تغيير ممارسات المدرس ، المهننة و الموقف التعقلي
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف ، سويسرا
مونيكا كاتير تيرلير ( العدد الأخير )
البعد التعقلي لممارسة موجهة نحو التغيير المستدام
يظهر مما سبق أن الاحترافية ( المهننة ) تنمو و تزداد حينما تفسح عملية تنفيد التعليمات المجال للاستراتيجيات الموجهة من طرف الأهداف ، من طرف مشروع – جماعيا إذا كان ذلك ممكنا - و أخلاق . وبعبارة أخرى ، عندما نقبل ، في مهنة ما ، على أن نكون في مواجهة مشاكل معقدة ومتنوعة والتي تظل حلولها غير معروفة مسبقا . أمام مشاكل بحيث نكون في كثير من الأحيان نتلمس الارتجال ، وابتكار الأجوبة التي ما كنا نفكر فيها قبل هذه اللحظة ، وغيرها من تلك الأجوبة التي كنا ربما نقدمها و نحن " مرتاحين " من دون التعرض لحالة الطوارئ ومشكلة معطاة (Perrenoud، 2001) ، و بالأخص نقبل ، علاوة على ذلك ، إخضاع هذه الممارسة باستمرار لتفكير انعكاسي بأثر رجعي ، و جماعي إن كان ذلك ممكنا .
لأن هذه الأخيرة غالبا ما تكون السبيل الوحيد لإبراز التمثلات المتباعدة لتجربة معاشة ، أي " التنافرات " التي تزعج ، و تعترض، و تسائل ، و تهز اليقين و، في حال تحسن الأمور، تساهم في بناء المعرفة اللازمة للابتكار ( كابتنسو و كاتير تيلرلر) من أجل تطوير الممارسة إلى :
- ربط التعقل بالمعارف استنادا على أساس ثقافي متين للديداكتيك والعلوم الاجتماعية ؛
- تعبئة " مهارة التحليل " التي تجيز ، في تدفق الأحداث ، عزل البيانات المهمة و دراستها ؛
- الانتقال في كثير من الأحيان من العمل الفردي والجماعي في حالة الاستعجال ، و في اتجاه نحو إنجاحه ، إلى تفكير تعقلي في أعقاب ذلك ، مركزين اكثر على القراءة الصحيحة للتجربة و تحويلها إلى معارف .
هذه الأبعاد الايبستيمولوجية (Altet 2000 Perrenoud و 2001 و 2004، شون، 1994) لا يجب مع ذلك أن تجعلنا ننسى أن الممارسة التعقلية (التأملية ) تتجذر قبل كل شيء ، في وضعة posture ، تنغرس في علاقة مع العالم ، و المعرفة ، و التعقيد ، و في هوية مهنية . بالتأكيد ، بدون معرفة ، و بدون مناهج ، و بدون مهارات ، فإن التعقل لن يذهب بعيدا جدا . ولكن لا أحد يمكن أن يطور مثل هذه الأدوات إن لم يكن أولا لديه الرغبة في فهم ما يجري في عمله ، والقوة في رفض الحتمية ، والشجاعة لمواجهة تناقضاته الوجدانية فضلا عن ممانعات الآخرين .
لأنه غير مريح أن تكون انعكاسيا متعقلا . يريد التفكير التعقلي أن يكون جزءا من المشكلة ، يتحمل مسؤولياته ، يضع استراتيجيات بديلة للانخراط في التغيير . أمام تلاميذ لا يفهمون شيئا ، قسم لم ينجح في إيجاد أجواء ملائمة للعمل ، يتساءل الممارس المتعقل عما إذا كان متفهما ، عما إذا فهم جيدا احتياجات التلاميذ ، هل قام ببناء علاقة سليمة ، هل نظر في جميع الافتراضات المهمة ذات الصلة وجميع الطرائق الممكنة . إنه لا يقول أنه لا يوجد شيء للتعامل مع مثل هذه النقائص ( " إنهم لا يملكون الضروريات الأساسية ! " " تنقصهم الحافزية ! "، " لا يوجد دعم من طرف الآباء ! ") و لكنه مصمم على الالتفاف حول العقبة ، و البحث عن حلول جديدة ، في محاولات عديدة و متكررة ، أن يستمر في البحث عن مناهج وحلول جديدة . فالمقصود من هذا ليس فقط نشاطا ذهنيا يكلف بحق الطاقة ويعرقل الحياة الخاصة . ولكنه الالتزام المستمر ، المثابرة والثبات في الرغبة في " إحداث الفارق "، هو إلتزام لا يخلو من المخاطرة و أن الممارس يتقبله ويوافق عليه بسهولة كبيرة و خاصة إذا كان سياق عمله لا يعزز إجراءاته الدفاعية ( أرجيريس، 1995؛ Perrenoud، 1996)
البحث المستمر عن حلول يقتضي أيضا ، كما رأينا ، مواجهات مع الآخرين ، أولئك الذين يرون الأشياء بشكل مختلف و لا يريدون أن يشعروا بالذنب أو مجندين . لكي لا يكون التفكير مصدر ألم أو ضيق ، لكن تطوير مهني و تحكم في الواقع ، فمن المؤكد أن يعثر أصحاب المصلحة على حسابهم أكثر بصورة أنانية ، وذلك لأن التفكير يقدم المعنى ، و الملح و القيمة المهنية للحياة و يساهم في منع التبسيط المهني . الموقف التعقلي ينهض إذن على هوية الشخص ، و كذلك على ظروف العمل ، متلائمة مع التفكير و التأمل إلى حد ما ، و أيضا على سيرورة المهننة ( الاحترافية في شموليتها ) ، الذي هو في ذات الوقت ( أي الموقف التعقلي ) المحرك و الناتج لذلك .
و الممارسة التعقلية الخاصة بالمكونين؟
" افعل كما أقول لك وليس كما أفعل " : من يجرؤ الاعتقاد في مفاعيل التكوين الناجمة عن مثل هذا الموقف ؟ في الوقت نفسه ، نجد أن بنية مؤسسات التكوين للمعلمين لا تسهل ممارسة تعقلية ثابتة . إن تقسيم العمل المفرط ، والجدول الزمني ، وفردانية معززة عن طريق أنماط مهنية في الاعمال الإدارية ، وسيادة الاختلافات الايبستيمولوجية والنظرية كل هذا ليس سوى عدد قليل من العناصر وغيرها التي تدل على أن فرصا قليلة كتجربة تعطى للطلاب خلال تكويناتهم ، وهذا ما نطلبه منهم مع ذلك حتى الآن . و من المفارقات أن الممارسات التعقلية الأكثر إقناعا تجري ضمن فرق الابحاث ، وهي الأقل حضورية عند الطلاب .
عندما يكون هناك فرق تكوينية حقيقية ، فإن الحياء أوالتواضع يمنع المكونين من إعلان ذلك كمثال يحتدى ، و إظهار الطريقة التي بها يخضعون ممارساتهم للمساءلة الدائمة لتشجيع الطلاب على تحديد الجوانب الإيجابية والصعوبات لهذا النوع من النهج . الطلاب ليسوا أعمياء ، فردانية المكونين لا تمر هكذا مرور الكرام ، ولا التناقض الحاصل بين ممارساتهم وخطاباتهم . ومع ذلك ، نادرا ما تكون انتقاداتهم دقيقة بما فيه الكفاية للتغلب على الحس السليم و وضع المكونين في قلب تناقضاتهم . هؤلاء المكونين ، ما عدا إن أرغمتهم فضيلتهم أو نضالهم ، فهم يتبعون منطق المؤسسة . نلمس هنا رهانا جوهريا : إذا كان المكونون يستهدفون وضع الممارسة التعقلية في خدمة تغيير ممارسات المدرس ، فمن المستحسن أن يتعلموا كيف يشتغلون أنفسهم بشكل مغاير في نفس السجل ... وكذا في عدد قليل من الميادين الاخرى .
لو أن معظم النظم التربوية ومؤسسات التكوين يدافعون اليوم على الاحترافية و البعد التعقلي للممارسة في آن واحد ، فإن ترجمة أعمالهم من حيث استراتيجيات التنفيذ ، والهياكل ، و دفاتر التحملات ، و برامج التكوين الأولي و المستمر ليست مضمونة بالضرورة . أو إذن ، فإنها تقتصر على شكل تعويذة سياسية عامة مرفوقة ببعض آليات التدبير و التكوين ، و بعض الاجراءات التي يجري اتخاذها في معنى المحاسبة المؤسساتية ( امتحانات موحدة ، و تحرير خطة العمل والتقارير السنوية من قبل المدارس، الخ . ) بل حلقات دراسية لتحليل الممارسات من طرف مؤسسات التكوين ستكون كافية حقا لضمان الانتقال إلى براديغـم تعقلي ( انعكاسي ) . و الحال ، في مواجه متطلبات الاحترافية لحرف التعليم ، فإننا لا نزال حاليا بعيدين عن الاحاطة بالآليات المأمولة حقا .
Monica GATHER THURLER
Faculté de psychologie et des sciences de l’éducation
Université de Genève, Suisse
كلية علم النفس و علوم التربية
جامعة جينيف ، سويسرا
مونيكا كاتير تيرلير ( العدد الأخير )
البعد التعقلي لممارسة موجهة نحو التغيير المستدام
يظهر مما سبق أن الاحترافية ( المهننة ) تنمو و تزداد حينما تفسح عملية تنفيد التعليمات المجال للاستراتيجيات الموجهة من طرف الأهداف ، من طرف مشروع – جماعيا إذا كان ذلك ممكنا - و أخلاق . وبعبارة أخرى ، عندما نقبل ، في مهنة ما ، على أن نكون في مواجهة مشاكل معقدة ومتنوعة والتي تظل حلولها غير معروفة مسبقا . أمام مشاكل بحيث نكون في كثير من الأحيان نتلمس الارتجال ، وابتكار الأجوبة التي ما كنا نفكر فيها قبل هذه اللحظة ، وغيرها من تلك الأجوبة التي كنا ربما نقدمها و نحن " مرتاحين " من دون التعرض لحالة الطوارئ ومشكلة معطاة (Perrenoud، 2001) ، و بالأخص نقبل ، علاوة على ذلك ، إخضاع هذه الممارسة باستمرار لتفكير انعكاسي بأثر رجعي ، و جماعي إن كان ذلك ممكنا .
لأن هذه الأخيرة غالبا ما تكون السبيل الوحيد لإبراز التمثلات المتباعدة لتجربة معاشة ، أي " التنافرات " التي تزعج ، و تعترض، و تسائل ، و تهز اليقين و، في حال تحسن الأمور، تساهم في بناء المعرفة اللازمة للابتكار ( كابتنسو و كاتير تيلرلر) من أجل تطوير الممارسة إلى :
- ربط التعقل بالمعارف استنادا على أساس ثقافي متين للديداكتيك والعلوم الاجتماعية ؛
- تعبئة " مهارة التحليل " التي تجيز ، في تدفق الأحداث ، عزل البيانات المهمة و دراستها ؛
- الانتقال في كثير من الأحيان من العمل الفردي والجماعي في حالة الاستعجال ، و في اتجاه نحو إنجاحه ، إلى تفكير تعقلي في أعقاب ذلك ، مركزين اكثر على القراءة الصحيحة للتجربة و تحويلها إلى معارف .
هذه الأبعاد الايبستيمولوجية (Altet 2000 Perrenoud و 2001 و 2004، شون، 1994) لا يجب مع ذلك أن تجعلنا ننسى أن الممارسة التعقلية (التأملية ) تتجذر قبل كل شيء ، في وضعة posture ، تنغرس في علاقة مع العالم ، و المعرفة ، و التعقيد ، و في هوية مهنية . بالتأكيد ، بدون معرفة ، و بدون مناهج ، و بدون مهارات ، فإن التعقل لن يذهب بعيدا جدا . ولكن لا أحد يمكن أن يطور مثل هذه الأدوات إن لم يكن أولا لديه الرغبة في فهم ما يجري في عمله ، والقوة في رفض الحتمية ، والشجاعة لمواجهة تناقضاته الوجدانية فضلا عن ممانعات الآخرين .
لأنه غير مريح أن تكون انعكاسيا متعقلا . يريد التفكير التعقلي أن يكون جزءا من المشكلة ، يتحمل مسؤولياته ، يضع استراتيجيات بديلة للانخراط في التغيير . أمام تلاميذ لا يفهمون شيئا ، قسم لم ينجح في إيجاد أجواء ملائمة للعمل ، يتساءل الممارس المتعقل عما إذا كان متفهما ، عما إذا فهم جيدا احتياجات التلاميذ ، هل قام ببناء علاقة سليمة ، هل نظر في جميع الافتراضات المهمة ذات الصلة وجميع الطرائق الممكنة . إنه لا يقول أنه لا يوجد شيء للتعامل مع مثل هذه النقائص ( " إنهم لا يملكون الضروريات الأساسية ! " " تنقصهم الحافزية ! "، " لا يوجد دعم من طرف الآباء ! ") و لكنه مصمم على الالتفاف حول العقبة ، و البحث عن حلول جديدة ، في محاولات عديدة و متكررة ، أن يستمر في البحث عن مناهج وحلول جديدة . فالمقصود من هذا ليس فقط نشاطا ذهنيا يكلف بحق الطاقة ويعرقل الحياة الخاصة . ولكنه الالتزام المستمر ، المثابرة والثبات في الرغبة في " إحداث الفارق "، هو إلتزام لا يخلو من المخاطرة و أن الممارس يتقبله ويوافق عليه بسهولة كبيرة و خاصة إذا كان سياق عمله لا يعزز إجراءاته الدفاعية ( أرجيريس، 1995؛ Perrenoud، 1996)
البحث المستمر عن حلول يقتضي أيضا ، كما رأينا ، مواجهات مع الآخرين ، أولئك الذين يرون الأشياء بشكل مختلف و لا يريدون أن يشعروا بالذنب أو مجندين . لكي لا يكون التفكير مصدر ألم أو ضيق ، لكن تطوير مهني و تحكم في الواقع ، فمن المؤكد أن يعثر أصحاب المصلحة على حسابهم أكثر بصورة أنانية ، وذلك لأن التفكير يقدم المعنى ، و الملح و القيمة المهنية للحياة و يساهم في منع التبسيط المهني . الموقف التعقلي ينهض إذن على هوية الشخص ، و كذلك على ظروف العمل ، متلائمة مع التفكير و التأمل إلى حد ما ، و أيضا على سيرورة المهننة ( الاحترافية في شموليتها ) ، الذي هو في ذات الوقت ( أي الموقف التعقلي ) المحرك و الناتج لذلك .
و الممارسة التعقلية الخاصة بالمكونين؟
" افعل كما أقول لك وليس كما أفعل " : من يجرؤ الاعتقاد في مفاعيل التكوين الناجمة عن مثل هذا الموقف ؟ في الوقت نفسه ، نجد أن بنية مؤسسات التكوين للمعلمين لا تسهل ممارسة تعقلية ثابتة . إن تقسيم العمل المفرط ، والجدول الزمني ، وفردانية معززة عن طريق أنماط مهنية في الاعمال الإدارية ، وسيادة الاختلافات الايبستيمولوجية والنظرية كل هذا ليس سوى عدد قليل من العناصر وغيرها التي تدل على أن فرصا قليلة كتجربة تعطى للطلاب خلال تكويناتهم ، وهذا ما نطلبه منهم مع ذلك حتى الآن . و من المفارقات أن الممارسات التعقلية الأكثر إقناعا تجري ضمن فرق الابحاث ، وهي الأقل حضورية عند الطلاب .
عندما يكون هناك فرق تكوينية حقيقية ، فإن الحياء أوالتواضع يمنع المكونين من إعلان ذلك كمثال يحتدى ، و إظهار الطريقة التي بها يخضعون ممارساتهم للمساءلة الدائمة لتشجيع الطلاب على تحديد الجوانب الإيجابية والصعوبات لهذا النوع من النهج . الطلاب ليسوا أعمياء ، فردانية المكونين لا تمر هكذا مرور الكرام ، ولا التناقض الحاصل بين ممارساتهم وخطاباتهم . ومع ذلك ، نادرا ما تكون انتقاداتهم دقيقة بما فيه الكفاية للتغلب على الحس السليم و وضع المكونين في قلب تناقضاتهم . هؤلاء المكونين ، ما عدا إن أرغمتهم فضيلتهم أو نضالهم ، فهم يتبعون منطق المؤسسة . نلمس هنا رهانا جوهريا : إذا كان المكونون يستهدفون وضع الممارسة التعقلية في خدمة تغيير ممارسات المدرس ، فمن المستحسن أن يتعلموا كيف يشتغلون أنفسهم بشكل مغاير في نفس السجل ... وكذا في عدد قليل من الميادين الاخرى .
لو أن معظم النظم التربوية ومؤسسات التكوين يدافعون اليوم على الاحترافية و البعد التعقلي للممارسة في آن واحد ، فإن ترجمة أعمالهم من حيث استراتيجيات التنفيذ ، والهياكل ، و دفاتر التحملات ، و برامج التكوين الأولي و المستمر ليست مضمونة بالضرورة . أو إذن ، فإنها تقتصر على شكل تعويذة سياسية عامة مرفوقة ببعض آليات التدبير و التكوين ، و بعض الاجراءات التي يجري اتخاذها في معنى المحاسبة المؤسساتية ( امتحانات موحدة ، و تحرير خطة العمل والتقارير السنوية من قبل المدارس، الخ . ) بل حلقات دراسية لتحليل الممارسات من طرف مؤسسات التكوين ستكون كافية حقا لضمان الانتقال إلى براديغـم تعقلي ( انعكاسي ) . و الحال ، في مواجه متطلبات الاحترافية لحرف التعليم ، فإننا لا نزال حاليا بعيدين عن الاحاطة بالآليات المأمولة حقا .
Monica GATHER THURLER
Faculté de psychologie et des sciences de l’éducation
Université de Genève, Suisse