المقاربة بالكفايات و التمدرس الاجباري
بين الموضــة و الفشل المدرسي
فليب بيرينو Philippe Perrenoud
الموجز :
بناء الجديد انطلاقا من القديم
- لا حديث عن الكفايات ... إذا لم نعكس في الوضعية العلاقة الموجودة بين الفعل و المعارف
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نغير العلاقة اتجاه الثقافة العامة
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نحدث في آن واحد نقلا ديداكتيكيا واقعيا و استشرافيا
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نراجع المواد التعلمية و استعمالات الزمان
- لا حديث عن الكفايات...إذا اكتفينا بسلك دراسي كامل في انتظار السلك الآتي
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نغير بشكل جذري طريقة التدريس و فعل التعلم
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نبدع أشكالا جديدة في التقويم
- لا حديث عن الكفايات...إذا أغمضنا العين عن الهدر المدرسي و نستمر في بناء المقررات على الرمال
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نعمل على تكوين المدرسين
- الفكر النسقي la pensée systémique ليس فكرا سلبيا
أعتقد أن كتابة البرامج بلغة الكفايات كأي إصلاح نظام تربوي آخر ، يجب ان يكون واضحا كل الوضوح و مرتبطا بالصراع ضد الفشل المدرسي أشد الارتباط . ليس معنى هذا أن أي إصلاح خال من الفائدة المرجوة . من الممكن أن نستهدف تحديث النظام التربوي او البرامج ، و اللاتمركز ، و مهننة حرفة التدريس و لا نتطرق لصعوبات التعلم و نضعها في مركز الاهتمام . يبقى أن المشكل الرئيس في المدرسة ، أي ذلك الذي يقاوم الاصلاحات المتعاقبة منذ عشرات السنين ، هو صعوبة تعليم كل واحد ، بحيث يصل الجميع على الأقل ، عند عتبة سن البلوغ ، إلى درجة مقبولة من الثقافة و الكفايات ، في عالم الشغل كما في عالم الحياة .
كنا لا نعير أي اهتمام للهدر المدرسي المتواصل عند أطفال الطبقات الدنيا قبل الستينات ، كان ذلك أمرا طبيعيا و كان فضلا عن ذلك و لفترة طويلة من الزمن مخفيا في تركيبة مدرسية ذات شبكتين محوجزتين ، إحداهما تهم الطبقة الشعبية مؤدية إلى الحياة العملية ، والأخرى نخبوية تهيئ للدراسات المعمقة طويلة الآمد (1985 ، جاماتي-إزمبير Jamati- Isambert ). منذ ان أصبح النظام التربوي مدمجا و التربية اتخذت صفة الاستثمار ، أصبح الهدر المدرسي قضية مجتمعية . زعمت الاصلاحات المدرسية المتعاقبة باستمرار القضاء على اللامساواة في المدرسة ، تحدوها نية « دمقرطة التعليم » . إن نسب التمدرس تزداد بشكل مرتفع ، و عمر الدراسات لم يتوقف ، غير ان المهم لم يحصل : يدفع الرسوب البعض في اتجاه الشعب الاقل أهمية ، « يسقطون في المصيدة » ، يتوجهون نحو الحياة العملية أو إلى البطالة ، بدون شهادة او دبلوم أو مع امتلاك حد أدنى من المعارف ؛ يتابع البعض الآخر الدراسات العليا و يلفظون من النظام التربوي حاملين معهم شهادات جامعية . لقد تغيرت صور للامساواة ، لأن طبقات المجتمع قد تحولت و نما التمدرس بشكل عام ، لكن ارتباط النجاح بأصله الأجتماعي لا يزال قويا و حاضرا .
إن قضية فيما إذا كان الهدر المدرسي هو نتاج التلميذ او المدرسة قد وزع الفاعلين اليوم . من شعور مريح و تام بالمطلق ، قائم أساسا على إيديولوجية المنح و العطاء مشرعا عدم القدرة على التعلم ، انتقلنا إلى حتمية « الإعاقة السوسيو الثقافية » الأقل ارتياحا ، ثم بعد ذلك إلى الوعي باعتباطية المعيار المدرسي ، أي من عدم الاكثرات إلى الاختلافات ، الوظائف التعليمية المنتجة للطبقات و الهراركيات المجتمعية . بدءا من 1970 ، تتعايش إيديولوجية المنح و العطاء مع بيداغوجية التعويض و بعض الدراسات النقدية الجريئة . تتجاهل فيما بينها حسب الزمان و المكان و تتصارع في الخفاء او تتقابل في العلن . بحيث ان الاصلاحات المدرسية لأسباب متعددة هي خدعة un leurre بالنسبة للبعض ، و مناسبة حقيقية للسير قدما نحو دمقرطة التعليم بالنسبة للبعض الآخر . هي أيضا مناسبة متواضعة لتحديث البرامج و الهياكل لأناس آخرين .
إذا ما تم القبول لإصلاح تربوي ما ، و انطلقت أشغاله و أرفق بنتيجة إلى حد ما ، فلأنه تلقى مساندة من طرف الرأى العام ، و الطبقة السياسية ، و رجالات المدرسة . ينبني الاصلاح إذن بالضرورة على التوافقات و المساومات ، إن روح الإصلاح هو بمثابة فندق إسباني . لهذا السبب ، لا يكفي القول بأننا ننخرط في المقاربة بالكفايات ، بل يجب القول لماذا ؟
أعتقد من جهتي أن إصلاح البرامج ليس رهانا رئيسيا في الحقيقة إذا لم يجن اليوم ربحا لفائدة التلاميذ الذين لا ينجحون في المدرسة . إن التلاميذ الذين يمتلكون الرأسمال الثقافي و في حالة استعداد أكثر و التأطير الجيد من طرف أسرهم هم الذين سوف يتابعون دراساتهم بدون شك ، أيا كان النظام التربوي . التلاميذ « المتوسطون » سيقتلعون إبرهم من اللعبة ، بفضل التكرارات المحتملة او التغييرات التوجيهية . أما مصير التلاميذ الذي يعانون من الصعوبات الحقيقية هو الذي يدفعنا بأن نقيس نجاعة الاصلاحات . هل يوجد ما يربحونه من هذه التيارات الجارية التي تفضل معاودة صياغة البرامج بتعابير الكفايات ؟
تتظاهر هذه التيارات و الحركات في الدول الأنجلوساكسونية و غزت دول العالم الفرنكوفوني . في بلجيكا ، استحكم التعليم الكاثوليكي في المقدمة ، منذ فترة طويلة . في كيبيك ، عملت المقاربة بالكفاية على صياغة برنامج « الاعدادي » بالكامل ، صيغته الكندية توجد بين الليسي و الجامعة ، على غرار « الاعداديات » الأمريكية . ليست المقاربة بالكفايات خاصية فرنسية على ما يبدو ، بالرغم من أخذها هئية سداسية بالاعدادي ، داخل تعريف فرنسي هذه المرة . في الحقيقة ، إن قضية الكفايات و كذا علاقة المعارف بالكفاية ، هي من صميم بعض عدد من الإصلاحات في عديد من الدول ، و لا سيما في المستوى الثاني . هذا معناه على الأرجح أنه يوجد هنا شيء ما له أهمية . لكن ما المقصود بالضبط ؟
ربما لديكم مثلي إحساس مختلط في آن : أن نكون في قلب الحدث الأساس و في تكرارية غير منقطعة . مدافعين عن العقول المبنية جيدا عوض العقول المملوءة جيدا ، ألم يكن مونتين Montaigne يدافع عن شيء آخر سوى عن أولوية الكفايات على حساب المعارف ؟ أليس الصراع من أجل الكفايات الحقيقية ، بعد نهاية التكوين الاساس ، هو صراع المدارس الحديثة ، ثم مدارس التناوب وجميع التيارات البيداغوجية ؟ بلغة أخرى ، ألسنا نساهم في إعادة فضح محاكمة الموسوعية والمعارف المدرسية التي لا تخدم سوى اجتياز الإمتحانات ؟ بيداغوجي مشهور ، متقاعد حاليا و الذي عرف كل أصناف التجديدات في المدرسة ، منذ العشرينات ، قال ذات يوم بحزن أنه لم يكن متيقنا ، قبل نهاية حياته ، رؤية انتشار مبادئ المدرسة الفعالة بصفة كبيرة التي ناضل و كافح من أجلها منذ ازيد من 50 سنة . كل جيل يعيد فتح النقاش حول البرامج ، و حمولتها ؛ يريد اكتشاف ضرورة الأخذ بعين الحسبان شمولية الشخص ؛ الإصرار على المعنى و دلالة المعارف ، و وضعها في السياق ؛ لديه إحساس ... في الأخير وضع الأصبع على الجرح المشكل العميق و الظفر بالحل . هل تقدمنا فعلا ؟ إن المقاربة بالكفايات بإعادة كتابة البرامج المدرسية من جديد ليس ربما إلا تبدل آخر/ تحول un avatar لـ « طوباوية قديمة جدا : جعل من المدرسة فضاء حيث كل واحد يتعلم فيها حرا طليقا و بذكاء أشياء نافعة في الحياة .
إننا نتوقعه ، الكلام الذي سوف أتحدث عنه لن يكون أيجابيا بالقوة ، على الأقل في مرحلته الأولى . ليس من الحكمة والعقل بالفعل ، عندما تبرز إيتوبيا جديدة و تنتظم ، نتسارع متسائلين بصوت عال الذي يحدث ما هو إلا صوت به « ضجيج بلا فائدة » . أردد بدوري عبارات جميلة حول التربية و أضم صوتي جزئيا إلى الكتاب الذي يساهمون في إعادة للإيتوبيات ذوقها و بعثها إلى الوجود مرة أخرى . مما لا شك فيه ، من الضروري العمل على الدوام أمام جبهية المدرسة مسائلين بعض مبادئها الطموحة ، بل نفضل ، مع هاملين Hameline ، « المناضلين المتأذبين » و لا نصعد إلى قطار آخر للاصلاح عن طريق الموضة إلا بعد تفكير ، لأنها (الايتوبيات ) بكل بساطة توقظ الآمال المدفونة ، خائبة مرات عديدة ، دائما مستعدة للولادة و البعث .
إذا لم يطرأ تغييرا على أبعاد أخرى للنظام التربوي ، إذا لم يتغير أي شيء سوى البرامج او اللغة التي نتحدث بها عن مقاصد التربية ، فإن المقاربة بالكفايات ، كالتجديد للاعداديات ، لن تكون إلا نارا في الهشيم ، و حدثا طارئا في حياة النظام التربوي.
إن النصوص الحديثة حول الاعدادي أو نصوص أخرى ، من ذات القيمة ، في بلدان أخرى ، تستوعب كل ما يمكن قوله بذكاء و حدق حول البرامج المدرسية منطلقين من أعمال و مقترحات علوم التربية و التيارات البيداغوجية . إن النصوص الوزارية ، اليوم ، أصبحت أكثر فأكثر حدلقة و إثارة ، لأنها دونت أو ألهمت من طرف قلة من المستنيرين الايديولوجيين . أيكفي ذلك ؟ هل تترجم البرامج الحديثة المكتوبة من طرف المثقفين أكثر بكثير عن المقاولين أصحاب القرار او المدبرين ، هل ستترجم حقيقة في الممارسات و محتويات التعليم ؟
يتعلق الأمر بقوة التفكير النسقي والإرادة السياسة . لا فائدة في رأيي ، بناء آمال عريضة حول المقاربة بالكفايات لو ، في ذات الوقت :
- 1) إذا لم نعكس في الوضعية العلاقة الموجودة بين الفعل و المعارف
- 2) إذا لم نغير العلاقة اتجاه الثقافة العامة
- 3) إذا لم نحدث في آن واحد نقلا ديداكتيكيا واقعيا و استشرافيا
- 4) إذا لم نراجع المواد التعلمية و استعمالات الزمان
- 5) إذا لم نبدع أشكالا جديدة في التقويم
- 6) إذا أغمضنا العين عن الهدر المدرسي و نستمر في بناء المقررات على الرمال
- 7) إذا لم نعمل على تكوين المدرسين
سيبدو هذا الجرد إعجازي بدون شك . الهدف منه ببساطة هو توضيح أن حدث المقاربة بالكفايات سيكون لديه بالأولى معنى عندما نضعه فورا و بكل وضوح مع مكونات أخرى عديدة للنظام التربوي .
بناء الجديد انطلاقا من القديــم
من الممكن أن يؤدي مفهوم الكفاية إلى الضياع في تحليل غارق في التجريد ، فضلا عن ذلك فهو صعب القيادة ، لأن المفردات ذاتها مثل « كفايات » و « معارف » و « أسيسة » ، هي تعابير متنوعة الدلالات و ليست مفاهيم قارة و محددة ؛ لسنا متيقنين التحدث دائما عن نفس المادة عندما نريد استعمالها ، ونستغرق من الوقت كله في الشرح و التفسير دونما الوصول إلى شيء بالملموس . يقترح روي Rey ( 1996 ) تركيبا أكثر قناعة حول الحالة الراهنة للأدبيات و المفاهيم المتعلقة بالموضوع ... ليستنتج ما مفاده أن الكفايات المستعرضة Transversales لا وجود لها في واقع الأمر ، أو أن كل كفاية حينذاك هي مستعرضة من حيث ارتباطها بوضعيات متشابهة ، لكن ليست عينها بالذات . أنضم جزئيا إلى هذا الطرح : الكفايات ممتعة لأنها تسمح بالتصدي لعائلة من الوضعيات المعقدة انطلاقا من الموارد المعرفية المختلفة ، ومن بينها تلوح المعارف العالمة ، متحدرة من مادة تعليمية واحدة او من عدة مواد ، و المعارف الأقل عرفانا ، التي لا تقيد في سجل التقطيعات للمواد الكلاسيكية .
بالامكان تلخيص مفهوم الكفاية في فكرة بسيطة : إذا كان الكائن البشري ، من أجل التصرف ، لا يملك ما عدا المعارف كمورد وحيد ، فإنه سوف لن يفلح في التحكم في أي وضعية معقدة ، بالاحرى لما يطلب منه اتخاذ قرار فوري أو العمل بسرعة . من يجرؤ استيداع صحته عند طبيب ما عمل سوى على قراءة جميع كتب الطب و التشريح ، والفيزيولوجية و الصيدلة ؟ نظريته لا تكفي رغم سعتها بجعله إكلينيكيا مقتدرا ، أي قادرا على التشخيص الملائم و الدقيق و بناء استراتيجية استشفائية ناجعة ، قبل أن يسيطر المرض على المريض أو يشفى كلية بشكل فجائي . إن العالم يتحرك ، و الوضعيات متفردة ، متطورة ، متشابكة ، لا نحصل على جميع المعلومات أبدا ، جميع المعارف ، جميع الوسائل ، جميع اليقينيات التي تسمح باستنباط فعل او تصرف من مجموعة كاملة و تامة ، دقيقة و منسجمة من خلال المقدمات المنطقية . إن الكفاية لها نصيب يرتبط بالارتجال ، بالهواية ، بالحدس ، بالاشراق ، بالفكر التركيبي بالقرار ، بالثقة في النفس و بالجرأة ( بيرنو Perrenoud 1996 ، 1994 a/ ).
لتكن كفاية – طبية ام شيئا آخر – تذهب إلى ما وراء المعارف هذا لا يعني أنها تخلت عنها و أدرات الظهر ، بل العكس ! غالبا ما نحتاج إلى المعرفة و المعارف لمواجهة الوضعيات الفريدة ، والملموسة ، و المعقدة . و مع ذلك ، تأتي لحظة حيث يجب فيها أن يتخذ قرار ، حصول على نتيجة ذات نفع مادي ، لن تكون هذه اللحظة مملاة كلية من قبل المعارف التنظيرية التأكيدية . لو كانت المعرفة مفتاحا لمعقولية العالم و تلمساته ، فإنها غير كافية لضمان التحكم فيه على الصعيد التطبيقي و الممارساتي ، و خاصة لما تستدعي الوضعية قرارا فوريا .
الكفاية المجندة لموارد متعددة قصد مواجهة وضعية متفردة ، هي معرفة-معبأة mobilisable savoir-( لوبطرف Le Boterf (1994 ). هل هناك إذن قدر من الكفايات مساو لعدد من الوضعيات ؟ إنها لأحدى المناقشات المفتوحة اليوم و هي ليست بالأمر السهل إطلاقا . كل أحد مدعو بأن يتموضع بين المفهومين المتطرفين : كل وضعية تتطلب كفاية من نوع خاص بالنسبة للبعض ، و بالتالي لا شيء يمكن أن يعمم أو يحول ؛ بالنسبة للبعض الاخر عكس ذلك ، بإمكاننا مواجهة كل الوضعيات ملتمسين فقط بعض القدرات العامة جدا : كالذكاء ، و قوة التلاؤم ، و قدرة التصور ، و قدرة التخاطب ، وحل المشكلات . هذان الموقفان المتطرفان يعكسان بعض الحقائق : توجد أشياء لا نتقن عملها لأننا فقط قد خبرناها في السابق ، لأنها تمتاز بالخصوصية و الصعوبة الكبيرتين إلى حد أن التحويل كان ضعيفا جدا . بينما توجد وضعيات غير متوقعة بسيطة نستطيع التغلب عليها بدون استعداد كبير او جهد يستحق الذكر ، كوننا مجرد ملاحظين ، منتبيهن و « أذكياء »
في الحقيقة إن مفهوم الكفاية ليس ممتعا إلا بتواجدنا بين الحالتين ، المتفردتين بالقوة و المعقدتين بغية السيطرة عليهما باللجوء إلى الحس العام فقط ، غير أن الفرد مع ذلك يمكن أن يركن إلى عائلة من الوضعيات – المشاكل و يرتبط بها ، الأمر الذي يجيز له استعمال بعض من الأدوات و الوسائل ، من الإجراءات ، من الخطط ، من طرق التفكير ، و القرار و العمل .
يذكر روي Rey (1996 ) أن الكفاية بالنسبة لـ تشومسكي Chomsky هي « قدرة لا محدودة في الانتاج » ، أي النطق بعدد غير محدد من الجمل المختلفة . يمكننا القول أن الكفاية تسمح بإنتاج غير محدود من الأفعال غير المبرمجة و التي لن تصبح معروفة في الحقيقة إلا بتحققها كاملة . بصفة عامة لا أحد يعرف ما هي الجمل التي سوف ينطق بها عما قريب ، ولا أي إشارة سوف يستخدم . لن يستنفذ اقواله ، و لا حركاته ، بداخل قاموسه ، حيث ينتظر الجميع إرادته الحرة . لا يحتاج الكائن البشري بأن يستحفظ في حضورية نفسه الكتاب الضخم الجامع كل الجمل التي تدفعه كي يتكلم « في يوم من الأيام »، لأن مقدرته على الابداع كبيرة . ستكون الكفاية ، كما تصورها تشومسكي ، هي هذه القدرة الارتجالية و الابداعية في التجديد على الدوام .
انطلاقا من هذا المنظور ، فالكفاية ستكون خاصية الجنس البشري ، إنها قدرة خلق أجوبة بعيدا من الغوص في القاموس . نتموضع انذاك في قلب السيكولوجية و الأنتروبولوجية المعرفية ، معترفين أن ما يؤسس خاصية الجنس البشري ( نسبة إلى الأجناس الحيوانية ) ، هي بعض من إمكانات التعلم و تحويل التعلمات ، و تبعا لذلك قوة او ضعف هذا الكائن . نجد انفسنا هنا امام نظرية الانسان ككائن متعلم ، قادر في الآن نفسه على المتغيرات و التكرارات ، على الثوابت و الابداعات .
يوجد خلط محتمل في المستويات . لدى الكائنات البشرية قدرة طبيعية ، أصيلة و متأصلة في جينها الوراثي لكي تبني الكفايات. و مع ذلك فوق هذا ، فإن أية كفاية خاصة لا تبنى من تلقاء نفسها ، بمشيئة نضج الجهاز العصبي بالتمام . من الواجب علينا تعلم الكلام ، بالرغم أننا قادرين على ذلك وراثيا . الكفاية لا تمنح بداية . إنها افتراضية ، و من الضروري تحويلها إلى كفاية واقعية بواسطة التعلمات التي لا تنتج اوتوماتيكيا ، و لا بنفس القياس لدى الجميع . إزاء عائلة من الوضعيات المتشابهة ، الكفاية تبنى .
هذا الارتباط بالعائلة يسمح بمجابهة الوضعيات المجهولة بنجاح ، الذي بدوره ، مع قليل من الحدس القياسي ، يسمح بموبلة الموارد ( معارف ، شيمات ، مواقف ) المستخدمة او الموضوعة للاختبار و ذلك تبعا للتجارب السابقة . إن هذه الموارد لا تجيز دائما البناء الفوري لجواب ملائم ، لا تندمج في الفعل المستحدث إلا بثمن جهد التحويل ( مندلسن Mendelson 1996 – بيرنو Perrenoud 1997 ). هذه الوظيفة المعرفية في ذات الوقت هي من طبيعة نظام تكراري و ابداعي ، إن الكفاية تجند التجارب السابقة و كل المكتسبات المتنوعة ، لكي تخترع حلولا جزئية أصيلة ، أجوبة مناسبة للوضعية الجديدة المتفردة . الفعل الكفء هو إذن « اختراع معدل » ، تغيير حول المواضيع معروفة جزئيا ، شكل من إعادة استثمار لما سبق معايشته ، سبق رؤيته ، سبق استيعابه أو التحكم فيه لمواجهة وضعيات متشابهة لكيلا نصبح مجردين كلية من الموارد على وجه التدقيق .
إن الكفايات هي أساس النظم و العلاقات الاجتماعية . في المجتمع الحيواني ، تمنع برمجية السلوكات أي اختراع أو إبداع و أقل تشويش من الخارج من شأنه إفساد الخلية ، مثلا ، التي نظمت كآلة من الصنع و الدقة . اما المجتمعات الانسانية ، عكس ذلك ، فهي مجتمعات تتصف بالضبابية و هي تنظيمات قابلة للتفاوض ، فلا تدور كالساعات و تقبل مقابل ذلك جانبا مهما من الفوضى و الشك و الارتياب ، الأمر الذي ليس قدرا مقضيا لأن الفاعلين هم في نفس الوقت قادرون على إبداع و ابتكار الجديد.
تضعنا الحياة أمام وضعيات جديدة محاولين التغلب عليها بدون أدنى جهد و مشقة ، و ذلك فقط بالتزود من مكتسباتنا و تجاربنا الماضية ، التجديد من جهة و التكرارية من جهة أخرى . نصيب هام من ظروفنا الحياتية هو من هذا القبيل . فحياتنا ليست مقولبة بالفعل حتى يحصل لدينا تماما في كل يوم نفس التصرفات ، ونفس القرارات المتخذة ، ونفس المعضلات التي تبحث عن الحل . و الأمر نفسه ، حياتنا لسيت فوضوية او متغيرة بنفس الحدة حتى نسعى في بلبلتها كل يوم . إن الحياة الانسانية تجد لنفسها توازنا – يتغير من شخص إلى آخر ، و من مرحلة إلى أخرى - بين الحلول الروتينية للوضعيات المتشابهة و الحلول المقترحة للمعضلات الجديدة ( على الأقل بالنسبة لنا ) . إن كفاياتنا تجيز لنا ملاقاة الوضعيات الفريدة مع بعض أو جزء من الاستمرارية ؛ هذه الوضعيات لم نألفها ، لكن ليست قط غريبة عنا حتى لتكاد تكون مجهولة و تستلزم بالتالي تعلما جديدا .
سأطرح فكرة مفادها أن لا وجود لكفاية إن لم تمر عبر الفعل و عن وظيفة التعقل في مستواها الأدنى . يتساءل الفاعل مرتبكا بعض الشيء : هل سبق لي معايشة هذه الوضعية المماثلة ؟ ماذا فعلت وقتئذ ؟ هل سيكون الحل ملائما اليوم ؟ ما هي المرتكزات الضرورية لملاءمة ممارساتي ؟ مذ إن حيث ندرك ما الواجب القيام به بدون تفكير ، لأننا قمنا به في السابق ، فإننا ما عدنا مصبحين أبدا في ميدان الكفايات ذات المستوى الرفيع ، لكن في المهارة Skill ، العادة ، في خطاطات الفعل الأوتوماتيكي .
إن مفهوم الكفاية لا ينتمي إلى عالم المدرسة بداية ، ينتمي لعالم المنظمات ، وعالم الشغل ، و التفاعلات الاجتماعية . ما عاد مفهوما بيداغوجيا إلا عندما أردنا بناءه داخل الوضعيات الديداكتيكية بشكل إرادي . من العبث العمل كأنما المدرسة هي التي اكتشفت هذا المفهوم و هذا المشكل . يهدف بناء الكفايات البشرية دائما ، و خاصة في المدرسة ، منذ زمان بعيد ، إلى تنمية الكفايات . و عليه فإن المقاربة هاته « بالكفايات » لم تقم سوى بتعميق هذا الاتجاه .
لماذا هذا التأكيد اليوم ؟ هؤلاء الذين طالبوا المدرسة بأن تبني الكفايات في المقام الأول في كل العصور ، ينتمون إلى الدوائر الملتصقة بالمدرسة التحررية أشد الإلتصاق عموما ، و بالمجتمع الديمقراطي ، و بالكائنات البشرية القادرة على الفكر و تنظيم الحياة بشكل مستقل . لو صار هذا الانشغال لغة النظام على مستوى الأنظمة التربوية كلها في العشرية الأخيرة من القرن ، فمرد ذلك ليس هو عودة الايتوبيات Utopies : تطور العالم ، الحدود ، التكنولوجيات ، الموضة ، كل هذا اقتضى مرونة و إبداعا مستمرين من قبل الانسان ، داخل المعمل و في المدينة . انطلاقا من هذه الروح ، نلزم المدرسة أحيانا بالمهمة الأولى في تنمية الذكاء ، بالمعنى « البياجيتي » للكلمة ، أي كقدرة متعددة الأشكال للتكيف زائد التنويعات و التغييرات . لا يذهب الاشتغال بالكفايات بعيدا جدا عن هذا الطرح . فهو لا يلغي المحتويات ، ولا المواد التعلمية ، لكن لا يتصور في آن واحد أن لا نغير أي شيء في الممارسات حالما نتبنى قاموسا جديدا لكتابة البرامج .
يتأسس إذن التوجه نحو المقاربة بالكفايات على الاستمرارية في دفعة واحدة ، لأن المدرسة ما طمعت في أي شيء آخر و ما طمحت التغيير و لا حتى القطيعة ، لأن الروتين الديداكتيكي و البيداغوجي ، و الحواجز المقامة بين المواد ، و تقطيع البرامج ، و ثقل التقويم و الانتقاء ، و إكراهات التنظيم التربوي ، و ضرورة تألية حرفة التلميذ كل هذا أدى إلى بيداغوجيات و ديداكتيكيات لا تخدم في بعض الأحيان أبدا بناء الكفايات ، أو فقط التفوق في الامتحانات ... لا يكمن التغيير في إبراز فكرة الكفاية في المدرسة ، لكن بل القبول أن « بداخل كل برنامج مبني على تنمية الكفايات ، فإن هذه الأخيرة لها سلطة تدبيرية على المعارف التعلمية » (طارديف Tardif 1996 ، ص :45 ). في إحالة إلى جيلي( Gillet ، 1991 )، يقترح طارديف بأن تكون الكفاية « المَعْلَمة الكبيرة في تخطيط و تنظيم التكوين » ((ص :38 ، مكرر ) . هذه الأطروحات موجهة نحو اكتساب الكفايات ، و هي التي قدمت أيضا من قبل التكوين المهني .
إنه لمن باب الغرور أن نقترح اليوم « ديداكتيك الكفايات » ، غير أنه لا أحد تماما يعرف كيف تبنى الكفايات و نتعب في تحديدها بشكل تواطئ . رغم هذه الضبابية ، من المهم التحدث عنها ، علما أننا نعين حقلا من المشاكل المفتوحة بدل نموذج مفاهيمي قار . الاستيعاب سيكون أوفر و خاصة أن الناس سيفكرون في كفايات المواد التعلمية المستهدفة من جانب التكوين الأساس و من أليات التكوين المماثلة .
عندما تصبح العلوم الانسانية و العلوم المعرفية متقدمة أكثر ، يقوى لدينا إدراك هذا الأمر بكل وضوح بلا ريب . لكن اليوم ، لا نستطيع في الحقيقة قول أننا نعمل على أرضية صلبة . الأمر ليس مريحا لكن نكرانه سيكون أيضا أسوأ و نستمر في العمل كأنما ندرك تماما كيف يتكون العقل و الكفايات التأسيسة . إن إصلاح الاعدادي و النقاش الدائر حول المدرسة حاليا يؤدي بنا إلى الأسئلة النظرية العميقة ، المتعلقة خاصة بطبيعة و نشوء قدرة الكائن البشري في مواجهة الوضعيات الفريدة .
بالتوازي مع هذا النقاش العميق ، من اللائق قياس التضمينات لمقاربة الكفايات مع الوظيفة البيداغوجية و الديداكتيكية في شموليتها .
بين الموضــة و الفشل المدرسي
فليب بيرينو Philippe Perrenoud
الموجز :
بناء الجديد انطلاقا من القديم
- لا حديث عن الكفايات ... إذا لم نعكس في الوضعية العلاقة الموجودة بين الفعل و المعارف
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نغير العلاقة اتجاه الثقافة العامة
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نحدث في آن واحد نقلا ديداكتيكيا واقعيا و استشرافيا
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نراجع المواد التعلمية و استعمالات الزمان
- لا حديث عن الكفايات...إذا اكتفينا بسلك دراسي كامل في انتظار السلك الآتي
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نغير بشكل جذري طريقة التدريس و فعل التعلم
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نبدع أشكالا جديدة في التقويم
- لا حديث عن الكفايات...إذا أغمضنا العين عن الهدر المدرسي و نستمر في بناء المقررات على الرمال
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نعمل على تكوين المدرسين
- الفكر النسقي la pensée systémique ليس فكرا سلبيا
أعتقد أن كتابة البرامج بلغة الكفايات كأي إصلاح نظام تربوي آخر ، يجب ان يكون واضحا كل الوضوح و مرتبطا بالصراع ضد الفشل المدرسي أشد الارتباط . ليس معنى هذا أن أي إصلاح خال من الفائدة المرجوة . من الممكن أن نستهدف تحديث النظام التربوي او البرامج ، و اللاتمركز ، و مهننة حرفة التدريس و لا نتطرق لصعوبات التعلم و نضعها في مركز الاهتمام . يبقى أن المشكل الرئيس في المدرسة ، أي ذلك الذي يقاوم الاصلاحات المتعاقبة منذ عشرات السنين ، هو صعوبة تعليم كل واحد ، بحيث يصل الجميع على الأقل ، عند عتبة سن البلوغ ، إلى درجة مقبولة من الثقافة و الكفايات ، في عالم الشغل كما في عالم الحياة .
كنا لا نعير أي اهتمام للهدر المدرسي المتواصل عند أطفال الطبقات الدنيا قبل الستينات ، كان ذلك أمرا طبيعيا و كان فضلا عن ذلك و لفترة طويلة من الزمن مخفيا في تركيبة مدرسية ذات شبكتين محوجزتين ، إحداهما تهم الطبقة الشعبية مؤدية إلى الحياة العملية ، والأخرى نخبوية تهيئ للدراسات المعمقة طويلة الآمد (1985 ، جاماتي-إزمبير Jamati- Isambert ). منذ ان أصبح النظام التربوي مدمجا و التربية اتخذت صفة الاستثمار ، أصبح الهدر المدرسي قضية مجتمعية . زعمت الاصلاحات المدرسية المتعاقبة باستمرار القضاء على اللامساواة في المدرسة ، تحدوها نية « دمقرطة التعليم » . إن نسب التمدرس تزداد بشكل مرتفع ، و عمر الدراسات لم يتوقف ، غير ان المهم لم يحصل : يدفع الرسوب البعض في اتجاه الشعب الاقل أهمية ، « يسقطون في المصيدة » ، يتوجهون نحو الحياة العملية أو إلى البطالة ، بدون شهادة او دبلوم أو مع امتلاك حد أدنى من المعارف ؛ يتابع البعض الآخر الدراسات العليا و يلفظون من النظام التربوي حاملين معهم شهادات جامعية . لقد تغيرت صور للامساواة ، لأن طبقات المجتمع قد تحولت و نما التمدرس بشكل عام ، لكن ارتباط النجاح بأصله الأجتماعي لا يزال قويا و حاضرا .
إن قضية فيما إذا كان الهدر المدرسي هو نتاج التلميذ او المدرسة قد وزع الفاعلين اليوم . من شعور مريح و تام بالمطلق ، قائم أساسا على إيديولوجية المنح و العطاء مشرعا عدم القدرة على التعلم ، انتقلنا إلى حتمية « الإعاقة السوسيو الثقافية » الأقل ارتياحا ، ثم بعد ذلك إلى الوعي باعتباطية المعيار المدرسي ، أي من عدم الاكثرات إلى الاختلافات ، الوظائف التعليمية المنتجة للطبقات و الهراركيات المجتمعية . بدءا من 1970 ، تتعايش إيديولوجية المنح و العطاء مع بيداغوجية التعويض و بعض الدراسات النقدية الجريئة . تتجاهل فيما بينها حسب الزمان و المكان و تتصارع في الخفاء او تتقابل في العلن . بحيث ان الاصلاحات المدرسية لأسباب متعددة هي خدعة un leurre بالنسبة للبعض ، و مناسبة حقيقية للسير قدما نحو دمقرطة التعليم بالنسبة للبعض الآخر . هي أيضا مناسبة متواضعة لتحديث البرامج و الهياكل لأناس آخرين .
إذا ما تم القبول لإصلاح تربوي ما ، و انطلقت أشغاله و أرفق بنتيجة إلى حد ما ، فلأنه تلقى مساندة من طرف الرأى العام ، و الطبقة السياسية ، و رجالات المدرسة . ينبني الاصلاح إذن بالضرورة على التوافقات و المساومات ، إن روح الإصلاح هو بمثابة فندق إسباني . لهذا السبب ، لا يكفي القول بأننا ننخرط في المقاربة بالكفايات ، بل يجب القول لماذا ؟
أعتقد من جهتي أن إصلاح البرامج ليس رهانا رئيسيا في الحقيقة إذا لم يجن اليوم ربحا لفائدة التلاميذ الذين لا ينجحون في المدرسة . إن التلاميذ الذين يمتلكون الرأسمال الثقافي و في حالة استعداد أكثر و التأطير الجيد من طرف أسرهم هم الذين سوف يتابعون دراساتهم بدون شك ، أيا كان النظام التربوي . التلاميذ « المتوسطون » سيقتلعون إبرهم من اللعبة ، بفضل التكرارات المحتملة او التغييرات التوجيهية . أما مصير التلاميذ الذي يعانون من الصعوبات الحقيقية هو الذي يدفعنا بأن نقيس نجاعة الاصلاحات . هل يوجد ما يربحونه من هذه التيارات الجارية التي تفضل معاودة صياغة البرامج بتعابير الكفايات ؟
تتظاهر هذه التيارات و الحركات في الدول الأنجلوساكسونية و غزت دول العالم الفرنكوفوني . في بلجيكا ، استحكم التعليم الكاثوليكي في المقدمة ، منذ فترة طويلة . في كيبيك ، عملت المقاربة بالكفاية على صياغة برنامج « الاعدادي » بالكامل ، صيغته الكندية توجد بين الليسي و الجامعة ، على غرار « الاعداديات » الأمريكية . ليست المقاربة بالكفايات خاصية فرنسية على ما يبدو ، بالرغم من أخذها هئية سداسية بالاعدادي ، داخل تعريف فرنسي هذه المرة . في الحقيقة ، إن قضية الكفايات و كذا علاقة المعارف بالكفاية ، هي من صميم بعض عدد من الإصلاحات في عديد من الدول ، و لا سيما في المستوى الثاني . هذا معناه على الأرجح أنه يوجد هنا شيء ما له أهمية . لكن ما المقصود بالضبط ؟
ربما لديكم مثلي إحساس مختلط في آن : أن نكون في قلب الحدث الأساس و في تكرارية غير منقطعة . مدافعين عن العقول المبنية جيدا عوض العقول المملوءة جيدا ، ألم يكن مونتين Montaigne يدافع عن شيء آخر سوى عن أولوية الكفايات على حساب المعارف ؟ أليس الصراع من أجل الكفايات الحقيقية ، بعد نهاية التكوين الاساس ، هو صراع المدارس الحديثة ، ثم مدارس التناوب وجميع التيارات البيداغوجية ؟ بلغة أخرى ، ألسنا نساهم في إعادة فضح محاكمة الموسوعية والمعارف المدرسية التي لا تخدم سوى اجتياز الإمتحانات ؟ بيداغوجي مشهور ، متقاعد حاليا و الذي عرف كل أصناف التجديدات في المدرسة ، منذ العشرينات ، قال ذات يوم بحزن أنه لم يكن متيقنا ، قبل نهاية حياته ، رؤية انتشار مبادئ المدرسة الفعالة بصفة كبيرة التي ناضل و كافح من أجلها منذ ازيد من 50 سنة . كل جيل يعيد فتح النقاش حول البرامج ، و حمولتها ؛ يريد اكتشاف ضرورة الأخذ بعين الحسبان شمولية الشخص ؛ الإصرار على المعنى و دلالة المعارف ، و وضعها في السياق ؛ لديه إحساس ... في الأخير وضع الأصبع على الجرح المشكل العميق و الظفر بالحل . هل تقدمنا فعلا ؟ إن المقاربة بالكفايات بإعادة كتابة البرامج المدرسية من جديد ليس ربما إلا تبدل آخر/ تحول un avatar لـ « طوباوية قديمة جدا : جعل من المدرسة فضاء حيث كل واحد يتعلم فيها حرا طليقا و بذكاء أشياء نافعة في الحياة .
إننا نتوقعه ، الكلام الذي سوف أتحدث عنه لن يكون أيجابيا بالقوة ، على الأقل في مرحلته الأولى . ليس من الحكمة والعقل بالفعل ، عندما تبرز إيتوبيا جديدة و تنتظم ، نتسارع متسائلين بصوت عال الذي يحدث ما هو إلا صوت به « ضجيج بلا فائدة » . أردد بدوري عبارات جميلة حول التربية و أضم صوتي جزئيا إلى الكتاب الذي يساهمون في إعادة للإيتوبيات ذوقها و بعثها إلى الوجود مرة أخرى . مما لا شك فيه ، من الضروري العمل على الدوام أمام جبهية المدرسة مسائلين بعض مبادئها الطموحة ، بل نفضل ، مع هاملين Hameline ، « المناضلين المتأذبين » و لا نصعد إلى قطار آخر للاصلاح عن طريق الموضة إلا بعد تفكير ، لأنها (الايتوبيات ) بكل بساطة توقظ الآمال المدفونة ، خائبة مرات عديدة ، دائما مستعدة للولادة و البعث .
إذا لم يطرأ تغييرا على أبعاد أخرى للنظام التربوي ، إذا لم يتغير أي شيء سوى البرامج او اللغة التي نتحدث بها عن مقاصد التربية ، فإن المقاربة بالكفايات ، كالتجديد للاعداديات ، لن تكون إلا نارا في الهشيم ، و حدثا طارئا في حياة النظام التربوي.
إن النصوص الحديثة حول الاعدادي أو نصوص أخرى ، من ذات القيمة ، في بلدان أخرى ، تستوعب كل ما يمكن قوله بذكاء و حدق حول البرامج المدرسية منطلقين من أعمال و مقترحات علوم التربية و التيارات البيداغوجية . إن النصوص الوزارية ، اليوم ، أصبحت أكثر فأكثر حدلقة و إثارة ، لأنها دونت أو ألهمت من طرف قلة من المستنيرين الايديولوجيين . أيكفي ذلك ؟ هل تترجم البرامج الحديثة المكتوبة من طرف المثقفين أكثر بكثير عن المقاولين أصحاب القرار او المدبرين ، هل ستترجم حقيقة في الممارسات و محتويات التعليم ؟
يتعلق الأمر بقوة التفكير النسقي والإرادة السياسة . لا فائدة في رأيي ، بناء آمال عريضة حول المقاربة بالكفايات لو ، في ذات الوقت :
- 1) إذا لم نعكس في الوضعية العلاقة الموجودة بين الفعل و المعارف
- 2) إذا لم نغير العلاقة اتجاه الثقافة العامة
- 3) إذا لم نحدث في آن واحد نقلا ديداكتيكيا واقعيا و استشرافيا
- 4) إذا لم نراجع المواد التعلمية و استعمالات الزمان
- 5) إذا لم نبدع أشكالا جديدة في التقويم
- 6) إذا أغمضنا العين عن الهدر المدرسي و نستمر في بناء المقررات على الرمال
- 7) إذا لم نعمل على تكوين المدرسين
سيبدو هذا الجرد إعجازي بدون شك . الهدف منه ببساطة هو توضيح أن حدث المقاربة بالكفايات سيكون لديه بالأولى معنى عندما نضعه فورا و بكل وضوح مع مكونات أخرى عديدة للنظام التربوي .
بناء الجديد انطلاقا من القديــم
من الممكن أن يؤدي مفهوم الكفاية إلى الضياع في تحليل غارق في التجريد ، فضلا عن ذلك فهو صعب القيادة ، لأن المفردات ذاتها مثل « كفايات » و « معارف » و « أسيسة » ، هي تعابير متنوعة الدلالات و ليست مفاهيم قارة و محددة ؛ لسنا متيقنين التحدث دائما عن نفس المادة عندما نريد استعمالها ، ونستغرق من الوقت كله في الشرح و التفسير دونما الوصول إلى شيء بالملموس . يقترح روي Rey ( 1996 ) تركيبا أكثر قناعة حول الحالة الراهنة للأدبيات و المفاهيم المتعلقة بالموضوع ... ليستنتج ما مفاده أن الكفايات المستعرضة Transversales لا وجود لها في واقع الأمر ، أو أن كل كفاية حينذاك هي مستعرضة من حيث ارتباطها بوضعيات متشابهة ، لكن ليست عينها بالذات . أنضم جزئيا إلى هذا الطرح : الكفايات ممتعة لأنها تسمح بالتصدي لعائلة من الوضعيات المعقدة انطلاقا من الموارد المعرفية المختلفة ، ومن بينها تلوح المعارف العالمة ، متحدرة من مادة تعليمية واحدة او من عدة مواد ، و المعارف الأقل عرفانا ، التي لا تقيد في سجل التقطيعات للمواد الكلاسيكية .
بالامكان تلخيص مفهوم الكفاية في فكرة بسيطة : إذا كان الكائن البشري ، من أجل التصرف ، لا يملك ما عدا المعارف كمورد وحيد ، فإنه سوف لن يفلح في التحكم في أي وضعية معقدة ، بالاحرى لما يطلب منه اتخاذ قرار فوري أو العمل بسرعة . من يجرؤ استيداع صحته عند طبيب ما عمل سوى على قراءة جميع كتب الطب و التشريح ، والفيزيولوجية و الصيدلة ؟ نظريته لا تكفي رغم سعتها بجعله إكلينيكيا مقتدرا ، أي قادرا على التشخيص الملائم و الدقيق و بناء استراتيجية استشفائية ناجعة ، قبل أن يسيطر المرض على المريض أو يشفى كلية بشكل فجائي . إن العالم يتحرك ، و الوضعيات متفردة ، متطورة ، متشابكة ، لا نحصل على جميع المعلومات أبدا ، جميع المعارف ، جميع الوسائل ، جميع اليقينيات التي تسمح باستنباط فعل او تصرف من مجموعة كاملة و تامة ، دقيقة و منسجمة من خلال المقدمات المنطقية . إن الكفاية لها نصيب يرتبط بالارتجال ، بالهواية ، بالحدس ، بالاشراق ، بالفكر التركيبي بالقرار ، بالثقة في النفس و بالجرأة ( بيرنو Perrenoud 1996 ، 1994 a/ ).
لتكن كفاية – طبية ام شيئا آخر – تذهب إلى ما وراء المعارف هذا لا يعني أنها تخلت عنها و أدرات الظهر ، بل العكس ! غالبا ما نحتاج إلى المعرفة و المعارف لمواجهة الوضعيات الفريدة ، والملموسة ، و المعقدة . و مع ذلك ، تأتي لحظة حيث يجب فيها أن يتخذ قرار ، حصول على نتيجة ذات نفع مادي ، لن تكون هذه اللحظة مملاة كلية من قبل المعارف التنظيرية التأكيدية . لو كانت المعرفة مفتاحا لمعقولية العالم و تلمساته ، فإنها غير كافية لضمان التحكم فيه على الصعيد التطبيقي و الممارساتي ، و خاصة لما تستدعي الوضعية قرارا فوريا .
الكفاية المجندة لموارد متعددة قصد مواجهة وضعية متفردة ، هي معرفة-معبأة mobilisable savoir-( لوبطرف Le Boterf (1994 ). هل هناك إذن قدر من الكفايات مساو لعدد من الوضعيات ؟ إنها لأحدى المناقشات المفتوحة اليوم و هي ليست بالأمر السهل إطلاقا . كل أحد مدعو بأن يتموضع بين المفهومين المتطرفين : كل وضعية تتطلب كفاية من نوع خاص بالنسبة للبعض ، و بالتالي لا شيء يمكن أن يعمم أو يحول ؛ بالنسبة للبعض الاخر عكس ذلك ، بإمكاننا مواجهة كل الوضعيات ملتمسين فقط بعض القدرات العامة جدا : كالذكاء ، و قوة التلاؤم ، و قدرة التصور ، و قدرة التخاطب ، وحل المشكلات . هذان الموقفان المتطرفان يعكسان بعض الحقائق : توجد أشياء لا نتقن عملها لأننا فقط قد خبرناها في السابق ، لأنها تمتاز بالخصوصية و الصعوبة الكبيرتين إلى حد أن التحويل كان ضعيفا جدا . بينما توجد وضعيات غير متوقعة بسيطة نستطيع التغلب عليها بدون استعداد كبير او جهد يستحق الذكر ، كوننا مجرد ملاحظين ، منتبيهن و « أذكياء »
في الحقيقة إن مفهوم الكفاية ليس ممتعا إلا بتواجدنا بين الحالتين ، المتفردتين بالقوة و المعقدتين بغية السيطرة عليهما باللجوء إلى الحس العام فقط ، غير أن الفرد مع ذلك يمكن أن يركن إلى عائلة من الوضعيات – المشاكل و يرتبط بها ، الأمر الذي يجيز له استعمال بعض من الأدوات و الوسائل ، من الإجراءات ، من الخطط ، من طرق التفكير ، و القرار و العمل .
يذكر روي Rey (1996 ) أن الكفاية بالنسبة لـ تشومسكي Chomsky هي « قدرة لا محدودة في الانتاج » ، أي النطق بعدد غير محدد من الجمل المختلفة . يمكننا القول أن الكفاية تسمح بإنتاج غير محدود من الأفعال غير المبرمجة و التي لن تصبح معروفة في الحقيقة إلا بتحققها كاملة . بصفة عامة لا أحد يعرف ما هي الجمل التي سوف ينطق بها عما قريب ، ولا أي إشارة سوف يستخدم . لن يستنفذ اقواله ، و لا حركاته ، بداخل قاموسه ، حيث ينتظر الجميع إرادته الحرة . لا يحتاج الكائن البشري بأن يستحفظ في حضورية نفسه الكتاب الضخم الجامع كل الجمل التي تدفعه كي يتكلم « في يوم من الأيام »، لأن مقدرته على الابداع كبيرة . ستكون الكفاية ، كما تصورها تشومسكي ، هي هذه القدرة الارتجالية و الابداعية في التجديد على الدوام .
انطلاقا من هذا المنظور ، فالكفاية ستكون خاصية الجنس البشري ، إنها قدرة خلق أجوبة بعيدا من الغوص في القاموس . نتموضع انذاك في قلب السيكولوجية و الأنتروبولوجية المعرفية ، معترفين أن ما يؤسس خاصية الجنس البشري ( نسبة إلى الأجناس الحيوانية ) ، هي بعض من إمكانات التعلم و تحويل التعلمات ، و تبعا لذلك قوة او ضعف هذا الكائن . نجد انفسنا هنا امام نظرية الانسان ككائن متعلم ، قادر في الآن نفسه على المتغيرات و التكرارات ، على الثوابت و الابداعات .
يوجد خلط محتمل في المستويات . لدى الكائنات البشرية قدرة طبيعية ، أصيلة و متأصلة في جينها الوراثي لكي تبني الكفايات. و مع ذلك فوق هذا ، فإن أية كفاية خاصة لا تبنى من تلقاء نفسها ، بمشيئة نضج الجهاز العصبي بالتمام . من الواجب علينا تعلم الكلام ، بالرغم أننا قادرين على ذلك وراثيا . الكفاية لا تمنح بداية . إنها افتراضية ، و من الضروري تحويلها إلى كفاية واقعية بواسطة التعلمات التي لا تنتج اوتوماتيكيا ، و لا بنفس القياس لدى الجميع . إزاء عائلة من الوضعيات المتشابهة ، الكفاية تبنى .
هذا الارتباط بالعائلة يسمح بمجابهة الوضعيات المجهولة بنجاح ، الذي بدوره ، مع قليل من الحدس القياسي ، يسمح بموبلة الموارد ( معارف ، شيمات ، مواقف ) المستخدمة او الموضوعة للاختبار و ذلك تبعا للتجارب السابقة . إن هذه الموارد لا تجيز دائما البناء الفوري لجواب ملائم ، لا تندمج في الفعل المستحدث إلا بثمن جهد التحويل ( مندلسن Mendelson 1996 – بيرنو Perrenoud 1997 ). هذه الوظيفة المعرفية في ذات الوقت هي من طبيعة نظام تكراري و ابداعي ، إن الكفاية تجند التجارب السابقة و كل المكتسبات المتنوعة ، لكي تخترع حلولا جزئية أصيلة ، أجوبة مناسبة للوضعية الجديدة المتفردة . الفعل الكفء هو إذن « اختراع معدل » ، تغيير حول المواضيع معروفة جزئيا ، شكل من إعادة استثمار لما سبق معايشته ، سبق رؤيته ، سبق استيعابه أو التحكم فيه لمواجهة وضعيات متشابهة لكيلا نصبح مجردين كلية من الموارد على وجه التدقيق .
إن الكفايات هي أساس النظم و العلاقات الاجتماعية . في المجتمع الحيواني ، تمنع برمجية السلوكات أي اختراع أو إبداع و أقل تشويش من الخارج من شأنه إفساد الخلية ، مثلا ، التي نظمت كآلة من الصنع و الدقة . اما المجتمعات الانسانية ، عكس ذلك ، فهي مجتمعات تتصف بالضبابية و هي تنظيمات قابلة للتفاوض ، فلا تدور كالساعات و تقبل مقابل ذلك جانبا مهما من الفوضى و الشك و الارتياب ، الأمر الذي ليس قدرا مقضيا لأن الفاعلين هم في نفس الوقت قادرون على إبداع و ابتكار الجديد.
تضعنا الحياة أمام وضعيات جديدة محاولين التغلب عليها بدون أدنى جهد و مشقة ، و ذلك فقط بالتزود من مكتسباتنا و تجاربنا الماضية ، التجديد من جهة و التكرارية من جهة أخرى . نصيب هام من ظروفنا الحياتية هو من هذا القبيل . فحياتنا ليست مقولبة بالفعل حتى يحصل لدينا تماما في كل يوم نفس التصرفات ، ونفس القرارات المتخذة ، ونفس المعضلات التي تبحث عن الحل . و الأمر نفسه ، حياتنا لسيت فوضوية او متغيرة بنفس الحدة حتى نسعى في بلبلتها كل يوم . إن الحياة الانسانية تجد لنفسها توازنا – يتغير من شخص إلى آخر ، و من مرحلة إلى أخرى - بين الحلول الروتينية للوضعيات المتشابهة و الحلول المقترحة للمعضلات الجديدة ( على الأقل بالنسبة لنا ) . إن كفاياتنا تجيز لنا ملاقاة الوضعيات الفريدة مع بعض أو جزء من الاستمرارية ؛ هذه الوضعيات لم نألفها ، لكن ليست قط غريبة عنا حتى لتكاد تكون مجهولة و تستلزم بالتالي تعلما جديدا .
سأطرح فكرة مفادها أن لا وجود لكفاية إن لم تمر عبر الفعل و عن وظيفة التعقل في مستواها الأدنى . يتساءل الفاعل مرتبكا بعض الشيء : هل سبق لي معايشة هذه الوضعية المماثلة ؟ ماذا فعلت وقتئذ ؟ هل سيكون الحل ملائما اليوم ؟ ما هي المرتكزات الضرورية لملاءمة ممارساتي ؟ مذ إن حيث ندرك ما الواجب القيام به بدون تفكير ، لأننا قمنا به في السابق ، فإننا ما عدنا مصبحين أبدا في ميدان الكفايات ذات المستوى الرفيع ، لكن في المهارة Skill ، العادة ، في خطاطات الفعل الأوتوماتيكي .
إن مفهوم الكفاية لا ينتمي إلى عالم المدرسة بداية ، ينتمي لعالم المنظمات ، وعالم الشغل ، و التفاعلات الاجتماعية . ما عاد مفهوما بيداغوجيا إلا عندما أردنا بناءه داخل الوضعيات الديداكتيكية بشكل إرادي . من العبث العمل كأنما المدرسة هي التي اكتشفت هذا المفهوم و هذا المشكل . يهدف بناء الكفايات البشرية دائما ، و خاصة في المدرسة ، منذ زمان بعيد ، إلى تنمية الكفايات . و عليه فإن المقاربة هاته « بالكفايات » لم تقم سوى بتعميق هذا الاتجاه .
لماذا هذا التأكيد اليوم ؟ هؤلاء الذين طالبوا المدرسة بأن تبني الكفايات في المقام الأول في كل العصور ، ينتمون إلى الدوائر الملتصقة بالمدرسة التحررية أشد الإلتصاق عموما ، و بالمجتمع الديمقراطي ، و بالكائنات البشرية القادرة على الفكر و تنظيم الحياة بشكل مستقل . لو صار هذا الانشغال لغة النظام على مستوى الأنظمة التربوية كلها في العشرية الأخيرة من القرن ، فمرد ذلك ليس هو عودة الايتوبيات Utopies : تطور العالم ، الحدود ، التكنولوجيات ، الموضة ، كل هذا اقتضى مرونة و إبداعا مستمرين من قبل الانسان ، داخل المعمل و في المدينة . انطلاقا من هذه الروح ، نلزم المدرسة أحيانا بالمهمة الأولى في تنمية الذكاء ، بالمعنى « البياجيتي » للكلمة ، أي كقدرة متعددة الأشكال للتكيف زائد التنويعات و التغييرات . لا يذهب الاشتغال بالكفايات بعيدا جدا عن هذا الطرح . فهو لا يلغي المحتويات ، ولا المواد التعلمية ، لكن لا يتصور في آن واحد أن لا نغير أي شيء في الممارسات حالما نتبنى قاموسا جديدا لكتابة البرامج .
يتأسس إذن التوجه نحو المقاربة بالكفايات على الاستمرارية في دفعة واحدة ، لأن المدرسة ما طمعت في أي شيء آخر و ما طمحت التغيير و لا حتى القطيعة ، لأن الروتين الديداكتيكي و البيداغوجي ، و الحواجز المقامة بين المواد ، و تقطيع البرامج ، و ثقل التقويم و الانتقاء ، و إكراهات التنظيم التربوي ، و ضرورة تألية حرفة التلميذ كل هذا أدى إلى بيداغوجيات و ديداكتيكيات لا تخدم في بعض الأحيان أبدا بناء الكفايات ، أو فقط التفوق في الامتحانات ... لا يكمن التغيير في إبراز فكرة الكفاية في المدرسة ، لكن بل القبول أن « بداخل كل برنامج مبني على تنمية الكفايات ، فإن هذه الأخيرة لها سلطة تدبيرية على المعارف التعلمية » (طارديف Tardif 1996 ، ص :45 ). في إحالة إلى جيلي( Gillet ، 1991 )، يقترح طارديف بأن تكون الكفاية « المَعْلَمة الكبيرة في تخطيط و تنظيم التكوين » ((ص :38 ، مكرر ) . هذه الأطروحات موجهة نحو اكتساب الكفايات ، و هي التي قدمت أيضا من قبل التكوين المهني .
إنه لمن باب الغرور أن نقترح اليوم « ديداكتيك الكفايات » ، غير أنه لا أحد تماما يعرف كيف تبنى الكفايات و نتعب في تحديدها بشكل تواطئ . رغم هذه الضبابية ، من المهم التحدث عنها ، علما أننا نعين حقلا من المشاكل المفتوحة بدل نموذج مفاهيمي قار . الاستيعاب سيكون أوفر و خاصة أن الناس سيفكرون في كفايات المواد التعلمية المستهدفة من جانب التكوين الأساس و من أليات التكوين المماثلة .
عندما تصبح العلوم الانسانية و العلوم المعرفية متقدمة أكثر ، يقوى لدينا إدراك هذا الأمر بكل وضوح بلا ريب . لكن اليوم ، لا نستطيع في الحقيقة قول أننا نعمل على أرضية صلبة . الأمر ليس مريحا لكن نكرانه سيكون أيضا أسوأ و نستمر في العمل كأنما ندرك تماما كيف يتكون العقل و الكفايات التأسيسة . إن إصلاح الاعدادي و النقاش الدائر حول المدرسة حاليا يؤدي بنا إلى الأسئلة النظرية العميقة ، المتعلقة خاصة بطبيعة و نشوء قدرة الكائن البشري في مواجهة الوضعيات الفريدة .
بالتوازي مع هذا النقاش العميق ، من اللائق قياس التضمينات لمقاربة الكفايات مع الوظيفة البيداغوجية و الديداكتيكية في شموليتها .
عدل سابقا من قبل مبشور في 25/5/2011, 05:24 عدل 1 مرات (السبب : تصحيح)