لا حديـث عن الكفايـات...إذا لم
نبـدع أساليب تقويميـة جديـدة
يعتبر التقويم من الأمور الخطيرة في مسيرة التعليم و في البرامج . بداية ، لا يمكن ان نقوم إلا ما درسناه ، ما عدا هذا فإنه الفشل المحقق . و هناك فائدة مؤكدة في تعليم سابق حينما يستقبل أساتذة تلاميذ جدد فيشكلون وفق هذا أعمالا خاصة ، تتم في الفراغ و على إثرها تحدد النقائص التي سوف يترصدونها أثناء الاختبارات الاولى . بهذه الصفة ، يحاكم المدرسون عمل زملائهم من عل من خلال التقويم . إن هذا التقويم الخفي الجامع للمدرسين المتموضعين في مختلف التقسيم العمودي للعمل المدرسي هو أهم بكثير من الروح ، بل من حروف البرامج المكتوبة . لذا ، فثقل البرامج يكمن أقل في النصوص عنه من التأويل و المزايدات طيلة البرنامج . كل مدرس يعلم أنه سوف يكون « معاقبا » بسهولة من طرف زميله الذي سيستقبل تلامذته بدل مفتش لا يراه إلا بعد سبعمئة سنة . إنه « صديقه الغالي » هو الذي سيلاحظ هل أنهى « المقرر بأكمله » . ربما هذا المقرر كان ساري المفعول منذ خمس عشرة سنة أو لا وجود له في أي نص ، لكنه سيناسب حلم كل أستاذ ، وكل ما يمكن لتلامذته معرفته حتى يتسنى له تدريس برنامجه و هو مرتاح البال ، بعيدا من إصلاح الأعطاب أو المنزلقات الداخلية ، بعيدا من المواجهة الكبيرة للاتجانس.
إذا لم نغير البرامج التي تتجسد في النصوص ، ولم نتوغل في العمق لتلمس العقول ، فإن المقاربة بالكفايات لن تنعم بالمستقبل . إن أجزاء من البرامج ، بل المواد التعلمية جميعها ، التي ظلت هامشية و التي لم تعامل معاملة حسنة فإنها غير واضحة بالنسبة للتقويم ، ولا تحظى بالمشروعة ، فهي غير مؤدية إلى النجاح . بالمقابل ، فالبرامج التي ينبني عليها الاصطفاء القوي في المواد التعلمية الأساس ، هي التي تقتضي العمل الجاد و المتكرر و المقوم باستمرار . إن التقويم في حقيقة الأمر هو رسالة مؤكدة : يشتغل التلاميذ كي يتم تقويمهم بصورة سليمة و المدرسون من أجل أن يقدم تلامذتهم أفضل الأعمال و الإنتاج (بيرينو Perrenoud ، 1995 -1993 ).
يوجد فقط حظ ضئيل في المستقبل إذا ما أهمل تغيير سيروات التقويم . ماذا نقوم و كيف نقوم . من الأفضل إصلاح البرامج و التقويم في دفعة واحدة و بالتزامن . يجب أن ينطلق الامر من ذاته ، لكن عادة ، لا نفعل ذلك . من الأمور النادرة أن نجد نظاما تربويا يعيد الفكر مرة ثانية في التقويم و البرامج على حد سواء ، لأنه يدخل في دائرة اختصاصيين آخرين ، و حسب رزمانات آخر.
ما هو التقويم الذي تنشده المقاربة بالكفايات ؟ المقصود هنا هو ليس فقط التقويم التكويني ، بالرغم من أهميته في بيداغوجية الوضعيات – المسائل أو طرائق المشروع . عندما ندرس حسب هذه الطريقة ، فالتلاميذ موجودون في وضعية الملاحظة التكوينية بالضرورة ، يقابلون منجزاتهم و أعمالهم و يتبادلون التغذية الراجعة كأمر لا مناص منه . في هذه الحالة لا ينصب التقويم على الكسب وإنما على السيرورات القائمة فعلا ، وبفضل التفاعلات المتتالية و التفسيرات و التكرارات المتعاقبة . فلننظر إلى ما يحدث عندما نريد جميعا تركيب بناية معدة للصنع ، مصحوبة بكيفية استعمال غير واضحة ! يستثمر كل أحد منا ذاتيته في تأويل الوثيقة ، يقدم افتراضات ، يقترح طريقة .
من المرجح بكل تأكيد الذهاب بعيدا في هذا المسار ، و لا نقول ان بيداخوجية الوضعيات و الكفاية تنمي و تطور الملاحظة التكوينية و كفى . بل الواقع ، لا نقدر على تقويم الكفايات باتباع النهج المعياري التنميطي standardisé . لا بد من القيام بإبعاد نمط الإختبار المدرسي الكلاسيكي كمنظور إرشادي تقويمي . إننا نرفض « اختبار الكفايات » واضعين جميع « المتبارين » في نفس خط الانطلاق . إن الكفايات تقوّم ، طبعا ، لكن بوساطة الوضعيات بحيث تجعل البعض ، حسب الحالات ، أكثر حيوية و أكثر نشاطا من بعض الأخر ، لأنه لا ينجز الجميع نفس العمل في ذات الوقت . عكس ذلك ، يكشف كل أحد عما يعرفه و يقوم بما تمليه عليه الظروف من مبادرات و مخاطر . الأمر الذي من شأنه أن يساعد في استخراج مستخلص حسابي للكفايات الفردية عند الحاجة و لأغراض تكوينة و إشهادية .
ستكون هذه الدفاتر الكشفية للحساب معرضة للشبهات الإعتباطية و خاصة لما نعلم ان المدرسة و المدرسين لم يوضحا معالم التقويم كما جاء في العقد ، خال من سلم التنقيط ، و خال من التنافس الشديد . إن الضرورة تقتضي من التلاميذ و الآباء القبول بحكم الاستاذ فيما يخص كفاياتهم اجمالا ، في الوضعية كما في التكوين المهني على حد سواء ، و السبب في ذلك هو خبرة الأستاذ و مدى معرفته في تقويم البنّاء « قرب الجدار» . لن يتبع هذا الأستاذ-هنا طريق المقارنة و الموازنة بين التلاميذ ، بل يقارن بين المهام القابلة للتنفيذ ، ما أنجزه التلميذ ، و ما سينجزه لو كان كفءا . إننا نبتعد جذريا عن التخطيط الكلاسيكي القديم : « يخضع الجميع لنفس الإختبار و الأفضل هو من سيربح ». في الختم ، إن التعارض بين التكويني و الاشهادي تنقص حدته في هذا المسار ،لأنهما طرفان ينتميان إلى نفس « الملاحظات » ، نفس التغذية الراجعة المأخوذة بعين الاعتبار في مراحل مختلفة ، مع العلم أن في لحظة ما ( مثلا في آخر سلك السنة الدراسية او سلك ما ) سيكون هناك لا محالة تقويما إشهاديا .
إعمالا بالاصطفاء و الانتقاء فإن المدرسة تصنع الفشل ، لكنها تتستر عليه . من الواجب على التلاميذ تعلم القراءة بشكل سليم أخلاقيا و أدبيا . لا يصل كل جيل إلى هذه الدرجة أو لا يتحكم أبدا في القراءة . كيف نعالج هذا الوضع المأساوي ؟ لا شيء . معلمو المدرسة في الغالب هم كمثل هؤلاء الأطباء الذين يلوحون بأيدهم هكذا و يكتفون بتقديم دواء مصاحب لمرض ميؤوس منه . قبل أن نصل إلى هذه الحالة ، فإن الأطباء قد « جربوا كل شيء ». لا يمكن القول أكثر من هذا بخصوص المدرسة ، علما أن تنظيمها يمنع حتى « أي محاولة » . تحدث في آخر السنة إجراءات خاصة ، مكثفة ، أصيلة يستفيذ منها بعض التلاميذ . ما حقيقة الامر ؟ الأكثر ضعفا يكررون السنة ، ربما هذا هو الحل . يمر الاخرون إلى القسم الأعلى ، و هذا ربما يكون عربونا للتعلمات القوية .
لا يعني بناء الكفايات و إنماؤها هو أن نكتفي باستكمال البرنامج طولا و عرضا ، يمنع الوقوف منعا باتا إلا بعدما تصير التعلمات قد تم استكمالها وبناؤها بالتوقيع و الاشهاد . لا أهمية للبرنامج ، المهم هو مواجهة المشكل ، و المشكل يتحدد في الفعل البيداغوجي هل وصل إلى مبتغاه و حقق قصديته و بالتالي يبرز العناد بقوة ، و الخوف من الوقوع في العنف البيداغوجي ، و نبذ العمل « على نفس المنوال »، المهم و القصد هو البحث عن استراتيجيات جيدة .
من حيث التصور لم تتجدد البرامج لكي تساهم في بناء الكفايات بشكل تدريجي . إننا ندفع بالتلاميذ من مستوى إلى مستوى آخر بالتدرج ، إذ أنه لا يزال التحكم في القواعد الأساسية منالا بعيدا جدا لم يتحقق . من الضروري ان يكون المقترب الكفائي بالمناسبة يشكل قطيعة مع هذا المنطق : نوقف العمل إتجاه كفاية ما بمجرد ما تغذو في عداد المكتسب ، و ليس لأنه آخر السنة الدراسية أو يجب تغيير القسم .
بهذه المناسبة ، فإن إحداث الأسلاك البيداغوجية هو بمثابة تقدم هائل و تطور مهم ، لأنه وضع حدا لمبدأ « لكل مستوى برنامجه »، الذي يفهم من خلاله أن « ما تم انجازه لا يمكن إعادته » . لنضرب مثالا لذلك ، أي حينما نبني بيتا ، يقول العمال :« لسنا نحن الذين بنينا الطابق الأول . إنه لا يصمد ، غير أننا نعمل كأنما و نبني الطابق الثاني على كل حال ! » . لا يمكن لأي بيت مهما يكن التنعم بالعيش فيه و الهناء و الاستظلال بظله في هذا الغباء . في الحقيقة ، و على الرغم من ذلك تشتغل المدرسة وفق هذا المنوال : « كل أحد يعمل حسبما يراه أنه العمل » ، علما انه إن لم يبن فوق الرمال في الغالب ، فهو مشيد على قواعد هشة على الأقل . إن تقسيم العمل يجعلنا حتى غير مرخصين ( أو قادرين ) بناء ( إعادة ) الطابق المتقادم و المشرف على الهاوية . فعلا ، بإمكاننا أن نقول مهما كان الأمر أن المدرسين غير مأجورين للقيام بهذا العمل ! من الضروري على مقاربة الكفايات المساهمة و التوريط في الاستمرارية بشكل بالغ . لهذا ، نجد الأسلاك التي استدمجناها بالكامل ترتبط بالمدرسة الابتدائية أو بالبنيات المماثلة في المستوى الثاني . من أجل تفعيل الكفايات ، لا بد من استهداف التحمل باستمرار لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات . يصبح جميع المدرسين أنذاك أثناء سلك ما محاسبين بمهمة تكوين نفس الكفايات و يتدخلون لتسهيل نمائها و تطويرها أحيانا او بصفة دائمة حينما تقتضي الضرورة . يمكننا ، بهذه الروح ، أن نتخيل مدرسة أساسية و هي تستمر في تدريس القراءة لفائدة تلاميذ عمرهم يناهز الخمس عشرة سنة ، إذا ما تعذر الاتقان ، بدل استدعاء هؤلاء التلاميذ للقراءة و نستغرب بالتالي عن عجزهم و لماذا لا يعرفون . لحد الساعة ، لم نمنح لأنفسنا الوقت و الوسائل الكافيين لمثل هذا التلاؤم و الملاءمة بين المدرسة و التلاميذ . إن المقاربة بالكفايات تعمق أيضا إلزامية فارقية التعليم ، تفريد المسارات و القطع مع تجزء البرنامج إلى برامج سنوية .
لا حديـث عن الكفايـات ...
إذا لم نكـون المدرســين
أغلبية المدرسين تلقوا تكوينا في مدرسة متمركزة على المعارف . فهم يتمتعون بهذا النموذج الذي حدد علاقتهم و بنى معارفهم بصورة كبيرة و مناسبة في هذا الاتجاه ، لأنهم درسوا و اجتازوا الامتحانات وفق هذا الأسلوب . إنهم يتواجدون بجانب «الثلث المتعلم ! » في الميدان التربوي و بالوسع العيش بهناء و سلام في ظل هذه الإثنية المركزية . بالنسبة لأغلبية المدرسين فإن الكفايات لا « تتكلم أبدا » . و هذا بسبب تكوينهم المهني . فلا أسلوب تدبيرهم للفصل يؤهلهم لممارسة ذلك : فالأمر يعد من قبيل الهرطقة البيداغوجية ، و التنشيط السوسيوثقافي الممتاز في مراكز و حجرات الترفية او في « الطابق السفلي » للبناية المدرسية على الأقل . مادام المدرسون متمسكين بهذا المنطق ، فإن هوية الأستاذ في مأمن ، بسبب تشبتهم مكتفين بتدريس المعارف و تقويهما . بقدر ما يظلون يجهلون حقيقة التنظيم و التقويم لمناهج المشروعات ، و الوضعيات المعقدة ، بقدر ما يلجأ الوزراء في إخراج نصوص ذكية ، ينفذها رجال أذكياء أيضا ، غير أنها لا تسير في نفس الدرب البيداغوجي و التنظيري .
إن النصوص الوزارية الحالية – و بشكل عام – تحظى بتطور و تقدم نسبة إلى الهيئة التعلمية . لا توجد هنا أي ضمانة لردم الهوة . في واقع الأمر ، يبدو لنا الأمر واضحا حينما نشتغل في IUFM ، لا نزال نكوﱢن المدرسين المتمركزين على المعارف ، في الوقت الذي حيث أن الخطاب حول الكفايات يشتد تأثيره و وقعه . من أجل تقليص هذا الفارق ، من المحتم انتظار عشر سنوات على الأقل ... إنه لنقص صارخ من حيث المطابقة و التلاوم بين الخطاب السائد حول البرامج و تكوين المدرسين ، الذي لا يتجه صوب بيداغوجية الكفايات حاليا . إن تركيبة IUFM توضح ذلك تماما ، و المكانة التي تحتلها هذه المؤسسة في وقت التباري ، وأهميتها . لعل طبيعة الاختبارات تكشف لنا أننا ما زلنا تحت سيطرة ذاك المنطق ، منطق المعارف الجامعية المتنفذة أثناء وضعية الامتحان ، إذن فهي بعيدة كل البعد عن تعبئتها داخل الفصل . باختصار ، إن المناسبات التي من خلالها يواجه الاساتذة التعقيد بفضل التمرن و التداريب في المؤسسة لا تطبق ، و الحالة هاته ، بدل النظر إلى التعقيد كموضوع او مادة أساسية من جهة التكوين ، فهو يشتغل بمنطق المادة التعلمية الاكاديمية .
لن تحدث « ثورة الكفايات » إلا إذا جعلها مدرسو المستقبل تجربتهم الشخصية أثناء فترة تكوينهم المهني . سوف يزدهر التكوين المستمر . إن تطوير الكفايات سينطلق في حالة ما إذا اتجه نحو الامتهانية Professionnalisme ( بيرنو Perrenoud 1994 أ – ب 1996 / ب ) ، وواكب الفرق و مشروعات المؤسسة ، ونحو دراسة و تحليل الممارسات ، و ظروف العمل و المشاكل المهنية ( بيرنو Perrenoud 1996 ) . إن للتكوين الأساس مستقبل مما لا شك فيه ، على المدى البعيد ، في حالة تمكنه بناء تمفصل حقيقي بين النظريات و التطبيقات . من المفترض وجوب تكسير حلقة مفرغة : إذا كان نموذج تكوين التلاميذ مسايرا و مدعما من قبل تكوين المدرسين ، و العكس صحيح ، عندئذ يمكننا ان نشك في التغيير ...
النسقـيــة ، فكـر إيجابـي
كل احد منا يتمنى تحقيق الأفكار الرائعة و الجيدة بسرعة ، في غياب التصادم مع تعقيد الأنظمة . للآسف الشديد ، هذا النوع من الفكر الأسطوري ( السحري ) يساعد ليس فقط في عدمية الوهم ، لكن هو مضيعة للوقت و السنين و انعدام روح المبادرة و الاستباق . إن التطلع و استكناه الرهانات ، وظروف و محصلات المقاربة بالكفايات سيكون من باب التعجيز صعب المنال بلا شك لأول وهلة. إننا نعيش على أنقاض الطوباويات منذ أزيد من قرن و نتلذذ بها كل يوم . لكن عصرنا بإمكانه أن يقدم النفع الكثير : تحليل البعد الذي يميز الطوباوية عن تحققها بفضل الدراسات و العلوم الأنسانية و الاجتماعية . حتى لا ننسى المهم : ليس هناك أي قيمة تذكر للمقاربة بالكفايات إذا لم يكن هناك تقديم جواب عن الفشل المدرسي بواسطة الكفايات . ( انتهـى (
نبـدع أساليب تقويميـة جديـدة
يعتبر التقويم من الأمور الخطيرة في مسيرة التعليم و في البرامج . بداية ، لا يمكن ان نقوم إلا ما درسناه ، ما عدا هذا فإنه الفشل المحقق . و هناك فائدة مؤكدة في تعليم سابق حينما يستقبل أساتذة تلاميذ جدد فيشكلون وفق هذا أعمالا خاصة ، تتم في الفراغ و على إثرها تحدد النقائص التي سوف يترصدونها أثناء الاختبارات الاولى . بهذه الصفة ، يحاكم المدرسون عمل زملائهم من عل من خلال التقويم . إن هذا التقويم الخفي الجامع للمدرسين المتموضعين في مختلف التقسيم العمودي للعمل المدرسي هو أهم بكثير من الروح ، بل من حروف البرامج المكتوبة . لذا ، فثقل البرامج يكمن أقل في النصوص عنه من التأويل و المزايدات طيلة البرنامج . كل مدرس يعلم أنه سوف يكون « معاقبا » بسهولة من طرف زميله الذي سيستقبل تلامذته بدل مفتش لا يراه إلا بعد سبعمئة سنة . إنه « صديقه الغالي » هو الذي سيلاحظ هل أنهى « المقرر بأكمله » . ربما هذا المقرر كان ساري المفعول منذ خمس عشرة سنة أو لا وجود له في أي نص ، لكنه سيناسب حلم كل أستاذ ، وكل ما يمكن لتلامذته معرفته حتى يتسنى له تدريس برنامجه و هو مرتاح البال ، بعيدا من إصلاح الأعطاب أو المنزلقات الداخلية ، بعيدا من المواجهة الكبيرة للاتجانس.
إذا لم نغير البرامج التي تتجسد في النصوص ، ولم نتوغل في العمق لتلمس العقول ، فإن المقاربة بالكفايات لن تنعم بالمستقبل . إن أجزاء من البرامج ، بل المواد التعلمية جميعها ، التي ظلت هامشية و التي لم تعامل معاملة حسنة فإنها غير واضحة بالنسبة للتقويم ، ولا تحظى بالمشروعة ، فهي غير مؤدية إلى النجاح . بالمقابل ، فالبرامج التي ينبني عليها الاصطفاء القوي في المواد التعلمية الأساس ، هي التي تقتضي العمل الجاد و المتكرر و المقوم باستمرار . إن التقويم في حقيقة الأمر هو رسالة مؤكدة : يشتغل التلاميذ كي يتم تقويمهم بصورة سليمة و المدرسون من أجل أن يقدم تلامذتهم أفضل الأعمال و الإنتاج (بيرينو Perrenoud ، 1995 -1993 ).
يوجد فقط حظ ضئيل في المستقبل إذا ما أهمل تغيير سيروات التقويم . ماذا نقوم و كيف نقوم . من الأفضل إصلاح البرامج و التقويم في دفعة واحدة و بالتزامن . يجب أن ينطلق الامر من ذاته ، لكن عادة ، لا نفعل ذلك . من الأمور النادرة أن نجد نظاما تربويا يعيد الفكر مرة ثانية في التقويم و البرامج على حد سواء ، لأنه يدخل في دائرة اختصاصيين آخرين ، و حسب رزمانات آخر.
ما هو التقويم الذي تنشده المقاربة بالكفايات ؟ المقصود هنا هو ليس فقط التقويم التكويني ، بالرغم من أهميته في بيداغوجية الوضعيات – المسائل أو طرائق المشروع . عندما ندرس حسب هذه الطريقة ، فالتلاميذ موجودون في وضعية الملاحظة التكوينية بالضرورة ، يقابلون منجزاتهم و أعمالهم و يتبادلون التغذية الراجعة كأمر لا مناص منه . في هذه الحالة لا ينصب التقويم على الكسب وإنما على السيرورات القائمة فعلا ، وبفضل التفاعلات المتتالية و التفسيرات و التكرارات المتعاقبة . فلننظر إلى ما يحدث عندما نريد جميعا تركيب بناية معدة للصنع ، مصحوبة بكيفية استعمال غير واضحة ! يستثمر كل أحد منا ذاتيته في تأويل الوثيقة ، يقدم افتراضات ، يقترح طريقة .
من المرجح بكل تأكيد الذهاب بعيدا في هذا المسار ، و لا نقول ان بيداخوجية الوضعيات و الكفاية تنمي و تطور الملاحظة التكوينية و كفى . بل الواقع ، لا نقدر على تقويم الكفايات باتباع النهج المعياري التنميطي standardisé . لا بد من القيام بإبعاد نمط الإختبار المدرسي الكلاسيكي كمنظور إرشادي تقويمي . إننا نرفض « اختبار الكفايات » واضعين جميع « المتبارين » في نفس خط الانطلاق . إن الكفايات تقوّم ، طبعا ، لكن بوساطة الوضعيات بحيث تجعل البعض ، حسب الحالات ، أكثر حيوية و أكثر نشاطا من بعض الأخر ، لأنه لا ينجز الجميع نفس العمل في ذات الوقت . عكس ذلك ، يكشف كل أحد عما يعرفه و يقوم بما تمليه عليه الظروف من مبادرات و مخاطر . الأمر الذي من شأنه أن يساعد في استخراج مستخلص حسابي للكفايات الفردية عند الحاجة و لأغراض تكوينة و إشهادية .
ستكون هذه الدفاتر الكشفية للحساب معرضة للشبهات الإعتباطية و خاصة لما نعلم ان المدرسة و المدرسين لم يوضحا معالم التقويم كما جاء في العقد ، خال من سلم التنقيط ، و خال من التنافس الشديد . إن الضرورة تقتضي من التلاميذ و الآباء القبول بحكم الاستاذ فيما يخص كفاياتهم اجمالا ، في الوضعية كما في التكوين المهني على حد سواء ، و السبب في ذلك هو خبرة الأستاذ و مدى معرفته في تقويم البنّاء « قرب الجدار» . لن يتبع هذا الأستاذ-هنا طريق المقارنة و الموازنة بين التلاميذ ، بل يقارن بين المهام القابلة للتنفيذ ، ما أنجزه التلميذ ، و ما سينجزه لو كان كفءا . إننا نبتعد جذريا عن التخطيط الكلاسيكي القديم : « يخضع الجميع لنفس الإختبار و الأفضل هو من سيربح ». في الختم ، إن التعارض بين التكويني و الاشهادي تنقص حدته في هذا المسار ،لأنهما طرفان ينتميان إلى نفس « الملاحظات » ، نفس التغذية الراجعة المأخوذة بعين الاعتبار في مراحل مختلفة ، مع العلم أن في لحظة ما ( مثلا في آخر سلك السنة الدراسية او سلك ما ) سيكون هناك لا محالة تقويما إشهاديا .
إعمالا بالاصطفاء و الانتقاء فإن المدرسة تصنع الفشل ، لكنها تتستر عليه . من الواجب على التلاميذ تعلم القراءة بشكل سليم أخلاقيا و أدبيا . لا يصل كل جيل إلى هذه الدرجة أو لا يتحكم أبدا في القراءة . كيف نعالج هذا الوضع المأساوي ؟ لا شيء . معلمو المدرسة في الغالب هم كمثل هؤلاء الأطباء الذين يلوحون بأيدهم هكذا و يكتفون بتقديم دواء مصاحب لمرض ميؤوس منه . قبل أن نصل إلى هذه الحالة ، فإن الأطباء قد « جربوا كل شيء ». لا يمكن القول أكثر من هذا بخصوص المدرسة ، علما أن تنظيمها يمنع حتى « أي محاولة » . تحدث في آخر السنة إجراءات خاصة ، مكثفة ، أصيلة يستفيذ منها بعض التلاميذ . ما حقيقة الامر ؟ الأكثر ضعفا يكررون السنة ، ربما هذا هو الحل . يمر الاخرون إلى القسم الأعلى ، و هذا ربما يكون عربونا للتعلمات القوية .
لا يعني بناء الكفايات و إنماؤها هو أن نكتفي باستكمال البرنامج طولا و عرضا ، يمنع الوقوف منعا باتا إلا بعدما تصير التعلمات قد تم استكمالها وبناؤها بالتوقيع و الاشهاد . لا أهمية للبرنامج ، المهم هو مواجهة المشكل ، و المشكل يتحدد في الفعل البيداغوجي هل وصل إلى مبتغاه و حقق قصديته و بالتالي يبرز العناد بقوة ، و الخوف من الوقوع في العنف البيداغوجي ، و نبذ العمل « على نفس المنوال »، المهم و القصد هو البحث عن استراتيجيات جيدة .
من حيث التصور لم تتجدد البرامج لكي تساهم في بناء الكفايات بشكل تدريجي . إننا ندفع بالتلاميذ من مستوى إلى مستوى آخر بالتدرج ، إذ أنه لا يزال التحكم في القواعد الأساسية منالا بعيدا جدا لم يتحقق . من الضروري ان يكون المقترب الكفائي بالمناسبة يشكل قطيعة مع هذا المنطق : نوقف العمل إتجاه كفاية ما بمجرد ما تغذو في عداد المكتسب ، و ليس لأنه آخر السنة الدراسية أو يجب تغيير القسم .
بهذه المناسبة ، فإن إحداث الأسلاك البيداغوجية هو بمثابة تقدم هائل و تطور مهم ، لأنه وضع حدا لمبدأ « لكل مستوى برنامجه »، الذي يفهم من خلاله أن « ما تم انجازه لا يمكن إعادته » . لنضرب مثالا لذلك ، أي حينما نبني بيتا ، يقول العمال :« لسنا نحن الذين بنينا الطابق الأول . إنه لا يصمد ، غير أننا نعمل كأنما و نبني الطابق الثاني على كل حال ! » . لا يمكن لأي بيت مهما يكن التنعم بالعيش فيه و الهناء و الاستظلال بظله في هذا الغباء . في الحقيقة ، و على الرغم من ذلك تشتغل المدرسة وفق هذا المنوال : « كل أحد يعمل حسبما يراه أنه العمل » ، علما انه إن لم يبن فوق الرمال في الغالب ، فهو مشيد على قواعد هشة على الأقل . إن تقسيم العمل يجعلنا حتى غير مرخصين ( أو قادرين ) بناء ( إعادة ) الطابق المتقادم و المشرف على الهاوية . فعلا ، بإمكاننا أن نقول مهما كان الأمر أن المدرسين غير مأجورين للقيام بهذا العمل ! من الضروري على مقاربة الكفايات المساهمة و التوريط في الاستمرارية بشكل بالغ . لهذا ، نجد الأسلاك التي استدمجناها بالكامل ترتبط بالمدرسة الابتدائية أو بالبنيات المماثلة في المستوى الثاني . من أجل تفعيل الكفايات ، لا بد من استهداف التحمل باستمرار لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات . يصبح جميع المدرسين أنذاك أثناء سلك ما محاسبين بمهمة تكوين نفس الكفايات و يتدخلون لتسهيل نمائها و تطويرها أحيانا او بصفة دائمة حينما تقتضي الضرورة . يمكننا ، بهذه الروح ، أن نتخيل مدرسة أساسية و هي تستمر في تدريس القراءة لفائدة تلاميذ عمرهم يناهز الخمس عشرة سنة ، إذا ما تعذر الاتقان ، بدل استدعاء هؤلاء التلاميذ للقراءة و نستغرب بالتالي عن عجزهم و لماذا لا يعرفون . لحد الساعة ، لم نمنح لأنفسنا الوقت و الوسائل الكافيين لمثل هذا التلاؤم و الملاءمة بين المدرسة و التلاميذ . إن المقاربة بالكفايات تعمق أيضا إلزامية فارقية التعليم ، تفريد المسارات و القطع مع تجزء البرنامج إلى برامج سنوية .
لا حديـث عن الكفايـات ...
إذا لم نكـون المدرســين
أغلبية المدرسين تلقوا تكوينا في مدرسة متمركزة على المعارف . فهم يتمتعون بهذا النموذج الذي حدد علاقتهم و بنى معارفهم بصورة كبيرة و مناسبة في هذا الاتجاه ، لأنهم درسوا و اجتازوا الامتحانات وفق هذا الأسلوب . إنهم يتواجدون بجانب «الثلث المتعلم ! » في الميدان التربوي و بالوسع العيش بهناء و سلام في ظل هذه الإثنية المركزية . بالنسبة لأغلبية المدرسين فإن الكفايات لا « تتكلم أبدا » . و هذا بسبب تكوينهم المهني . فلا أسلوب تدبيرهم للفصل يؤهلهم لممارسة ذلك : فالأمر يعد من قبيل الهرطقة البيداغوجية ، و التنشيط السوسيوثقافي الممتاز في مراكز و حجرات الترفية او في « الطابق السفلي » للبناية المدرسية على الأقل . مادام المدرسون متمسكين بهذا المنطق ، فإن هوية الأستاذ في مأمن ، بسبب تشبتهم مكتفين بتدريس المعارف و تقويهما . بقدر ما يظلون يجهلون حقيقة التنظيم و التقويم لمناهج المشروعات ، و الوضعيات المعقدة ، بقدر ما يلجأ الوزراء في إخراج نصوص ذكية ، ينفذها رجال أذكياء أيضا ، غير أنها لا تسير في نفس الدرب البيداغوجي و التنظيري .
إن النصوص الوزارية الحالية – و بشكل عام – تحظى بتطور و تقدم نسبة إلى الهيئة التعلمية . لا توجد هنا أي ضمانة لردم الهوة . في واقع الأمر ، يبدو لنا الأمر واضحا حينما نشتغل في IUFM ، لا نزال نكوﱢن المدرسين المتمركزين على المعارف ، في الوقت الذي حيث أن الخطاب حول الكفايات يشتد تأثيره و وقعه . من أجل تقليص هذا الفارق ، من المحتم انتظار عشر سنوات على الأقل ... إنه لنقص صارخ من حيث المطابقة و التلاوم بين الخطاب السائد حول البرامج و تكوين المدرسين ، الذي لا يتجه صوب بيداغوجية الكفايات حاليا . إن تركيبة IUFM توضح ذلك تماما ، و المكانة التي تحتلها هذه المؤسسة في وقت التباري ، وأهميتها . لعل طبيعة الاختبارات تكشف لنا أننا ما زلنا تحت سيطرة ذاك المنطق ، منطق المعارف الجامعية المتنفذة أثناء وضعية الامتحان ، إذن فهي بعيدة كل البعد عن تعبئتها داخل الفصل . باختصار ، إن المناسبات التي من خلالها يواجه الاساتذة التعقيد بفضل التمرن و التداريب في المؤسسة لا تطبق ، و الحالة هاته ، بدل النظر إلى التعقيد كموضوع او مادة أساسية من جهة التكوين ، فهو يشتغل بمنطق المادة التعلمية الاكاديمية .
لن تحدث « ثورة الكفايات » إلا إذا جعلها مدرسو المستقبل تجربتهم الشخصية أثناء فترة تكوينهم المهني . سوف يزدهر التكوين المستمر . إن تطوير الكفايات سينطلق في حالة ما إذا اتجه نحو الامتهانية Professionnalisme ( بيرنو Perrenoud 1994 أ – ب 1996 / ب ) ، وواكب الفرق و مشروعات المؤسسة ، ونحو دراسة و تحليل الممارسات ، و ظروف العمل و المشاكل المهنية ( بيرنو Perrenoud 1996 ) . إن للتكوين الأساس مستقبل مما لا شك فيه ، على المدى البعيد ، في حالة تمكنه بناء تمفصل حقيقي بين النظريات و التطبيقات . من المفترض وجوب تكسير حلقة مفرغة : إذا كان نموذج تكوين التلاميذ مسايرا و مدعما من قبل تكوين المدرسين ، و العكس صحيح ، عندئذ يمكننا ان نشك في التغيير ...
النسقـيــة ، فكـر إيجابـي
كل احد منا يتمنى تحقيق الأفكار الرائعة و الجيدة بسرعة ، في غياب التصادم مع تعقيد الأنظمة . للآسف الشديد ، هذا النوع من الفكر الأسطوري ( السحري ) يساعد ليس فقط في عدمية الوهم ، لكن هو مضيعة للوقت و السنين و انعدام روح المبادرة و الاستباق . إن التطلع و استكناه الرهانات ، وظروف و محصلات المقاربة بالكفايات سيكون من باب التعجيز صعب المنال بلا شك لأول وهلة. إننا نعيش على أنقاض الطوباويات منذ أزيد من قرن و نتلذذ بها كل يوم . لكن عصرنا بإمكانه أن يقدم النفع الكثير : تحليل البعد الذي يميز الطوباوية عن تحققها بفضل الدراسات و العلوم الأنسانية و الاجتماعية . حتى لا ننسى المهم : ليس هناك أي قيمة تذكر للمقاربة بالكفايات إذا لم يكن هناك تقديم جواب عن الفشل المدرسي بواسطة الكفايات . ( انتهـى (