لا حديث عن الكفايات ...إذا لم نعكس في الوضعية
العلاقة الموجودة بين المعارف و الفعل
حتى رجال المدرسة لا يوجد من ضمنهم من يدافع على أن باستطاعة المعارف مختزلة في حد ذاتها قيادة العمل الانساني. الباحث و العالم اللذان يمتهنان كلاهما حرفة « المعرفة » ، يتحتم عليهما ممارسة التطبيق لهذه المعرفة . إن ممارسات العلماء هي أكثر تنظيرا و رمزية مقارنة مع ممارسة الطبيب والمهندس أو رئيس المقاولة ، و نادرا ما تقام في الأغلب الأعم لمواجهة قرارات استعجالية في أوقات الشك و الريبة ( بيرينو Perrenoud ، 1996 a/ ). فالتفوق و النجاح في الامتحانات هو ممارسة ، يجند بعض الكفايات . ترفض المعارف اجتماعيا في ظل وضعيات التقويم الاعتباطية المفرطة ، شريطة أن تحظى بالفاعلية و القيمة بوساطة شيمات التواصل ، و التقديم ، والتفاوض .
لا تعتقد المدرسة إذا أن المعارف تكتفي بذاتها . لا تسقط من حسابها أن قيمة المعارف ستنال في آخر المطاف بواسطة الاندماج ، عن طريق الكفايات . لكنها قليلا ما تهتم بهذا الدمج ، ما عدا في التكوين المهني ، في أحسن الحالات . يساهم هذا الدمج فيما يسميه ميريو Meirieu بـ « إسقاط السند » le désétayage ، الذي يتجلى في التحرر من السياقات و ظروف التعليم و تقويم المعارف تدريجيا، حتى يتسنى تحويلها و استثمارها في وضعيات خارج المدرسة . فعدم الارتباط هذا إزاء السياقات يمر بالأخص عبر قدرة تعبوية للمعارف داخل الوضعيات بحيث أن لا شيء يشير ، قبليا ، أنها ملائمة و بحيث ليس هناك ما يعمل على ترشيد استعمالاتها سوى الفاعل و حكمه : لا وجود للتعليمات ، للنماذج ، للمسلكيات ، كما هو موجود في التمارين المدرسية . تعمل المدرسة كأنما إسقاط السند سيتم من تلقاء نفسه ، بينما دلت الابحاث ( مندلسن Mendelson (1996 )) على أن التحويل Le transfert لا يظهر إلا بعد التمرن عليه ، آخذين بعين الاعتبار استراتيجية التكوين . لا يكفي انغماس الناس او الغوض في « العالم الواقعي » و تعقيداته كي تتحول معارفهم بقدرة ساحر إلى موارد معبأة و مجندة . وبالرغم ذلك ، دون أن أكون ضد التحويل ، ترفض المدرسة ضياع الوقت في تفعيله . تفضل المدرسة مضاعفة إسهامات المواد التعلمية بدل الاكتفاء بميدان معارفه ضيقة الأفق ، و من الوقت شغلا تستثمره في الوضعيات المعقدة. في الوقت الذي تسعى المدرسة في تفعيل كفاية – تحرير احدى المقالات ، أو شرح ، او تلخيص بعض النصوص على سبيل المثال ، يتضح غالبا أن السبب يعود بداية كون هذه الكفاية إنما تدرس بداخل المؤسسة ، تفعيلها يخدم أغراض البكالوريا ، امتحانات الجامعة احتمالا . يود نانزياتي ( Nunziati ، 1990 ) الذهاب بعيدا في هذا المنظق ، مثلا ، بالنسبة لتحرير مقالة أدبية أو فلسفية : بمجرد ما نعلم أن البكالوريا تقـوِّم الكفايات الخصوصية ، نسارع في تحديد عناصرها و نشتغل عليها بكل جدية و إتقان ، مقدمين يد المساعدة للتلاميذ من اجل تشفير معيار الامتياز . إننا نطور كفايتهم في إنجاح هذا الجانب للبكالوريا .
ربما تعد هذه خطة تاكتيكية ، و لتكن ما كانت هذه الامتحانات . أليست هذه استراتيجية ذكية في التكوين ؟ إن العمل على قلب العلاقة بين المعارف و الفعل أثناء او في الوضعية ، سينطلق في الغالب من الوضعيات و بالتالي مساءلة المعارف ، لا بل حتى بنائها انطلاقا من تعقيدات لممارسة ما . لا يجب أن نفهم من هذا العودة إلى المنفعية الضيقة بأي حال من الأحوال. بعيدة كل البعد بأن تصبح الانشطة الانسانية منفعية ، بعض منها يروم السلطة ، و العدالة ، و الخلاص ، بناء المعنى و فهم العالم ، و الجمال . من العبث اختزال الرياضيات في حساب ميزانية العائلة و البيولوجية في بعض مفاهيم الوقاية ضد امراض العدوى التناسلية MST . إن الإحالة إلى التصرف / الفعل Action ليس منفعيا ، هو أساسا من نظام ابستمولوجي . غير أنه يستدعي الخروج من العالم المدرسي .
مما لا شك فيه هذا يفيد تجذر المعارف في التاريخ بشكل واضح ، هذه المعارف التي غالبا ما تشكلت من الاهواء و الاستراتيجيات . أيضا يفيد امتلاك الوقت بغية النظر في الاستعمالات الاجتماعية للمعارف داخل المدرسة ، بالالتصاق بالواقع أكثر و بالوصول إلى الافكار و المثل المجردة . في الجانب الديداكتيكي ، يقتضي الأمر نوعا مغايرا من البرامج ، الذي يمنح أهمية قليلة للمنحى الخطي و التخطيطي لنص المعرفة ، و إبداع قوي و مهم للوضعيات – المسائل . إضافة إلى هذه البراكماتية المقيدة في العمل المدرسي يمكن الاشتغال بشكل كبير حول التعقل بصدد العلاقة الموجودة بين المعارف و الكفايات . إن معاودة السياق للمهام المدرسية ليس فقط هو من جنس الممارسة و التطبيق ، فهو نابع أيضا من الرمزية . بإمكان التلميذ إيجاد المعنى للتمارين التي لا تستجيب لأي مشكل حقيقي و واقعي في حالة ما إذا تصور وضعيات من الحياة تحمل بداخلها الكفايات المتمرنة من خلال هذه المهام فإنها ستبدو له ملائمة و مستوعبة . لا يعد سعينا هذا من باب الممكن و لا نتمنى إقحام « الحياة الحقيقية » في المدرسة بصفة تأكدية .
فلتوجد على الأقل في مخيال القسم !
لا حديث عن الكفايات...إذا لم نغير
العلاقة إزاء الثقافة العامة
الهدف المتوخى من المدرسة الاجبارية هو الثقافة العامة . بجانب العنف المتصاعد في المؤسسات ، تفرض الفرادنية المعاصرة بدل المزيد من الجهذ و إيلاء « للثقافة المشتركة » أهمية مستحقة . هل من الضروري معاودة إنتاج المدرسة الجمهورية لآواخر القرن الماضي بالرغم من كل شيء ؟ أمازلنا حقيقة نعتقد أنه بمقدورنا تأسيس نظام مجتمعي مبني على وحدة اللغة و القيم المكتسبة من المدرسة الاجبارية علما أننا نحيا في الميديا الفائقة ، و الاسفار ، و تنوع أنماط العيش ، و الحركات الديموغرافية الهائلة ؟ لعل التنظيمات المتأسسة على الفكر الوحيد توجد بعد الآن في مصاف الأنظمة الشمولية و الأصولية التي تقتات منها . المهم ، هو أن الأفراد و الجماعات يكونون قادرين على بناء نظام متفاوض ذو مستوى ملائم و دقيق ، نوع من HLM كوكبي . هذا يقتضي مما لا شك فيه على الأقل حدا أدنى من القيـم المشتركة : رفض العنف و احترام الآخر ، في أفكاره ، في حياته و طريقة عيشه . من أجل هذا ، هل من الواجب و الضروري امتلاك نفس الثقافة الأدبية ، و الرياضياتية ، و الفلسفية ، و الجغرافية ، و التاريخية ، و البيولوجية؟
إن البرامج الحديثة للاعدادي لم تحسن الاختيار المناسب في هذا الباب . لقد اشتكت من الموسوعية و ما انتهت من لف عنقها ، غير أنها لم تجرؤ القيام بالحداد فعلا على مجموعة كاملة من المعارف تجدها المدرسة التقليدية ضرورية و ملحة . الخطة معروفة : في المرحلة الأولى ، نعمل على تخفيف البرامج بكل نية و صدق مستهدفين ما هو أساسي ، ثم ؛ عن طريق التوافقات ، « نستدخل » شيئا فشيئا كل ضروب و أصناف المعارف في النصوص التي يراها الفريق أو لجنة التحكيم نافعة ، بل رئيسية ، تؤسس لـ « ثقافة قاعدية » . حاليا لا أحد يدافع عن الموسوعية بكل بصراحة . لكن من الذي يعلن الحرب عنها بكل عزم و إصرار و هو مستعد للتخلي عن جزء من قناعاته الخاصة ؟ أمام هذا الحل التفاوضي بين سلطات المواد التعلمية و بين الزيادة في الكم الهائل للمعارف الضرورية فأن الأمر قد يتجاوز بكثير إمكانات التلاميذ .
هذا البحث و الجري الحثيث و الدائم نحو المهم ألم يتأسس حول رؤية متجاوزة للثقافة العامة ؟ من الممكن أن نحتج على هاته البداهة التي تستوجب حسبها تملك الثقافة المشتركة الموسعة من أجل أن نحيا جميعا . أمران رئيسيان يكفيان على أقدر ترجيح : يتسمان بطبيعة أخلاقية أكثر بدل اللجوء إلى المعارف : رفض العنف و احترام الفردانية و أفكار الآخرين . إن الثقافة المشتركة ، قبل كل شيء ، هي الحس العام Le sens commun ، ضرب من العقل المتقاسم ، من العلاقة المنطقية اتجاه الواقع ، أساسها المعارف ، و المناهج ، و الملاحظة ، و حوار المتناقضات .
أليس هذا هو ما تقوم به المدرسة ؟ يظن الأساتذة بلا شك أن تملك المعارف التعلمية disciplines يصب في تربية الحكم . من المؤكد ، تاريخيا ، أن العلم و المعارف لهما نصيب مرتبط بالعقل . هل ما زال هذا الارتباط حقيقة قائما و صامدا في البرامج المدرسية ، في المحتويات الفعلية للتعليم و ما يقبع خاصة في رأس التلاميذ ؟ هناك معارف كثيرة تعرض بسرعة ، شحيحة في إشكاليتها ، استيعابها يشوبه الاستعجال تسترجع فقط أثناء موضوع الامتحان . في المدرسة ، أصبحت علاقة التلاميذ بالمعرفة أذاتية بشكل كبير ، بل وقحة . تهتم بالتجميع و التكديس و تهمل التفكير النقدي ، لأن مجموعات الضغط للمواد التعلمية لا تتوقف برهة عن شحن الباخرة ، من اجل التوسع او الحفاظ على ممتلكاتها و نصيبها من الكعك أثناء جداول الحصص الزمانية .
ستكون الثقافة العامة هي ربما القدرة على إبداع أمور أخرى بغية تحديد ما يوجد لدينا مشتركين ، عوض نية إغراق الأفراد داخل قوالب من نفس الحجم ، كأننا نخاف العيش مجتمعين إن لم نكن متشابهين بالقوة . إننا نتشابه اليوم على أي حال أكثر من أي وقت مضى بسبب ثقافة الشعب و الانتاج الصناعي ، و أقل من أي وقت آخر لأننا لم نعد نحتاج ( حتى حدود الخمسينات ) النظر إلى الحياة بنفس المنظار ، رغبة في الحصول على الايمان الموحد او نفس العلاقة اتجاه الدولة . أمام تطور الفردانية و الانفتاح على العالم ، لا بد من البحث عن ثقافة أخرى تقيم الحداد على نمطية اللغة ، و الفكر ، و الأذواق ، والقيـم . أغلب الظن ، المقاربة بالكفايات هي أحد السبل المؤدية إلى ذلك ، لأنها تؤكد على قدرة التخاطب و التواصل ، على بناء الأشياء جماعة ، أكثر بكثير عن هوية الثقافات و المعارف ( أوتيه و ليفي Authier et Lévy ، 1996 ). يتبـع
العلاقة الموجودة بين المعارف و الفعل
حتى رجال المدرسة لا يوجد من ضمنهم من يدافع على أن باستطاعة المعارف مختزلة في حد ذاتها قيادة العمل الانساني. الباحث و العالم اللذان يمتهنان كلاهما حرفة « المعرفة » ، يتحتم عليهما ممارسة التطبيق لهذه المعرفة . إن ممارسات العلماء هي أكثر تنظيرا و رمزية مقارنة مع ممارسة الطبيب والمهندس أو رئيس المقاولة ، و نادرا ما تقام في الأغلب الأعم لمواجهة قرارات استعجالية في أوقات الشك و الريبة ( بيرينو Perrenoud ، 1996 a/ ). فالتفوق و النجاح في الامتحانات هو ممارسة ، يجند بعض الكفايات . ترفض المعارف اجتماعيا في ظل وضعيات التقويم الاعتباطية المفرطة ، شريطة أن تحظى بالفاعلية و القيمة بوساطة شيمات التواصل ، و التقديم ، والتفاوض .
لا تعتقد المدرسة إذا أن المعارف تكتفي بذاتها . لا تسقط من حسابها أن قيمة المعارف ستنال في آخر المطاف بواسطة الاندماج ، عن طريق الكفايات . لكنها قليلا ما تهتم بهذا الدمج ، ما عدا في التكوين المهني ، في أحسن الحالات . يساهم هذا الدمج فيما يسميه ميريو Meirieu بـ « إسقاط السند » le désétayage ، الذي يتجلى في التحرر من السياقات و ظروف التعليم و تقويم المعارف تدريجيا، حتى يتسنى تحويلها و استثمارها في وضعيات خارج المدرسة . فعدم الارتباط هذا إزاء السياقات يمر بالأخص عبر قدرة تعبوية للمعارف داخل الوضعيات بحيث أن لا شيء يشير ، قبليا ، أنها ملائمة و بحيث ليس هناك ما يعمل على ترشيد استعمالاتها سوى الفاعل و حكمه : لا وجود للتعليمات ، للنماذج ، للمسلكيات ، كما هو موجود في التمارين المدرسية . تعمل المدرسة كأنما إسقاط السند سيتم من تلقاء نفسه ، بينما دلت الابحاث ( مندلسن Mendelson (1996 )) على أن التحويل Le transfert لا يظهر إلا بعد التمرن عليه ، آخذين بعين الاعتبار استراتيجية التكوين . لا يكفي انغماس الناس او الغوض في « العالم الواقعي » و تعقيداته كي تتحول معارفهم بقدرة ساحر إلى موارد معبأة و مجندة . وبالرغم ذلك ، دون أن أكون ضد التحويل ، ترفض المدرسة ضياع الوقت في تفعيله . تفضل المدرسة مضاعفة إسهامات المواد التعلمية بدل الاكتفاء بميدان معارفه ضيقة الأفق ، و من الوقت شغلا تستثمره في الوضعيات المعقدة. في الوقت الذي تسعى المدرسة في تفعيل كفاية – تحرير احدى المقالات ، أو شرح ، او تلخيص بعض النصوص على سبيل المثال ، يتضح غالبا أن السبب يعود بداية كون هذه الكفاية إنما تدرس بداخل المؤسسة ، تفعيلها يخدم أغراض البكالوريا ، امتحانات الجامعة احتمالا . يود نانزياتي ( Nunziati ، 1990 ) الذهاب بعيدا في هذا المنظق ، مثلا ، بالنسبة لتحرير مقالة أدبية أو فلسفية : بمجرد ما نعلم أن البكالوريا تقـوِّم الكفايات الخصوصية ، نسارع في تحديد عناصرها و نشتغل عليها بكل جدية و إتقان ، مقدمين يد المساعدة للتلاميذ من اجل تشفير معيار الامتياز . إننا نطور كفايتهم في إنجاح هذا الجانب للبكالوريا .
ربما تعد هذه خطة تاكتيكية ، و لتكن ما كانت هذه الامتحانات . أليست هذه استراتيجية ذكية في التكوين ؟ إن العمل على قلب العلاقة بين المعارف و الفعل أثناء او في الوضعية ، سينطلق في الغالب من الوضعيات و بالتالي مساءلة المعارف ، لا بل حتى بنائها انطلاقا من تعقيدات لممارسة ما . لا يجب أن نفهم من هذا العودة إلى المنفعية الضيقة بأي حال من الأحوال. بعيدة كل البعد بأن تصبح الانشطة الانسانية منفعية ، بعض منها يروم السلطة ، و العدالة ، و الخلاص ، بناء المعنى و فهم العالم ، و الجمال . من العبث اختزال الرياضيات في حساب ميزانية العائلة و البيولوجية في بعض مفاهيم الوقاية ضد امراض العدوى التناسلية MST . إن الإحالة إلى التصرف / الفعل Action ليس منفعيا ، هو أساسا من نظام ابستمولوجي . غير أنه يستدعي الخروج من العالم المدرسي .
مما لا شك فيه هذا يفيد تجذر المعارف في التاريخ بشكل واضح ، هذه المعارف التي غالبا ما تشكلت من الاهواء و الاستراتيجيات . أيضا يفيد امتلاك الوقت بغية النظر في الاستعمالات الاجتماعية للمعارف داخل المدرسة ، بالالتصاق بالواقع أكثر و بالوصول إلى الافكار و المثل المجردة . في الجانب الديداكتيكي ، يقتضي الأمر نوعا مغايرا من البرامج ، الذي يمنح أهمية قليلة للمنحى الخطي و التخطيطي لنص المعرفة ، و إبداع قوي و مهم للوضعيات – المسائل . إضافة إلى هذه البراكماتية المقيدة في العمل المدرسي يمكن الاشتغال بشكل كبير حول التعقل بصدد العلاقة الموجودة بين المعارف و الكفايات . إن معاودة السياق للمهام المدرسية ليس فقط هو من جنس الممارسة و التطبيق ، فهو نابع أيضا من الرمزية . بإمكان التلميذ إيجاد المعنى للتمارين التي لا تستجيب لأي مشكل حقيقي و واقعي في حالة ما إذا تصور وضعيات من الحياة تحمل بداخلها الكفايات المتمرنة من خلال هذه المهام فإنها ستبدو له ملائمة و مستوعبة . لا يعد سعينا هذا من باب الممكن و لا نتمنى إقحام « الحياة الحقيقية » في المدرسة بصفة تأكدية .
فلتوجد على الأقل في مخيال القسم !
لا حديث عن الكفايات...إذا لم نغير
العلاقة إزاء الثقافة العامة
الهدف المتوخى من المدرسة الاجبارية هو الثقافة العامة . بجانب العنف المتصاعد في المؤسسات ، تفرض الفرادنية المعاصرة بدل المزيد من الجهذ و إيلاء « للثقافة المشتركة » أهمية مستحقة . هل من الضروري معاودة إنتاج المدرسة الجمهورية لآواخر القرن الماضي بالرغم من كل شيء ؟ أمازلنا حقيقة نعتقد أنه بمقدورنا تأسيس نظام مجتمعي مبني على وحدة اللغة و القيم المكتسبة من المدرسة الاجبارية علما أننا نحيا في الميديا الفائقة ، و الاسفار ، و تنوع أنماط العيش ، و الحركات الديموغرافية الهائلة ؟ لعل التنظيمات المتأسسة على الفكر الوحيد توجد بعد الآن في مصاف الأنظمة الشمولية و الأصولية التي تقتات منها . المهم ، هو أن الأفراد و الجماعات يكونون قادرين على بناء نظام متفاوض ذو مستوى ملائم و دقيق ، نوع من HLM كوكبي . هذا يقتضي مما لا شك فيه على الأقل حدا أدنى من القيـم المشتركة : رفض العنف و احترام الآخر ، في أفكاره ، في حياته و طريقة عيشه . من أجل هذا ، هل من الواجب و الضروري امتلاك نفس الثقافة الأدبية ، و الرياضياتية ، و الفلسفية ، و الجغرافية ، و التاريخية ، و البيولوجية؟
إن البرامج الحديثة للاعدادي لم تحسن الاختيار المناسب في هذا الباب . لقد اشتكت من الموسوعية و ما انتهت من لف عنقها ، غير أنها لم تجرؤ القيام بالحداد فعلا على مجموعة كاملة من المعارف تجدها المدرسة التقليدية ضرورية و ملحة . الخطة معروفة : في المرحلة الأولى ، نعمل على تخفيف البرامج بكل نية و صدق مستهدفين ما هو أساسي ، ثم ؛ عن طريق التوافقات ، « نستدخل » شيئا فشيئا كل ضروب و أصناف المعارف في النصوص التي يراها الفريق أو لجنة التحكيم نافعة ، بل رئيسية ، تؤسس لـ « ثقافة قاعدية » . حاليا لا أحد يدافع عن الموسوعية بكل بصراحة . لكن من الذي يعلن الحرب عنها بكل عزم و إصرار و هو مستعد للتخلي عن جزء من قناعاته الخاصة ؟ أمام هذا الحل التفاوضي بين سلطات المواد التعلمية و بين الزيادة في الكم الهائل للمعارف الضرورية فأن الأمر قد يتجاوز بكثير إمكانات التلاميذ .
هذا البحث و الجري الحثيث و الدائم نحو المهم ألم يتأسس حول رؤية متجاوزة للثقافة العامة ؟ من الممكن أن نحتج على هاته البداهة التي تستوجب حسبها تملك الثقافة المشتركة الموسعة من أجل أن نحيا جميعا . أمران رئيسيان يكفيان على أقدر ترجيح : يتسمان بطبيعة أخلاقية أكثر بدل اللجوء إلى المعارف : رفض العنف و احترام الفردانية و أفكار الآخرين . إن الثقافة المشتركة ، قبل كل شيء ، هي الحس العام Le sens commun ، ضرب من العقل المتقاسم ، من العلاقة المنطقية اتجاه الواقع ، أساسها المعارف ، و المناهج ، و الملاحظة ، و حوار المتناقضات .
أليس هذا هو ما تقوم به المدرسة ؟ يظن الأساتذة بلا شك أن تملك المعارف التعلمية disciplines يصب في تربية الحكم . من المؤكد ، تاريخيا ، أن العلم و المعارف لهما نصيب مرتبط بالعقل . هل ما زال هذا الارتباط حقيقة قائما و صامدا في البرامج المدرسية ، في المحتويات الفعلية للتعليم و ما يقبع خاصة في رأس التلاميذ ؟ هناك معارف كثيرة تعرض بسرعة ، شحيحة في إشكاليتها ، استيعابها يشوبه الاستعجال تسترجع فقط أثناء موضوع الامتحان . في المدرسة ، أصبحت علاقة التلاميذ بالمعرفة أذاتية بشكل كبير ، بل وقحة . تهتم بالتجميع و التكديس و تهمل التفكير النقدي ، لأن مجموعات الضغط للمواد التعلمية لا تتوقف برهة عن شحن الباخرة ، من اجل التوسع او الحفاظ على ممتلكاتها و نصيبها من الكعك أثناء جداول الحصص الزمانية .
ستكون الثقافة العامة هي ربما القدرة على إبداع أمور أخرى بغية تحديد ما يوجد لدينا مشتركين ، عوض نية إغراق الأفراد داخل قوالب من نفس الحجم ، كأننا نخاف العيش مجتمعين إن لم نكن متشابهين بالقوة . إننا نتشابه اليوم على أي حال أكثر من أي وقت مضى بسبب ثقافة الشعب و الانتاج الصناعي ، و أقل من أي وقت آخر لأننا لم نعد نحتاج ( حتى حدود الخمسينات ) النظر إلى الحياة بنفس المنظار ، رغبة في الحصول على الايمان الموحد او نفس العلاقة اتجاه الدولة . أمام تطور الفردانية و الانفتاح على العالم ، لا بد من البحث عن ثقافة أخرى تقيم الحداد على نمطية اللغة ، و الفكر ، و الأذواق ، والقيـم . أغلب الظن ، المقاربة بالكفايات هي أحد السبل المؤدية إلى ذلك ، لأنها تؤكد على قدرة التخاطب و التواصل ، على بناء الأشياء جماعة ، أكثر بكثير عن هوية الثقافات و المعارف ( أوتيه و ليفي Authier et Lévy ، 1996 ). يتبـع