التقويم التكويني : العجلة الخامسة للعربة او حصان طروادة ؟
فيليب بيرينو
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف . 1988
كان المؤتمر الفرنكوفوني الأوروبي الثاني المنعقد بجينيف سنة 1978 حول التقويم يتناول التقويم التكويني كمكون رئيسي لبيداغوجية فارقية ( انظر علال ، كارديني و بيرينو ، 1979 ). كان بعضهم يتموقع بداخل حركية بيداغوجية التحكم ، و البعض الآخر لقد كان منهمكا في الجمع في شكل تركيبي بين مقاربة بلوم و نظريات أخرى في التعلم ، متخذة من البنائية البياجيتية قاعدة لها و كذا نظريات المدرسة الفعالة بالأخص . لكن الجميع كان يؤمن بالتقويم التكويني في خضم نظام تدخلي ديداكتيكي من شأنه أن يجعله ضروريا و ممكنا في آن واحد .
يظل هذا المنظور متسما بالشرعية تماما إذ يعتبر بلا شك أكثر قوة و صلابة : لا يحيل التقويم التكويني فقط إلى طريقة تختلف عن التقويم ، و إنما إلى شكل آخر في التدريس أو تدقيقا إلى تصور تعديل سيرورات التعلم la régulation . إن زوج التقويم / التدخل هو ارتباط متين ، الامر الذي يؤدي ، على المدى ، إلى الفشل المحقق لكل محاولة تبتغي من وراءه توظيفا للتقويم التكويني دونما استبدال الديداكتيكات و بالأخص أشكال المراقبة و فردانية العمل المدرسي . هذا لا يلغي أبدا رغم ذلك التفكير « الاستراتيجي » . هل يجب ربط التقويم التكويني بتنمية بيداغوجية فارقية « خالصة و قوية » ، أي في قطيعة تامة و واضحة مع البيداغوجيات التقليدانية ، و التقويم المعياري ، و التدريس بدون أهداف مستوضحة ، و تنظيم الاقسام حسب المستويات و الدرجات ؟ أم يجب التعامل مع تجاذبات النظام بشكل موسع و البحث تدرجييا عن استدخال نصيب من الفارقية و التقويم التكويني المتلائم مع موارده ، إكراهاته و منطق اشتغاله ؟
إن إقامة نظام متناسق لبيداغوجية في التحكم أو بيداغوجية فارقية لا يبدو الآن حدثا ممكنا إلا في حدود ضيقة . الأنظمة التعليمية ، وهي تتطور بالتدرج نحو بيداعوجية عبر الأهداف و أشكال التقويم أكثر تكوينا ، تبقى آلات ضخمة تحت سيطرة أنواع أخرى من المنطق ، منطق سياسي على صعيد المجتمعاتي ، منطق التنظيم على صعيد المؤسسات و مقتضيات التدريس ، منطق التعاقد الديداكتيكي المبرم في قاعة الدرس . حتى على المستوى الضيق ، مثلا في مدرسة قيادية او في مدرسة تجريبية ؛ يبدو من الصعب استنبات « نظام ميكروسكوبي » لبيداغوجية فارقية بداخل المدرسة العمومية . بالطبع ، في إطار بحث – عمل أو ابتكار محدود ، من الممكن الحفاظ على بعض المسافة المعقولة اتجاه العمل الاعتيادي للمدرسة . لكن لا بد من التعامل ، حتى على مستوى مصغر ، مع المواقف ، و مع المورثات ، و مع الاكراهات التي نجدها على المستوى الواسع . المشكل إذن ليس مختلفا في الأساس .
من هنا طريقة أخرى في عرض القضية : كيفما كانت المدارس ، إلى أي حد يمكنها ، بلا عنف و بلا سحر ، أن تتطور نحو المزيد من التقويم التكويني ؟ يرتكز هذا السؤال على ثلاث مسلمات من حيث وجاهتها و مصداقيتها و يمكن بطبيعة الحال أن تختلف من نظام مدرسي إلى آخر ، لكنها تبدو إجمالا قابلة للدراسة من قبل الجميع :
1 . يوجد في كل تدريس ، مهما كان تقليديا ، جزء من التقويم التكويني ( بيرنو ، 1987 ) ؛ لا يمكن أن ندرس ، اللهم في حالة الدروس الجامعية المعروضة على جمهور من الناس ، بدون حد أدنى من التفاعل بين المعلم و التلاميذ ؛ يؤدي هذا التفاعل حتما إلى بعض التعديلات فيما يخص تدخلات المدرس ، مثلا حسب إيقاع و مستوى تلامذته . إننا لا ننطلق من لا شيء ، و ذلك رغم أن هذا التعديل ليس فردانيا جدا و غير معترف به في حد ذاته .
2 . لكن الحالة أيضا لا تبعث على الارتياح كما توحيه موضة أفكار بيداغوجية عبر الاهداف ، التقويم التكويني أو الفارقية في الخطابات البيداغوجية الحديثة. في الوقت الحالي ، هذه الافكار اليوم معروفة خارج الدوائر المختصة ؛ جمعيات عدة من المدرسين و ممثلي السلطة المدرسية يعلنون عن انخراطهم بصدد ذلك ، بعض المدرسون يدافعون عنها . كل هذا الامر لا تنعدم قيمتة . لكن من الخطابات إلى التطبيقات ، توجد هناك خطوة : فإذا كان نصيب من التقويم التكويني في التعليم العادي يحظى بأهمية كما توحي به انتقادات التعليم التقليدي و الانتقائي ، فإنه أقل انتشارا كما تعجز عنه ظنون و اعتقادات التصريحات المعلنة و النوايا الحسنة !
3 . يوجد هناك هامش للتحرك . أو بتعبير آخر ، ليست الأنظمة المدرسية قوالب جامدة ، محددة في أدق تفاصيل مهامها و اشتغالاتها عبر منطق علاقات القسم و الانتاج الاجتماعي ، أو من خلال منطق التنظيمات البيروقراطية . هذه الأنواع من « المنطق » تحد بالطبع من التغييرات الممكنة . لكن بإمكاننا ان ننشد نوعا من التطور البطيء . يبقى أن نتأكد من معرفة هل أنصار التقويم التكويني سيأخذون بعين الاعتبار شروط هذه الفكرة التي بمقتضاها يمكن ان تكون مستوعبة ، ثقافيا و ذهنيا و تطبيقا في آن واحد ، من طرف النظام المدرسي و من طرف المدرسين .
سأحاول التطرق إلى سبعة من هذه الشروط ، التي تبدو لي جميعها ضرورية حتى يمكن للتقويم المطبق في الاقسام بأن يصبح في حقيقة الأمر تكوينيا شيئا فشيئا .
1 . لا نطرح إلا المسائل التي نقدر على حلها
كتعريف ، يضع التقويم التكويني المدرس أمام مشكلة و يرغمه على أن يتخذ قرارا ، هو قرار فوق الحساب .ما عدا حينما يبرهن أن جميع التلاميذ يتقدمون في تعلماتهم بشكل ملائم و يتحكمون مسبقا في كل ما يمكن أن ننتظره من هؤلاء التلاميذ بشكل معقول ، يبرز التقويم التكويني بوضوح الفرصة السانحة ، بل ضرورة التدخل ، ضرورة التصحيح ، تعديل نوع ما .
إذا كان هذا التعديل مستحيلا ، أو فقط لا يبدو ممكنا للمدرس ، فإن فكرة التقويم التكويني تفقد معناها . غير مطبقة ، ستصبح رغم ذلك مصدرا للقلق و للحرمان . ما جدوى من أن نفهم ان تلميذا لم يتمكن من جدوله في الضرب بطريقة صحيحة إذا لم نتوفر على خمس دقائق لمعاودة معه بناء العدد ؟ ما الفائدة من معرفة مثل هذه الصعوبة في القراءة إذا كان التصحيح يتطلب الوقت ، الموارد او الكفايات وهي خارجة عن نطاق و قدرة المدرس ؟
كل تقويم ، و لا سيما إذا كان فردانيا ، يمكنه ان يخلق تنافرا : إنه يجلي الفرق بين ما يجب أن يكون – تخطيط ما ، تحكم ما – و ما هو كائن . هذا التنافر ، توجد هنالك وسيلتان لتفاديه : تقليص الفارق أو نسيانه ! لما نكون في حالة عجز ، حتى لا نعيش دوما التناقضات غير المريحة ، ندبر أمرنا لكي لا نرى الحقائق المزعجة ، لا نطرح المشاكل الصعبة و هي تفتقد الحل .
تماما ، كل تقويم فرداني للتقدم ، للاشتغال او لمكتسبات واحد من التلاميذ لا يخلق تنافرات لا تطاق . عندما تسير الامور على أحسن وجه ، ليس هناك طبعا أي شيء يمكن القيام به . و في الغالب ، يكفي القليل لتحسين الوضعية : عندما يظهر تلميذ ما نقصا خاصا أثناء درس في الهندسة ، لأنه كان مريضا أو شاردا في اليوم الذي تحدثنا فيه عن المثلث المتساوي الأضلاع ، فإن الوضعية تقبل للاصلاح حالما يتم الوقوف عليها و التعرف عليها . لكن في حالة ما إذا علمنا أنه يجهل بناء الارتفاع لأنه لا يتحكم لا في مفهوم القاعدة و لا في مفهوم التعامد ، لأنه لم تتوضح لديه مفهوم الزاوية القائمة ، لأنه غير متأكد جدا حتى في ما معنى الزاوية او المثلث ، لأنه لا يتحكم في اي من إجراءات البناء ، لا منطقيا ، و لا تطبيقيا ، من الطبيعي اننا لن نصلح كل هذه النقائص و التعثرات مخصصين له على انفرد خمس دقائق في آخر الدرس او مطالبين احد الأصدقاء بالشرح له . في الوجه الأول ، هناك تقويم تكويني بدون أداة و لا مفهمة : وهذا يسري في جميع الاقسام التحضيرية و قليلا في الاعدادي . في الوجه الثاني ، نواجه ، بداية ، مشكلة تمانع و تقاوم التحليل و لا يمكن التغلب عليها ، في حالة حدوث « تشخيص » مريح ، إلا بثمن « التصحيح » بالنفس الطويل ، معقد جدا في أن واحد حسب نظرة ديداكتيكية و من خلال رؤية وجدانية و علائقية .
باختصار ، حتى يكون لتقويم تكويني معنى ، إذن فرصة و مناسبة للاستقرار بداخل قسم ما ، لا بد لامكانيات التصحيح de remédiation والتنوع بشكل عام ، إن لم تكن متطابقة مع صعوبات تعلم التلاميذ ، تكون كافية على الأقل حتى لا يشق على بال تذكرالتقويم تكويني دقيقة واحدة . هناك حالات لا نفكر فيه بتاتا . تخيلوا (؟) مدرسا في القسم الرابع الابتدائي مسؤول عن قسم يتكون من 28 تلميذا ، يستقبل تلاميذ على اختلاف تنوعاتهم حاملين معهم مشاكل كبيرة في التربية و التأديب ، ملزم بتغطية برنامج صعب جدا و ثقيل جدا ، في مدرسة متواجدة في منطقة نائية لا تتوفر على الامكانيات . إنه الرزق اليومي لكثير من المدرسين في العالم . آخرون يعملون في ظروف أكثر صعوبة من ذلك ، في العالم الثالث ، في المناطق الأكثر حرمانا بالمدن الكبيرة . إنهم يتواجدون إذن امام فوارق حيث أهميتها لن تجد لها وزنا مع إمكانيات التنوع و الفارقية . الموارد التي من اللازم امتلاكها لاستتباب نوع من المساواة في المكتسبات تحول دون ذلك و تفوق قدراتهم و وسائلهم الراهنة .
لا يمكن الحكم على الامكانيات المشخصة للفارقية إلا من خلال علاقتها مع طبيعة و هول مشاكل التعلم التي تقف في وجه التلاميذ . دون عتبة ما ، يصبح من العبث التحدث عن التقويم التكويني . الامر الذي يحيل إلى الصورة الرمزية و التطبيقية للفارقية في نظام مدرسي ما . لو المدرسون واعون و مكونون ، لو عدد التلاميذ تم تخفيفه لأغراض تسمح ببعض الفرادنية ، لو أدوات التعليم صممت من خلال هذه الروح ، لو وجد متدخلون في الخارج – سيكولوجيون ، معلمون متدخلون – بالنسبة للحالات الأكثر خطورة ، لو البرنامج يترك متنفسا من الوقت لأجل الاهتمام بالتلاميذ الذين يعانون من صعوبات كبيرة ، فإن التقويم التكويني سيغذو إمكانية مشخصة . ليس من الضروري أن جميع الشروط لابتغاء بيداغوجية فارقية يجب أن تكون مستوفية حتى يتخذ التقويم التكويني معنى و دلالة . لكن بدون حد أدنى من الامكانيات الملموسة و المشخصة للتصحيح ، لن يكون التقويم التكويني إلا حيلة مدبرة لاصطياد العصافير !
2 . لا يجب تجاهل انتظارات الأباء
في الحصيلة ، لا يتجه التقويم التكويني نحو قرار الاصطفاء أو الاشهاد ( كارديني ، 1976 ، 1986 ) . لا يستهدف لا إنتاج هراركيات التميز ( بيرنو ، 1984 ، 1985 ) ، حتى ولو كانت مؤقتة ، و لا منح النقط الجيدة و الضعيفة للتلاميذ .
فهو يقطع في هذا مع العادات و الانتظارات لفئة من الأسر . في مدرسة قائمة على التناوب المنتقى من طرف الآباء ، بل من طرف التلاميذ ، مدرسة تشتغل وفق نموذج تعاوني ، مدرسة تتميز ببعض الانسجام الايديولوجي ، من الممكن بناء نظام تقويمي من شأنه أن يحظى ببعض التوافق ، رغم أنه ينحرف بقوة عما يطبق في العديد من المدارس الرسمية . في هذه المدراس الاخيرة ، يظل التقويم موضوعا لتصورات متنوعة و متناقضة ، بداخل هيأة التدريس و عند الآباء و التلاميذ على حد سواء .
بكل تأكيد ، لا أحد يقف صراحة ضد فكرة التقويم الذي يحمل مساعدة للتلميذ و يؤسس تصحيحا فارقيا و متنوعا . لكن ، بالنسبة للبعض ، هذا لا يمنع من استخدام النقط ، و بإقامة التصنيف ، والانتقاء ، كأنما كل هذا كان أمرا قابلا للملاءمة بسهولة في ظل الممارسة نفسها و في ذات العلاقة بين المعلم و التلاميذ .
أمام هذا المشكل ، بعض المدارس او بعض المدرسين قد انساقوا وراء خطاب مزدوج : ذي استعمال خارجي ، متعلق بالمعلمين و إلى حد ما بالتلاميذ ، تقويم تكويني ، محكي ، موجه بشبكات من الأهداف و التي لا تروم إلى نيل أي شهادة و لا أي انتقاء ، لكنه يسمح للمدرسين بتنويع تدخلاتهم بشكل أفضل . بالتوازي مع ذلك ، من أجل الحصول على السلامة ، من اجل طمأنة الآباء ، هناك تقويم أكثر كلاسيكية ، يكافئ التميز و يعاقب التلاميذ الضعاف ، تقويم يضع كل واحد في مكانته و يجيز للآباء معرفة « أين وصل ابنهم » ، بتصنيفه ليس فقط من خلال تدرج تخطيطي نحو التحكم ، لكن ضمن رتبنة التميز الحاضرة دوما في عقولهم منذ مدرسة الحضانة .
داخل استراتيجية الابتكار ، الخطابان المزدوجان و النظامان المزدوجان أحيانا يظلان ضروريان : لا تسمح الظروف السياسية في الغالب الاستبدال الصرف و البسيط للتقويم التقليدي و إحلال في مكانه نظاما من التقويم التكويني . يجب إذن الحفاظ في آن واحد على ما يوجد من المهم في النظام القديم ، حتى لا نزعج السلطات و الآباء و تطوير الممارسات الجديدة التي ، دون أن تكون سرية بالضرورة ، ستتمتع و لا سيما بالمقبولية بحيث « تنضاف » إلى نظام التنقيط و الترتيب بدون أدنى حرج و مساءلة.
في النهاية ، لا يمكننا الاستقرار بداخل هذا العمل المزدوج بدون ان نفقد طاقة كبيرة و خلق جميع أصناف الصراعات و التناقضات . إن أحد الشروط لتطوير تقويم تكويني تبدو لي إذن بعض من الشفافية ، بعض من التقبل من قبل الآباء و التلاميذ لفكرة فحواها أن التقويم ليس قبل كل شيء طريقة في تصنيفهم ، التفريق بين الأقوياء و تخويف الأقل قوة من أجل تدريسهم . بالتعويل أكثر على التقبل التلقائي للآباء ، سنحكم على أنفسنا بالتهميش . لو أردنا تطوير التقويم التكويني في المدرسة العمومية ، يجب إقناع الآباء على أنه ليس اقل صلابة و أقل فعالية عن التقويم التقليدي ، ذلك الذي عرفوه كتلاميذ . لهذا من الأفضل العثور لدى الآباء على بعض المناصرين ، على بعض الأشخاص حيث مواقفهم التربوية او الايديولوجية تساعد في تقبل و في ملاقاة التقويم التكويني . لكن هناك الآخرون ، الذين لا ينحدرون من الأوساط الموسرة و حيث أولادهم ليسوا دائما هم أفضل التلاميذ . إن بعض الشيء من صورة التقويم متوطنة في تجربة الحياة و العلاقة إزاء المدرسة و معظم الرجال . لا نغير كل هذا من خلال دورية او شرح أثناء اجتماع مع الآباء . إذن ، و لربما قبل كل شيء ، إنماء و تطوير التقويم التكويني هو إقامة علاقات مختلفة بين المدرسة و الآباء .
3 . تقويم ملائم مع البيداغوجيات الحديثة
في التعليم الابتدائي و بشكل عام في الالزامي ، تلقى التعليم ابتكارات مهمة في البرنامج الدراسي التطبيقي و في الديداكتيك . لقد تم هناك تجديد في المضامين. لكن في الغالب ، لقد ألحق الابتكار تغييرا في الأهداف و خاصة في طبيعة الطرق البيداغوجية .
لذلك ، لم نكتف في الرياضيات بإضافة أو استبدال عناصر نظرية المجموعات بالجبر التقليدي . بل لقد توجه تدريس الرياضيات نحو تنمية القدرات في الاستدلال و ركزت المنهجيات جهودها على الوضعيات الديداكتيكية المتنوعة مفضلة في ذلك الوضعيات الاكثر سعة و الأكثر انفتاحا بدل المسائل و التمارين التقليدية : الانطلاق من اللعب ، و من الألغاز ، ومن الوضعيات اليومية القابلة للحساب ، و من المسائل المشخصة ؛ الملاحظة ، و التجربة ، و المناولة قبل الحساب ؛ طرح الأسئلة الجيدة بدل إعطاء الأجوبة ؛ تنظيم خوارزميات عوض تطبيقها ؛ بناء المعرفة الرياضياتية الخاصة بالتلميذ بدل ان يستقبلها جاهزة من ذي قبل .
في ميدان اللغة الأم و اللغات الأجنبية ، نلحظ تطورا مماثلا . ضد تدريس نظري ، المتجه نحو التراكيب و التعلم الممنهج للمفردات و قواعد الاملاء و الصرف ، لقد ركزنا على الممارسة التطبيقية ، على وضعيات التواصل . المقاربات المهتمة بالكتابي وفرت المزيد من العناية للشفوي ، قيمة مضافة في ذات الوقت ككفاية يراد تنميتها بالكامل و كمسلك لولوج التحكم في اللغة المكتوبة . في مكان التمارين المدرسية التقليدية استلهمت في مكانها أنشطة أكثر سعة و رحابة ، « مشاريع » ، « وضعيات » او « أنشطة – إطارات » : مراسلة مدرسية ، إعداد حفل ، تقصي ، بحوث ، كتابة رواية او حكي جماعي ، توضيب لعرض على سبيل المثال .
في ميادين أخرى ، تطور مشابه قد تم تحقيقه . فيما يخص دراسة البيئة ، بذلنا جهودا في فك العزلة عن المواد التعلمية الكلاسيكية – التاريخ ، الجغرافية ، العلوم الطبيعية – ، و دمجها في مقاربة بيئية موسعة ، وعيا و تحسيسا بالأهمية المعطاة للايكولوجية . لقد اخترنا بكل حزم مسلك الابحاث ، و المونوغرافية ، و دراسات الحالة ، و التجارب الصغرى في مقابل الدروس التقليدية .
حتى يمكن للتقويم التكويني التجذر في الأنظمة التعليمية ، من الأفضل و الأحسن أن لا يدخل في تناقض مع هذه البيداغوجيات الحديثة و لا يعرقل مهمة المعلمين الذين انخرطوا فيه . لهذا من الواجب ، حسب تعبير ليندا علال ( 1987 ) التوجه نحو تصور شامل و موسع للتقويم التكويني ، الابتعاد عن صورة التقويم المحكي critériée المبني على تقسيم صنافي مفصل بقوة مع التصحيحات النوعية و الدقيقة . في قسم حيث نشتغل فيه وفق بيداغوجية الاكتشاف ، و حيث نواجه وضعيات رياضياتية ، و الملاحظة ، و التواصل ، لا يوجد لا الانسجام و الامكانية العملية لتدبير في مسافات متقاربة روائز معيارية كلاسيكية . يجب أن تكون التعديلات متسمة بالليونة الكثيرة ، ان نأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الفعلية للأنشطة و للوضعيات الديداكتيكية ، لاستعمال الزمن ، للأهداف .
اعتقد أن كل هذا لا ينتافى مع فكرة التقويم التكويني . يظل ان مجهودا جبارا نظريا و تطبيقيا يجب القيام به لتوسيع النموذج دونما افتقاد فضائله !
4 . تقويم عملي قابل للتطبيق في القسم
في الوقت الراهن ، يذكرنا التقويم التكويني في الطريقة التي ترسل NASA بها رواد الفضاء إلى القمر : تخطيط محكم ، لائحة المراقبة لا متناهية ، الزيادة في المراقبة و التصويبات بلا حد . لا يمكن أن يدبر كمثل هذا الأمر إلا من طرف تنظيم معقد يمتلك على وسائل ضخمة . لو التقويم التكويني يمر من هنا ، سنجعل من استقلالية المدرسين و ما يعطي معنى للحرفة للكثيرين ، بعضا من الحرية ، بعضا من الابداعية ، بعضا من المسؤولية . لقد حاولت أن أوضح في أماكن اخرى ( بيرينو ، 1987 ) أن بيداغوجية التحكم هي نوع من الطوباوية العقلانية . التقويم التكونيي مدفوعا إلى أبعد حد يغذي نفس الخيال . لكي نجعله عمليا ، يجب ان نعمل على تخفيفه ، و تبسيطه ، و نضع ثقتنا في حدس المعلمين ، في قدراتهم الارتجالية و الترميق .
ليندا علال ( 1983 ) في « قياس و تقويم » ، ناضلت بقوة مبرزة عن طريق وسط بين الحدس الخالص و الأداتية الثقيلة جدا إلى درجة أنها أصبحت قوة ردع . إن التقويم التكويني ليس تطبيقا تلقائيا ، فإنه لا يؤدي على الأقل إلى تعديل حقيقي للتدخلات و التعلمات . لا بد من العمل على تكوين المعلمين ، و التعريف بالنماذج ، و اقتراح الأدوات و طرق العمل . لكن الافراط ، في هذا النهج ، لا يمكنه سوى تغيير وجهة الممارسين لتقويم يبدو لهم غير قابل للانجاز.
إذا لم نأخذ بعين الاعتبار الظروف الواقعية و الملموسة التي يشتغل بداخلها التلاميذ و المعلمين ، إذا لم نهتم بنصيب من التقاربات ، و الاختصارات ، و التوافقات التي بدونها يستحيل العيش في مدرسة ، إذا لم نقبل ببعض الغموض في الأهداف ، و التخمينات في الملاحظات ، بعض الطفو و التراخي في التدخلات ، سوف نحكم على أنفسنا بتحديد نموذج « عقلاني فوق الحد » حيث سيكون تطبيقه من رصيد المدارس التجريبية او بعض الممارسين فوق العادة .
5 . احترام منطق التعاقد الديداكتيكي
في المدرسة ، و خاصة في المدرسة الاجبارية ، المعلمون و التلاميذ يتواجدون بصورة ما في ميزان القوى . هذا لا يعني أن « البيداغوجية لا تحب الأطفال » ، و أن العلاقة البيداغوجية هي حرب مستمرة في كل لحظة . لكن هذا معناه أن الفاعلين لديهم مصالح متناقضة جزئيا . يريد المعلم الدفع بتلامذته نحو مستوى معين من التحكم تبعا لاستحقاقات دقيقة لا يقررها بوحده ؛ يريد أن يتمكن منها في إطار نشاط مهني ، بفضل مساهمة و انخراط فعليين و بفضل زمن من العمل محدود . أمامه ، لديه تلاميذ لا يتوفرون على أية مصلحة في التعاون . بعضهم لا يمتلك أية رغبة في التعلم لأن المعارف المدرسية ليست لديها اطلاقا أي معنى . بالنسبة إليهم ، الحياة موجودة في مكان آخر و المستقبل لا يتحدد أبدا بتعبير النجاح المدرسي . آخرون يرغبون في النجاح لكن في غياب المجهودات الجبارة . مثل جميع الناس ، فالتلاميذ موزعون بين الأهداف البعيدة المدى ، التي تتطلب نوعا من الضبط و الانتظام ، و بين الرغبات الآنية : العيش كما يحلو ، و الاستمتاع بالوقت .
العلاقة البيداغوجية نادرا ما تكون تعاونية مائة في المائة ، فهي صراعية في الغالب و أحد المهام الأولى تقريبا لجميع مدرسي العالم هو إقحام تلامذتهم في العمل ، إجبارهم لبذل المجهود ، في الانصات ، في التقدم في تمارينهم ، في المشاركة في الانشطة الجماعية ، في القيام بواجباتهم في البيت . في ميزان القوى الذي يقام إذن ، المتوارى كثر ام قل من جراء علاقة شخصية مشحونة بالعطف والود و الاحترام او ما شابه ذلك من مناخ عام ، فإن التقويم يحظى بأهمية استراتيجية . فهو احيانا يشكل نوعا من القمع ضد الانحراف الفرداني ، ضد الانفلات الصعب من الضوابط او الغش . لكنه بالأخص هو نوع من التعديل للاحتدام و للحماسة اثناء العمل الصفي و إيقاعه لاستكمال البرنامج .
يمكننا بكل تأكيد ان لا نرضى عن حالة هذه الأمور و الأشياء ، أن نتمنى من التلاميذ أن يتعلموا ما يرغبون في تعلمه حسب إيقاعاتهم ، إذ المدرسون لا مأمورية لديهم سوى مساعدتهم في تحقيق هذا المشروع . سوى إذا احتفظنا بالتقويم التكويني لهذه الوضعيات العجائبية ، فإننا لا نهرب من السؤال : التقويم التكويني ، كما هو مطالب به من طرف المختصين ، ألم يجعل من التعاقد الديداكتيكي صفقة بأرخص ثمن ؟ كيف يمكن لتقويم لا يعاقب أبدا ، الذي يمنح دائما فرصة جديدة للقيام بالعمل على أكمل وجه و إبراز التحكم المرغوب فيه في نهاية المطاف ، بإمكانه الابتعاد عن تقديم لبعض التلاميذ وسادة الكسل ؟ من الطبيعي أن التقويم « الشفرة » ، السالب أساسا و الانتقائي ، يحبط التلاميذ و يبعدهم عن المدرسة . لكن لا يجب ان نكون سذج إلى حد نعتقد فيه أن جميع التلاميذ يلعبون لعبة بيداغوجية النجاح و التقويم الايجابي . البعض منهم ، إنها « الحرب المثالية » ، يستمدون كل الفائدة الممكنة من تقويم « متسامح » ، وقلما يجدون أنفسهم عند نهاية السنة المدرسية أكثر كفاءة كما هو عليه في البداية .
لا يطرح المشكل فقط بالنسبة للتلاميذ المتواجدين في الصعوبة ، بل حتى التلاميذ المتوسطين . منذ ان وجدت المدارس ، أحد بنودها اللا مكتوبة المتعلقة بالتعاقد الديداكتيكي هو أن التلميذ « يمر بسلام » عندما يحقق مستوى « معقولا » من التميز ، محسوبا انطلاقا مما يعرفه في المعدل الحسابي التلاميذ من نفس العمر . في قطيعة مع هذا البند ، فإن بيداغوجية التحكم و التقويم التكويني تساهمان في منطق « المزيد بلا حد » . إن التحكم ليس إطلاقيا أبدا ، يوحي التقويم التكويني دائما بالامتدادات ، بالزيادات ، بأنواع شتى من التقدم التي تؤدي بالتلميذ « إلى نقطة بعيدة » . يبقى ان نعرف هل يعتبر هذا طموحه ، هل البقاء في المدرسة لا يكمن في الارتكان تحت عتبة الممكن ، في الادخار لمجهوداته ، في الاحتفاظ بالوقت و بالطاقة لأغراض و أنشطة أخرى .
إنني أجد احيانا دعاة التقويم التكويني يفتقدون للواقعية ، بل للكلبية cynisme . يتخيلون مدرسة كأنها فضاء حيث يمكن لكل واحد أن يكون فيها باستمرار مجندا في المقدمة من اجل التدريس او من اجل التعلم . في الواقع ، بدون تغييب هذا الانشغال ، فإن المدرسة ليست دائما هي الوحيدة ، لا و لا هي الرئيسية . في المدرسة ، لا بد من العيش مجتمعين و الحصول على بعض النتائج أهل للتقديم و المعاينة خارج مجموعة القسم ، سواء عند الآباء او الزملاء . التعاقد الديداكتيكي هو جزء من التحالف ، و جزء من التوافق اللذان يسمحان للمعلمين و للتلاميذ معا بالقيام بأحسن الأعمال إزاء محيطهم . لا يمكن للتقويم التكويني تجاهل هذا المنطق .
6 . معلمون مأهلون كما ينبغي من أجل الانفراد باستقلاليتهم
لتفادي الاجراءات المقننة في تفاصيلها ، للقيام بنصيب من الملاحظات و التعديلات الحدسية ، يجب اعتبار التقويم التكويني قضية المدرسين قبل كل شيء . ليس فقط كمتنفذين ، بل كمنهدسين و منظمين لنظام تقويمي يخص التكوين يتماشى و ظروف العمل ، مع الفئة المستهدفة ، مع البرنامج التطبيقي المدرسي الذي يدرسونه ، مع الطرائق الديداكتيكية التي تبدو لهم أفضل و أحسن .
الشيء الذي يعني أن ، بدل أن نجلب للمعلمين نموذجا في التقويم التكويني « مفتاحا في اليد » ، سيكون من اللائق تماما اللجوء إلى خيالهم و إلى كفاءتهم من اجل أن يبدعوا بأنفسم ، فرادى و جماعات ، في أحسن الحالات مع مساعدة المختصين في التقويم أو الباحثين في التربية ، أنظمة للتقويم التكويني تتلاءم حقا بكل ليونة مع الحقيقة التي يعيشونها و مع تحولاتها ( فييك ، 1987 ).
حتى يمكن للمعلمين خلق نظامهم التقويمي التكويني الخاص بهم ، لا بد من الطبيعي أن يجدوا فيه فائدة و مغنما ، إذن فليكونوا في موعد مع البحث في التعديلات الأكثر فعالية لتعلمات تلامذتهم ، مع القبول في سبيل ذلك بتأدية مسبقا الثمن المحتمل : المزيد من المعلومات المعالجة ، و المعلومات المعقدة جدا ، المنصبة على سيرورات التعلم ، و القرارت الفردية و التقنية ، مع عدد من الانخراطات العلائقية ؛ المزيد من الملاحظة ، و التحليل ، و التهيؤ ، و التتبع ؛ المزيد من الشكوك و الارتيابات ، و الحرمان ، و الضغط النفسي .. لموازنة هذه التكلفة ، لا بد للمعلمين أن يجدوا أثناء مزاولة مهنتهم على المتعة المشابهة لمتعة الطبيب او المهندس ، الأمر الذي يفترض الزيادة في الاستقلالية و المسؤولية ، كما في ذات الوقت السلطة و وسائل المشاركة لتدبير و تنظيم البيت المدرسي . كل هذا لا يحدث بعيدا عن المكافأة الرمزية و المادية ، و في غياب تكوين راشد . من العبث الانتظار من معلمين مكونين على وجه السرعة ، بأجر زهيد ، ينظر إليهم كقطع من الشطرنج الاداري ، محصورين في مشد التعلميات البيروقراطية ، الرغبة و الشجاعة في إنماء و تطوير التقويم التكويني . إن وضعية المدرسين الابتدائي ، مثلا ، تظل وضعية مؤقتة وغير مستقرة في عدة بلدان . لا نفرض عليهم تقويما تكوينيا فعالا كما هو الشأن في المواقيت او في الدفتر المدرسي !
7 . فعالية مباشرة و ظاهرة
الشرط السابع يتميز في آن واحد بالصعوبة الكبيرة و السهولة المفرطة : التبرير الوحيد لتقويم تكويني ، بعيدا من الكلمات الجذابة و النماذج ، التي تذبل و تحترق ، هو الحد من الفشل المدرسي ، هو تحسين جودة تحكم التلاميذ في بعض المجالات الأساسية . المعلمون المفعمون بالحماسة يتراجعون إلى الوراء لو أن مجهوداتهم المبذولة لا تحمل أي نتيجة ملموسة .
في هذا المنظور ، يستحسن تفضيل المحاولات المحدودة ، عدم الجري وراء المقرر بأكمله ، عدم استهداف ما هو أبعد جدا بالنظر إلى الطاقات الممكنة . إن روح النظام هو الأداة المؤكدة يقينا لتشويه الابتكار و عرضه للخطر . بعض المدرسين او بعض الفرق البيداغوجية ، بإعمالهم طريقة قريبة من بيداغوجية التحكم ، تعبوا في ترجمة كل المقرر إلى أهداف و في إعداد روائز تكوينية في كل المواد التعلمية و في جميع مراحل التعلم . إنهم قضوا في ذلك لياليهم و بقية نهاية الاسبوع ، نظموا شبكات ، و إجراءات التصحيح ، و التعاقدات مع الآباء ليجدوا أنفسهم خاضعين تحت سيطرة رحمة نظام ما أثقله و ما أعقده حيث فعاليته ستظل يحومها الشك و الريبة . إن محاولة الاغراء قوية إذن لكي نقول « هذه طوباوية » و نعود للممارسات التقليدانية .
" ما هو صغير جميل " : ليس هذا ضمانة مطلقة للفعالية ، لكنه طريقة في التحكم في التقويم التكويني على مستوى القسم او المؤسسة . فإمكانية العمل ضمن الفريق او في مشروع ابتكاري عصري لا يلزم ، كما في بعض الاحيان ، إثارة الطموحات الاكثر حماقة ، بل السماح بدل ذلك بقيادة بعض المحاولات المحدودة !
الخاتمـة
لا يجب التطبيق الحرفي للشروط السبعة المذكورة أنفا . كل نظام مدرسي يتطلب تحليلا يختص به .
احدى الصعوبات الرئيسية في الابتكار هي القدرة المتواجدة لدى المنظمات في التأويل من جديد للأفكار الاكثر حداثة بداخل قولب فكرية قديمة ، استيعاب الممارسات المبتكرة جدا وفق منطق اشتغالاتها . لم يعد ذاك الوقت حيث يمكن للأنظمة المدرسية الرفض الصريح لتبني أفكارالأهداف ، و الفارقية ، و التقويم التكويني . من الممكن أن نفترض رغم ذلك أن عددا من الفاعلين ، في جميع المستويات ، قد امتلكوا عن يقين صادق هذه الاستطلاعات المشوقة . إن هذا لا يكفي .
التعلق و المناداة باستراتيجية حصان طروادة de Troie ، هذا ليس معناه فقط الانتظار من أن أفكار الفارقية و التقويم التكويني « تخط طريقها » أو ان المعلوماتية جعلت سهلا ما كان لا يزال يظهر بالأمس « مستحيلا » . صحيح ان ما كان يشكل حديث المختصين منذ عشر سنة أصبح اليوم حديث الخاص و العام او يكاد . من المؤكد أن التصورات يجب أن تكون متقاسمة بأحسن و أوضح صورة . غير أن الانتقال إلى الفعل l’action ( اوبرمان ، 1987 ) يلزم أكثر من توافق مبهم و غامض . للزيادة في حصة التقويم التكويني في المدرسة العمومية ، لا بد من التوفر على إرادة سياسية و استراتيجية ملائمة . الابتكار لا يزال يمر عبر قنوات المبتكرين ، و عبر الابحاث ، و عبر التجارب القيادية . لكنه سيمر أيضا و لربما أكثر فأكثر بواسطة الاجراءات العامة : و ليس بفضل التعميمات المتسرعة للتقويم التكويني لفائدة أكبر عدد من الأقسام ، من خلال مرسوم ، بل بفضل سلسلة من القرارات المتقاربة ، تتصل بتكوين المعلمين ، و بإخبار الآباء ، و بخلق وسائل التدريس و انواع الديداكتيك ، و بتخفيف المقرارات ، و بصياغتها بتعبير التحكمات المنشودة ، و بتنظيم يتسم أكثر بالمرونة في الدرجات و الفئات .
لا يجب أن يترك إذن هموم و انشغال التقويم التكويني بيد المختصين العارفين : فهو يساهم في سياسة التربية الأكثر عدالة و انصافا التي يجب أن تتمظهر آنيا في مجالات متعددة و مستلقة .
فيليب بيرينو
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف . 1988
كان المؤتمر الفرنكوفوني الأوروبي الثاني المنعقد بجينيف سنة 1978 حول التقويم يتناول التقويم التكويني كمكون رئيسي لبيداغوجية فارقية ( انظر علال ، كارديني و بيرينو ، 1979 ). كان بعضهم يتموقع بداخل حركية بيداغوجية التحكم ، و البعض الآخر لقد كان منهمكا في الجمع في شكل تركيبي بين مقاربة بلوم و نظريات أخرى في التعلم ، متخذة من البنائية البياجيتية قاعدة لها و كذا نظريات المدرسة الفعالة بالأخص . لكن الجميع كان يؤمن بالتقويم التكويني في خضم نظام تدخلي ديداكتيكي من شأنه أن يجعله ضروريا و ممكنا في آن واحد .
يظل هذا المنظور متسما بالشرعية تماما إذ يعتبر بلا شك أكثر قوة و صلابة : لا يحيل التقويم التكويني فقط إلى طريقة تختلف عن التقويم ، و إنما إلى شكل آخر في التدريس أو تدقيقا إلى تصور تعديل سيرورات التعلم la régulation . إن زوج التقويم / التدخل هو ارتباط متين ، الامر الذي يؤدي ، على المدى ، إلى الفشل المحقق لكل محاولة تبتغي من وراءه توظيفا للتقويم التكويني دونما استبدال الديداكتيكات و بالأخص أشكال المراقبة و فردانية العمل المدرسي . هذا لا يلغي أبدا رغم ذلك التفكير « الاستراتيجي » . هل يجب ربط التقويم التكويني بتنمية بيداغوجية فارقية « خالصة و قوية » ، أي في قطيعة تامة و واضحة مع البيداغوجيات التقليدانية ، و التقويم المعياري ، و التدريس بدون أهداف مستوضحة ، و تنظيم الاقسام حسب المستويات و الدرجات ؟ أم يجب التعامل مع تجاذبات النظام بشكل موسع و البحث تدرجييا عن استدخال نصيب من الفارقية و التقويم التكويني المتلائم مع موارده ، إكراهاته و منطق اشتغاله ؟
إن إقامة نظام متناسق لبيداغوجية في التحكم أو بيداغوجية فارقية لا يبدو الآن حدثا ممكنا إلا في حدود ضيقة . الأنظمة التعليمية ، وهي تتطور بالتدرج نحو بيداعوجية عبر الأهداف و أشكال التقويم أكثر تكوينا ، تبقى آلات ضخمة تحت سيطرة أنواع أخرى من المنطق ، منطق سياسي على صعيد المجتمعاتي ، منطق التنظيم على صعيد المؤسسات و مقتضيات التدريس ، منطق التعاقد الديداكتيكي المبرم في قاعة الدرس . حتى على المستوى الضيق ، مثلا في مدرسة قيادية او في مدرسة تجريبية ؛ يبدو من الصعب استنبات « نظام ميكروسكوبي » لبيداغوجية فارقية بداخل المدرسة العمومية . بالطبع ، في إطار بحث – عمل أو ابتكار محدود ، من الممكن الحفاظ على بعض المسافة المعقولة اتجاه العمل الاعتيادي للمدرسة . لكن لا بد من التعامل ، حتى على مستوى مصغر ، مع المواقف ، و مع المورثات ، و مع الاكراهات التي نجدها على المستوى الواسع . المشكل إذن ليس مختلفا في الأساس .
من هنا طريقة أخرى في عرض القضية : كيفما كانت المدارس ، إلى أي حد يمكنها ، بلا عنف و بلا سحر ، أن تتطور نحو المزيد من التقويم التكويني ؟ يرتكز هذا السؤال على ثلاث مسلمات من حيث وجاهتها و مصداقيتها و يمكن بطبيعة الحال أن تختلف من نظام مدرسي إلى آخر ، لكنها تبدو إجمالا قابلة للدراسة من قبل الجميع :
1 . يوجد في كل تدريس ، مهما كان تقليديا ، جزء من التقويم التكويني ( بيرنو ، 1987 ) ؛ لا يمكن أن ندرس ، اللهم في حالة الدروس الجامعية المعروضة على جمهور من الناس ، بدون حد أدنى من التفاعل بين المعلم و التلاميذ ؛ يؤدي هذا التفاعل حتما إلى بعض التعديلات فيما يخص تدخلات المدرس ، مثلا حسب إيقاع و مستوى تلامذته . إننا لا ننطلق من لا شيء ، و ذلك رغم أن هذا التعديل ليس فردانيا جدا و غير معترف به في حد ذاته .
2 . لكن الحالة أيضا لا تبعث على الارتياح كما توحيه موضة أفكار بيداغوجية عبر الاهداف ، التقويم التكويني أو الفارقية في الخطابات البيداغوجية الحديثة. في الوقت الحالي ، هذه الافكار اليوم معروفة خارج الدوائر المختصة ؛ جمعيات عدة من المدرسين و ممثلي السلطة المدرسية يعلنون عن انخراطهم بصدد ذلك ، بعض المدرسون يدافعون عنها . كل هذا الامر لا تنعدم قيمتة . لكن من الخطابات إلى التطبيقات ، توجد هناك خطوة : فإذا كان نصيب من التقويم التكويني في التعليم العادي يحظى بأهمية كما توحي به انتقادات التعليم التقليدي و الانتقائي ، فإنه أقل انتشارا كما تعجز عنه ظنون و اعتقادات التصريحات المعلنة و النوايا الحسنة !
3 . يوجد هناك هامش للتحرك . أو بتعبير آخر ، ليست الأنظمة المدرسية قوالب جامدة ، محددة في أدق تفاصيل مهامها و اشتغالاتها عبر منطق علاقات القسم و الانتاج الاجتماعي ، أو من خلال منطق التنظيمات البيروقراطية . هذه الأنواع من « المنطق » تحد بالطبع من التغييرات الممكنة . لكن بإمكاننا ان ننشد نوعا من التطور البطيء . يبقى أن نتأكد من معرفة هل أنصار التقويم التكويني سيأخذون بعين الاعتبار شروط هذه الفكرة التي بمقتضاها يمكن ان تكون مستوعبة ، ثقافيا و ذهنيا و تطبيقا في آن واحد ، من طرف النظام المدرسي و من طرف المدرسين .
سأحاول التطرق إلى سبعة من هذه الشروط ، التي تبدو لي جميعها ضرورية حتى يمكن للتقويم المطبق في الاقسام بأن يصبح في حقيقة الأمر تكوينيا شيئا فشيئا .
1 . لا نطرح إلا المسائل التي نقدر على حلها
كتعريف ، يضع التقويم التكويني المدرس أمام مشكلة و يرغمه على أن يتخذ قرارا ، هو قرار فوق الحساب .ما عدا حينما يبرهن أن جميع التلاميذ يتقدمون في تعلماتهم بشكل ملائم و يتحكمون مسبقا في كل ما يمكن أن ننتظره من هؤلاء التلاميذ بشكل معقول ، يبرز التقويم التكويني بوضوح الفرصة السانحة ، بل ضرورة التدخل ، ضرورة التصحيح ، تعديل نوع ما .
إذا كان هذا التعديل مستحيلا ، أو فقط لا يبدو ممكنا للمدرس ، فإن فكرة التقويم التكويني تفقد معناها . غير مطبقة ، ستصبح رغم ذلك مصدرا للقلق و للحرمان . ما جدوى من أن نفهم ان تلميذا لم يتمكن من جدوله في الضرب بطريقة صحيحة إذا لم نتوفر على خمس دقائق لمعاودة معه بناء العدد ؟ ما الفائدة من معرفة مثل هذه الصعوبة في القراءة إذا كان التصحيح يتطلب الوقت ، الموارد او الكفايات وهي خارجة عن نطاق و قدرة المدرس ؟
كل تقويم ، و لا سيما إذا كان فردانيا ، يمكنه ان يخلق تنافرا : إنه يجلي الفرق بين ما يجب أن يكون – تخطيط ما ، تحكم ما – و ما هو كائن . هذا التنافر ، توجد هنالك وسيلتان لتفاديه : تقليص الفارق أو نسيانه ! لما نكون في حالة عجز ، حتى لا نعيش دوما التناقضات غير المريحة ، ندبر أمرنا لكي لا نرى الحقائق المزعجة ، لا نطرح المشاكل الصعبة و هي تفتقد الحل .
تماما ، كل تقويم فرداني للتقدم ، للاشتغال او لمكتسبات واحد من التلاميذ لا يخلق تنافرات لا تطاق . عندما تسير الامور على أحسن وجه ، ليس هناك طبعا أي شيء يمكن القيام به . و في الغالب ، يكفي القليل لتحسين الوضعية : عندما يظهر تلميذ ما نقصا خاصا أثناء درس في الهندسة ، لأنه كان مريضا أو شاردا في اليوم الذي تحدثنا فيه عن المثلث المتساوي الأضلاع ، فإن الوضعية تقبل للاصلاح حالما يتم الوقوف عليها و التعرف عليها . لكن في حالة ما إذا علمنا أنه يجهل بناء الارتفاع لأنه لا يتحكم لا في مفهوم القاعدة و لا في مفهوم التعامد ، لأنه لم تتوضح لديه مفهوم الزاوية القائمة ، لأنه غير متأكد جدا حتى في ما معنى الزاوية او المثلث ، لأنه لا يتحكم في اي من إجراءات البناء ، لا منطقيا ، و لا تطبيقيا ، من الطبيعي اننا لن نصلح كل هذه النقائص و التعثرات مخصصين له على انفرد خمس دقائق في آخر الدرس او مطالبين احد الأصدقاء بالشرح له . في الوجه الأول ، هناك تقويم تكويني بدون أداة و لا مفهمة : وهذا يسري في جميع الاقسام التحضيرية و قليلا في الاعدادي . في الوجه الثاني ، نواجه ، بداية ، مشكلة تمانع و تقاوم التحليل و لا يمكن التغلب عليها ، في حالة حدوث « تشخيص » مريح ، إلا بثمن « التصحيح » بالنفس الطويل ، معقد جدا في أن واحد حسب نظرة ديداكتيكية و من خلال رؤية وجدانية و علائقية .
باختصار ، حتى يكون لتقويم تكويني معنى ، إذن فرصة و مناسبة للاستقرار بداخل قسم ما ، لا بد لامكانيات التصحيح de remédiation والتنوع بشكل عام ، إن لم تكن متطابقة مع صعوبات تعلم التلاميذ ، تكون كافية على الأقل حتى لا يشق على بال تذكرالتقويم تكويني دقيقة واحدة . هناك حالات لا نفكر فيه بتاتا . تخيلوا (؟) مدرسا في القسم الرابع الابتدائي مسؤول عن قسم يتكون من 28 تلميذا ، يستقبل تلاميذ على اختلاف تنوعاتهم حاملين معهم مشاكل كبيرة في التربية و التأديب ، ملزم بتغطية برنامج صعب جدا و ثقيل جدا ، في مدرسة متواجدة في منطقة نائية لا تتوفر على الامكانيات . إنه الرزق اليومي لكثير من المدرسين في العالم . آخرون يعملون في ظروف أكثر صعوبة من ذلك ، في العالم الثالث ، في المناطق الأكثر حرمانا بالمدن الكبيرة . إنهم يتواجدون إذن امام فوارق حيث أهميتها لن تجد لها وزنا مع إمكانيات التنوع و الفارقية . الموارد التي من اللازم امتلاكها لاستتباب نوع من المساواة في المكتسبات تحول دون ذلك و تفوق قدراتهم و وسائلهم الراهنة .
لا يمكن الحكم على الامكانيات المشخصة للفارقية إلا من خلال علاقتها مع طبيعة و هول مشاكل التعلم التي تقف في وجه التلاميذ . دون عتبة ما ، يصبح من العبث التحدث عن التقويم التكويني . الامر الذي يحيل إلى الصورة الرمزية و التطبيقية للفارقية في نظام مدرسي ما . لو المدرسون واعون و مكونون ، لو عدد التلاميذ تم تخفيفه لأغراض تسمح ببعض الفرادنية ، لو أدوات التعليم صممت من خلال هذه الروح ، لو وجد متدخلون في الخارج – سيكولوجيون ، معلمون متدخلون – بالنسبة للحالات الأكثر خطورة ، لو البرنامج يترك متنفسا من الوقت لأجل الاهتمام بالتلاميذ الذين يعانون من صعوبات كبيرة ، فإن التقويم التكويني سيغذو إمكانية مشخصة . ليس من الضروري أن جميع الشروط لابتغاء بيداغوجية فارقية يجب أن تكون مستوفية حتى يتخذ التقويم التكويني معنى و دلالة . لكن بدون حد أدنى من الامكانيات الملموسة و المشخصة للتصحيح ، لن يكون التقويم التكويني إلا حيلة مدبرة لاصطياد العصافير !
2 . لا يجب تجاهل انتظارات الأباء
في الحصيلة ، لا يتجه التقويم التكويني نحو قرار الاصطفاء أو الاشهاد ( كارديني ، 1976 ، 1986 ) . لا يستهدف لا إنتاج هراركيات التميز ( بيرنو ، 1984 ، 1985 ) ، حتى ولو كانت مؤقتة ، و لا منح النقط الجيدة و الضعيفة للتلاميذ .
فهو يقطع في هذا مع العادات و الانتظارات لفئة من الأسر . في مدرسة قائمة على التناوب المنتقى من طرف الآباء ، بل من طرف التلاميذ ، مدرسة تشتغل وفق نموذج تعاوني ، مدرسة تتميز ببعض الانسجام الايديولوجي ، من الممكن بناء نظام تقويمي من شأنه أن يحظى ببعض التوافق ، رغم أنه ينحرف بقوة عما يطبق في العديد من المدارس الرسمية . في هذه المدراس الاخيرة ، يظل التقويم موضوعا لتصورات متنوعة و متناقضة ، بداخل هيأة التدريس و عند الآباء و التلاميذ على حد سواء .
بكل تأكيد ، لا أحد يقف صراحة ضد فكرة التقويم الذي يحمل مساعدة للتلميذ و يؤسس تصحيحا فارقيا و متنوعا . لكن ، بالنسبة للبعض ، هذا لا يمنع من استخدام النقط ، و بإقامة التصنيف ، والانتقاء ، كأنما كل هذا كان أمرا قابلا للملاءمة بسهولة في ظل الممارسة نفسها و في ذات العلاقة بين المعلم و التلاميذ .
أمام هذا المشكل ، بعض المدارس او بعض المدرسين قد انساقوا وراء خطاب مزدوج : ذي استعمال خارجي ، متعلق بالمعلمين و إلى حد ما بالتلاميذ ، تقويم تكويني ، محكي ، موجه بشبكات من الأهداف و التي لا تروم إلى نيل أي شهادة و لا أي انتقاء ، لكنه يسمح للمدرسين بتنويع تدخلاتهم بشكل أفضل . بالتوازي مع ذلك ، من أجل الحصول على السلامة ، من اجل طمأنة الآباء ، هناك تقويم أكثر كلاسيكية ، يكافئ التميز و يعاقب التلاميذ الضعاف ، تقويم يضع كل واحد في مكانته و يجيز للآباء معرفة « أين وصل ابنهم » ، بتصنيفه ليس فقط من خلال تدرج تخطيطي نحو التحكم ، لكن ضمن رتبنة التميز الحاضرة دوما في عقولهم منذ مدرسة الحضانة .
داخل استراتيجية الابتكار ، الخطابان المزدوجان و النظامان المزدوجان أحيانا يظلان ضروريان : لا تسمح الظروف السياسية في الغالب الاستبدال الصرف و البسيط للتقويم التقليدي و إحلال في مكانه نظاما من التقويم التكويني . يجب إذن الحفاظ في آن واحد على ما يوجد من المهم في النظام القديم ، حتى لا نزعج السلطات و الآباء و تطوير الممارسات الجديدة التي ، دون أن تكون سرية بالضرورة ، ستتمتع و لا سيما بالمقبولية بحيث « تنضاف » إلى نظام التنقيط و الترتيب بدون أدنى حرج و مساءلة.
في النهاية ، لا يمكننا الاستقرار بداخل هذا العمل المزدوج بدون ان نفقد طاقة كبيرة و خلق جميع أصناف الصراعات و التناقضات . إن أحد الشروط لتطوير تقويم تكويني تبدو لي إذن بعض من الشفافية ، بعض من التقبل من قبل الآباء و التلاميذ لفكرة فحواها أن التقويم ليس قبل كل شيء طريقة في تصنيفهم ، التفريق بين الأقوياء و تخويف الأقل قوة من أجل تدريسهم . بالتعويل أكثر على التقبل التلقائي للآباء ، سنحكم على أنفسنا بالتهميش . لو أردنا تطوير التقويم التكويني في المدرسة العمومية ، يجب إقناع الآباء على أنه ليس اقل صلابة و أقل فعالية عن التقويم التقليدي ، ذلك الذي عرفوه كتلاميذ . لهذا من الأفضل العثور لدى الآباء على بعض المناصرين ، على بعض الأشخاص حيث مواقفهم التربوية او الايديولوجية تساعد في تقبل و في ملاقاة التقويم التكويني . لكن هناك الآخرون ، الذين لا ينحدرون من الأوساط الموسرة و حيث أولادهم ليسوا دائما هم أفضل التلاميذ . إن بعض الشيء من صورة التقويم متوطنة في تجربة الحياة و العلاقة إزاء المدرسة و معظم الرجال . لا نغير كل هذا من خلال دورية او شرح أثناء اجتماع مع الآباء . إذن ، و لربما قبل كل شيء ، إنماء و تطوير التقويم التكويني هو إقامة علاقات مختلفة بين المدرسة و الآباء .
3 . تقويم ملائم مع البيداغوجيات الحديثة
في التعليم الابتدائي و بشكل عام في الالزامي ، تلقى التعليم ابتكارات مهمة في البرنامج الدراسي التطبيقي و في الديداكتيك . لقد تم هناك تجديد في المضامين. لكن في الغالب ، لقد ألحق الابتكار تغييرا في الأهداف و خاصة في طبيعة الطرق البيداغوجية .
لذلك ، لم نكتف في الرياضيات بإضافة أو استبدال عناصر نظرية المجموعات بالجبر التقليدي . بل لقد توجه تدريس الرياضيات نحو تنمية القدرات في الاستدلال و ركزت المنهجيات جهودها على الوضعيات الديداكتيكية المتنوعة مفضلة في ذلك الوضعيات الاكثر سعة و الأكثر انفتاحا بدل المسائل و التمارين التقليدية : الانطلاق من اللعب ، و من الألغاز ، ومن الوضعيات اليومية القابلة للحساب ، و من المسائل المشخصة ؛ الملاحظة ، و التجربة ، و المناولة قبل الحساب ؛ طرح الأسئلة الجيدة بدل إعطاء الأجوبة ؛ تنظيم خوارزميات عوض تطبيقها ؛ بناء المعرفة الرياضياتية الخاصة بالتلميذ بدل ان يستقبلها جاهزة من ذي قبل .
في ميدان اللغة الأم و اللغات الأجنبية ، نلحظ تطورا مماثلا . ضد تدريس نظري ، المتجه نحو التراكيب و التعلم الممنهج للمفردات و قواعد الاملاء و الصرف ، لقد ركزنا على الممارسة التطبيقية ، على وضعيات التواصل . المقاربات المهتمة بالكتابي وفرت المزيد من العناية للشفوي ، قيمة مضافة في ذات الوقت ككفاية يراد تنميتها بالكامل و كمسلك لولوج التحكم في اللغة المكتوبة . في مكان التمارين المدرسية التقليدية استلهمت في مكانها أنشطة أكثر سعة و رحابة ، « مشاريع » ، « وضعيات » او « أنشطة – إطارات » : مراسلة مدرسية ، إعداد حفل ، تقصي ، بحوث ، كتابة رواية او حكي جماعي ، توضيب لعرض على سبيل المثال .
في ميادين أخرى ، تطور مشابه قد تم تحقيقه . فيما يخص دراسة البيئة ، بذلنا جهودا في فك العزلة عن المواد التعلمية الكلاسيكية – التاريخ ، الجغرافية ، العلوم الطبيعية – ، و دمجها في مقاربة بيئية موسعة ، وعيا و تحسيسا بالأهمية المعطاة للايكولوجية . لقد اخترنا بكل حزم مسلك الابحاث ، و المونوغرافية ، و دراسات الحالة ، و التجارب الصغرى في مقابل الدروس التقليدية .
حتى يمكن للتقويم التكويني التجذر في الأنظمة التعليمية ، من الأفضل و الأحسن أن لا يدخل في تناقض مع هذه البيداغوجيات الحديثة و لا يعرقل مهمة المعلمين الذين انخرطوا فيه . لهذا من الواجب ، حسب تعبير ليندا علال ( 1987 ) التوجه نحو تصور شامل و موسع للتقويم التكويني ، الابتعاد عن صورة التقويم المحكي critériée المبني على تقسيم صنافي مفصل بقوة مع التصحيحات النوعية و الدقيقة . في قسم حيث نشتغل فيه وفق بيداغوجية الاكتشاف ، و حيث نواجه وضعيات رياضياتية ، و الملاحظة ، و التواصل ، لا يوجد لا الانسجام و الامكانية العملية لتدبير في مسافات متقاربة روائز معيارية كلاسيكية . يجب أن تكون التعديلات متسمة بالليونة الكثيرة ، ان نأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الفعلية للأنشطة و للوضعيات الديداكتيكية ، لاستعمال الزمن ، للأهداف .
اعتقد أن كل هذا لا ينتافى مع فكرة التقويم التكويني . يظل ان مجهودا جبارا نظريا و تطبيقيا يجب القيام به لتوسيع النموذج دونما افتقاد فضائله !
4 . تقويم عملي قابل للتطبيق في القسم
في الوقت الراهن ، يذكرنا التقويم التكويني في الطريقة التي ترسل NASA بها رواد الفضاء إلى القمر : تخطيط محكم ، لائحة المراقبة لا متناهية ، الزيادة في المراقبة و التصويبات بلا حد . لا يمكن أن يدبر كمثل هذا الأمر إلا من طرف تنظيم معقد يمتلك على وسائل ضخمة . لو التقويم التكويني يمر من هنا ، سنجعل من استقلالية المدرسين و ما يعطي معنى للحرفة للكثيرين ، بعضا من الحرية ، بعضا من الابداعية ، بعضا من المسؤولية . لقد حاولت أن أوضح في أماكن اخرى ( بيرينو ، 1987 ) أن بيداغوجية التحكم هي نوع من الطوباوية العقلانية . التقويم التكونيي مدفوعا إلى أبعد حد يغذي نفس الخيال . لكي نجعله عمليا ، يجب ان نعمل على تخفيفه ، و تبسيطه ، و نضع ثقتنا في حدس المعلمين ، في قدراتهم الارتجالية و الترميق .
ليندا علال ( 1983 ) في « قياس و تقويم » ، ناضلت بقوة مبرزة عن طريق وسط بين الحدس الخالص و الأداتية الثقيلة جدا إلى درجة أنها أصبحت قوة ردع . إن التقويم التكويني ليس تطبيقا تلقائيا ، فإنه لا يؤدي على الأقل إلى تعديل حقيقي للتدخلات و التعلمات . لا بد من العمل على تكوين المعلمين ، و التعريف بالنماذج ، و اقتراح الأدوات و طرق العمل . لكن الافراط ، في هذا النهج ، لا يمكنه سوى تغيير وجهة الممارسين لتقويم يبدو لهم غير قابل للانجاز.
إذا لم نأخذ بعين الاعتبار الظروف الواقعية و الملموسة التي يشتغل بداخلها التلاميذ و المعلمين ، إذا لم نهتم بنصيب من التقاربات ، و الاختصارات ، و التوافقات التي بدونها يستحيل العيش في مدرسة ، إذا لم نقبل ببعض الغموض في الأهداف ، و التخمينات في الملاحظات ، بعض الطفو و التراخي في التدخلات ، سوف نحكم على أنفسنا بتحديد نموذج « عقلاني فوق الحد » حيث سيكون تطبيقه من رصيد المدارس التجريبية او بعض الممارسين فوق العادة .
5 . احترام منطق التعاقد الديداكتيكي
في المدرسة ، و خاصة في المدرسة الاجبارية ، المعلمون و التلاميذ يتواجدون بصورة ما في ميزان القوى . هذا لا يعني أن « البيداغوجية لا تحب الأطفال » ، و أن العلاقة البيداغوجية هي حرب مستمرة في كل لحظة . لكن هذا معناه أن الفاعلين لديهم مصالح متناقضة جزئيا . يريد المعلم الدفع بتلامذته نحو مستوى معين من التحكم تبعا لاستحقاقات دقيقة لا يقررها بوحده ؛ يريد أن يتمكن منها في إطار نشاط مهني ، بفضل مساهمة و انخراط فعليين و بفضل زمن من العمل محدود . أمامه ، لديه تلاميذ لا يتوفرون على أية مصلحة في التعاون . بعضهم لا يمتلك أية رغبة في التعلم لأن المعارف المدرسية ليست لديها اطلاقا أي معنى . بالنسبة إليهم ، الحياة موجودة في مكان آخر و المستقبل لا يتحدد أبدا بتعبير النجاح المدرسي . آخرون يرغبون في النجاح لكن في غياب المجهودات الجبارة . مثل جميع الناس ، فالتلاميذ موزعون بين الأهداف البعيدة المدى ، التي تتطلب نوعا من الضبط و الانتظام ، و بين الرغبات الآنية : العيش كما يحلو ، و الاستمتاع بالوقت .
العلاقة البيداغوجية نادرا ما تكون تعاونية مائة في المائة ، فهي صراعية في الغالب و أحد المهام الأولى تقريبا لجميع مدرسي العالم هو إقحام تلامذتهم في العمل ، إجبارهم لبذل المجهود ، في الانصات ، في التقدم في تمارينهم ، في المشاركة في الانشطة الجماعية ، في القيام بواجباتهم في البيت . في ميزان القوى الذي يقام إذن ، المتوارى كثر ام قل من جراء علاقة شخصية مشحونة بالعطف والود و الاحترام او ما شابه ذلك من مناخ عام ، فإن التقويم يحظى بأهمية استراتيجية . فهو احيانا يشكل نوعا من القمع ضد الانحراف الفرداني ، ضد الانفلات الصعب من الضوابط او الغش . لكنه بالأخص هو نوع من التعديل للاحتدام و للحماسة اثناء العمل الصفي و إيقاعه لاستكمال البرنامج .
يمكننا بكل تأكيد ان لا نرضى عن حالة هذه الأمور و الأشياء ، أن نتمنى من التلاميذ أن يتعلموا ما يرغبون في تعلمه حسب إيقاعاتهم ، إذ المدرسون لا مأمورية لديهم سوى مساعدتهم في تحقيق هذا المشروع . سوى إذا احتفظنا بالتقويم التكويني لهذه الوضعيات العجائبية ، فإننا لا نهرب من السؤال : التقويم التكويني ، كما هو مطالب به من طرف المختصين ، ألم يجعل من التعاقد الديداكتيكي صفقة بأرخص ثمن ؟ كيف يمكن لتقويم لا يعاقب أبدا ، الذي يمنح دائما فرصة جديدة للقيام بالعمل على أكمل وجه و إبراز التحكم المرغوب فيه في نهاية المطاف ، بإمكانه الابتعاد عن تقديم لبعض التلاميذ وسادة الكسل ؟ من الطبيعي أن التقويم « الشفرة » ، السالب أساسا و الانتقائي ، يحبط التلاميذ و يبعدهم عن المدرسة . لكن لا يجب ان نكون سذج إلى حد نعتقد فيه أن جميع التلاميذ يلعبون لعبة بيداغوجية النجاح و التقويم الايجابي . البعض منهم ، إنها « الحرب المثالية » ، يستمدون كل الفائدة الممكنة من تقويم « متسامح » ، وقلما يجدون أنفسهم عند نهاية السنة المدرسية أكثر كفاءة كما هو عليه في البداية .
لا يطرح المشكل فقط بالنسبة للتلاميذ المتواجدين في الصعوبة ، بل حتى التلاميذ المتوسطين . منذ ان وجدت المدارس ، أحد بنودها اللا مكتوبة المتعلقة بالتعاقد الديداكتيكي هو أن التلميذ « يمر بسلام » عندما يحقق مستوى « معقولا » من التميز ، محسوبا انطلاقا مما يعرفه في المعدل الحسابي التلاميذ من نفس العمر . في قطيعة مع هذا البند ، فإن بيداغوجية التحكم و التقويم التكويني تساهمان في منطق « المزيد بلا حد » . إن التحكم ليس إطلاقيا أبدا ، يوحي التقويم التكويني دائما بالامتدادات ، بالزيادات ، بأنواع شتى من التقدم التي تؤدي بالتلميذ « إلى نقطة بعيدة » . يبقى ان نعرف هل يعتبر هذا طموحه ، هل البقاء في المدرسة لا يكمن في الارتكان تحت عتبة الممكن ، في الادخار لمجهوداته ، في الاحتفاظ بالوقت و بالطاقة لأغراض و أنشطة أخرى .
إنني أجد احيانا دعاة التقويم التكويني يفتقدون للواقعية ، بل للكلبية cynisme . يتخيلون مدرسة كأنها فضاء حيث يمكن لكل واحد أن يكون فيها باستمرار مجندا في المقدمة من اجل التدريس او من اجل التعلم . في الواقع ، بدون تغييب هذا الانشغال ، فإن المدرسة ليست دائما هي الوحيدة ، لا و لا هي الرئيسية . في المدرسة ، لا بد من العيش مجتمعين و الحصول على بعض النتائج أهل للتقديم و المعاينة خارج مجموعة القسم ، سواء عند الآباء او الزملاء . التعاقد الديداكتيكي هو جزء من التحالف ، و جزء من التوافق اللذان يسمحان للمعلمين و للتلاميذ معا بالقيام بأحسن الأعمال إزاء محيطهم . لا يمكن للتقويم التكويني تجاهل هذا المنطق .
6 . معلمون مأهلون كما ينبغي من أجل الانفراد باستقلاليتهم
لتفادي الاجراءات المقننة في تفاصيلها ، للقيام بنصيب من الملاحظات و التعديلات الحدسية ، يجب اعتبار التقويم التكويني قضية المدرسين قبل كل شيء . ليس فقط كمتنفذين ، بل كمنهدسين و منظمين لنظام تقويمي يخص التكوين يتماشى و ظروف العمل ، مع الفئة المستهدفة ، مع البرنامج التطبيقي المدرسي الذي يدرسونه ، مع الطرائق الديداكتيكية التي تبدو لهم أفضل و أحسن .
الشيء الذي يعني أن ، بدل أن نجلب للمعلمين نموذجا في التقويم التكويني « مفتاحا في اليد » ، سيكون من اللائق تماما اللجوء إلى خيالهم و إلى كفاءتهم من اجل أن يبدعوا بأنفسم ، فرادى و جماعات ، في أحسن الحالات مع مساعدة المختصين في التقويم أو الباحثين في التربية ، أنظمة للتقويم التكويني تتلاءم حقا بكل ليونة مع الحقيقة التي يعيشونها و مع تحولاتها ( فييك ، 1987 ).
حتى يمكن للمعلمين خلق نظامهم التقويمي التكويني الخاص بهم ، لا بد من الطبيعي أن يجدوا فيه فائدة و مغنما ، إذن فليكونوا في موعد مع البحث في التعديلات الأكثر فعالية لتعلمات تلامذتهم ، مع القبول في سبيل ذلك بتأدية مسبقا الثمن المحتمل : المزيد من المعلومات المعالجة ، و المعلومات المعقدة جدا ، المنصبة على سيرورات التعلم ، و القرارت الفردية و التقنية ، مع عدد من الانخراطات العلائقية ؛ المزيد من الملاحظة ، و التحليل ، و التهيؤ ، و التتبع ؛ المزيد من الشكوك و الارتيابات ، و الحرمان ، و الضغط النفسي .. لموازنة هذه التكلفة ، لا بد للمعلمين أن يجدوا أثناء مزاولة مهنتهم على المتعة المشابهة لمتعة الطبيب او المهندس ، الأمر الذي يفترض الزيادة في الاستقلالية و المسؤولية ، كما في ذات الوقت السلطة و وسائل المشاركة لتدبير و تنظيم البيت المدرسي . كل هذا لا يحدث بعيدا عن المكافأة الرمزية و المادية ، و في غياب تكوين راشد . من العبث الانتظار من معلمين مكونين على وجه السرعة ، بأجر زهيد ، ينظر إليهم كقطع من الشطرنج الاداري ، محصورين في مشد التعلميات البيروقراطية ، الرغبة و الشجاعة في إنماء و تطوير التقويم التكويني . إن وضعية المدرسين الابتدائي ، مثلا ، تظل وضعية مؤقتة وغير مستقرة في عدة بلدان . لا نفرض عليهم تقويما تكوينيا فعالا كما هو الشأن في المواقيت او في الدفتر المدرسي !
7 . فعالية مباشرة و ظاهرة
الشرط السابع يتميز في آن واحد بالصعوبة الكبيرة و السهولة المفرطة : التبرير الوحيد لتقويم تكويني ، بعيدا من الكلمات الجذابة و النماذج ، التي تذبل و تحترق ، هو الحد من الفشل المدرسي ، هو تحسين جودة تحكم التلاميذ في بعض المجالات الأساسية . المعلمون المفعمون بالحماسة يتراجعون إلى الوراء لو أن مجهوداتهم المبذولة لا تحمل أي نتيجة ملموسة .
في هذا المنظور ، يستحسن تفضيل المحاولات المحدودة ، عدم الجري وراء المقرر بأكمله ، عدم استهداف ما هو أبعد جدا بالنظر إلى الطاقات الممكنة . إن روح النظام هو الأداة المؤكدة يقينا لتشويه الابتكار و عرضه للخطر . بعض المدرسين او بعض الفرق البيداغوجية ، بإعمالهم طريقة قريبة من بيداغوجية التحكم ، تعبوا في ترجمة كل المقرر إلى أهداف و في إعداد روائز تكوينية في كل المواد التعلمية و في جميع مراحل التعلم . إنهم قضوا في ذلك لياليهم و بقية نهاية الاسبوع ، نظموا شبكات ، و إجراءات التصحيح ، و التعاقدات مع الآباء ليجدوا أنفسهم خاضعين تحت سيطرة رحمة نظام ما أثقله و ما أعقده حيث فعاليته ستظل يحومها الشك و الريبة . إن محاولة الاغراء قوية إذن لكي نقول « هذه طوباوية » و نعود للممارسات التقليدانية .
" ما هو صغير جميل " : ليس هذا ضمانة مطلقة للفعالية ، لكنه طريقة في التحكم في التقويم التكويني على مستوى القسم او المؤسسة . فإمكانية العمل ضمن الفريق او في مشروع ابتكاري عصري لا يلزم ، كما في بعض الاحيان ، إثارة الطموحات الاكثر حماقة ، بل السماح بدل ذلك بقيادة بعض المحاولات المحدودة !
الخاتمـة
لا يجب التطبيق الحرفي للشروط السبعة المذكورة أنفا . كل نظام مدرسي يتطلب تحليلا يختص به .
احدى الصعوبات الرئيسية في الابتكار هي القدرة المتواجدة لدى المنظمات في التأويل من جديد للأفكار الاكثر حداثة بداخل قولب فكرية قديمة ، استيعاب الممارسات المبتكرة جدا وفق منطق اشتغالاتها . لم يعد ذاك الوقت حيث يمكن للأنظمة المدرسية الرفض الصريح لتبني أفكارالأهداف ، و الفارقية ، و التقويم التكويني . من الممكن أن نفترض رغم ذلك أن عددا من الفاعلين ، في جميع المستويات ، قد امتلكوا عن يقين صادق هذه الاستطلاعات المشوقة . إن هذا لا يكفي .
التعلق و المناداة باستراتيجية حصان طروادة de Troie ، هذا ليس معناه فقط الانتظار من أن أفكار الفارقية و التقويم التكويني « تخط طريقها » أو ان المعلوماتية جعلت سهلا ما كان لا يزال يظهر بالأمس « مستحيلا » . صحيح ان ما كان يشكل حديث المختصين منذ عشر سنة أصبح اليوم حديث الخاص و العام او يكاد . من المؤكد أن التصورات يجب أن تكون متقاسمة بأحسن و أوضح صورة . غير أن الانتقال إلى الفعل l’action ( اوبرمان ، 1987 ) يلزم أكثر من توافق مبهم و غامض . للزيادة في حصة التقويم التكويني في المدرسة العمومية ، لا بد من التوفر على إرادة سياسية و استراتيجية ملائمة . الابتكار لا يزال يمر عبر قنوات المبتكرين ، و عبر الابحاث ، و عبر التجارب القيادية . لكنه سيمر أيضا و لربما أكثر فأكثر بواسطة الاجراءات العامة : و ليس بفضل التعميمات المتسرعة للتقويم التكويني لفائدة أكبر عدد من الأقسام ، من خلال مرسوم ، بل بفضل سلسلة من القرارات المتقاربة ، تتصل بتكوين المعلمين ، و بإخبار الآباء ، و بخلق وسائل التدريس و انواع الديداكتيك ، و بتخفيف المقرارات ، و بصياغتها بتعبير التحكمات المنشودة ، و بتنظيم يتسم أكثر بالمرونة في الدرجات و الفئات .
لا يجب أن يترك إذن هموم و انشغال التقويم التكويني بيد المختصين العارفين : فهو يساهم في سياسة التربية الأكثر عدالة و انصافا التي يجب أن تتمظهر آنيا في مجالات متعددة و مستلقة .