إذا لم تكن الكفايات موجودة ، فلا بد من اختراعها ..
فيليب ميريو
معظم الطلاب و الطالبات الراغبون في تدريس التربية البدنية و الرياضة ، سوف يستفيدون استفادة مؤكدة و مباشرة لأحد او عدة أنواع من الرياضات. من المؤكد يعتبر هذا الامر ورقة رابحة و متميزة نسبة لهم كشيء طبيعي . من الأفضل للمهنة أن تنضوي داخل استمرارية الشغف و الولع . و هذا ما ينطبق فعلا على التربية البدينة EPS و الجغرافية كما أيضا على الرياضيات و الفنون الجميلية أو الاسبانية : تتغذى رغبة التبليغ transmettre من علاقة حميمية بالنسبة للمعارف التي ندرسها و على أثرها نحافظ على علاقة القرب المتميز . قطعا ، إنها غير واضحة تماما و تغوص في الأعمق و الأعقد لتاريخنا الفريد .
لكن في التربية البدنية EPS – ربما أكثر بكثير بالنسبة للمواد التعلمية الأخرى بسبب الحضور المكثف و القوي للممارسات الاجتماعية في المخيال الجمعي ، فالنجاح الشخصي للمترشح في الانشطة التي ينوي تدريسها يمكن أن يصبح حاجزا رئيسيا للحصول على ما يجعل الهوية المهنية للأستاذ امرا واقعيا و حقيقيا . بالفعل ، قبل كل شيء ليس أستاذ التربية البدنية مدريا رياضيا . طبعا ، يمكن لأستاذ التربية البدنية أن يظل فضلا عن ذلك من هواة كرة السلة أو المارطون . يمكن له أن يختار عدة مبارايات بنفسه أو يصبح مسؤولا لناد يشارك في بطولة مع الرغبة القانوينة لنيل مكانة مرموقة في لائحة الترتيب . طبعا ، يمكن لأستاذ التربية البدينة أن يعين تلامذة قسمه بحيث يجبرهم على تدريب مكثف في رياضات مختلفة أملا منهم تحقيق نجاح باهر قدر المستطاع . طبعا ، فهو مطالب بأن يصطحب تلاميذ متطوعين في إطار الجمعية الرياضية ليقدموا أحسن ما عندهم و إحراز الامتياز في GRS أو في كرة اليد . سيدربهم متمنيا منهم بأن يقدموا أحسن و أفضل الانجاز الممكن performance .. كل هذا يعتبر جزء من وظيفته . لكن ، لا شيء من هذا رغم ذلك يؤسس خصوصية مهمته .
و السبب في ذلك ، هو أن أستاذ التربية البدنية ليس مدريا رياضيا . ليست الغاية من مهنته هو إنتاج الابطال و إنما السماح لكل تلميذ بالتحكم في انشطته الحسحركية . مثلا ، من الممكن أن يدرب طفلا بالزيادة في الثقل الموازن في القفز العلوي . لا حاجة لنا في وضعه في حالة خجل أمام ضعف إنجازاته و امام أصدقائه . لكن مفسرين له مثل الآخرين بأنه من الممكن أن يتحكم في تصريف طاقته ، و تحديد نقط ارتكازه لفائدته ، و استحكام العلاقة الموجودة بين مجهوداته و نتائجه . من الطبيعي جدا أن تبقى النتيجة / الانجاز ضرورية بأي حال من الاحوال ، لكن ليس بأي ثمن كان . لا يمكن اعتبار النتيجة مستقلة و بمعزل عن شروط تحققها . المهم في الحقيقة هو ما تشهد عليه النتيجة بالقياس إلى هذه الشروط . هو « شيء ما » ، شيء لا يمكن ملاحظته على الفور ، « شيء ما » يمكن أن نسميه – في اول مقاربة – كفاية une compétence .
الكفاية تحت المجهر
ظلت كلمة كفاية زمنا طويلا محفوظة في المجال القضائي judiciaire : تشير في آن واحد إلى الفضاء الذي يمكن لشخص مزاولة سلطته و العمل الذي يرصد له من الوسائل / من غايات التكوين لكن أيضا السلطة الدستورية لمزاولة هذه السلطة . كقولنا مثلا أن جنحة ما تحال إلى محكمة ما ، او بالامتداد ، قرارا ما يصدر من كفاءة وظيفة ما ( المهندس أو رئيس العمال في حالة بناء عمارة ، رئيس المؤسسة أو المفتش في حالة تحكيم بصدد قضية بيداغوجية ) . عبر انزياحات متعاقبة ، وصل هذا المفهوم للكفايات إلى أن دل على « قدرة الشخص على التصرف بدقة أثاء وضعية من الوضعيات من أجل تحقيق أهداف خاصة » . مثلا كقولنا عن كفاءة البستاني في تشكيل مجموعة حدائقية أو تلك التي عند التلميذ عند بناء نص حجاجي . نلاحظ أن في جميع استعمالات كلمة كفاية (compétence ) ، نجد دائما ثلاثة أبعاد . نقصد : 1- التشغيل الفعلي لمهارة une habileté ( و ليس فقط القول بمقدرة فعل شيء ما ) ؛ 2- تشغيل هذه المهارة داخل عائلة من الوضعيات المعروفة ( تحيل الكفاية دائما إلى فضاء خاص ، إلى معطيات ملموسة مشخصة متميزة و لا يمكن أن تمارس بطريقة «تجريدية » مستقلة عن ضغوطات الوضعية ؛ 3- تشغيل هذه المهارة و ذلك بإنجاز المهام التي تسمح بحل مشكلة بطريقة ناجعة ( يجب على الكفاية أن تكون إجرائية opérationnelle و حينما تستخدم ، يجب أن تحول المعطيات التي على أرضيتها مورست ).
الكفاية في البيهافيورية و في علم الادارة
لكن هذه المقاربة الأولية الاكثر شكلانية لم تستوف كامل الوضوح كما يجب فيما يخص الاستعمال الفعلي لهذه الكلمة . لم تسمح إذن بتفهم النقاش الدائر حولها . في الواقع ، لقد استعملت اليوم كلمة الكفاية كمرجعية في ثلاثة ميادين : ميدان « بيداغوجية الأهداف » par objectif ( غالبا ما يشار إليها بالامتداد بـ " بيداغوجية التحكم " de maîtrise ، ميدان تقويم التكوين المهني و ميدان تدبير الموارد البشرية .
ظهرت بيداغوجية بواسطة الأهداف في الولايات المتحدة في سنة 1960 مع بلوم B.S Blom . أرادت أن تصبح شكلا من المناعة التربوية ضد التضخم في وجه خطاب عام و سخي حول « نمــو » او « تفتح » الطفل . تقترح الأخذ بالأهداف الملاحظة و القابلة للتقويم تماما بعد كل نشاط تربوي أو تكويني في مكان التصريح أو الاعلان بشكل مجرد أننا نريد تكوين الدقة في الكتابة أو تنمية الشعور الجمالي عند التلميذ . بل سوف نمنح لأنفسنا كأهداف : « أن يكون قادرا على استبدال مجموعة من الجمل الاسمية معطاة في مكان ضمير مناسب للمتكلم » او « تحديد عشر أشخاص من بين ثلاثين رسام و نحاث ، هؤلاء الذين اهتموا بالتكعيبية cubisme » . نطمح بهذا « أن لا نعلل بالوعود أبدا » و نراقب نجاعة التعلمات بالفعل . نضطر قول ما نريد تماما و نعطي لأنفسنا الوسائل لمحاربة بيداغوجية التضمين l'implicite التي يستفيد منها دائما التلاميذ « العارفين » .. غير أن هذه « البيداغوجية بواسطة الاهداف » ، منذ ظهورها في فرنسا و من خلال حتى هؤلاء الذين ساهموا في نشرها كانت محط عدة تحذيرات و انتقادات : فإذا كانت لديها فضلا و استحقاقا في تسهيل التقويم الثنائي ( ناجح / غير ناجح ) ، لديها أيضا نزوعا في تفتيت التعلمات العامة و تجزيء هذه التعلمات إلى عدة أفعال صغيرة بحرية مشروعة . لكن إعادة تركيب التعلمات العامة مرة ثانية يمكن أن يكون صعبا بحيث ينفلت المعنى و الفهم من التلميذ . فإذا كانت لديها إفضلية و استحقاقا في تجنب الحس الدقيق le feeling الذي يمنح امتيازا للتلاميذ الذين نربي بمعيتهم التواطؤ العاطفي أو الثقافي ، فإنها تجازف بأن تنعرج نحو شكل من الترويض le dressage : بتفتيت التعلمات إلى كفايات – مجهرية متتالية التي حينما نربطها ميكانيكيا سنسقط في البيهافيورية .
البيهافيورية هي نظرية سيكولوجية أسست من طرف واطسون J.B. Watson سنة 1913 التي تصادر على الاستمرارية بين الحياة الحيوانية و الحياة الانسانية . تختزل كل الحياة النفسية داخل تفاعلات بين الانسان و محيطه . و ترفض كل مرجعية تتخذ من " الوعي " la conscience سبيلا لها . تفسر جميع السلوكات الانسانية وفق العلاقات بين المثير و الاستجابة . هكذا تنضوي البيهافيورية في نفس اتجاه التعليم المبرمج لـ سكينر J.B Skiner ( الذي يعتبر أن كل التعليم يمكنه أن يصبح ذات يوم قائما على " ألية التدريس " و يختزل الانسان بشكل من الاشكال في « كلب بافلوف » الذي يتفاعل ميكانيكيا مع المثيرات .
يتحمل بلوم المسؤولية الكاملة فيما يتعلق بالبيهافيورية لـ « بيداغوجية الأهداف » : معتقدا أن بواسطة منهاجه سوف يتمكن من الوصول إلى « تكافؤ كامل في نتائج التعلم » ، و أن العقلانية في التربية المدرسية و تكوين الكبار ستعطيه الانتاج المضبوط و المناسب للأفراد الذين يحتاجهم المجتمع ... بالطبع ، إن أغلبية هؤلاء الذين في لحظة من اللحظات استطاعوا استلهام وحي " بيداغوجية الأهداف " و اعتقدوا باسم فكرة الكفاية ، قد قطعوا علاقتهم مع انحرافاتها . استندوا بخاصة على أعمال دينو D'Hainaut و كانيي R.M Gagné لتبيان كيف يمكن لمفهوم الكفاية أن يغذو مفصولا عن البيهافيورية أي يحيل إلى الأنشطة الذهنية المعقدة – منظور إليها كحل للمشكلات – يتملكه الفرد الذي يتعلم ... يبقى رغم ذلك أن مفهوم الكفاية ، نسبة للبعض ، مازال ملطخا بأصوله البيهافيورية .
إضافة إلى ذلك ، هذا « الأصل المخجل » يجد نفسه مدعما في التقديم الممنهج لكلمة الكفاية في التربية الوطنية منذ بداية الثمانينات في إطار مراجعيات الدبلومات لتعليم المهني . مضامين هذه الدبلومات لها من الخاصية كونها حددت من طرف عمل مرفق للجمعيات المهنية و الدولة . طبعا ، إنها الدولة هي التي ، في الختم ، تؤمن الدبلوم لكن قيمته ترتبط بطلب من أرباب العمل الذين يوضحون بقوة فكرته داخل « المجالس الاستشارية للمهن » . إذا أردنا من التلاميذ نيل ألقاب لهذه الشهادات و الحصول على حظوظ كبيرة في إيجاد شغل ، يجب بكل صراحة على المرجعيات الكفائية أن تكون ملائمة مع المقاولات . إذا أردنا إدراج التكوين المستمر ، فلا بد للدبلوم أن يتم اكتسابه على شكل وحدات مرسملة capitalisable في إطار مراقبة دائمة قدر الامكان و أن يتم ترسميه تماما في تعاقد عمل ممكن . لهذا السبب ، صرح دانيال تاكاي : « إن تنظيم الدبلومات على شكل مرجعيات كفائية ، يفهم منه أن المطالبة بالمنصب لا يعد كافيا و ذلك بتكديس المعارف لكن فعلا عندما نتعلم و نقوِّم او نقدم الدليل على قدرتنا في التعلم على ارضية المقاولة ».
بطبيعة الحال ، سيكون من المجحف خاصة أن نتهم كل مدرسي الليسي المهني الذين يعملون حقا في التدريس « بواسطة الكفايات » ، يبحثون من اجل إخضاع المدرسة لحساب المقاولة بأي ثمن . هنا أيضا ، الكثير من استبعد فكرة الانتاجية لمفهوم الكفاية . الكثير من جاهد في التكوين بواسطة الكفايات المهنية لتنمية الاستقلالية و التفكير النقدي معا لتلامذتهم . الكثير من جعل من مفهوم الكفاية أداة لوضع المتعلم في وضعية اكثر فعالية إزاء العلوم و المعارف ... يبقى أن الشك مستمر مدعم من خلال الاستعمال الهائل الذي جُعل من هذه الاحاطة تدبيرا في الموارد البشرية المقاولاتية الذي في الغالب – و يجب قول ذلك بوضوح – يستعمله الناس من اجل إلباسه خطابا عصريا أو " علميا " لغرض السياسات الرجعية بل التسريحية .
مما لا شك فيه ، و من أجل هذا السبب ، نجد اليوم هجمات شرسة ضد مفهوم الكفاية لدى العديد من الفلاسفة . في هذا الاتجاه ، كتب جان بيير لوكوف « ما وراء الخطاب العلمي الزائف و غموض الخطاب بشأن الكفايات ، تنمو فعلا مقاربة للعمل الانساني اكثر تميزا . يُنظر إلى هذا الأخير على أساس ميكانيزمات وسلوكات أولية التي يمكن تجزيئها إلى حدودها القصوى و استعمالها لتحقيق أهداف نصل إليها . قطعت و « ذُلِّلت » بعبارات الكفايات المجزاة و المقننة بداخل صيغ و قوالب . لقد اختزل النشاط المهني في إواليات وظيفية نريد التحكم فيها و نتقنها من اجل تحسين الانجازات » .
الكفاية تنجو من القدر
إذن يجب الاحتراز من مفهوم الكفاية ... في تداول بلا حيطة يمكن أن يتضمن مخاطر حقيقية . لكن لا يجب التنقيص من كل قيمة للمفهوم و ما يحمله من إيجابيات . في البداية ، فالمفهوم يؤسس رافعة ثمينة لمحاربة كل أصناف الحتميات بصورة ملموسة .
إن معظم تاريخ البيداغوجية يمكن قراءته كعمل لا ينقطع من معاودة العمل و القضاء على القدرية le fatalisme باسم قابلية التعلم للأفراد éducabilité . جميع الأفكار الطلائعية المتميزة التي عرفناها و خاصة بدءا من عصر الأنوار إلى القرن الثامن عشر (18 م ) ، حدثت لما كان الرجال و النساء يحاولون البرهنة على أن الأطفال و اليافعين المحكوم عليهم بتعذر تعليمهم أنذاك ، كانوا في حقيقة الامر قادرين على التعلمات و التقدم و النجاح . إن روسو هو اول من تكلم عن « الاكتمالية » . في نفس العصر ، حاول فلاسفة كأمثال هلفيتيوس و كوندياك البرهنة على ان الانسان ليس متقوقعا كله في " طبيعته " أو خاضعا لـ " فطرته " . و ترجع لـ إيتار المحاولة الاولى بذكاء و عناد و إبداع لإثبات مصداقية هذه النظرية .
جان كاسبار إيتار مشهور بالتأدية التي قام بها فرنسوا تريفو لصالحه كممثل في فيلم " الطفل المتوحش " . ولد في سنة 1774 . طبيب و مهتم بأطروحات الفلاسفة « الأمبريقيين » المهتمين بقضايا البئية و التربية المتعلقة بنمو الاطفال ، في سنة 1800 سيجد نفسه امام « طفل متوحش » . لقد تم العثور على هذا الطفل و هو يقتات عاريا من جذور غابات الافيرون . نقل إلى باريس حيث أجمع الخبراء في تشاورهم على حالته و عتاهته الوراثية . إضافة إلى ذلك ، اعتقد الابوان في امر ابنهما . فلما تبين لهما حقيقة أمره ، تخليا عنه . فخالف إيثار Itard رأي الجاعة و رأى في حضور الطفل ، الذي سوف يطلق عليه اسم فيكتور ، مناسبة غير متوقعة لتوضيح أن « كينونة الانسان ما هي إلا ما نريده أن يكون » . لذلك ، سوف يخصص وقتا من حياته على « تربية فيكتور » اخترع لهذا الغرض عدة أدوات بيداغوجية . الكثير منها يوجد الآن في متناول الأسر و في مدارس الحضانة ( مثل « علبة الحروف » الشهيرة ذات الثقوب متخذة هيئات مربعة ، و مستطيلة ، على شكل نجمة ، و قمر ، الخ ) . لم يفلح مع ذلك في جعل فيكتور يتعلم اللغة المنطوقة . و مازال الباحثون يتساءلون اليوم فيما إذا كان حقا فيكتور « متأخرا عقليا منذ الولادة » . فيما إذا كان إيثار Itard قد أحسن التصرف بشكل صحيح أم لا . أو في حالة ما إذا كانت بعض التعلمات الأساسية لا يمكنها أن تصبح فاعلة بعد مضي زمن ما . لكن في العمق مهما يكن الامر : لقد أجاز عناد إيثار بأن يفتح الطريق في وجه كل ما ننعته بـ « التربية الخاصة » . أيضا أجاز له اكتشاف عدة أليات بيداغوجية التي أفادت و ما تزال تفيد التربية للجميع .
في الواقع طبعا لم يتحدث إيثار بعد عن « الكفاية » بالمعنى المتداول حاليا . غير أنه أسس حركة مهمة : يمكن للشخص le sujet أن يتعلم لو وضعنا الادوات و الوسائل في متناول يده ، لو ألقينا به في وضعية تمنحه المعنى ، لو ساعدناه في تحديد و إعادة تشغيل مكتسباته . ليس الطفل سجينا أبدا في طبيعته التي تقرر مسبقا في كل ما سوف يأتي . ليس نموه حديثا يملى عبر وجود « العطيات » او « الملكات » التي نكتفي برؤية انبثاقها . ما نصفه حاليا بـ « الكفايات » يقدم في هذا اللحظة ، هنا ، كنوع من الاقتلاع او الانفلات من يد القدر ، من المعطى . نبني من الخارج « هدفا » لفائدة الشخص و نعمل جاهدين في « خلق الصلة » بين ما هو كائن و بين ما نريده ان يكون . إن البيداغوجية كلها تكمن في خلق هذه الصلة او هذا الرباط . إنها قطيعة مع التصور الغيطني Horticole الذي يجعل من اليافع « تفتحا » بسيطا لقدرته الشاملة ، كامنة في « بذرة » الطفولة .
نعم ، بكل تأكيد ، يوجد لدى إيثار نوع من النزوع الإلهي : يدعي المربي بالجبروت و القوة الكبيرة ، و حسب لغتنا العصرية ، يتخيل أنه قادر على إيصال إلى كل الاطفال كل القدرات ... طالما أنه يستعمل الوسائل المناسبة ! هنا بالفعل يكمن خطر جسيم يؤدي إلى اللبس و الغموض في التربية و في الفبركة : أي نفي حرية المتعلم ، إنكار القصدية و شخصية التلميذ . بل اكثر من هذا باسم ضرورة اكتساب الكفايات ، نمنح لأنفسنا الحق في استخدام الطرائق القابلة للنزاع و الشقاق : فلا نتردد في اللجوء إلى العقاب البدني ، و المنشطات ... بل حتى وضع الطفل تحت اللاحب ! لكن بمجرد أننا نحترم مبدأ الحرية و نضع الشخص في وضعية بحيث يعود إليه الامر بأن ينقدف في المستقبل قصد التعلم ، إذ ذاك تتراى لنا مصادرة قابلية التعلم كأمر استكشافي ذي خصوصية : فهي تنشط الابداعية البيداغوجية و الديداكتيكية . تماما ، إن البحث في اكتساب كفاية عند شخص ما هذا معناه تنظيم وضعية التعلم لهذا الشخص . هذا معناه إذن : 1 ) – تحديد مهمة مجندة التي سوف « تضع الشخص في الطريق » 2 ) – بحث عن العائق و تجاوز هذا العائق يسمح بتحقيق تقدم مهم ؛ 3) – التنبؤ بجملة من الموارد و الضاغطات التي تسمح للشخص بتجاوز العائق نفسه ؛ 4) – مسايرة نشاط المتعلم و ذلك بتهييء عمليات التفكير بصدد نشاطه ( ما يسمى بالميتامعرفية ) ؛ 5 ) – امتلاك خط تسديد الهدف أثناء السير من اجل الكفاية المعاد استثمارها من طرف الشخص من خلال و من تلقاء مبادرته الحرة بداخل وضعيات من ذات الطابع .
إذن ، فلنعترف ان حتى قبل ظهورها الشكلاني فإن فكرة الكفاية – منظورا إليها كـ « هدف تعلمي » مقصود و مؤطر بداخل وضعية بيداغوجية منظمة – يؤسس تقدما مهما في التفكير البيداغوجي : الكفاية تسمح بالانفلات و الهروب من جميع أشكال الحتميات و الانغلاقات التي تكبح دمقرطة الولوج إلى العلوم . بكل تأكيد ، إن كل هذا « يضع العارضة عالية جدا » : أن نقول بأن كل إنسان يستطيع اكتساب كل الكفايات الممكنة ، أن نتخيل الأدوات و الوسائل التي حققناها في تساوق و احترام مع حرية الشخص ؛ فهذا ليس امر سهل . فأغلب الظن المتزايد هو « طوباوية المراجع » في محل هدف قصير المدى . هو بالاولى « مبدأ مًُعَدﱢل » في مكان « مبدأ مٌكوﱢن » حسب قولة معدة لكانط : شيء كـ « الجمال » la beauté بالنسبة للفنان ... و لا احد يمكن ان يقترب من الجمال . و سبب ذلك إذاً أننا لا نبحث عنه ابدا . و الحالة هذه ، كل العالم يبحث عن الجمال . إن هذا البحث هو ما يخلق بالضبط المهمة la tâche في تاريخ الفن كله .
الكفاية المختلفة عن المهمة
من ألف مكان للمراجع البيهافيورية التي نعود إليها في اغلب الاحيان ، فإن فكرة الكفاية – في اقتران مع الهدف – تكون ترياقا ثمينا و سدا منيعا في وجه أسبقية المهمة التي تهدد البيداغوجية المدرسية بشكل منظم و ممنهج . يعني ان سطوة المهمة هي دائمة الحضور . يجب الابتعاد عنها بجهد و عزيمة كاقتعلاعنا من القدرية ومن « سيكولوجية الهبة و العطاء » . يبني الفرد تعبئته عن طريق المهمة la tâche ، أي ما يشاهده و ما يحتفظ به في ذاكرته او في ارشيفه . المهمة تعني الواجب في الفرنسية و في تمارين الرياضيات - « بحصيلته » صحيح ام خطأ – الواجب في الرسم ، و التجربة ، المقابلة ، و تنسيق الحركات الرياضية ، و تسلق جرف ، الخ . المهمة هو ما يريد الطفل « إنجازه » . يريد إنجازه لأنه شاهده في السابق ، لأن لديه تصور ذهني عن ذلك الشيء ، يعرف ماذا ننتظر منه ... المهمة هو ما سوف يقدم في حالة الفوز و النجاح أي : الارتياح النرجيسي . اما في حالة الفشل فهو : الخيبة و تقهقر الذات .
لكن المهمة تزول بسرعة ، فهي تضمحل و تتلاشى بلا حد . قليل من التلاميذ يحافظون على دفاترهم كلها و واجباتهم طيلة حياتهم . قليل منهم يستذكر جميع المهام التي فرضت عليهم في المدرسة . لحسن الحظ علاوة على ذلك : يوجد المزيد من المهام و هي ليست ذات أهمية ! إننا لا نتذكر قط كل التمارين التي قمنا بها لكي نتعلم و ندرس منذ عشرين سنة قد خلت . لم نحافظ على جميع دفاتر الدرس الابتدائي ... و رغم ذلك نعرف القراءة ! ما قمنا ببنائه من جراء هذا الكم الهائل من المهام المنسية بالمناسبة قد تم حفظه : لقد أصبح كفاية للشخص الذي امتلكها بصفة شاملة . يشتغل عليها الفرد بكل حرية و وفقا لمبادرته الحرة . و هذا هو المهم . و هذا هو ما يجعل التعلم ناجحا .
و هذا بالضبط هو ما يفرق بين نظام التكوين و نظام الانتاج . ننتج الاشياء المادية و الثقافية في المصنع و في المعمل او في مكتب الدراسات . أما المدرسة ، فإنها لا « تنتـج » الأشياء . إنها تكـوِّن . تساعد في بناء الكفايات للافراد و في ذات الوقت و بالتلازم ، في اكتساب لذة القراءة و معنى التحليل و روح النقد . جميع الامور التي لا صلة لها بالتداول تحديدا ، عند مغادرة القسم ، تتواجد في منظومة الانتاج . جميع الأمور التي تنجم عن الحدق الذهني هي في الحقيقة غير مرئية : غير مرئية لأن الملاحظة المباشرة لا تسمح بالوقوف عليها أبدا . غير مرئية لأن البعض منها يمكن أن لا ينكشف إلا بعد زمن طويل و بصورة غير متوقعة تماما .
لذلك ، نجد في المدرسة عكس ما يقع في الدائرة الاقتصادية ، « المنتوج » ليس سوى تعلة un prétexte ، تمارين ، واجبات ، ملفات ، عروض ، حركات استعراضية من كل نوع : كل هذا يخلو من أية فائدة تذكر في حد ذاته . لا يستخدم إلا في النطاق حيث يقدم الدليل و الحجة على الكفايات التي سوف يكتب لها البقاء أمدا طويلا .
إننا نجد صعوبة في تحقيق ذلك ما دام هذا التقلب الخاص بالمدرسة يشوش على كل تصورات الحياة الاعتيادية : من الواجب على الفنان و رئيس العمال و الفلاح أو المطبعي أن يستثمروا طاقاتهم في « المهمة » ، سوف يحاكمون على إثرها . لا يمكن ان يحاكم التلميذ انطلاقا من منتوجاته ... او ، لا نفهم حينذاك ما السبب الذي يمنع أستاذه من « ان ينقل » التلميذ او ينزعج حينما يتمكن هذا الاخير من تحقيق المهمة عن طريق الصدفة ، ضرب من الحظ لا يتكرر ابدا . لا ندري لماذا يتوجب علينا بان نهتم أيضا – و في الحقيقة اكثر بكثير – بالكيفية التي يقطع بها التلميذ طول المسبح او أعلى الجرف لكي نعثر عليه هنا في اقرب وقت ممكن ... بالاضافة إلى ذلك في الدائرة الاقتصادية ، كل من يجد صعوبة من الصعوبات من اللازم عليه أن يتوقف بحكمة و يتجه نحو من هو أكفأ منه . في المدرسة ، الأمر غير مقبول . إما انه مستحمل شريطة أن الشخص فقط الأكثر كفاءة يقدم مساعدته للآخر لكي يجد الحل بنفسه ، او يستفسر الظواهر على الأقل و يتجاوز المشاكل بقدرته . في الدائرة الانتاجية على الرغم من استمرارية الأفراد طيلة عملهم في تحسين و إصلاح كفاياتهم ، فإن الكفايات توجد قبل تصرفاتهم . في المدرسة ، التصرف هو الذي يسمح باكتساب الكفايات .
و بمجرد أن الهدف مؤلف من الكفايات فإن الانجازات المتحققة من طرف التلاميذ لا يمكن اعتبارها سوى مؤشرات des indicateurs تقريبية ضرورة و ملزمة . يؤكد علماء اللغة على أن « الكفاية اللغوية » لا تتضمن « الانجاز اللغوي » ... من الممكن للشخص أن يعرف الكلام و لا ينجح في بعض الظروف الخاصة . في المقابل ، شخص آخر يتمكن من إنتاج عمل ما عن طريق الصدفة في غياب أية استطاعة لمعاودة إنتاجه .
و هكذا نضع اليد على البنية المتناقضة لكل تمرين و تقويم مدرسي ، اللذان يدعوان بشكل ملزم و إجباري إلى تحقيق إنجاز لكي تتم عملية استخراج عناصر الكفاية منه ، اللذان يعملان على تبأير الانتباه الذي يحث على تعلم المهمة في حين ان المستهدف ، إنما هو المهارة المستقرة و الدائمة . ليس بمقدور التلميذ تصورها قبل أن يكتسبها على وجه التحديد . يمنح التمرين و التقويم شيئا ما في الحقيقة لا يمثل أية قيمة .. دون ان نقدر على تسمية ما هو مهم في الحقيقة .
هناك « وضعية تعلمية » و هذا هو قولنا حينما يعثر التلميذ على العائق و يتغلب عليه – عائق صعب لكنه في المتناول – بداخل المهمة المنجزة . إذن ، لكي ينجح من الواجب عليه ان يبحث في تحقيق المهمة . لا يستطيع الانخراط في العمل فضلا عن ذلك إلا إذا كان مساندا من طرف التصور الذهني للمهمة المراد تحقيقها . لا نستطيع ذلك إلا إذا كنا نمتلك فكرة في بداية الامر حتى ولو كانت الفكرة تقريبية عن ما الذي يجبرنا على أن نصل إليه ، لكن أيضا من الضروري أن يحول التلميذ طاقته المعرفية في اتجاه اجتياز العائق في الوقت الذي يكتشف فيه ذلك العائق . لا ينبغي للفرد أن يضع رضاه في إنجازية المهمة . بل في التغلب على العائق و تجاوزه و ما يجيزه . و الحال ، إن هذا النجاح لا يمكن امتلاكه ببداهة . يعتبر بذاته ضد الطبيعة في عدة وجوه ، أو أكثر صوابا ضد جميع العادات المكتسبة خارج أسوار المدرسة . إن دور المعلم هنا أساسي جدا : لا بد أن يمنع التلميذ بقوة من « ان ينجح » بدون « فهم » بأي شكل من الأشكال . و هذه قضية مرتبطة بالادوات و العتاد اولا . لكن جميع الادوات و العتاد يظل بلا فائدة في حالة لم يواكب المعلم التلميذ في التغيير المهم و الاساسي فيما يتعلق بالوِضْعَة la posture : أن يستقبل متعته النرجيسية في « الفهم » بدل استقبالها في « النجاح » و هو انتقال مهم و اساسي بحيث لا يمكن للطفل القيام به إلا إذا وجد رجلا يظهر له السرور و الفرح الممكنين لما يحمله هذا التحول – الانتقال من فائدة . و نلاحظ أن هذا ليس فقط قضية أدوات و عتاد .
الكفاية ، وسيلة لفهم التحويل
فإذا كانت المدرسة لا تعمل إلا من أجل النجاح في القسم ، فإنها سوف تساهم بكل وضوح في استثمار مهم ذي مصلحة ضعيفة جدا . فعلا ، في المدرسة لا بد من تعلم أشياء يمكن استخدامها مرة ثانية خارج المدرسة و في سياق مختلف . و لهذا الغرض ، توجد أهمية كبيرة في « معرفة اننا نفهم » بدل « اننا نعرف » لأن الذي يعرف من دون معرفة انه يفهم و يستوعب ، استوجب عليه الترقب و الانتظار ليسترجع ما تعلمه بغية استخدامه . اما ذلك الذي « يعرف بأنه يفهم » بالعكس ، فإنه غير مرتبط أبدا باستجواب المعلم . بإمكانه أخذ المبادرة ليضع كفايته مكان التفعيل .
لكن يجب عليه أيضا أن يستخدم الكفاية بمهارة . فالكفاية التي بناها فلتكن متضمنة في عائلة من الوضعيات بحيث تكون دقيقة و ناجعة . الكفاية هي المفتاح الذي لا يشتغل مع جميع الأقفال بلا تمييز . لذلك نحصل مثلا على كفاية سائق سيارة و هو يلتقط معلومات من محيطه البصري و السمعي لكي يعدل من سرعته و يتحكم في مقوده . يمكن ان نستنتج من هذه الكفاية أنها ليست ذات الكفاية التي توجد لدى سائق الباخرة و لدى سائق الدراجة بل حتى لدى المتزحلق ... هذا الاخير بالفعل ، لا بد له من أخذ المعلومات في الوقت المناسب حول الثلج و المنحدر و يعكسها في قرارات فورية متجلية في حركة جسمه ليتدبر نزوله بطريقة حسنة و بدون مخاطر . لكن ، نلاحظ عن قرب ان المقصود هنا هو نوع من « الكفاية العامة » - الأمر الذي سميناه في بعض الاحيان بـ « القدرة » la capacité - الذي يتوضح بطريقة عرضانية مستقل عن المحتوى بحيث يوضع محل التنفيد أي « الحصول على المعلومات من محيطه ليعدل سرعته » . فإذا كان هناك اقتراب صوري بين العمليات ، فذلك بسبب الدنو الماقبلي . من المستحيل كما بينه فيكوتسكي تعلم هذه « القدرة » عن طريق التجريد in abstracto في استقلال عن أي مضمون او محتوى و عن أية وضعية معروفة و محدة بدقة .. و « إلباسها » من بعد بشتى المضامين .
عالم سيكولوجي معاصر لجان بياجي ، ليف فيكوتسكي lev Vygotsky ( 1896 – 1934 ) الذي عارض هذا الأخير قائلا : « إن البحث المعمق يبين أن اختصاصات القدرات هو أكبر بكثير عما نتصوره في بداية الامر . لو اخترنا ، على سبيل المثال ، عشر أفراد من بين مائة كلهم متميزون و أكفاء في تقويم الطول ، فإنهم لا يقدمون الدليل على نشاط مماثل في تقويم الوزن بكل دقة » . و يستعرض فيكوتسكي أمثلة أخرى تخص التذكر او الانتباه : لا يتذكر الفرد خريطة الجغرافية و القاموس الانجليزي بنفس الطريقة ... و مع ذلك تظل هناك مشكلة أساسية : كيف نفسر ، بالفعل ، النمو السيكولوجي العام للفرد ؟ كيف نفسر الكفايات فلتكن قد « فاضت » من حقلها المكتسب ؟ في استدلال ببساطة أن هذه الكفاية يمكنها أن تستعمل في سياق محدد الذي هو بالضبط سياق تعلمها – او في أثناء عملية هدم السياق / معاودة بناء السياق : يفهم لماذا و كيف « يحدث هذا » . و يمكن أن يتساءل حول الظروف التي تجيز بأن « يحدث هذا في مكان آخر » . و الحال أن هذه الصورة الأخيرة ، تبقى كفايته ذات خصوصية كبيرة جدا لكنه يدرك تماما خصائص عائلة الوضعيات بحيث يستطيع استخدامها و البحث اذا عن وضعيات تداولية محتملة ... و ذلك من حيث ان التلميذ المتحكم في نظرية فيتاغورس يتمكن من استخدامها حينما يغرق بلاطة لكي يختبر على انها مسطحة !
إن الكفاية إذا ما استعملت احسن الاستعمال فهي إذن تسمح بالتفكير في أصعب قضية و نعني بذلك تحويل التعلمات transfert de connaissance . أن تبني كفاية هذا مرده كونك قادر على حل مشكل معطى تماما في وضعية من الوضعيات . فلأننا قمنا بتحليل الوضعية هذا ما يجعلنا نتفاعل بطريقة ملائمة مع هذه الوضعية . و لأننا قادرون على هذا التحليل ، فنحن قادرون ايضا على استعمال هذه الوضعية في وضعيات أخرى بحيث تتضح ملاءمتها. دائما تبقى الكفاية تحمل طابعها المحلي إلا انه من الممكن استعمالها بمهارة في اماكن اخرى . إن درجة خبرتها هي التي تضمن فعل تحويلها. فأصبح خبيرا أكثر في الكفاية الخاصة – بمعنى بمقدار ما أستوعب ما أشتغل عليه و أنا أبني كفايتي – بمقدار ما أصبح كفءا ... عنذئذ اصبح اكثر قوة في تشييد كفايات أخرى . إن هذا « التأثير المضخم شيئا فشيئا » هو الذي يعطي للمكتسبات انطباعا انعكاسيا في مجال اخر ..
التدريس بواسطة الكفايات
في الواقع ، نحن واعون هنا بملامستنا عدة قضايا لم يقدم البحث بشأنها نتائج ثابتة و مستقرة . « كفاية » ، « قدرة » ، « مهمة » ، « تحويل » ، الخ . ما زال النقاش مفتوحا بصدد عدة مفاهيم و استعمالاتها ... و رغم ذلك ، لقد وضحنا على الرغم من ذلك أن التساؤلات المشروعة التي يمكن تغذيتها ، رغم الاستعمال المبالغ لا شك فيه من حيث طبيعة الموضوع ، و رغم الاحتجاجات المثارة ؛ فإن فكرة الكفايات بصفة عامة تظل ثمرة خصبة . لأن فهم التعليم بارتكاز على الكفايات اولا هذا يعني رفض الحتمية التي بمقتضاها يكون لدينا تلاميذ موهوبين و آخرون لا . و يعني أيضا منح لأنفسنا الوسائل لبناء الوضعيات التعلمية الحقيقية و ليس فقط المهام ، إن هذه الوضعيات ضرورية لكن غير كافية من اجل تقديم الدلالة و المعنى للعمل المدرسي . في الاخير ، المراد هو القدرة على العمل الهادف من اجل منح استقلالية للافراد من خلال تكوينهم المدرسي مسهلين لهم تحويل المعارف . فإذا كان من الواضح أن فكرة « الكفاية » يجب ان تكون معمقة و منتقدة ، فإن خصوبتها كم هي عظيمة في الفكر و الفعل البيداغوجيين . حقا ستصبح خسارة حينما
فيليب مريو
فيليب ميريو
معظم الطلاب و الطالبات الراغبون في تدريس التربية البدنية و الرياضة ، سوف يستفيدون استفادة مؤكدة و مباشرة لأحد او عدة أنواع من الرياضات. من المؤكد يعتبر هذا الامر ورقة رابحة و متميزة نسبة لهم كشيء طبيعي . من الأفضل للمهنة أن تنضوي داخل استمرارية الشغف و الولع . و هذا ما ينطبق فعلا على التربية البدينة EPS و الجغرافية كما أيضا على الرياضيات و الفنون الجميلية أو الاسبانية : تتغذى رغبة التبليغ transmettre من علاقة حميمية بالنسبة للمعارف التي ندرسها و على أثرها نحافظ على علاقة القرب المتميز . قطعا ، إنها غير واضحة تماما و تغوص في الأعمق و الأعقد لتاريخنا الفريد .
لكن في التربية البدنية EPS – ربما أكثر بكثير بالنسبة للمواد التعلمية الأخرى بسبب الحضور المكثف و القوي للممارسات الاجتماعية في المخيال الجمعي ، فالنجاح الشخصي للمترشح في الانشطة التي ينوي تدريسها يمكن أن يصبح حاجزا رئيسيا للحصول على ما يجعل الهوية المهنية للأستاذ امرا واقعيا و حقيقيا . بالفعل ، قبل كل شيء ليس أستاذ التربية البدنية مدريا رياضيا . طبعا ، يمكن لأستاذ التربية البدنية أن يظل فضلا عن ذلك من هواة كرة السلة أو المارطون . يمكن له أن يختار عدة مبارايات بنفسه أو يصبح مسؤولا لناد يشارك في بطولة مع الرغبة القانوينة لنيل مكانة مرموقة في لائحة الترتيب . طبعا ، يمكن لأستاذ التربية البدينة أن يعين تلامذة قسمه بحيث يجبرهم على تدريب مكثف في رياضات مختلفة أملا منهم تحقيق نجاح باهر قدر المستطاع . طبعا ، فهو مطالب بأن يصطحب تلاميذ متطوعين في إطار الجمعية الرياضية ليقدموا أحسن ما عندهم و إحراز الامتياز في GRS أو في كرة اليد . سيدربهم متمنيا منهم بأن يقدموا أحسن و أفضل الانجاز الممكن performance .. كل هذا يعتبر جزء من وظيفته . لكن ، لا شيء من هذا رغم ذلك يؤسس خصوصية مهمته .
و السبب في ذلك ، هو أن أستاذ التربية البدنية ليس مدريا رياضيا . ليست الغاية من مهنته هو إنتاج الابطال و إنما السماح لكل تلميذ بالتحكم في انشطته الحسحركية . مثلا ، من الممكن أن يدرب طفلا بالزيادة في الثقل الموازن في القفز العلوي . لا حاجة لنا في وضعه في حالة خجل أمام ضعف إنجازاته و امام أصدقائه . لكن مفسرين له مثل الآخرين بأنه من الممكن أن يتحكم في تصريف طاقته ، و تحديد نقط ارتكازه لفائدته ، و استحكام العلاقة الموجودة بين مجهوداته و نتائجه . من الطبيعي جدا أن تبقى النتيجة / الانجاز ضرورية بأي حال من الاحوال ، لكن ليس بأي ثمن كان . لا يمكن اعتبار النتيجة مستقلة و بمعزل عن شروط تحققها . المهم في الحقيقة هو ما تشهد عليه النتيجة بالقياس إلى هذه الشروط . هو « شيء ما » ، شيء لا يمكن ملاحظته على الفور ، « شيء ما » يمكن أن نسميه – في اول مقاربة – كفاية une compétence .
الكفاية تحت المجهر
ظلت كلمة كفاية زمنا طويلا محفوظة في المجال القضائي judiciaire : تشير في آن واحد إلى الفضاء الذي يمكن لشخص مزاولة سلطته و العمل الذي يرصد له من الوسائل / من غايات التكوين لكن أيضا السلطة الدستورية لمزاولة هذه السلطة . كقولنا مثلا أن جنحة ما تحال إلى محكمة ما ، او بالامتداد ، قرارا ما يصدر من كفاءة وظيفة ما ( المهندس أو رئيس العمال في حالة بناء عمارة ، رئيس المؤسسة أو المفتش في حالة تحكيم بصدد قضية بيداغوجية ) . عبر انزياحات متعاقبة ، وصل هذا المفهوم للكفايات إلى أن دل على « قدرة الشخص على التصرف بدقة أثاء وضعية من الوضعيات من أجل تحقيق أهداف خاصة » . مثلا كقولنا عن كفاءة البستاني في تشكيل مجموعة حدائقية أو تلك التي عند التلميذ عند بناء نص حجاجي . نلاحظ أن في جميع استعمالات كلمة كفاية (compétence ) ، نجد دائما ثلاثة أبعاد . نقصد : 1- التشغيل الفعلي لمهارة une habileté ( و ليس فقط القول بمقدرة فعل شيء ما ) ؛ 2- تشغيل هذه المهارة داخل عائلة من الوضعيات المعروفة ( تحيل الكفاية دائما إلى فضاء خاص ، إلى معطيات ملموسة مشخصة متميزة و لا يمكن أن تمارس بطريقة «تجريدية » مستقلة عن ضغوطات الوضعية ؛ 3- تشغيل هذه المهارة و ذلك بإنجاز المهام التي تسمح بحل مشكلة بطريقة ناجعة ( يجب على الكفاية أن تكون إجرائية opérationnelle و حينما تستخدم ، يجب أن تحول المعطيات التي على أرضيتها مورست ).
الكفاية في البيهافيورية و في علم الادارة
لكن هذه المقاربة الأولية الاكثر شكلانية لم تستوف كامل الوضوح كما يجب فيما يخص الاستعمال الفعلي لهذه الكلمة . لم تسمح إذن بتفهم النقاش الدائر حولها . في الواقع ، لقد استعملت اليوم كلمة الكفاية كمرجعية في ثلاثة ميادين : ميدان « بيداغوجية الأهداف » par objectif ( غالبا ما يشار إليها بالامتداد بـ " بيداغوجية التحكم " de maîtrise ، ميدان تقويم التكوين المهني و ميدان تدبير الموارد البشرية .
ظهرت بيداغوجية بواسطة الأهداف في الولايات المتحدة في سنة 1960 مع بلوم B.S Blom . أرادت أن تصبح شكلا من المناعة التربوية ضد التضخم في وجه خطاب عام و سخي حول « نمــو » او « تفتح » الطفل . تقترح الأخذ بالأهداف الملاحظة و القابلة للتقويم تماما بعد كل نشاط تربوي أو تكويني في مكان التصريح أو الاعلان بشكل مجرد أننا نريد تكوين الدقة في الكتابة أو تنمية الشعور الجمالي عند التلميذ . بل سوف نمنح لأنفسنا كأهداف : « أن يكون قادرا على استبدال مجموعة من الجمل الاسمية معطاة في مكان ضمير مناسب للمتكلم » او « تحديد عشر أشخاص من بين ثلاثين رسام و نحاث ، هؤلاء الذين اهتموا بالتكعيبية cubisme » . نطمح بهذا « أن لا نعلل بالوعود أبدا » و نراقب نجاعة التعلمات بالفعل . نضطر قول ما نريد تماما و نعطي لأنفسنا الوسائل لمحاربة بيداغوجية التضمين l'implicite التي يستفيد منها دائما التلاميذ « العارفين » .. غير أن هذه « البيداغوجية بواسطة الاهداف » ، منذ ظهورها في فرنسا و من خلال حتى هؤلاء الذين ساهموا في نشرها كانت محط عدة تحذيرات و انتقادات : فإذا كانت لديها فضلا و استحقاقا في تسهيل التقويم الثنائي ( ناجح / غير ناجح ) ، لديها أيضا نزوعا في تفتيت التعلمات العامة و تجزيء هذه التعلمات إلى عدة أفعال صغيرة بحرية مشروعة . لكن إعادة تركيب التعلمات العامة مرة ثانية يمكن أن يكون صعبا بحيث ينفلت المعنى و الفهم من التلميذ . فإذا كانت لديها إفضلية و استحقاقا في تجنب الحس الدقيق le feeling الذي يمنح امتيازا للتلاميذ الذين نربي بمعيتهم التواطؤ العاطفي أو الثقافي ، فإنها تجازف بأن تنعرج نحو شكل من الترويض le dressage : بتفتيت التعلمات إلى كفايات – مجهرية متتالية التي حينما نربطها ميكانيكيا سنسقط في البيهافيورية .
البيهافيورية هي نظرية سيكولوجية أسست من طرف واطسون J.B. Watson سنة 1913 التي تصادر على الاستمرارية بين الحياة الحيوانية و الحياة الانسانية . تختزل كل الحياة النفسية داخل تفاعلات بين الانسان و محيطه . و ترفض كل مرجعية تتخذ من " الوعي " la conscience سبيلا لها . تفسر جميع السلوكات الانسانية وفق العلاقات بين المثير و الاستجابة . هكذا تنضوي البيهافيورية في نفس اتجاه التعليم المبرمج لـ سكينر J.B Skiner ( الذي يعتبر أن كل التعليم يمكنه أن يصبح ذات يوم قائما على " ألية التدريس " و يختزل الانسان بشكل من الاشكال في « كلب بافلوف » الذي يتفاعل ميكانيكيا مع المثيرات .
يتحمل بلوم المسؤولية الكاملة فيما يتعلق بالبيهافيورية لـ « بيداغوجية الأهداف » : معتقدا أن بواسطة منهاجه سوف يتمكن من الوصول إلى « تكافؤ كامل في نتائج التعلم » ، و أن العقلانية في التربية المدرسية و تكوين الكبار ستعطيه الانتاج المضبوط و المناسب للأفراد الذين يحتاجهم المجتمع ... بالطبع ، إن أغلبية هؤلاء الذين في لحظة من اللحظات استطاعوا استلهام وحي " بيداغوجية الأهداف " و اعتقدوا باسم فكرة الكفاية ، قد قطعوا علاقتهم مع انحرافاتها . استندوا بخاصة على أعمال دينو D'Hainaut و كانيي R.M Gagné لتبيان كيف يمكن لمفهوم الكفاية أن يغذو مفصولا عن البيهافيورية أي يحيل إلى الأنشطة الذهنية المعقدة – منظور إليها كحل للمشكلات – يتملكه الفرد الذي يتعلم ... يبقى رغم ذلك أن مفهوم الكفاية ، نسبة للبعض ، مازال ملطخا بأصوله البيهافيورية .
إضافة إلى ذلك ، هذا « الأصل المخجل » يجد نفسه مدعما في التقديم الممنهج لكلمة الكفاية في التربية الوطنية منذ بداية الثمانينات في إطار مراجعيات الدبلومات لتعليم المهني . مضامين هذه الدبلومات لها من الخاصية كونها حددت من طرف عمل مرفق للجمعيات المهنية و الدولة . طبعا ، إنها الدولة هي التي ، في الختم ، تؤمن الدبلوم لكن قيمته ترتبط بطلب من أرباب العمل الذين يوضحون بقوة فكرته داخل « المجالس الاستشارية للمهن » . إذا أردنا من التلاميذ نيل ألقاب لهذه الشهادات و الحصول على حظوظ كبيرة في إيجاد شغل ، يجب بكل صراحة على المرجعيات الكفائية أن تكون ملائمة مع المقاولات . إذا أردنا إدراج التكوين المستمر ، فلا بد للدبلوم أن يتم اكتسابه على شكل وحدات مرسملة capitalisable في إطار مراقبة دائمة قدر الامكان و أن يتم ترسميه تماما في تعاقد عمل ممكن . لهذا السبب ، صرح دانيال تاكاي : « إن تنظيم الدبلومات على شكل مرجعيات كفائية ، يفهم منه أن المطالبة بالمنصب لا يعد كافيا و ذلك بتكديس المعارف لكن فعلا عندما نتعلم و نقوِّم او نقدم الدليل على قدرتنا في التعلم على ارضية المقاولة ».
بطبيعة الحال ، سيكون من المجحف خاصة أن نتهم كل مدرسي الليسي المهني الذين يعملون حقا في التدريس « بواسطة الكفايات » ، يبحثون من اجل إخضاع المدرسة لحساب المقاولة بأي ثمن . هنا أيضا ، الكثير من استبعد فكرة الانتاجية لمفهوم الكفاية . الكثير من جاهد في التكوين بواسطة الكفايات المهنية لتنمية الاستقلالية و التفكير النقدي معا لتلامذتهم . الكثير من جعل من مفهوم الكفاية أداة لوضع المتعلم في وضعية اكثر فعالية إزاء العلوم و المعارف ... يبقى أن الشك مستمر مدعم من خلال الاستعمال الهائل الذي جُعل من هذه الاحاطة تدبيرا في الموارد البشرية المقاولاتية الذي في الغالب – و يجب قول ذلك بوضوح – يستعمله الناس من اجل إلباسه خطابا عصريا أو " علميا " لغرض السياسات الرجعية بل التسريحية .
مما لا شك فيه ، و من أجل هذا السبب ، نجد اليوم هجمات شرسة ضد مفهوم الكفاية لدى العديد من الفلاسفة . في هذا الاتجاه ، كتب جان بيير لوكوف « ما وراء الخطاب العلمي الزائف و غموض الخطاب بشأن الكفايات ، تنمو فعلا مقاربة للعمل الانساني اكثر تميزا . يُنظر إلى هذا الأخير على أساس ميكانيزمات وسلوكات أولية التي يمكن تجزيئها إلى حدودها القصوى و استعمالها لتحقيق أهداف نصل إليها . قطعت و « ذُلِّلت » بعبارات الكفايات المجزاة و المقننة بداخل صيغ و قوالب . لقد اختزل النشاط المهني في إواليات وظيفية نريد التحكم فيها و نتقنها من اجل تحسين الانجازات » .
الكفاية تنجو من القدر
إذن يجب الاحتراز من مفهوم الكفاية ... في تداول بلا حيطة يمكن أن يتضمن مخاطر حقيقية . لكن لا يجب التنقيص من كل قيمة للمفهوم و ما يحمله من إيجابيات . في البداية ، فالمفهوم يؤسس رافعة ثمينة لمحاربة كل أصناف الحتميات بصورة ملموسة .
إن معظم تاريخ البيداغوجية يمكن قراءته كعمل لا ينقطع من معاودة العمل و القضاء على القدرية le fatalisme باسم قابلية التعلم للأفراد éducabilité . جميع الأفكار الطلائعية المتميزة التي عرفناها و خاصة بدءا من عصر الأنوار إلى القرن الثامن عشر (18 م ) ، حدثت لما كان الرجال و النساء يحاولون البرهنة على أن الأطفال و اليافعين المحكوم عليهم بتعذر تعليمهم أنذاك ، كانوا في حقيقة الامر قادرين على التعلمات و التقدم و النجاح . إن روسو هو اول من تكلم عن « الاكتمالية » . في نفس العصر ، حاول فلاسفة كأمثال هلفيتيوس و كوندياك البرهنة على ان الانسان ليس متقوقعا كله في " طبيعته " أو خاضعا لـ " فطرته " . و ترجع لـ إيتار المحاولة الاولى بذكاء و عناد و إبداع لإثبات مصداقية هذه النظرية .
جان كاسبار إيتار مشهور بالتأدية التي قام بها فرنسوا تريفو لصالحه كممثل في فيلم " الطفل المتوحش " . ولد في سنة 1774 . طبيب و مهتم بأطروحات الفلاسفة « الأمبريقيين » المهتمين بقضايا البئية و التربية المتعلقة بنمو الاطفال ، في سنة 1800 سيجد نفسه امام « طفل متوحش » . لقد تم العثور على هذا الطفل و هو يقتات عاريا من جذور غابات الافيرون . نقل إلى باريس حيث أجمع الخبراء في تشاورهم على حالته و عتاهته الوراثية . إضافة إلى ذلك ، اعتقد الابوان في امر ابنهما . فلما تبين لهما حقيقة أمره ، تخليا عنه . فخالف إيثار Itard رأي الجاعة و رأى في حضور الطفل ، الذي سوف يطلق عليه اسم فيكتور ، مناسبة غير متوقعة لتوضيح أن « كينونة الانسان ما هي إلا ما نريده أن يكون » . لذلك ، سوف يخصص وقتا من حياته على « تربية فيكتور » اخترع لهذا الغرض عدة أدوات بيداغوجية . الكثير منها يوجد الآن في متناول الأسر و في مدارس الحضانة ( مثل « علبة الحروف » الشهيرة ذات الثقوب متخذة هيئات مربعة ، و مستطيلة ، على شكل نجمة ، و قمر ، الخ ) . لم يفلح مع ذلك في جعل فيكتور يتعلم اللغة المنطوقة . و مازال الباحثون يتساءلون اليوم فيما إذا كان حقا فيكتور « متأخرا عقليا منذ الولادة » . فيما إذا كان إيثار Itard قد أحسن التصرف بشكل صحيح أم لا . أو في حالة ما إذا كانت بعض التعلمات الأساسية لا يمكنها أن تصبح فاعلة بعد مضي زمن ما . لكن في العمق مهما يكن الامر : لقد أجاز عناد إيثار بأن يفتح الطريق في وجه كل ما ننعته بـ « التربية الخاصة » . أيضا أجاز له اكتشاف عدة أليات بيداغوجية التي أفادت و ما تزال تفيد التربية للجميع .
في الواقع طبعا لم يتحدث إيثار بعد عن « الكفاية » بالمعنى المتداول حاليا . غير أنه أسس حركة مهمة : يمكن للشخص le sujet أن يتعلم لو وضعنا الادوات و الوسائل في متناول يده ، لو ألقينا به في وضعية تمنحه المعنى ، لو ساعدناه في تحديد و إعادة تشغيل مكتسباته . ليس الطفل سجينا أبدا في طبيعته التي تقرر مسبقا في كل ما سوف يأتي . ليس نموه حديثا يملى عبر وجود « العطيات » او « الملكات » التي نكتفي برؤية انبثاقها . ما نصفه حاليا بـ « الكفايات » يقدم في هذا اللحظة ، هنا ، كنوع من الاقتلاع او الانفلات من يد القدر ، من المعطى . نبني من الخارج « هدفا » لفائدة الشخص و نعمل جاهدين في « خلق الصلة » بين ما هو كائن و بين ما نريده ان يكون . إن البيداغوجية كلها تكمن في خلق هذه الصلة او هذا الرباط . إنها قطيعة مع التصور الغيطني Horticole الذي يجعل من اليافع « تفتحا » بسيطا لقدرته الشاملة ، كامنة في « بذرة » الطفولة .
نعم ، بكل تأكيد ، يوجد لدى إيثار نوع من النزوع الإلهي : يدعي المربي بالجبروت و القوة الكبيرة ، و حسب لغتنا العصرية ، يتخيل أنه قادر على إيصال إلى كل الاطفال كل القدرات ... طالما أنه يستعمل الوسائل المناسبة ! هنا بالفعل يكمن خطر جسيم يؤدي إلى اللبس و الغموض في التربية و في الفبركة : أي نفي حرية المتعلم ، إنكار القصدية و شخصية التلميذ . بل اكثر من هذا باسم ضرورة اكتساب الكفايات ، نمنح لأنفسنا الحق في استخدام الطرائق القابلة للنزاع و الشقاق : فلا نتردد في اللجوء إلى العقاب البدني ، و المنشطات ... بل حتى وضع الطفل تحت اللاحب ! لكن بمجرد أننا نحترم مبدأ الحرية و نضع الشخص في وضعية بحيث يعود إليه الامر بأن ينقدف في المستقبل قصد التعلم ، إذ ذاك تتراى لنا مصادرة قابلية التعلم كأمر استكشافي ذي خصوصية : فهي تنشط الابداعية البيداغوجية و الديداكتيكية . تماما ، إن البحث في اكتساب كفاية عند شخص ما هذا معناه تنظيم وضعية التعلم لهذا الشخص . هذا معناه إذن : 1 ) – تحديد مهمة مجندة التي سوف « تضع الشخص في الطريق » 2 ) – بحث عن العائق و تجاوز هذا العائق يسمح بتحقيق تقدم مهم ؛ 3) – التنبؤ بجملة من الموارد و الضاغطات التي تسمح للشخص بتجاوز العائق نفسه ؛ 4) – مسايرة نشاط المتعلم و ذلك بتهييء عمليات التفكير بصدد نشاطه ( ما يسمى بالميتامعرفية ) ؛ 5 ) – امتلاك خط تسديد الهدف أثناء السير من اجل الكفاية المعاد استثمارها من طرف الشخص من خلال و من تلقاء مبادرته الحرة بداخل وضعيات من ذات الطابع .
إذن ، فلنعترف ان حتى قبل ظهورها الشكلاني فإن فكرة الكفاية – منظورا إليها كـ « هدف تعلمي » مقصود و مؤطر بداخل وضعية بيداغوجية منظمة – يؤسس تقدما مهما في التفكير البيداغوجي : الكفاية تسمح بالانفلات و الهروب من جميع أشكال الحتميات و الانغلاقات التي تكبح دمقرطة الولوج إلى العلوم . بكل تأكيد ، إن كل هذا « يضع العارضة عالية جدا » : أن نقول بأن كل إنسان يستطيع اكتساب كل الكفايات الممكنة ، أن نتخيل الأدوات و الوسائل التي حققناها في تساوق و احترام مع حرية الشخص ؛ فهذا ليس امر سهل . فأغلب الظن المتزايد هو « طوباوية المراجع » في محل هدف قصير المدى . هو بالاولى « مبدأ مًُعَدﱢل » في مكان « مبدأ مٌكوﱢن » حسب قولة معدة لكانط : شيء كـ « الجمال » la beauté بالنسبة للفنان ... و لا احد يمكن ان يقترب من الجمال . و سبب ذلك إذاً أننا لا نبحث عنه ابدا . و الحالة هذه ، كل العالم يبحث عن الجمال . إن هذا البحث هو ما يخلق بالضبط المهمة la tâche في تاريخ الفن كله .
الكفاية المختلفة عن المهمة
من ألف مكان للمراجع البيهافيورية التي نعود إليها في اغلب الاحيان ، فإن فكرة الكفاية – في اقتران مع الهدف – تكون ترياقا ثمينا و سدا منيعا في وجه أسبقية المهمة التي تهدد البيداغوجية المدرسية بشكل منظم و ممنهج . يعني ان سطوة المهمة هي دائمة الحضور . يجب الابتعاد عنها بجهد و عزيمة كاقتعلاعنا من القدرية ومن « سيكولوجية الهبة و العطاء » . يبني الفرد تعبئته عن طريق المهمة la tâche ، أي ما يشاهده و ما يحتفظ به في ذاكرته او في ارشيفه . المهمة تعني الواجب في الفرنسية و في تمارين الرياضيات - « بحصيلته » صحيح ام خطأ – الواجب في الرسم ، و التجربة ، المقابلة ، و تنسيق الحركات الرياضية ، و تسلق جرف ، الخ . المهمة هو ما يريد الطفل « إنجازه » . يريد إنجازه لأنه شاهده في السابق ، لأن لديه تصور ذهني عن ذلك الشيء ، يعرف ماذا ننتظر منه ... المهمة هو ما سوف يقدم في حالة الفوز و النجاح أي : الارتياح النرجيسي . اما في حالة الفشل فهو : الخيبة و تقهقر الذات .
لكن المهمة تزول بسرعة ، فهي تضمحل و تتلاشى بلا حد . قليل من التلاميذ يحافظون على دفاترهم كلها و واجباتهم طيلة حياتهم . قليل منهم يستذكر جميع المهام التي فرضت عليهم في المدرسة . لحسن الحظ علاوة على ذلك : يوجد المزيد من المهام و هي ليست ذات أهمية ! إننا لا نتذكر قط كل التمارين التي قمنا بها لكي نتعلم و ندرس منذ عشرين سنة قد خلت . لم نحافظ على جميع دفاتر الدرس الابتدائي ... و رغم ذلك نعرف القراءة ! ما قمنا ببنائه من جراء هذا الكم الهائل من المهام المنسية بالمناسبة قد تم حفظه : لقد أصبح كفاية للشخص الذي امتلكها بصفة شاملة . يشتغل عليها الفرد بكل حرية و وفقا لمبادرته الحرة . و هذا هو المهم . و هذا هو ما يجعل التعلم ناجحا .
و هذا بالضبط هو ما يفرق بين نظام التكوين و نظام الانتاج . ننتج الاشياء المادية و الثقافية في المصنع و في المعمل او في مكتب الدراسات . أما المدرسة ، فإنها لا « تنتـج » الأشياء . إنها تكـوِّن . تساعد في بناء الكفايات للافراد و في ذات الوقت و بالتلازم ، في اكتساب لذة القراءة و معنى التحليل و روح النقد . جميع الامور التي لا صلة لها بالتداول تحديدا ، عند مغادرة القسم ، تتواجد في منظومة الانتاج . جميع الأمور التي تنجم عن الحدق الذهني هي في الحقيقة غير مرئية : غير مرئية لأن الملاحظة المباشرة لا تسمح بالوقوف عليها أبدا . غير مرئية لأن البعض منها يمكن أن لا ينكشف إلا بعد زمن طويل و بصورة غير متوقعة تماما .
لذلك ، نجد في المدرسة عكس ما يقع في الدائرة الاقتصادية ، « المنتوج » ليس سوى تعلة un prétexte ، تمارين ، واجبات ، ملفات ، عروض ، حركات استعراضية من كل نوع : كل هذا يخلو من أية فائدة تذكر في حد ذاته . لا يستخدم إلا في النطاق حيث يقدم الدليل و الحجة على الكفايات التي سوف يكتب لها البقاء أمدا طويلا .
إننا نجد صعوبة في تحقيق ذلك ما دام هذا التقلب الخاص بالمدرسة يشوش على كل تصورات الحياة الاعتيادية : من الواجب على الفنان و رئيس العمال و الفلاح أو المطبعي أن يستثمروا طاقاتهم في « المهمة » ، سوف يحاكمون على إثرها . لا يمكن ان يحاكم التلميذ انطلاقا من منتوجاته ... او ، لا نفهم حينذاك ما السبب الذي يمنع أستاذه من « ان ينقل » التلميذ او ينزعج حينما يتمكن هذا الاخير من تحقيق المهمة عن طريق الصدفة ، ضرب من الحظ لا يتكرر ابدا . لا ندري لماذا يتوجب علينا بان نهتم أيضا – و في الحقيقة اكثر بكثير – بالكيفية التي يقطع بها التلميذ طول المسبح او أعلى الجرف لكي نعثر عليه هنا في اقرب وقت ممكن ... بالاضافة إلى ذلك في الدائرة الاقتصادية ، كل من يجد صعوبة من الصعوبات من اللازم عليه أن يتوقف بحكمة و يتجه نحو من هو أكفأ منه . في المدرسة ، الأمر غير مقبول . إما انه مستحمل شريطة أن الشخص فقط الأكثر كفاءة يقدم مساعدته للآخر لكي يجد الحل بنفسه ، او يستفسر الظواهر على الأقل و يتجاوز المشاكل بقدرته . في الدائرة الانتاجية على الرغم من استمرارية الأفراد طيلة عملهم في تحسين و إصلاح كفاياتهم ، فإن الكفايات توجد قبل تصرفاتهم . في المدرسة ، التصرف هو الذي يسمح باكتساب الكفايات .
و بمجرد أن الهدف مؤلف من الكفايات فإن الانجازات المتحققة من طرف التلاميذ لا يمكن اعتبارها سوى مؤشرات des indicateurs تقريبية ضرورة و ملزمة . يؤكد علماء اللغة على أن « الكفاية اللغوية » لا تتضمن « الانجاز اللغوي » ... من الممكن للشخص أن يعرف الكلام و لا ينجح في بعض الظروف الخاصة . في المقابل ، شخص آخر يتمكن من إنتاج عمل ما عن طريق الصدفة في غياب أية استطاعة لمعاودة إنتاجه .
و هكذا نضع اليد على البنية المتناقضة لكل تمرين و تقويم مدرسي ، اللذان يدعوان بشكل ملزم و إجباري إلى تحقيق إنجاز لكي تتم عملية استخراج عناصر الكفاية منه ، اللذان يعملان على تبأير الانتباه الذي يحث على تعلم المهمة في حين ان المستهدف ، إنما هو المهارة المستقرة و الدائمة . ليس بمقدور التلميذ تصورها قبل أن يكتسبها على وجه التحديد . يمنح التمرين و التقويم شيئا ما في الحقيقة لا يمثل أية قيمة .. دون ان نقدر على تسمية ما هو مهم في الحقيقة .
هناك « وضعية تعلمية » و هذا هو قولنا حينما يعثر التلميذ على العائق و يتغلب عليه – عائق صعب لكنه في المتناول – بداخل المهمة المنجزة . إذن ، لكي ينجح من الواجب عليه ان يبحث في تحقيق المهمة . لا يستطيع الانخراط في العمل فضلا عن ذلك إلا إذا كان مساندا من طرف التصور الذهني للمهمة المراد تحقيقها . لا نستطيع ذلك إلا إذا كنا نمتلك فكرة في بداية الامر حتى ولو كانت الفكرة تقريبية عن ما الذي يجبرنا على أن نصل إليه ، لكن أيضا من الضروري أن يحول التلميذ طاقته المعرفية في اتجاه اجتياز العائق في الوقت الذي يكتشف فيه ذلك العائق . لا ينبغي للفرد أن يضع رضاه في إنجازية المهمة . بل في التغلب على العائق و تجاوزه و ما يجيزه . و الحال ، إن هذا النجاح لا يمكن امتلاكه ببداهة . يعتبر بذاته ضد الطبيعة في عدة وجوه ، أو أكثر صوابا ضد جميع العادات المكتسبة خارج أسوار المدرسة . إن دور المعلم هنا أساسي جدا : لا بد أن يمنع التلميذ بقوة من « ان ينجح » بدون « فهم » بأي شكل من الأشكال . و هذه قضية مرتبطة بالادوات و العتاد اولا . لكن جميع الادوات و العتاد يظل بلا فائدة في حالة لم يواكب المعلم التلميذ في التغيير المهم و الاساسي فيما يتعلق بالوِضْعَة la posture : أن يستقبل متعته النرجيسية في « الفهم » بدل استقبالها في « النجاح » و هو انتقال مهم و اساسي بحيث لا يمكن للطفل القيام به إلا إذا وجد رجلا يظهر له السرور و الفرح الممكنين لما يحمله هذا التحول – الانتقال من فائدة . و نلاحظ أن هذا ليس فقط قضية أدوات و عتاد .
الكفاية ، وسيلة لفهم التحويل
فإذا كانت المدرسة لا تعمل إلا من أجل النجاح في القسم ، فإنها سوف تساهم بكل وضوح في استثمار مهم ذي مصلحة ضعيفة جدا . فعلا ، في المدرسة لا بد من تعلم أشياء يمكن استخدامها مرة ثانية خارج المدرسة و في سياق مختلف . و لهذا الغرض ، توجد أهمية كبيرة في « معرفة اننا نفهم » بدل « اننا نعرف » لأن الذي يعرف من دون معرفة انه يفهم و يستوعب ، استوجب عليه الترقب و الانتظار ليسترجع ما تعلمه بغية استخدامه . اما ذلك الذي « يعرف بأنه يفهم » بالعكس ، فإنه غير مرتبط أبدا باستجواب المعلم . بإمكانه أخذ المبادرة ليضع كفايته مكان التفعيل .
لكن يجب عليه أيضا أن يستخدم الكفاية بمهارة . فالكفاية التي بناها فلتكن متضمنة في عائلة من الوضعيات بحيث تكون دقيقة و ناجعة . الكفاية هي المفتاح الذي لا يشتغل مع جميع الأقفال بلا تمييز . لذلك نحصل مثلا على كفاية سائق سيارة و هو يلتقط معلومات من محيطه البصري و السمعي لكي يعدل من سرعته و يتحكم في مقوده . يمكن ان نستنتج من هذه الكفاية أنها ليست ذات الكفاية التي توجد لدى سائق الباخرة و لدى سائق الدراجة بل حتى لدى المتزحلق ... هذا الاخير بالفعل ، لا بد له من أخذ المعلومات في الوقت المناسب حول الثلج و المنحدر و يعكسها في قرارات فورية متجلية في حركة جسمه ليتدبر نزوله بطريقة حسنة و بدون مخاطر . لكن ، نلاحظ عن قرب ان المقصود هنا هو نوع من « الكفاية العامة » - الأمر الذي سميناه في بعض الاحيان بـ « القدرة » la capacité - الذي يتوضح بطريقة عرضانية مستقل عن المحتوى بحيث يوضع محل التنفيد أي « الحصول على المعلومات من محيطه ليعدل سرعته » . فإذا كان هناك اقتراب صوري بين العمليات ، فذلك بسبب الدنو الماقبلي . من المستحيل كما بينه فيكوتسكي تعلم هذه « القدرة » عن طريق التجريد in abstracto في استقلال عن أي مضمون او محتوى و عن أية وضعية معروفة و محدة بدقة .. و « إلباسها » من بعد بشتى المضامين .
عالم سيكولوجي معاصر لجان بياجي ، ليف فيكوتسكي lev Vygotsky ( 1896 – 1934 ) الذي عارض هذا الأخير قائلا : « إن البحث المعمق يبين أن اختصاصات القدرات هو أكبر بكثير عما نتصوره في بداية الامر . لو اخترنا ، على سبيل المثال ، عشر أفراد من بين مائة كلهم متميزون و أكفاء في تقويم الطول ، فإنهم لا يقدمون الدليل على نشاط مماثل في تقويم الوزن بكل دقة » . و يستعرض فيكوتسكي أمثلة أخرى تخص التذكر او الانتباه : لا يتذكر الفرد خريطة الجغرافية و القاموس الانجليزي بنفس الطريقة ... و مع ذلك تظل هناك مشكلة أساسية : كيف نفسر ، بالفعل ، النمو السيكولوجي العام للفرد ؟ كيف نفسر الكفايات فلتكن قد « فاضت » من حقلها المكتسب ؟ في استدلال ببساطة أن هذه الكفاية يمكنها أن تستعمل في سياق محدد الذي هو بالضبط سياق تعلمها – او في أثناء عملية هدم السياق / معاودة بناء السياق : يفهم لماذا و كيف « يحدث هذا » . و يمكن أن يتساءل حول الظروف التي تجيز بأن « يحدث هذا في مكان آخر » . و الحال أن هذه الصورة الأخيرة ، تبقى كفايته ذات خصوصية كبيرة جدا لكنه يدرك تماما خصائص عائلة الوضعيات بحيث يستطيع استخدامها و البحث اذا عن وضعيات تداولية محتملة ... و ذلك من حيث ان التلميذ المتحكم في نظرية فيتاغورس يتمكن من استخدامها حينما يغرق بلاطة لكي يختبر على انها مسطحة !
إن الكفاية إذا ما استعملت احسن الاستعمال فهي إذن تسمح بالتفكير في أصعب قضية و نعني بذلك تحويل التعلمات transfert de connaissance . أن تبني كفاية هذا مرده كونك قادر على حل مشكل معطى تماما في وضعية من الوضعيات . فلأننا قمنا بتحليل الوضعية هذا ما يجعلنا نتفاعل بطريقة ملائمة مع هذه الوضعية . و لأننا قادرون على هذا التحليل ، فنحن قادرون ايضا على استعمال هذه الوضعية في وضعيات أخرى بحيث تتضح ملاءمتها. دائما تبقى الكفاية تحمل طابعها المحلي إلا انه من الممكن استعمالها بمهارة في اماكن اخرى . إن درجة خبرتها هي التي تضمن فعل تحويلها. فأصبح خبيرا أكثر في الكفاية الخاصة – بمعنى بمقدار ما أستوعب ما أشتغل عليه و أنا أبني كفايتي – بمقدار ما أصبح كفءا ... عنذئذ اصبح اكثر قوة في تشييد كفايات أخرى . إن هذا « التأثير المضخم شيئا فشيئا » هو الذي يعطي للمكتسبات انطباعا انعكاسيا في مجال اخر ..
التدريس بواسطة الكفايات
في الواقع ، نحن واعون هنا بملامستنا عدة قضايا لم يقدم البحث بشأنها نتائج ثابتة و مستقرة . « كفاية » ، « قدرة » ، « مهمة » ، « تحويل » ، الخ . ما زال النقاش مفتوحا بصدد عدة مفاهيم و استعمالاتها ... و رغم ذلك ، لقد وضحنا على الرغم من ذلك أن التساؤلات المشروعة التي يمكن تغذيتها ، رغم الاستعمال المبالغ لا شك فيه من حيث طبيعة الموضوع ، و رغم الاحتجاجات المثارة ؛ فإن فكرة الكفايات بصفة عامة تظل ثمرة خصبة . لأن فهم التعليم بارتكاز على الكفايات اولا هذا يعني رفض الحتمية التي بمقتضاها يكون لدينا تلاميذ موهوبين و آخرون لا . و يعني أيضا منح لأنفسنا الوسائل لبناء الوضعيات التعلمية الحقيقية و ليس فقط المهام ، إن هذه الوضعيات ضرورية لكن غير كافية من اجل تقديم الدلالة و المعنى للعمل المدرسي . في الاخير ، المراد هو القدرة على العمل الهادف من اجل منح استقلالية للافراد من خلال تكوينهم المدرسي مسهلين لهم تحويل المعارف . فإذا كان من الواضح أن فكرة « الكفاية » يجب ان تكون معمقة و منتقدة ، فإن خصوبتها كم هي عظيمة في الفكر و الفعل البيداغوجيين . حقا ستصبح خسارة حينما
فيليب مريو