] يتموضع التقويم في بداية و نهاية كل مسار تعلمي : في البداية ، لتحديد المعارف القبلية للتلميذ ؛ و في النهاية ، لمعرفة ما هي مكتسيات التلميذ . إذن فالتقويم هو نشاط يتمركز في الأساس حول مناهج و طرق التعلم و تعريف كاردنير ( 1992 ) ينسجم في هذا المقام مع هذا الطرح . فلأن التقويم يأخذ بعين الاعتبار المعارف القبلية و المعارف المكتسبة في إطار سيرورة تعلمية محددة و دقيقة ، لذلك من الممكن أن يصف تبدلاته و تغيراته المعرفية و الميتامعرفية .
تعريف كاردنير [...] يرجع له الفضل في تحديد الفرق بين التقويم و الرائز . القياس هو نشاط يستهدف أساسا « الوصف الكمي للمعارف ، للقدرات أو المواقف المتواجدة عند التلميذ » ( لوجندر 366 ، 1988 ) . من الممكن للتقويم أن يكون موضوع استنتاجات حسابية لكن البتة ليس هذا هو هدفه الأول . لا توجد أية ضغوطات او إكراهات على المستوى المفاهيمي تجعل عملية إسقاطات التقويم لا تدخل في نطاق العدد الكمي . التقويم هو تثمين و تقدير و يؤسس مرجعية اتجاه المعلومات و بهذا المعنى ، يمكن للمعطيات أن تصبح كمية و كيفية على حد سواء .
في خضم النقاشات الدائرة حول الممارسات التقويمية ، فإن مفهوم الرائز testing غالبا ما يوضع ضد مفهوم التقويم évaluation . حسب لوجندر ( 1988 ، 609 ) ، الرائز هو « عملية قياس أو تقويم يأتي قبل أو بعد وضعية بيداغوجية [...]. ويضيف أيضا : هو إجراء اختبار . الاختبار examen هو نوع من انواع التقويم أو القياس و التقويم مثله مثل القياس لا يمكنهما التوحد و الاختزال في الروائز [...] إن هذا الغموض سيكون مأساويا لأن حسب بيرون ( 1991 ) ، الاختبار هو النوع الأكثر ضعفا و إلتباسا بالنظر إلى المعارف و القدرات المتواجدة لدى التلميذ .
بعض مبادئ التعلم
من المعروف أن هناك ثلاثة براديغمات سيكولوجية لها تأثيرات مهمة جدا في ميدان التعليم و التعلم : الترابطية ، الانسانية و البنائية . و نظرا للوضع الراهن للمعارف و للأبحاث المقامة في التعلم ، فإن المبادئ المنبثقة من البراديغم البنائي هي المبادئ الأكثر قابلية لخلق اكتساب معرفي يحظى بالمعنى توظيفا و تحويلا مستعادا مرة ثانية . إن التعلم ، وفق البراديغم البنائي أساسا ، هو نشاط يعالج المعلومات و المبادئ التي لها صلة بمعالجة هاته المعلومات أي تلك التي تماثل طبيعة التعلم في بداية الأمر . أثناء معالجة المعلومات لأغراض تعلمية ، نجد التلميذ ، أو أي شخص آخر ، لا يستطيع إلتقاط صورة فوطوغرافية لكل المعلومات المقدمة إليه . لا بد من ان يختار منها ما يشكل أهمية قصوى بغية استخراج المعرفة ، و بناء العلم . إن هذه الرؤية هي التي تجعلنا نتحدث عن قضية البراديغم البنائي على وجه التحديد . إنها قضية البراديغم البنائي منظورا إليه من زاوية التلميذ حيث هو الذي يبني من خلالها القوانين و القواعد و المبادئ أثناء معالجة المعلومات و بالتالي يمنحها خاصية الديمومة و الاستقرارية بسرعة كبيرة بداخل قاعدة معارف الذاكرة الطويلة الأمد .
قبل أن نصف مبادي التعلم حسب البراديغم البنائي ، نشير إلى أن السيكولوجيا المعرفية تنخرط في هذا البراديغم و انه على ضوء معطيات السيكولوجيا المعرفية إذ سوف تناقش هذه المبادئ . كما نشير أيضا إلى ان البراديغم البنائي في التعليم و التعلم قد تطور آخذا بعين الاعتبار التأثيرات و الاسقاطات المعرفية الخالية من كل فائدة و التي نتجت عن الطرائق و السيناريوهات المقيدة بداخل البراديغمات الانسانية و الترابطية
[...]
تبعا للبراديغم الترابطي ، جميع العناصر و المكونات تتجمع بشكل ترابطي و آلي . لقد طبق هذا المبدأ بأكمله في التعليم و التعلم و كذلك جميع المعارف مهما تكن نوعيتها و طبيعتها ، اعتبرت على أساس نمو يحدث بطريقة ميكانيكية . هذا المبدأ الترابطي أدى إلى رتبنة في المعارف و إلى تحديد المقدمات القبلية . بعض المعارف تتقدم في الصف الاول عن غيرها بصورة قبلية و بالضرورة و بعض المعارف السلوكية الاحتياطية تكون في مقدمة معارف اخرى . سيرا في هذا التوجه ، فإن المحتوى المقدم للتلميذ تم تقطيعه و تفتيته مما يجعل مكونات و عناصر المجموعة الشاملة و الواسعة تتأثر على الدوام . التقطيع و التجزيء هو نتيجة رئيسية للبراديغم الترابطي في الممارسات التعليمية و التقويمية .
أهم نتيجة لهذا البراديغم في التعلم و التعليم و في التقويم ، تنتهي بالمدرس فوق ذلك كله بأن لا يعير أي اهتمام إلا بإنجازات التلميذ أي حاصل عملياته . حصيلة ما هو ملاحظ مباشرة و يمكن قياسه حسب السلوكيين les béhavioristes و هذا يشكل المعطى الوحيد الموثوق به أثناء التدخلات الانسانية . نزولا عند تطبيق هذا المبدأ في التعليم و التعلم و في التقويم ، يركز المدرس اهتماماته أكثر على الانجاز la performance و يهمل ، بل يجهل ، العمليات التي تضمن تحقيق هذه المحصلة أو تلك النتيجة. في البراديغم الترابطي ، أخذت النتيجة و أهلمت العملية .
يمتاز التعلم عن طريق الاكتشاف و عن طريق البحث حسب البراديغم البنائي بمفعول قليل في إطار التعليم و التعلم مقارنة مع نظيره الترابطي . باستطاعة المدرس أن يتابع خصوصية كيفية عمل التلميذ لكن ليس بمقدوره التدخل مباشرة في الدوافع أو الحوافز الشخصية لهذا الأخير و كذا احتياجاته النمائية . إن الدور الرئيسي للمدرس يكمن في خلق بيئة ملائمة و مساعدة في نمو التلميذ. فهو يعتبر منشط animateur في المقام الاول يهيئ وسطا من المهام التامة و الدالة في عين المكان . هذا الجانب المتعلق بدلالة و معنى الأنشطة هو مركزي . لا بد من أن نسجل هنا أن البراديغم الانساني على وجه الدقة يتعارض بقوة مع التقويم الصوري و الاشهادي . الملاحظة المباشرة للتلميذ أثناء إنجازية المهمة لمن شأنه السماح بتثمين تعلماته بشكل إيجابي أكثر و نموه الشخصي و مساره .
[...]
لقد سبقت الاشارة إلى أن البراديغم البنائي في التعليم و التعلم نما وترعرع آخذا بعين الاعتبار الاسقاطات المعرفية الخالية من الفائدة و الناجمة عن الطرائق و السيناريوهات المقيدة بداخل البراديغمات الانسانية و الترابطية . و خصوصا أن هذا البراديغم يتعارض مع الرتبنات و التقطيع والتجزيء لمحتوى نمودج البراديغم الترابطي و ينظر إلى العلم كونه يبنى في القسم بفضل التدخلات المباشرة التي تقدم دوما تفسيرات على خلاف ما يجري في البراديغم الانساني
[...]
المبدأ الأول [ للبراديغم البنائي ] يهتم بفعل التعلم Apprentissage على أنه سيرورة بناءة و عملية نشطة . أثناء الوضعية التعليمة ، يتصرف التلميذ مباشرة في المعلومات المقدمة إليه . يختار منها بعض المعلومات و هذه العملية الانتقائية تحتم استخدام الاستراتيجيات التي لا تجيز التفاعل الخصب و البناء مع هذه المعلومات فحسب ، لكن أيضا طرح واستبعاد تلك المعلومات التي تبدو ثانوية أو عديمة الفائدة . فالمعلومات لا ترتبط فيما بينها بشكل أوتوماتكيكي . من الواجب على التلميذ أن يقوم بتفعيل عملية الانتقاء la sélection ، و في هذا الصدد ، فإن مبدأ ترابطية المعلومات من اجل خلق معارف قد فشل في تفسير حقيقة التعلم . أبحاث عدة و خاصة المتعلقة بالابحاث الدائرة حول التمثلات المعرفية لدى التلميذ ( جيوردان و فيتشي 1987 ) قد ساهمت بقوة في توضيح الجانب البنائي للتعلم . في هذه الأبحاث ، إن مفهوم ميدان صلاحية التمثلات المعرفية تعتبر نقطة مركزية فضلا عن ذلك .
اعتبارا لكون التعلم يؤسس الصلات بين المعلومات الجديدة و المعارف القبلية إنما يؤكد المبدأ الثاني لبراديغم البنائية . و مع ذلك ليس هذا المبدأ حديث العهد لأنه قد تم مناولته من طرف أوزبيل سنة 1968 . و استرجع في هذه السنوات الأخيرة [...] ينضاف إلى هذا المبدأ ، كنتيجة طبيعية ، فكرة أن التعلم في أساسه يشكل عملية تراكمية أي معارف جديدة ترتبط بمعارف قبلية . حسب هذا المبدأ ، من اللازم على التلميذ التوفرعلى المعارف في ذاكرته الطويلة الأمد حتى يستطيع إقامة الصلات مع المعارف الجديدة التي قدمت إليه ، و إلا سوف لن يعالجها معالجة صحيحة . بخصوص هذا المبدأ ، تجدر الاشارة إلى أن المعارف القبلية تلعب هنا دورا حاسما و مؤثرا في التعلم حيث أن غالبا ما تقاوم المعلومات التي يعمل المدرس في استدخالها حينما تصطدم هذه المعلومات الاخيرة بالمعارف القبلية .
المبدأ الثالث للبراديغم البنائي بشأن التعلم ينظر إلى التعلم كونه يتطلب التنظيم الدائم و المستمر للمعارف . في ذاكرة الخبير الطويلة الامـد ، نجد المعلومات و هي منتظمة و منظمة في تراتبية ، و هذان العنصران للتنظيم و التراتبية كلاهما مهمان للخبرة المعرفية المتطورة . في البراديغم البنائي ، يمثل تنظيم المعارف في الذاكرة الطويلة الامد اعترافا بالجانب المتميز للخبرة . إن كون المعارف تصبح منتظمة و مرتبة أو منظمة في الذاكرة الطويلة الامد يزيد من قوة احتمال الفرد بان يدمج المعلومات الجديدة بصورة ذكية و ذات دلالة ساطعة و يستطيع معاودة استخدام معارفه .[...]
المبدأ الرابع المؤسس للبراديغم البنائي لديه خاصية كون التعلم يهتم بالاستراتيجيات المعرفية / الميتامعرفية و المعارف النظرية على حد سواء . وفق هذه الرؤية تحديدا نجد عددا من الكتاب و المؤلفين يميزون بين المعرفة و الفهم . لا يحتوي النظام المعرفي للفرد فقط على المعارف الخيالية المفبركة أو الراكدة statiques ، بل هنالك أيضا معارف « تطبيقية » او ديناميكية . اشتهرت المعارف النظرية بصورتها الستاتيكية . فهي تسمح بتسمية الواقع و تموضعه ، لكنها لا تسمح بالتأثير عليه او التصرف فيه . فعن طريق المعارف الديناميكية ، وبالأخص الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية ، يمكن للفرد أن يتصرف في الواقع المحيط به . من جانب أول ، تقدم الاستراتيجيات المعرفية الوسائل للتلميذ ليستخدم معارفه وظيفيا ، ليقوم بالاعمال المناسبة في مختلف المهام المراد تحقيقها . و من جانب آخر ، تسمح له المعارف الميتامعرفية بتدبير الاستراتيجيات المستعملة لغرض تحقيق هذه المهام بصورة فعالة .
المبدأ الخامس للبراديغم البنائي يشير إلى أن التعلم كما يولي اهتماما بالمعارف التصريحية déclaratives فهو يهتم أيضا بالمعارف الشرطية conditionnelles و بالمعارف الاجرائية procédurales
[...]
المعارف التصريحية هي معارف نظرية بالأساس . إنها تعني [...] معرفة الأحداث ، و القواعد ، والمبادئ . و نقصد بالمعارف الاجرائية كيفية الفعل ، ما هي المراحل المتبعة لتحقيق الفعل ؛ او مقاطع الأفعال و التصرفات . المعارف الشرطية تهتم بـ " متى و لماذا " لهذه الافعال . المعارف الشرطية و الاجرائية لها أهميتها في المنظومة المعرفية للفرد مثلما للمعارف التصريحية و التعليم من الواجب عليه تفعيل كل هذه الفئات من المعارف حتى يتسنى للتلميذ إمكانية التعلم و التصرف بطريقة بناءة .
[...]
المحصلات او إسقاطات البراديغم البنائي على الممارسة في التقويم هي كثيرة و متعددة . الحصيلة الأولى الأكثر أهمية تخص الوسائل ذاتها للتقويم . في البراديغم البنائي ، خلافا لتوصيات البراديغم الترابطي ، لا بد للتعلمات من أن تنجز انطلاقا من المهام التامة ، المعقدة و الدالة . انسجاما مع الممارسات التعليمية ، يجب على التقويم ان ينصب على المهام التامة ، المعقدة و الدالة . فمن خلال و عبر هذا المنظور الارشادي خاصة بامكاننا القول بأن فهم التلميذ و ليست معارفه هو الذي يستوجب تفضيله أثناء عملية التقويم . في هذا المقام بالرغم من ذلك ، استوعبت المعارف بالمعنى الحصري على أساس أنها معارف تصريحية . بهذا المعنى ، و بإحالتنا إلى الاختبارات المستعملة في الوقت الحاضر في الوسط المدرسي ، صرح فيدجين (1992) بأن تلك المعارف تنقص من قيمة تقويم الفهم عند التلميذ و تبالغ في تقييم معارفه النطرية .
حصيلة أخرى للبراديغم البنائي في ممارسة التقويم [...] تكمن في الأخذ بعين الحسبان الاستراتيجيات المعرفية المستعملة من طرف التلميذ ، مباشرة و بشكل واضح . هذه الاستراتجيات لا يمكن تقويمها بأسئلة بسيطة تنحصر في عناصر كفاية ما . إن الوضعيات التي من الممكن أن تقدم كشفا جديدا اتجاه الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية للتلاميذ هي أساسا وضعيات ذات مهام تامة ، معقدة و دالة . هذه المهام تسمح بتحديد دقيق كيف يمكن للتلميذ بأن يستخدم معارفه التصريحية ، الشرطية و الاجرائية و كذلك درجة تحويل كل هذه المعارف . هذه النتيجة مرة أخرى تؤكد على ضرورة التقويم من أجل تجاوز المعرفة للالتحاق بالفهم .
[...]
لقد تحدثنا عن الفرد و عدم قدرته عن معالجة المعلومات بطريقة صحيحة ماعدا تلك التي لها ارتباط بمعارفه القبلية ، أي معارفه القابعة بالذاكرة الطويلة الأمد . إن هذا المبدأ الأساسي في التعلم له إسقاطات مهمة جدا في ممارسة التقويم . بكل تأكيد ، فالمحتوى الذي نحن بصدده حين القيام بإجراءات التقويم يجب أن يكون اكثر ألفة و استئناسا مع التلميذ بحيث يستطيع هذا الأخير إقامة الروابط و الصلات بين هذا المحتوى و معارفه المتواجدة بالذاكرة الطويلة الامد . كل تقويم لا يحافظ على هذا الصنف من الروابط لا يسمح للتلميذ بإبراز المعارف التصريحية ، الاجرائية و الشرطية التي عمل على كسبها و تطويرها .
[...]
إن النظام المعرفي للفرد يتضمن المعارف التصريحية و المعارف الشرطية و المعارف الاجرائية و المدرسة تريد من خلال أهدافها الختامية تطوير هذه الأصناف المختلفة من المعارف بكل طموح . انسجاما مع هذه الأهداف ، كل تقويم يقتضي اللجوء من قبل التلميذ إلى المعارف التصريحية ، الشرطية و الاجرائية . هذان الصنفان الاخيران من المعارف يسمحان بالتصرف إزاء الواقع و لا بد من أن يصبحا مستدخلين في جميع المناهج التقويمية . حسب المعطيات الآتية من السيكولجيا المعرفية ، تمتاز المعارف الشرطية بأهمية كبيرة لأنها تؤسس القاعدة الأساس لتحويل التعلمات ذاتها transfert des apprentissages . في الوسط المدرسي ، فلأن التقويم يجب أن يهتم ببناء و تشكل المنظومة المعرفية للتلميذ و مسار تطوره ، بات من اللازم و الضروري على جميع أصناف المعارف كل صنف على حدة بأن يصبح موضوع إجراء تقويمي .
المبدأ الثالث من البراديغم البنائي المختص بالتعلم يتطلب التنظيم الدائم للمعارف . التنظيم و رتبنات المعارف ، كما جاء التذكير بهما سابقا ، يعتبر هذا الأمر أحد الجوانب المتميزة للخبرة المعرفية . تساوقا مع هذا المبدأ ، إن الممارسات التعليمية وفق البراديغم البنائي تعمل بالصيغة التي تجعل المدرس يتدخل مباشرة في شؤون التنظيم و تراتبيات المعارف . و بالأخص هذا ما يجعله يساهم في بناء المعرفة عن قرب و بمعية التلميذ . يعمل التقويم على الكشف الدائم و الممنهج لأحوال التنظيم و رتبنات المعارف للتلميذ . كل ممارسة تقويمية يجب ان تستخرج النتائج بدقة ، حول سير التلميذ في بناء المعرفة و هذا السير و التقدم يتميز ضرورة بالتنظيم و التنسيق و ترتيب المعارف .
إن المعرفة ، في البراديغم البنائي ، هو بناء تدرجي . من جهة ، يخلق المدرس هذا البناء التدرجي و يراقبه . و من جهة أخرى، يكشف التقويم عن تطور هذا البناء . حسب هذه الرؤية ، من المؤكد أن يتجاوز التقويم الحالة الستاتيكية (الركود ) معلنا « مستوى ما من المعارف » من اجل توصيف التطور المعرفي للتلميذ .[...] إن التقويم هو منهج يستهدف بالأساس وصف التغييرات و التبدلات المعرفية للتلميذ .
للاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية أهمية قصوى في التعلمات بداخل البراديغم البنائي فيما يتعلق بالتعليم و التعلم . من منظور بناء المعرفة ، هذه الاستراتيجيات الميتامعرفية تستحق مع ذلك وقفة خاصة . بفضل هذه الاستراتيجيات ، يحقق التلميذ تدبيرا فعالا و ناجحا للطرق التي يشتغل بها . فهي بقدر ما تكون حاضرة في مرحلة تخطيط نشاط من الانشطة نجدها أيضا حاضرة في مراحل الانجاز و التقويم لهذا النشاط . إنها مهارات معرفية ذات المستوى الرفيع و تختص بالوعي و مراقبة أعمال الفرد لتحقيق عمل أو أجراء . للاستراتيجات الميتامعرفية خاصية أساسية تكمن في أنها تضمن للفرد استقلالية كبيرة جدا أثناء العمل . أهميتها توضحت ، بالاخص ، من خلال العديد من النتائج البحثية التي تشير إلى أن هذه الاستراتيجات تقيم فرقا بين الخبراء و المبتدئين و بين التلاميذ الذين يتفوقون عن أقرانهم الذين يعانون من الصعوبات . إذن من الضروري على التقويم الدمج المباشرللوضعيات التي تأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجات الميتامعرفية المستعملة من طرف التلميذ . أمام هذا الأمر ، إن ضرورة المهام التامة ، المعقدة و الدالة تظل نقطة حاسمة . التقويم الأصيل هو مهم في هذا المقام .
بعض خصائص التقويم الأصيل
يشير رزنيك و رزنيك (1992 ) ، بناءا على الاختبارت المعيارية ، على وجود مسلمتان رئيسيتان . بالاضافة إلى ذلك هذه الاختبارات هي منبع كل الاختبارات التقليدية . أول هذه المسلمات تسمى بـ « التجزيئية » la décomposabilité موضوع الفكرة هو ان كل كفاية تتجزأ إلى مكونات و عناصر و ان كل مكون او عنصر ، على انفراد ، يعطي مؤشرات دالة لما يمكن ان يؤسس كفاية . المسلمة الثانية هي هدم السياق la décontextualisation . كل عنصر من الكفاية يستلزم الثبات و عدم التغيير و يتمظهر بنفس الشاكلة مهما كان السياق الذي جرت فيه الاحداث ، مهما كان المحتوى الذي أخضع العنصر للتقويم .
يصرح رزنيك و رزنيك (1992 ) أن هاتين المسلمتين وضعتا محل شك حقيقي من خلال الابحاث المسجلة في توجهات البراديغم البنائي . بالقياس حيث أن ، بالنسبة للكفايتين معا ، هنا التفعلات القوية لمكوناتها وعناصرها بدل العناصر ذاتها هي التي تعتبر المحددات لمستوى تطور كفاية ما ، فـ « التجزيئية » هي مسلمة افتراضية . هذه المسلمة تؤدي إلى منح امتياز لتقويم كل عنصر على حدة و في عزلة في حين ان التفاعلات les interactions الواقعة بين العناصر هي التي ينظر إليها كمتغيرات الاكثر وزنا و الاكثر دلالة في تطور أية كفاية .
فيما يرجع لهدم السياق ، فإن الأبحاث المنصبة على دور المعارف النوعية في الكفايات ساهمت بشكل خاص في رفض هذه المسلمة . عدد مهم من الابحاث أوضحت أن كلما ازداد الفرد كسبا و امتلاكا لمعارف نوعية بصدد موضوع ما ، كلما حقق انجازا كبيرا في ميدانه . إن هدم السياق أو نزعه يتجاهل الدور المحوري للمعارف النوعية في إبراز كفاية بشكل دقيق و ممنهج. هكذا ساهمت مسلمة هدم السياق بجعل الأدوات و الوسائل المستعملة في مراحل التقويم تحال إلى مرجعية المحتوى مع قلة في المعنى و بجعل تحويل المعارف يعالج بشكل ضيق و مختزل . بمناسبة النقص الملحوظ و الحاصل في معنى و دلالة الأدوات المستعملة ، فإن خلاصة كاردنير (1992 ) تستحق بأن تؤخذ بعين الاعتبار . فهو يؤكد على ان السطحية هي احدى الخصائص غير المقبولة في الاختبارات المعيارية .
التقويم الوحيد الذي يحترم مبادئ البراديغم البنائي هو ذلك الذي يفضل مباشرة أو يعطي اهمية للكفايات السياقية . سوف نحصل إذن على مسلمتين جديدتين انطلاقا من الممارسات التقويمية للبراديغم البنائي . الأولى تخص تفاعلية العناصر المحدثة في الكفايات . الثانية تخص سياق الكفايات .
إن التقويم الذي يحرس على سياق الكفايات و التفاعل بين عناصرها يقتضي مهام تامة ، معقدة و دالة . دلالة المهمة مركزي نظرا لأهمية المعارف النوعية حينما تتجلى الكفاية و تظهر للوجود . زيادة على ذلك ، لا بد للمهمة ان تكون تامة لأنه من الضروري أن تلعب دورا محركا و دافعا نحو اللجوء إلى التفاعلات بين عناصر الكفاية المقومة . كما تم توضيحه ، إن وفرة التفاعلات بين عناصر و مكونات الكفاية هي التي تسمح باستخلاص مضبوط و دقيق لدرجة التحكم الفعلي لكل كفاية و ليس العدد الكمي للعناصر . و في الأخير ، المهمة معقدة لأنه يجب على الوضعية التقويمية وضع التلميذ في سياق حيث أن استخدام الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية يظل أمرا مطلوبا و إلزاميا .
إن التقويم الذي يحترم هذه الميزات و الخصائص لا يشبه في شيء تلك الانشطة التي تتحقق في زمن محدود هذا لا شك فيه . لا يمكن للتقويم ، فضلا عن ذلك ، أن ينبني فقط على أسئلة مغلقة او جداول مختزلة أعدت للملء . [...]
في التعليم الأمريكي ، أقام ويجنيز تأثيرا بلغيا بشأن المناقشات بخصوص التقويم و ساهم إلى حد كبير في إقحام مفهوم التقويم الأصيل authentique . حسب مايير (1992) ، كل تقويم أصيل هو بالضرورة تقويم للكفاية . و نعني بذلك المشاكل الواقعية التي تبحث عن الحل ، مشاريع البحث ، السيناريوهات ، الانشطة المخبرية ، الخ . كل هذا يعتبر وضعيات تقويمية أصيلة و متفردة . إن وضعيات التقويم الأصيل يجب ان تستخرج النتائج من موضوع الكفايات التي ينميها التلميذ بطريقة مباشرة قدر المستطاع . هذه الوضعيات هدفها الوصف و الحكم بصدد إمكانية التلميذ و ما هو عليه كمفكر ، كقارئ ، كمؤلف ، كرياضياتي، الخ . التقويم الأصيل ، حسب أقوال رزنيك و رزنيك ، يتعامل مباشرة مع الكفايات و يأخذها محمل الجد عن طريق مؤشرات غير مباشرة .
منذ بضع سنين ، عرفت الممارسات المرتبطة بالتقويم الأصيل تقدما كبيرا . لكن بيرون (1991) لاحظ أن هذا التقويم له تاريخ طويل في الوسط المدرسي . يشير إلى ان ما كان يسمى بالوثائقي ، بتقويم الكفايات و « إبراز » التعلمات و عرضها على الواجهة ، يماثل الممارسات السائدة في المدارس التقدمية في القرن 19م ، مدارس تأثرت بجون ديوي ، ويليام كيلبتراك ، ماريطا جونسون و كارولين برات . إضافة إلى ذلك ، منذ عدة سنوات ، إلتجأت بريطانيا و زيلندة إلى تفعيل التقويم الأصيل . هذا اعتراف بأن ممارسة التقويم الأصيل ليس حدثا جديدا بداخل الأقسام و المؤسسات المدرسية ، و ان نتائج مهمة جدة من الممكن استخراجها من التجارب السابقة او في وقتنا الحالي .
بخصوص الولايات المتحدة الامريكية ، إن الملفات التعلمية portes-folios lesتؤسس الأداة الأكثر استعمالا استجابة لمتطلبات التقويم الأصيل و للوقوف على التبدلات المعرفية للتلميذ [...]
تؤسس ملفات التعلم أداة ناجحة لولوج الكفايات المستحكمة من طرف التلميذ و لتحديد مستوى تطورها و نمائها . في إطار هذه الملفات ، نلاحظ أن المسؤوليات الممنوحة للتلميذ أثناء سيرورته المعرفية تعد كثيرة و تساهم في تنمية و تدبير معارفه ، على مستوى الاستراتيجيات الميتامعرفية . بالاضافة إلى ذلك ، فاستخدام هذه الملفات التعلمية في أغراض التقويم تحث المدرسين بشكل ما على تقلد مسؤوليات جديدة تلزمهم بإنماء الكفايات المهنية الأساسية قصد معاينة بناء المعرفة . تعمل كل هذه الحجج مجتمعة و جاهدة صوب مختلف انواع التقويم المتعلق بالملفات أو ما شابه ذلك .
تنشد الملفات ، كمثل أية ممارسة تقويمة متأصلة و فريدة ، تحقيق الهدف الذي هو تقديم صورة إجمالية الاكثر اكتمالا ممكنا للقدرات و التبدلات المعرفية للتلميذ . الطريقة المتبعة في الغالب هي كالآتي : 1- في لحظة زمنية ما ( مرحلة ، سنة ، دورة ، منظومة ) ، نعلن للتلميذ أن قسطا من إنتاجاته سوف يستعمل لأغراض التقويم ؛ 2- بعد تحديد المدة الزمنية ، يختار التلميذ إنتاجاته التي توضح جيدا كفاياته و كذلك تطوراتها ؛ 3- تخضع عينة من إنتاجاته للجنة مؤلفة من افراد يتم اختيارها حسب أهداف التقويم . من مقتضات الملفات إذن هو مطالبة التلميذ ، في بداية الأمر ، بأن يقوم بنفسه بتقويم قيمة عرض إنتاجاته على أساس بناء المعرفة و يختار بعضا من هذه الانتاجات في النهاية . التلميذ هو الذي يحدد المنتوج الذي سيخضع للتقويم .
[...]
لكن تحديد مؤشرات التقويم في إطار الملفات les portes-folios يشكل تعقيدا و صعوبة ظاهرة إلى حد ان ثقافة التقويم التي هيمنت في زمن الترابطية منحت أهمية كبيرة لوسائل القياس من جهة الموضوعية l’objectivité ، و الصلاحية la validité ، و الموثوقية la fidélité . هذه الثقافة ما زالت تمارس تأثيرا قويا على الأفكار وعلى القرارت المرتطبة بالوسائل و الأدوات و شتى أنواع التقويم . مؤشر الصلاحية و مؤشر الموثوقية في البراديغم البنائي يختلفان تماما عما هو عليه في البراديغم الترابطي و تعيين هذه المؤشرات لم ينقطع مناقشته عل المستوى المفاهيمي في حين أن المدرسين يشتغلون تحت الضغط و الاكراه على المستوى الاجرائي .
موضوع الصلاحية و الموثوقية
بشأن الموثوقية la fidélité ، يعتبر شيتيندن(1991) هذا المعيار المتصل بالوسائل عنصرا مركزيا لأي تقويم حاصل في وحدة زمنية كاملة و الاسقاطات بالنسبة للفرد المقوم هي أيضا مهمة جدا . يتابع شيتيندين موضحا أن هذا المعيار له قيمة ثانوية قياسا لمحصلات و نتائج كفايات التلميذ من حيث انبثاقاتها من وضعيات عدة و انما المقصود هو عينة من منتوجات التلميذ المعني بالأمر . انطلاقا من هذه الزاوية ، فإن وثوقية الوسائل التقويمة في البرايغم البنائي إضافة إلى ذلك يعد معيارا هامشيا لا يمكن أن يكون محددا نظرا للمبادئ ذاتها للبراديغم البنائي . [...] تقويم أية كفاية بداخل البراديغم البنائي لا بد من ان يتضمن سياقا خاصا و اللجوء إلى معارف نوعية و ذات خصوصية . فقضية الموثوقية لا تتعلق إذن بهذه الأنواع من التقويم .
مثل هذه الثقافة في هذا المكان الخاص بالممارسات التقويمية تحتم مع ذلك مواجهة عدة إكراهات فيما يتعلق بصلاحية الوسائل وطرق التقويم la validité . كلما كانت الوسائل المستعملة تتسم بالسهولة و الفعالية كلما تمت هندستها من اجل عرضها لأكبر عدد من التلاميذ بصورة تزامنية ، و في وقت قصير و محدود و باللجوء إلى أقل المعدات و الوسائل ، و هكذا تزداد صلاحيتها على مستوى الشك و الارتياب . المنظور الارشادي البنائي يفرض إذن إعادة النظر في المعايير التقليدية للصلاحية و تأسيس تراتبية لهذه المعايير من جديد .
إن نوعية الصلاحية الاكثر أهمية مما لا شك فيه هو صلاحية المبنى de construit . [...] احترام صلاحية المبنى يستوجب تحديد عناصر و مكونات كل كفاية ، و بالأخص ، تفاعلاتها الضرورية لتستطيع الكفاية على التطور و النماء . أثناء مراحل التقويم ، لا بد للبراديغم البنائي من اللجوء إلى المهام التامة ، المعقدة و الدالة . بل اكثر من ذلك ، يطالب بأن أي عنصر أو مكون لا يجب نزعه من الكفاية التي تمنحه دلالته بالخبرة المعرفية . خلاصة القول ، كل تقويم للعناصر أو المكونات في حد ذاته هو امر ملغى تماما . إن هذه الأمر لمن شأنه أن يخلق حالة شادة للمبنى .
دائما فيما يعود لصلاحية المبنى ، أيضا لا بد لوسائل التقويم من ان تقدم معلومات حول تبدلات كل كفاية تخص التلميذ مفسرة و موضحة نجاحه و إخفاقه المعرفي و الميتامعرفي على حد سواء . لا بد من ان نشدد الانتباه على الواقعية المنطوية بداخل الوسائل و طرق التقويم . أيضا يجب ان نضيف ،على الرغم من أن هذا الجانب لن يتم التطرق إليه إلا لماما في هذا المقال ، أن كل سيرورة تقويمية يتحتم عليها تقديم المعلومات حول كيفية حصول الادراك و الفهم عند التلميذ و هو يواجه كفاياته و يراقبها بنفسه. دائما من وراء الهدف في استخدام الوسائل من حيث صلاحية المبنى le construit كحد أقصى ، من المؤكد و المهم أن نتوقع من هذه الصلاحية وجوبا إعطاء معلومات تراكمية بخصوص التعييرات و التبدلات المعرفية للتلميذ .
أيضا لدى صلاحية المحتوى قيمة كبرى مختصة بأدوات القياس التقويمية في البراديغم البنائي . عرف قاموس لوجندر (1985 ، 634 ) الصلاحية la validité كـ « صنف يشير إلى مستوى : أ)- كل بند من الأسئلة ينسجم مع الهدف المقاس ؛ ب)- مجموع بنود الاختبارات تكون ممثلة في وسيلة القياس إزاء ما نرغب قياسه ». أما هذا الصنف من الصلاحية الخاص بالوسائل التقويمية المدرج في البنائية ، فإنه يلزم جميع الروائز و الاختبارات بأن تكون منسجمة مع كل كفاية تخضع للتقويم . فالاختبارات و الوضعيات تتجه نحو الكفايات و ليس نحو العناصر أو المكونات . من هنا يبرز التوافق والانسجام مع هذا الهدف المقاس . بالاضافة ، نسبة لتمثيلية بنود الاختبارات ، من الواجب على وسيلة التقويم أيضا أن تقدم وصفا كاملا و مناسبا لكفاية ما و تفاعلات عناصرها . يجب على التقويم أيضا أن يستخرج النتائج بشأن تحويل الكفايات . حسب هذه الرؤية ، سيكون من الصعب جدا تخيل أن وسيلة وحيدة باستطاعتها تقويم المعلومات الضرورية حول تنمية كفاية من الكفايات .
صنف آخر من الصلاحية المطلوبة في وسائل التقويم في البراديغم البنائي و هو الصلاحية الايكولوجية écologique . لحد الساعة هذا الصنف من الصلاحية تم الأخذ به بالأحرى في سياق البحث . في هذا القطاع للبحث ، عرفت الصلاحية كالآتي : « هي صنف من الصلاحية خارجة عن البحث و التي تحدد درجة التشابه بين ظروف الأفراد وقت التجربة و أفراد آخرون » ( لوجندر 1985 ) . في ميدان التطبيق لوسائل التقويم ، سيكون تعريف الصلاحية الايكولوجية محددا كدرجة في المشابهة بين الظروف التي يتواجد بداخلها التلاميذ أثناء وضعية تقويمية و حينما يتواجدون خارج القسم أو خارج أسوار المؤسسة المدرسية . تسعى المدرسة لتحقيق هدف المساهمة في تنمية التلاميذ القادرين على « الاستدلال ، و التكيف ، وحل المسائل في وسط يتغير على الدوام » شيبار (1992). الصلاحية الايكولوجية لأصناف التقويم و وسائله تحتم الاخذ مباشرة بعين الاعتبار هذه الدرايات المعرفية ذات المستوى الرفيع .
إن الصلاحية الايكولوجية هو معيار مهم و أساسي في أدوات التقويم داخل ثقافة التقويم التي تهتم بكفايات التلميذ و تحولاتها على وجه الخصوص . احترام الصلاحية الايكولوجية تضمن ليس فقط بان تصبح مراحل التقويم حاملة إسقاطات مهمة و تحظى بدلالة و معنى للتعليم و التعلم ، لكن أيضا تضمن النتائج المحصلة عليها لتكون معرفية و اجتماعية ، بل مهنية ، دالة .
آخر صنف من الصلاحية من الواجب على وسائل التقويم في البراديغم البنائي احترامها هو الصلاحية الأدبية Déontologie ، غالبا ما تسمى صلاحية اللزوم de conséquence ، [...] هذا الصنف من الصلاحية يتم التعرف عليه كدرجة الدقة التي تتسم بها الوسيلة أو الصنف التقويمي لأجل تحديد الكفاية المنجزة . كل تلميذ له الحق في تقويم كفاياته بدقة ، تقويم أدبياتي لخبرته المعرفية و الميتامعرفية . يجب ان نتذكر خلاصات كاردنير (1992) بشأن موضوع الروائز المعيارية . حسب رأيه ، إن هذه الاختبارات و الروائز تصلح جيدا للأفراد الذين يمتلكون الدرايات اللغوية و المنطقية و الذين يحسون براحة كبيرة داخل سياق تقويمي متعال و بدون سياق . فهذه الاختبارات هي مراوغة للأفراد الذين لا يمتلكون هذه الخصائص و الميزات المعرفية و الذين لا يظهرون كفاياتهم ماعدا في المشروعات الدائمة و المستمرة و في سياقات دالة .
[...]
خـلاصـة
لقد غير البراديغم البنائي كثيرا النظرة الموجهة للتعلم و التعليم و التقويم في نهاية الامر . تماما لقد تم استيعاب التعلم كبناء للمعرفة في تدرج و هذا البناء تقام أجرأته بواسطة معالجة أنشطة المعلومات المقدمة للمتعلم . تحتوي المعرفة المبنية على معارف تصريحية ، معارف شرطية و معارف إجرائية منظمة و مرتبة أحسن الترتيب . أيضا الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية نجدها مدمجة بالذاكرة الطويلة الامد لغرض استخدامها من جديد و لغرض تحويل المعرفة . في البراديغم البنائي ، يتابع المدرس هدفه المعلن مباشرة مساهما و موضحا تنمية الخبرة المعرفية للتلميذ .
[...]
حتى يساهم في تنمية الخبرة المعرفية للتلميذ ، يقوم المدرس بالأنشطة التامة ، المعقدة و الدالة . بعدما يتم بناء السياق لا بد من الالتزام به و المشاركة الفعالة فيه من طرف التلميذ . إن التقويم متطابق مع هذه الممارسات التعليمية و فق كاردنير (1992) ، فإنها تماثل المسائل او المشروعات التي يحلم بها التلميذ و تروق له و تحفزه حتى ينخرط فيها و يجتهد . البراديغم البنائي ، سواء بالنسبة للممارسة التعليمية أو انتهاج التقويم ، يقتضي من المدرس الحرص الكبير على تحليل المهام المقترحة على التلميذ . و القدرة أيضا على دراسة تحليلية لمحتوى كل حقل من المعارف المنضوية تحت مسؤوليته ، أن يكون واعيا بالمسلك المعرفي لهذه الحقول المعرفية و ان يكون قادرا على تكهن المسائل التي من الممكن أن يصادفها التلميذ . من خلال هذا المنظور، إن مقتضيات مبادئ البراديغم البنائي هي متعددة ، متنوعة ، و بطبيعة الحال ، معقدة جدا .
بقلم :جاك طارديفJACQUE TARDIF
أستاذ بكلية علوم التربية – جامعة شيربوك
مـدخـل
إن ممارسات التقويم تثير العديد من القضايا و التساؤلات و ذلك بالرغم من أي نوع من التدريس المقام بالأقسام و المؤسسات المدرسية . هل هذه الممارسات التقويمية تسلط الضوء على التحولات المعرفية الحاصلة لدى التلاميذ و المدرسين بشكل خاص و المجتمع بشكل عام ؟ هل يهتم التقويم التكويني و كذا التقويم الاشهادي بالمعرفة دون تجاهل للفهم ؟ هل يتكون المضمون من المعارف القبلية حينما نريد تفعيل البرامج و استخدام أدوات التقويم ؟ ما هي الصلات التي يبرمها المحتوى مع المعارف الأساسية الخاصة بالتلميذ ؟ هل البنية الأداتية للتقويم ذاتها مساعدة في بناء المعرفة ؟ هل تروم هذه البنية استهداف المهارات الدنيا و العليا في الآن نفسه ؟ هل يقوم سياق التقويم باستدخال المتغيرات الوجدانية المؤثرة سلبا على مردودية التلميذ؟ هل الأدوات و الوسائل تسمحان بالأخذ بعين الاعتبار قوة و ضعف التلميذ ؟ هل تحترم معايير التصحيح قيمة كل جواب اتجاه كل بناء معرفي خاص ؟ ألا تتأثر هذه المعايير التصحيحية بمقتضيات الموضوعية أكثر بكثير من القيمة المعرفية إزاء الاجوبة ؟
أسئلة كثيرة – ويمكن إضافة أسئلة أخرى – تشير إلى التعقيد و أهمية إشكالية التقويم في الوسط المدرسي و في خضم السيرورة المعرفية للتلميذ في ذات الوقت . بما أنها تهتم بالأسئلة المطروحة بشأن أدوات التقويم أنواعها و أهدافها و سياقاتها ، فإن ذات الاشكالية أيضا تهتم بمعايير التصحيح . غير انها تظل مستعصية عن التحديد في حالة عدم الاحالة إلى مرجعية تفسر معنى التعلم و دلالته مؤسسة في ذلك الأرضية للعديد من الأدوات تكون في خدمة أغراض التقويم . إن الممارسات التقويمية تشهد دوما على نوع خاص من التصور لطبيعة التعلم و إنماء الخبرة المعرفية بالرغم من ان هذا التصور يبقى في نطاق التضمين .
و تجدر الاشارة إلى أن مفهوم التعلم يمارس عدة تأثيرات و ضغوطات ليس فقط على التقويم و ممارساته بل أيضا على فعل التدريس نفسه . هناك انسجام و توافق كبيرين بين مفهوم التعلم الذي يحمله المدرس و ما سوف يقوم به المدرس أثناء التدريس و التقويم . و هذا ينطبق على كل الفاعلين الآخرين المتواجدين في الوسط المدرسي أيضا .[...]
انطلاقا من هذه الأرضية التأسيسية ، يكون هدفي هو تحليل الفكرة التي مفادها أن فقط المهام التامة ، المعقدة و الدالة نسبة إلى التلميذ هي التي تؤسس الوضعية المقبولة للتقويم على مستوى المعرفة . هذه الفكرة تتطابق و الأهداف الختامية للجميع . بل إنها تشمل الناس جميعا لأنها أصبحت في عداد الكفايات . فمهما تكن هذه الكفايات فلا يمكن حصرها في زمن محدود و ضيق ، لا يمكن اختزالها في بعض عدد من الأسئلة المعروفة ، فضلا عن التعرف و الاطلاع عليها من خلال شكل واحد أو من عدة أشكال اخرى . و اخيرا ، يصعب ملاحقة الكفايات و ملاحظتها انطلاقا من الاسئلة التي تهتم حصريا ببعض مكونات كفاية ما . بالاحالة إلى هذه المهام التامة ، المعقدة و الدالة ، غالبا ما يؤكد الباحثون في الأدبيات الانجلوساكسونية على الجانب « الأصيل » للتقويم بكل قوة و حزم وفق هذا البراديغم ، فالتقويم « الأصيل » هو مفهوم حديث .
الهدف الأول يقتضي منا تقديم تعريف للتقويم و تبيان حدوده و خصائصه حتى نستطيع التفريق بينه و بين القياس او الرائز testing . ثم بعد ذلك ، لا بد من التطرق لمبادئ التعلم حسب مختلف البراديغمات و مناقشة نتائج التعلم التي تدور في فلك الممارسات التعليمية و التقويمية . أثناء ذلك ، تغذو النتائج و الخلاصات المتعلقة بمبادئ البنائية constructivisme مادة و موضوعا خصبا للنقاش معمق .
بملاحقة الهدف المسطر في هذه الفقرة ، سنولي اهتماما ببعض خصائص التقويم الأصيل لغرض الوصف . في النهاية سنناقش بسرعة مطابقة معايير صلاحية التقويم وفق التصور البنائي للتعلم .
تعريف التقويم
في معجمه الحالي للتربية ، يقدم لوجندر (1980 ) تعريفا لتقويم التعلمات وفق الشكل التالي : « تثمين المعارف ، المهارات أو مواقف التلميذ ، موضوعه هو التيقن من كيفية انجاز و تحقيق الاهداف التربوية » ( ص : 259 ) . و رغم أهمية هذا التعريف الخاص بالمؤسسات المدرسية ، فإنه يظل متمركزا حصريا على تحقيق الاهداف التربوية و يلغي السيرورة المعرفية للتلميذ و تبدلاته المعرفية و الميتامعرفية [...]
إن تعريف لوجندر السابق غير مقنع لأنه لا يولي اهتماما قويا للتغييرات و التبدلات المعرفية و الميتامعرفية للتلميذ . لا يعمل سوى على تحقيق الاهداف التربوية دونما الاحالة إلى السيرورة المعرفية للتلميذ بشكل واضح . و أيضا نسبة للمدرس و التلميذ و المؤسسات المدرسية ، فإن الوقوف على تبدلات التلميذ و تغيراته les métamorphoses تعتبر بالغة الاهمية مقارنة مع عدد الاهداف المتحققة و درجات التحقق في آخر مرحلة من المراحل ، أثناء سنة دراسية ما ، أو نظام مدرسي ما
[...]
يعرف كاردن ( 1992 ) التقويم على أنه نظام تجميع للمعلومات بشأن المعارف ( المهارات skills ) و القدرات ( الامكانات potentiels ) المرتبطة بالفرد و يضيف في نفس العبارة ، أن هذا النظام الجامع للمعلومات هدفه هو إعطاء تغذية راجعة تحمل الدلالة و المعنى لفائدة الفرد المقوم و تزود المجموعة التي ينتمي إليها ذاك الفرد بمعطيات نافعة و مهمة . هذا التصور للتقويم هو المنهج الذي نسلكه في مقالنا الحالي و ذلك لعدة أسباب و اعتبارات .
للحصول على المعلومات « بشأن المعارف و قدرات الفرد » يتجاوز كاردنير ( 1992 ) أكثر بكثير فعل تثمين المعارف ، المهارات أو المواقف « بغية معرفة درجة تحقيق الاهداف التربوية » لوجندر ( 1980 ). فالاهتمام منصب بالدرجة الأولى في الحالة الاخيرة على إنجازية الأهداف الخاصة بينما في الحالة السابقة ، إنما القصد هو تقديم وصفي و إبراز للمعلومات تتعلق بالتبدلات الواقعة و الحاصلة لدى التلميذ . من خلال هذه التمايزات لا يوجد هناك مجرد ألفاظ او كلمات . فنحن أمام تصور للتقويم . من الواجب على التقويم ، حسب تعريف كاردنير القوي ( 1992 ) ، أن يهتم بالمعارف التي طورها التلميذ إبان هذه المراحل للتطورات و كذلك قدرات التلميذ . إن التقويم يفضل أساسا و بامتياز المعارف التي أدمجها التلميذ في ذاكرته الطويلة الأمد عوض التمركز و ملاحقة النقائص و الثغرات ، أو أيضا معرفة ما إذا تحققت الاهداف أم لم تتحقق .
[ من خلال هذا المنظور ] يتموضع التقويم في بداية و نهاية كل مسار تعلمي : في البداية ، لتحديد المعارف القبلية للتلميذ ؛ و في النهاية ، لمعرفة ما هي مكتسيات التلميذ . إذن فالتقويم هو نشاط يتمركز في الأساس حول مناهج و طرق التعلم و تعريف كاردنير ( 1992 ) ينسجم في هذا المقام مع هذا الطرح . فلأن التقويم يأخذ بعين الاعتبار المعارف القبلية و المعارف المكتسبة في إطار سيرورة تعلمية محددة و دقيقة ، لذلك من الممكن أن يصف تبدلاته و تغيراته المعرفية و الميتامعرفية .
تعريف كاردنير [...] يرجع له الفضل في تحديد الفرق بين التقويم و الرائز . القياس هو نشاط يستهدف أساسا « الوصف الكمي للمعارف ، للقدرات أو المواقف المتواجدة عند التلميذ » ( لوجندر 366 ، 1988 ) . من الممكن للتقويم أن يكون موضوع استنتاجات حسابية لكن البتة ليس هذا هو هدفه الأول . لا توجد أية ضغوطات او إكراهات على المستوى المفاهيمي تجعل عملية إسقاطات التقويم لا تدخل في نطاق العدد الكمي . التقويم هو تثمين و تقدير و يؤسس مرجعية اتجاه المعلومات و بهذا المعنى ، يمكن للمعطيات أن تصبح كمية و كيفية على حد سواء .
في خضم النقاشات الدائرة حول الممارسات التقويمية ، فإن مفهوم الرائز testing غالبا ما يوضع ضد مفهوم التقويم évaluation . حسب لوجندر ( 1988 ، 609 ) ، الرائز هو « عملية قياس أو تقويم يأتي قبل أو بعد وضعية بيداغوجية [...]. ويضيف أيضا : هو إجراء اختبار . الاختبار examen هو نوع من انواع التقويم أو القياس و التقويم مثله مثل القياس لا يمكنهما التوحد و الاختزال في الروائز [...] إن هذا الغموض سيكون مأساويا لأن حسب بيرون ( 1991 ) ، الاختبار هو النوع الأكثر ضعفا و إلتباسا بالنظر إلى المعارف و القدرات المتواجدة لدى التلميذ .
بعض مبادئ التعلم
من المعروف أن هناك ثلاثة براديغمات سيكولوجية لها تأثيرات مهمة جدا في ميدان التعليم و التعلم : الترابطية ، الانسانية و البنائية . و نظرا للوضع الراهن للمعارف و للأبحاث المقامة في التعلم ، فإن المبادئ المنبثقة من البراديغم البنائي هي المبادئ الأكثر قابلية لخلق اكتساب معرفي يحظى بالمعنى توظيفا و تحويلا مستعادا مرة ثانية . إن التعلم ، وفق البراديغم البنائي أساسا ، هو نشاط يعالج المعلومات و المبادئ التي لها صلة بمعالجة هاته المعلومات أي تلك التي تماثل طبيعة التعلم في بداية الأمر . أثناء معالجة المعلومات لأغراض تعلمية ، نجد التلميذ ، أو أي شخص آخر ، لا يستطيع إلتقاط صورة فوطوغرافية لكل المعلومات المقدمة إليه . لا بد من ان يختار منها ما يشكل أهمية قصوى بغية استخراج المعرفة ، و بناء العلم . إن هذه الرؤية هي التي تجعلنا نتحدث عن قضية البراديغم البنائي على وجه التحديد . إنها قضية البراديغم البنائي منظورا إليه من زاوية التلميذ حيث هو الذي يبني من خلالها القوانين و القواعد و المبادئ أثناء معالجة المعلومات و بالتالي يمنحها خاصية الديمومة و الاستقرارية بسرعة كبيرة بداخل قاعدة معارف الذاكرة الطويلة الأمد .
قبل أن نصف مبادي التعلم حسب البراديغم البنائي ، نشير إلى أن السيكولوجيا المعرفية تنخرط في هذا البراديغم و انه على ضوء معطيات السيكولوجيا المعرفية إذ سوف تناقش هذه المبادئ . كما نشير أيضا إلى ان البراديغم البنائي في التعليم و التعلم قد تطور آخذا بعين الاعتبار التأثيرات و الاسقاطات المعرفية الخالية من كل فائدة و التي نتجت عن الطرائق و السيناريوهات المقيدة بداخل البراديغمات الانسانية و الترابطية
[...]
تبعا للبراديغم الترابطي ، جميع العناصر و المكونات تتجمع بشكل ترابطي و آلي . لقد طبق هذا المبدأ بأكمله في التعليم و التعلم و كذلك جميع المعارف مهما تكن نوعيتها و طبيعتها ، اعتبرت على أساس نمو يحدث بطريقة ميكانيكية . هذا المبدأ الترابطي أدى إلى رتبنة في المعارف و إلى تحديد المقدمات القبلية . بعض المعارف تتقدم في الصف الاول عن غيرها بصورة قبلية و بالضرورة و بعض المعارف السلوكية الاحتياطية تكون في مقدمة معارف اخرى . سيرا في هذا التوجه ، فإن المحتوى المقدم للتلميذ تم تقطيعه و تفتيته مما يجعل مكونات و عناصر المجموعة الشاملة و الواسعة تتأثر على الدوام . التقطيع و التجزيء هو نتيجة رئيسية للبراديغم الترابطي في الممارسات التعليمية و التقويمية .
أهم نتيجة لهذا البراديغم في التعلم و التعليم و في التقويم ، تنتهي بالمدرس فوق ذلك كله بأن لا يعير أي اهتمام إلا بإنجازات التلميذ أي حاصل عملياته . حصيلة ما هو ملاحظ مباشرة و يمكن قياسه حسب السلوكيين les béhavioristes و هذا يشكل المعطى الوحيد الموثوق به أثناء التدخلات الانسانية . نزولا عند تطبيق هذا المبدأ في التعليم و التعلم و في التقويم ، يركز المدرس اهتماماته أكثر على الانجاز la performance و يهمل ، بل يجهل ، العمليات التي تضمن تحقيق هذه المحصلة أو تلك النتيجة. في البراديغم الترابطي ، أخذت النتيجة و أهلمت العملية .
يمتاز التعلم عن طريق الاكتشاف و عن طريق البحث حسب البراديغم البنائي بمفعول قليل في إطار التعليم و التعلم مقارنة مع نظيره الترابطي . باستطاعة المدرس أن يتابع خصوصية كيفية عمل التلميذ لكن ليس بمقدوره التدخل مباشرة في الدوافع أو الحوافز الشخصية لهذا الأخير و كذا احتياجاته النمائية . إن الدور الرئيسي للمدرس يكمن في خلق بيئة ملائمة و مساعدة في نمو التلميذ. فهو يعتبر منشط animateur في المقام الاول يهيئ وسطا من المهام التامة و الدالة في عين المكان . هذا الجانب المتعلق بدلالة و معنى الأنشطة هو مركزي . لا بد من أن نسجل هنا أن البراديغم الانساني على وجه الدقة يتعارض بقوة مع التقويم الصوري و الاشهادي . الملاحظة المباشرة للتلميذ أثناء إنجازية المهمة لمن شأنه السماح بتثمين تعلماته بشكل إيجابي أكثر و نموه الشخصي و مساره .
[...]
لقد سبقت الاشارة إلى أن البراديغم البنائي في التعليم و التعلم نما وترعرع آخذا بعين الاعتبار الاسقاطات المعرفية الخالية من الفائدة و الناجمة عن الطرائق و السيناريوهات المقيدة بداخل البراديغمات الانسانية و الترابطية . و خصوصا أن هذا البراديغم يتعارض مع الرتبنات و التقطيع والتجزيء لمحتوى نمودج البراديغم الترابطي و ينظر إلى العلم كونه يبنى في القسم بفضل التدخلات المباشرة التي تقدم دوما تفسيرات على خلاف ما يجري في البراديغم الانساني
[...]
المبدأ الأول [ للبراديغم البنائي ] يهتم بفعل التعلم Apprentissage على أنه سيرورة بناءة و عملية نشطة . أثناء الوضعية التعليمة ، يتصرف التلميذ مباشرة في المعلومات المقدمة إليه . يختار منها بعض المعلومات و هذه العملية الانتقائية تحتم استخدام الاستراتيجيات التي لا تجيز التفاعل الخصب و البناء مع هذه المعلومات فحسب ، لكن أيضا طرح واستبعاد تلك المعلومات التي تبدو ثانوية أو عديمة الفائدة . فالمعلومات لا ترتبط فيما بينها بشكل أوتوماتكيكي . من الواجب على التلميذ أن يقوم بتفعيل عملية الانتقاء la sélection ، و في هذا الصدد ، فإن مبدأ ترابطية المعلومات من اجل خلق معارف قد فشل في تفسير حقيقة التعلم . أبحاث عدة و خاصة المتعلقة بالابحاث الدائرة حول التمثلات المعرفية لدى التلميذ ( جيوردان و فيتشي 1987 ) قد ساهمت بقوة في توضيح الجانب البنائي للتعلم . في هذه الأبحاث ، إن مفهوم ميدان صلاحية التمثلات المعرفية تعتبر نقطة مركزية فضلا عن ذلك .
اعتبارا لكون التعلم يؤسس الصلات بين المعلومات الجديدة و المعارف القبلية إنما يؤكد المبدأ الثاني لبراديغم البنائية . و مع ذلك ليس هذا المبدأ حديث العهد لأنه قد تم مناولته من طرف أوزبيل سنة 1968 . و استرجع في هذه السنوات الأخيرة [...] ينضاف إلى هذا المبدأ ، كنتيجة طبيعية ، فكرة أن التعلم في أساسه يشكل عملية تراكمية أي معارف جديدة ترتبط بمعارف قبلية . حسب هذا المبدأ ، من اللازم على التلميذ التوفرعلى المعارف في ذاكرته الطويلة الأمد حتى يستطيع إقامة الصلات مع المعارف الجديدة التي قدمت إليه ، و إلا سوف لن يعالجها معالجة صحيحة . بخصوص هذا المبدأ ، تجدر الاشارة إلى أن المعارف القبلية تلعب هنا دورا حاسما و مؤثرا في التعلم حيث أن غالبا ما تقاوم المعلومات التي يعمل المدرس في استدخالها حينما تصطدم هذه المعلومات الاخيرة بالمعارف القبلية .
المبدأ الثالث للبراديغم البنائي بشأن التعلم ينظر إلى التعلم كونه يتطلب التنظيم الدائم و المستمر للمعارف . في ذاكرة الخبير الطويلة الامـد ، نجد المعلومات و هي منتظمة و منظمة في تراتبية ، و هذان العنصران للتنظيم و التراتبية كلاهما مهمان للخبرة المعرفية المتطورة . في البراديغم البنائي ، يمثل تنظيم المعارف في الذاكرة الطويلة الامد اعترافا بالجانب المتميز للخبرة . إن كون المعارف تصبح منتظمة و مرتبة أو منظمة في الذاكرة الطويلة الامد يزيد من قوة احتمال الفرد بان يدمج المعلومات الجديدة بصورة ذكية و ذات دلالة ساطعة و يستطيع معاودة استخدام معارفه .[...]
المبدأ الرابع المؤسس للبراديغم البنائي لديه خاصية كون التعلم يهتم بالاستراتيجيات المعرفية / الميتامعرفية و المعارف النظرية على حد سواء . وفق هذه الرؤية تحديدا نجد عددا من الكتاب و المؤلفين يميزون بين المعرفة و الفهم . لا يحتوي النظام المعرفي للفرد فقط على المعارف الخيالية المفبركة أو الراكدة statiques ، بل هنالك أيضا معارف « تطبيقية » او ديناميكية . اشتهرت المعارف النظرية بصورتها الستاتيكية . فهي تسمح بتسمية الواقع و تموضعه ، لكنها لا تسمح بالتأثير عليه او التصرف فيه . فعن طريق المعارف الديناميكية ، وبالأخص الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية ، يمكن للفرد أن يتصرف في الواقع المحيط به . من جانب أول ، تقدم الاستراتيجيات المعرفية الوسائل للتلميذ ليستخدم معارفه وظيفيا ، ليقوم بالاعمال المناسبة في مختلف المهام المراد تحقيقها . و من جانب آخر ، تسمح له المعارف الميتامعرفية بتدبير الاستراتيجيات المستعملة لغرض تحقيق هذه المهام بصورة فعالة .
المبدأ الخامس للبراديغم البنائي يشير إلى أن التعلم كما يولي اهتماما بالمعارف التصريحية déclaratives فهو يهتم أيضا بالمعارف الشرطية conditionnelles و بالمعارف الاجرائية procédurales
[...]
المعارف التصريحية هي معارف نظرية بالأساس . إنها تعني [...] معرفة الأحداث ، و القواعد ، والمبادئ . و نقصد بالمعارف الاجرائية كيفية الفعل ، ما هي المراحل المتبعة لتحقيق الفعل ؛ او مقاطع الأفعال و التصرفات . المعارف الشرطية تهتم بـ " متى و لماذا " لهذه الافعال . المعارف الشرطية و الاجرائية لها أهميتها في المنظومة المعرفية للفرد مثلما للمعارف التصريحية و التعليم من الواجب عليه تفعيل كل هذه الفئات من المعارف حتى يتسنى للتلميذ إمكانية التعلم و التصرف بطريقة بناءة .
[...]
المحصلات او إسقاطات البراديغم البنائي على الممارسة في التقويم هي كثيرة و متعددة . الحصيلة الأولى الأكثر أهمية تخص الوسائل ذاتها للتقويم . في البراديغم البنائي ، خلافا لتوصيات البراديغم الترابطي ، لا بد للتعلمات من أن تنجز انطلاقا من المهام التامة ، المعقدة و الدالة . انسجاما مع الممارسات التعليمية ، يجب على التقويم ان ينصب على المهام التامة ، المعقدة و الدالة . فمن خلال و عبر هذا المنظور الارشادي خاصة بامكاننا القول بأن فهم التلميذ و ليست معارفه هو الذي يستوجب تفضيله أثناء عملية التقويم . في هذا المقام بالرغم من ذلك ، استوعبت المعارف بالمعنى الحصري على أساس أنها معارف تصريحية . بهذا المعنى ، و بإحالتنا إلى الاختبارات المستعملة في الوقت الحاضر في الوسط المدرسي ، صرح فيدجين (1992) بأن تلك المعارف تنقص من قيمة تقويم الفهم عند التلميذ و تبالغ في تقييم معارفه النطرية .
حصيلة أخرى للبراديغم البنائي في ممارسة التقويم [...] تكمن في الأخذ بعين الحسبان الاستراتيجيات المعرفية المستعملة من طرف التلميذ ، مباشرة و بشكل واضح . هذه الاستراتجيات لا يمكن تقويمها بأسئلة بسيطة تنحصر في عناصر كفاية ما . إن الوضعيات التي من الممكن أن تقدم كشفا جديدا اتجاه الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية للتلاميذ هي أساسا وضعيات ذات مهام تامة ، معقدة و دالة . هذه المهام تسمح بتحديد دقيق كيف يمكن للتلميذ بأن يستخدم معارفه التصريحية ، الشرطية و الاجرائية و كذلك درجة تحويل كل هذه المعارف . هذه النتيجة مرة أخرى تؤكد على ضرورة التقويم من أجل تجاوز المعرفة للالتحاق بالفهم .
[...]
لقد تحدثنا عن الفرد و عدم قدرته عن معالجة المعلومات بطريقة صحيحة ماعدا تلك التي لها ارتباط بمعارفه القبلية ، أي معارفه القابعة بالذاكرة الطويلة الأمد . إن هذا المبدأ الأساسي في التعلم له إسقاطات مهمة جدا في ممارسة التقويم . بكل تأكيد ، فالمحتوى الذي نحن بصدده حين القيام بإجراءات التقويم يجب أن يكون اكثر ألفة و استئناسا مع التلميذ بحيث يستطيع هذا الأخير إقامة الروابط و الصلات بين هذا المحتوى و معارفه المتواجدة بالذاكرة الطويلة الامد . كل تقويم لا يحافظ على هذا الصنف من الروابط لا يسمح للتلميذ بإبراز المعارف التصريحية ، الاجرائية و الشرطية التي عمل على كسبها و تطويرها .
[...]
إن النظام المعرفي للفرد يتضمن المعارف التصريحية و المعارف الشرطية و المعارف الاجرائية و المدرسة تريد من خلال أهدافها الختامية تطوير هذه الأصناف المختلفة من المعارف بكل طموح . انسجاما مع هذه الأهداف ، كل تقويم يقتضي اللجوء من قبل التلميذ إلى المعارف التصريحية ، الشرطية و الاجرائية . هذان الصنفان الاخيران من المعارف يسمحان بالتصرف إزاء الواقع و لا بد من أن يصبحا مستدخلين في جميع المناهج التقويمية . حسب المعطيات الآتية من السيكولجيا المعرفية ، تمتاز المعارف الشرطية بأهمية كبيرة لأنها تؤسس القاعدة الأساس لتحويل التعلمات ذاتها transfert des apprentissages . في الوسط المدرسي ، فلأن التقويم يجب أن يهتم ببناء و تشكل المنظومة المعرفية للتلميذ و مسار تطوره ، بات من اللازم و الضروري على جميع أصناف المعارف كل صنف على حدة بأن يصبح موضوع إجراء تقويمي .
المبدأ الثالث من البراديغم البنائي المختص بالتعلم يتطلب التنظيم الدائم للمعارف . التنظيم و رتبنات المعارف ، كما جاء التذكير بهما سابقا ، يعتبر هذا الأمر أحد الجوانب المتميزة للخبرة المعرفية . تساوقا مع هذا المبدأ ، إن الممارسات التعليمية وفق البراديغم البنائي تعمل بالصيغة التي تجعل المدرس يتدخل مباشرة في شؤون التنظيم و تراتبيات المعارف . و بالأخص هذا ما يجعله يساهم في بناء المعرفة عن قرب و بمعية التلميذ . يعمل التقويم على الكشف الدائم و الممنهج لأحوال التنظيم و رتبنات المعارف للتلميذ . كل ممارسة تقويمية يجب ان تستخرج النتائج بدقة ، حول سير التلميذ في بناء المعرفة و هذا السير و التقدم يتميز ضرورة بالتنظيم و التنسيق و ترتيب المعارف .
إن المعرفة ، في البراديغم البنائي ، هو بناء تدرجي . من جهة ، يخلق المدرس هذا البناء التدرجي و يراقبه . و من جهة أخرى، يكشف التقويم عن تطور هذا البناء . حسب هذه الرؤية ، من المؤكد أن يتجاوز التقويم الحالة الستاتيكية (الركود ) معلنا « مستوى ما من المعارف » من اجل توصيف التطور المعرفي للتلميذ .[...] إن التقويم هو منهج يستهدف بالأساس وصف التغييرات و التبدلات المعرفية للتلميذ .
للاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية أهمية قصوى في التعلمات بداخل البراديغم البنائي فيما يتعلق بالتعليم و التعلم . من منظور بناء المعرفة ، هذه الاستراتيجيات الميتامعرفية تستحق مع ذلك وقفة خاصة . بفضل هذه الاستراتيجيات ، يحقق التلميذ تدبيرا فعالا و ناجحا للطرق التي يشتغل بها . فهي بقدر ما تكون حاضرة في مرحلة تخطيط نشاط من الانشطة نجدها أيضا حاضرة في مراحل الانجاز و التقويم لهذا النشاط . إنها مهارات معرفية ذات المستوى الرفيع و تختص بالوعي و مراقبة أعمال الفرد لتحقيق عمل أو أجراء . للاستراتيجات الميتامعرفية خاصية أساسية تكمن في أنها تضمن للفرد استقلالية كبيرة جدا أثناء العمل . أهميتها توضحت ، بالاخص ، من خلال العديد من النتائج البحثية التي تشير إلى أن هذه الاستراتيجات تقيم فرقا بين الخبراء و المبتدئين و بين التلاميذ الذين يتفوقون عن أقرانهم الذين يعانون من الصعوبات . إذن من الضروري على التقويم الدمج المباشرللوضعيات التي تأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجات الميتامعرفية المستعملة من طرف التلميذ . أمام هذا الأمر ، إن ضرورة المهام التامة ، المعقدة و الدالة تظل نقطة حاسمة . التقويم الأصيل هو مهم في هذا المقام .
بعض خصائص التقويم الأصيل
يشير رزنيك و رزنيك (1992 ) ، بناءا على الاختبارت المعيارية ، على وجود مسلمتان رئيسيتان . بالاضافة إلى ذلك هذه الاختبارات هي منبع كل الاختبارات التقليدية . أول هذه المسلمات تسمى بـ « التجزيئية » la décomposabilité موضوع الفكرة هو ان كل كفاية تتجزأ إلى مكونات و عناصر و ان كل مكون او عنصر ، على انفراد ، يعطي مؤشرات دالة لما يمكن ان يؤسس كفاية . المسلمة الثانية هي هدم السياق la décontextualisation . كل عنصر من الكفاية يستلزم الثبات و عدم التغيير و يتمظهر بنفس الشاكلة مهما كان السياق الذي جرت فيه الاحداث ، مهما كان المحتوى الذي أخضع العنصر للتقويم .
يصرح رزنيك و رزنيك (1992 ) أن هاتين المسلمتين وضعتا محل شك حقيقي من خلال الابحاث المسجلة في توجهات البراديغم البنائي . بالقياس حيث أن ، بالنسبة للكفايتين معا ، هنا التفعلات القوية لمكوناتها وعناصرها بدل العناصر ذاتها هي التي تعتبر المحددات لمستوى تطور كفاية ما ، فـ « التجزيئية » هي مسلمة افتراضية . هذه المسلمة تؤدي إلى منح امتياز لتقويم كل عنصر على حدة و في عزلة في حين ان التفاعلات les interactions الواقعة بين العناصر هي التي ينظر إليها كمتغيرات الاكثر وزنا و الاكثر دلالة في تطور أية كفاية .
فيما يرجع لهدم السياق ، فإن الأبحاث المنصبة على دور المعارف النوعية في الكفايات ساهمت بشكل خاص في رفض هذه المسلمة . عدد مهم من الابحاث أوضحت أن كلما ازداد الفرد كسبا و امتلاكا لمعارف نوعية بصدد موضوع ما ، كلما حقق انجازا كبيرا في ميدانه . إن هدم السياق أو نزعه يتجاهل الدور المحوري للمعارف النوعية في إبراز كفاية بشكل دقيق و ممنهج. هكذا ساهمت مسلمة هدم السياق بجعل الأدوات و الوسائل المستعملة في مراحل التقويم تحال إلى مرجعية المحتوى مع قلة في المعنى و بجعل تحويل المعارف يعالج بشكل ضيق و مختزل . بمناسبة النقص الملحوظ و الحاصل في معنى و دلالة الأدوات المستعملة ، فإن خلاصة كاردنير (1992 ) تستحق بأن تؤخذ بعين الاعتبار . فهو يؤكد على ان السطحية هي احدى الخصائص غير المقبولة في الاختبارات المعيارية .
التقويم الوحيد الذي يحترم مبادئ البراديغم البنائي هو ذلك الذي يفضل مباشرة أو يعطي اهمية للكفايات السياقية . سوف نحصل إذن على مسلمتين جديدتين انطلاقا من الممارسات التقويمية للبراديغم البنائي . الأولى تخص تفاعلية العناصر المحدثة في الكفايات . الثانية تخص سياق الكفايات .
إن التقويم الذي يحرس على سياق الكفايات و التفاعل بين عناصرها يقتضي مهام تامة ، معقدة و دالة . دلالة المهمة مركزي نظرا لأهمية المعارف النوعية حينما تتجلى الكفاية و تظهر للوجود . زيادة على ذلك ، لا بد للمهمة ان تكون تامة لأنه من الضروري أن تلعب دورا محركا و دافعا نحو اللجوء إلى التفاعلات بين عناصر الكفاية المقومة . كما تم توضيحه ، إن وفرة التفاعلات بين عناصر و مكونات الكفاية هي التي تسمح باستخلاص مضبوط و دقيق لدرجة التحكم الفعلي لكل كفاية و ليس العدد الكمي للعناصر . و في الأخير ، المهمة معقدة لأنه يجب على الوضعية التقويمية وضع التلميذ في سياق حيث أن استخدام الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية يظل أمرا مطلوبا و إلزاميا .
إن التقويم الذي يحترم هذه الميزات و الخصائص لا يشبه في شيء تلك الانشطة التي تتحقق في زمن محدود هذا لا شك فيه . لا يمكن للتقويم ، فضلا عن ذلك ، أن ينبني فقط على أسئلة مغلقة او جداول مختزلة أعدت للملء . [...]
في التعليم الأمريكي ، أقام ويجنيز تأثيرا بلغيا بشأن المناقشات بخصوص التقويم و ساهم إلى حد كبير في إقحام مفهوم التقويم الأصيل authentique . حسب مايير (1992) ، كل تقويم أصيل هو بالضرورة تقويم للكفاية . و نعني بذلك المشاكل الواقعية التي تبحث عن الحل ، مشاريع البحث ، السيناريوهات ، الانشطة المخبرية ، الخ . كل هذا يعتبر وضعيات تقويمية أصيلة و متفردة . إن وضعيات التقويم الأصيل يجب ان تستخرج النتائج من موضوع الكفايات التي ينميها التلميذ بطريقة مباشرة قدر المستطاع . هذه الوضعيات هدفها الوصف و الحكم بصدد إمكانية التلميذ و ما هو عليه كمفكر ، كقارئ ، كمؤلف ، كرياضياتي، الخ . التقويم الأصيل ، حسب أقوال رزنيك و رزنيك ، يتعامل مباشرة مع الكفايات و يأخذها محمل الجد عن طريق مؤشرات غير مباشرة .
منذ بضع سنين ، عرفت الممارسات المرتبطة بالتقويم الأصيل تقدما كبيرا . لكن بيرون (1991) لاحظ أن هذا التقويم له تاريخ طويل في الوسط المدرسي . يشير إلى ان ما كان يسمى بالوثائقي ، بتقويم الكفايات و « إبراز » التعلمات و عرضها على الواجهة ، يماثل الممارسات السائدة في المدارس التقدمية في القرن 19م ، مدارس تأثرت بجون ديوي ، ويليام كيلبتراك ، ماريطا جونسون و كارولين برات . إضافة إلى ذلك ، منذ عدة سنوات ، إلتجأت بريطانيا و زيلندة إلى تفعيل التقويم الأصيل . هذا اعتراف بأن ممارسة التقويم الأصيل ليس حدثا جديدا بداخل الأقسام و المؤسسات المدرسية ، و ان نتائج مهمة جدة من الممكن استخراجها من التجارب السابقة او في وقتنا الحالي .
بخصوص الولايات المتحدة الامريكية ، إن الملفات التعلمية portes-folios lesتؤسس الأداة الأكثر استعمالا استجابة لمتطلبات التقويم الأصيل و للوقوف على التبدلات المعرفية للتلميذ [...]
تؤسس ملفات التعلم أداة ناجحة لولوج الكفايات المستحكمة من طرف التلميذ و لتحديد مستوى تطورها و نمائها . في إطار هذه الملفات ، نلاحظ أن المسؤوليات الممنوحة للتلميذ أثناء سيرورته المعرفية تعد كثيرة و تساهم في تنمية و تدبير معارفه ، على مستوى الاستراتيجيات الميتامعرفية . بالاضافة إلى ذلك ، فاستخدام هذه الملفات التعلمية في أغراض التقويم تحث المدرسين بشكل ما على تقلد مسؤوليات جديدة تلزمهم بإنماء الكفايات المهنية الأساسية قصد معاينة بناء المعرفة . تعمل كل هذه الحجج مجتمعة و جاهدة صوب مختلف انواع التقويم المتعلق بالملفات أو ما شابه ذلك .
تنشد الملفات ، كمثل أية ممارسة تقويمة متأصلة و فريدة ، تحقيق الهدف الذي هو تقديم صورة إجمالية الاكثر اكتمالا ممكنا للقدرات و التبدلات المعرفية للتلميذ . الطريقة المتبعة في الغالب هي كالآتي : 1- في لحظة زمنية ما ( مرحلة ، سنة ، دورة ، منظومة ) ، نعلن للتلميذ أن قسطا من إنتاجاته سوف يستعمل لأغراض التقويم ؛ 2- بعد تحديد المدة الزمنية ، يختار التلميذ إنتاجاته التي توضح جيدا كفاياته و كذلك تطوراتها ؛ 3- تخضع عينة من إنتاجاته للجنة مؤلفة من افراد يتم اختيارها حسب أهداف التقويم . من مقتضات الملفات إذن هو مطالبة التلميذ ، في بداية الأمر ، بأن يقوم بنفسه بتقويم قيمة عرض إنتاجاته على أساس بناء المعرفة و يختار بعضا من هذه الانتاجات في النهاية . التلميذ هو الذي يحدد المنتوج الذي سيخضع للتقويم .
[...]
لكن تحديد مؤشرات التقويم في إطار الملفات les portes-folios يشكل تعقيدا و صعوبة ظاهرة إلى حد ان ثقافة التقويم التي هيمنت في زمن الترابطية منحت أهمية كبيرة لوسائل القياس من جهة الموضوعية l’objectivité ، و الصلاحية la validité ، و الموثوقية la fidélité . هذه الثقافة ما زالت تمارس تأثيرا قويا على الأفكار وعلى القرارت المرتطبة بالوسائل و الأدوات و شتى أنواع التقويم . مؤشر الصلاحية و مؤشر الموثوقية في البراديغم البنائي يختلفان تماما عما هو عليه في البراديغم الترابطي و تعيين هذه المؤشرات لم ينقطع مناقشته عل المستوى المفاهيمي في حين أن المدرسين يشتغلون تحت الضغط و الاكراه على المستوى الاجرائي .
موضوع الصلاحية و الموثوقية
بشأن الموثوقية la fidélité ، يعتبر شيتيندن(1991) هذا المعيار المتصل بالوسائل عنصرا مركزيا لأي تقويم حاصل في وحدة زمنية كاملة و الاسقاطات بالنسبة للفرد المقوم هي أيضا مهمة جدا . يتابع شيتيندين موضحا أن هذا المعيار له قيمة ثانوية قياسا لمحصلات و نتائج كفايات التلميذ من حيث انبثاقاتها من وضعيات عدة و انما المقصود هو عينة من منتوجات التلميذ المعني بالأمر . انطلاقا من هذه الزاوية ، فإن وثوقية الوسائل التقويمة في البرايغم البنائي إضافة إلى ذلك يعد معيارا هامشيا لا يمكن أن يكون محددا نظرا للمبادئ ذاتها للبراديغم البنائي . [...] تقويم أية كفاية بداخل البراديغم البنائي لا بد من ان يتضمن سياقا خاصا و اللجوء إلى معارف نوعية و ذات خصوصية . فقضية الموثوقية لا تتعلق إذن بهذه الأنواع من التقويم .
مثل هذه الثقافة في هذا المكان الخاص بالممارسات التقويمية تحتم مع ذلك مواجهة عدة إكراهات فيما يتعلق بصلاحية الوسائل وطرق التقويم la validité . كلما كانت الوسائل المستعملة تتسم بالسهولة و الفعالية كلما تمت هندستها من اجل عرضها لأكبر عدد من التلاميذ بصورة تزامنية ، و في وقت قصير و محدود و باللجوء إلى أقل المعدات و الوسائل ، و هكذا تزداد صلاحيتها على مستوى الشك و الارتياب . المنظور الارشادي البنائي يفرض إذن إعادة النظر في المعايير التقليدية للصلاحية و تأسيس تراتبية لهذه المعايير من جديد .
إن نوعية الصلاحية الاكثر أهمية مما لا شك فيه هو صلاحية المبنى de construit . [...] احترام صلاحية المبنى يستوجب تحديد عناصر و مكونات كل كفاية ، و بالأخص ، تفاعلاتها الضرورية لتستطيع الكفاية على التطور و النماء . أثناء مراحل التقويم ، لا بد للبراديغم البنائي من اللجوء إلى المهام التامة ، المعقدة و الدالة . بل اكثر من ذلك ، يطالب بأن أي عنصر أو مكون لا يجب نزعه من الكفاية التي تمنحه دلالته بالخبرة المعرفية . خلاصة القول ، كل تقويم للعناصر أو المكونات في حد ذاته هو امر ملغى تماما . إن هذه الأمر لمن شأنه أن يخلق حالة شادة للمبنى .
دائما فيما يعود لصلاحية المبنى ، أيضا لا بد لوسائل التقويم من ان تقدم معلومات حول تبدلات كل كفاية تخص التلميذ مفسرة و موضحة نجاحه و إخفاقه المعرفي و الميتامعرفي على حد سواء . لا بد من ان نشدد الانتباه على الواقعية المنطوية بداخل الوسائل و طرق التقويم . أيضا يجب ان نضيف ،على الرغم من أن هذا الجانب لن يتم التطرق إليه إلا لماما في هذا المقال ، أن كل سيرورة تقويمية يتحتم عليها تقديم المعلومات حول كيفية حصول الادراك و الفهم عند التلميذ و هو يواجه كفاياته و يراقبها بنفسه. دائما من وراء الهدف في استخدام الوسائل من حيث صلاحية المبنى le construit كحد أقصى ، من المؤكد و المهم أن نتوقع من هذه الصلاحية وجوبا إعطاء معلومات تراكمية بخصوص التعييرات و التبدلات المعرفية للتلميذ .
أيضا لدى صلاحية المحتوى قيمة كبرى مختصة بأدوات القياس التقويمية في البراديغم البنائي . عرف قاموس لوجندر (1985 ، 634 ) الصلاحية la validité كـ « صنف يشير إلى مستوى : أ)- كل بند من الأسئلة ينسجم مع الهدف المقاس ؛ ب)- مجموع بنود الاختبارات تكون ممثلة في وسيلة القياس إزاء ما نرغب قياسه ». أما هذا الصنف من الصلاحية الخاص بالوسائل التقويمية المدرج في البنائية ، فإنه يلزم جميع الروائز و الاختبارات بأن تكون منسجمة مع كل كفاية تخضع للتقويم . فالاختبارات و الوضعيات تتجه نحو الكفايات و ليس نحو العناصر أو المكونات . من هنا يبرز التوافق والانسجام مع هذا الهدف المقاس . بالاضافة ، نسبة لتمثيلية بنود الاختبارات ، من الواجب على وسيلة التقويم أيضا أن تقدم وصفا كاملا و مناسبا لكفاية ما و تفاعلات عناصرها . يجب على التقويم أيضا أن يستخرج النتائج بشأن تحويل الكفايات . حسب هذه الرؤية ، سيكون من الصعب جدا تخيل أن وسيلة وحيدة باستطاعتها تقويم المعلومات الضرورية حول تنمية كفاية من الكفايات .
صنف آخر من الصلاحية المطلوبة في وسائل التقويم في البراديغم البنائي و هو الصلاحية الايكولوجية écologique . لحد الساعة هذا الصنف من الصلاحية تم الأخذ به بالأحرى في سياق البحث . في هذا القطاع للبحث ، عرفت الصلاحية كالآتي : « هي صنف من الصلاحية خارجة عن البحث و التي تحدد درجة التشابه بين ظروف الأفراد وقت التجربة و أفراد آخرون » ( لوجندر 1985 ) . في ميدان التطبيق لوسائل التقويم ، سيكون تعريف الصلاحية الايكولوجية محددا كدرجة في المشابهة بين الظروف التي يتواجد بداخلها التلاميذ أثناء وضعية تقويمية و حينما يتواجدون خارج القسم أو خارج أسوار المؤسسة المدرسية . تسعى المدرسة لتحقيق هدف المساهمة في تنمية التلاميذ القادرين على « الاستدلال ، و التكيف ، وحل المسائل في وسط يتغير على الدوام » شيبار (1992). الصلاحية الايكولوجية لأصناف التقويم و وسائله تحتم الاخذ مباشرة بعين الاعتبار هذه الدرايات المعرفية ذات المستوى الرفيع .
إن الصلاحية الايكولوجية هو معيار مهم و أساسي في أدوات التقويم داخل ثقافة التقويم التي تهتم بكفايات التلميذ و تحولاتها على وجه الخصوص . احترام الصلاحية الايكولوجية تضمن ليس فقط بان تصبح مراحل التقويم حاملة إسقاطات مهمة و تحظى بدلالة و معنى للتعليم و التعلم ، لكن أيضا تضمن النتائج المحصلة عليها لتكون معرفية و اجتماعية ، بل مهنية ، دالة .
آخر صنف من الصلاحية من الواجب على وسائل التقويم في البراديغم البنائي احترامها هو الصلاحية الأدبية Déontologie ، غالبا ما تسمى صلاحية اللزوم de conséquence ، [...] هذا الصنف من الصلاحية يتم التعرف عليه كدرجة الدقة التي تتسم بها الوسيلة أو الصنف التقويمي لأجل تحديد الكفاية المنجزة . كل تلميذ له الحق في تقويم كفاياته بدقة ، تقويم أدبياتي لخبرته المعرفية و الميتامعرفية . يجب ان نتذكر خلاصات كاردنير (1992) بشأن موضوع الروائز المعيارية . حسب رأيه ، إن هذه الاختبارات و الروائز تصلح جيدا للأفراد الذين يمتلكون الدرايات اللغوية و المنطقية و الذين يحسون براحة كبيرة داخل سياق تقويمي متعال و بدون سياق . فهذه الاختبارات هي مراوغة للأفراد الذين لا يمتلكون هذه الخصائص و الميزات المعرفية و الذين لا يظهرون كفاياتهم ماعدا في المشروعات الدائمة و المستمرة و في سياقات دالة .
[...]
خـلاصـة
لقد غير البراديغم البنائي كثيرا النظرة الموجهة للتعلم و التعليم و التقويم في نهاية الامر . تماما لقد تم استيعاب التعلم كبناء للمعرفة في تدرج و هذا البناء تقام أجرأته بواسطة معالجة أنشطة المعلومات المقدمة للمتعلم . تحتوي المعرفة المبنية على معارف تصريحية ، معارف شرطية و معارف إجرائية منظمة و مرتبة أحسن الترتيب . أيضا الاستراتيجيات المعرفية و الميتامعرفية نجدها مدمجة بالذاكرة الطويلة الامد لغرض استخدامها من جديد و لغرض تحويل المعرفة . في البراديغم البنائي ، يتابع المدرس هدفه المعلن مباشرة مساهما و موضحا تنمية الخبرة المعرفية للتلميذ .
[...]
حتى يساهم في تنمية الخبرة المعرفية للتلميذ ، يقوم المدرس بالأنشطة التامة ، المعقدة و الدالة . بعدما يتم بناء السياق لا بد من الالتزام به و المشاركة الفعالة فيه من طرف التلميذ . إن التقويم متطابق مع هذه الممارسات التعليمية و فق كاردنير (1992) ، فإنها تماثل المسائل او المشروعات التي يحلم بها التلميذ و تروق له و تحفزه حتى ينخرط فيها و يجتهد . البراديغم البنائي ، سواء بالنسبة للممارسة التعليمية أو انتهاج التقويم ، يقتضي من المدرس الحرص الكبير على تحليل المهام المقترحة على التلميذ . و القدرة أيضا على دراسة تحليلية لمحتوى كل حقل من المعارف المنضوية تحت مسؤوليته ، أن يكون واعيا بالمسلك المعرفي لهذه الحقول المعرفية و ان يكون قادرا على تكهن المسائل التي من الممكن أن يصادفها التلميذ . من خلال هذا المنظور، إن مقتضيات مبادئ البراديغم البنائي هي متعددة ، متنوعة ، و بطبيعة الحال ، معقدة جدا .