ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى السماعلة
مرحبا بك بيننا زائرنا الكريم، تفضل بالانضمام الينا
https://smaala.forumactif.com/
ملتقى السماعلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ننهي إلى علم الجميع أن الإشهار خارج عن سيطرة الإدارة
اسالكم الله أن تدعوا بالنصر لأهلنا في غزة

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

التدريس : واجب التلقيــن و وسائل التعلــم . Philippe Meirieu

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

مبشور

مبشور
كبير مشرفي القسم التربوي
كبير مشرفي القسم التربوي

التدريـس :
واجب التلقيـن و وسائل التعلــم


Philippe Meirieu Professeur à l’université LUMIERE-Lyon 2



    كان يكتب القديس أوغسطين في القرن الخامس الميلادي " من يطلب العلم بطريقة جنونية فليرسل ابنه إلى المدرسة لكي يعرف كيف يفكر المعلم ؟ ". في عالم يتسم بالتعددية و يرى ثوابته الأكثر رسوخا تتأرجح ، فإن هذا السؤال يعتبر أكثر أهمية من أي وقت مضى . لماذا  نرسل أطفالنا إلى المدرسة ؟ ماذا نريد أن نلقن لهم ؟ قال رينيه شار " إرثنا لم تسبقه أية وصية ". وصحيح أننا لا نعرف تماما ما يجب علينا أن نتركه لأطفالنا .  آباء ، و مدرسون ، خبراء و سياسيون غير قادرين على الاتفاق على أهداف و غايات التعليم . المدرسة ـ  " المدرسة الاجبارية للجميع " التي نناقشها في هذه الورقة  ـ  مقسمة بين وظائف متعددة و متناقضة : تدريس التحكم في اللغات التقليدية وتعليم التكنولوجيا الجديدة ، تلقين التراث وتمكين فهم القضايا المعاصرة ، أخذ بعين الاعتبار الاختلافات و الفروقات وضمان ثقافة مشتركة ، توفير النجاح في الامتحانات وتعلم قواعد الحياة في المجتمع ، تكوين على احترام  البيئة والسلامة الطرقية ، تربية على الصحة ، وقاية من مرض الإيدز ، إبلاغ عن مخاطر تعاطي المخدرات و أيضا أشياء أخرى  .

    هذا التضخم يؤدي حتما إلى فقدان شرعية المعارف المُدَرَّسَة  لدرجة أن وضعيات التعليم في كثير من الأحيان تشبه ، والغريب جدا ، لـ " صراعات في الرأي" : المعلم له رأي ، و يدافع عنه . و التلميذ له رأي آخر . ويجب على أحدهما أن يستسلم في صراع على السلطة و أن لا شيء ولا أحد يبدو قادرا على التحكيم . في معظم الأحيان ، يتنازل التلميذ ، ولكن على طريقة الاضراب : يوافق على الامتثال للمعلم ، في اعتقاد وأن يفعل ما يطلب منه  ... مع الاحتفاظ بالحق في رفض أي قيمة لأنشطته المدرسية بمجرد أن يلج القسم . وهكذا ، فالتعليم ، وحتى عندما يمارس في المدارس العمومية ، فإنه يلعب ، في كثير من الأحيان ، في مكان و وفقا لأسلوب خاص ... منزوع الشرعية الخارجية وحيث أن المعلم يجب ، في كل لحظة ، أن ينجح في فرض سلطته . فإذا كان هنالك أزمة المدرسة ، فهي موجودة هنا . في هذا الاختفاء التدريجي لكل مرجعية ثابتة و مستقرة ، في  تحدي كلي مشترك و مقبول من لدن جميع الأطراف .  في هذا التصعيد في المواجهة - مفتوحة أو مخادعة – التي تبدو أنها تميز ، أكثر بكثير من حالات العنف الصريحة ، المدرسة الفرنسية اليوم .

     يتطلب مثل هذا الوضع ، بكل بداهة ، معالجة سياسية . إن قضية المعارف المُدَرَّسَة وأهداف التمدرس الاجباري لا يوجبان الاستمرار في المعالجة بطريقة امبريقية ، وفقا لعلاقات القوى بين جماعات الضغط . القفزات الفجائية الأخيرة للمؤسسسة المدرسية تبرز أنه من المستحيل تطوير الأمور إذا اشتغلنا  بالإضافات وبتر أطراف الوضعية . مثل هذه الطريقة لا تنجح إلا في استقرار التوازن الهش ، على حساب الاتساق الحقيقي للتكوين . والأسوأ من ذلك ، أنها تثبت ، حتى بداخل النظام المدرسي ، نقاشا الذي لا يقدر ، الذي لا يجب ، أن يتقرر داخليا : شرعية المدرسين و المعارف التي يدرسونها لا يمكنها أن تأتي إلا من خارج المؤسسة .  مأموريتهم  ، الفكرية ، الاجتماعية  والسياسية ، يجب أن تكون محددة من قبل الدولة . في كل مرة يبحثون ليحلوا محل الدولة ، في بحثهم إذن عن تعزيز شرعيتهم ، فإنهم يضعفونها . و قد ضعفت ، و بالتالي يلزمهم أن يفرضوا أنفسهم . أن تفرض نفسك على التلاميذ وعلى وأولياء أمورهم ، أن تفرض نفسك على الجسم الاجتماعي الذي لم يكن جزءا مساهما في تحديد مأموريتهم .

    لذلك من المستعجل أن التمثيل الوطني – البرلمان – يهتم  بالقضايا الرئيسية للتربية الوطنية ،  وقبل كل شيء في البداية ، القضايا المتعلقة بالتمدرس الإجباري : لتحقيق الاستقرار بسرعة كبيرة  في المحتويات ( البرامج و أهداف نهاية  السلك) كما أيضا في الشروط (من حيث عدم تجانس الأقسام ،  اللجوء في حالة وجود صعوبة لدى التلميذ أو إجراءات التوجيه).

    ولكن ، نظرا لضرورة و أهمية هذه الشراكة ،  فهي لن تسمح بأن تقوم  بدون التفكير البيداغوجي الخاص بها على ما يحدث أثناء العلاقة بين التعليم والتعلم . بما أننا نريد دمقرطة ولوج المعارف وعدم حجزها لمن يطلبها أو يعرف لماذا ، وكيف يمتلكها ، فإنه من غير الممكن ، في الواقع ، سماح  الاشتغال على نطاق واسع  للتواطوءات السوسيولوجية العشوائية  في المؤسسة المدرسية .  يجب أن نجهز أنفسنا بأدوات ذات معقولية و وضوح  لـ " الشيء البيداغوجي " ، وعلى وجه الخصوص ، الوسائل لكي نفهم  مقاومة التلاميذ الذين يرفضون أو لا يصلون إلى التعلم  .



التلقين هو ضرورة و عدم التلقين استقالة ...

    لا يوجد مثيل حيث أن إنسانا قد يصل الى حالة البالغين دون تدخل في حياته من غيرهم من البشر، و هؤلاء البشر هم كبار . الطفل ، في الواقع ، يأتي إلى العالم  وهو في عجز تام و بلا حد ولا يمكنه أن ينمو إلا إذا " استدْخِل في العالم " ، إلا إذا الكبار" قاموا بالتقديمات " و تكفلوا بمجيئه في هذه الدار . هنا ، يجب تعليمه قواعد أولئك الذين استقبلوه و رحبوا به  . هذا الأمر ليس سهلا : الاندماج  في الميدان هو دائما مؤسسة " التدجين " ، و مسألة المواقيت التي يجب احترامها ، وعادات يجب اتخاذها ، و رموز امتلاكها ، و واجبات التي يجب الخضوع إليها . يتميز الانسان ، يفسر علماء الأنثروبولوجيا و بحاث العلوم المعرفية على حد سواء ، بقوته الخارقة و الرائعة في التعلم . ولكن على الجانب الآخر الخفي من الميدالية ، و هو أن الطفل يجب أن يتعلم  من كل ما سوف يسمح له بأن يعيش مع رفاقه .

     لذلك فالشخص الذي تلقى تربية لا يمكن أن يختار لنفسه ما يحتاج إليه إلى أن يكون تربية . لم يختر أطفالنا اللغة التي سوف يعبرون بها ،  و لا العادات و التقاليد التي سوف يعيشون بها . كما أيضا لا يستطيعون ، في المدرسة ، اختيار المواد التخصصية التي سيكون من الواجب تعلمها لكي يدمجوا في المجتمع . لو كان الطفل باستطاعته على أن يختار موضوعاته التعلميه ، فهذا معناه أنه قد تربى بالفعل .  ولا " حترام " يمكن تبريره هنا للامتناع التربوي . لدى الكبار أمر" سبق الواجب " . لا يمكن التخلي عن الطفل  دونما إدراجه في التاريخ .

     لا شك في أن مسألة التلقين كانت تطرح بالأمس بشكل أقل مقارنة مع وقتنا الراهن .  حنة أرندت ، في أزمة الثقافة تفسر، بالفعل ، أن المدارس الآن يجب أن تلعب الدور الذي ، في العصور السابقة ، قد كانت تقوم به الأسر بشكل طبيعي . لم تكن هناك في زمن بعيد ، الاختلافات من جيل إلى آخر كانت محدودة ؛ و الأجيال تتداخل  فيما بينها بشكل كبير بالشكل الذي أن الرباط بينهما كان مكفولا إلى حد ما عن طريق الاشباع imprégnation . كان التلقين يتم هنا ، في الأيام الروتينية من السنوات الأولى من الحياة ، ثقافة كلها كانت تترسب و تسمح للثقافة المدرسية بأن تتطور على مكتسب مستقر نسبيا .  بين أجدادنا وآبائنا ، هناك عدة أشياء كثيرة لم يتم تعليمها عن وعي : لقد تم تلقينها و نقلها في نوع من الاستيعاب البطيء ، دونما التفكير فيها حقا ولا أن تكون نتيجة عمل منظم  وممنهج .

"القلق الأسري " هو قلق فاشل ، أسوأ مما كان في أي وقت مضى ... حتى لو كان غيرعادل في العمق لوصم " الاستقالة " من الآباء والأمهات الذين يعانون أيضا ، من وضعية  لم يسبق لها مثيل تماما . و الحال ، أن المربين ، منذ  زمان إلى حد الآن ، اشتغلوا مع أطفال أيتام حقيقيين أو غير حقيقيين . يدركون أنهم  يعززون نقل الثقافة لكي يتمفصل الفرد في التاريخ ، لتمكينه من فهم الحاضر على ضوء الماضي لابتكار المستقبل .  أبعد من أن يتخلوا عن التلقين ، فإن "البيداغوجيين التاريخيين" هم من أصابهم الهوس : باسم مبدأ  القابلية للتربية ، يريدون على الاطلاق النقل و التلقين ومنذ إيتارد واختراعه للألعاب التعليمية الأولى لتعليم فيكتور أفيرون  - و وصولا إلى ممارسي " بيداغوجية عبر الأهداف " و " بيداغوجية التحكم " -  مجزئين المعرفة في تصنيفات عالمة للتأكد من اكتسابها  -  يصرون على التعليم و القيام بالتعلم . إلى درجة الاصابة أحيانا بالمرض او السقوط في العنف و التلاعب . فلأنهم قد كانوا على اتصال مع الأطفال الأكثر عصيانا ، فإن البيداغوجيين قد عاشوا و وصفوا قبلنا الجموح و الاحتدام للارادة التربوية ، و إغراءات المدرس في وجه المقاومة والرفض : إبراز القوة ، والرضى بالخضوع في الواجهة ، التخلي و إبعاد العصاة ، و الالتفاف على حريتهم وتقييدها . فهم يشهدون ، في  كتابات خرقاء أحيانا ، ما يعيشه الآن العديد من المدرسين . وكلهم يعبرون ، بطريقة أو بأخرى ، على  نفس الاكتشاف الضروري والصعب : لا بد من التلقين ، ولكن لا شيء يلقن حقا إن لم يكن مستعاد بحرية من طرف الفرد الذي  يتعلم .



التلقين هو طريق تعليمي مسدود  ...

    والمشكلة ، في الواقع ، هو عندما تواجه إرادة إرادة آخرى : " أنت سوف تعمل و أنا هو الضامن و المكلف ؛ و لن أتركك حتى تفهم . سأشرح لك مرة ثانية حتى تعرف ماذا تفعله و تقدم لي في المقابل الحجة و الدليل . عزيمتي لن تقهر . وسوف ينتهي بك الأمر للاستسلام ... " نحن هنا في موقف الرجل البالغ الذي يعتقد أنه يمكن علاج فقدان الشهية بواسطة التغذية عبر الأنبوب " : سوف تأكل لأنني أريد ذلك . سوف تنام لأن هذا قراري . سوف تكبر لأنني أرغب في ذلك . " رغبة تغتاظ و تقوي العناد والاصرار . ثم تتأرجح العلاقة في النهاية في مواجهة جهنمية حيث أن المدرسين غير مستعدين لها و يخرجون منها ، في كثير من الأحيان ، بجراحات . لأنه عندما يُتْرَكون في نهش العلاقة الثنائية ، يجب على المعلمين مواجهة الشباب الذين يمتلكون أسلحة الإقصاء : القدرة على التعرف على نقاط الضعف في الآخر، و الحد من نزيف الجراحات .

     في الحقيقة ، إن وظيفة التلقين ، عندما تدعي أنها تقام بموجب مرسوم ، تحمل دائما إنكارا ضمنيا لمكان الفرد في تربيته الخاصة . لأنني لا يمكن أبدا ، على الرغم من كل جهودي ، أجبر أي أحد بأن يتعلم . قد يكون من الممكن إرغامه على تكرار جملة ، و أداء إشارة ، و تطبيق قاعدة ... لكن لا يوجد شيء هنا من شأنه أن يبرز تعلما إنسانيا على وجه التحديد ؛ نظل هنا في سلم الترويض أو نظام " الميكانيكا الاجتماعية " .

     كثير من الفلاسفة ، فضلا عن ذلك ، وعلى الرغم من " نظرية المعرفة " المؤطرة بقوة ، يكشفون عن وجود فجوة غير قابلة للاختزال في كل تعلم : من مينون أفلاطون إلى مفارقة آلة القيثارة في الأخلاق النيقوماخية لأرسطو، من القديس أوغسطين إلى ديكارت ، من باسكال إلى روسو ، من برغسون إلى جانكيليفيتش أو حتى إلى فوكو و إلى دولوز، فإننا نجد نفس التيمة المستمرة والباقية  للتعلم كخطر غير قابل للاختزال أمام الظروف التي تسمح بظهوره  . حسب طريقتهم ، فإن معظم البيداغوجيين لا يقولون شيئا آخر : مونتيسوري ، و فريني ، و كوزيني ما فتئوا يكررون أن المعلم يجب أن يصاحب ولكنه لا يمكنه إلا أن يصاحب فقط  . ممنوع القيام بفعل في مكان الآخر . حتى رفض التدريس عند روجرز ما هو ، بلا شك ، سوى تعبيرا مواتيا ، في سياق علم النفس الأمريكي ، للحقيقة اليقينية البناءة  " ما نتعلمه حقا هو ما قد حصلنا عليه بأنفسنا ". و جاكوتوت ،  في الأخير ،  الذي ، في تحريض قوي ، دافعا حيلة روسو إلى أبعد حد ، يعتقد أنه لا يمكننا أن ندرس سوى ما نجهله : عندما نعرف ذلك ، نفسره و نمنع الآخر من اكتشافه  ... بالتأكيد ، جاكوتوت يدفع بالحدق والمكر ليتركنا نعتقد في أن الجهل هو الذي يعمل في حين أنه ، بالأحرى ، الاستدراك ، و اعتدال المدرس الذي ، في الوقت الذي يلقن ، يترك للآخر مساحة كافية لكي يتعلم .

      في واقع الامر ،التعلم ليس سهلا بأن يختزل في الفئات التقليدية للسببية : و السبب ، هو البحث في فعل شيء نجهله و ذلك بممارسته . و المقصود هنا هو القرار الذي لا يمكن لأي أحد أن يتخذه في مكان شخص آخر : " أنا لا أعرف الكلام ولكن لا أستطيع أن أتعلم كيف أتكلم إلا عن طريق التحدث .  أنا لا أعرف حل معادلات ولكن يتوجب علي أن أتعلم ذلك بالتغلب على مخاوفي ، و كذلك عندما أنخرط في قراءة كتاب متجاهلا الصعوبات التي سوف تعترض طريقي ... "  . وهذا هو الحال مع كل شيء أستطيع أن أتعلمه و إنجازه ، بدءا من الدرايات الأكثر تفاهة  إلى الأنشطة الأساسية للإنسان : لا يمكن أن ننتظر معرفة كيفية السباحة لكي نذهب إلى المسبح و بالمثل الانتظار معرفة الحب لكي نحب ...

      إننا هنا نواجه صعوبة توجد في قلب التفكير البيداغوجي : يجب أن أكون وفيا لواجب أمر التلقين ، وفي الوقت نفسه ، أسمح للتلميذ بأن يمتلك بذاته ، في اتباع نهج يكون فيه هو الفاعل ، المعارف التي يجب علي  تلقينها .  ولأنه ، بالضبط ، يرفض أن يختار بين هذين المطلبين فهذا ما جعل البيداغوجي يقوم بالفعل البيداغوجي .



التربية هو القيام بالتوسط  " ليعمل كل واحد بنفسه " (Pestalozzi).

      أصبح من الشائع أن نربط اليوم أزمة المدرسة  بفقدان معنى المعارف المدرسة . ومع ذلك ، فقد أشار التقليد البيداعوجي منذ فترة طويلة ، حسب عبارة  ديوي ، أن " كل درس ينبغي أن يكون جوابا ". ولكن هذا التلقيد خلط طويلا بين المعنى والفائدة .  في محاولة لإظهار المعارف كحاجة ضرورية  لحل مشاكل أو فهم حالات ملموسة ، فإنه أعطى امتيازا للمعارف الأداتية ، إن لم يكن معارف ـ الفعل الأكثر امبيريقية  . باسم " التجربة عن طريق الخطأ " المعلنة من طرف فريني ، أحال التقليد المرامقة إلى رمز وثني طقسي ، مشكلا خطورة إبعاد التفسيرات النظرية الأكثر تعقيدا مستهدفا فعالية فورية . لكن بحلول سنة 1960، كان لويس ليجراند ا يدافع من أجل بيداغوجيا الدهشة ، مشددا على البعد الرمزي للمعارف و رافضا اختزالها في المنفعية .

     و نظرا لاتسام هذا المنظور بالراهنية ، بشكل أدق، فإن الطابع المنفعي للمعارف المدرسية مرفوض من قبل التلاميذ أنفسهم ، سواء ما يتعلق بنجاحاتهم الخاصة (لم يعد ينظر إلى المدرسة كأداة للرقي الاجتماعي) أو فيما يرجع لقدرتهم على مساعدتهم على فهم العالم . فلا فائدة في إنهاك أنفسنا لتفسير منفعية المعارف المدرسية للتلاميذ  ... هذه المعارف هي مسبقا لا أهلية لها . لا نجعل شخصا يستمع للعقل و هو خارج عن العقل .

     يجب أولا إعادة توطيد المعرفة في نظام الرغبة ، و إعطائها مكانة داخل الفضاء الرمزي للتلاميذ . و الحال ، لقد تخلت المدرسة عن الرمزي لفائدة السوق . والت ديزني ، والمانغا ، و أفلام الرعب الأمريكية جمعوا ثروات من خلال استغلال المساحة المتبقية الفارغة من قبل علمانية باردة . بعدما يفرغون  كل ما لديهم من مصروف الجيب في ألعاب الفيديو والأفلام السينمائية الرائجة ، يعود الأطفال إلى القسم " لأن هذا إلزامي" وللحصول، إن أمكن ، على بعض النقط و الملاحظات تسمح لهم بـ " الحد من الضرر". لا شيء من كل ما هو ضروري للإنسان نعثر عليه في المعارف المدرسية ، الكل مسترجع من قبل  " البيداغوجية المصرفية "، كما كان يقوله باولو فريري .

     يجب أن نعمل في هذا الميدان إذا كنا لا نريد أن نترك المدرسة فارغة من كل مضمون : سوف لن تجد طريق الرغبة في التعلم إلا إذا سمحت باكتشاف ثقافة كونية عالمية تعيد بناء سلسلة النسب généalogique  وترمم بنوة " الإنسان " . ولهذا ، يجب إيلاء الاهتمام  ، في مختلف الثقافات المعبرة ، إلى ما  يرن ما وراء كل  أحد ، يمس الثوابت الأنثروبولوجية ويربط الكائن الفريد مع أقرانه . لا تنازل كيفما كان في هذه العملية ، بل على العكس تماما .  مطلب قوي الذي يمفصل الشخصية الحميمة والعالمية .  لأن هنا حقا هو الرهان في كل تربية : فنحن لا نساعد إنسان في البناء و نجبره على التخلي عن تاريخه وعن تغذية رغبته في أعماق نفسه . لكن لن نساعده ، و بالمثل ، في بناء ذاته و نحرمه  مما  يمكن أن يمنحه شكلا لرغبته ، إدراجه في تاريخ البشرية ، وربطه  بالآخرين  في نسب و بنوة حيث يجد الكل مكان " الاعمال العظيمة "، والأسئلة الأساسية للعلم ، والإبداعات الأكثر أهمية في تاريخ البشرية : لاسكو وحساب التفاضل والتكامل ، غاندي وشجرة التملق ، خرائط الكنز والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، هوميروس واينشتاين ، موزارت وهيرودوت ...

    من أجل هذا فنحن في حاجة ، كما يدعونا جيروم برونير في كتابه الأخير، للعثور أو اختراع " فن استغلال الأسئلة ، ابقائها على قيد الحياة " ، لأن بهذا ، ليس فقط نعيد الارتباط بين الأجيال ، ولكن أيضا نتعلم التواصل مع أولئك الذين ، اليوم ، يطرحون نفس الأسئلة ، حتى لو لم يقدموا نفس الإجابات .  بين النسبية الفارقية ، من جهة ، والتي تعين الأفراد بمقراتهم الاجتماعية والثقافية ، والشمولية العقائدية ، من جهة أخرى ، و التي تتبع الاستعمار من الداخل، فإن هناك مكانة للبيداغوجية حيث يتعرف جميع التلاميذ من خلالها أولاد و بنات على نفس القضايا ، قادرين على تحمل بدون عنف إجاباتهم المختلفة .  

    " بدون عنف " ، في عالم سلمي وهادئ : هناك بالضبط توجد المشكلة بالنسبة للكثير من المدرسين . لأننا نشهد الآن نشوء بالقوة  لظاهرة رئيسية : التلاميذ يأتون إلى القسم بشكل متزايد " تحت الضغط " . المشاكل الاجتماعية ، والاقتصادية ، والعاطفية التي يعيشونها في مكان ما تجعلهم أقل جاهزية للمعارف المدرسية التي تعرض في نوع من الشفافية العقلانية .  كل شيء بالنسبة إليهم جلد عميق ؛ خطوط و آلات و تجهيزات مباشرة مع أدنى تفكير ، لا أهمية له بالنسبة للمعلم الذي يدلي به ، و ها هم يخرجون عن الطور . ننظر إليهم نظرة ثابتة وقتا طويلا وهم يظنون أننا نتجسس عليهم ، و حينما لا ننظر إليهم يعتقدون أننا نتجاهلهم . إن العلاقات بداخل القسم ما كانت بالمثل مشحونة عاطفيا ، وفي كثير من الحالات، لم يكن القسم أيضا خاليا من الموضوعات القادرة على تنشيط و تخفيف العلاقات التي تتفاقم .

    لهذا السبب فالممارسات البيداغوجية المستلهمة من " الطرق النشطة " و " بيداغوجية فريني " أو ما أطلق عليه جورج شارباك مؤخرا باسم " اليد في العجين " مثيرة للاهتمام  . طرق " نشطة " عن وعي و إرادة ، فهي بأي حال من الأحوال " غير توجيهية ". على العكس من ذلك ، تسهل إمكانية الوصول إلى القانون ، إلى قواعد الحياة الجماعية و إلى المعارف الأساسية التي تصبح هنا  ضرورية لتنفيذ المهمة المشتركة . عندما يواجه الأطفال تجربة علمية ، عندما يمتلكون بروتوكول العمل ويمكنهم أن يلاحظوا بأنفسهم "ما يعمل" و "ما لا يعمل"، فهم مضطرون ترك علاقة القوى البسيطة . شريطة أن يكون المعلم حريصا على أن أي عضو من أعضاء مجموعة لا يخفي نتائج أو يفرض الصمت على أي أحد ، والتلاميذ ، رغم صغرهم  الفائق ، بإمكانهم الوصول إلى المداولة حيث تبنى الحقيقة تدريجيا ، خارجيا بالمقارنة مع التوترات العاطفية والمشاكل الاجتماعية التي من الممكن أن تحدث في مكان آخر . وبالمثل ، الاشتغال على النصوص يمثل فرصة ثمينة بأن نتواجد في مواجهة موضوع موجود و مقاوم ، يقول ما يقول ، و حيث لا نستطيع أن نقول أي شيء إزاءه ... غير أنه يعطي لنا الحق في استثماره داخل الفجوات ، نجرؤ على تأويله و تفسيره في المساحات المفتوحة بين الكلمات والجمل . وماذا نقول عن خريطة الجغرافية ، و رسم مبياني للاقتصاد ، و صفحة للغة أجنبية ؟ كل هذا يشكل موضوعات ثقافية التي يمكن أن تحقق العلاقة ، المُشَكِّلة لبناء  الذكاء ، بين الظاهر l’extériorité و الباطن  l’intériorité : لأن الواقع الظاهر هو واقع  " صعب "،  يقاومنا ولا نقدر أبدا فرض قانوننا عليه بالكامل ... ولكنه يتيح لنا ، مع ذلك ، أن " نصنع اللعبة " ، أن نقول : " أنا أفهم " ، " أنا أعرف " ، " أنا أتردد " ، " أريد أن أرى بوضوح " ... فلأن المدرسة أوجدت الكائنات و الموضوعات ما جعلها تسمح بظهور الافراد .

     إذن ، المقصود  في المدرسة ، هو الخروج من المواجهة وجها لوجه بين الآراء التي تبحث فرض نفسها بالقوة ، التقليد أو ببساطة السلطة .  كما نادى به  برنار راي على نحو مناسب ، " المدرسة هي المكان الذي نتعلم فيه أن الحقيقة لكلام ما ليست مقتصرة بالحالة من ينطق بها ". الحقيقة تكتشف و تبنى هنا في عملية شاقة من المواجهة ، في عمل حيث نتجرد تدريجيا من طموحاتنا التوسعية ، و من حيث نقبل التشكيك و إعادة الطرح من جديد ، أن نكون مخطئين ، أن نعيد النظر في رأينا . المدرسة هو المكان الذي يجب فيه فك الارتباط لـ "إما نعم أو لا "، هو المكان الذي، على وجه التحديد، يوجد فيه حوار و مناقشة ، و التأمل و النظر قبل الانضمام و الانخراط .

    وبالتالي ، إذا كانت لدى المدرسة مأمورية تنشئة التلاميذ ، فذلك من خلال التنفيذ التدريجي للمواقف و الوضعيات التعليمية حيث مواجهة الأشخاص يمكن أن يتحكم فيها شرط الحقيقة . وفي هذا الإطار هو ما يجب القيام به في التعلم الأساسي للتأجيل : تأجيل فورية الانفعلات ، و تأجيل التعبيرغير المنظم للأحاسيس ، و تأجيل الاحكام المسبقة ، و تأجيل قواعد و أحكام العشيرة أو تجمعات الانتماء .  يجب أولا  " وضع الرماح " يقول مارسيل ماوس في نهاية موضوعه حول الهبة ، آخذا استعارة  فرسان المائدة . لا بد من آليات بيداغوجية للتمكن من بناء فضاء مدرسي يسمح للعمل الفكري و يبني النقاش الديمقراطي . في نهاية المطاف ، الرهان أساسي : يجب علينا أن نتعلم الفرق ، من ناحية ، بين الحقيقة الثابتة و المستقرة ـ و لو مؤقتة - من قبل الرجال ، و بين ما يؤسس ، من ناحية أخرى، الحجج المفندة - بفضلهما نتقدم بشكل فردي وجماعي في بناء الحقيقة -  ، و ما يشير إليه ، في النهاية ، إلى اختيارات شخصية - تفضيلات فردية مشروعة ولكن لا نستطيع فرضها على أي أحد .



وسائل التعلم

لتحقيق ذلك ، و بعيدا عن اختلافاتهم ، يقترح البيداغوجيون بناء آليات بيداغوجية تخضع لسبعة مبادئ أساسية وهي :

1) رفض العلاقة التناجزية و إستدخال بطريقة ممنهجة " الثالث المنشط " : موضوع الصفقة البيداغوجية ليس هو العلاقة المباشرة التي يعتني بها المعلم مع التلميذ . الموضوع الذي يجمعهما معا  يرجع لـ " العالم " ، و يحمل مقتضياته الخاصة التي تتجاوز السلطة ، و الأهواء والانتماءات المختارة لكل الحاضرين.

2) تميز المهمة والهدف : الأساس في النشاط التعليمي ، ليست أبدا هو " المنتوج "، النتيجة الملاحظة مباشرة (وثيقة أعدت بشكل فردي أو في مجموعات ، والواجبات المنزلية والمذكرات ونتائج الامتحانات ) .  الشيء الرئيسي هو التقدم المنجز من طرف كل واحد ، و المعارف التي اكتسبها التلميذ و التي يمكن أن يستثمرها ، والطريقة التي استعملها و سمحت له بالنمو . عندما يركز المعلم على المهمة و عليها وحدها ، عندما لا يُقَوِّمُ إلا المهمة   la tâche ، فإنه يحث التلميذ على الحدس و التخمين ، على الغش او التحايل ؛ فهو لا يشجع التعلم .  العلاقة بين المهمة والهدف علاقة فارقية بين وضعية التدريب و وضعية الإنتاج : في مجال التدريب ، الهدف هو الأول ، و في الإنتاج ، فإنها المهمة .


3) تنظيم التبادل بحيث أن هذا الاخير يخدم تقدم كل واحد : التبادل ، في القسم ، ليس مواتيا تلقائيا للاستثمار من قبل الجميع ، لانخراطهم بالتلمس في معرفة  لا يتحكمون فيها حتى الان .  المخاطر المتأصلة في كل تعلم تتطلب تعليق أو وقف ضغط  تقويم المدرس و يعمل على أن يضمن أيضا أن لن يستخدم بقية التلاميذ  السخرية أو الإهانة التي لا تشجع على " شجاعة البدايات " ، التي تحدث عنها جيدا فلاديمير جانكيليفيتش والتي بدونها لا يستطيع أحد أن يحاول القيام بشيء ما زال يجهله لكي يتعلم فعله .

4) تميز الأوقات و الأماكن : العيش معا ، هو التعلم أن كل شيء غير ممكن في كل وقت وفي أي اتجاه ، و أن هناك لحظات للعمل ولحظات للمناقشة ، فضاءات للمبادرة الفردية والتجمعات لسماع التعليمات الجماعية . و هو أيضا الاطلاع على أنه يوجد هناك وقت لتلمس الطريق حيث لا ينبغي أن نخضع للتقويم و وقت آخر للتحقق حيث يعد التقويم ضروري ويسائل كل فرد من الافراد . العيش معا ، هو احترام الرغبة المشروعة  للجميع بأن يمتلكوا " فيما يخص الآخر " ويستدخلوا بنيات وهياكل التواصل و التبادل حينما تصبح هذه الاخيرة  ضرورية للحياة الجماعية .


5) الاشتغال يصبح عادة و احتفالية  ritualiser : لا أحد يصل إلى عمق و حقيقة الكلام بدون طقوس او عادات . العادة التربوية هي إطار ... ليس " إطار مملوء " ، طائفي ، حيث يتخلى الفرد عن كل هوية لصالح المجموعة لكيلا يحصل على وجوده إلا كعضو من تلك المجموعة ؛ لكنه " إطار فارغ " الذي يضمن ، بفضل استقراره وانتظامه ، توزيع الأدوار ، وطريقة تشغيله وحضور لذاكرة جماعية ، أن يكون بمقدور الجميع  العمل بدون مخاطر كبيرة .

6) حشد الموارد : هو النتيجة الطبيعية للعناد في إرادة  تحقيق نفس الأهداف الثقافية نفسها بدون " تمرير العنف " و لا تشجيع مواقف الرفض أو التستر و الإخفاء . إكثار الموارد ، معناه توفير عدد من الاجراءات الممكنة لتشجيع ودعم الإصرار على التعلم . هو تنويع الأساليب ، والاستخدامات وأنواع العمل مع مرافقة كل واحد لتجنب التشتت ، و التذكير بالأهداف  والمساعدة في التقييم .


7) تقديم تدخلات : لا أحد يصل في دفعة واحدة  إلى الأهداف التي نرسمها له ؛ في الطريق ، هناك العديد من الصعوبات ، والأخطاء التي لا مفر منها . ليس الخبث او الحثالة هي التي ما ينبغي التخلص منها . الصعوبات والأخطاء ، على العكس من ذلك ، تعتبر فرص التحليل وسبل التفاهم و أوقات سانحة لتقديم تفسيرات أخرى ، اقتراح مداخل أخرى . " التدخلات " ، على هذا النحو ، ليست مجرد " استدراك " ( سد الثغرات ) ، وإنما هي أداة تنظيمية و تعديلية في الأساس ، وسيلة لتحفيز الابتكار البيداغوجي . و هي أيضا ، اليوم ، وسيلة لمحاربة التطور الفوضوي للتدخلات الخارجة  عن المؤسسة التربوية بحيث استخداماتها تعتمد إلى حد كبير على الوسط الاجتماعي . وأخيرا، فإنها مما لا شك فيه إمكانية لمكافحة فعالة ضد المنافسة بين المدارس والمؤسسات .



استنتاج

    فليكن مسموحا لي ، أن اخاطر بتصوير الأشياء بصفة كاريكاتورية ، مستحضرا في الختام صورتين ، أسطوريتين إلى حد كبير الواحدة  والأخرى ، للقسم وللمعلم ولكنهما يشيران إلى اثنين من التمثلات للتلقين وللتعلم .

    من جهة ، هناك القسم الذي وصفه ميشيل فوكو  في المراقبة و العقاب والذي يمثل نموذجه المثالي في " الفضاء التأديبي للمدارس المعنية بالتعليم المشترك ". نموذج هذه المدراس موروث من الجيش و منتشر في وقت واحد في جميع المؤسسات ذات الرقابة على الأجساد والعقول : المستشفى ، والسجن ، والمصنع . الفضاء المدرسي هنا مهيكل كأنه " آلة التعلم ، ولكن أيضا للمراقبة ، وتحديد الأفضليات ، و المكافأة " . الزمن المفروض يحل تدريجيا في الممارسة البيداغوجية ، يوضح ميشيل فوكو، بالعزل ، والتنظيم ، والمراقبة ، وتحديد المهام والوظائف، و تكليف بالاقامة المدرسية للأجساد والعقول ، واجتناب أي مشكل ، مع استبعاد جميع أنواع الشكوك وكل حالات الطوارئ . مما يعني قبل كل شيء ، في هذا الترويض للأجسام ، جعل العقول في طاعة وانصياع وتسهيل عملية التلقين المختزلة هنا للطاعة المنتجة للتمارين الموحدة .  

     بالتأكيد ، كانط و دوركهايم حاضران هنا لإضفاء الشرعية على مثل هذا الجهاز : الأول موضحا أنه يجب ترويض الحيوان المتواجد في الإنسان لاطلاق إنسانيته ، و الثاني لتبرير الترويض المدرسي باسم الواقعية الاجتماعية . لكن " الآلة المدرسية " التي يدافعان عنها قد فشلت اليوم : تم إحباطها ، أولا من ناحية ، عن طريق الحسابات الأداتية لأولئك الذين يعرفون ويمارسون بنجاح " مهنة التلميذ " (أولئك الذين يتقنون التظاهر و الادعاء بالخصوع لكي يستخدموا جيدا المدرسة وقيودها في الاستراتيجيات الفردية للنجاح) ؛ و حُطِّمَت المدرسة ، من ناحية أخرى ، تحت ضغط " الأطفال المتفجرون  enfants bolides "  الذين لا يمكن إدراجهم في أي إطار . إن أسطورة " المدرسة ـ الساعة الحائطية " انهارت على الرغم من جهود أولئك الذين يشتغلون لإنقاذ المظاهر: الفوضى التي في الواقع تحجبها دائما، تتحدث علنا اليوم .

    لهذا ، أسطورة بعد أسطورة ، فإنني أفضل أسطورة أخرى ، وهي أسطورة قسم بيستالوزي  في مدينة ستانس . في خريف عام 1798، أرسلت الحكومة السويسرية هاينريش بيستالوزي لإدارة دار للأيتام في ستانس . لقد أتى الجيش الفرنسي على احتلال بلدة  نيدوال . وكَثُرَ الأيتام المعوزين . وعلى الرغم من تعاطفه السياسي مع الثورة الفرنسية والجمهورية الهلفتيكية فإن بيستالوزي اعتبر الوضع لا يطاق إنسانيا و قَبِلَ بالمهمة الموكلة إليه . هنا ، لمس أعماق الفقر، إذ وجد أطفالا في" وحشية تامة و متعودين على التسول " ، " غطاهم الجرب إلى درجة أنهم أصبحوا غير قادرين على المشي ، والجبين متجعد من جراء عدم الثقة في ذلك الذي كان متحالفا مع الجنود الذين جعلوه منكوبا ". لا يستقرون في مكان ، يعيشون في عنف جميع الحالات والأوقات ، لا يعرفون شيئا مما يعتبره بيستالوزي " المعارف الأساسية " ولا يعطون أي ائتمان او ضمانة لـ " معلمهم " .

    لا شك أن في مثل هذه الحالة ، آخرون قد يختارون إظهار هنا زمانا و مكانا خاصين بالتعليم لتغطية بؤس العالم بطلاء البرنيق . بيستالوزي بادر ، فيما يخصه ، إلى فتح معهد قادر ، في آن واحد ، على استقبال الأطفال كما هم ،  لتلبية احتياجاتهم المادية المباشرة ، وإلى " وضع نشاطهم الفكري في حالة تأهب " : " التعلم كان بالنسبة إليهم شيئا جديدا تماما و بمجرد أن رأى البعض أنه  يتقدم إلى الامام ، حماسهم أصبح نتيجة ذلك قوي و دؤوب " .

     دعونا ننظر إلى قسم  بيستالوزي كما يظهر منقوشا في ذلك العصر . المعلم لا يتكلم  . يقدم لوحة معمارية لثلاث فتيات صغيرات . الفتيات الصغيرات ، أعمارهن مختلف ، كل واحدة  تتفاعل بطريقتها الخاصة ؛  تبادل أو حوار بدأ يرتسم الذي هدم و أفسد ، في سنة 1798، جميع الأشكال الممكنة للمراقبة والأحكام المسبقة الاجتماعية : بنات الشعب ، وهن اقفات في القسم ، يشتغلن حول القضايا المخصصة تقليديا للرجال والأثرياء ؛ وعلاوة على ذلك ، فهن لا ينتظرن تلقي تدريسا ولكن يسألن ويناقشن ؛ بل لعل أصغرهن ، بكل ثقة في النفس ، تستجوب  المعلم  . وهذا الأخير، و هو " يلقي درسه " ، يحمل يد طفل مريض بينما تلميذ آخر يراقب عن كثب ويبدو أنه في مأمن : الذي لا يستطيع التعلم لا يتخلى عنه مع ذلك ؛ يبقى حاضرا هناك ، يخضع لرعاية الجميع هذا الكل الذي يطمح إليه - نظراته تشهد - للانضمام إليهم في أقرب وقت ممكن . عند أسفل رجلي بيستالوزي ، توجد فتاة تتعلم القراءة مع اثنين من الأطفال : والمعلم ، لبعض الوقت ، فوض سلطاته إلى واحدة من التلميذات ؛ من الواضح أنها ستؤدي مهمتها بالحماس الذي يقوي انتباه الأطفال الصغار و يحفزهم على الفضول .  بجانب الفتيات ، تحت النافذة ، طفل ينام ؛ لا يخل بالسير العادي للقسم لن يعاقب و يجازى : سوف يدرس عما قريب ، شريطة أن يكون المعلم  هناك حينما يستيقظ .  طفل آخر يعمل وحده ، واقف : إنه يكتب . والهدوء و العزم  الباديان على وجهه يوحيان أنه سيستمر طويلا بعدما ينتهي القسم .على الجانب الآخر، شاب صغير يقرأ كتابا على رفاقه بصوت عال ، ثلاثة تلاميذ يبدون يقظين تقريبا ، لكن أحدهم انسحب ليظهر قلقه بينما الخامس انجذب بسهولة ، من طرف صبي ذي نظرات مريبة ، اتجاه أنشطة ربما أكثر جاذبية : التعلم ليس سهلا و إغراءات و محاولات تجنبه كثيرة ولا تحصى . لا يبدو بيستالوزي مصدوما : قوي وهادئ ، متسامح و يترك العمل . ما الفائدة في إخضاع الأجسام عندما ، على أي حال ، تهيم العقول ؟ فمن الأفضل الحفاظ على طاقتنا للمسك أو خلق فرص أكثر مواتية . على العتبة ، هناك أم تنتظر مع طفلها في ذراعيها . إن لم تكن تعمل كمساعدة عند بيستالوزي . لكنها لا تشتغل في القسم ، إنها تقدم الدعم و ترحب ، دون التدخل في وظيفة المعلم . في الخارج ، لا نزال نتصارع هناك . لكن قواعد اللعبة ،  نتخيلها ، حلت في محل العنف الشديد .

     وبطبيعة الحال ، إن قسم بيستالوزي هو أسطورة . ولكن نجد في هذه الأسطورة المبادئ التي يمكن أن تساعدنا على فهم ما يجب أن يكون عليه المعلم اليوم : قائد الثقافة . الشخص الذي يضمن القانون ويحافظ على سلامة الناس . الذي يرسم الحدود التي تسمح بأن لا تذوب في فضاء بدون حدود . الشخص الذي يساعد الناس بالتعرف بداخل الثقافة على الأصداء و أجوبة الإنسانية لاستجواباتهم الخاصة  . الشخص الذي يضاعف من الموارد ويصاحب كل واحد لكي يعطي أفضل ما لديه .

     إذا كان لا بد لي من اختيار بين النموذج الذي وصفه ميشيل فوكو و قسم ستانس Stans ، من دون تردد سوف أختار بيستالوزي . و لهذا السبب فإنني أشعر بالفخر للانتماء إلى الجمهورية التي ، بقرار من الجمعية الوطنية لـ 26 أغسطس  1792  ، " تعتبر أن الرجال الذين ، من خلال كتاباتهم و شجاعتهم قدموا خدمة قضية الحرية و أهتموا بتحرر الشعوب ، لا يمكنهم النظر إليهم كأجانب من قبل شعب أضواءه و شجاعتة جعلتهم أحرارا، (...) صرح منح لقب المواطن الفرنسي لـ هاينريش بيستالوزي ".  و ليكن هكذا بيداغوجي مواطن فخري للجمهورية الفرنسية من الواجب طمأنة جميع الجهات المعنية حول التهديدات التي تشكلها البيداغوجية على للجمهورية .

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى