ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/
ملتقى السماعلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ننهي إلى علم الجميع أن الإشهار خارج عن سيطرة الإدارة
اسالكم الله أن تدعوا بالنصر لأهلنا في غزة

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

المقاربـة بالكفايات و التمدرس الاجبـاري ..بين الموضة و الفشل المدرسي . Philippe Perrenoud . العدد 3

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مبشور

مبشور
كبير مشرفي القسم التربوي
كبير مشرفي القسم التربوي

لا حديث عن الكفايات...إذا لم نحدث في آن
واحد نقلا ديداكتيكيا واقعيا و استشرافيا



النقل الديداكتيكيla transposition didactique هو سلسلة من التحولات الميكانيكية العاملة على نقل المعارف و الممارسات و الثقافة الشائعة لمجتمع ما إلى ما يخطط له من أهداف و برامج مدرسية ثم ما نجده فعليا داخل المحتويات المدرسية ، و أخيرا – في أحسن الأحوال – ما يبنى بداخل رأس مجموعة من التلاميذ ! ( فيري Verret ، 1965 ؛ شوفالار Chavallart ،1991 ؛ أرساك Arsac ؛ رسكي و كايو Raisky et Caillot ، 1996 ).

لو أردنا الاشتغال بالكفايات ، فإنه من الضروري الرجوع إلى أصل هذه السلسلة احتمالا و نطرح عدة أسئلة تخص طبيعة الوضعيات التي سوف تواجه الناس في مجتمع الغد و بعد الغد . صممت المدرسة في أغلب الأحيان ، ولمدة من الزمان ، و اليوم أيضا ، من طرف المثقفين و رجال السلطة و العلم الذين كان لديهم انطباع بـ« معرفة الحياة » . فعلا ، إنهم يبنون حياتهم عن طريق الألفة و بمحض الإرادة واضعين رؤية اعتباطية للطبقات الشعبية ، تلك التي يجب « تأذيبها » . في القرن 19 م ، أقامت الطبقة الحاكمة مشروعا إنسانيا كاريكاتوريا ضخما يمتاز بالتقدير القصد من وراءه التنشئة الاجتماعية و تخليق الطبقات التي ندعوها بـ « الخطيـرة » ( شوفالار Chevellard ،1978 ) . ربما كان في ذلك الحين إمكانية للتوسع في تحديد البرامج المدرسية منطلقين من التجربة الحياتية للطبقات المتعلمة ، لأن التربية كان ينظر إليها وقتئذ كوسيلة تحريضية للأفراد لكسب القيم و المعارف الأساسية لمجتمع هو في طور التقدم و النماء . لا يعمل البرنامج على تمرير الثقافة و القيم البورجوازية إلى التربية فحسب ، وإنما أيضا تاريخ موجز و معياري ذو فائدة عملية يخص الطبقات الشعبية . بروز ملامح الطبقة الوسطى بدأ يتراءى في الأفق ..

لا يزال هذا النموذج من الفكر موجودا في وقتنا الراهن . غير أن ، لو استبدلنا المنظور ، لو قلنا لأنفسنا من الواجب على المدرسة إعداد رجال المستقبل يكون الهدف منه هو مجابهة الوضعيات التي تنتظرهم بالفعل في عشر سنين ، عشرين أو ثلاثين سنة ، لا بد أن نتساءل عن ماهي المنتظرات . هل يمتلك المثقفون المنظرون للتعقيد داخل « البيوتات » أدنى فكرة عما يؤسس الحياة العادية للناس المتواجدين في المجتمع الذي يعلن عن ذاته ؟

هل تنهل البرامج المدرسية من معين معرفة المجتمع ؟ إننا نشك في ذلك . كيف يدبر برنامجا مدرسيا ؟ نجمع الخبراء حول مائدة ، يناقشون و يفاوضون النصوص . من أين يستقون افكارهم ؟ بداخل رؤوسهم ، في تجارب المدرسة ، في المعارف ، في العمل ، ليس قطعا بواسطة الدارسة المنهجية الموضوعية لحياة الناس المتنوعة . عندما يلتقطون شيئا ما من حياة الناس ، فإن ذلك يتم بكل تأكيد – مثل باقي كل الكائنات ، عندما نغيب أدوات التقصي – في شبكاتهم المعرفية الكبرى ، أي في الاوساط الاجتماعية القريبة من أسرهم و ذويهم . لنأخذ مثالا : في الوقت الحاضر، لا يعني العمل أي شيء بالنسبة لفئة من الناس : صناع البرامج ( الذين يشتغلون إلى حدود % 150 ) هل باستطاعتهم تصور حياة مكونة من حرف صغيرة تسمح بالعيش في الحدود المعقولة ؟ هل باستطاعتهم النظر أننا نرغب العيش بهذه الصورة و نحيا سعداء حتى ؟


إذا أردنا بالفعل التكوين بوساطة الكفايات تمشيا مع وضعيات الحياة الحقيقية / المعاشة ، فلا نفعل كأنما نعرفها . فلنسلك بالأولى طريق البحث المنهجي . لكن القول بأنه من الواجب معرفة تدبير التعقيد فهذا مجرد كلام فارغ لا معنى له. أي صنف من التعقيد يقابل الناس في حياتهم الآن و غدا بالملموس ، أي في العمل ، خارج العمل أو بين حرفتين ؟ إننا نعيش مثلا في عصر لا نستطيع ترك حقيبتنا دقيقتين في مستودع القطار دون أن ينتابنا خوف من سرقتها . كانت لدينا فيما مضى علاقات اجتماعية حسنة مع الآخر ، لكن اليوم ، في المدن ، كل أحد منا مدعو بأن يحمي ممتلكاته ، و السبب هو أنه لا بد من التعايش مع أناس لا نستطيع الثقة فيهم . لنفكر في وضعيات ملموسة ، في العلاقات المجتمعية التي تتطور في المدينة ، في العمارات ، في العمل : عناصر عديدة يمكن ان نستخرج منها التعقيد الملموس و الكفايات التي يتطلبها ذاك التعقيد .

لا أعتقد ان المدرسة مستعدة لكي تعرف المجتمع الذي تسعى أو تظن أنها تربيه . إننا ندرك أكثر الأشياء عن حياة الناس و ذلك بمشاهدة شاشة التلفاز في مكان قراءة البرامج المدرسية . لا يشاهد رجال المدرسة التلفزيون عن طيب خاطر ، فهم ينتقدونه و يضغطون على الزر لأن مشهد العالم غير ممتع ! تجهل المدرسة الكثيرعن حياة تلامذتها . يخال أنها أقيمت هنالك كي تجهل كل شيء عن المجتمع بدعوى أنها تعلمه و تربيه . يوجد هناك نوع من الصم و غياب الألفة ( إثنولوجية و سوسيولوجية ) مع التيارات العميقة التي تجتاح العالم الذي نعيش فيه . كلما رغبنا في إصلاح البرامج ، نظل سجناء المختصين و نضع غمامة على أنفسنا ، لأننا في عجلة من أمر النصوص المعدة للنشر . فنعيد الكرة مرة ثانية ، كالمعتاد ، على نفس البنى ، إيديولوجية في الأساس ، على نفس البديهيات المشتركة ، بدل القيام بعمل التقصي و النقل الديداكتيكي المنطلق من الممارسات المجتمعية المشهودة لها .

إن علماء المستقبل يشكلون خطرا بالغ الأهمية بكل تأكيد و تجارب السنوات العشر الأخيرة تشهد بذلك . بالفعل ، من الممكن أن تساهم المتغيرات التكنولوجية الآنية و المستقبلية في تأثيت الديكور العام جزئيا : الميديا ، القرص التفاعلي ، الحقيقة الافتراضية ، الشبكة العالمية ، التواصل الكبير ، النظم الخبيرة القادرة على تدبير الانشطة الانسانية . إن نصيب من الاستباق و الدراسات التحليلية يتغذى مما يمكن توقعه من تطور في التكنولوجية ، مع نصيب من التبسيط ( و المجازفة ) و ما يستتبع من ذلك . بعد مضي خمسة عشر سنة ، كان من المفروض على التلاميذ تعلم لغة الحاسوب (Le basic ) ، لكن الآن ، من المحتم علينا أجميعن التدرب على الشبكات المعلوماتية لـ « الابحار في الانترنيت » . نفس الشيء يمكن أن ينطبق على التعلمات السياقية التي لا مستقبل لديها في الأفق القريب. لا فائدة مرجوة من الاستباق التكنولوجي إذا ما بقينا ملتصقين بالوسائل الظرفية الآنية ، التي من الممكن ان يلحقها زمن التطور قبل أن تغذو برامج متبناة ! لم يتوقع أي أحد منذ ثلاثين سنة مدى الانتشار للمعلوماتية الدقيقة في كل الأنشطة الانسانية و اللاتمركزها . كنا نحلم بالاخ الاكبر ( التقويم التكويني ) Big Brother ، معلوماتية متمركزة ، و هي تراقب كل أحد عن كثب : في حين أفشلت الأنترنيت خطط التشريعات ، والحدود ، والبوليس ... لقد أظهرت التجربة ، في الميدان ذاته ، أننا نستطيع إعداد أفضل أصناف التفكير و معالجة المعلومات . ما ينبغي القيام به هو عمل جبار بصدد التكنولوجيات محاولة منا استقراء منها طبيعة الكفايات التي نود بناءها في المدرسة .

والحياة كذلك تتغير في عدة مستويات . ألم يحن الوقت لندرك ذلك ؟ أن نطرح عنا الفكر الفلسفي و المثالي الذي يتربع صياغة البرامج المدرسية و نضع في مكانه النقل الديداكتيكي الذي أساسه التحليل المستقبلي و الواقعي للوضعيات المعيشية . ليس المقصود هو أن نصير منفعيين إلى هذا الحد . فأغلبية الناس لديها الكثير من المشاكل العاطفية و الميتافيزيقية و مشاكل العمل و السكن و المال على حد سواء . السؤال المطروح بالأحرى هو التعرف الفعلي أين تتجلى و تكمن مواجهة الناس في آواخر القرن العشرين و في بدايته . في هذا المقام ، ليس من نافلة القول إذا لاحظنا التطور الحاصل في التقاليد الأسرية ، و الجنسية ، و السياسية ، والتحولات في ميدان العمل . جزء من العلوم الاجتماعية – الانتروبولوجية ، السوسيولوجية ، العلوم السياسية ، الديموغرافية و الاقتصاد – ، تساهم في دراسة حياة الناس و التجمعات البشرية و يمكنها أن تمد يد المساعدة للأنظمة التربوية من أجل تخيل مستقبل أفضل .

لا نثق في المستقبليين ، غير أن بعض التيارات القوية تتمايز فيما بينها . كيف لنا الحصول على موارد النقل الديداكتيكي انطلاقا من هذه المعارف التي تمر في فلك تلك الممارسات و الثقافات الجديدة . كيف النظر إليها على مستوى التفكير على أنها عائلات من الوضعيات المستدعية لكفايات محددة ؟ للإجابة ، يجب بدون شك القطع مع فكرتين مبسطتين :

1)- الفكرة الأولى هو إعداد التلاميذ انطلاقا من رؤى تم تحديدها بدقة لما هو منتظر ؛ ولا واحدة من هذه الرؤى يمكن لها أن تتحقق .
2)- الفكرة الثانية تختزل التكوين في عدد من الكفايات المستعرضة او العامة جدا ، بحيث ينجم عنها كل الأفعال الناجحة ، و ذلك بالاشتقاق و التعميم .

لمواجهة الوضعيات المتنوعة ، لا بد من أن تكون الكفايات كذلك . لن تبن بمجرد تحويل الخطاطات العامة للمنطق ، و للتحليل ، وللحجاج و اتخاذ القرار . من الصعب على المدرسة تنويع العالم و هي لا تشتغل عليه بكل وضوح ، في ربط للمعارف و الدرايات فيما بينهما أثناء وضعيات إن لم تكن حقيقية ، على الأقل تكون وضعيات واقعية ، تغيير منزل ، تخيل مجمع سكني ، إحداث تعاونية ، اتباع حمية غذائية ، تأثيت ، القيام بجولة في أوروبا مع الاقتصاد في النفقات ، الوقاية من السيدا و عدم التقوقع حول الذات دون الاغتراب ... مشاكل كثيرة يجد الأفراد أنفسهم أمامها بدون حل ، ليس ذلك بسبب النقص في المعارف الأساسية لكن بسبب المنهجيات ، و التداريب حول المشكلات ، والتفاوض ، و التخطيط أو بكل بساطة البحث عن المعلومات و المعارف المناسبة .

إذا كانت الكفايات المستعرضة صعبة الفهم و التحديد ، و هذا اعتراف ، فإنه بإمكاننا تدعيم المواد التعلمية و تقطيعاتها كما أسست في البداية . فوق هذا كله ، إذا كانت الكفايات هي من طبيعة و جنس المواد التعلمية disciplinaires فلماذا لا نحافظ على استعمالات الزمان و التخصص المتداول ؟ معتبرين بعض الكفايات معدة للبناء و التشكل هي مـواد تعلمية فالأمر لا غبار عليه شريطة أن نقبل أن المادة المعنية لا تستدعي فقط حقلا من المعارف المرجعية ، لكن أيضا تشمل التطبيقات « الأمكنة ، الأجسام ، المجموعات ، الادوات ، الميكانيزمات ، الاجراءات ، النصوص ، الهيراركات التي تجيز تفعيل مثل هذه الأنشطة » لاتور Latour 1966 ).

هناك كفايات أخرى غير مستعرضة في الحقيقة . تجد نفسها في ملتقى اثنين او ثلاث مواد تعلمية . بما أن أستاذ العلوم و أستاذ الفرنسية يؤديان معا بالاقتران نشاطا حول تحرير الكتابة العلمية ( تقارير التجارب ، اكتشاف الملاحظات ) ، فإن النشاطين ينميان كفاية ، بعيدة من أن تكون مستعرضة ، لكنها غير منتمية لا إلى العلوم بحق ، و لا إلى الآداب بحق. إذا كان لزاما التخلي عن فرضية الكفايات المستعرضة التي تهيمن و باستمرار على كل المواد التعلمية و جميع أوجه الحياة ، من الممكن الذهاب بعيدا شيئا ما فنصوغ تقابلات علائقية بين المواد المجاورة و المتقاربة ، تلك التي تسيطر على حقول أكثر قربا ، كالبيولوجية و الكيمياء ، أو التاريخ و الاقتصاد . من الممكن أيضا ، كما في المثال المقدم ، مزاوجة بين مواد تعلمية بحيث تقدم إحدى المواد أدوات التحكم في التعبير لغرض التواصل الجيد و الأخرى تساهم في بناء المحتويات . هذه محاولات غير جادة و طموحة للغاية ، فهي تلتمس من المختصين بالرغم من ذلك روح المغامرة و العمل خارج دائرة الاختصاص و حسب نموذج العمل بالمشكلات التي تتجاوزهم في بعض المناحي . من الممكن على سبيل المثال أن يكون أستاذ الفيزياء أقل كفاءة من بعض تلامذته فيما يخص أمور الكتابة ؛ من المرجح أن يشعر أستاذ الفرنسية بالضعف في مادة الفيزياء ،هو الذي اختار بالضبط الآداب لأنه يكره « الرياضيات ». إذن كلاهما وجب عليهما تجاوز هذا العائق حول التصورات التي يحملانها اتجاه شرعيتهما و سخريتهما الممكنة للحدوث أمام الناظرين لعدم التحكم في بعض المعارف أفضل من التلاميذ .

بإمكاننا أن نستلهم في هذا الميدان ما يجري في بعض الاعداديات التجريبية ، بحيث نترك النصف من الوقت المدرسي فقط لمحتوى المواد التعلمية منظمة حسب شبكة زمانية اعتيادية . اما بالنسبة للباقي ، يتم العمل عن طريق المشروعات الحرة ، والأساتذة هم بمثابة منشطين و اشخاص- مورد . المعارف التعلمية حاضرة و لا تغيب أبدا ، لكنها مجندة في ثنايا المشروع ، أي غير مكتملة ، غير مخططة لها ، غير ممنهجة ، باختصار ، إنها أقل جدية ، هذا ما سيقولونه بلا شك المالكون لنص المعرفة و الذين يقرؤونه في أحسن نظام . بالمقابل ، ستكون المعارف معبأة في وضعيات بحيث تصير أكثر دقة ووضوحا ، بحيث تنقلب مواضيع الامتحانات إلى أدوات و وسائل ، و بحيث نحرز على المعنى و الدلالة...



لا حديث عن الكفايات...إذا اكتفينا
بسلك دراسي في انتظار السلك الآتي


تاريخيا ، تحدد دائما البرامج وفق نوعية الانتظارات المقبلة للتدريس . تحددها الشعب الممتازة تدقيقا . انطلاقا من هذا التصور ، فإن كل الأقسام الثانية بدءا من الاعدادي تعتبر « تحضيرية » : التطابق و التلاؤم مع انتظارات سلك الدراسة الجامعية يعد أمرا ضروريا و ملزما بدل التفكير والتأمل في أمور الحياة . بالنسبة لهؤلاء الذين وصلوا إلى الدراسات الجامعية أم لم يلتحقوا بالشعب المختارة فالأمر لا يساوي أية قيمة . نلاحظ ان هذا المنطق يجري بشكل مقصود في خط مستقيم من شأنه إبراز النخبة و استباق القدر معلنين عن أفضل التلاميذ . تعتقد بعض الأنظمة التربوية اليوم كذلك أن إبقاء اللاتينية كمادة تعلمية أساسية تقدم للتلاميذ من 12 سنة او 13 سنة ، بدعوى أن هؤلاء الذين يدرسون الكلاسيكيات يتحتم عليهم التدرب على اللغات و الثقافات اليونانية – اللاتينية في اقرب وقت ممكن ، ليصبحوا المدافعين الأقوياء من أجل رفاهية و ازدهار الجيل المقبل ...

إن مأمورية المدرسة الإبتدائية لا تعد للحياة تبعا لهذا المنطق ، إنها تهيئ للاعدادي الذي بدوره يهيئ لليسي ثم بعد ذلك للجامعة حيث غايتها هو تحضير البحوث . يفهم من هذا الخطاب أنه من الواجب تجاهل بشكل قصدي أن ثلاثة أرباع من هؤلاء الذين يتخرجون من الجامعة لا يقومون بالبحوث ، و أن كل هؤلاء الذين أنهوا دراستهم في الليسي لا يلتحقون بالجامعة ،الخ . للخيال حياة قاسية ! إننا لا نرجع للوضعيات الحياتية طيلة البرنامج كله ، بل للمرحلة المقبلة فقط للتمدرس . إذن تشتغل المدرسة في حلقة مفرغة و اهتمامها منصب أكثر حول النجاح في الامتحانات او إحراز القبول داخل الأسلاك الجامعية بدل استعمال المعارف المدرسية في الحياة الواقعية . لهذا السبب نرى أنه بإمكان المدرس القيام بمهنة التدريس و لا يشعر أبدا أنه مضطر او مطالب بأن يتساءل حول حقيقة الكفايات المناسبة المكونة للتلاميذ في الأفق البعيد للتمدرس . يقع كل هذا كأنما هذه المسألة هي من اختصاص المدرسين العاملين في سافلة المقرر ، القريبين من « ولوج الحياة العملية ».

بالطبع ، إن استعمال المعارف في الحياة الواقعية قضية تطرح بشكل أفضل في التكوين المهني . لكن لا بد من أن نشير مع ذلك إلى نقطتين دقيقتين :

 بناء الكفايات لا يتمركز دائما في الأوتوماتيكية ، كما بين ذلك طارديف Tardif (1996 )
 تكتفي الكفايات المستهدفة في هذه المرحلة التدرب على حرفة

من الذي يهتم بكل ما يتجاوز العمل المستأجر ، والبطالة ، والثقافة ، والرياضة ، والترفيه و الأعمال الصغيرة ، و الحياة الخاصة و السياسية ، و الحياة التشاركية الخ، في نهاية الأمر ؟ إننا نسير في اتجاه داخل مجتمع سيصبح فيه ، عاجلا أم آجلا ، العمل مهمشا بالنسبة للكبار . ربما يقتضي منا الابتعاد عن الخط المستقيم الذي يرسم ثلاثية « الثقافة العامة – التكوين المهني – المهنة » كسيناريو وحيد و جدير بالاهتمام ...

في حالة ما إذا رغبنا تنمية الكفايات و ليس المعارف ، وجب علينا طبعا ان نخلق وضعيات نسميها « الوضعيات – المسائل » ( او " الوضعيات – المفتوحة " ، هذا مفهوم مجاور ) . إنها وضعيات حيث لا نحصل على حلها بتطبيق خوارزمية سهلة مباشرة و رائعة . المدرس هنا ليس مجبرا على ايجاد الحل بالقوة ، يبحث عن الحل بمعية التلاميذ . فنحن بعيدون كل البعد عن التمارين المدرسية ، التي تلزم الاشتغال المحكم فقط على العمليات الملائمة و المضبوطة . بداخل هذه الوضعيات المفتوحة ، إننا نطور الكفايات لأننا نستثمر الكفايات ! لذا نجد انفسنا في الوضعية التي وصفها مريو Meirieu « نشتغل حول ما نجهله كي نتعلم إتقانه » . بكل بداهة إن الأمر يفترض تموضع المهام في المنطقة القريبة من النماء ZPD ، و أن لا يشعر التلاميذ بأنهم متجاوزين كلية . فالأستاذ هو الذي يقدم المؤشرات ، يضع المرتكز و السند ليكون سدا منيعا ضد الإحساس بالضعف و اليأس . ليس من الممنوع عليه إنجاز بعض العمليات الصعبة التي تعتبر ممرات ضرورية ، غير أنها تستوجب قدرا هائلا من الطاقة و الوقت من جانب التلاميذ حتى لتكاد الأنشطة تضيع في مهب الريح إن لم تنجز بعض عملياتها .

إن العمل بالوضعيات – المسائل هو عمل معرفي و اجتماعي في آن واحد ، إنه لمن الصعب جدا أو من النادر جدا مواجهة التعقيد بمفردنا أثناء مرحلة التعلم . ليس العمل بالمجموعات دائما أمر مسهل في كل الوجوه ، يصطدم التعاون ذاته بشتى الإكراهات ، لكن طريقة المشروع بالفريق لديها من الحظوظ ما يجعلها تنحو نحو هذا الاتجاه .

الاشتغال بـ « الوضعيات – المسائل »، التي اقترحت من طرف ميريو Meirieu 1989 – 1990 ، أصطولفي Astolfi 1992 ، و ديداكتيكيون آخرون يستحيل الأخذ بها في ظل الوسائل التقليدية الموجودة الآن والتي صممت لمنظور مختلف . فلا حاجة لنا لكنانيش التمارين أو البطاقات الضائعة لأول وهلة ، نحن في حاجة لوضعيات مثيرة و ممتعة و واقعية في آن ، آخذين السن و مستوى التلاميذ بعين الاعتبار ، والزمن الذي نتوفر عليه ، والكفايات المراد تطويرها . زيادة على ذلك ، فإن هذه الوسائل تعتبر أفكار ، خطاطات لوضعيات و ليست أنشطة معدة « مفتاح في اليد ». في حين بإمكاننا تجنيد التلاميذ في مهام تقليدية قائلين « خذوا كتبكم و انجزوا تمرين رقم 54 في الصفحة رقم 10 » . لا يمكن ترسيخ منهجية تدور حول الوضعية – المسألة بصورة أحادية ، سلطوية و اقتصادية . إن الأساتذة الذين يؤمنون ببناء المعارف و الكفايات معا عن طريق حل المسائل إنما يفتحون نقاشا ، يضعون لغزا ، يوحون بمشروع يستفيد منه الجميع ، بدل أن نحدد لكل واحد ، في مكانه ، مهمة فردية القلم – الورقة .

يمكن أن يتم تدعيم مثل هاته الطرائق بفضل الوسائل المنتجة على صعيد ما ، لكنها ستكون مختلفة عما يوجد عند البائع المختص للكتب المدرسية ، فهي قد صممت و أنتجت على يد أناس يعتنقون المقاربة بالكفايات ، التي تتطلب ديداكيتكات مغايرة . كل تطور في هذا المنحى مآله الاصطدام مع سلطة النشر و التوزيع المدرسي ، تلك السلطة التي تجمع أرباحا هائلة ! من خلال البرامج ذات مفاهيم المستوى و الدرجة . أما الوسائل المقيدة و المتجهة نحو الكفايات فأمرها شاق و ثمنها غال في الصنع ، و السبب هو عدم تكراريتها و ضرورة استحضار الابداع و الخيال من قبل مؤلفيها أكثر بكثير من التلفيق و التكديس . بالتزامن مع ذلك ، أعداد السحب سوف تتقلص ، و السر في ذلك ، هو النموذج الواحد لكل مستوى كاف في حد ذاته . إذن لا يحدث بسهولة إعادة إبداع و خلق الوسائل التعليمية المرتبطة وظيفيا ببيداغوجية الوضعيات – المسائل و الكفايات : إنها تصطدم بالمصالح الاقتصادية الكبرى . إن محاولة كتابة البرامج الجديدة تغمض العين عموما لكيلا ترى جمود النظام الحاصل في التوصيف الخاص للأدوات المدرسية ، للفضاءات المدرسية ، للمعدات و أدوات اخرى .

هذه ليست الصعوبة الأولى . انطلاق الوضعيات – المسائل مرهون بانخراط التلاميذ في العملية ، في علاقة اتجاه المهمة المختلفة عما كان في السابق و الذي كنا نكتفي به في التمارين المدرسية المنزوعة السياق و لا رهان لها ، بحيث نطرحها جانبا طلبا في السلامة ، و نقطة جيدة ؛ ثم نستمر في واجب و عمل آخر . نحن نقول إنها وضعية متميزة تمر من خلال علاقة اخرى بين المدرسين بشكل حتمي ، تقترب من تلك التي نشاهدها في البيداغوجيات المؤسساتية و طرائق المشروع ، أي معاودة توزيع السلط بداخل القسـم . تماما ، لا يمكننا أن نتصور أن طرائق المشروع المتمركزة على الوضعيات المعقدة قد تدفع بالمعلم الذي تبنى هذا التصور بـ « شحن » تلامذته في مركب المهمة كما دأب فعله في الدروس التقليدية . إنه القسـم ، هنا ، هو الذي ينتج مشاريعه و كذا الوضعيات التي يطمح في مواجهتها . إنه لتحدي ديداكتيكي و بيداغوجي جديد من نوع آخر ، بحيث أن فئة من المدرسين اليوم لا ترغب فيه أو لا تقدر على مجابهته.

لا نجاح لمثل هاته البيداغوجية في ظل غياب تخطيط مرن . عندما نشتغل بالمشاريع و بالوضعيات ، إننا نعلم متى يبتدئ النشاط ، و نادرا متى وكيف سينتهي ، لأن الوضعية تحمل معها ديناميتها الخاصة بها . لناخذ مثالا : تنظيم حفل صمم على إثر بحث في الحي لا يلزم أربعة أسابيع فقط ، كما جاء في بداية التوقعات ، لكن شهرين . تم التخلي أثناءهما عن عديد من الامور الأخرى . للمشاريع مقتضيات خاصة لبلوغ النجاح . تفقد المشاريع معناها لو منحناها الأولوية في بعض مراحلها الحرجة . إذن أجزاء اخرى من البرنامج تداس بالأقدام و تقتضي المرونة الكبيرة .

تؤدي المقاربة بالكفايات إلى القليل من الأعمال ، الإلتصاق بأقل عدد من الوضعيات القوية و الخصبة ، تلك التي تنتج التعلمات التي تدور في فلك المعارف المهمة . الأمر الذي يحتم الحداد على أكبر جزء من المحتويات نحن لا زلنا اليوم نراها ضرورية . هل تسمح البرامج الجديدة للاعدادي القيام بهذا التخفيف ؟ إننا نشك في ذلك ، كما تم توضيحه كريستيان ديوران Christian Durand . سيكون من الأفضل قضاء أكبر الاوقات مع عدد محدود من الوضعيات المعقدة ، بدل المكوث وقت وجيز جدا برفقة أكبر عدد من المواضيع نتقدم فيها بسرعة كبيرة كي نطوي الصفحة الاخيرة من البرنامج في آخر يوم من السنة الدراسية .

و اخيرا ، هناك قطيعة في التعاقد الديداكتيكي الكلاسيكي القديم حيث يمتلك المعلم ، بمقتضاه ، المعرفة و يتصرف فيها و يراقب استحكاماتها لدى التلاميذ . إن هذا التعاقد يستلهم معانيه الكبيرة من البيداغوجية التشاركية ، و من العمل داخل الورشات ، و من الوضعيات التي بداخلها يواجه الفريق الصعوبات ولا أحد من أعضاء هذا الفريق لقادر على السيطرة عليها ابتداءا . إذن تستبدل لعبة القط و الفأر بأشكال من التعاون الهادف في إنجاح هذه المؤسسة الطموحة .( يتبـع )



الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى