تغيير ممارسات المدرس ، المهننة و الموقف التعقلي
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف ، سويسرا
مونيكا كاتير تيرلير ( العدد 2 )
الفاعلون التربويون بين منطقين
في الانظمة التربوية ، يتصارع الفاعلون الاجتماعيون باستمرار بصدد التغييرات الممكنة و المرغوبة . نجد البعض يعمل من أجل تسريع وتيرتها ، والبعض الآخر لمنعها . في نهاية المطاف ، تغيير الممارسات هو نتيجة الصراع لهذه التناقضات . هذا التعقيد يؤدي إلى استنتاج مفاده أن الموضوعات الأكثر إثارة للاهتمام هي المشاريع ، والرغبات ، والاستراتيجيات المبتكرة التي تنظمها الجهات الفاعلة ، فضلا عن مخاوفهم ومقاومتهم ضد الاستراتيجيات المقترحة من قبل الآخرين ، مرفوقة بالتوقيعات الضمنية أو الصريحة التي تبرم في هذا الموضوع في صلب العلاقات الاجتماعية. (جمع Thurler وPerrenoud، 2003).
وبعبارة أخرى ، ان أي تغيير في الممارسة يجري ضمن منظومة العمل ، والتي هي بدورها تتغير من جراء نفس العملية ، ولا يمكن السيطرة عليها إلا باتباع مقاربة نسقية وموقف تعقلي . لأنهما يوفران الأدوات المفاهيمية والتقنية لمواجهة ثقل علاقات القوة المنافسة ، والقيم ، والمعايير، والمشاعر والذاكرة التي تميز حياة شخص أو جماعة بشرية . و رغم ذلك : فإن هذا الشرط يصعب جدا الظفر به ، وبالنظر إلى منطق التناقضات التي تعترض الجهات الفاعلة .
في جميع التنظيمات ، لا يوجد هناك نقص في الأفراد أو جماعات الضغط الذين يرغبون في التطور، تحويل الممارسات . دوافعهم مختلفة : عقلنة ؛ توحيد ؛ تحسين ؛ تحديث، دمقرطة ؛ التكيف مع التكنولوجيات الجديدة ؛ ظهور تنظيم جديد للعمل ، وإستدخال معايير جديدة للوقاية او المحافظة على الصحة ، وما إلى ذلك . إن العلاقات و موازين القوى لأولئك الذين يريدون تغيير الممارسات تختلف ، بدءا من السلطة الرسمية إلى التأثير المبني على أساس الخبرة أو التجربة . الوسائل أيضا تختلف : خطابات محفزة أو تعبوئة ؛ إعادة صياغة التعليمات أو تكثيفها ؛ تقوية الرقابة أو المصاحبة عن قرب ؛ إعادة هيكلة ظروف العمل ؛ محاولات مؤثرة من خلال التكنولوجيا والتكوين ؛ الالتفاف حول المراجع قصد التعامل مع المعارف الجديدة ؛ اللجوء إلى المكافآت أو العقوبات .
في الطرف الآخر من السلسلة ، يتأرجح الممارسون بين قطبين اثنين من المنطق . منطق ، " أداتي "، يذكرهم بأنهم وكلاء في خدمة النظام ، من الأفضل أن يمتثلوا للتعليمات و الآوامر الآتية من السلطات . و من جهة أخرى منطق ، أكثر " وجودي " متجذر طبعا في وضعهم المهني القادرعلى فرز المتطلبات الأكثر أو الأقل " ذكاء " . ولكنه أيضا يعتمد على رغبتهم في الحفاظ على هويتهم وهدوئهم أو فوائدهم اتجاه الوقائع والبدائل الأخلاقية اليومية ، حينما يتفاعلون مع التلاميذ والزملاء وأولياء الأمور، أو حتى مع هؤلاء الذين من المفترض عليهم تقديم الحسابات : مديري المدارس والمفتشين والمكونين (Barthassat، Capitanescu و Thurler، سيصدر قريبا).
Barrere (2002) ودوران (2005) يذكران بالمناسبة أن النشاط (المهني أو غير المهني ) لا يمكن أن يختزل في تطبيق صرف لتعليمة : حتى لو كان الفاعل لا يزال خاضعا لقيود خارجية ، نشاطه يخلق معاييره الخاصة . الشيء الذي يعني أن التصرف و الفهم ، هو دائما القيام بشيء باتخاذ مسافة (معقولة) إزاء ما تم شرعنته ، توقعه ، معتاد . ويمكننا هكذا أن نحدد تغيير الممارسات باعتبارها مسارا فريدا من الإجراءات التي تخلق معايير خاصة مؤدية في النهاية إلى نموذج مفاهيمي - وبالتالي إلى إضفاء الشرعية على مستوى الخطاب - للخبرة هنا والآن . هذا الخلق و الابداع للمعايير المختصة يحمل مع ذلك بعض المخاطر (Hubault، 2004) ، بقدر ما يستمد شرعيته من إحداث شيء جديد في عالم ليس تماما في حالة خضوع .
إذن لا يمكننا قياس ما يكفي أن أمر " كونوا متعقلين ! " و بعبارة أخرى " تحدثوا بصراحة عن الممارسة الخاصة بكم ! " - التي تعتبر الآن كبديهية - تدخل في صراع ، أولا مع الحيل وآليات الدفاع التي طورها كل واحد منا منذ تاريخ بعيد بفضل التدريب على مهنة التلميذ ، ثم الطالب فالمدرس ، مبتدئا كان أم مختصا ثم أيضا مع المعايير الاجتماعية سارية المفعول في جميع مجالات التكوين أو العمل . كل مهني يمكن له ، دون أن يقيس حقا ما يحدث ، أن يضع موضع التنفيذ إجراءات روتينية دفاعية (أرجيريس، 1995) والتي تشتغل بمجرد ما يقوم شخص بدعوى التدخل في هذا الهامش الصعب بين النظام القائم و بين المعايير الخاصة ، بين المهارات المتوقعة وعدم الكفاءة الفعلية : ضحكات محرجة ، ابتسامات منتظرة ، صمت ثقيل ، إجابات مراوغة ، تبريرات مرتجلة ، صعوبات في نسج كلامات ، حديث في مسار آخر ، بل هجوم ضد إجراءات قانونية . بمجرد أن زميل ، رئيس مؤسسة (أو ما يعادلها) ، طالب متدرب ، متدخل خارجي يسأل المدرس لماذا يفعل هذه الأشياء بهذه الطريقة أو تلك ، ينظر إلى الامر على أنه إشارة ان هناك خيار وأن الشخص المستوجٓب لديه سبب وجيه (أو سيئ) في تبني مثل هذا الوضع بدل الامتثال لوضع أخر .
ولكن ، في الواقع ، العديد من الممارسات تتبع التقاليد و العادات - و في بعض الاحيان " المعتقدات " - أكثر أو أقل ضمنية (ألتر، 2002). فهي لا تصدر من منطق شخصي حاد . إن السؤال لماذا يجبر ، إما " اختراع " حجة انتهازية ، أو الاعتراف بأننا لا نفهم بشكل جيد تماما ، لأن خلافا للنظرية ، من حيث ما تهدف إليه من معرفة ، فإن الممارسة تشتغل في العديد من الميادين دونما يعرف الفاعلون سبب ذلك . في مجال الطب – و هو مجال مشهور مع ذلك من حيث ممارساته المبنية على أرضية صلبة – لا توجد لدى المختص أي مشكلة تقريبا في أن يتقبل كونه يقدم عقاقير معترف بها صيدليا تعمل على تسكين الألم بشكل فعال ، دونما النبش في المعرفة بحثا عن الدافع الكيميائي و لا الفسيولوجي لتصرفه . وفي مجال التعليم ، في مواجهة الآباء أو رؤساء الادارة ، بل أمام الزملاء ، فإنه ليس من السهل دائما أن نعترف بأننا لا نعرف لماذا هذا التلميذ يتوقف أمام هذا المفهوم في الرياضيات ، و لماذا تلميذ آخر فجأة يبدأ في قراءة الجمل . فلا الفرضيات المقترحة من طرف ديداكتيك المواد ، و معرفة مراحل نمو المتعلمين ، و الأخذ بعين الاعتبار لسياقهم الأسري و الثقافي كل هذا لا يسمح حقا في بعض الحالات إعادة بناء أسباب بعض التوقفات و العقبات أو المنقطعين عن الدراسة . هذه الشكوك تترك المعلمين في ورطة عندما يطلب منهم تفسير لماذا يتبنون او يرفضون أسلوبا من الاساليب المنهاجية الجديدة (بلانشارد-Laville، Chaussecourte، Hatchuel Pechberty، 2005). الامر الذي يسلط الضوء على العيوب و على عدم الكفاءة والمواقف التي تتباين و تختلف ما بين استيهام القدرة الفائقة (أنا دائما انجح في تعليم القراءة لكل تلامذتي ، فلا حاجة لي في زج العقل في لماذا) و بين إحساس بالدونية ( أنا بالتأكيد لا أعرف كيف أشرح، فإنني أشكل الحلقة الضعيفة مرة أخرى).
سواء كان ذلك آت من طالب متدرب " ساذج "، أو من زميل مجرد مضطرب فقط يبحث عن الفهم أو أيضا من إطار يتوخى توسيع مهارات التدريس التي يريد توظيفها ، فإن كل استجواب يمكن أن ينظر إليه إذن كطلب للحصول على مبرر أو محاولة لتشويه سمعة أو زعزعة الاستقرار، أي تدخلا . بحيث أن أي ممارسة انعكاسية / تعقلية لا تخلو من المخاطر، بغض النظر عن حالة من الذين يتدخلون والأهداف المنشودة . إن التنشئة الاجتماعية المهنية - والقدرة على الاستمرار طويلا في مهنة معقدة و " مستحيلة " (Cifali، 1999) - تبدأ هكذا مع استدخال الحيطة و الحذر و الحدود الواجب احترامها من قبل كافة الفاعلين المعنيين .
في ضوء ما سبق، فإن مصير أي ابتكار – و في الختم ، مصير أي تغيير حقيقي في الممارسة - يعتمد إلى حد كبير على كيفية الفاعلين في تدبير العلاقة الجدلية بين المنطق الصادر نزولا من السلطة ومنطق الالتزام الحر الطوعي . التوازن بين هذين المنطقين بعيد كل البعد من التباث و الاستقرار . طالما أن الإصلاحات المقررة في القمة و أيضا براديغمات التعلم المنبثقة من البحث ، تهدد غالبا المعنى الذي يتخذه الفاعلون في عملهم و في حياتهم في كل يوم . هذا التهديد هو في صميم الصعوبات والممانعات التي تسكن جسم أي تغيير لممارسات التدريس ، سواء كان هذا التغيير مفروضا بشكل استبدادي أو مطبقا وفقا لمبدأ التقصي الجماعي أو بشكل طوعي من قبل أصحاب المصلحة . داخل النظام التعليمي ، هذا الجدل الدائر بين الفاعل والنظام (كروزير وفريدبرغ، 1973) يأتي بشكل مختلف حسب المستويات المتخذة من طرف أصحاب المصلحة . جدلية الفاعلين والنظام تختلف أيضا باختلاف الزمان والظروف (أكثر أو أقل مواتية مع التغيير) ، و البلدان و نماذجهم في الاقلاع .
إن مصير إبداع ما في التربية - مؤديا إلى التغيير في الممارسات التعليمية ومنتجا ، في نهاية السلسلة آثارا " قابلة للقياس " من حيث أداءات التلاميذ - يعتمد إذن اعتمادا كبيرا على المعنى الذي تمنح إياه الجهات الفاعلة (جمع Thurler، 2000). انهم هم الذين ينفذون ، بمعية تلامذتهم و حسب طريقتهم في التصور و التصميم و التدبير اليومي للوضعيات التعليمية التعلمية ، والأفكار الجديدة المتحدرة من البحث ، مدارس تجريبية أو حركات تعليمية . والحال ، فإن جودة النقل تعتمد على فهمهم للأفكار الجديدة ، وتقبلهم لهذه الأفكار ، لكن أيضا على قدرتهم واستعدادهم لدمجها في ممارساتهم بشكل دائم .
من أجل التقاط العلاقة الموجودة بين الاحترافية professionnalisation وتغيير الممارسات، يرى بيرنو و تيرلير أنه من المهم معرفة قبل كل شيء فهم ما يلي :
- كيف لهذه الجهات بالذات ترى ، و تتصور ، و تستقبل و تثمن الابتكارات التي تقدم إليها - أو تفرض عليها - من خلال هذه الإصلاحات ؛
- ما هي تلك المعارف المهنية (النظرية والعملية) التي سوف تستخدمها للحكم على أهمية و دقة هذه الابتكارات ؛
- كيف يتمكنون من تطوير هذه المعارف ( الابتكارية ) لضمان التطور - الفعال والمستدام - لممارسات التدريس .
ما وراء السياقات والتحديات الخاصة ، موضوعان يبرزان إلى السطح من خلال هذا النوع من التفكير بشأن الابتكار : درجة التأهيل المهني لمهنة التدريس والبعد الانعكاسي التعقلي للممارسة . هما وجهان لعملة واحدة . يتموقع التدريس بين حرفة التنفيذ ، حيث عمله مشرعن للغاية و بين المهن ذات الصفات الكاملة ، التي تترك للممارسين قدرا كبيرا من الاستقلالية . كلما كنا على مقربة من مركز المهن ، إلا و ازداد البعد التعقلي أهمية كبيرة ، لأنه ليس فقط المقصود هو العبور و اجتياز المسافة بين العمل المقرر والعمل الحقيقي ، ولكن لأجل ابتكار عملنا الخاص . ولهذا السبب فإن المنفذ و المحترف لهما علاقات مختلفة إزاء الابتكار .
بالنسبة للأول ، فالابتكار يخرج من النظام ، من التأطير ، من الخبراء الذين يهندسون عمليات الإنتاج ويهيكلون المهام محط الانجاز . يتم دمج الابتكارات في تنظيم العمل والإجراءات وغالبا ما يتم ذلك من خلال الترتيبات المادية والتكنولوجية ، والتي تعزز بدورها معيارية النظام
وتقسيم العمل بين المهندسين و المنفذين .
المهنـي ، بدلا من ذلك ، يعد أحد المحركات للابتكار . في مواجهة امام المشاكل ، فهو يبحث عن حلول جديدة ، يتكون ، يقوم بالتجربة ، يتعقل ممارسته وأدوات عمله . كلما التجأ التنظيم إلى المهنيين ، كلما أصبحت عمليات الابتكار وصنع القرار لا مركزية ، و يضاعف التنظيم الأماكن واالديناميات ، و يفوض بطريقة او بأخرى ابتكار التغيير إلى ممارسين متعقلين . إننا نقترب مما يطلق عليه الأنجلو ساكسون " الاستقلالية " و " الملكية ". إضفاء الطابع المهني على حرفة المدرس وتطوير بعدها التعقلي هو أكثر فعالية في نهاية الامر بدل إكثار المتطلبات والتحفيزات الاستبدادية من أجل التغيير . في حال نجاحها ، سوف تكون مثل هذه الاستراتيجية مسهلة للابتكار أكثر بالتأكيد في محل المجهودات الآنية و المقامة في كل إصلاح .
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف ، سويسرا
مونيكا كاتير تيرلير ( العدد 2 )
الفاعلون التربويون بين منطقين
في الانظمة التربوية ، يتصارع الفاعلون الاجتماعيون باستمرار بصدد التغييرات الممكنة و المرغوبة . نجد البعض يعمل من أجل تسريع وتيرتها ، والبعض الآخر لمنعها . في نهاية المطاف ، تغيير الممارسات هو نتيجة الصراع لهذه التناقضات . هذا التعقيد يؤدي إلى استنتاج مفاده أن الموضوعات الأكثر إثارة للاهتمام هي المشاريع ، والرغبات ، والاستراتيجيات المبتكرة التي تنظمها الجهات الفاعلة ، فضلا عن مخاوفهم ومقاومتهم ضد الاستراتيجيات المقترحة من قبل الآخرين ، مرفوقة بالتوقيعات الضمنية أو الصريحة التي تبرم في هذا الموضوع في صلب العلاقات الاجتماعية. (جمع Thurler وPerrenoud، 2003).
وبعبارة أخرى ، ان أي تغيير في الممارسة يجري ضمن منظومة العمل ، والتي هي بدورها تتغير من جراء نفس العملية ، ولا يمكن السيطرة عليها إلا باتباع مقاربة نسقية وموقف تعقلي . لأنهما يوفران الأدوات المفاهيمية والتقنية لمواجهة ثقل علاقات القوة المنافسة ، والقيم ، والمعايير، والمشاعر والذاكرة التي تميز حياة شخص أو جماعة بشرية . و رغم ذلك : فإن هذا الشرط يصعب جدا الظفر به ، وبالنظر إلى منطق التناقضات التي تعترض الجهات الفاعلة .
في جميع التنظيمات ، لا يوجد هناك نقص في الأفراد أو جماعات الضغط الذين يرغبون في التطور، تحويل الممارسات . دوافعهم مختلفة : عقلنة ؛ توحيد ؛ تحسين ؛ تحديث، دمقرطة ؛ التكيف مع التكنولوجيات الجديدة ؛ ظهور تنظيم جديد للعمل ، وإستدخال معايير جديدة للوقاية او المحافظة على الصحة ، وما إلى ذلك . إن العلاقات و موازين القوى لأولئك الذين يريدون تغيير الممارسات تختلف ، بدءا من السلطة الرسمية إلى التأثير المبني على أساس الخبرة أو التجربة . الوسائل أيضا تختلف : خطابات محفزة أو تعبوئة ؛ إعادة صياغة التعليمات أو تكثيفها ؛ تقوية الرقابة أو المصاحبة عن قرب ؛ إعادة هيكلة ظروف العمل ؛ محاولات مؤثرة من خلال التكنولوجيا والتكوين ؛ الالتفاف حول المراجع قصد التعامل مع المعارف الجديدة ؛ اللجوء إلى المكافآت أو العقوبات .
في الطرف الآخر من السلسلة ، يتأرجح الممارسون بين قطبين اثنين من المنطق . منطق ، " أداتي "، يذكرهم بأنهم وكلاء في خدمة النظام ، من الأفضل أن يمتثلوا للتعليمات و الآوامر الآتية من السلطات . و من جهة أخرى منطق ، أكثر " وجودي " متجذر طبعا في وضعهم المهني القادرعلى فرز المتطلبات الأكثر أو الأقل " ذكاء " . ولكنه أيضا يعتمد على رغبتهم في الحفاظ على هويتهم وهدوئهم أو فوائدهم اتجاه الوقائع والبدائل الأخلاقية اليومية ، حينما يتفاعلون مع التلاميذ والزملاء وأولياء الأمور، أو حتى مع هؤلاء الذين من المفترض عليهم تقديم الحسابات : مديري المدارس والمفتشين والمكونين (Barthassat، Capitanescu و Thurler، سيصدر قريبا).
Barrere (2002) ودوران (2005) يذكران بالمناسبة أن النشاط (المهني أو غير المهني ) لا يمكن أن يختزل في تطبيق صرف لتعليمة : حتى لو كان الفاعل لا يزال خاضعا لقيود خارجية ، نشاطه يخلق معاييره الخاصة . الشيء الذي يعني أن التصرف و الفهم ، هو دائما القيام بشيء باتخاذ مسافة (معقولة) إزاء ما تم شرعنته ، توقعه ، معتاد . ويمكننا هكذا أن نحدد تغيير الممارسات باعتبارها مسارا فريدا من الإجراءات التي تخلق معايير خاصة مؤدية في النهاية إلى نموذج مفاهيمي - وبالتالي إلى إضفاء الشرعية على مستوى الخطاب - للخبرة هنا والآن . هذا الخلق و الابداع للمعايير المختصة يحمل مع ذلك بعض المخاطر (Hubault، 2004) ، بقدر ما يستمد شرعيته من إحداث شيء جديد في عالم ليس تماما في حالة خضوع .
إذن لا يمكننا قياس ما يكفي أن أمر " كونوا متعقلين ! " و بعبارة أخرى " تحدثوا بصراحة عن الممارسة الخاصة بكم ! " - التي تعتبر الآن كبديهية - تدخل في صراع ، أولا مع الحيل وآليات الدفاع التي طورها كل واحد منا منذ تاريخ بعيد بفضل التدريب على مهنة التلميذ ، ثم الطالب فالمدرس ، مبتدئا كان أم مختصا ثم أيضا مع المعايير الاجتماعية سارية المفعول في جميع مجالات التكوين أو العمل . كل مهني يمكن له ، دون أن يقيس حقا ما يحدث ، أن يضع موضع التنفيذ إجراءات روتينية دفاعية (أرجيريس، 1995) والتي تشتغل بمجرد ما يقوم شخص بدعوى التدخل في هذا الهامش الصعب بين النظام القائم و بين المعايير الخاصة ، بين المهارات المتوقعة وعدم الكفاءة الفعلية : ضحكات محرجة ، ابتسامات منتظرة ، صمت ثقيل ، إجابات مراوغة ، تبريرات مرتجلة ، صعوبات في نسج كلامات ، حديث في مسار آخر ، بل هجوم ضد إجراءات قانونية . بمجرد أن زميل ، رئيس مؤسسة (أو ما يعادلها) ، طالب متدرب ، متدخل خارجي يسأل المدرس لماذا يفعل هذه الأشياء بهذه الطريقة أو تلك ، ينظر إلى الامر على أنه إشارة ان هناك خيار وأن الشخص المستوجٓب لديه سبب وجيه (أو سيئ) في تبني مثل هذا الوضع بدل الامتثال لوضع أخر .
ولكن ، في الواقع ، العديد من الممارسات تتبع التقاليد و العادات - و في بعض الاحيان " المعتقدات " - أكثر أو أقل ضمنية (ألتر، 2002). فهي لا تصدر من منطق شخصي حاد . إن السؤال لماذا يجبر ، إما " اختراع " حجة انتهازية ، أو الاعتراف بأننا لا نفهم بشكل جيد تماما ، لأن خلافا للنظرية ، من حيث ما تهدف إليه من معرفة ، فإن الممارسة تشتغل في العديد من الميادين دونما يعرف الفاعلون سبب ذلك . في مجال الطب – و هو مجال مشهور مع ذلك من حيث ممارساته المبنية على أرضية صلبة – لا توجد لدى المختص أي مشكلة تقريبا في أن يتقبل كونه يقدم عقاقير معترف بها صيدليا تعمل على تسكين الألم بشكل فعال ، دونما النبش في المعرفة بحثا عن الدافع الكيميائي و لا الفسيولوجي لتصرفه . وفي مجال التعليم ، في مواجهة الآباء أو رؤساء الادارة ، بل أمام الزملاء ، فإنه ليس من السهل دائما أن نعترف بأننا لا نعرف لماذا هذا التلميذ يتوقف أمام هذا المفهوم في الرياضيات ، و لماذا تلميذ آخر فجأة يبدأ في قراءة الجمل . فلا الفرضيات المقترحة من طرف ديداكتيك المواد ، و معرفة مراحل نمو المتعلمين ، و الأخذ بعين الاعتبار لسياقهم الأسري و الثقافي كل هذا لا يسمح حقا في بعض الحالات إعادة بناء أسباب بعض التوقفات و العقبات أو المنقطعين عن الدراسة . هذه الشكوك تترك المعلمين في ورطة عندما يطلب منهم تفسير لماذا يتبنون او يرفضون أسلوبا من الاساليب المنهاجية الجديدة (بلانشارد-Laville، Chaussecourte، Hatchuel Pechberty، 2005). الامر الذي يسلط الضوء على العيوب و على عدم الكفاءة والمواقف التي تتباين و تختلف ما بين استيهام القدرة الفائقة (أنا دائما انجح في تعليم القراءة لكل تلامذتي ، فلا حاجة لي في زج العقل في لماذا) و بين إحساس بالدونية ( أنا بالتأكيد لا أعرف كيف أشرح، فإنني أشكل الحلقة الضعيفة مرة أخرى).
سواء كان ذلك آت من طالب متدرب " ساذج "، أو من زميل مجرد مضطرب فقط يبحث عن الفهم أو أيضا من إطار يتوخى توسيع مهارات التدريس التي يريد توظيفها ، فإن كل استجواب يمكن أن ينظر إليه إذن كطلب للحصول على مبرر أو محاولة لتشويه سمعة أو زعزعة الاستقرار، أي تدخلا . بحيث أن أي ممارسة انعكاسية / تعقلية لا تخلو من المخاطر، بغض النظر عن حالة من الذين يتدخلون والأهداف المنشودة . إن التنشئة الاجتماعية المهنية - والقدرة على الاستمرار طويلا في مهنة معقدة و " مستحيلة " (Cifali، 1999) - تبدأ هكذا مع استدخال الحيطة و الحذر و الحدود الواجب احترامها من قبل كافة الفاعلين المعنيين .
في ضوء ما سبق، فإن مصير أي ابتكار – و في الختم ، مصير أي تغيير حقيقي في الممارسة - يعتمد إلى حد كبير على كيفية الفاعلين في تدبير العلاقة الجدلية بين المنطق الصادر نزولا من السلطة ومنطق الالتزام الحر الطوعي . التوازن بين هذين المنطقين بعيد كل البعد من التباث و الاستقرار . طالما أن الإصلاحات المقررة في القمة و أيضا براديغمات التعلم المنبثقة من البحث ، تهدد غالبا المعنى الذي يتخذه الفاعلون في عملهم و في حياتهم في كل يوم . هذا التهديد هو في صميم الصعوبات والممانعات التي تسكن جسم أي تغيير لممارسات التدريس ، سواء كان هذا التغيير مفروضا بشكل استبدادي أو مطبقا وفقا لمبدأ التقصي الجماعي أو بشكل طوعي من قبل أصحاب المصلحة . داخل النظام التعليمي ، هذا الجدل الدائر بين الفاعل والنظام (كروزير وفريدبرغ، 1973) يأتي بشكل مختلف حسب المستويات المتخذة من طرف أصحاب المصلحة . جدلية الفاعلين والنظام تختلف أيضا باختلاف الزمان والظروف (أكثر أو أقل مواتية مع التغيير) ، و البلدان و نماذجهم في الاقلاع .
إن مصير إبداع ما في التربية - مؤديا إلى التغيير في الممارسات التعليمية ومنتجا ، في نهاية السلسلة آثارا " قابلة للقياس " من حيث أداءات التلاميذ - يعتمد إذن اعتمادا كبيرا على المعنى الذي تمنح إياه الجهات الفاعلة (جمع Thurler، 2000). انهم هم الذين ينفذون ، بمعية تلامذتهم و حسب طريقتهم في التصور و التصميم و التدبير اليومي للوضعيات التعليمية التعلمية ، والأفكار الجديدة المتحدرة من البحث ، مدارس تجريبية أو حركات تعليمية . والحال ، فإن جودة النقل تعتمد على فهمهم للأفكار الجديدة ، وتقبلهم لهذه الأفكار ، لكن أيضا على قدرتهم واستعدادهم لدمجها في ممارساتهم بشكل دائم .
من أجل التقاط العلاقة الموجودة بين الاحترافية professionnalisation وتغيير الممارسات، يرى بيرنو و تيرلير أنه من المهم معرفة قبل كل شيء فهم ما يلي :
- كيف لهذه الجهات بالذات ترى ، و تتصور ، و تستقبل و تثمن الابتكارات التي تقدم إليها - أو تفرض عليها - من خلال هذه الإصلاحات ؛
- ما هي تلك المعارف المهنية (النظرية والعملية) التي سوف تستخدمها للحكم على أهمية و دقة هذه الابتكارات ؛
- كيف يتمكنون من تطوير هذه المعارف ( الابتكارية ) لضمان التطور - الفعال والمستدام - لممارسات التدريس .
ما وراء السياقات والتحديات الخاصة ، موضوعان يبرزان إلى السطح من خلال هذا النوع من التفكير بشأن الابتكار : درجة التأهيل المهني لمهنة التدريس والبعد الانعكاسي التعقلي للممارسة . هما وجهان لعملة واحدة . يتموقع التدريس بين حرفة التنفيذ ، حيث عمله مشرعن للغاية و بين المهن ذات الصفات الكاملة ، التي تترك للممارسين قدرا كبيرا من الاستقلالية . كلما كنا على مقربة من مركز المهن ، إلا و ازداد البعد التعقلي أهمية كبيرة ، لأنه ليس فقط المقصود هو العبور و اجتياز المسافة بين العمل المقرر والعمل الحقيقي ، ولكن لأجل ابتكار عملنا الخاص . ولهذا السبب فإن المنفذ و المحترف لهما علاقات مختلفة إزاء الابتكار .
بالنسبة للأول ، فالابتكار يخرج من النظام ، من التأطير ، من الخبراء الذين يهندسون عمليات الإنتاج ويهيكلون المهام محط الانجاز . يتم دمج الابتكارات في تنظيم العمل والإجراءات وغالبا ما يتم ذلك من خلال الترتيبات المادية والتكنولوجية ، والتي تعزز بدورها معيارية النظام
وتقسيم العمل بين المهندسين و المنفذين .
المهنـي ، بدلا من ذلك ، يعد أحد المحركات للابتكار . في مواجهة امام المشاكل ، فهو يبحث عن حلول جديدة ، يتكون ، يقوم بالتجربة ، يتعقل ممارسته وأدوات عمله . كلما التجأ التنظيم إلى المهنيين ، كلما أصبحت عمليات الابتكار وصنع القرار لا مركزية ، و يضاعف التنظيم الأماكن واالديناميات ، و يفوض بطريقة او بأخرى ابتكار التغيير إلى ممارسين متعقلين . إننا نقترب مما يطلق عليه الأنجلو ساكسون " الاستقلالية " و " الملكية ". إضفاء الطابع المهني على حرفة المدرس وتطوير بعدها التعقلي هو أكثر فعالية في نهاية الامر بدل إكثار المتطلبات والتحفيزات الاستبدادية من أجل التغيير . في حال نجاحها ، سوف تكون مثل هذه الاستراتيجية مسهلة للابتكار أكثر بالتأكيد في محل المجهودات الآنية و المقامة في كل إصلاح .