ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/
ملتقى السماعلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ننهي إلى علم الجميع أن الإشهار خارج عن سيطرة الإدارة
اسالكم الله أن تدعوا بالنصر لأهلنا في غزة

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

التربيـــة : قــول و فعــل . Philippe Meireiru

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مبشور

مبشور
كبير مشرفي القسم التربوي
كبير مشرفي القسم التربوي

« التربـية مكــان للتشبت بالقول »

لويس بروسار – الحياة التربوية – الرقم 74 ، شتنبر – اكتوبر 1991 ص : 4 -8
حوار مع فيليب ميريو philppe Meirieu ، عضو المجلس الوطني للبرامج بفرنسا




بيداغوجي من العيار الثقيل ، مدير مقاطعة علوم التربية بجامعة Lumière – Lyon 2 ، فيليب ميريو أيضا عضو في المجلس الوطني للبرامج و عضو بالمجموعة التي تقود إصلاح تكوين المدرسين بفرنسا . صاحب عدة مؤلفات في ميدان التربية . في السنة الماضية قمنا بمراجعة كتابه ماقبل الاخير ، التدريس ، سيناريو لمهمة جديدة . خلال زيارته العابرة لكيبيك شهر ابريل المنصرم ، اغتنمنا الفرصة قصد استجوابه حول اخر كتابه بعنوان خيار التربية . الاخلاق و البيداغوجية .



الحياة البيداغوجية : لقد أشرتم في كتابكم إلى أننا في التربية لسنا متيقنين دائما بعد القيام بجميع المحاولات التجريبية . هل تعتقدون أن فشل المدرسة في إنجاح أكبر عدد من التلاميذ هو فشل للبيداغوجية ؟

فيليب ميريو : إلى حد ما هو فشل للبيداغوجيا ، إلا أنه فشل للمجتمع و للتلميذ أيضا . هنا نلمس خطورة و أخاف من أقول بعض الكلام أو أقوم باختزاله : إن المسؤولية ليست مثل الحلوى يمكن اقتسامها .

لا اعتقد أنه من الممكن القول فيما لو كانت البيداغوجيا مسؤولة عن هذا الفشل ، فإن التلاميذ ليسوا مسؤولين فردا فردا عن هذا الفشل ، لا أسرهم و لا المجتمع . ليست المسؤولية كمثل كمية ثابتة يمكن أن نأخذ منا قسطا ، فكلما أخذ أحد جزءا منها ، تبقى منها للآخر الشيء القليل . اعتقد أن ماهية البيداغوجيا ذاتها هي التي تريد أنه كلما ازددنا حسا و وعيا بالمسؤولية اتجاه أمر ما ، كلما جعلنا الاخر يشعر بالمسؤولية أكثر . و كلما ازداد أي أحد بالمسؤولية ، كلما أصبح الاخر مسؤولا أكثر فأكثر . اعتقد أنه من المهم جدا ، في علاقته مع التلميذ ، يشعر البيداغوجي تماما بالمسؤولية في إنجاح التلميذ . و حينما يشعر بالمسؤولية كاملة في إنجاح التلميذ ، فلا يفهم أبدا من هذا أن أسرته غير مسؤولة و لا المجتمع غير مسؤول أيضا ، و لا التلميذ نفسه بعيد عن المسؤولية. جميع هذه المسؤوليات تعمل و تتفاعل فيما بينها . لو لم ألقن للتلميذ الفكرة على أنني مسؤول عن نجاحه ، سيقرأ التلميذ بدوره في تصرفي على أنني لا أومن في نجاحه و في تقدمه و لن يشعر بالتالي بأية مسؤولية .

أغضب أحيانا في وجه المدرسين أو الزملاء الذين يقولون : لو شعر الاستاذ بالمسؤولية أكثر مما ينبغي ، سوف يشعر التلميذ بتلاشي و فقدان أية مسؤولية. أنا أقول العكس هو الصحيح . إذا لم يبد الاستاذ أي حس للمسؤولية ، في علاقة تشاركية ، لن يشعر التلميذ بأنه مسؤول ، فيستولي عليه الجمود و يفقد الحركة بعض الشيء . يحسب أنه علامة فقط و لا يتصف بالدينامية . إن المسؤولية تفاعلية : بقدر ما أنهل منها ، بقدر ما أقدم العطاء . بالاضافة إلى ذلك ، و هذا أحد الثوابت في التربية : كلما آخذ منها ، كلما أعطي المزيد ، و بقوة ما أعطي ، يتبقى لدى أكثر مما أعطيت . اعتقد أنني كتبت في مكان اخر أنه حينما نتحدث عن « المال » كلما نزيد في إنفاقه كلما ينتاقص ، لكن في موضوع المعرفة ، و التضامن ، و القيم ، لو منحت كل هذه الاشياء ، فإنني لا أزال امتلكها أكثر من اي وقت مضى . اعتقد أن الأمر هو احدى القواعد الثابتة في نشاط التربية .
هناك قسم ثاني في سؤالكم المتعلق بالجدل الاجتماعي الدائر حول مسؤولية البيداغوجيين و هنا ، اعتقد أننا غالبا ما نخطئ في الخصوم و في المنهج .

في الصحافة الفرنسية مثلا ، نتهم البيداغوجيين في هذا الوقت كونهم تسببوا في تقلص المستوى إلى حد ما لأننا نقول عنهم بأنهم « متسامحين » ، اهتموا بالأشخاص أكثر من اللازم و ابتعدوا قليلا عن المعارف ، الخ . اعتقد أنها معاينة جد سيئة ، معاينة تدعو للعبث لأنه تحديدا لا يمكن الانتباه للمعارف إن لم نكن حذرين يقظين اتجاه الافراد الذين سيمتلكون هذه المعارف . و لا يمكن الحصول على إنتباه الافراد في غياب مساءلة طبيعة هذه المعارف التي يتوجب امتلاكها .


الحياة البيداغوجية : في كتابكم الاخير ، قمتم في أول الأمر بمجاهرة حقيقية حول الايمان بعقيدة « القابلية للتربية » éducabilité الموجودة لدى الكائن البشري . هل تعتقدون أن هذا الايمان العميق و القوي هو احد المقدمات من أجل أن نصبح مدرسين ؟


فيليب ميريو : لا اعتقد أن هذا الايمان يمكن أن يصبح احد الشروط لممارسة التدريس ، أعتقد أنه يؤسس فعل التدريس . بل إنه بناء منطقي . إذا لم اومن بأن الكائن الموجود أمامي هو قابل للتربية ، فمن الأفضل لي أن استبدل المهنة . فلا فائدة من الاستمرار في المغامرة و المجازفة من أجل تعليمه أي شيء .

إنما ، احد الاسئلة التي أطرحها على نفسي ، هو : من اين أتى ، هذا الايمان ؟ اعتقد أنه آت من توجه أخلاقي في الأساس ، أحاول التوضيح أننا قصرنا من قيمته في التدريس . كيف لنا اكتسابه ؟ ليس بالخطاب أبدا على وجه الدقة . إنما نحصل عليه بما تقدمه أيدينا ، عن طريق ملاحظة تجربة الاخر ، الذي يؤمن في قابليتنا للتربية ، ماذا عساه أن يقدم لنا . الشيء الذي يعني أننا لو رغبنا في المعلمين الذين يؤمنون بقابلية التربية ، استوجب على المؤطرين أن يكونوا منسجمين مع الفكرة هاته و أن يشعر المعلمون أنفسهم كم لهذا الاعتقاد في القابلية للتربية بإمكانيه أن يطور شخصا ما .

الحياة البيداغوجية : تقدمون دور المدرس كوعاء مملوء بالمتناقضات : كونه في ذات الوقت ذلك الذي يؤثر و ذلك الذي يساعد في التخلص من هذا الأثر ؛ يساعد التلميذ في التأقلم مع المجتمع و في نفس الوقت الانفتاح و التحرر ، و مساعدته لكي يصبح حرا ؛ المطالبة بالأحسن وفي الآن نفسه القبول بالأسوء . هل من الضروري ان نكون مازوخيين machosistes بعض الشيء من أجل اختيار هذه المهنة و هل يمكننا أن نتعلم العيش بدون كثرة آلام و جراحات هذه المتناقضات ؟

فيليب ميريو : بالتأكيد . أحسب ان ما أود توضحيه في الكتاب ، هو أن التناقض الاخلاقي للمدرس ليس أكثر تناقضية من كل الاخلاق عموما ، أن الاخلاق هي قبل كل شيء الأولوية المطلقة لواجباتي على حقوقي . أريد أن أقول أن الاخلاق تعني : أنا مدين للاخر تماما لكن الاخر ، لا وجود لحقه عندي . لا حق للاخر عندي لأن لو كان يستحق شيئا في مقابل ما أسديته له ، فإنه سوف لن تكون هنالك أخلاقا أبدا ، بل سوقة قذرة . الأخلاق ، هو مبدأ اللا تبادلية بمعنى حيث الآخر يفرض ذاته علي : من الواجب علي أن أقوم بكل شيء لكي يتعلم و يتربى ، من الواجب علي أن أعطيه كل شيء لكي يقدر على بناء شخصيته ، يتوجب علي مساعدته لكي يفهم المجتمع و البحث عن مهنة ، غير أنني لن ألزمه ، في مقابل صنيعي ، لا خضوعه و احترامه لي و لا حتى نجاحه . و ما أقوله هنا ، يصح للآباء و ليس فقط للمعلمين . كل أب يعمل كل ما في وسعه ليؤمن به الأطفال حول ما يعتقده هو . هناك آباء يقولون في بعض الاحيان : لا يهمني إيمان أولادي فيما أعتقد فيه . لكن حينذاك ، إما أنهم لا يؤمنون فيما يعتقدون او لا يحبون أولادهم . إذا اعتقدنا في شيء ، تحصل لدينا الرغبة القوية في اقتسامه مع أولادنا . إذن التربية هي قضية تلقين شيء ما يقع في قلوبنا و يعز علينا ، لكن التربية أيضا تعني القبول بحرية الاخر . أستطيع أن أهبه كل شيء ، لكنني لا أعتابه أبدا لماذا لم يرضخ لقانوني او لماذا لم يؤد مستحقه . لا يوجد ما أقبح في التربية من أن مربين – سواء أكانوا آباء ، او مدرسين – يقضون أوقاتهم في وضع الناس الذين يعلمونهم في حالة تأدية مستحقاتهم . لأننا لم ننته من تأدية المستحقات و ماذا ؟ و نؤدي الدين لدعم موقفنا المدين و ليس لغرض التحرر من الدين . ليس هناك ما أفظع من سوى هذا السلوك الخانق حيث نضحي لكيلا نقدر على المنح و العطاء ، حيث نقضي جل أوقاتنا ثرثرة في وجه الاخر بأننا ضحينا من أجله ، و نقول له : « أبعد هذا كل الذي فعلته من أجلك .. » كلا ، فعلت كل شيء لأن الكائن البشري جاء إلى هذه الارض معدوما تماما ، لأنه استوجب عليه تعلم كل شيء ، و مفروض عليه أن يتعلم من أبويه ، و من أقرانه ، الخ . لكن استوجب عليه أيضا أن يصير حرية ، أي يصبح شخصا بحيث لا ألزمه التبعية و الخضوع ، و الاعتراف . بمقدروي خفية أن آمل منه الاعتراف ، لكن لا إلزاميته كسيولة تبادلية عما أقدمه من أجل الطفل . جميع الآباء يعيشون هذا الأمر . جميع هؤلاء الذين يدرسون يعيشون هذا الواقع . التربية ، هي أن تمنح أمورا و أشياء لأحد قصد امتلاكها و يغذو ، بصورة ما ، إنسانا جديدا . ليصير قائم الذات بدون قول كلمة شكر و علي أن أتذكر دوما مبدأ اللاتبادلية ، لأنني أكاد دوما مطالبة من الآخر بتقديم حجة فعاليتي .

اعتقد أنه بحوزتي فقرة أسميها « البرهان و العلامة» . هذا معناه أن في التربية ، لا يجب علي ان أنتظر البرهان او الحجة من الاخر و سبب ذلك هو أن الاخر ليس شيئا موضوعا أمامي أنا الذي صنعته . ما انتظره من الاخر ، هو علامة ، أي انتظر حتى يعطيني إشارة بشكل ما لكي نصبح متخاطبين وجها لوجه و ، بصورة اخرى ، أقران .



الحياة البيداغوجية : لكن المدرسين هم دائما في حزن حينما لا ينجح تلامذتهم ؟

فيليب ميريو : في هذه النقطة هناك تناقض أخلاقي . لدي فقرة أخرى تسمى « العناد الديداكتيكي و التسامح البيداغوجي » . لدى المدرسين الحق بأن يقلقوا. من الضروري أن يستمروا في قلقهم هذا لأن إذا لم يساورهم القلق و الحزن ، سوف لن يتدخلوا مصحوبين بمعدات جديدة ، سوف لن يبدعوا مناهج بيداغوجية حديثة . من اللازم ان يصبحوا عنيدين من أجل خلق ظروف التعلم علما أن الاخر بإمكانه التعلم فقط بإرادته الحرة و مبادرته و عن طريق حريته الخاصة . إن هذا الأمر جد صعب لأنه تقريبا يشبه لما أشرتهم إليه بعد قليل ، « المطالبة بالأفضل و القبول بالأسوء » ؛ اي أطالب بالأحسن و أعطي أفضل ما يوجد لدي لكي أحصل على الأفضل ، لكن في ذات الوقت ، أقبل الأسوء و لما أقبل الأسوء ، فإني لا أتخلى عن مطالبة الأحسن . الصعوبة و هي أن تقبل الأسوء و تستمر في مطالبة الأحسن و الأفضل . و السبب في ذلك هو إمكانيتنا في قبول الأسوء قائلين : سأنسحب . لقد كتبت في السابق أنه لا يجب أن نعمل بشكل يجعل التربية تتأرجح على الدوام بين « افعل كما ترغب » و « افعل كما أريد » .

في المساء عدت إلى البيت و ابني يشاهد التلفاز ، بعد الغد سيجتاز مراقبة في الرياضيات . كيف يتفاوض في هذا الأمر . في معظم الأحيان ، حسب هذا المنوال : « افعل كما أريد ، أنا امتلك الحقيقة ، فأنا المربي ، وأنا الراشد . أعلم جيدا أن مراقبتك في الرياضيات هي أهم من مشاهدتك للتلفاز . إذن ، تعمل ما أريده أنا » . ام حسب االمنوال الاخر : « هذه قضيتك ، أنا شخصيا الأمر لا يهمني . فلتأخذ مبادرتك . تحمل مسؤوليتك . تفعل ما ترغب فيه . فإذا لم ترغب مراجعة مراقبتك في الرياضيات ، فلا تراجع »

هو إما أفرض قانوني او أتخلى عن قول أي شيء . أعتقد أن هذين الموقفين بعيدين من جدة الصواب الواحد و الاخر . الموقف التربوي الوحيد ، لكنه شاق و ما أصعبه ، هو مجهود يائس و طويل هدفه هو البحث عما يمكننا الرغبة فيه جماعة . و ما يمكننا رغبته فيه جماعة ، إنما يتموقع في الصيرورة ، و في الزمن الطويل ، و في الصبر ، و أحيانا في المواجهة و الصراع : الصعوبات كثيرة جدا .

إن موقف « افعل كما أريد » هو موقف سهل . إنه موقف الذي أصابه الحزن و خيبة الأمل لأننا ما فعلنا كما أراد . فلنحاول جماعة البحث عما يمكننا الرغبة فيه أجمعين . إن بالأمر صعوبة و شدة إلا أنه يعد المسلك الوحيد لكي نجعل من الآخر كائنا حرا . فهذا استباق لحريته . ما أريد قوله هو حتى إذا لم يكن حرا ، فمفروض علي أن اتصرف كمثلما هو حر بالفعل ، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لجعله حرا .



الحياة البيداغوجية : أشرتم في كتابكم إلى أنه « من الضروري أن نقبل بهدوء فكرة فحواها أن البيداغوجية لا تجد مشروعيتها في وجود وحدة للمعايير الثبوتية كما هو الحال لدى مجموعة المواد التعلمية التقليدية ». أين تجد البيداغوجية شرعيتها و لماذا هي ذات اعتبار أقل من قبل مختصي المواد التعلمية الاخرى؟ و الأمر ليس فقط في الجامعة ، لأن حتى في الاعدادي ، يفضل المدرسون نعتهم باختصاصية موادهم عوض نعتهم بالبيداغوجيين . يحصل لدينا انطباع أن البيداغوجية محصورة في الابتدائي و أن فيما وراء ذلك ، من الواجب أن تصبح عالما بالخصوص .

فيليب ميريو : و هو كذلك . أعتقد أن الأمر آت من حكاية كاملة . لقد نجم هذا الأمر ربما من رعونة البيداغوجيين الذين حسب زعمهم اعتقدوا في أن البيداغوجية يمكنها أن تمارس بدون محتويات ، و بدون مواد تعلمية disciplines ، و بدون موضوعات ، لكن هذا الأمر غير صحيح .

أعتقد أن لو كانت البيداغوجية هي أقل اعتبارا اتجاه العلوم التقليدية ، فمرد ذلك هو أنها علم الفعل l’action في حين أن البيولوجيا او الفزياء او علوم اخرى هي علوم الملاحظة . أضع مباشرة البيداغوجية في نفس الخانة مع السياسة و الطب . إن علوم الفعل ، كالبيداغوجية و كالسياسة و كالطب هي علوم ، كل علم حسب طريقته الخاصة ، يعمل بجانب الانسان لتحسين ظروف معيشته : البيداغوجية بتربية العقل ، الطب بمداواة الجسم ، السياسة بحكامة المدينة .

كذلك أعتقد أن بداخل أدمغة الناس ، التربية ، هي قبل كل شيء « قضية نسوية » ، إنها ليست قضية معقولة ، بل تدبر من تلقاء نفسها ، كل واحد منا لديه أكثر مما يدلي بدلوه في الموضوع .

اتمنى ان نسترجع الفكرة التي من خلالها يمكننا التحدث وجوبا عن البيداغوجي ، أن تصير بيداغوجيا هو في حقيقة الأمر مهنة عظيمة و بالرغم من عدم حديثنا عن البيداغوجي ، فنحن كلنا بيداغوجيون . لأن الناس الذين يصرحون أنهم ليسوا ببيداغوجيين يخدعوننا ، يمارسون البيداغوجية ، لأنهم لا يدرسون الرياضات فحسب او التاريخ و الجغرافية ، إنهم ينقلون عدة أشياء أيضا . ينقلون القيم ، و تمثلات المجتمع ، وصور المعرفة و تصورات العلاقة إزاء المعرفة . لا وجود للرياضات الخالصة و الصرفة . هنالك دائما الرياضات زائد التصور الذي نحمله عن النجاح هل أنجح على حساب الآخرين ؟ أم سأنجح صحبة الآخرين ؟ أم سأنجح مستندا على التعاون ام سأنجح بسحق جاري ؟ هل علاقتي مع المعرفة هي علاقة كشف ام علاقة فهم و استيعاب ؟ في العمق فالكل بيداغوجي ، وهذه هي المأساة . لكن القلة القليلة هي التي تفكر في الرهانات البيداغوجية لممارساتهم . اما الآخرون فهم يزاولون البيداغوجية بدون توضيح المعنى ، إذن هم ، في عدة مناحي ، عميان .



الحياة البيداغوجية : حينما قدتم تعريفا للبيداغوجي ، فعلتم ذلك من باب غاية فعله و بفضل الوسائل التي يتخذها لتحقيق مبتغاه . لقد صرحتم بتقديم إذن هنا اسم « البيداغوجي » المربي الذي يتخذ لنفسه كهدف تحرير و عتق الاشخاص الموجودين تحت سلطته ، البناء التدريجي لقدراتهم في اتخاذ القرار بأنفسهم فيما يعود لتاريخهم الخاص ، و الذي يتوخى تحقيق ذلك عبر وسيط التعلمات المحددة . »

فيليب ميريو : هو ذا ، « و الذي يتوخى تحقيق ذلك عبر وسيط التعلمات المحددة » ، أي بمعنى عبر الرياضيات ، و التاريخ ، و الجغرافية ، و الخفاف canoë ، و الزورق ، و البناءة أو شيء من هذا القبيل . يستعمل البيداغوجي وسيط التعلمات .


الحياة البيداغوجية : هذا صحيح . لكن قلتم ، لديه كهدف عتق و تحرير الاشخاص . لكن هناك مدرسون لديهم هدف تلقين المعرفة .

فيليب ميريو : نعم ، لكن المعرفة ، لأي شيء تصلح إن لم تكن لعتق الناس و التمكن من استقلالية آرائهم ؟ ماذا يجدي نفعا في تعلم الصغار الكلام إذا كان القصد هو أن لا يتكلموا .



الحياة البيداغوجية : لا يتكلمون في المدرسة كثيرا .

فيليب ميريو : أجل ، لدي جملة قاسية بعض الشيء حيث أقول فيها : « إذا أردنا منع الاطفال عن الجواب ، فمن الأفضل عدم تعليمهم الكلام .» لكن نعلمهم المعارف في حد ذاتها . إنها قضية التصور للثقافة . ما هي مقاصد المعارف ؟ هل تتحدد في شرعية المعلم و أجرته ، هل هي معاودة الانتاج للمجتمع؟ بالنسبة لي ، الامر ليس هذا . بالنسبة لي ، إن المعارف التي ندرسها في المدرسة ، هي معارف من الضروري مساعدة الاخر في فهم و تفهم المستقبل و التحكم فيه . ليس تحكما شاملا ، لأننا لا نستطيع فعل ذلك أبدا ، لكن أن نفهم و نتحكم في التاريخ و المصير المشترك ، هذا شيء أساسي و مهم بالنسبة لي . التاريخ و الجغرافية و الآدب أشياء ممتعة لو ساهمت عند الآخر في هذا الاستيعاب و في هذا التحكم .


الحياة البيداغوجية : هل للبيداغوجية معارفها الخاصة ؟

فيليب ميريو : كلا ، أعتقد ان البيداغوجية لا تملك معارف خاصة ، مثل الطب او السياسة . تحديدا ، الطب يقتبس من البيولوجيا ، و من الكيمياء ، الخ. البيداغوجية تستعير من السيكولوجيا ، و من سيكولوجيا الجماعات ، و من ديداكتيك المواد . البيداغوجيا هي علم الفعل ، تستعير من الميادين الايبستيمولوجية الجامعية المختلفة التي ستعمل على تفسيرها على ضوء الاسباب الغائية بصدد نشاط ما . غير أننا نقبل هذا الامر على مضض – في حين أن حضارات اخرى قبلته تماما – و السبب هو أننا نحيا في عالم حيث الواقع مقسم حسب الحقول و الميادين العلمية . الشجرة لا توجد ، ما يوجد ، هو شجرة البيولوجي ، شجرة الشاعر شجرة المختص بالأرصاد الجوية ، شجرة الحارس الغابوي . لكن وحدة الشجرة قد انحلت و ذابت بين مختلف المواد . إن التربية مثل الشجرة ، يمكن مقاربتها عن طريق السوسيولوجيا ، و عن طريق السيكولوجيا ، الخ . لكن الذي يجعل منها وحدة ، هو الموضوع التربوي . لذا فالبيداغوجية ليس لديها أي ظنون و وساوس حينما تستعير من المواد الاخرى . لا يشعر الطبيب بأي تردد عندنا يستعير من المواد المختلفة ، البناء الذي يبني منزلا يستعير تماما من الفزيائي الذي درس دينامية الاشياء ، و من الكيماوي ، و من المهندس ، و من الجبر و الأعداد . و لماذا نحن الذين نصنع الانسان لا يحق لنا الاعارة ؟

مادة الفعل l’action لا يمكنها أن تكون مادة ابيستيمولوجية موِّحدة . فهي مادة لا تتوحد إلا بوساطة غايتها الصادرة من الفعل . بالنسبة للباقي ، إنها بالضرورة مقتبسة .

إذن اعتقد بوجود بيداغوجيين ، بوجود هناك بيداغوجية ، بالمعنى حيث يوجد انشغال بالتربية عبر وسيط التعلمات ، لكن أظن ان البيداغوجية كعلم لا وجود لها . لا أعتقد في وجود العلم البيداغوجي ، على سبيل المثال . من الأفضل ، من الممكن التحدث عن علوم التربية ( بصيغة الجمع ) ، من أجل توضيح جيدا أن هنالك تربية ، مثلما نبني منزلا ، غير أن هناك عدة مواد تساهم في بناء هذا المنزل .

ما يجب عدم خلطه بالنسبة للمنزل ، فقط ، إنما هو التجهيزات و المواد التعلمية التي نستعيرها و ما يسعى الواحد و الآخر منا من وراء هدف الاصلاح . إننا نقوم بالخلط في البيداغوجية في معظم الاحيان . ننسى أننا نقوم بالتربية و لا نهتم إلا بالتجهيزات ، كأنما البناء ينسى ان المنزل يقام من اجل أن يصبح مؤهلا بالسكان و لا يهتم سوى بالتوازن الخاص بالكيفية و بالطريقة التي يبنى بها البيت ، أي مختلف المواد التعلمية المستعارة . في أغلب الاوقات ، ننسى تهذيب الطفل ، و ننشغل بمعرفة فيما إذا كانت السيكولوجيا و السوسيولوجيا على قدر كبير من الانسجام و التساوق .



الحياة البيداغوجية : هذا حوار بين الفن و العلم تماما .

فيليب ميريو : نعم ، لكن كلمة « فن » تزعجني بعض الشيء لأنها تحيلني إلى فكرة الكاريزماتية التي يصعب تلقينها . و الحالة هاته أظن ان البيداغوجية ليست قابلة للتلقين transmissible أي بمعنى نلقن علما جاهزا لأي كان لكن نستطيع تعلمه لأنه يندرج في نظام التدبير . بنفس الشاكلة التي نقدر على تدبير بناء المنزل على تدبير حي سكني ، يمكننا تعلم تدبير التربية لكن بمعية الحضور الدائم للغاية و مختلف العناصر المساعدة لبلوغ هذه الغاية . لكن يمكن تعلم هذا . الامر ليس فنا فطريا .


الحياة البيداغوجية : و أخيرا البيداغوجي الممتاز هو الديداكتيكي الممتاز ، ذلك الذي ، كما حددتموه ، « ينظم الوضعيات التعلمية و هو يحاول مراقبة و تتبع كل المتغيرات ، يطرد المحتمل ، و يلغي الطارئ ، ليصل إلى تحكم تام في آلية تعمل بكل تأكيد . » هل يمكن اكتساب هذا التحكم حتى خارج الممارسة التعليمية ؟

فيليب ميريو : غير مؤكد . لهذا السبب من الواجب على التكوين المستمر أن ينوب عن التكوين الأولي . لكنني أعتقد ان التكوين الأولي من المفروض عليه أن يكون مشاكلا لما نرغب في إحداثه لدى المدرسين . بعبارة أخرى ، و هذا احدى الحالات الثابتة في جميع المعاينات التي قمنا بها ، لا يفعل المدرسون أبدا كل ما شرحناه لهم أنه الواجب فعله مع تلامذتهم . دائما يفعلون ما قمنا به أثناء صحبتهم و بمعيتهم . و أنا جد مقتنع أن لو اشتغلنا بتكوين المدرسين مشيدين آليات من أجل تكوينهم انطلاقا مما نرغب و نتمنى أن يفعلوه من أجل تلامذتهم ، سنحصل أنذاك على أوفر الحظوظ بأن ينجزوه مع تلامذتهم .

أيضا ، لقد أشرتم في مقطع حيث أتحدث فيه عن « البيداغوجي الديداكتيكي » و رغبته في التحكم . أعتقد أنه يوجد هنا ، في البيداغوجي ، من يتمنى الاستحكام و التحكم في الأشياء ، من يرغب في فهم كيفية اشتغال التعلمات قصد بناء الوضعيات التي سوف تعمل تماما على مساعدة إبرازها . لكن أظن أن هذه الرغبة في التحكم يمكن أن تشكل خطرا لأنها قد تؤدي إلى الحمق . في بعض المرات أقول بنفسي أنني كنت مريضا بالقابلية للتربية . لما كان لدي تلاميذ من الصنف الصعب جدا لا يقدرون على فهم القاعدة الثلاثية règle de trois ، في بعض اللحظات ، بقدر ما كنت مغشيا من جراء الواقعة و إلى حد أقررت فيه العزم بالسير و المواصلة بقدر ما كان من الأفيد لي أن لا أمتلك اللاهب في يدي !
يجب دائما أن تكون رغبتنا التحكمية تتأرجح بواسطة ما سميته بعد حين باللاتبادلية ، أي قبول الاخر بالانفلات إلى حد ما من السلطة التي نبحث عن ممارستها ، على الرغم من البحث وجوبا على مزاولة هذه السلطة . إننا نتواجد في وضعية تناقضية .


الحياة البيداغوجية : لقد أشرتم على أن المدرسين سيشتغلون مع تلامذتهم وفق ما قمنا بمعيتهم . و الحال هنا ، نجد مدرسو الاعدادي يتلقون تكوينا أساسه موادهم التخصصية . ثم بعد ذلك يتلقون تكوينا قصيرا يشبه تكوين المعلمين . لكن هنا حيث ندرس لهم العلوم مثلا ، فإننا لا ندرسها لهم كما ينبغي أن تدرس مع التلاميذ .

فيليب ميريو : إن هذا الأمر مؤسف . من الواجب على كلية العلوم أن تقبل بأن الاستعداد و التهيؤ لمهنة المدرس إنما هو استعداد خاص ، يختلف عن نظيره الذي يهيئ لمهنة المهندس . اعتقد أنه من الضروري تقبل فكرة أن حينما نهيئ أناسا لتدريس الفيزياء او الجغرافية ، لا نهيئ أناسا لكي يصبحوا مهندسين او جغرافيين . و لذلك من اللازم دائما أن نقدم لهم المعارف من منظور نشأتها و تأسيسها و تكوينها الجنيني و ليس من منظور نتائجها .

أظن أن هذا هو لب المشكل . غالبا ما تدرس الجامعات المعارف على أساس أنها ملقنة كنتائج و ليس كاكتشافات . لا بد من وضع المدرسين الجدد في حالة فهم هذه المعارف و كيف تأسست . الأمر الذي يعني بالمشخص ، لهؤلاء الناس المتواجدين هنا ، أنه لا بد من التعاطي بكثرة لتاريخ مادتهم . لأن التاريخ يساعد في معرفة كيفية تطور الأشياء . لا بد من القيام بمزيد من الأعمال التجريبية ، اي المطالبة من الطلبة بتقديم أعمال العرض و المناولة ،الخ .

التغيير الجذري الأساسي ، يوجد هنا . هل هذه الدراسات ستضع المدرس الجديد و القادم على خط التماس بداخل معرفة حية ، في طريقها للبناء ، ام سنقدم له معرفة متحجرة و ميتة فقط ، حيث نتأكد من أنها قابلة للاكتساب ؟



الحياة البيداغوجية : فلنتناول قليلا المسألة الحرجة جدا ، نسبة للمدرسين و للمجتمع كله ، مسألة تحويل المعارف transfert de connaissances . تقولون : « على البيداغوجية التساؤل بصدد الوسائل المتخذة لكي تجعله أمرا ممكنا .» ما هي هذه الوسائل ؟

فليبب ميريو : سأتناول الموضوع باختصار شديد لأنه موضوع جد صعب و مثير للنقاش أيضا . في فرنسا ، مثلما أحس بالأشياء ، و أعتقد أنه صحيح بالمثل في العالم الانكلوساكسون ، و صحيح بلا شك بالنسبة لكيبيك أيضا ، يوجد هناك تياران من الفكر :
اول تيار فكري أساسي يكمن في تفضيل الميتودولوجيا و التعلمات الأساس ذات النوع الشكلاني formel وفق افتراضية أن حينما يغذو هذا الامر في عداد المكتسب ، فإننا سوف نشيد فوقه المعارف ذات النوع التقاني . ينتج هذا التيار أعمالا ممتازة و من جودة رفيعة . يخطر ببالي بالخصوص برنامج الاغناء الاداتي (PEI ) لفورشتين ، و معامل الاستدلال المنطقي ، الخ . إن فرضية هذا التيار تنطلق من ضرورة إعادة البناء من القاعدة ، على مستوى العمليات الذهنية الأساسية ، ذكاء الشخص . فبمجرد ما نقوم بهذا الأمر ، ها هو أمامنا الشخص و قد استعد لتملك المعارف .

في مقابل ذلك ، لدينا التيار الثاني الذي ينظر إلى ان لا وجود لنشاط ما خارج ضغوطات و إكراهات المحتويات نفسها . معنى ذلك ان برامج الاغناء الأداتي ( PEI ) تخلو من الفائدة المرجوة سوى تعليم ( PEI) ، أي أنها لا تدرس أي شيء من شأنه أن يصير محولا خارج وضعية التعلم لـ ( PEI ) و أنه إذا أردنا تعلم الميكانيك ، يجب تعلم الميكانيك . إن هذا التيار يرتكز فضلا عن ذلك على مكتسبات : فالطفل الذي يحسن تقويم الأطوال لا يعرف تقويم الاوزان . إذن ، التحدث عن قدرة التقويم بعبارات مضخمة جدا ، هذا أمر لا معنى له .

نحن بصدد موقفين : موقف يريد تكوين هذه القدرات ، القابلة للنقل و التحويل قبليا ، و موقف يعتبر أنه من الضروري على التكوين الانطلاق من الأشياء الدقيقة ، و العمل على إيجاد أجوبة لمشاكل دقيقة .

و الحالة هذه ، ما يجعل النقاش غامضا و هو أننا نخلط بين نوعين من القضايا . نخلط بين قضية ذات بعد فلسفي و قضية سيكولوجية الجانب . بتعبير الفلسفة ، يعتبر التحويل le transfert ضرورة ، أي أننا سنعبر عن التعلم الذي لم يتحول على أنه « تعلم غبي » ، لا تحرري . لكن حسب السيكولوجيا ، نلحظ أن هذا التحويل ينم عن صعوبة كبيرة اكثر مما كنا نتصوره . وجدنا أنفسنا إذن أمام تحد يجعل من التحويل او النقل ضرورة من الضرورات لأنه يعد عنصرا من المقاصد و الغايات الاساسية لكنه يمتاز بصعوبة بالغة و مفاجئة و ان كيفما كان الحال ، فلا يكفي أبدا ذكره حتى يصبح ساري المفعول .
كيف نحصل على تحويل ذكي ؟ أرى أنه من الواجب العمل على تطويق المشاكل . ليست القضية كامنة في معرفة فيما إذا كانت القدرات موجودة مثلا كالقيام بتحليل ، و تركيب ، و كونك منتبها ، و متقنا للتقويم ، الخ . المشكل قائم في معرفة ما هي نوعية القضايا التي يتحتم على الطفل تعلم حلها و حينما يتقن حلها في وضعية معطاة هل بمقدوره حلها في سياق مغاير . انطلاقا من اللحظة التي نطرح من خلالها هذا المشكل – هنا المشكل المطروح هو قضية هدم السياق ، بمعنى التساؤل حول عملية تسهيل لدى التلاميذ اكتساب قدرة إخراج المشكل من السياق المدرسي le contexte الذي تعلموا الحل بداخله .

عادة ما تقدم المعارف المدرسية للتلاميذ كمفاهيم و كبرامج ، و ليس كحلول للمشاكل . في اللحظة التي نقوم بإبراز المعارف المدرسية كحلول للمشاكل ، فإننا نحدد مع التلاميذ ما هي المسائل التي على المعارف إيجاد حلول لها و في أي مكان نلتقي بهذه المسائل . لما نبحث بشكل دقيق و ممنهج عن نوعية المسائل المتعلقة بالمعارف المدرسية و حلولها ، ستكون قضية التحويل في رأيي قد وجدت طريقها للحل بشكل موسع لأن التلميذ أصبح مالكا لهذا الموقف الذي يكمن في المساءلة و التساؤل عن أي نوع من المسائل يقدر على حله بواسطة المعارف التي درسها . بالنسبة لي ، إن التحويل الأصيل ، هو التعرف في الواقع عن المسائل التي تجد حلولا لدينا . لكن من الضروري أيضا القيام بذلك في القسم حينما نتعلم شيئا ما . حتى ولو كان ذلك قصيدة شعرية . إن شعر رامبو ، بالتأكيد نظم من أجل حل مسألة problème . لكن أبدا مسألة من نوع تفكيك دراجة . القصيدة المنظمة لحل المسألة هي قضية تهتم بفهم الذات و استشفاف ما يوجد بداخل الذات من إحساساتي الخاصة بشكل واضح ، كمثال . فتحويل رامبو ، هذا معناه أن تكون قادرا على التوغل بعيدا بحثا عن قصيدة رامبو في احدى الأمسيات حيث يلتف الغموض بروحك و تريد ان تجد ذاتك أمامك بطريقة ذكية .



الحياة البيداغوجية : غير أنه يوجد شيء آخر . غالبا ما يقول الآباء : عندما يكتب ابني في المدرسة فإنه لا يترتكب الأخطاء . عندما يترك لي كلمة معلنا فيها أنه ذاهب لزيارة صديقه ، فهناك أخطاء كثيرة .

فيليب ميريو : إنها قضية ، قضية أخرى أسميها التحديد الفوقي للمعايير الوظيفية من قبل المعايير الاكاديمية في المدرسة . سآخذ مثالا بسيطا قمنا بدراسته في السنة الماضية و يهتم بقدرة التلاميذ في تحرير ملخص لتجربة .
لو طلبت من تلاميذ السنة الاولى و الثانية ثانوي تحرير ملخص في العلوم الطبيعية ، لسوف ينجزونه لك . و الآن ، اطلب منهم : بماذا عرفتهم أن هذا الملخص هو ملخص ناجح ؟ لقد طرحنا السؤال على ألف تلميذ . ما كان أحدهم بقادر على أن يقول : الملخص الناجح هو عندما لا يشاهد شخص آخر التجربة بإمكانه إعادة هذه التجربة فقط انطلاقا من هذا الملخص . و مع ذلك ، إن هذا هو الملخص الناجح . و الحالة هذه ، و لا تلميذ واحد من بين ألف تلميذ كان بمقدروه قول ذلك . بالمقابل ، كانوا يقولون : ملخصي ناجح لأنني استعملت درس الأسبوع الأخير ، لأنني لم أرتكب الأخطاء النحوية ، لأنني وضعت رسومات ، لأنني استخدمت تلوينات . بعبارة اخرى ، لقد انتهينا بجعلهم يعتقدون في المدرسة أن النجاح و التفوق يقاس بجنس التوافقات الاكاديمية بدل معايير الفعالية .
إن الطفل لا يعرف ماذا يعني الملخص الناجح ، لكنه يعرف ان أستاذه مصاب بالهوس ، وأنه يطالب بالحروف الكبيرة في بداية الجملة ، و النقط و الألوان الثلاثية . إلى حد و لا يزال نسبة للتلميذ ، ليست المدرسة ذلك الفضاء حيث نقوم فيه بالأشياء المتضمنة للمعنى لكنما الأشياء التي تتلاءم و أوامر بعض المدرسين أكثر أقل تشددا و سيطرة . لكن حينما لا نتواجد في المدرسة ، فإن هذه الأمور لا نهتم بها إطلاقا .

لو ذهبت إلى ضواحي مدينة ليون و طلبت من تلميذ يقطن مانكيت ( الحي الأكثر صعوبة في ليون ) أن يكتب لك على ظهر ورقة كيف تتم زيارته في البيت سيقول : « تتابع سيرك نحو الامام ثم تدور جهة اليسار . تبين له أن كلمة يسار « goche » لا تكتب هكذا . سيرد عليك أن ليس للأمر أهمية لأنك لا تستطع الذهاب إلى المكان .

و مع ذلك لو كان تلميذا نجيبا ، سيكتب : « تتابع سيرك نحو الأمام و تدور جهة الامام » . مع العلم أنه لا يعرف كتابة كلمة « يسار / gauche » و واضح أنك لن تأتي لزيارته و إنما فقط لتصحيح هنا خطأه الاملائي ، فيستعمل الكلمة التي يحسن كتابتها . و هذا يتماشى أساسا مع الواقعة من حيث أن في المدرسة تقام التمارين بصفة رئيسية وفق أحكام و مواضعات الأكاديمية و ليس وفق مدلولاتها بينما في خارج في المدرسة فإننا نتصرف بمدلولات اجتماعية ؛ لا نعير أي اهتمام للمعرفة الاكاديمية . هذه الوحدة هي التي يجب البحث عنها .



الحياة البيداغوجية : في الكتاب الأخير، تحدثم كثيرا عن المجلس الميتودولوجي ، في هذا الكتاب الحالي الموجود بين أيدينا تتحدثون عن الميتامعرفية . هل من اختلاف في الأمر ؟

فيليب ميريو : كلا . يُنظر للمجلس الميتودولوجي من زاوية المدرس ؛ اما الميتامعرفية ، فهو ما يحدث في رأس التلميذ . لكن الحقيقة هي ذاتها . المجلس الميتوولوجي يؤسس الطريقة التي بفضلها يساعد المدرس التلميذ لكي يزاول الميتامعرفية ، أي الفكر حول طريقته التي يتعلم بها ليصبح مستقلا .


الحياة البيداغوجية : و هذا ، هو الأهـم ؟

فيليب ميريو : بالفعل ، هذا هو الأهم على مستوى جودة التعلمات . هذا هو الأهم على مستوى فلسفة التعلم apprentissage لأن حتى تكون قادرا على فهم كيف تفهم ، هذا يشكل في حد ذاته أكثر من الفهم . المهم هو أن تصبح مستقلا حقيقيا . في الواقع ، فأنا جد مقتنع لأنني قد جربت هذا الأمر مع صغار الحضانة و رجال الجامعة على حد سواء ، أن حينما نضع أي أحد في وضعية التعقل فيما يخص طريقته التعلمية ، سيكتشف عدة أمور بذكاء عجيب .

الحياة البيداغوجية : كل حوار حول التربية يعيدنا ، على ما يبدو ، إلى قضية تكوين المعلمين . لقد عدت إليه و عالجتم الأمر في كتابكم . غير ان في الكتاب الأول ، في إشارة ، قلتم « أتساءل ، فعلا ، هل اللجوء إلى الآدب و المسرح و السينما ،الخ . هل بودكم تدقيق فكرتكم بعض الشيء حول هذه النقطة في ارتباط مع الثقافة العامة للمدرسين .

فيليب ميريو : خطرت ببالي هذه الفكرة لأن بعض السيكولوجيين يقولون أن المجرم هو ذلك الذي لا يقدر على تخيل آلام الاخر ، في حين أن بعض المدرسين ، الذين ليسوا كلهم بمجرمين ، بعيدين من هذا ، إنما يلحقون الضرر بالتلاميذ بسبب عدم مقدرتهم على تفهم الوضعية و ما تحمله من مأساة كبيرة و حالات من الوجدان . إنني اعتقد أنه من الممكن استحضار مقاربة العلاقة البيداغوجية من خلال الآدب ، في تكوين المعليمن ، مثل السينما ، و المسرح ، و ذلك فقط لكي يدرك المعلم ما يمكن أن يعنيه هذا الأمر كونه يصبح تلميذا ، يصبح مرفوضا ، و محتقرا ، و أن يشعر المعلم به بإحساسه .

اعتقد أن الانفعال هو أداة للتكوين ، و لما أقول هذا ، فإنني لا أتكلم عن التحسيس ، قصدي هو الانفعال الحقيقي . لو انتهيت من مشاهدة فيلم أو قراءة كتاب بعدما تملكني إحساس و انفعال قويين ، أترك المكان و أنا مكوَّن ، و ليس مكوِّنا بمعنى أصير أكثر إلتصاقا بالانسانية ، برموزها التي يعبر من خلالها الطفل الحدود و التي نسيتها في الغالب لما كبرت و أصبحت راشدا . إننا ننسى ما معنى الخوف في حالة العزلة امام سبورة مع ثلاثين عين تراقبك ، ننسى خوف التلميذ الغائب امام مسألة لا يفهمها .

عندما استحضر هذه النصوص ، أظن أنها قضية الثقافة العامة لكن إجمالا هي قضية القبول لملاقاة الآخر بعاطفة قوية تكشف لنا مكنون و حقيقة العلاقات الانسانية ، علاقات من شأنها مساعدتنا على أن نصير اكثر صفاء ، نحطم أقل ما يمكن من القيود و الاغلال .


الحياة البيداغوجية : نقول أحيانا ان المدرسين يفتقدون لهذه الثقافة العامة بغية مساعدة التلاميذ للقيام بالربط بين التعلمات . في تكوين المعلمين ، هل يوجد لديكم انشغالا بهذا البعد ؟

فيليب ميريو : أتمنى أن نهتم بذلك أكثر . لا يزال تكوين المعلمين متمركزا بقوة على المواد التعلمية و على مقاربة تقانية . و هذا نقاش قديم . في كل مرة نسمع أيا كان يقول هذا الكلام ، نتهمه بمحاولة تقليص المستوى العلمي للاساتذة لهدف استبداله بنوع آخر من مربى السيكولوجيا . ليس الامر هكذا إطلاقا . لست ابدا من أنصار المطالبين بحدف الفيزياء من البرنامج الدراسي المعد للمدرسين الجدد ؛ أنا معهم في تدريس الفزياء بشكل مختلف عما يتم تدريسه للمهندسين الجدد . أتمنى أن تدرس الفزياء و ذلك بدمجها مع الجوانب التاريخية ، و الاييستميولوجية ، و السيكولوجية .

الحياة البيداغوجية : أريد أن أقول كلمة حول التقويم . هنا يقول المدرسون بأنهم مطالبون بالتقويم طيلة الوقت ، بأنهم في حالة دائمة و مستمرة للتقويم و لا يمتلكون تقريبا الوقت الكافي لمزاولة التدريس .

فيليب ميريو : هذا صحيح ، عندنا نفس الشيء ! أرى في التقويم مكانة كبيرة . من الواجب اتخاذ المزيد من الوقت في التعلم و و القليل من الوقت في التقويم . إن التقويم بقدر ما يمتاز بالقوة بقدر ما يشل حركة التعلم . مخافة من الوقوع في الخطأ و إصدار الأحكام ، لا يبحث التلاميذ عن الحل ، لا يجرؤون على تقديم مقترح خوفا من الخطأ . يوجد نوع من المرحلة التقويمية حول النظام التربوي الذي يتجاوز بعيدا حتى تلك اللحظات حيث نجري فيها التقويم ، مما يجعل التلميذ يشعر دوما بأنه مقوم ( مراقب ) ؛ هذا الأمر يعرقل سيره و يشله في تلمساته ، و في خياله ، و في بحثه عن الجواب .


الحياة البيداغوجية : يبدو لي أن الرسالة المهمة في آخر كتابكم ، في التربية أكثر من اي شيء آخر ، و هي انه من غير الممكن السماح لأنفسنا بالتناقض ، بمعنى أن الفعل يجب أن يساير و يطابق القول ، أن الوسائل يجب ان تتلاءم مع الغاية المنشودة ، في كلمة من الواجب أن نفعل ما نقوله و أن بهذا المعنى كل الممارسات الديداكتيكية ليست محايدة ؟

فيليب ميريو : اعتقد أن فكرة الانسجام و الملاءمة هو فكرة قوية جدا . هذه الفكرة في روحي قوية جدا جدا . أعبر عنها في معظم الأحيان متكلما عن ضرورة التشبت بالقول و مصداقيته . أعتقد أن التربية هي الفضاء المخصص لتثبيت القول المتعاهد عليه . و القول المتعاهد عليه هو رسالة تربوية عظيمة. لا شيء يفقد ثقة المربي سوى عدم الوفاء بالقول ، يعني التلميح بأشياء و العمل بمقتضى ضدها ، أن يتم إعلان عن أمور كواجبات تتخذ من طرف التلاميذ و لا نفعلها نحن بأنفسنا . الوفاء بالقول ، هو أمر صعب لأننا نتواجد دائما بين مقتضيات عدة . لكن القول المؤكد الثابت هو بلا شك أفضل وسيلة نقدمها للطفل كي نمنحه ثقته ، و أبعد من هذا ، كي نقدر على إلزامه بعدم إهمال أقواله . لكنه أمر صعب ، يلزم المعاودة في كل يوم .




الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى