ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/
ملتقى السماعلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ننهي إلى علم الجميع أن الإشهار خارج عن سيطرة الإدارة
اسالكم الله أن تدعوا بالنصر لأهلنا في غزة

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

المقاربـة بالكفايات و التمدرس الاجبـاري ..بين الموضة و الفشل المدرسي . Philippe Perrenoud . العدد 1

2 مشترك

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مبشور

مبشور
كبير مشرفي القسم التربوي
كبير مشرفي القسم التربوي

المقاربة بالكفايات و التمدرس الاجباري
بين الموضــة و الفشل المدرسي

فليب بيرينو Philippe Perrenoud



الموجز :

بناء الجديد انطلاقا من القديم
- لا حديث عن الكفايات ... إذا لم نعكس في الوضعية العلاقة الموجودة بين الفعل و المعارف
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نغير العلاقة اتجاه الثقافة العامة
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نحدث في آن واحد نقلا ديداكتيكيا واقعيا و استشرافيا
- لا حديث عن الكفايات... إذا لم نراجع المواد التعلمية و استعمالات الزمان
- لا حديث عن الكفايات...إذا اكتفينا بسلك دراسي كامل في انتظار السلك الآتي
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نغير بشكل جذري طريقة التدريس و فعل التعلم
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نبدع أشكالا جديدة في التقويم
- لا حديث عن الكفايات...إذا أغمضنا العين عن الهدر المدرسي و نستمر في بناء المقررات على الرمال
- لا حديث عن الكفايات...إذا لم نعمل على تكوين المدرسين
- الفكر النسقي la pensée systémique ليس فكرا سلبيا


أعتقد أن كتابة البرامج بلغة الكفايات كأي إصلاح نظام تربوي آخر ، يجب ان يكون واضحا كل الوضوح و مرتبطا بالصراع ضد الفشل المدرسي أشد الارتباط . ليس معنى هذا أن أي إصلاح خال من الفائدة المرجوة . من الممكن أن نستهدف تحديث النظام التربوي او البرامج ، و اللاتمركز ، و مهننة حرفة التدريس و لا نتطرق لصعوبات التعلم و نضعها في مركز الاهتمام . يبقى أن المشكل الرئيس في المدرسة ، أي ذلك الذي يقاوم الاصلاحات المتعاقبة منذ عشرات السنين ، هو صعوبة تعليم كل واحد ، بحيث يصل الجميع على الأقل ، عند عتبة سن البلوغ ، إلى درجة مقبولة من الثقافة و الكفايات ، في عالم الشغل كما في عالم الحياة .

كنا لا نعير أي اهتمام للهدر المدرسي المتواصل عند أطفال الطبقات الدنيا قبل الستينات ، كان ذلك أمرا طبيعيا و كان فضلا عن ذلك و لفترة طويلة من الزمن مخفيا في تركيبة مدرسية ذات شبكتين محوجزتين ، إحداهما تهم الطبقة الشعبية مؤدية إلى الحياة العملية ، والأخرى نخبوية تهيئ للدراسات المعمقة طويلة الآمد (1985 ، جاماتي-إزمبير Jamati- Isambert ). منذ ان أصبح النظام التربوي مدمجا و التربية اتخذت صفة الاستثمار ، أصبح الهدر المدرسي قضية مجتمعية . زعمت الاصلاحات المدرسية المتعاقبة باستمرار القضاء على اللامساواة في المدرسة ، تحدوها نية « دمقرطة التعليم » . إن نسب التمدرس تزداد بشكل مرتفع ، و عمر الدراسات لم يتوقف ، غير ان المهم لم يحصل : يدفع الرسوب البعض في اتجاه الشعب الاقل أهمية ، « يسقطون في المصيدة » ، يتوجهون نحو الحياة العملية أو إلى البطالة ، بدون شهادة او دبلوم أو مع امتلاك حد أدنى من المعارف ؛ يتابع البعض الآخر الدراسات العليا و يلفظون من النظام التربوي حاملين معهم شهادات جامعية . لقد تغيرت صور للامساواة ، لأن طبقات المجتمع قد تحولت و نما التمدرس بشكل عام ، لكن ارتباط النجاح بأصله الأجتماعي لا يزال قويا و حاضرا .

إن قضية فيما إذا كان الهدر المدرسي هو نتاج التلميذ او المدرسة قد وزع الفاعلين اليوم . من شعور مريح و تام بالمطلق ، قائم أساسا على إيديولوجية المنح و العطاء مشرعا عدم القدرة على التعلم ، انتقلنا إلى حتمية « الإعاقة السوسيو الثقافية » الأقل ارتياحا ، ثم بعد ذلك إلى الوعي باعتباطية المعيار المدرسي ، أي من عدم الاكثرات إلى الاختلافات ، الوظائف التعليمية المنتجة للطبقات و الهراركيات المجتمعية . بدءا من 1970 ، تتعايش إيديولوجية المنح و العطاء مع بيداغوجية التعويض و بعض الدراسات النقدية الجريئة . تتجاهل فيما بينها حسب الزمان و المكان و تتصارع في الخفاء او تتقابل في العلن . بحيث ان الاصلاحات المدرسية لأسباب متعددة هي خدعة un leurre بالنسبة للبعض ، و مناسبة حقيقية للسير قدما نحو دمقرطة التعليم بالنسبة للبعض الآخر . هي أيضا مناسبة متواضعة لتحديث البرامج و الهياكل لأناس آخرين .

إذا ما تم القبول لإصلاح تربوي ما ، و انطلقت أشغاله و أرفق بنتيجة إلى حد ما ، فلأنه تلقى مساندة من طرف الرأى العام ، و الطبقة السياسية ، و رجالات المدرسة . ينبني الاصلاح إذن بالضرورة على التوافقات و المساومات ، إن روح الإصلاح هو بمثابة فندق إسباني . لهذا السبب ، لا يكفي القول بأننا ننخرط في المقاربة بالكفايات ، بل يجب القول لماذا ؟

أعتقد من جهتي أن إصلاح البرامج ليس رهانا رئيسيا في الحقيقة إذا لم يجن اليوم ربحا لفائدة التلاميذ الذين لا ينجحون في المدرسة . إن التلاميذ الذين يمتلكون الرأسمال الثقافي و في حالة استعداد أكثر و التأطير الجيد من طرف أسرهم هم الذين سوف يتابعون دراساتهم بدون شك ، أيا كان النظام التربوي . التلاميذ « المتوسطون » سيقتلعون إبرهم من اللعبة ، بفضل التكرارات المحتملة او التغييرات التوجيهية . أما مصير التلاميذ الذي يعانون من الصعوبات الحقيقية هو الذي يدفعنا بأن نقيس نجاعة الاصلاحات . هل يوجد ما يربحونه من هذه التيارات الجارية التي تفضل معاودة صياغة البرامج بتعابير الكفايات ؟

تتظاهر هذه التيارات و الحركات في الدول الأنجلوساكسونية و غزت دول العالم الفرنكوفوني . في بلجيكا ، استحكم التعليم الكاثوليكي في المقدمة ، منذ فترة طويلة . في كيبيك ، عملت المقاربة بالكفاية على صياغة برنامج « الاعدادي » بالكامل ، صيغته الكندية توجد بين الليسي و الجامعة ، على غرار « الاعداديات » الأمريكية . ليست المقاربة بالكفايات خاصية فرنسية على ما يبدو ، بالرغم من أخذها هئية سداسية بالاعدادي ، داخل تعريف فرنسي هذه المرة . في الحقيقة ، إن قضية الكفايات و كذا علاقة المعارف بالكفاية ، هي من صميم بعض عدد من الإصلاحات في عديد من الدول ، و لا سيما في المستوى الثاني . هذا معناه على الأرجح أنه يوجد هنا شيء ما له أهمية . لكن ما المقصود بالضبط ؟

ربما لديكم مثلي إحساس مختلط في آن : أن نكون في قلب الحدث الأساس و في تكرارية غير منقطعة . مدافعين عن العقول المبنية جيدا عوض العقول المملوءة جيدا ، ألم يكن مونتين Montaigne يدافع عن شيء آخر سوى عن أولوية الكفايات على حساب المعارف ؟ أليس الصراع من أجل الكفايات الحقيقية ، بعد نهاية التكوين الاساس ، هو صراع المدارس الحديثة ، ثم مدارس التناوب وجميع التيارات البيداغوجية ؟ بلغة أخرى ، ألسنا نساهم في إعادة فضح محاكمة الموسوعية والمعارف المدرسية التي لا تخدم سوى اجتياز الإمتحانات ؟ بيداغوجي مشهور ، متقاعد حاليا و الذي عرف كل أصناف التجديدات في المدرسة ، منذ العشرينات ، قال ذات يوم بحزن أنه لم يكن متيقنا ، قبل نهاية حياته ، رؤية انتشار مبادئ المدرسة الفعالة بصفة كبيرة التي ناضل و كافح من أجلها منذ ازيد من 50 سنة . كل جيل يعيد فتح النقاش حول البرامج ، و حمولتها ؛ يريد اكتشاف ضرورة الأخذ بعين الحسبان شمولية الشخص ؛ الإصرار على المعنى و دلالة المعارف ، و وضعها في السياق ؛ لديه إحساس ... في الأخير وضع الأصبع على الجرح المشكل العميق و الظفر بالحل . هل تقدمنا فعلا ؟ إن المقاربة بالكفايات بإعادة كتابة البرامج المدرسية من جديد ليس ربما إلا تبدل آخر/ تحول un avatar لـ « طوباوية قديمة جدا : جعل من المدرسة فضاء حيث كل واحد يتعلم فيها حرا طليقا و بذكاء أشياء نافعة في الحياة .

إننا نتوقعه ، الكلام الذي سوف أتحدث عنه لن يكون أيجابيا بالقوة ، على الأقل في مرحلته الأولى . ليس من الحكمة والعقل بالفعل ، عندما تبرز إيتوبيا جديدة و تنتظم ، نتسارع متسائلين بصوت عال الذي يحدث ما هو إلا صوت به « ضجيج بلا فائدة » . أردد بدوري عبارات جميلة حول التربية و أضم صوتي جزئيا إلى الكتاب الذي يساهمون في إعادة للإيتوبيات ذوقها و بعثها إلى الوجود مرة أخرى . مما لا شك فيه ، من الضروري العمل على الدوام أمام جبهية المدرسة مسائلين بعض مبادئها الطموحة ، بل نفضل ، مع هاملين Hameline ، « المناضلين المتأذبين » و لا نصعد إلى قطار آخر للاصلاح عن طريق الموضة إلا بعد تفكير ، لأنها (الايتوبيات ) بكل بساطة توقظ الآمال المدفونة ، خائبة مرات عديدة ، دائما مستعدة للولادة و البعث .

إذا لم يطرأ تغييرا على أبعاد أخرى للنظام التربوي ، إذا لم يتغير أي شيء سوى البرامج او اللغة التي نتحدث بها عن مقاصد التربية ، فإن المقاربة بالكفايات ، كالتجديد للاعداديات ، لن تكون إلا نارا في الهشيم ، و حدثا طارئا في حياة النظام التربوي.

إن النصوص الحديثة حول الاعدادي أو نصوص أخرى ، من ذات القيمة ، في بلدان أخرى ، تستوعب كل ما يمكن قوله بذكاء و حدق حول البرامج المدرسية منطلقين من أعمال و مقترحات علوم التربية و التيارات البيداغوجية . إن النصوص الوزارية ، اليوم ، أصبحت أكثر فأكثر حدلقة و إثارة ، لأنها دونت أو ألهمت من طرف قلة من المستنيرين الايديولوجيين . أيكفي ذلك ؟ هل تترجم البرامج الحديثة المكتوبة من طرف المثقفين أكثر بكثير عن المقاولين أصحاب القرار او المدبرين ، هل ستترجم حقيقة في الممارسات و محتويات التعليم ؟

يتعلق الأمر بقوة التفكير النسقي والإرادة السياسة . لا فائدة في رأيي ، بناء آمال عريضة حول المقاربة بالكفايات لو ، في ذات الوقت :
- 1) إذا لم نعكس في الوضعية العلاقة الموجودة بين الفعل و المعارف
- 2) إذا لم نغير العلاقة اتجاه الثقافة العامة
- 3) إذا لم نحدث في آن واحد نقلا ديداكتيكيا واقعيا و استشرافيا
- 4) إذا لم نراجع المواد التعلمية و استعمالات الزمان
- 5) إذا لم نبدع أشكالا جديدة في التقويم
- 6) إذا أغمضنا العين عن الهدر المدرسي و نستمر في بناء المقررات على الرمال
- 7) إذا لم نعمل على تكوين المدرسين

سيبدو هذا الجرد إعجازي بدون شك . الهدف منه ببساطة هو توضيح أن حدث المقاربة بالكفايات سيكون لديه بالأولى معنى عندما نضعه فورا و بكل وضوح مع مكونات أخرى عديدة للنظام التربوي .


بناء الجديد انطلاقا من القديــم

من الممكن أن يؤدي مفهوم الكفاية إلى الضياع في تحليل غارق في التجريد ، فضلا عن ذلك فهو صعب القيادة ، لأن المفردات ذاتها مثل « كفايات » و « معارف » و « أسيسة » ، هي تعابير متنوعة الدلالات و ليست مفاهيم قارة و محددة ؛ لسنا متيقنين التحدث دائما عن نفس المادة عندما نريد استعمالها ، ونستغرق من الوقت كله في الشرح و التفسير دونما الوصول إلى شيء بالملموس . يقترح روي Rey ( 1996 ) تركيبا أكثر قناعة حول الحالة الراهنة للأدبيات و المفاهيم المتعلقة بالموضوع ... ليستنتج ما مفاده أن الكفايات المستعرضة Transversales لا وجود لها في واقع الأمر ، أو أن كل كفاية حينذاك هي مستعرضة من حيث ارتباطها بوضعيات متشابهة ، لكن ليست عينها بالذات . أنضم جزئيا إلى هذا الطرح : الكفايات ممتعة لأنها تسمح بالتصدي لعائلة من الوضعيات المعقدة انطلاقا من الموارد المعرفية المختلفة ، ومن بينها تلوح المعارف العالمة ، متحدرة من مادة تعليمية واحدة او من عدة مواد ، و المعارف الأقل عرفانا ، التي لا تقيد في سجل التقطيعات للمواد الكلاسيكية .

بالامكان تلخيص مفهوم الكفاية في فكرة بسيطة : إذا كان الكائن البشري ، من أجل التصرف ، لا يملك ما عدا المعارف كمورد وحيد ، فإنه سوف لن يفلح في التحكم في أي وضعية معقدة ، بالاحرى لما يطلب منه اتخاذ قرار فوري أو العمل بسرعة . من يجرؤ استيداع صحته عند طبيب ما عمل سوى على قراءة جميع كتب الطب و التشريح ، والفيزيولوجية و الصيدلة ؟ نظريته لا تكفي رغم سعتها بجعله إكلينيكيا مقتدرا ، أي قادرا على التشخيص الملائم و الدقيق و بناء استراتيجية استشفائية ناجعة ، قبل أن يسيطر المرض على المريض أو يشفى كلية بشكل فجائي . إن العالم يتحرك ، و الوضعيات متفردة ، متطورة ، متشابكة ، لا نحصل على جميع المعلومات أبدا ، جميع المعارف ، جميع الوسائل ، جميع اليقينيات التي تسمح باستنباط فعل او تصرف من مجموعة كاملة و تامة ، دقيقة و منسجمة من خلال المقدمات المنطقية . إن الكفاية لها نصيب يرتبط بالارتجال ، بالهواية ، بالحدس ، بالاشراق ، بالفكر التركيبي بالقرار ، بالثقة في النفس و بالجرأة ( بيرنو Perrenoud 1996 ، 1994 a/ ).

لتكن كفاية – طبية ام شيئا آخر – تذهب إلى ما وراء المعارف هذا لا يعني أنها تخلت عنها و أدرات الظهر ، بل العكس ! غالبا ما نحتاج إلى المعرفة و المعارف لمواجهة الوضعيات الفريدة ، والملموسة ، و المعقدة . و مع ذلك ، تأتي لحظة حيث يجب فيها أن يتخذ قرار ، حصول على نتيجة ذات نفع مادي ، لن تكون هذه اللحظة مملاة كلية من قبل المعارف التنظيرية التأكيدية . لو كانت المعرفة مفتاحا لمعقولية العالم و تلمساته ، فإنها غير كافية لضمان التحكم فيه على الصعيد التطبيقي و الممارساتي ، و خاصة لما تستدعي الوضعية قرارا فوريا .

الكفاية المجندة لموارد متعددة قصد مواجهة وضعية متفردة ، هي معرفة-معبأة mobilisable savoir-( لوبطرف Le Boterf (1994 ). هل هناك إذن قدر من الكفايات مساو لعدد من الوضعيات ؟ إنها لأحدى المناقشات المفتوحة اليوم و هي ليست بالأمر السهل إطلاقا . كل أحد مدعو بأن يتموضع بين المفهومين المتطرفين : كل وضعية تتطلب كفاية من نوع خاص بالنسبة للبعض ، و بالتالي لا شيء يمكن أن يعمم أو يحول ؛ بالنسبة للبعض الاخر عكس ذلك ، بإمكاننا مواجهة كل الوضعيات ملتمسين فقط بعض القدرات العامة جدا : كالذكاء ، و قوة التلاؤم ، و قدرة التصور ، و قدرة التخاطب ، وحل المشكلات . هذان الموقفان المتطرفان يعكسان بعض الحقائق : توجد أشياء لا نتقن عملها لأننا فقط قد خبرناها في السابق ، لأنها تمتاز بالخصوصية و الصعوبة الكبيرتين إلى حد أن التحويل كان ضعيفا جدا . بينما توجد وضعيات غير متوقعة بسيطة نستطيع التغلب عليها بدون استعداد كبير او جهد يستحق الذكر ، كوننا مجرد ملاحظين ، منتبيهن و « أذكياء »

في الحقيقة إن مفهوم الكفاية ليس ممتعا إلا بتواجدنا بين الحالتين ، المتفردتين بالقوة و المعقدتين بغية السيطرة عليهما باللجوء إلى الحس العام فقط ، غير أن الفرد مع ذلك يمكن أن يركن إلى عائلة من الوضعيات – المشاكل و يرتبط بها ، الأمر الذي يجيز له استعمال بعض من الأدوات و الوسائل ، من الإجراءات ، من الخطط ، من طرق التفكير ، و القرار و العمل .

يذكر روي Rey (1996 ) أن الكفاية بالنسبة لـ تشومسكي Chomsky هي « قدرة لا محدودة في الانتاج » ، أي النطق بعدد غير محدد من الجمل المختلفة . يمكننا القول أن الكفاية تسمح بإنتاج غير محدود من الأفعال غير المبرمجة و التي لن تصبح معروفة في الحقيقة إلا بتحققها كاملة . بصفة عامة لا أحد يعرف ما هي الجمل التي سوف ينطق بها عما قريب ، ولا أي إشارة سوف يستخدم . لن يستنفذ اقواله ، و لا حركاته ، بداخل قاموسه ، حيث ينتظر الجميع إرادته الحرة . لا يحتاج الكائن البشري بأن يستحفظ في حضورية نفسه الكتاب الضخم الجامع كل الجمل التي تدفعه كي يتكلم « في يوم من الأيام »، لأن مقدرته على الابداع كبيرة . ستكون الكفاية ، كما تصورها تشومسكي ، هي هذه القدرة الارتجالية و الابداعية في التجديد على الدوام .

انطلاقا من هذا المنظور ، فالكفاية ستكون خاصية الجنس البشري ، إنها قدرة خلق أجوبة بعيدا من الغوص في القاموس . نتموضع انذاك في قلب السيكولوجية و الأنتروبولوجية المعرفية ، معترفين أن ما يؤسس خاصية الجنس البشري ( نسبة إلى الأجناس الحيوانية ) ، هي بعض من إمكانات التعلم و تحويل التعلمات ، و تبعا لذلك قوة او ضعف هذا الكائن . نجد انفسنا هنا امام نظرية الانسان ككائن متعلم ، قادر في الآن نفسه على المتغيرات و التكرارات ، على الثوابت و الابداعات .

يوجد خلط محتمل في المستويات . لدى الكائنات البشرية قدرة طبيعية ، أصيلة و متأصلة في جينها الوراثي لكي تبني الكفايات. و مع ذلك فوق هذا ، فإن أية كفاية خاصة لا تبنى من تلقاء نفسها ، بمشيئة نضج الجهاز العصبي بالتمام . من الواجب علينا تعلم الكلام ، بالرغم أننا قادرين على ذلك وراثيا . الكفاية لا تمنح بداية . إنها افتراضية ، و من الضروري تحويلها إلى كفاية واقعية بواسطة التعلمات التي لا تنتج اوتوماتيكيا ، و لا بنفس القياس لدى الجميع . إزاء عائلة من الوضعيات المتشابهة ، الكفاية تبنى .

هذا الارتباط بالعائلة يسمح بمجابهة الوضعيات المجهولة بنجاح ، الذي بدوره ، مع قليل من الحدس القياسي ، يسمح بموبلة الموارد ( معارف ، شيمات ، مواقف ) المستخدمة او الموضوعة للاختبار و ذلك تبعا للتجارب السابقة . إن هذه الموارد لا تجيز دائما البناء الفوري لجواب ملائم ، لا تندمج في الفعل المستحدث إلا بثمن جهد التحويل ( مندلسن Mendelson 1996 – بيرنو Perrenoud 1997 ). هذه الوظيفة المعرفية في ذات الوقت هي من طبيعة نظام تكراري و ابداعي ، إن الكفاية تجند التجارب السابقة و كل المكتسبات المتنوعة ، لكي تخترع حلولا جزئية أصيلة ، أجوبة مناسبة للوضعية الجديدة المتفردة . الفعل الكفء هو إذن « اختراع معدل » ، تغيير حول المواضيع معروفة جزئيا ، شكل من إعادة استثمار لما سبق معايشته ، سبق رؤيته ، سبق استيعابه أو التحكم فيه لمواجهة وضعيات متشابهة لكيلا نصبح مجردين كلية من الموارد على وجه التدقيق .

إن الكفايات هي أساس النظم و العلاقات الاجتماعية . في المجتمع الحيواني ، تمنع برمجية السلوكات أي اختراع أو إبداع و أقل تشويش من الخارج من شأنه إفساد الخلية ، مثلا ، التي نظمت كآلة من الصنع و الدقة . اما المجتمعات الانسانية ، عكس ذلك ، فهي مجتمعات تتصف بالضبابية و هي تنظيمات قابلة للتفاوض ، فلا تدور كالساعات و تقبل مقابل ذلك جانبا مهما من الفوضى و الشك و الارتياب ، الأمر الذي ليس قدرا مقضيا لأن الفاعلين هم في نفس الوقت قادرون على إبداع و ابتكار الجديد.

تضعنا الحياة أمام وضعيات جديدة محاولين التغلب عليها بدون أدنى جهد و مشقة ، و ذلك فقط بالتزود من مكتسباتنا و تجاربنا الماضية ، التجديد من جهة و التكرارية من جهة أخرى . نصيب هام من ظروفنا الحياتية هو من هذا القبيل . فحياتنا ليست مقولبة بالفعل حتى يحصل لدينا تماما في كل يوم نفس التصرفات ، ونفس القرارات المتخذة ، ونفس المعضلات التي تبحث عن الحل . و الأمر نفسه ، حياتنا لسيت فوضوية او متغيرة بنفس الحدة حتى نسعى في بلبلتها كل يوم . إن الحياة الانسانية تجد لنفسها توازنا – يتغير من شخص إلى آخر ، و من مرحلة إلى أخرى - بين الحلول الروتينية للوضعيات المتشابهة و الحلول المقترحة للمعضلات الجديدة ( على الأقل بالنسبة لنا ) . إن كفاياتنا تجيز لنا ملاقاة الوضعيات الفريدة مع بعض أو جزء من الاستمرارية ؛ هذه الوضعيات لم نألفها ، لكن ليست قط غريبة عنا حتى لتكاد تكون مجهولة و تستلزم بالتالي تعلما جديدا .

سأطرح فكرة مفادها أن لا وجود لكفاية إن لم تمر عبر الفعل و عن وظيفة التعقل في مستواها الأدنى . يتساءل الفاعل مرتبكا بعض الشيء : هل سبق لي معايشة هذه الوضعية المماثلة ؟ ماذا فعلت وقتئذ ؟ هل سيكون الحل ملائما اليوم ؟ ما هي المرتكزات الضرورية لملاءمة ممارساتي ؟ مذ إن حيث ندرك ما الواجب القيام به بدون تفكير ، لأننا قمنا به في السابق ، فإننا ما عدنا مصبحين أبدا في ميدان الكفايات ذات المستوى الرفيع ، لكن في المهارة Skill ، العادة ، في خطاطات الفعل الأوتوماتيكي .

إن مفهوم الكفاية لا ينتمي إلى عالم المدرسة بداية ، ينتمي لعالم المنظمات ، وعالم الشغل ، و التفاعلات الاجتماعية . ما عاد مفهوما بيداغوجيا إلا عندما أردنا بناءه داخل الوضعيات الديداكتيكية بشكل إرادي . من العبث العمل كأنما المدرسة هي التي اكتشفت هذا المفهوم و هذا المشكل . يهدف بناء الكفايات البشرية دائما ، و خاصة في المدرسة ، منذ زمان بعيد ، إلى تنمية الكفايات . و عليه فإن المقاربة هاته « بالكفايات » لم تقم سوى بتعميق هذا الاتجاه .

لماذا هذا التأكيد اليوم ؟ هؤلاء الذين طالبوا المدرسة بأن تبني الكفايات في المقام الأول في كل العصور ، ينتمون إلى الدوائر الملتصقة بالمدرسة التحررية أشد الإلتصاق عموما ، و بالمجتمع الديمقراطي ، و بالكائنات البشرية القادرة على الفكر و تنظيم الحياة بشكل مستقل . لو صار هذا الانشغال لغة النظام على مستوى الأنظمة التربوية كلها في العشرية الأخيرة من القرن ، فمرد ذلك ليس هو عودة الايتوبيات Utopies : تطور العالم ، الحدود ، التكنولوجيات ، الموضة ، كل هذا اقتضى مرونة و إبداعا مستمرين من قبل الانسان ، داخل المعمل و في المدينة . انطلاقا من هذه الروح ، نلزم المدرسة أحيانا بالمهمة الأولى في تنمية الذكاء ، بالمعنى « البياجيتي » للكلمة ، أي كقدرة متعددة الأشكال للتكيف زائد التنويعات و التغييرات . لا يذهب الاشتغال بالكفايات بعيدا جدا عن هذا الطرح . فهو لا يلغي المحتويات ، ولا المواد التعلمية ، لكن لا يتصور في آن واحد أن لا نغير أي شيء في الممارسات حالما نتبنى قاموسا جديدا لكتابة البرامج .

يتأسس إذن التوجه نحو المقاربة بالكفايات على الاستمرارية في دفعة واحدة ، لأن المدرسة ما طمعت في أي شيء آخر و ما طمحت التغيير و لا حتى القطيعة ، لأن الروتين الديداكتيكي و البيداغوجي ، و الحواجز المقامة بين المواد ، و تقطيع البرامج ، و ثقل التقويم و الانتقاء ، و إكراهات التنظيم التربوي ، و ضرورة تألية حرفة التلميذ كل هذا أدى إلى بيداغوجيات و ديداكتيكيات لا تخدم في بعض الأحيان أبدا بناء الكفايات ، أو فقط التفوق في الامتحانات ... لا يكمن التغيير في إبراز فكرة الكفاية في المدرسة ، لكن بل القبول أن « بداخل كل برنامج مبني على تنمية الكفايات ، فإن هذه الأخيرة لها سلطة تدبيرية على المعارف التعلمية » (طارديف Tardif 1996 ، ص :45 ). في إحالة إلى جيلي( Gillet ، 1991 )، يقترح طارديف بأن تكون الكفاية « المَعْلَمة الكبيرة في تخطيط و تنظيم التكوين » ((ص :38 ، مكرر ) . هذه الأطروحات موجهة نحو اكتساب الكفايات ، و هي التي قدمت أيضا من قبل التكوين المهني .

إنه لمن باب الغرور أن نقترح اليوم « ديداكتيك الكفايات » ، غير أنه لا أحد تماما يعرف كيف تبنى الكفايات و نتعب في تحديدها بشكل تواطئ . رغم هذه الضبابية ، من المهم التحدث عنها ، علما أننا نعين حقلا من المشاكل المفتوحة بدل نموذج مفاهيمي قار . الاستيعاب سيكون أوفر و خاصة أن الناس سيفكرون في كفايات المواد التعلمية المستهدفة من جانب التكوين الأساس و من أليات التكوين المماثلة .

عندما تصبح العلوم الانسانية و العلوم المعرفية متقدمة أكثر ، يقوى لدينا إدراك هذا الأمر بكل وضوح بلا ريب . لكن اليوم ، لا نستطيع في الحقيقة قول أننا نعمل على أرضية صلبة . الأمر ليس مريحا لكن نكرانه سيكون أيضا أسوأ و نستمر في العمل كأنما ندرك تماما كيف يتكون العقل و الكفايات التأسيسة . إن إصلاح الاعدادي و النقاش الدائر حول المدرسة حاليا يؤدي بنا إلى الأسئلة النظرية العميقة ، المتعلقة خاصة بطبيعة و نشوء قدرة الكائن البشري في مواجهة الوضعيات الفريدة .

بالتوازي مع هذا النقاش العميق ، من اللائق قياس التضمينات لمقاربة الكفايات مع الوظيفة البيداغوجية و الديداكتيكية في شموليتها .



عدل سابقا من قبل مبشور في 25/5/2011, 05:24 عدل 1 مرات (السبب : تصحيح)

Admin

Admin
المدير العام
المدير العام

مقال رائع أخي مبشور، فقد أحاط بكل تجليات الكفاية من النسق التاريخي الى الفعل التربوي انتهاء بالمكتسب بكل مقوماته
واصل أخي فنحن في أمس الحاجة الى مقالاتك الضاربة في الصميم والتي نعتبرها تكوينا مستمرا لنا نحن الجدد في ميدان التدريس .

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى