)4 - المواجهة الحقيقية للتعقيد
هيا لنفكر أولا في القطيعة مع الاستراتيجيات بلا مستقبل الموصوفة أعلاه . وحتى نمضي بسرعة ، يبدو انه من السهل محو هذه الاستراتيجيات كما وظفتها بصورة كاريكاتورية . في الواقع ، يوم بعد يوم ، نقع في الفخ بكل سهولة . لأن كل واحد يطرح أوراقه بشكل طبيعي، يدافع عن مصالحه القريبة و الآنية . الاستراتيجيات بلا مستقبل ليست دائمة عديمة الفائدة . من وجهة نظر الفاعل وحده و مع القبول بمنظوره الحالي ، غالبا ما تحرز هذه الاستراتيجيات على معنى . لماذا رئيس مؤسسة و هو لما يقترب من التقاعد بسنتين او بثلاث سنوات لا يبحث في ربح الوقت تاركا هكذا من يخلفه في مهمة مواجهة الأزمة ؟ لماذا يجازف مسؤول سياسي ركوب الشفافية قبل الآخرين ، علما أن المترشحين و الموظفين ، بعيدون كل البعد من الاعتراف به ، سوف يقطعون لا محالة ٍرأس كل من قد يأتي بالأخبار غير السارة ؟ لماذا المدرسون الذين يخافون من الآباء يصرحون بذلك ، علما أن في أول لحظة سينقص هذا الأمر من قيمتهم الشخصية ؟ الأفضل لهم هو الزعاق بدل تدخل الأباء في كل شيء و هم غير أخلاقيين ، و أننا لا نقدر التعامل معهم .
ما يتخده الفاعلون كاستراتيجيات هي ربما ليست إلا تكتيكات قصيرة المدى ، لتلك الصراعات الدائرة في الكواليس . لكن طالما أنهم يفكرون في مصالحهم بشكل أفضل ، فهم على ذلك باقون . إن الاستغناء و نبذ الاستراتيجيات بلا مستقبل يمر عبر تحديد معنى التناوب الحقيقي . بشكل أكثر إيجابية ، سأحاول إذا تحديد بعض الخطوط العملية الأكثر تنويرا أمام التعقيد : ا)- التعرف على التعقيد و لا نعمل كأنما نسيطر عليه بوحدنا ؛ ب)- تحليله و تدجينه جماعة ؛ ت)- إحداث مؤسسات نسقية . فلننظر إلى هذه الجوانب عن قرب .
1.4.) – الاعتراف بالتعقيد
العالم معقد ، أليست هذه هي البداهة ؟ هل من الضروري حقيقة اقتحام الأبواب المفتوحة ؟ أظن أن الجواب هو نعم . و السبب هو أن العقل ينكر بقوة المتناقضات الصعبة التجاوز . إن ثقافتنا تقبل بأن تنظر إلى الاشياء على أنها صعبة و مضاعفة ، و لا بد من بذل المزيد من الجهذ لاكتشاف السيرورات و القواعد الأولية التي تسير الكون ، و الكائنات الحية ، و الأشخاص و المجتمعات الانسانية . لكنها تقبل بصعوبة النظر إلى الأشياء على أساس أنها معقدة ، بمعنى إدغار موران Edgar Morin ، أي في الأخير مسكونة بالمتناقضات ، بالارتيابات الأساسية ، بالصراع .
أن تعترف بالتعقيد ، القصد منه هو أنك لم يبق لديك رؤية واضحة في أحلامك و تجعل الناس متفقين في دفعة واحدة ، يعني هو القيام بمراجعة مستمرة للمشاكل و الحلول حول الحرفة ، معناه هو التغيير في نوعية التفكير أو التغيير المرحلي في البراديغم على وجه الخصوص من أجل دمج براديغمات جديدة . هذا هو ما يشكل قانون البحث من حيث المبدأ : بالنسبة لباحث ، التعقيد ايبستيمولوجيا هو أداة عمل و تحد في الآن نفسه . و مع ذلك ، حتى العلميون يقاومون التغيير النظري ، و ليسوا بمعزل عن الاختزالات و الضابطات الآمنة ، بينما نجد تقسيم العمل يقحمهم أقل بكثير في ذلك مقارنة مع مهن أخرى تتسم بالتدخلات الاستعجالية للفعل اليومي .
كيف للمدرسين و لمسؤولي المدرسة ، في مواجهة التعقيد كله ، يوم بعد يوم ، باستطاعتهم معايشتة بدون تجاذبات وجدانية ؟ بالطبع ، تعقيد العالم ، هو أيضا سره ، سحره ، انفتاحه . لو كنا نعيش في عالم محدود على مستوى الموارد و الايكولوجيا ، حسب تعبير أليبر جاكار Albert Jacquard ( 1991 ) ، فإننا نعيش في عالم للامحدود على مستوى الأفكار و الحضارات . فالتعقيد هو المحرك للتاريخ بلا حد . الامر الذي له أهميته على المستوى الشعري او الفلسفي ، غير انه يغذي إحساسا موهن للهمة للعود الأبدي . من الطبيعي ان كل واحد ، هنا من حيث وجوده ، يحاول في بعض اللحظات نكران التعقيد طلبا لفائدة ترجى من استراتيجية على الرغم من قصرها في الزمن ، استراتيجيات لها فضل على الأقل لتأمين بعض الهدوء والسكينة و راحة البال...
لا يمكن هكذا إحالة كل واحد إلى حواره الداخلي بين سلطة بلاغية و رغبة في الطمأنينة و السلام : القبول بالتعقيد لا يعد من قبيل الاختيار الفرداني الصرف ، إنه يتمثل في بعد الثقافة المشتركة لمجتمع ما ، لحرفة ما ، لمؤسسة ما . بهذا المعنى ، القيام بتجميع مدراء المؤسات قصد التفكير حول مهنتهم يعد خطوة مهمة نحو الاعتراف المتقاسم بصدد التعقيد . ليس فقط كبعد شخصي لتجربة كل واحد ، لكن كبعد جماعي و حرفي .
الاعتراف بالتعقيد لا يعد فعلا ثقافيا فحسب . ولكن إنما التعقيد أيضا يعني ما يجعلنا كذوات ، و كيف نحيا التعقيد ، بأحشائنا ، و بأحكامنا المسبقة ، بأطراحنا ، بأفراحنا . في حالة ما إذا تجاهلنا قسطا من الهلع و الذعر ، و الرغبة في الهروب ، لكن أيضا الاستمتاع ، و التحدي ، فإننا سوف نتلاعب مرة آخرى بالوهم التقنوقراطي : تعقل العالم بدون تعقل ذواتنا كأشخاص معقدين ، محدثين من تجاذبات الوجدان و الاحاسيس و التمثلات الكامنة في تجربة ، في ثقافة ، في شبكة من العلاقات .
2.4)- تحليل و تدجين التعقيد جماعة
لا يكفي الاعتراف بالتعقيد ، يجب معرفته ، بشكل آخر التعقيد هو تجاوز الصورة المغلوطة و المبهمة لمجموعة من التشويش ، من المتناقضات ، الارتيابات و الصراعات . لا يوجد العقل مكتف الأيدي امام التعقيد ، باستطاعته التحكم فيه جزئيا ، نظريا ، و في بعض المناحي ميدانيا . لذا ، فالضغط بين التبعية و الاستقلالية يصعب تجاوزه في مرة واحدة ، لا نظريا و لا تطبيقيا . لكن الحالة تخضع للتحاليل و يمكن ان تدبر لتصبح معاشة بالنسبة للآخرين و تكون خصبة للتنظيمات . نفس الشيء ، الضغط ببن دمقرطة الدراسات و احترام التباينات لا يرقى بأن يحصل على اعتراف بسيط . من الواجب الاشتغال على هذا الموضوع ، نحدد ما الذي يجعله يتكاثر او نعمل على تنقيصه ، إذن هو تحديد و استعمال لهوامش من الحرية .
إن هذا العمل التحليلي و التدبيري للتعقيد حاصل في قلب أي سيرورة تتوخى الامتهانية للحرف ، سواء تعلق الامر بتوجيه و إرشاد مؤسسة او عن طريق التدريس . في مهنة تنفيدية ، يبقى التعقيد في الاساس موكولا للمختصين او المسؤولين ، عمال القواعد لا يسعهم سوى إنجاز « ما يقال لهم » دونما طرح مفرط لأسئلة ، بشأن النموذج « إن الاستراتيجية للقادة ، أي بمعنى تدبير الارتياب و الصراع ، الطاعة العمياء للجنود البسطاء » . حتى إلى ذلك الحين ، فقد صنعت التايلورية زمانها ، كما يبين ذلك ليز دومايي Lise Demailly فيما يرجع للادراة العمومية :
« الامر الذي يتمظهر ضروريا بشكل ميتودولوجي لتحقيق الأهداف العامة من أجل تجديد الخدمة العمومية و كسب العقلانية ، أي ، في النهاية تحسين جودة التحكم في العالم الاجتماعي ، هو الفردانية القصوى للحلول . التدبر مع الحرص في اقتصاد الجهد ، و المصاحبة الفعالة للتغيرات المحتملة و القوية للنظام التربوي ، هذا يعني التدبير على المقاس . أن تعقلن ، معناه هو التعقيد » ( دومايي Demailly ، 1992 b ).
فيما يخص المهن ذات الحمولة لمضامين التضامن و التكافل ، يبدو من الجلي أيضا أن كل الناس يتعرضون للتعقيد . فمهما يكن تقسيم العمل و بنيات السلطة ، فهي لا تتخلى عن التضامن مع المهنيين و مقابلة كل واحد ، فرديا و جماعيا ، لجزء كبير من المتناقضات التي تجتاح المجتمع والنظام التربوي و المؤسسة كما أيضا ممارسة كل واحد .
في عالم المدرسة ، لقد لقد أرسى هذا الوعي معالمه ، بعيدا من ان يبلغ درجة العمومية . ما زلنا نفكر حسب نموذج بيروقراطي كلاسيكي الذي يترك « للرئيس » مهمة تفكيك خيوط اللعبة... بطبيعة الحال ، إن دور رئيس المؤسسة أو أي مسؤول يتجلى في تواجده في مقدمة الصف و تنسيقه للعمل بصدد التعقيد . مستقبلا سيقل شيئا فشيئا الانفراد بالعمل ، و « الاتكاء على الذات وحدها » ، و من تم الرجوع مع ابتسامة أمام زملائه قائلا لهم :« لقد فكرت ، ها هو الحل .» و ذلك لمجرد فقط ان حلا مثل هذا في تفرده و انفراده قلما يصبح الحل . ما هو إلا افتراض أول ، بقدر غياب منفعته فهو جامد و مغلق و ان صاحبه متعلق به كتعلق الأب بابنه . لا يمكن لإدراة واقعية إلا أن تنشط و تحفز الآليات التي تغذي جزءا مهما من المساعدين و مستخدمي المدرسة . في التدبير العصري ، مواجهة التعقيد هو قضية الوحدة العاملة و ليس فقط هم المسؤولون وحدهم .
زد على ذلك ضرورة مقاسمة هذا التحليل من طرف الجميع . و الحال هاته أننا لا زلنا متواجدين في مرحلة حيث حرفة التعليم تتأرجح بين نموذجين ، أحدهما للمنفد المؤهل لكنه ذو عريكة سهلة ، و الأخر للممتهن الحر في طرقه و أعماله موجهة وفق المقاصد الكبرى ( هاتمايشر Hutmacher ،1990 ؛ هوبرمان Huberman 1991 ؛ بيرنو Perrenoud 1993 / aet b ؛ فونك Vonk 1992 ). لعل النموذج البيروقراطي يشكل أقل خطورة ، فهو يعتبر ملاذا . الاتجاه نحو المهننة يمثل إذن طريقا طويلا ، إلى درجة ان خلال السنين و مما لا شك فيه خلال عشرات من السنين القادمة ، ستواجه المدرسة التعقيد حسب براديغيمن نفسهيما متناقضين ... هنا أيضا ، سيكون بلا فائدة ان نعتقد في اختزال المهننة بمجرد الإقرار . الأفضل هو مقدرة الاشتغال عليها . و كل مشكلة ، وكل صراع ، وكل أزمة ، هي مناسبات للتعلم جماعة و بشكل مغاير .
3. 4 ) – إحداث مؤسسات قادرة على التفكير النظمي
كل مؤسسة هي منظومة و منتمية لنظام أكثر شمولية و اتساعا . يظل التحقق من معرفة هل المؤسسة تشعر بذلك ام لا . إن المؤسسة القادرة على نهج التفكير النسقي هي مؤسسة قادرة على التفكير في ذاتها و من خلال التعقيد الداخلي و ارتباطاتها الخارجية ، فهي مؤسسة قادرة على بناء نظرة شمولية لعملها و محيطها ، و تقترح الخطوط العريضة الملائمة لنشاطها .
لكي نحلل و ندجن التعقيد جماعة ، من الضروري وجود فضاءات مخصصة للتخاطب ، عن طريق الانشطة العادية التي نمارس فيها ليس استشارة دورية فحسب ، بل نشاط تضامني يدور حول المشاكل الحقيقية المطروحة . السلطة المتفاوضة ، ما أسرع هذا الكلام : في التطبيق ، هو مجموعة من القواعد و السيرورات تنتظم دائما حول المهنة . لا أريد هنا الدخول في التفاصيل حول انماط الاشتغالات ، التشارك ، تبادل الأراء و التفاوض على مستوى المؤسسات . في هذا الميدان ، كل ما يتعلق بمشروعات المؤسسات و التفكير بصدد المدارس الفعالة و التجديد ، هناك عدة اقتراحات مهمة ( أنظر كاتير تيرلير Gather Thurler ، 1992 ، 1993 c &d ).
ربما يجب التفكير أيضا في ثقافة الحوار داخل مجتمعاتنا و أنظمتنا التربوية :
النقاشات المعاصرة حول المدرسة و التربية تشبه كل شيء ماعدا الحوار . لا نتجابه أبدا بالمعنى الكامل رأسا لرأس و نمارس بشكل ممنهج " سياسة الخطوة جانبا بجنب " : « لا أجيبك ؛ ليس كوني أنني أفهمك مع ذلك بالضرورة ؛ يكفيني اتهامك بخطإ قاتل ، كي أقدم اتهاماتي كغذاء ثقافي للرأي و ، بعد ذلك ، أتموضع بكل حرية حيث شئت ؛ هكذا بامكاني الاستمرار في الحديث وحدي مرتاح البال » ( ميريو و دوفلاي Meirieu et Develay ، 1992 ، ص : 19 ).
ضد هذا الحوار الأصم ، يرفع ميريو و دوفلاي من شأن و قيمة المناقشة الحقيقية ، حيث يمنح كل واحد مناسبة للمتخاطب كي يعبر و يرد عليه في العمق . ما ينطبق على الحوار السياسي ينطبق أيضا على الحياة داخل المؤسسات . إن بداية نشوء الثقافة المشتركة ، هو الاعتراف بالتفاوتات و الاشتغال عليها بجدية . لا تتحدد المساعدة في أن نتفق حول الكل ، لكن هي معرفة حول تدبير الاختلافات ! يتبـع ..
هيا لنفكر أولا في القطيعة مع الاستراتيجيات بلا مستقبل الموصوفة أعلاه . وحتى نمضي بسرعة ، يبدو انه من السهل محو هذه الاستراتيجيات كما وظفتها بصورة كاريكاتورية . في الواقع ، يوم بعد يوم ، نقع في الفخ بكل سهولة . لأن كل واحد يطرح أوراقه بشكل طبيعي، يدافع عن مصالحه القريبة و الآنية . الاستراتيجيات بلا مستقبل ليست دائمة عديمة الفائدة . من وجهة نظر الفاعل وحده و مع القبول بمنظوره الحالي ، غالبا ما تحرز هذه الاستراتيجيات على معنى . لماذا رئيس مؤسسة و هو لما يقترب من التقاعد بسنتين او بثلاث سنوات لا يبحث في ربح الوقت تاركا هكذا من يخلفه في مهمة مواجهة الأزمة ؟ لماذا يجازف مسؤول سياسي ركوب الشفافية قبل الآخرين ، علما أن المترشحين و الموظفين ، بعيدون كل البعد من الاعتراف به ، سوف يقطعون لا محالة ٍرأس كل من قد يأتي بالأخبار غير السارة ؟ لماذا المدرسون الذين يخافون من الآباء يصرحون بذلك ، علما أن في أول لحظة سينقص هذا الأمر من قيمتهم الشخصية ؟ الأفضل لهم هو الزعاق بدل تدخل الأباء في كل شيء و هم غير أخلاقيين ، و أننا لا نقدر التعامل معهم .
ما يتخده الفاعلون كاستراتيجيات هي ربما ليست إلا تكتيكات قصيرة المدى ، لتلك الصراعات الدائرة في الكواليس . لكن طالما أنهم يفكرون في مصالحهم بشكل أفضل ، فهم على ذلك باقون . إن الاستغناء و نبذ الاستراتيجيات بلا مستقبل يمر عبر تحديد معنى التناوب الحقيقي . بشكل أكثر إيجابية ، سأحاول إذا تحديد بعض الخطوط العملية الأكثر تنويرا أمام التعقيد : ا)- التعرف على التعقيد و لا نعمل كأنما نسيطر عليه بوحدنا ؛ ب)- تحليله و تدجينه جماعة ؛ ت)- إحداث مؤسسات نسقية . فلننظر إلى هذه الجوانب عن قرب .
1.4.) – الاعتراف بالتعقيد
العالم معقد ، أليست هذه هي البداهة ؟ هل من الضروري حقيقة اقتحام الأبواب المفتوحة ؟ أظن أن الجواب هو نعم . و السبب هو أن العقل ينكر بقوة المتناقضات الصعبة التجاوز . إن ثقافتنا تقبل بأن تنظر إلى الاشياء على أنها صعبة و مضاعفة ، و لا بد من بذل المزيد من الجهذ لاكتشاف السيرورات و القواعد الأولية التي تسير الكون ، و الكائنات الحية ، و الأشخاص و المجتمعات الانسانية . لكنها تقبل بصعوبة النظر إلى الأشياء على أساس أنها معقدة ، بمعنى إدغار موران Edgar Morin ، أي في الأخير مسكونة بالمتناقضات ، بالارتيابات الأساسية ، بالصراع .
أن تعترف بالتعقيد ، القصد منه هو أنك لم يبق لديك رؤية واضحة في أحلامك و تجعل الناس متفقين في دفعة واحدة ، يعني هو القيام بمراجعة مستمرة للمشاكل و الحلول حول الحرفة ، معناه هو التغيير في نوعية التفكير أو التغيير المرحلي في البراديغم على وجه الخصوص من أجل دمج براديغمات جديدة . هذا هو ما يشكل قانون البحث من حيث المبدأ : بالنسبة لباحث ، التعقيد ايبستيمولوجيا هو أداة عمل و تحد في الآن نفسه . و مع ذلك ، حتى العلميون يقاومون التغيير النظري ، و ليسوا بمعزل عن الاختزالات و الضابطات الآمنة ، بينما نجد تقسيم العمل يقحمهم أقل بكثير في ذلك مقارنة مع مهن أخرى تتسم بالتدخلات الاستعجالية للفعل اليومي .
كيف للمدرسين و لمسؤولي المدرسة ، في مواجهة التعقيد كله ، يوم بعد يوم ، باستطاعتهم معايشتة بدون تجاذبات وجدانية ؟ بالطبع ، تعقيد العالم ، هو أيضا سره ، سحره ، انفتاحه . لو كنا نعيش في عالم محدود على مستوى الموارد و الايكولوجيا ، حسب تعبير أليبر جاكار Albert Jacquard ( 1991 ) ، فإننا نعيش في عالم للامحدود على مستوى الأفكار و الحضارات . فالتعقيد هو المحرك للتاريخ بلا حد . الامر الذي له أهميته على المستوى الشعري او الفلسفي ، غير انه يغذي إحساسا موهن للهمة للعود الأبدي . من الطبيعي ان كل واحد ، هنا من حيث وجوده ، يحاول في بعض اللحظات نكران التعقيد طلبا لفائدة ترجى من استراتيجية على الرغم من قصرها في الزمن ، استراتيجيات لها فضل على الأقل لتأمين بعض الهدوء والسكينة و راحة البال...
لا يمكن هكذا إحالة كل واحد إلى حواره الداخلي بين سلطة بلاغية و رغبة في الطمأنينة و السلام : القبول بالتعقيد لا يعد من قبيل الاختيار الفرداني الصرف ، إنه يتمثل في بعد الثقافة المشتركة لمجتمع ما ، لحرفة ما ، لمؤسسة ما . بهذا المعنى ، القيام بتجميع مدراء المؤسات قصد التفكير حول مهنتهم يعد خطوة مهمة نحو الاعتراف المتقاسم بصدد التعقيد . ليس فقط كبعد شخصي لتجربة كل واحد ، لكن كبعد جماعي و حرفي .
الاعتراف بالتعقيد لا يعد فعلا ثقافيا فحسب . ولكن إنما التعقيد أيضا يعني ما يجعلنا كذوات ، و كيف نحيا التعقيد ، بأحشائنا ، و بأحكامنا المسبقة ، بأطراحنا ، بأفراحنا . في حالة ما إذا تجاهلنا قسطا من الهلع و الذعر ، و الرغبة في الهروب ، لكن أيضا الاستمتاع ، و التحدي ، فإننا سوف نتلاعب مرة آخرى بالوهم التقنوقراطي : تعقل العالم بدون تعقل ذواتنا كأشخاص معقدين ، محدثين من تجاذبات الوجدان و الاحاسيس و التمثلات الكامنة في تجربة ، في ثقافة ، في شبكة من العلاقات .
2.4)- تحليل و تدجين التعقيد جماعة
لا يكفي الاعتراف بالتعقيد ، يجب معرفته ، بشكل آخر التعقيد هو تجاوز الصورة المغلوطة و المبهمة لمجموعة من التشويش ، من المتناقضات ، الارتيابات و الصراعات . لا يوجد العقل مكتف الأيدي امام التعقيد ، باستطاعته التحكم فيه جزئيا ، نظريا ، و في بعض المناحي ميدانيا . لذا ، فالضغط بين التبعية و الاستقلالية يصعب تجاوزه في مرة واحدة ، لا نظريا و لا تطبيقيا . لكن الحالة تخضع للتحاليل و يمكن ان تدبر لتصبح معاشة بالنسبة للآخرين و تكون خصبة للتنظيمات . نفس الشيء ، الضغط ببن دمقرطة الدراسات و احترام التباينات لا يرقى بأن يحصل على اعتراف بسيط . من الواجب الاشتغال على هذا الموضوع ، نحدد ما الذي يجعله يتكاثر او نعمل على تنقيصه ، إذن هو تحديد و استعمال لهوامش من الحرية .
إن هذا العمل التحليلي و التدبيري للتعقيد حاصل في قلب أي سيرورة تتوخى الامتهانية للحرف ، سواء تعلق الامر بتوجيه و إرشاد مؤسسة او عن طريق التدريس . في مهنة تنفيدية ، يبقى التعقيد في الاساس موكولا للمختصين او المسؤولين ، عمال القواعد لا يسعهم سوى إنجاز « ما يقال لهم » دونما طرح مفرط لأسئلة ، بشأن النموذج « إن الاستراتيجية للقادة ، أي بمعنى تدبير الارتياب و الصراع ، الطاعة العمياء للجنود البسطاء » . حتى إلى ذلك الحين ، فقد صنعت التايلورية زمانها ، كما يبين ذلك ليز دومايي Lise Demailly فيما يرجع للادراة العمومية :
« الامر الذي يتمظهر ضروريا بشكل ميتودولوجي لتحقيق الأهداف العامة من أجل تجديد الخدمة العمومية و كسب العقلانية ، أي ، في النهاية تحسين جودة التحكم في العالم الاجتماعي ، هو الفردانية القصوى للحلول . التدبر مع الحرص في اقتصاد الجهد ، و المصاحبة الفعالة للتغيرات المحتملة و القوية للنظام التربوي ، هذا يعني التدبير على المقاس . أن تعقلن ، معناه هو التعقيد » ( دومايي Demailly ، 1992 b ).
فيما يخص المهن ذات الحمولة لمضامين التضامن و التكافل ، يبدو من الجلي أيضا أن كل الناس يتعرضون للتعقيد . فمهما يكن تقسيم العمل و بنيات السلطة ، فهي لا تتخلى عن التضامن مع المهنيين و مقابلة كل واحد ، فرديا و جماعيا ، لجزء كبير من المتناقضات التي تجتاح المجتمع والنظام التربوي و المؤسسة كما أيضا ممارسة كل واحد .
في عالم المدرسة ، لقد لقد أرسى هذا الوعي معالمه ، بعيدا من ان يبلغ درجة العمومية . ما زلنا نفكر حسب نموذج بيروقراطي كلاسيكي الذي يترك « للرئيس » مهمة تفكيك خيوط اللعبة... بطبيعة الحال ، إن دور رئيس المؤسسة أو أي مسؤول يتجلى في تواجده في مقدمة الصف و تنسيقه للعمل بصدد التعقيد . مستقبلا سيقل شيئا فشيئا الانفراد بالعمل ، و « الاتكاء على الذات وحدها » ، و من تم الرجوع مع ابتسامة أمام زملائه قائلا لهم :« لقد فكرت ، ها هو الحل .» و ذلك لمجرد فقط ان حلا مثل هذا في تفرده و انفراده قلما يصبح الحل . ما هو إلا افتراض أول ، بقدر غياب منفعته فهو جامد و مغلق و ان صاحبه متعلق به كتعلق الأب بابنه . لا يمكن لإدراة واقعية إلا أن تنشط و تحفز الآليات التي تغذي جزءا مهما من المساعدين و مستخدمي المدرسة . في التدبير العصري ، مواجهة التعقيد هو قضية الوحدة العاملة و ليس فقط هم المسؤولون وحدهم .
زد على ذلك ضرورة مقاسمة هذا التحليل من طرف الجميع . و الحال هاته أننا لا زلنا متواجدين في مرحلة حيث حرفة التعليم تتأرجح بين نموذجين ، أحدهما للمنفد المؤهل لكنه ذو عريكة سهلة ، و الأخر للممتهن الحر في طرقه و أعماله موجهة وفق المقاصد الكبرى ( هاتمايشر Hutmacher ،1990 ؛ هوبرمان Huberman 1991 ؛ بيرنو Perrenoud 1993 / aet b ؛ فونك Vonk 1992 ). لعل النموذج البيروقراطي يشكل أقل خطورة ، فهو يعتبر ملاذا . الاتجاه نحو المهننة يمثل إذن طريقا طويلا ، إلى درجة ان خلال السنين و مما لا شك فيه خلال عشرات من السنين القادمة ، ستواجه المدرسة التعقيد حسب براديغيمن نفسهيما متناقضين ... هنا أيضا ، سيكون بلا فائدة ان نعتقد في اختزال المهننة بمجرد الإقرار . الأفضل هو مقدرة الاشتغال عليها . و كل مشكلة ، وكل صراع ، وكل أزمة ، هي مناسبات للتعلم جماعة و بشكل مغاير .
3. 4 ) – إحداث مؤسسات قادرة على التفكير النظمي
كل مؤسسة هي منظومة و منتمية لنظام أكثر شمولية و اتساعا . يظل التحقق من معرفة هل المؤسسة تشعر بذلك ام لا . إن المؤسسة القادرة على نهج التفكير النسقي هي مؤسسة قادرة على التفكير في ذاتها و من خلال التعقيد الداخلي و ارتباطاتها الخارجية ، فهي مؤسسة قادرة على بناء نظرة شمولية لعملها و محيطها ، و تقترح الخطوط العريضة الملائمة لنشاطها .
لكي نحلل و ندجن التعقيد جماعة ، من الضروري وجود فضاءات مخصصة للتخاطب ، عن طريق الانشطة العادية التي نمارس فيها ليس استشارة دورية فحسب ، بل نشاط تضامني يدور حول المشاكل الحقيقية المطروحة . السلطة المتفاوضة ، ما أسرع هذا الكلام : في التطبيق ، هو مجموعة من القواعد و السيرورات تنتظم دائما حول المهنة . لا أريد هنا الدخول في التفاصيل حول انماط الاشتغالات ، التشارك ، تبادل الأراء و التفاوض على مستوى المؤسسات . في هذا الميدان ، كل ما يتعلق بمشروعات المؤسسات و التفكير بصدد المدارس الفعالة و التجديد ، هناك عدة اقتراحات مهمة ( أنظر كاتير تيرلير Gather Thurler ، 1992 ، 1993 c &d ).
ربما يجب التفكير أيضا في ثقافة الحوار داخل مجتمعاتنا و أنظمتنا التربوية :
النقاشات المعاصرة حول المدرسة و التربية تشبه كل شيء ماعدا الحوار . لا نتجابه أبدا بالمعنى الكامل رأسا لرأس و نمارس بشكل ممنهج " سياسة الخطوة جانبا بجنب " : « لا أجيبك ؛ ليس كوني أنني أفهمك مع ذلك بالضرورة ؛ يكفيني اتهامك بخطإ قاتل ، كي أقدم اتهاماتي كغذاء ثقافي للرأي و ، بعد ذلك ، أتموضع بكل حرية حيث شئت ؛ هكذا بامكاني الاستمرار في الحديث وحدي مرتاح البال » ( ميريو و دوفلاي Meirieu et Develay ، 1992 ، ص : 19 ).
ضد هذا الحوار الأصم ، يرفع ميريو و دوفلاي من شأن و قيمة المناقشة الحقيقية ، حيث يمنح كل واحد مناسبة للمتخاطب كي يعبر و يرد عليه في العمق . ما ينطبق على الحوار السياسي ينطبق أيضا على الحياة داخل المؤسسات . إن بداية نشوء الثقافة المشتركة ، هو الاعتراف بالتفاوتات و الاشتغال عليها بجدية . لا تتحدد المساعدة في أن نتفق حول الكل ، لكن هي معرفة حول تدبير الاختلافات ! يتبـع ..