السوسيوبنائية و التعلمات المدرسية
جان بول روا – استاذ محاضر في علم النفس
الكلمات – مفتاح
الصراع السوسيومعرفي - الوظائف الذهنية العليا - الأدوات السيكولوجية - ضمنفسي و عبرنفسي / الوسائط الرمزية .
في اقتراح من جانبنا لمقاربة علم النفس الاجتماعي للأنشطة المعرفية ، تقوم السوسيوبنائية بمساءلة النماذج السيكولوجية للنمو المعرفي المتمركز على الميكانيزمات الفردية كما تقوم بإسترجاع للذوق للمقاربات النظرية التي تؤكد كثيرا على الأبعاد الاجتماعية في بناء الكفاية la compétence .
قصور البنائية البياجيتية
حاليا ، هناك تياران بارزان أوضحا بشكل جلي نقائص البنائية البياجيتية ( قصور في شرح و تفسير بعض أنواع حل المشكلات ، بنيوية في العموم ، الدور المرتقب للمتغيرات الاجتماعية في النمو ) فيما يخص التحليل الوظيفي للمعرفة لدى الطفل أثناء وضعية حل المشكلات و أثناء تنمية و بناء الكفايات في ميدان التعلمات على وجه العموم .
و نقصد :
- مقاربة معرفية ، التي تهتم بدراسة السيرورات على المستوى بين الفردي حصريا ، و التي تخلق تصورات و أفكار مفاهيمية نظرية غنية بوجه خاص : اي الوظيفية ، و البنيوية ، و المعرفية البنائية ، و المعرفية الجديدة .
- مقاربة سيكولوجية – اجتماعية ، التي يتركز اهتمامها على المنشأ و الأصل الاجتماعي للذكاء و التي تدرس السيرورات السوسيو معرفية وظيفيا و نمائيا (). هذه الأخيرة هي التي ستكون محط دراستنا في هذا المقام .
من نموذج « ثنائي » إلى نموذج « ثلاثي » الابعاد
تتجلى الفكرة الرئيسية للسوسيو بنائية في الانتقال الضروري من سيكولوجية « ثنائية » ( تفاعل / الفرد – المهمة ) إلى سيكولوجية « ثلاثية » الأبعاد ( تفاعل/ الفرد – مهمة – شخص ذو ثقة Alter ). لا يمكن أن نعتبر النمو بمعزل عن التعلم ، لا يمكن أن يكون مجرد علاقة « خاصة » فحسب تحدث بين طفل و موضوع . في صميم هذا النوع من المقاربة ، نعتبر المتغيرات الاجتماعية متعايشة و متشاركة في الجوهر جنبا إلى جنب مع تطورات التعلم ذاته ، و أن كل نمو تنبثق منه تعلمات عن طريق تشغيل ميكانيزمات المابين – فردية الحاصلة في ميكانيزمات الضمن – فردية .
العلاقات الموجودة بين التعلم و النمو
يدافع فيكوتسكي عن الأطروحة التي بمقتضاها أنه لا يمكن أن يتواجد هنالك نمو معرفي بدون تعلم و عليه فالسيرورات المتوقفة على هذا النمو تنهض أساسا على نتيجة التحليل الثلاثي للعلاقات الفرد – المهمة – الشخص ذو الثقة في مسيرة مبنية و منظمة يتخللها الارشاد و التوجيه بالمعنى الواسع للكلمة Guidage . هذا الموقف يتعارض مع المفهوم البيهافيوري و النضجي للنمو الذهني و يتعارض كذلك مع المفهوم البياجيتي الذي يعترف فعلا أن عوامل البئية و المحيط ( و التربية هي احدى عوامل هذا الكل ) تؤثر على النمو غير أنه يجعل من النمو المعرفي حالة من التبعية والخضوع و إلحاق سيرورات البناء و الادماج إلى متغيرات اجتماعية ، حقيقية كانت أم رمزية .
( )
يرى فيكوتسكي أن جميع الوظائف الذهنية العليا ( انتباه ، و تذكر ، و إرادة ، و لغة ..) تصدر مباشرة من العلاقات الاجتماعية و ذلك عبر تغيرات تطورية بينشخصية إلى تطورات ضمنشخصية . و لهذا السبب فإنه لا يمكن للنمو الذهني أن ينظر إليه كبعد مستقل و بمعزل عن الوضعيات التربوية و يجب اعتباره كمحصلة للتعلمات التي يواجهها الطفل : « ليس هناك تتطابق لسيرورات النمو و سيرورات التعلم لكن سيرورات النمو تتبع هذه الاخيرة .. » هذه التعلمات ذاتها هي التي تؤسس ما سماه فيكوتسكي بـ « منطقة القرب من النمو Zone proximale de développement ».
التعلمات الذهنية العليا هي من طبيعة اجتماعية
إن جميع الوظائف الذهنية العليا حسب فيكوتسكي ( انتباه ، و تذكر ، و إرادة ، ولغة .. ) تستخدم اجتماعيا ( بفضل اللغة و أنظمة رمزية أخرى تكون في خدمة التمثل à représenter و وسيطية médiatisées ، سواء أكان القصد منها نشاطا مهتما بارتباطات الانسان مع الطبيعة ( نشاط « خارجي » ) أو نشاطا ذهنيا ( نشاط « داخلي » ) . فالتملك او السيطرة على الأدوات ( الأدوات التقانية و الرموز ) ، النابعة من الإرث السوسيوثقافي هي التي تطبع أساسا عملية العبور إلى الأنشطة الأساسية و الأولية متحولة إلى أنشطة ذهنية من المستوى الرفيع . فكل الوظائف العليا لها أصل ثابت في العلاقات الحقيقية و الواقعية بين الكائنات البشرية » . هذه السيرورات السوسيو تطورية التملكية و الفردية لوظائف الذهن العليا المتحققة بفضل الوسائط الرمزية تقع أثناء المبادلات التفاعلية ، عن طريق تحويل الوظيفة الاجتماعية و التواصلية للعلامات و الرموز ( بين الأفراد ) إلى وظائف فردية و ثقافية ( ضمن الأفراد ) .
التفاعلات الاجتماعية و التعلم
أوضحت عدة أعمال مخبرية أن التفاعلات Interactions المحدثة بين صديقين متلازمين في وضعية من الوضعيات لحل مشكلة ما تلعب دائما دورا بنائيا أثناء الكفايات المعرفية الفردية . قسط من الشروط القبلية و من المهمات المنتقاة في طريقها للحل و من التنظيم للآليات و من دينامية المبادلات بين الأطفال ، من الممكن أن نجني منها أرباحا مهمة : سواء في حالة التفاعلات المتشابهة ( أفراد يتمتعون بنفس القاعدة ) و في الحل التشاركي ( ، ، ، ) ، او في حالة التفاعلات غير المتشابهة ، مثلا بين « خبير » و طفل « ساذج » ( ) .
المدلولات الاجتماعية و التعلمات
لقد تأكدت التأثيرات المسوغة للمدلولات الاجتماعية بصدد الأنشطة المعرفية بشكل واضح في إواليات حل المشاكل . إن الأعمال المنصبة على الوسم الاجتماعي بينت أنه حينما تتغير المهمة و تحال إلى تصويبات اجتماعية ( قوانين ، وقواعد ، و توافقات ) ، فإن الأفراد ينجحون فيها و يجنون ثمارا معرفية مربحة لحل مهام أخرى ذات بعد منطقي أكثر تجريدا او ما شابه ذلك . لقد استطعنا أيضا الاستدلال أثناء توزيع الأشياء والحاجات ( ) على أن الممارسات الاجتماعية الأكثر او الأقل طقوسية و المختصة بسياقات متفردة ، بحيث يتصدى لها الطفل في سن مبكرة ، و هي مستهدفة حلا لمشكل اجتماعي ، بإمكانها أن تكون مؤطرة معرفيا . كما جاء ذلك في توضيح لـ جيلي : « تعديل السلوكات الاجتماعية للفاعلين » ( وظيفة اجتماعية ) من وجهة نظر مزدوجة للهدف المراد تحقيقه بالإحالة إلى المعايير و الاتفاقيات أو إلى القواعد الاجتماعية السائدة ، و بطريقة التوصل إليها مقترحين أنماطا من المعالجة المقبولة اجتماعيا على أساس الصحة و النجاعة لتحقيق الغرض المنشود . لكن هذه الممارسات في الآن نفسه تنظم المعرفة ( وظيفة داخلية ) من وجهة نظر استيعابية للمهمة و كيفية حلها ( بمعنى خصوصية المهام ، تحدد هذه الخصائص السوسيو سياقية جانبا كبيرا و مهما للمعنى الذي يعمل التلاميذ على ربطه مع الوضعيات الجديدة و الاستراتيجيات ذات الحل و التي سوف يطورونها في آن واحد بداخل هذه الوضعيات . لهذا ، فإنه من الممكن اعتبار أن معالجة الوضعيات – المسائل من طرف التلميذ ترتبط بلا فرق او تمييز بمعالجة تلاؤمية لـ « ما سبق رؤيته » ، معاد إلى الذاكرة مرة ثانية من خلال معنى الوضعية التي كانت خاضعة للحل . هذه التأثيرات المتعلقة بـ « السياق » de contexte ( ، ، ، ) هي التي تخلق موضوعا للتأويل اي بمعنى « التعاقد » ( التعاقد الديداكتيكي ، في التواصل ، في التجربة ، ) أو بتعبير آخر « الموقف الاجتماعي ».
دراسة أثر المتغيرات الاجتماعية فيما يخص تطور المعارف
هذه الآثار الايجابية الخاصة بالفوائد الفردية الناجمة عن التفاعلات الاجتماعية شكلت موضوع دراسة و تحاليل مختلفة : يمكن فهمها بواسطة آلية الصراع السوسيومعرفية le conflit socio-cognitif ، لكن أيضا بواسطة المبادلة للشركاء أثناء تحقيق المهام و بواسطة التأثيرات المزعجة و الغنية للتفاعلات حول فهم المهمة في العموم و كذا الأهداف التي يراد تحقيقها و التمكن من فهم الاجراءات الموصلة إليها ، و حول إجراءات المراقبة ( ، ، ، )
المقتضيات الاربع للتعلم السوسيو – بنائي
• لا صلاحية لتعلم إلا إذا كان مسبوقا بالنمو ( ) : هذا هو المبدأ الاول لتعليم سوسيو – بنائي . إنما التطورات النمائية هي نتيجة لسيرورة تحدث بين لحظتين مبعدتين في الزمن : نتيجة مباشرة لتدبير فردي للعمليات الاجتماعية المنسقة و المثمرة و المعاشة في وضعيات التواصل و التعلم ، و التي تمخضت عن وظائف وجدت في منطقة القرب من النمو Zone proximal de développement ) . بنفس الطريقة لما يتم تطوير تفكيرنا الطبيعي المتكون من تصورات « عفوية » داخلية ، يمكن للتلميذ أن يتعلم ما يعرفه اليوم و يتقدم إلى الأمام ، و ذلك بتطوير تصوراته الحالية يمكن له أن يتعلم و يتقدم . و لهذا، فإن كل وضعية جديدة يجب أن تسمح للطفل بأن يبني على ( أو يحيل إلى ، أو يرتكز على .. ) معارف مكتسبة من قبل في وضعيات متشابهة و متساوقة أو متجاورة ، على الأقل موحية للوضعيات الاجتماعية المؤطرة و المعدلة المعروفة . الشيء الذي سينتج عنه تسهيل التعميم la généralisation أو التحويل le transfert للاجراءات ( او الاستراتيجيات ) التي قد سبق اختبارها و في سياقات مختلفة او متقاربة . يقتضي هذا المبدأ من المدرس مأمورية مزدوجة بطبيعة الحال : تحليل الكفايات التي يريد التحكم فيها ( معارف قبلية أساسية ، مكتسبات قبلية ..) و تحليل للتصورات العفوية « التلقائية » ، الماسبق رؤيته عند الطفل .
• المتغيرات الاجتماعية كجواهر و ذوات تتعايش جنبا إلى جنب مع التطورات البنائية لتشكيل المعرفة المحلية و وسائل التفكير العامة . بل يجب على ميكانيزمات التعلم ان تأخذ بعين الاعتبار تدبير الوضعيات البنائية المتبادلة بمهارة فائقة ( أعمال المجموعات ) ، و الوضعيات المتسمة بالطابع الاجتماعي ( حيث أن مبادئها المختصة بالحل بإمكانها أن ترتبط بالتصويبات الاجتماعية المعرفية على مستوى الدلالة ) ، / او الوضعيات القادرة على تذكر الممارسات الاجتماعية الاحتفالية و الطقوسية ( الأقل او الأكثر استئناسا و ألفة ، لكن الطفل يستطيع إيجاد الحل مستخدما أدوات معرفية فعالة مثل « رسم تخطيطي » . هنا أيضا يتواجد المدرس أمام مأمورية مزدوجة : « الهندسة الديداكتيكية » و « الشغالة المعرفية » ، في إطار نقله الديداكتيكي .
• المقتضى الثالث يعتبر الوسائط الرمزية أمورا أساسية تحدث في منطقة القرب من النمو . « تتحقق عمليات التنشئة socialisation عن طريق اللغة »() إذن للغة وظيفة تنظيمية حاسمة سواء نظر إليها من وجهة إسنادية تخص التلميذ في وضعية تعلمية ، أو من وجهة إنجازية لمعرفيته من أجل اكتساب محدد خاص بالمدرس . و عليه من اللازم على كل وضعية جديدة الارتكاز على المبادلات التفاعلية ( طفل – طفل و / او طفل – مدرس ) لكي تسمح للتلاميذ ببناء معرفتهم الخاصة بهم من خلال التفاوض و التعديلات المتعاقبة . المقصود فعلا هو السماح باكتساب المعارف ، في إطار التعاقد التواصلي الأكثر وضوحا قدر الامكان الذي ينبثق من صميمه هذه الأفعال الكلامية les actes de Langage المتبادلة و التي تولد الانجازات و التحققات المعرفية و من تم التقدم و النمو .
• بناء أدوات التفكير « المفاهيمية » في الوضعية يعتبر المحور الأساسي لتسهيل الاستعمال الآني و لتزويد الجهاز المعرفي بشيمات التفكير النافعة أثناء البحث عن الحلول للمشاكل و التعلمات المستقبلية . ما نريده في الحقيقة هو مساعدة التلاميذ على امتلاك الرموز و الأنظمة الرمزية المبنية و / المستعملة اجتماعيا أثناء المبادلات الوسيطية من طرف المدرس ، بعبارة أخرى أن نعمل على تحويل السيرورات العابرة للافراد إلى سيرورات تنبثق من دواخل الافراد ، او أيضا نجعل بصورة ما أفعال الكلام المتبادلة في التواصل الشفهي التي تحدث بين المدرس و التلميذ / التلاميذ عمليات وظيفية حية و نشطة و فعالة فيما يخص المعالجة المعرفية . لا بد للوضعيات التعلمية أن تجتهد أكثر في تسهيل عملية الاستذكار « النشط » ، مهيأة و منظمة تنطلق من استخدام يقظ و متبصر للرموز و العلامات و أنظمتها اللغوية ، هذا الكل الذي سوف يصبح في دفعة واحدة « أداوت » معرفية فردية و يسمح بجدلية ضمنفردية ، التي هي أصل و منبع التفكير . إذا يجب على المدرس دائما خلق ملفوظات الكلام Illocutoires الميتامعرفية حتى يجعل من وعي المعارف و المهارات شيئا واضحا مثل وضوح النهار . شيء أكثر وضوحا و شفافية ( اللغة الخارجية – موجهة للغير ؛ او الداخلية – لـ الأنا / الذات ) و أن ننجز على قدر استطاعتنا .
جان بول روا – استاذ محاضر في علم النفس
الكلمات – مفتاح
الصراع السوسيومعرفي - الوظائف الذهنية العليا - الأدوات السيكولوجية - ضمنفسي و عبرنفسي / الوسائط الرمزية .
في اقتراح من جانبنا لمقاربة علم النفس الاجتماعي للأنشطة المعرفية ، تقوم السوسيوبنائية بمساءلة النماذج السيكولوجية للنمو المعرفي المتمركز على الميكانيزمات الفردية كما تقوم بإسترجاع للذوق للمقاربات النظرية التي تؤكد كثيرا على الأبعاد الاجتماعية في بناء الكفاية la compétence .
قصور البنائية البياجيتية
حاليا ، هناك تياران بارزان أوضحا بشكل جلي نقائص البنائية البياجيتية ( قصور في شرح و تفسير بعض أنواع حل المشكلات ، بنيوية في العموم ، الدور المرتقب للمتغيرات الاجتماعية في النمو ) فيما يخص التحليل الوظيفي للمعرفة لدى الطفل أثناء وضعية حل المشكلات و أثناء تنمية و بناء الكفايات في ميدان التعلمات على وجه العموم .
و نقصد :
- مقاربة معرفية ، التي تهتم بدراسة السيرورات على المستوى بين الفردي حصريا ، و التي تخلق تصورات و أفكار مفاهيمية نظرية غنية بوجه خاص : اي الوظيفية ، و البنيوية ، و المعرفية البنائية ، و المعرفية الجديدة .
- مقاربة سيكولوجية – اجتماعية ، التي يتركز اهتمامها على المنشأ و الأصل الاجتماعي للذكاء و التي تدرس السيرورات السوسيو معرفية وظيفيا و نمائيا (). هذه الأخيرة هي التي ستكون محط دراستنا في هذا المقام .
من نموذج « ثنائي » إلى نموذج « ثلاثي » الابعاد
تتجلى الفكرة الرئيسية للسوسيو بنائية في الانتقال الضروري من سيكولوجية « ثنائية » ( تفاعل / الفرد – المهمة ) إلى سيكولوجية « ثلاثية » الأبعاد ( تفاعل/ الفرد – مهمة – شخص ذو ثقة Alter ). لا يمكن أن نعتبر النمو بمعزل عن التعلم ، لا يمكن أن يكون مجرد علاقة « خاصة » فحسب تحدث بين طفل و موضوع . في صميم هذا النوع من المقاربة ، نعتبر المتغيرات الاجتماعية متعايشة و متشاركة في الجوهر جنبا إلى جنب مع تطورات التعلم ذاته ، و أن كل نمو تنبثق منه تعلمات عن طريق تشغيل ميكانيزمات المابين – فردية الحاصلة في ميكانيزمات الضمن – فردية .
العلاقات الموجودة بين التعلم و النمو
يدافع فيكوتسكي عن الأطروحة التي بمقتضاها أنه لا يمكن أن يتواجد هنالك نمو معرفي بدون تعلم و عليه فالسيرورات المتوقفة على هذا النمو تنهض أساسا على نتيجة التحليل الثلاثي للعلاقات الفرد – المهمة – الشخص ذو الثقة في مسيرة مبنية و منظمة يتخللها الارشاد و التوجيه بالمعنى الواسع للكلمة Guidage . هذا الموقف يتعارض مع المفهوم البيهافيوري و النضجي للنمو الذهني و يتعارض كذلك مع المفهوم البياجيتي الذي يعترف فعلا أن عوامل البئية و المحيط ( و التربية هي احدى عوامل هذا الكل ) تؤثر على النمو غير أنه يجعل من النمو المعرفي حالة من التبعية والخضوع و إلحاق سيرورات البناء و الادماج إلى متغيرات اجتماعية ، حقيقية كانت أم رمزية .
( )
يرى فيكوتسكي أن جميع الوظائف الذهنية العليا ( انتباه ، و تذكر ، و إرادة ، و لغة ..) تصدر مباشرة من العلاقات الاجتماعية و ذلك عبر تغيرات تطورية بينشخصية إلى تطورات ضمنشخصية . و لهذا السبب فإنه لا يمكن للنمو الذهني أن ينظر إليه كبعد مستقل و بمعزل عن الوضعيات التربوية و يجب اعتباره كمحصلة للتعلمات التي يواجهها الطفل : « ليس هناك تتطابق لسيرورات النمو و سيرورات التعلم لكن سيرورات النمو تتبع هذه الاخيرة .. » هذه التعلمات ذاتها هي التي تؤسس ما سماه فيكوتسكي بـ « منطقة القرب من النمو Zone proximale de développement ».
التعلمات الذهنية العليا هي من طبيعة اجتماعية
إن جميع الوظائف الذهنية العليا حسب فيكوتسكي ( انتباه ، و تذكر ، و إرادة ، ولغة .. ) تستخدم اجتماعيا ( بفضل اللغة و أنظمة رمزية أخرى تكون في خدمة التمثل à représenter و وسيطية médiatisées ، سواء أكان القصد منها نشاطا مهتما بارتباطات الانسان مع الطبيعة ( نشاط « خارجي » ) أو نشاطا ذهنيا ( نشاط « داخلي » ) . فالتملك او السيطرة على الأدوات ( الأدوات التقانية و الرموز ) ، النابعة من الإرث السوسيوثقافي هي التي تطبع أساسا عملية العبور إلى الأنشطة الأساسية و الأولية متحولة إلى أنشطة ذهنية من المستوى الرفيع . فكل الوظائف العليا لها أصل ثابت في العلاقات الحقيقية و الواقعية بين الكائنات البشرية » . هذه السيرورات السوسيو تطورية التملكية و الفردية لوظائف الذهن العليا المتحققة بفضل الوسائط الرمزية تقع أثناء المبادلات التفاعلية ، عن طريق تحويل الوظيفة الاجتماعية و التواصلية للعلامات و الرموز ( بين الأفراد ) إلى وظائف فردية و ثقافية ( ضمن الأفراد ) .
التفاعلات الاجتماعية و التعلم
أوضحت عدة أعمال مخبرية أن التفاعلات Interactions المحدثة بين صديقين متلازمين في وضعية من الوضعيات لحل مشكلة ما تلعب دائما دورا بنائيا أثناء الكفايات المعرفية الفردية . قسط من الشروط القبلية و من المهمات المنتقاة في طريقها للحل و من التنظيم للآليات و من دينامية المبادلات بين الأطفال ، من الممكن أن نجني منها أرباحا مهمة : سواء في حالة التفاعلات المتشابهة ( أفراد يتمتعون بنفس القاعدة ) و في الحل التشاركي ( ، ، ، ) ، او في حالة التفاعلات غير المتشابهة ، مثلا بين « خبير » و طفل « ساذج » ( ) .
المدلولات الاجتماعية و التعلمات
لقد تأكدت التأثيرات المسوغة للمدلولات الاجتماعية بصدد الأنشطة المعرفية بشكل واضح في إواليات حل المشاكل . إن الأعمال المنصبة على الوسم الاجتماعي بينت أنه حينما تتغير المهمة و تحال إلى تصويبات اجتماعية ( قوانين ، وقواعد ، و توافقات ) ، فإن الأفراد ينجحون فيها و يجنون ثمارا معرفية مربحة لحل مهام أخرى ذات بعد منطقي أكثر تجريدا او ما شابه ذلك . لقد استطعنا أيضا الاستدلال أثناء توزيع الأشياء والحاجات ( ) على أن الممارسات الاجتماعية الأكثر او الأقل طقوسية و المختصة بسياقات متفردة ، بحيث يتصدى لها الطفل في سن مبكرة ، و هي مستهدفة حلا لمشكل اجتماعي ، بإمكانها أن تكون مؤطرة معرفيا . كما جاء ذلك في توضيح لـ جيلي : « تعديل السلوكات الاجتماعية للفاعلين » ( وظيفة اجتماعية ) من وجهة نظر مزدوجة للهدف المراد تحقيقه بالإحالة إلى المعايير و الاتفاقيات أو إلى القواعد الاجتماعية السائدة ، و بطريقة التوصل إليها مقترحين أنماطا من المعالجة المقبولة اجتماعيا على أساس الصحة و النجاعة لتحقيق الغرض المنشود . لكن هذه الممارسات في الآن نفسه تنظم المعرفة ( وظيفة داخلية ) من وجهة نظر استيعابية للمهمة و كيفية حلها ( بمعنى خصوصية المهام ، تحدد هذه الخصائص السوسيو سياقية جانبا كبيرا و مهما للمعنى الذي يعمل التلاميذ على ربطه مع الوضعيات الجديدة و الاستراتيجيات ذات الحل و التي سوف يطورونها في آن واحد بداخل هذه الوضعيات . لهذا ، فإنه من الممكن اعتبار أن معالجة الوضعيات – المسائل من طرف التلميذ ترتبط بلا فرق او تمييز بمعالجة تلاؤمية لـ « ما سبق رؤيته » ، معاد إلى الذاكرة مرة ثانية من خلال معنى الوضعية التي كانت خاضعة للحل . هذه التأثيرات المتعلقة بـ « السياق » de contexte ( ، ، ، ) هي التي تخلق موضوعا للتأويل اي بمعنى « التعاقد » ( التعاقد الديداكتيكي ، في التواصل ، في التجربة ، ) أو بتعبير آخر « الموقف الاجتماعي ».
دراسة أثر المتغيرات الاجتماعية فيما يخص تطور المعارف
هذه الآثار الايجابية الخاصة بالفوائد الفردية الناجمة عن التفاعلات الاجتماعية شكلت موضوع دراسة و تحاليل مختلفة : يمكن فهمها بواسطة آلية الصراع السوسيومعرفية le conflit socio-cognitif ، لكن أيضا بواسطة المبادلة للشركاء أثناء تحقيق المهام و بواسطة التأثيرات المزعجة و الغنية للتفاعلات حول فهم المهمة في العموم و كذا الأهداف التي يراد تحقيقها و التمكن من فهم الاجراءات الموصلة إليها ، و حول إجراءات المراقبة ( ، ، ، )
المقتضيات الاربع للتعلم السوسيو – بنائي
• لا صلاحية لتعلم إلا إذا كان مسبوقا بالنمو ( ) : هذا هو المبدأ الاول لتعليم سوسيو – بنائي . إنما التطورات النمائية هي نتيجة لسيرورة تحدث بين لحظتين مبعدتين في الزمن : نتيجة مباشرة لتدبير فردي للعمليات الاجتماعية المنسقة و المثمرة و المعاشة في وضعيات التواصل و التعلم ، و التي تمخضت عن وظائف وجدت في منطقة القرب من النمو Zone proximal de développement ) . بنفس الطريقة لما يتم تطوير تفكيرنا الطبيعي المتكون من تصورات « عفوية » داخلية ، يمكن للتلميذ أن يتعلم ما يعرفه اليوم و يتقدم إلى الأمام ، و ذلك بتطوير تصوراته الحالية يمكن له أن يتعلم و يتقدم . و لهذا، فإن كل وضعية جديدة يجب أن تسمح للطفل بأن يبني على ( أو يحيل إلى ، أو يرتكز على .. ) معارف مكتسبة من قبل في وضعيات متشابهة و متساوقة أو متجاورة ، على الأقل موحية للوضعيات الاجتماعية المؤطرة و المعدلة المعروفة . الشيء الذي سينتج عنه تسهيل التعميم la généralisation أو التحويل le transfert للاجراءات ( او الاستراتيجيات ) التي قد سبق اختبارها و في سياقات مختلفة او متقاربة . يقتضي هذا المبدأ من المدرس مأمورية مزدوجة بطبيعة الحال : تحليل الكفايات التي يريد التحكم فيها ( معارف قبلية أساسية ، مكتسبات قبلية ..) و تحليل للتصورات العفوية « التلقائية » ، الماسبق رؤيته عند الطفل .
• المتغيرات الاجتماعية كجواهر و ذوات تتعايش جنبا إلى جنب مع التطورات البنائية لتشكيل المعرفة المحلية و وسائل التفكير العامة . بل يجب على ميكانيزمات التعلم ان تأخذ بعين الاعتبار تدبير الوضعيات البنائية المتبادلة بمهارة فائقة ( أعمال المجموعات ) ، و الوضعيات المتسمة بالطابع الاجتماعي ( حيث أن مبادئها المختصة بالحل بإمكانها أن ترتبط بالتصويبات الاجتماعية المعرفية على مستوى الدلالة ) ، / او الوضعيات القادرة على تذكر الممارسات الاجتماعية الاحتفالية و الطقوسية ( الأقل او الأكثر استئناسا و ألفة ، لكن الطفل يستطيع إيجاد الحل مستخدما أدوات معرفية فعالة مثل « رسم تخطيطي » . هنا أيضا يتواجد المدرس أمام مأمورية مزدوجة : « الهندسة الديداكتيكية » و « الشغالة المعرفية » ، في إطار نقله الديداكتيكي .
• المقتضى الثالث يعتبر الوسائط الرمزية أمورا أساسية تحدث في منطقة القرب من النمو . « تتحقق عمليات التنشئة socialisation عن طريق اللغة »() إذن للغة وظيفة تنظيمية حاسمة سواء نظر إليها من وجهة إسنادية تخص التلميذ في وضعية تعلمية ، أو من وجهة إنجازية لمعرفيته من أجل اكتساب محدد خاص بالمدرس . و عليه من اللازم على كل وضعية جديدة الارتكاز على المبادلات التفاعلية ( طفل – طفل و / او طفل – مدرس ) لكي تسمح للتلاميذ ببناء معرفتهم الخاصة بهم من خلال التفاوض و التعديلات المتعاقبة . المقصود فعلا هو السماح باكتساب المعارف ، في إطار التعاقد التواصلي الأكثر وضوحا قدر الامكان الذي ينبثق من صميمه هذه الأفعال الكلامية les actes de Langage المتبادلة و التي تولد الانجازات و التحققات المعرفية و من تم التقدم و النمو .
• بناء أدوات التفكير « المفاهيمية » في الوضعية يعتبر المحور الأساسي لتسهيل الاستعمال الآني و لتزويد الجهاز المعرفي بشيمات التفكير النافعة أثناء البحث عن الحلول للمشاكل و التعلمات المستقبلية . ما نريده في الحقيقة هو مساعدة التلاميذ على امتلاك الرموز و الأنظمة الرمزية المبنية و / المستعملة اجتماعيا أثناء المبادلات الوسيطية من طرف المدرس ، بعبارة أخرى أن نعمل على تحويل السيرورات العابرة للافراد إلى سيرورات تنبثق من دواخل الافراد ، او أيضا نجعل بصورة ما أفعال الكلام المتبادلة في التواصل الشفهي التي تحدث بين المدرس و التلميذ / التلاميذ عمليات وظيفية حية و نشطة و فعالة فيما يخص المعالجة المعرفية . لا بد للوضعيات التعلمية أن تجتهد أكثر في تسهيل عملية الاستذكار « النشط » ، مهيأة و منظمة تنطلق من استخدام يقظ و متبصر للرموز و العلامات و أنظمتها اللغوية ، هذا الكل الذي سوف يصبح في دفعة واحدة « أداوت » معرفية فردية و يسمح بجدلية ضمنفردية ، التي هي أصل و منبع التفكير . إذا يجب على المدرس دائما خلق ملفوظات الكلام Illocutoires الميتامعرفية حتى يجعل من وعي المعارف و المهارات شيئا واضحا مثل وضوح النهار . شيء أكثر وضوحا و شفافية ( اللغة الخارجية – موجهة للغير ؛ او الداخلية – لـ الأنا / الذات ) و أن ننجز على قدر استطاعتنا .