لقد تزامن « تعديل الدستور الجديد » مع « التقويم الجديد للتعلمات » . و هذا من شأنه ان يزيدنا قوة إضافية للقضاء نسبيا على « الموروثات » و الصور التقليدية و التمثلات الخاطئة التي لزمتنا ردحا من الزمن غير يسير بذاكرتنا .. ليس من السهل القضاء على هذا القديم و البالي في دفعة واحدة و لا يمكن التعامل مع هذا التفكير الأسطوري التنميطي و المدجن بنوع من الهزل أو الاستخفاف إذ سرعان ما يعاود للظهور من جديد وهو يشل حركتنا في المقاومة و الابداع كما يخنق هوامش حريتنا في الفعل و التصرف . إن ترك الأمور هكذا إلى أجل غير مسمى حتى « تنضج » الامور كما يقال يعد نقصا من النقائص خاصة في هذا الزمان المتصف بالتطور السريع و الجري نحو بناء المستقبل . هذا إنما يمثل عيبا و تقصيرا في أداء الواجبات وهو ضياع للجهد و الوقت في انتظار الغد القريب أو في انتظار فرصة قد تأتي او لا تأتي . وهو أيضا سلوك غير مقبول لأنه تعطيل للمصلحة العامة و الآنية فلا يمكن أن يصدر مثل هذا السلوك في نهاية الأمر من رجل آمن برسالة التربية و ما يرافقها من مهام جليلة و تضحيات جسام و اتخاذ قرارت مصيرية و فورية لصالح المجتمع و الافراد سواء.
قد يبدو حقا لأول وهلة أنني شددت الحبل و دفعت بالمتلقي دفعا نحو ابتغاء القصد .. بالارشاد المعهود بي بدون برتوكول أو أوراق رسمية ؛ لكن لا بأس مادم القصد هنا شريفا و النقاش حرا و الاخذ بزمام الامور تحت غطاء مبدإ جادلهم بالتي هي أحسن . قواعد لا بد من تثبيتها و الاخذ بها إذا أردنا فعلا السير بخطى ثابتة في ميدان لا يعرف للركود معنى و للجهل اسما و للراحة ذوقا و للاستخفاف ملاذا و للانتظار ساعة .. ولنا في الآونة الاخيرة لعبرة في « بيداغوجية الادماج » و مدى التخبط الحاصل في الساحة .. في آخر الساعة .. !!
قد يقال لا بأس من ذلك و الخطأ كمثل الصواب لا يغني و لا يسمن من جوع في عالم « الحساب » أو إعداد ميزانية البيت او حساب رساميل لأكبر البنوك العالمية.. فنعيد الكرة مرة أخرى مع أقل الضررين أو التعلم بالمحاولات و الخطأ فهذا أمره مشروع يعلمه الجميع . لكن العيب كل العيب هو التمادي في الأسلوب الاعوج العقيم وليس المسك الاخير او حصر النتائج مهما كانت هذه النتائج مخيبة للآمال . و لعل ما يحدث الآن من جمع « للمعدلات السنوية » بمختلف الأطياف للتلاميذ من ممتازين و متوسطين و ضعاف و آخرين مصنفين و غير مصنفين ، يعد سابقة في حياة المدرسة و القائمين على أمرها إن حقا كنا نؤمن بالتصنيف و فعاليته ! . بالفعل ، هناك من اتخذ جميع التدابير و السبل الممكنة متسلحا بالقناعات البيداغوجية لتفعيل « المذكرة » التنظيمية للتقويم ؛ و هناك من اعتبرها فقط حدثا طارئا في حياة النظام و من تم ستنسى و ترمى في مزبلة الادارة كسابقاتها ؛ و هناك من تمسك بروحها و صدقيتها و خانته ، في اللحظات الحاسمة ، قدراته التنظيرية و التعقلية بغية ترجمة فحوى المذكرات و الدوريات القانونية إلى نقط ملموسة تعبر عن القصد البيداغوجي المتوخى من « فلسفة الادماج » و ما شابه ذلك من أهداف وقيم إنسانية ، بيداغوجية و منهاجية متحضرة. و هناك من لا يزال ينتظر تلمس بعض الخيوط الرقيقة لبيداغوجية " الادماج " التي صبت غضبها على كل من أنكر حقها في تعقب « الخارجين عن القانون » و آخرون مذبذبين بين هذا و ذاك ..
إن تفسير هذا الاضطراب و الخلط و التخبط المحدث هنا و الحالة غير المألوفة و الصعبة إلى درجة الاحباط و « الغليان » لدى المدرسات و المدرسين و هم يتعقبون التلاميذ واحدا واحدا بين « السطور و الخانات » و الجداول المعدة سلفا و المسطرة بكل احترافية تنم عن حذق ألي لا مثيل له ، إنما هي بمثابة طلاسم لا يمكن فكها بسهولة بدون قراءة متحكمة في فقة الكلام ؛ تبحث لكل واحد من التلاميذ على باب يستوقفه ومكان يليق به ليوم الحساب . في الحقيقة ، لا ندري ما الغاية من « التصنيف » المعلن و لكن لا نشك أبدا في يوم الحساب .. وهكذا يبقى الادماج مرهونا بالاردات السياسية التعليمية و التعلمية للبلاد فهو الآن معلق بين الأرض و السماء ، مرة يصطدم بالواقع المر و بالاخفاقات المريرة و التعسفية من جانب التلاميذ الضعاف الذين لا يقدرون على التفكير في « مواردهم » السنوية فبالاحرى « تجميعها و موبلتها » لحل مسألة معقدة ؛ و مرة اخرى يسمو بالتلميذ نحو الآفاق البعيدة و الرحبة مستنطقا ما هو مبهم و مليئ بالأسرار و متلذذا بالأشياء و بالموضوعات بكل ذكاء لا شك فيه . فبالرغم من ان الادماج لا يمثل في واقع الامر إلا نسبة ضئيلة جدا ( ثمانية أسابيع ) مقارنة مع اربعة و عشرون اسبوعا ( 24 ) من الدرس الاستعراضي و الحديث الفصيح و الامثلة البليغة ،الخ ؛ فإن للادماج قوة تحكيمية لا يمكن نكرانها بسهولة ، وله سلطة تقريرية في مصير التلميذ المتحكم و غير المتحكم في الكفايات المراد تنميتها.
بالطبع ، لكل أستاذة أو استاذ تجربته المهنية و الشخصية في هذا الباب حسب قناعاته التربوية و البيداغوجية . لكن الغائب الاكبر مع الأسف الشديد هو « التأطير » الجيد و المواكبة الفعلية لتفعيل بنود مذكرة تقويم الكفايات على سبيل المثال ، إذ لا يعقل تشويه او مسخ او إتلاف « مجهوذات » التلاميذ بسبب تقاعس المسؤولين وعدم رؤيتهم الواضحة ، الثاقبة و المنصفة لقوانين « اللعبة » . على كل حال ، لقد حدث مثل هذا ( التأطير ) في مؤسستنا لكنه لم يكن في المستوى المطلوب لعدة أسباب و أذكر من بينها : غياب تفعيل المجالس التعليمية و التربوية ، التنسيق المحكم بين الادارة و الاطر العاملة فيما يخص اتخاذ القرارات المناسبة في الآجال المناسبة ، الاطلاع على النتائج الجزئية للمراقبة المستمرة ، إحداث بنك للمعلومات ، تقديم دروس نموذجية ،الخ. في هذا الصدد ، لقد تم إبلاغ اللجنة التفقدية المتكونة من ثلاثة مفتشين أثناء المرحلة الرابعة الأخيرة من الادماج التي حلت بمدرستنا يوم خميس الاسبوع الأول ما مفاده أن : قضية « الطلبة » و « الشيخات » و التناوب بينهم بشكل تعسفي لامنهاجي يخدش « حياء الوضعية » و يقطع صلة الرحم بين الوضعيات الادماجية المتكافئة ؛ فلا نكاد نستوعب ما جادت به قريحة « الطلبة » من قراءة و حكمة و خشوع حتى نفاجأ بنوع اخر من الطرب و الغناء و الرقص المباح من طرف " الشيخات " .. طبعا بدون جمهور ! في انتظار الأسبوع المقبل الخاص بالحفل الكبير وبتوزيع الجوائز على الفائزين : كل فرقة على حدة !؟
إنني كنت حريصا أشد الحرص على عدم خلط الاوراق و إعطاء لكل « فرقة » دورها الكامل بدون نقص او انتقاص . او بتعبير أخر ، تدوم « الوضعية الكتابية » او أية وضعية كيفما كانت نوعيتها و طبيعتها أسبوعا كاملا بالتمام بحيث نقسم الاسبوع على نصفين : يخصص النصف الاول لإنماء الكفاية المستهدفة مستغلين مفهوم « تعلم و تكوين الادماج » ، و في النصف المتبقى نقوم مباشرة بعملية الاشهاد أو « التقويم » . و هكذا يتم إخراج « الطلبة » من حلبة السباق مبكرا و ننتظر « الشيخات » في الحلقة المقبلة .. فلا تناوب او خلط في الأدوار .. حفاظا على « كرامة » المنهاج و وحدته العضوية و انسجاما مع السيكولوجية . من بين 32 تلميذة و تلميذ ، تم إدراج 18 فردا متحكما في اللغة العربية / كفاية صنف " أ " / خانة « فئـة أ- 1 » و هذا يشكل ربحا مؤكدا و نتيجة سارة جدا و لا سيما ان الروائز السابقة بذات المستوى نتائجها كانت دون المستوى بكثير بعلم الجميع ( تقرير بمقاطعة التفتيش ) . الباقون ، وعددهم 12 تلميذا لم يحصلوا على « المعدل » المطلوب فهم إذا خارج « التغطية » بسبب افتقادهم للمبادئ الاساسية للتعلم : فلم يكن الادماج ، ذات يوم ، عونا لهم و لا فرصة ثانية لتعلم جديد مهما كان الامر ، باب من المستحيل . هنا مرة اخرى ، نسجل انه لا بد من تفعيل ميكانيزمات الدعم المخصصة لهؤلاء التلاميذ «الخارجين» عن التغطية و إلا فإن مصيرهم مسجل في كتاب لا يعلمه إلا الله .
إن مدخل البيداغوجية الفارقية تنهض أساسا على « تصنيف التلاميذ » و على تحضير العدة البيداغوجية المناسبة لكل فئة مستهدفة بالتحديد . فلا داعي على الاقل استهلاك المزيد من الوقت و الجهد و الترقب للتعرف على هؤلاء المعطوبين في بداية السنة المقبلة ، رغم ان هذه العملية لا تتطلب من المدرس المحنك سوى بعض الساعات ؛ لكن لا احد يعرف مسبقا ما تود تروم إليه عملية التصنيف هاته . و الاخطر من ذلك هو عدم التصنيف أصلا . و من المعروف أن لا وجود لتعلم بدون هذه الرغبة الملحة في التصنيف و التطبيع و التقطيع و رسم للحدود . لكن مرة أخرى ، نطرح السؤال : من هو المستفيد الاكبر من الادماج ؟ للاجابة عن هذا السؤال نقول هم التلاميذ الأقوياء الذين لم تدون في سجلهم المدرسي أية خروقات . الذين يستعملون لغة متطورة بعض الشيء و يتقنون لعبة مجتمعية متعارف عليها و لديهم حس استباقي و حدس عملياتي و قدرات ذهنية عليا . أما دون ذلك فهو التيه في حدوده المعقولة و بناء العمليات الاولى او الشيمات الضرورية للتعلم الذي يقتضي التدرج و التبسيط و التكرارية و الترييض و التدعيم الخ . إن مفهوم « الوضعية » بشكل عام هو مفهوم جديد بالنسبة للمعلم و المتعلم على حد سواء . أما رهان الوضعية فإنه يمثل أكبر تحد للنجاح او الفشل في حل الوضعية . أما الوضعيات الأولى و الثانية المبرمجة في التخطيط في بداية السنة فإنها كافية للتدرب على « تعلم الادماج » ليس على غرار « تعلم الدروس ». إذا كان الدرس يتم من الخارج ، بوساطة التلقين و التدجين؛ فإن « الادماج » يسلك مسلكا مغايرا تماما إذ يعد سيرورة تطورية و تجربة شخصية و وجودية بالمعنى الفلسفي للكلمة .
ولهذا السبب ، يمكن أن نصف الادماج تقريبا على أنه يشبه " الدمى الروسية " : مجموعة من الدمى المتشابهة شكلا و المختلفة نسبيا في المضمون و اللون و الحجم و الأبعاد بحيث لا نشاهد أمامنا إلا « دمية » واحدة – في حالتنا : كفاية المرحلة 4 أو الفرض المحلي النهائي و الاقليمي – أما باقي الدمى الأخرى فيجب استخراجها من باطن الدمية – الأم الموجودة أمامنا . و لذلك من المبدأ و الصواب البدء من حيث تنتهي « سيرورة الادماج » أي نعمل على تتويج الفائز أولا ، ثم ننظر في باقي المتبارين كلا حسب قدرته . اما شبح « المعدل السنوي » فيجب القضاء عليه لأنه يعد أحد المورثات التي تشكل عائقا كبيرا في وجه التلاميذ و احتسابه في ظل هذه الظروف هو بمثابة خرق سافر للتعليمات الواردة في مذكرة 204 . نحن امام التقويم المحكي ، أمام استخدام جملة من القواعد و الترتيبات غير المعهودة و المتطورة في المنهجيات و علوم التربية . و بهذه الكيفية غير المقصودة ، شمر جميع الاساتذة للأمر يبحثون عن " الشبح السنوي" كأنه عربونا لا مناص منه لتعلمات التلاميذ ؛ بيد أن المذكرة تنص بالحرف الواحد على انه يكفي فقط « العتبة » فاختلط الحابل بالنابل و ما ينفع الكبد يضر بالطحال . إضافة إلى ذلك ، لا يستوي أصحاب « الموارد » و أصحاب « الكفايات » . فأصحاب الكفايات هم في عليين ، في جنات النعيم فرحين بما لديهم من « عتبة » و «تحكم » مؤهلين لمتابعة سلكهم الدراسي المقبل بدون مشاكل .
قبل النهاية ، أود إثارة قضية شائكة بعض الشيء تخص « توزيع نتائج تقويم التحصيل الدراسي » le bulletin scolaire . بما أننا نتواجد لأول مرة أمام « خمس مجموعات » من التلاميذ بعتبة واحدة من جانب و بثلاثة معدلات من جانب أخر ، ليكن الحاصل النهائي لكل المجموعات هو : 5 على 10 ( على سبيل الاحتمال ) . كيف يمكن إقناع التلميذ و ذويه على ان 5 على 10 لا تمثل أي شيء في خانة [ ب – 2 ] مقارنة مع 5 على 10 في الخانة المقابلة [ أ – 1 ] ..!؟ بعبارة اخرى ، كيف يمكن طرد " الشبح " ؟ بأي تعويذة أو جدول مطلسم نستخدمه لإبعاد روحه الشريرة الجاثمة على الصدور الضيقة ؟
قد يبدو حقا لأول وهلة أنني شددت الحبل و دفعت بالمتلقي دفعا نحو ابتغاء القصد .. بالارشاد المعهود بي بدون برتوكول أو أوراق رسمية ؛ لكن لا بأس مادم القصد هنا شريفا و النقاش حرا و الاخذ بزمام الامور تحت غطاء مبدإ جادلهم بالتي هي أحسن . قواعد لا بد من تثبيتها و الاخذ بها إذا أردنا فعلا السير بخطى ثابتة في ميدان لا يعرف للركود معنى و للجهل اسما و للراحة ذوقا و للاستخفاف ملاذا و للانتظار ساعة .. ولنا في الآونة الاخيرة لعبرة في « بيداغوجية الادماج » و مدى التخبط الحاصل في الساحة .. في آخر الساعة .. !!
قد يقال لا بأس من ذلك و الخطأ كمثل الصواب لا يغني و لا يسمن من جوع في عالم « الحساب » أو إعداد ميزانية البيت او حساب رساميل لأكبر البنوك العالمية.. فنعيد الكرة مرة أخرى مع أقل الضررين أو التعلم بالمحاولات و الخطأ فهذا أمره مشروع يعلمه الجميع . لكن العيب كل العيب هو التمادي في الأسلوب الاعوج العقيم وليس المسك الاخير او حصر النتائج مهما كانت هذه النتائج مخيبة للآمال . و لعل ما يحدث الآن من جمع « للمعدلات السنوية » بمختلف الأطياف للتلاميذ من ممتازين و متوسطين و ضعاف و آخرين مصنفين و غير مصنفين ، يعد سابقة في حياة المدرسة و القائمين على أمرها إن حقا كنا نؤمن بالتصنيف و فعاليته ! . بالفعل ، هناك من اتخذ جميع التدابير و السبل الممكنة متسلحا بالقناعات البيداغوجية لتفعيل « المذكرة » التنظيمية للتقويم ؛ و هناك من اعتبرها فقط حدثا طارئا في حياة النظام و من تم ستنسى و ترمى في مزبلة الادارة كسابقاتها ؛ و هناك من تمسك بروحها و صدقيتها و خانته ، في اللحظات الحاسمة ، قدراته التنظيرية و التعقلية بغية ترجمة فحوى المذكرات و الدوريات القانونية إلى نقط ملموسة تعبر عن القصد البيداغوجي المتوخى من « فلسفة الادماج » و ما شابه ذلك من أهداف وقيم إنسانية ، بيداغوجية و منهاجية متحضرة. و هناك من لا يزال ينتظر تلمس بعض الخيوط الرقيقة لبيداغوجية " الادماج " التي صبت غضبها على كل من أنكر حقها في تعقب « الخارجين عن القانون » و آخرون مذبذبين بين هذا و ذاك ..
إن تفسير هذا الاضطراب و الخلط و التخبط المحدث هنا و الحالة غير المألوفة و الصعبة إلى درجة الاحباط و « الغليان » لدى المدرسات و المدرسين و هم يتعقبون التلاميذ واحدا واحدا بين « السطور و الخانات » و الجداول المعدة سلفا و المسطرة بكل احترافية تنم عن حذق ألي لا مثيل له ، إنما هي بمثابة طلاسم لا يمكن فكها بسهولة بدون قراءة متحكمة في فقة الكلام ؛ تبحث لكل واحد من التلاميذ على باب يستوقفه ومكان يليق به ليوم الحساب . في الحقيقة ، لا ندري ما الغاية من « التصنيف » المعلن و لكن لا نشك أبدا في يوم الحساب .. وهكذا يبقى الادماج مرهونا بالاردات السياسية التعليمية و التعلمية للبلاد فهو الآن معلق بين الأرض و السماء ، مرة يصطدم بالواقع المر و بالاخفاقات المريرة و التعسفية من جانب التلاميذ الضعاف الذين لا يقدرون على التفكير في « مواردهم » السنوية فبالاحرى « تجميعها و موبلتها » لحل مسألة معقدة ؛ و مرة اخرى يسمو بالتلميذ نحو الآفاق البعيدة و الرحبة مستنطقا ما هو مبهم و مليئ بالأسرار و متلذذا بالأشياء و بالموضوعات بكل ذكاء لا شك فيه . فبالرغم من ان الادماج لا يمثل في واقع الامر إلا نسبة ضئيلة جدا ( ثمانية أسابيع ) مقارنة مع اربعة و عشرون اسبوعا ( 24 ) من الدرس الاستعراضي و الحديث الفصيح و الامثلة البليغة ،الخ ؛ فإن للادماج قوة تحكيمية لا يمكن نكرانها بسهولة ، وله سلطة تقريرية في مصير التلميذ المتحكم و غير المتحكم في الكفايات المراد تنميتها.
بالطبع ، لكل أستاذة أو استاذ تجربته المهنية و الشخصية في هذا الباب حسب قناعاته التربوية و البيداغوجية . لكن الغائب الاكبر مع الأسف الشديد هو « التأطير » الجيد و المواكبة الفعلية لتفعيل بنود مذكرة تقويم الكفايات على سبيل المثال ، إذ لا يعقل تشويه او مسخ او إتلاف « مجهوذات » التلاميذ بسبب تقاعس المسؤولين وعدم رؤيتهم الواضحة ، الثاقبة و المنصفة لقوانين « اللعبة » . على كل حال ، لقد حدث مثل هذا ( التأطير ) في مؤسستنا لكنه لم يكن في المستوى المطلوب لعدة أسباب و أذكر من بينها : غياب تفعيل المجالس التعليمية و التربوية ، التنسيق المحكم بين الادارة و الاطر العاملة فيما يخص اتخاذ القرارات المناسبة في الآجال المناسبة ، الاطلاع على النتائج الجزئية للمراقبة المستمرة ، إحداث بنك للمعلومات ، تقديم دروس نموذجية ،الخ. في هذا الصدد ، لقد تم إبلاغ اللجنة التفقدية المتكونة من ثلاثة مفتشين أثناء المرحلة الرابعة الأخيرة من الادماج التي حلت بمدرستنا يوم خميس الاسبوع الأول ما مفاده أن : قضية « الطلبة » و « الشيخات » و التناوب بينهم بشكل تعسفي لامنهاجي يخدش « حياء الوضعية » و يقطع صلة الرحم بين الوضعيات الادماجية المتكافئة ؛ فلا نكاد نستوعب ما جادت به قريحة « الطلبة » من قراءة و حكمة و خشوع حتى نفاجأ بنوع اخر من الطرب و الغناء و الرقص المباح من طرف " الشيخات " .. طبعا بدون جمهور ! في انتظار الأسبوع المقبل الخاص بالحفل الكبير وبتوزيع الجوائز على الفائزين : كل فرقة على حدة !؟
إنني كنت حريصا أشد الحرص على عدم خلط الاوراق و إعطاء لكل « فرقة » دورها الكامل بدون نقص او انتقاص . او بتعبير أخر ، تدوم « الوضعية الكتابية » او أية وضعية كيفما كانت نوعيتها و طبيعتها أسبوعا كاملا بالتمام بحيث نقسم الاسبوع على نصفين : يخصص النصف الاول لإنماء الكفاية المستهدفة مستغلين مفهوم « تعلم و تكوين الادماج » ، و في النصف المتبقى نقوم مباشرة بعملية الاشهاد أو « التقويم » . و هكذا يتم إخراج « الطلبة » من حلبة السباق مبكرا و ننتظر « الشيخات » في الحلقة المقبلة .. فلا تناوب او خلط في الأدوار .. حفاظا على « كرامة » المنهاج و وحدته العضوية و انسجاما مع السيكولوجية . من بين 32 تلميذة و تلميذ ، تم إدراج 18 فردا متحكما في اللغة العربية / كفاية صنف " أ " / خانة « فئـة أ- 1 » و هذا يشكل ربحا مؤكدا و نتيجة سارة جدا و لا سيما ان الروائز السابقة بذات المستوى نتائجها كانت دون المستوى بكثير بعلم الجميع ( تقرير بمقاطعة التفتيش ) . الباقون ، وعددهم 12 تلميذا لم يحصلوا على « المعدل » المطلوب فهم إذا خارج « التغطية » بسبب افتقادهم للمبادئ الاساسية للتعلم : فلم يكن الادماج ، ذات يوم ، عونا لهم و لا فرصة ثانية لتعلم جديد مهما كان الامر ، باب من المستحيل . هنا مرة اخرى ، نسجل انه لا بد من تفعيل ميكانيزمات الدعم المخصصة لهؤلاء التلاميذ «الخارجين» عن التغطية و إلا فإن مصيرهم مسجل في كتاب لا يعلمه إلا الله .
إن مدخل البيداغوجية الفارقية تنهض أساسا على « تصنيف التلاميذ » و على تحضير العدة البيداغوجية المناسبة لكل فئة مستهدفة بالتحديد . فلا داعي على الاقل استهلاك المزيد من الوقت و الجهد و الترقب للتعرف على هؤلاء المعطوبين في بداية السنة المقبلة ، رغم ان هذه العملية لا تتطلب من المدرس المحنك سوى بعض الساعات ؛ لكن لا احد يعرف مسبقا ما تود تروم إليه عملية التصنيف هاته . و الاخطر من ذلك هو عدم التصنيف أصلا . و من المعروف أن لا وجود لتعلم بدون هذه الرغبة الملحة في التصنيف و التطبيع و التقطيع و رسم للحدود . لكن مرة أخرى ، نطرح السؤال : من هو المستفيد الاكبر من الادماج ؟ للاجابة عن هذا السؤال نقول هم التلاميذ الأقوياء الذين لم تدون في سجلهم المدرسي أية خروقات . الذين يستعملون لغة متطورة بعض الشيء و يتقنون لعبة مجتمعية متعارف عليها و لديهم حس استباقي و حدس عملياتي و قدرات ذهنية عليا . أما دون ذلك فهو التيه في حدوده المعقولة و بناء العمليات الاولى او الشيمات الضرورية للتعلم الذي يقتضي التدرج و التبسيط و التكرارية و الترييض و التدعيم الخ . إن مفهوم « الوضعية » بشكل عام هو مفهوم جديد بالنسبة للمعلم و المتعلم على حد سواء . أما رهان الوضعية فإنه يمثل أكبر تحد للنجاح او الفشل في حل الوضعية . أما الوضعيات الأولى و الثانية المبرمجة في التخطيط في بداية السنة فإنها كافية للتدرب على « تعلم الادماج » ليس على غرار « تعلم الدروس ». إذا كان الدرس يتم من الخارج ، بوساطة التلقين و التدجين؛ فإن « الادماج » يسلك مسلكا مغايرا تماما إذ يعد سيرورة تطورية و تجربة شخصية و وجودية بالمعنى الفلسفي للكلمة .
ولهذا السبب ، يمكن أن نصف الادماج تقريبا على أنه يشبه " الدمى الروسية " : مجموعة من الدمى المتشابهة شكلا و المختلفة نسبيا في المضمون و اللون و الحجم و الأبعاد بحيث لا نشاهد أمامنا إلا « دمية » واحدة – في حالتنا : كفاية المرحلة 4 أو الفرض المحلي النهائي و الاقليمي – أما باقي الدمى الأخرى فيجب استخراجها من باطن الدمية – الأم الموجودة أمامنا . و لذلك من المبدأ و الصواب البدء من حيث تنتهي « سيرورة الادماج » أي نعمل على تتويج الفائز أولا ، ثم ننظر في باقي المتبارين كلا حسب قدرته . اما شبح « المعدل السنوي » فيجب القضاء عليه لأنه يعد أحد المورثات التي تشكل عائقا كبيرا في وجه التلاميذ و احتسابه في ظل هذه الظروف هو بمثابة خرق سافر للتعليمات الواردة في مذكرة 204 . نحن امام التقويم المحكي ، أمام استخدام جملة من القواعد و الترتيبات غير المعهودة و المتطورة في المنهجيات و علوم التربية . و بهذه الكيفية غير المقصودة ، شمر جميع الاساتذة للأمر يبحثون عن " الشبح السنوي" كأنه عربونا لا مناص منه لتعلمات التلاميذ ؛ بيد أن المذكرة تنص بالحرف الواحد على انه يكفي فقط « العتبة » فاختلط الحابل بالنابل و ما ينفع الكبد يضر بالطحال . إضافة إلى ذلك ، لا يستوي أصحاب « الموارد » و أصحاب « الكفايات » . فأصحاب الكفايات هم في عليين ، في جنات النعيم فرحين بما لديهم من « عتبة » و «تحكم » مؤهلين لمتابعة سلكهم الدراسي المقبل بدون مشاكل .
قبل النهاية ، أود إثارة قضية شائكة بعض الشيء تخص « توزيع نتائج تقويم التحصيل الدراسي » le bulletin scolaire . بما أننا نتواجد لأول مرة أمام « خمس مجموعات » من التلاميذ بعتبة واحدة من جانب و بثلاثة معدلات من جانب أخر ، ليكن الحاصل النهائي لكل المجموعات هو : 5 على 10 ( على سبيل الاحتمال ) . كيف يمكن إقناع التلميذ و ذويه على ان 5 على 10 لا تمثل أي شيء في خانة [ ب – 2 ] مقارنة مع 5 على 10 في الخانة المقابلة [ أ – 1 ] ..!؟ بعبارة اخرى ، كيف يمكن طرد " الشبح " ؟ بأي تعويذة أو جدول مطلسم نستخدمه لإبعاد روحه الشريرة الجاثمة على الصدور الضيقة ؟